الدرس الخامس:
الدفن
أهداف الدرس:
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يذكر ما يجب من أمور عند دفن الميّت.
2- يبيّن حكم نبش قبر المسلم وما يجوز فيه من موارد.
3- يذكر بعض الأحكام المتعلّقة بإعادة الدفن والقبر عند اندثاره.
وجوب الدفن
1- يجب كفاية دفن الميّت المسلم ومن بحكمه[1]، حتّى ولو كان سقطاً لم تلجْهُ الروح.
2- يجب في الدفن أمور، وهي:
الأوّل: المواراة في حفيرة من الأرض، فلا يجزي الوضع على سطح الأرض والبناء عليه، ولا ما شاكل.
الثاني: الأحوط وجوباً أن تكون الحفيرة بحيث تحرس جثّته من السباع، وتكتم رائحته عن الناس.
لو أُمن من السباع وأذى الناس من الرائحة جاز مجرّد المواراة.
الثالث: يجب كون الميّت مستقبل القبلة، بأن يضجعه على جنبه الأيمن، بحيث يكون رأسه إلى يمين المستقبل للقبلة، ورجلاه إلى يسار المستقبل[2].
1- يجب استقبال القبلة مع إمكان تحصيل العلم أو الاطمئنان بها، ومع عدم إمكان العلم وما بحكمه فالأحوط وجوباً العمل بالظّن، ومع عدمه يسقط الاستقبال.
2- دفن أجزاء الميّت: يجب دفن الأجزاء المنفصلة عن الميّت، حتّى الشعر والسنّ والظفر، ويجب دفنها مع بدن الميّت إن أمكن، فإن لم يمكن تُدفن وحدها[3].
نقل الميت إلى بلد آخر
1- يجوز نقل الميّت من بلد موته إلى بلد آخر قبل دفنه، على كراهية إلاّ إلى المشاهد المشرّفة والأماكن المقدّسة, فلا كراهة في النقل إليها، بل فيه فضل ورجحان.
2- إذا كان النقل إلى المشاهد أو غيرها يستلزم تغيّر الميّت وفساده وهتكه فلا يجوز في غير المشاهد قطعاً، والأحوط وجوباً الترك في المشاهد.
3- لا يجوز نبش القبر للنقل إلى غير المشاهد، أمّا إلى المشاهد ففيه تأمّل وإشكال[4].
الدفن في الأرض المغصوبة
لا يجوز الدفن في الأرض المغصوبة، ومنها الأراضي الموقوفة لغير الدفن، ولا يجوز الدفن في المساجد حتّى لو لم يؤدّ إلى الإضرار بالمصلّين.
نبش قبر المسلم
1- يحرم نبش قبر المسلم ومن بحكمه، إلاّ مع العلم باندراسه وصيرورته رميماً وتراباً.
2- لا يجوز نبش قبور الأنبياء والأئمّة عليهم السلام وإن طالت المدّة، بل وكذا قبور أولاد الأئمّة والصلحاء والشهداء ممّا اتّخذ مزاراً أو ملاذاً.
3- المراد بالنبش كشف جسد الميّت المدفون بعدما كان مستوراً بالدفن، فلو حفر القبر وأخرج ترابه، من دون أن يظهر جسد الميّت لم يكن من النبش المحرّم، وكذا إذا كان الميّت موضوعاً على وجه الأرض وبني عليه بناء، أو كان في تابوت من صخرة ونحوها فأخرج فلا يحرم.
4- يجوز النبش في موارد منها:
الأوّل: إذا دفن في مكان مغصوب عدواناً أو جهلاً أو نسياناً، ولا يجب على المالك الرضا ببقائه مجّاناً أو بالعوض، وإن كان الأولى بل الأحوط استحباباً إبقاؤه ولو بالعوض، خصوصاً فيما إذا كان وارثاً أو رحماً، أو دُفن فيه اشتباهاً.
– لو أذن المالك في دفن ميّت في ملكه وأباحه له ليس له أن يرجع عن إذنه وإباحته بعد الدفن، نعم لو خرج الميّت من القبر بسبب من الأسباب (كالسيل مثلاً) لا يجب على المالك الرضا والإذن فيه ثانياً في ذلك المكان، بل له الرجوع عن إذنه.
– الدفن في مكان مباح ولكن مع الكفن المغصوب أو مال آخر مغصوب هو كالدفن في المكان المغصوب، فيجوز النبش لأخذه[5].
– الأحوط وجوباً للورثة عدم نبش القبر لو دفن مع الميّت شيء من أمواله من خاتم ونحوه.
الثاني: يجوز النبش لتدارك الغسل أو الكفن أو الحنوط فيما إذا دفن بدونها مع التمكّن، كلّ ذلك مع عدم فساد البدن وعدم الهتك على الميّت.
الثالث: إذا توقّف إثبات حقّ من الحقوق على مشاهدة جسده[6].
الرابع: فيما إذا دُفن في مكان يوجب هتكه، كما إذا دفن في بالوعة أو مزبلة، وكذا إذا دفن في مقبرة الكفّار.
