الدرس الثالث: القدوة ومحاسن الأخلاق
يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )
(سورة الأحزاب، الآية:21)
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ )
(سورة الممتحنة، الآية: 6)
اختيار القدوة
إنّ اختيار القدوة في حياة بني البشر لا سيّما الشباب منهم أمرٌ هامّ جدّاً إذ يُعرف من خلاله الطريق الذي يؤدّي إلى خاتمة هذه الحياة، فبعض الناس يختار من يرى فيه صفة كمال وجمال لا يجدها في نفسه، فيجعل هذا المختار نموذجاً يحتذي به حتّى يصل إلى مراده.
إلّا أنّ بعض الخيارات تكون خاطئة ما يؤدّي بصاحبها إلى الوقوع في المهالك والعواقب السيّئة. وحيث إنّنا كبشر معرّضون دائماً للخطأ نتيجة غلبة غرائزنا وشهواتنا علينا، فنحن مدعوّون إلى اتّباع من لا يضلّ ولا ينسى وهو الله سبحانه وتعالى، الذي جعل التأسّي بنبيّه صلى الله عليه وآله وسلم مفتاحاً لرضوانه وطريقاً إلى جنانه، فقال عزّ من قائل:”لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا”1.
وقال سبحانه: “قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” 2 . فاتّباع الرسول واقتفاء أثره والسير على طريقه، يوصل
1- سورة الأحزاب، الآية: 21.
2-سورة آل عمران، الآية:31.
بالإنسان إلى درجة القرب من الله سبحانه والمحبّة الإلهيّة، هذه الدرجة الّتي ليس فوقها درجة.
فمن كان من الناس يبحث عن قدوة وأسوة فأين هو عمّن مدحه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم قائلاً “وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ “3 ؟
وقد قيل: إنّ سبب نزول هذا الآية أنّه كان صلى الله عليه وآله وسلم قد لبس بُرداً نجرانيّاً ذا حاشية غليظة، فبينما هو يمشي إذ جذبه أعرابيّ من خلفه فحزّت وأثّرت في عنقه، وقال له الأعرابيّ: أعطني عطائي يا محمّد، فالتفت إليه صلوات الله عليه وآله متبسّماً وأمر له بعطائه، فنزل قوله تعالى: “وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ”، فمدحه الله بهذه مدحةً لم يمدح بها أحداً من خلقه4 .
الأنبياء عليهم السلام قدوة:
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم “كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ …”5 .
في هذه الآية الكريمة يُبيّن سبحانه أهداف الدين الذي أُرسل به الأنبياء عليهم السلام، حيث تمرّ البشريّة بعدّة مراحل:
المرحلة الأولى: يكون فيها الإنسان على الفطرة، وهي العبوديّة لله سبحانه، وفي هذه المرحلة الناس متساوون في الاعتقاد وهم أمّة واحدة.
المرحلة الثانية: وهي مرحلة النشوء والانخراط في المجتمع والتأثّر بالأجواء المحيطة التي قد يكون بعضها بعيداً عن الله ويؤدّي إلى الانحراف عن ساحة الحقّ عزّ وجلّ.
3- سورة القلم، الآية: 4.
4- إرشاد القلوب، الديلمي، ج1، ص262.
5- سورة البقرة، الآية: 213.
المرحلة الثالثة: وتقترن ببعثة الأنبياء عليهم السلام حيث يُعتبر وجودهم ضرورة لحفظ المجتمع والحكم بين الناس بالعدل، وتزكيتهم وتهذيبهم بتبشيرهم بالجنّة وإنذارهم من عذاب الله سبحانه.
فمن سار على خطّ الأنبياء عليهم السلام كان من الفائزين ومن تخلّف عنهم كان من الهالكين.
يقول تعالى: ” أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ”6 .
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الأسوة:
وإلى هذه الهداية يُشير قوله تعالى: “لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ”7 .
فلننظر إلى هذه المنّة الإلهيّة علينا وهذا الكرم الفيّاض وهذه النعمة التي لا مثيل لها. ولو أنّنا قضينا أعمارنا في سجدة شكر واحدة لأجلها لما وفّينا.
