( 8 ) أسامة حسين سالم
( وهابي / تنزانيا )
ولد عام 1978 م بمدينة ” كيغوما ” التنزانية ( 1 ) ، درس في المدارس الدينية الوهابية .
كان اعتناقه لمذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) عام 1993 م في مسقط رأسه ، على أثر مطالعته لكتب الشيعة وبالأخص كتب المستبصرين .
الفرق بين أن ترى وأن تسمع :
يقول الأخ أسامة : ” كنت أدرس في مدرسة التوحيد الدينية الوهابية كأي طالب يدرس في هذه المدرسة ، وكنت أدرس العلوم والأمور العقائدية التي حدّدها السلف بخطوط حمراء ، ولم يُفسح لنا المجال للاستفسار وإبداء الرأي فيما يتجاوزها .
وطالما كان يطرق سمعي في تلك الأجواء الحديث عن الشيعة وما يشنّع عليهم ، فأحببت أن أقف بنفسي على حقيقة أمرهم .
فكانت أولى خطوات بحثي هو الاستفسار من أحد أساتذة المدرسة حول عقائد الشيعة ، فأجابني قائلاً : إنّهم مسلمون ومشكلتهم هي سجودهم للتربة ، وتجويزهم نكاح المتعة و . . . ، ورغم ذلك يعتبرون طائفة لها مكانتها العلمية والثقافية في العالم الإسلامي .
ومن هناك انطلقت لأتعرف على حقيقة الأمر ، فكان لا بد لي من التحرّي والبحث بنفسي ، ووجدت أفضل الطرق للتعرّف على الشيعة في بلدنا هو الذهاب إلى مساجدهم ، وبالفعل توجهت ذات يوم نحو أحد مساجد الشيعة وصادف وقت صلاة المغرب ، فأديت الصلاة معهم جماعة وكنت أراقبهم لأرى كيفية صلاتهم وسجودهم للتربة ، ولكني رأيت الأمر بخلاف ما حدّثنا به مشايخنا ، لأنّي وجدت البعض يسجدون على ورق الأشجار والبعض الآخر يسجد على الأخشاب ! فعدت إلى أستاذي مستفسراً منه حقيقة الأمر ؟ ! فأجابني مستغرباً : لعلهم غيّروا طريقة سجودهم ! .
الخطوات الأولى لمعرفة التشيع :
لم أقتنع بمقولة أستاذي ، وللمزيد من الاطلاع قرّرت الالتحاق بمدرسة ( دار الهدى ) الشيعية ، وبصورة غير علنية لعلّي أصل إلى حقيقة أمر هذه الطائفة من خلال دراسة كتبهم ومؤلفاتهم ، وبعد فترة من إلتحاقي بها أخبرت والدي بالأمر ، فقال لي : بني ابذل قصارى جهدك في البحث وتعرّف على المذاهب واستمع إلى أقوالهم واتّبع أحسنهم ، فشجّعني قول أبي للمطالعة والبحث ، وأخذت أقارن بين عقائدي وعقائد المذهب الجعفري .
الشيعة وسجودهم على التربة :
ومن المسائل التي أحضرتها على طاولة البحث ، مسألة ما يصح السجود عليه في الصلاة وما لا يصح :
فوجدت الشيعة الإمامية قد أجمعت على عدم جواز السجود إلاّ على الأرض ، كالتراب والرمل والحجر وما شابه ذلك ، وكذا على ما أنبتت الأرض من غير المأكول ولا الملبوس ، وأنّه لا يجوز السجود على ما خرج عن اسم الأرض من المعادن كالذهب والفضة والنحاس ، ولا على الملابس والقماش والفراش كالسجاد ، ولا على الصوف والجلد ونحوها ” .
أدلّة حصر السجود على الأرض :
إنّ دليل الحصر هذا ، هو جملة من المرويّات الواردة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بطرق وردت عن أهل البيت ( عليهم السلام ) خاصة ، وأخرى ذكرها مخالفوهم ، فمنها :
أوّلاً : الحديث المتواتر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، حيث قال : ” جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ” ، وماله من ألفاظ وأسانيد متعدّدة ( 1 ) .
ودلالة هو جواز السجود على الأرض ، ومما يؤيد كون المراد بالمسجد هو محل السجود : حديث أبي أمامة الباهلي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” . . . وجعلت الأرض كلها لي ولأمتي مسجداً وطهوراً ، فأيّنما أدركت رجلاً من أمتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره ” ، الدال على أنّ المراد من المسجد ليس هو المصلى ،
بل المراد هو موضع السجود ، أيّ جعلت الأرض محل السجود .
وقد ذكر هذا المعنى شمس الحق الآبادي قائلاً : ” . . . ومسجداً ، أي : موضع سجود ، ولا يختص السجود منها بموضع دون غيره . . . ” ( 1 ) .
ثانياً : حديث تبريد الحصى الوارد عن جابر وأنس وغيرهم ، قال جابر : ” كنت أصلي مع النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الظهر فآخذ قبضة من الحصى فأجعلها في كفي ثم أحوّلها إلى الكف الأخرى حتى تبرد ، ثم أضعها لجبيني حتى أسجد من شدّة الحرّ ” ( 2 ) .