الخامس: لنقله إلى المشاهد المشرّفة مع إيصاء الميّت بنقله إليها بعد دفنه، أو قبله فخُولِف عصياناً أو نسياناً أو جهلاً، فدُفن في مكان آخر، أو بلا وصيّة منه أصلاً، فيجوز النبش في الصورة الثانية لو لم يتغيّر البدن، والأحوط وجوباً ترك النبش في الصورتين الأولى والثالثة.
السادس: لو خيف عليه من سبع أو سيل أو عدوّ ونحو ذلك.
لا يجوز نبش قبر الميّت قبل اندراس البدن، ولو نبش جاز دفن الغير معه[7].
محو آثار القبور
يجوز محو آثار القبور التي عُلم اندراس ميّتها إذا لم يكن فيه محذور (ككون الآثار ملكاً للباني، أو الأرض مباحة حازها وليّ الميّت لقبره، ونحو ذلك)، وأولى بالجواز ما إذا كانت في المقبرة المسبّلة للمسلمين مع حاجتهم، عدا ما تقدّم من قبور الشهداء والصلحاء والعلماء وأولاد الأئمّة عليهم السلام ممّا جعلت مزاراً…
إعادة الدفن
– لو أُخرج الميّت عن قبره عصياناً أو بنحو جائز، أو خرج بسبب من الأسباب لا يجب دفنه ثانياً في ذلك المكان، بل يجوز أن يدفن في مكان آخر.
الدفن في مقابر الكفّار ونحوها
– لا يجوز دفن المسلمين وأولادهم في مقبرة الكفّار. ولا يجوز دفن الكفّار وأولادهم في مقبرة المسلمين[8].
للمطالعة
مستحبّات الدفن
وهي أمور، منها:
الأوّل: دفن الأقارب متقاربين، وحفر القبر إلى الترقوة، أو بقدر القامة.
الثاني: اللحد في الأرض الصلبة، بأن يُحفر في حائط القبر ممّا يلي القبلة حفيرة بقدر ما تسع جثّته، فيوضع فيها، والشقّ في الأرض الرخوة، بأن يحفر في قعر القبر حفيرة شبه النهر، فيوضع فيها الميّت، ويُسقف عليه.
الثالث: وضع جنازة الرجل قبل إنزاله في القبر ممّا يلي الرجلين، وجنازة المرأة ممّا يلي القبلة أمام القبر، وأن لا ينزله في القبر فجأة، بل يضعه دون القبر بذراعين أو ثلاثة، يصبر عليه هنيئة، ثمّ يقدّمه قليلاً ويصبر عليه هنيئة، ثمّ يضعه على شفير القبر, ليأخذ أهبته للسؤال، ثمّ يسلّه من نعشه سلاًّ، فيدخله برفق، سابقاً برأسه إن كان رجلاً، وعرضاً إن كان امرأة.
الرابع: أن يكشف عن وجهه، ويجعل خدّه على الأرض، ويعمل له وسادة من تراب، ويسند ظهره بمدرة أو ما شاكل, لئلاّ يستلقي على قفاه.
الخامس: أن يسدّ اللحد باللُّبْن أو الأحجار, لئلاّ يصل إليه التراب، وإذا أحكمها بالطين كان أحسن، وأن يهيل عليه التراب غير أرحامه بظهر الأكفّ.
السادس: أن يكون من ينزله في القبر متطهّراً، مكشوف الرأس، حالّاً إزاره، نازعاً عمامته ورداءه ونعليه، وأن يكون المباشر لإنزال المرأة وحلّ أكفانها زوجها أو محارمها، ومع عدمهم فأقرب أرحامها من الرجال فالنساء، ثمّ الأجانب. والزوج أوْلى بها من الجميع.
السابع: تلقينه العقائد الحقّة بالمأثور، بعد وضعه في اللحد، قبل أن يسدّه.
الثامن: رفع القبر عن الأرض بمقدار أربعة أصابع مضمومة أو مفرّجة.
التاسع: تربيع القبر، بمعنى تسطيحه وجعله ذا أربع زوايا قائمة، والأحوط استحباباً ترك تسنيمه.
العاشر: إحكام القبر، وأن يرشّ الماء على قبره. والأوْلى أن يستقبل القبلة ويبتدئ بالرشّ من عند الرأس إلى الرجل، ثمّ يدور به على القبر[9].
الحادي عشر: وضع اليد على القبر مفرّجة الأصابع مع غمزها بحيث يبقى أثرها.
الثاني عشر: قراءة سورة القدر سبع مرّات.
الثالث عشر: الاستغفار والدعاء للميّت بالمأثور.
الرابع عشر: أن يلقّنه الولي أو من يأمره، بعد تمام الدفن، ورجوع المشيّعين وانصرافهم، الشهادة. وبذلك التلقين يدفع سؤال منكر ونكير.
الخامس عشر: أن يُكتب اسم الميّت على القبر، أو على لوح، أو حجر، ويُنصب عند رأسه.