أيّ نعمة هي أعظم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووجوده المبارك. لا شكّ أنّه ما من نعمة تُضاهيها شرفاً وفضلاً، فكيف نتعامل معها؟ هل نحفظها ونؤدّي حقّها ونرعاها؟ أم نتركها ولا نهتمّ بها؟
هل عندما نسمع ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعلم من هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ وما مقامه وما فضله وكيف كانت حياته؟ وما هي سجاياه وفعاله؟ وكيف كان يتعامل مع الناس؟ مع أهله وأصحابه؟ هل فعلاً نحن ننتمي إلى مدرسة رسول الله وأهل بيته عليهم السلام، مدرسة الخُلق الرفيع والعبوديّة الخالصة لله عزّ وجلّ والعبور إلى رحمة الله ورضوانه؟
6- سورة الأنعام، الآية: 90.
7- سورة آل عمران، الآية: 164.
يقول تعالى لنا: “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا” 8، فهل نحن نطبّق أمر الله أم نحن عنه معرضون؟!
محاسن الأخلاق:
إنّنا بعد اختيارنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كقدوة وأسوة لنا، علينا أن نسعى لامتلاك الصفات والفضائل التي كان يتحلّى بها. وأكثر ما كان يُميّزه صلى الله عليه وآله وسلم محاسن أخلاقه، فعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: “أدّبني ربّي فأحسن تأديبي”9 ، وعنه أيضاً: “إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق”10 .
إنّ المرحلة التي سبقت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أرض الحجاز وبالتالي سبقت الإسلام تميّزت بكون أرض الحجاز مركزاً للفساد والتقاليد المذمومة، من وأدٍ للبنات، والنهب والسرقة وعبادة الأصنام، وانحراف العقائد وسوء الخلق، ما أدّى إلى موت الضمير الاجتماعيّ الذي ما عاد يُحاسب ولا يؤنّب على الأفعال القبيحة.
وعندما بُعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الدِّين الحنيف، وضع أسس أكبر تغيير جذريّ يُبشّر بسعادة البشريّة في الدارين.
وقد استطاع الرسول بحكمته وأخلاقه أن يُغيّر وجه العالَم، وأن يجمع حوله ثلّة من البشر الأصفياء التوّاقين إلى الفضائل والذين نشروا هذا الدِّين في أصقاع الأرض.
وما كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ليجمعهم على كلمة التقوى دون خُلُقه الرفيع، ولذلك قال عزّ من قائل: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ “11 . فمن أراد من الناس محبّة، فعليه بمداراتهم والإحسان إليهم كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولذا قال الشاعر:
8- سورة الأحزاب، الآية: 21.
9- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج16، ص210.
10- م. ن.
11- سورة آل عمران، الآية: 159.
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ فطالما استعبدَ الإحسانُ إنسانا
وينبغي للعاقل المؤمن أن يلزم محابّ الله فإنّه يكون محبوباً لله، وأن يكون مع الله، ومع أوليائه، وأن يختار لنفسه ما اختاره الله لنفسه من التسمية “محسناً”، فمن كان كذلك فقد استحقّ الحياة الطيّبة في الدنيا والآخرة، يقول تعالى “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ”12 .
إنّ المتخلّق بأخلاق الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم هو من خيار المؤمنين، وقد سُئل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: أيّ المؤمنين أفضلهم إيماناً؟ فقال: “أحسنهم خُلقاً”13 .
وعن الإمام الباقر عليه السلام: “إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً”14.
فالمؤمن الكامل هو المؤمن الخلوق صاحب الصفات الحسنة، الطيّب الصحبة، الذي يألفه جليسه، ويتمنّى المؤمنون لقاءه، ويأنس الناس بحديثه، ولا يأمر الناس بشيء لا يلتزم به، ولا ينهاهم عن شيء لا ينتهي عنه، باع الدنيا بالآخرة، وهمّه رضا الله عزّ وجلّ.
وعن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: “إنّ الصبر وحسن الخُلُق والبرّ والحِلم من أخلاق الأنبياء”15 . وعن الإمام زين العابدين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة شيء أفضل من حسن الخُلُق”16 .