ثالثاً : حديث خباب ، حيث قال : ” شكونا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) شدّة الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا ” ( 3 ) .
وهذا الحديث والذي سبقه يدلاّن على أنّ الشاكي لم يكن شخصاً واحداً ، بل كانوا مجموعة من الصحابة ، فإنّ لفظة ( شكونا ) ( فلم يشكنا ) يحكيان حال كثير من الصحابة كما لا يخفى ، وقد شكوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما يلقون من الحرّ والبرد حتى يرخّص لهم في السجود على غير الأرض ، فلم يشكهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم يعتني بشكواهم ! وهو الرؤوف المتحنن الكريم العطوف ، وليس ذلك إلاّ لعدم جواز السجود على غير الأرض .
رابعاً : حديث كور العمامة ، حيث ورد : ” أنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان إذا سجد رفع
العمامة عن جبهته ” ( 1 ) ، وورد : ” أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رأى رجلاً يسجد بجنبه وقد أعتمّ على جبهته ، فحسر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن جبهته ” ( 2 ) ، وورد أيضاً : ” رأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رجلاً يسجد على كور عمامته ، فأومأ بيده : ارفع عمامتك وأومأ إلى جبهته ” ( 3 ) .
وهذا النهي عن السجود على كور العمامة مبني على كون العمامة قماشاً أو ثوباً .
خامساً : حديث لزوم الجبهة ولصوقها وتمكينها بالأرض ، فقد ورد عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” إذا صلى أحدكم فليلزم جبهته وأنفه الأرض حتى يخرج منه الرغم ” ( 4 ) ، مع تعدّد ألفاظه .
ومعنى أرغم فلان أنفه : أي ألصقه بالرغم وهو التراب ، فدلالة الحديث على إيجاب إلصاق الجبهة واضحة من باب الأولوية .
ويؤيد هذا حديث إبن عباس ، حيث قال : ” من لم يلزق أنفه مع جبهته الأرض إذا سجد لم تجز صلاته ” ( 5 ) .
روايات العترة ( عليهم السلام ) في اختصاص السجود على الأرض :
1 – عن هشام بن الحكم أنّه قال لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز ؟ قال : ” السجود لا يجوز إلاّ على الأرض ، أو ما
أنبتت الأرض إلاّ ما أكل أو لبس . . . ” ( 1 ) .2 – عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ” لا تسجد إلاّ على الأرض ، أو ما أنبتت الأرض إلاّ القطن والكتّان ” ( 2 ) .
3 – عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، عن أبيه ( عليه السلام ) ، قال : ” لا بأس بالقيام على المصلى من الشعر والصوف إذا كان يسجد على الأرض ، فإن كان من نبات فلا بأس بالقيام عليه والسجود عليه ” ( 3 ) .
4 – عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، عن الرجل يسجد وعليه العمامة لا يصيب وجهه الأرض ، قال : ” لا يجزئه ذلك حتى تصل جبهته الأرض ” ( 4 ) .
وغير ذلك من الأحاديث الدالة بوضوح على عدم جواز السجود على غير الأرض .
مناقشة آراء الفقهاء في السجود :
قال جمهور الفقهاء من غير الشيعة بأفضلية السجود على الأرض ، وجوازه على الثياب والبسط والفرش والعمامة والمنديل وجلود الأنعام وظهر الإنسان وكفه ، بل ظهر الحيوان حتى ظهر الكلب بعد وضع الثوب الطاهر عليه ! ! ، مع اختلاف وتفصيل بينهم ( 5 ) ، واستدلوا على ذلك بروايات وردت بالترخيص
بذلك ، منها :
1 – حديث أنس : ” كنا إذا صلينا مع النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فلم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهته من الأرض من شدّة الحرّ ، طرح ثوبه ثم سجد عليه ” ، وما له من ألفاظ ( 1 ) .
2 – عن إبن عباس : ” إنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صلى في ثوب متوشحاً به يتقي بفضوله حرّ الأرض وبردها ” ( 2 ) .
3 – عن إبن عباس : ” رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصلّي ويسجد على ثوبه ” ( 3 ) .
4 – عن أبي هريرة وجابر : ” كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يسجد على كور عمامته ” ( 4 ) .
5 – عن المغيرة بن شعبة : ” كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصلّي على الحصير والفرو المدبوغة ” ( 5 ) .
والذي يمعن النظر في هذه الأحاديث يرى :
إنّ حديث أنس يدلّ على أنّ الأصل في السجود لدى القدرة والإمكان على الأرض ، وأمّا في حال العذر وعدم التمكن فيجوز السجود على الثوب المتصل دون المنفصل ، وهو ما ذكره الشوكاني في ( نيل الأوطار ) ، حيث قال :
” الحديث يدل على جواز السجود على الثياب لإتقاء حرّ الأرض ، وفيه إشارة إلى أن مباشرة الأرض عند السجود هي الأصل ، لتعليق بسط الثوب بعدم الاستطاعة . . . ” ( 1 ) .