مكروهات الدفن
يُكره في الدفن أمور، منها:
الأوّل: دفن ميّتين في قبر واحد، كجمعهما في جنازة واحدة.
الثاني: فرش القبر بالساج (شجر خاص) إلاّ إذا كانت الأرض نديّة، فيستحبّ وضع الميّت على التراب، وسدّ القبر وتطيينه بغير ترابه.
الثالث: نزول الوالد في قبر ولده, خوفاً من جزعه وفوات أجره.
الرابع: أن يهيل ذو الرحم على رحمه التراب.
الخامس: تجديد القبر بعد اندراسه، إلاّ قبور الأنبياء عليهم السلام والأوصياء والصلحاء والعلماء، ورفع القبر عن الأرض أزيد من أربعة أصابع مفرّجات.
السادس: الجلوس على القبر، والاتّكاء، والمشي من غير ضرورة، والضحك عنده.
[1] كأولاد المسلمين ومجانينهم.
[2] الإمام الخامنئي: إذا ماتت الحامل ومات ولدها بموتها، أو كان موت الأم قبل ولوج الروح في الجنين فلا يجب إخراج الجنين بل لا يجوز، ولكن لو بقي الجنين حيّاً في رحم أمّه الميّتة وقد ولجته الروح، واحتُمل بقاؤه حيّاً إلى إخراجه تجب المبادرة إلى إخراجه فوراً. وما لم يحرز موت الجنين في بطن أمّه الميّتة لا يجوز دفنها مع جنينها. ولو دفن الجنين الحيّ مع أمّه وبقي حيّاً حتّى بعد الدفن – ولو احتمالاً – وجب المبادرة إلى نبش القبر وإخراج الجنين الحيّ من بطن أمّه. كما أنّه لو توقّف حفظ حياة الجنين في بطن أمّه الميّتة على عدم المبادرة إلى دفنها فالظاهر وجوب تأخير دفن الأم, للحفاظ على حياة جنينها. ولو قال أحد بأنّه يجوز دفن الحامل مع جنينها الحيّ في بطنها، وقام الآخرون بدفنه, بظنّ صحّة رأيه، ممّا أدّى إلى موت الولد في داخل القبر- أيضاً – فالدية على من باشر الدفن، إلاّ إذا استند موت الجنين إلى قول هذا القائل فالديّة عليه.
[3] الإمام الخامنئي: الأعضاء التي فصلت من بدن الميّت حكمها شرعاً أن تدفن مع البدن، فإذا لم يمكن ذلك فلا إشكال في دفنها منفصلة عنه.
[4] التأمّل والإشكال معناه الاحتياط الوجوبيّ، فيحتاط وجوباً بعدم النبش.
[5] فيجوز إذا طالب المالك بذلك، ما لم يلزم من نبش قبره وإخراجه محذور أشدّ، كبقائه بلا دفن أو تقطّع أوصاله بالإخراج ونحوه، وإلا فلا يجوز.
[6] كما إذا توقف إتقاذ حياة مسلم بريء على رؤية جسده.
[7] الإمام الخامنئي:
أ- لا يجوز هدم قبور المؤمنين ونبشها ولو لأجل توسيع الأزقّة، وكذا إحداث شارع، إلا إذا كان إحداثه حيث وجود القبور ضروريّاً وطبقاً للقانون اللازم فلا إشكال.
ب- مجرد دفن الميّت في قبر ميت آخر لا يوجب نبش القبر لنقل الجسد إلى قبر آخر.
ج- قبل أن تصبح عظام الميت تراباً لا يجوز نبش القبر لأجل دفن ميت آخر.
د- لا يجوز نبش القبر حتّى لو شكّ أولياء الميت هل أنَّ المدفون ميتهم أم هو شخص آخر.
هـ- يجوز بناء قبور المسلمين من عدّة طبقات إذا لم يوجب ذلك نبش القبر ولا هتك حرمة المسلم.
و- يجوز التقاط الصور لبدن الميت المدفون دون حفر أو فتح القبر حيث لا يصدق عليه عنوان نبش القبر.
ز- إذا تبين بعد دفن الميت أنّه ليس من أهل تلك المدينة التي دفن فيها لم يجز نبش القبر لنقله إلى بلده، إذا كان قد دُفن وفق الأحكام والموازين الشرعية.
ح- الميّت المدفون في صندوق خشبيّ تحت الأرض يجوز إخراج الصندوق لنقله للدفن في بلده ما لم يصدق عليه نبش القبر الذي هو عبارة عن كشف جسد الميت بعدما كان مستوراً بالدفن.
[8] الإمام الخامنئي: إذا توفي المسلم في بلاد الكفّار وكان نقله إلى بلده لدفنه في مقابر المسلمين يستلزم تشريحه لم يجز نقله، بل يدفن في مكانه في غير مقابر الكفّار.
[9] الإمام الخامنئي: رشّ الماء على القبر يوم الدفن مستحب، وأما بعده فلا إشكال فيه بقصد الرجاء.