آثار حسن الخُلُق
إنّ لحسن الخُلُق آثاراً لا تكاد تُحصى، منها ما هو في الدنيا ومنها ما هو في
12- سورة النحل، الآية: 97.
13- معاني الأخبار، الصدوق، ص333.
14- الكافي، الكليني، ج2، ص99.
15- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج68، ص92.
16- الكافي، الكليني، ج2، ص99.
الآخرة، ومن جملتها:
1- إذابة الخطايا: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “اعلم أنّ الخُلق الحسن يُذيب السيّئة كما تُذيب الشمس الجليد، وأنّ الخُلق السيّئ يُفسد العمل كما يُفسد الخلّ العسل”17
2- تثبيت المودّة: عنه صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ حُسن الخلق يُثبت المودّة، وحُسن البِشْر يذهب بالسخيمة18“19..
3- عَظَمة الدرجة: عن أمير المؤمنين عليه السلام: “إنّ حَسنَ الخُلق يَبلغ درجة الصائم القائم”20 .
4- ثواب المجاهد: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “إنّ الله تبارك وتعالى ليُعطي العبد من الثواب على حُسن الخُلق كما يُعطي المجاهد في سبيل الله”21 .
5- بلوغ مقام الحبّ الإلهيّ: عن أبي حمزة الثمالي: قال عليّ بن الحسين عليه السلام: ” إنّ أقربكم من الله أوسعكم خُلقاً”22 ..
6- المدُّ في العمر: عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: “من صدق لسانه زكا عمله، ومن حسنت نيّته زيد في رزقه، ومن حسن برّه بأهل بيته مُدّ في عمره”23 .
ولعلّ قوله تعالى: “إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ”24 يُجزي عن ذكر كلّ تلك الآثار وذكر غيرها.
17- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج72، ص321.
18- الحقد في النفس.
19- تحف العقول، الحرّاني، ص45.
20- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج68، ص396.
21- الكافي، الكليني، ج2، ص101.
22- م. ن، ج8، ص68.
23- م. ن، ج2، ص105.
24- سورة التوبة، الآية: 120.
فثواب الله أعظم منها، وقد وعد الله بعدم إضاعته، ومَن أوفى بعهده من الله؟ فمن كان عمله لله فهنيئاً له ثواب الله تعالى، ومن كان عمله للناس فلن يغني عنه الناس من الله شيئاً.
بعضٌ من مكارم الأخلاق
إنّ مكارم الأخلاق كثيرة، لا بدّ من الاهتمام في تحصيلها والمحافظة عليها. وقد أشارت روايات عديدة إلى هذه المكارم، منها:
صدق الحديث وأداء الأمانة
قد نُفاجأ ببعض من تظهر عليهم علامات إحياء الدِّين بالصلاة والصوم والزكاة بأنّ ليس له من هذه العلامات والأفعال نصيب، فآثارها لا تعدو كونها حركات وأفعالاً يقوم بها، لا تنهاه عن منكر ولا تأمره بمعروف ولا تؤثّر في قلبه ولا عمله. فمن وجَدته كذلك فكن منه على حذر.
روي عن الصادق عليه السلام: “لا تغترّوا بصلاتهم ولا بصيامهم، فإنّ الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتّى لو تركه استوحش، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة”25 .
وينبغي الإشارة إلى أنّ الناس يُظهرون مكامن نفوسهم عند تعرّضهم لبلاء أو اختبار.
روي عن لقمان الحكيم: “ثلاثة لا يُعرفون إلّا في ثلاثة مواضع: لا يُعرف الحليم إلّا عند الغضب، ولا يُعرف الشجاع إلّا في الحرب، ولا تعرف أخاك إلّا عند حاجتك إليه”26 .
25- الكافي، الكليني، ج2، ص104.
26- الاختصاص، المفيد، ص246.
مكارمُ أخرى
ومن حُسن الخُلق أنّ العبد لله يُعطي الناس من نفسه ما يُحبّ أن يعطوه من أنفسهم، وهو أيضاً يحتمل ما يقع من جفاء الناس، واحتمالهم من غير ضجر. روي عن النبي موسى عليه السلام في مناجاته: “أسألك يا رب أن لا يقال فيّ ما ليس فيّ، فقال: يا موسى ما فعلت هذا لنفسي فكيف لك؟!”27 .