وأمّا حديث أبي هريرة : فهو معارض بنهي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما ذكرنا سابقاً ، والراوي عن أبي هريرة هو عبد الله بن محرز ، وهو متروك ومنكر الحديث عند إبن حجر والدار قطني والبخاري ( 2 ) ، أضف إلى أنّ هذا الحديث أنكره البيهقي ، حيث قال : ” فلا يثبت شيء من ذلك ” ( 3 ) .
والأحاديث الأخرى التي وردت عن جابر وإبن عباس محمولة على الاضطرار كما هو واضح لما ذكرنا سابقاً .
أمّا الأحاديث التي ذكرت صلاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على الفرو وما شاكل ذلك ، فعلى فرض تمامية سندها ، فإنّها غير مصرّحة بالسجود على الفرو والنطع والفراش والطنفسة ، إذ الصلاة على هذه أعمّ من السجود عليها .
وهذا الذي ذكرناه من الروايات هو عمّدة ما استند عليه القوم ! .
وبذلك يظهر أنّ الأصل في السجود أن يضع الإنسان وجهه على الأرض – أي ترابها ورملها وحصاها ومدرها – وقد رخّص على نبات الأرض من غير المأكول والملبوس ( 4 ) ، إلاّ أن تعرض عناوين حكم الشارع فيها بجواز السجود
على الثياب ونحوها في بعض الحالات كضرورة الحرّ والبرد ، وأمّا السجود على الفراش والسجّاد والبسط المنسوجة من الصوف والوبر والحرير وأمثالها فلا دليل عليه ، ولم يرد في السنة أي مستند على جوازه !
وهذا القول مؤيد بفعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، حيث ورد عن عائشة أنّها قالت : ” ما رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) متقيّاً وجهه بشيء – تعني في السجود – ” ( 1 ) .
وكذلك بعمل الأصحاب والتابعين :
فعن إبن عبيدة : ” أنّ إبن مسعود لا يسجد إلاّ على الأرض ” ( 2 ) .
وعن عبادة بن الصامت : ” إنّه كان إذا قام إلى الصلاة حسر العمامة عن جبهته ” ( 3 ) .
وعن عبد الله بن عمر : ” إنّه كان إذا سجد وضع كفيه على الذي يضع عليه وجهه ، قال نافع : ولقد رأيته في يوم شديد البرد وأنّه ليخرج كفيه ما تحت برنس له حتى يضعها على الحصباء ” ( 4 ) .
إضافة إلى أقوال بعض علماء العامة التي تصرّح بذلك :
فقد قال إبن الأثير بعد نقل حديث خبّاب كما أخرج مسلم في حديث الشكوى : ” والفقهاء يذكرونه في السجود ، فإنّهم كانوا يضعون أطراف ثيابهم تحت جباههم في السجود من شدّة الحرّ ، فنهوا عن ذلك ، وأنّهم لمّا شكوا إليه ما يجدون من ذلك ، لم يفسح لهم أن يسجدوا على طرف ثيابهم ” ( 5 ) .
وقال البيهقي بعد نقل حديث أنس في تبريد الحصا : ” قال الشيخ : ولو جاز السجود على الثوب متصل به لكان ذلك أسهل من تبريد الحصا في الكف ووضعها للسجود . . . ” ( 1 ) .
ومن هنا يتضح صحة فعل أتباع مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) من أخذ القطع الصغيرة المصنوعة من تراب الأرض والسجود عليها ! ، والمأخوذ من فعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل البيت ( عليهم السلام ) والصحابة والتابعين ، حيث ورد :
عن إبن عباس قال : ” إنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سجد على الحجر ” ( 2 ) .
وعن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) قال : ” دعا أبي بالخمرة فأبطأت عليه ، فأخذ كفاً من حصا فجعله على البساط ثم سجد ” ( 3 ) .
وعن إبن عيينة ، قال : ” سمعت رزين مولى آل عباس قال : كتب إليّ عليّ بن عبد الله بن عباس ( رضي الله عنه ) أن ابعث إليّ بلوح من المروة أسجد عليه ” ( 4 ) .
وكان مسروق بن الأجدع من أصحاب إبن مسعود إذا خرج يخرج بلبنه يسجد عليها في السفينة ( 5 ) .
مرحلة التحوّل :
وفي نهاية مطاف بحث الأخ أسامة حول السجود على التربة ، يقول :
” وجدت الشيعة الإمامية لا يتدينون ولا يقولون إلاّ بما نطق به الكتاب ، وجاء به الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والتزم به أهل البيت ( عليهم السلام ) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرّهم تطهيرا ، وعملوا بما ساقهم إليه الدليل ، وأخذت البراهين بأعناقهم وجرت عليه السنة وعمل به الأصحاب .
ومما زاد في أحقية مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) عندي ، علمي بأهمية مكانة العترة بحفظ الشريعة المحمدية ، وتعرّفي على الأحاديث التي ذكرها الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، حتى تبيّن لي أنّهم المنبع النقي الذي تستسقى منه السنة ، فاعتنقت مذهبهم وإنتميت إلى التشيع ” .
شاهد أيضاً
الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ
أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...