عن الإمام الصادق عليه السلام قال لجرّاح المدائنيّ: “ألا اُحدّثك بمكارم الأخلاق؟ قال: بلى، قال: الصفح عن الناس، ومواساة الرجل أخاه في الله، وذكر الله كثيراً”28 .
وقال المتوكّل للإمام عليّ الهادي عليه السلام كلاماً يعاتبه ويلومه فيه، فقال له عليه السلام: “لا تطلب الصفو ممّن كدرت عليه، ولا الوفاء ممّن صرفت سوء ظنّك إليه، فإنّما قلب غيرك لك كقلبك له”29.
وعن الإمام الرضا عليه السلام: “لا يُكمل المؤمن إيمانه حتّى تكون فيه ثلاث خصال، خصلة من ربّه، وخصلة من نبيّه، وخصلة من إمامه، فأمّا التي من ربّه: فكتمان السرّ فإنّه قال تعالى: “فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا* إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ “30 . وأمّا من نبيّه: فمداراة الناس، فإنّه قال تعالى: “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ”31 ، وأمّا من إمامه: فالصبر على البأساء والضرّاء فإنّ الله تعالى يقول: “وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء”32 “33 .
ومن حُسن الخُلق أن يكون الرجل كثير الحياء، قليل الأذى، صدوق اللسان، قليل المزاح، كثير العمل، قليل الزلل، وقوراً صبوراً، رضيّاً تقيّاً شكوراً، رفيقاً عفيفاً
27- إرشاد القلوب، الديلمي، ج1، ص265.
28- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج66، ص373.
29- م، ن، ص266.
30- سورة الجن، الآيتان: 26-27.
31- سورة الأعراف، الآية: 199.
32- سورة البقرة، الآية:177.
33- صفات الشيعة، الصدوق، ص83.
شفيقاً، لا نمّام ولا غيّاب، ولا عجول ولا حسود ولا بخيل. يُحبّ في الله، ويُبغض في الله، ويُعطي في الله، ويمنع في الله، ويرضى في الله، ويسخط في الله. يُحسن ويبكي كما أنّ المنافق يُسيء ويضحك.
من وصايا الإمام الخمينيّ قدس سره: “ابذلوا جهدكم في العمل كما في العلم، وفي تهذيب الأخلاق أيضاً، فإنّ العلم لوحده لا فائدة فيه، كما أنّ لا فائدة في تهذيب الأخلاق لوحده وبشكل أعمى أيضاً، فالعلم وتهذيب النفس معاً هما اللذان يصلان بالإنسان إلى مرتبة الكمال الإلهيّ”34 .
سرّ عظمة الإسلام
يقول الإمام زين العابدين عليه السلام في الدعاء الثاني من أدعية الصحيفة السجّاديّة:
“الحمد لله الذي مَنّ علينا بمحمّد نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم.. اللّهمّ فصلّ على محمّد أمينك على وحيك، ونجيبك من خلقك، وصفيّك من عبادك، إمام الرحمة، وقائد الخير، ومفتاح البركة، كما نصب لأمرك نفسه.. وعرّض فيك للمكروه بدنه”.
إنّ هناك سؤالاً يطرح نفسه وهو: لماذا استجابت النفوس لدعوة الإسلام، وتفاعلت معه حتّى انتشر في بقاع الأرض خلال فترة قصيرة؟
إنّ الجواب يكمن في عظمة الإسلام، وعظمة القرآن، وعظمة رسول الله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وهو صلى الله عليه وآله وسلم صاحب شخصيّة دانت لها الرقاب طوعاً، ببصيرتها النافذة وحكمتها الرزينة وسموّها على الهوى والفرديّة، ولو جاء بالإسلام غير محمّد صلى الله عليه وآله وسلم لما كان إسلام وما كانت رسالة.
يقول المفكّر ول ديورانت: “إذا حكمنا على العظماء بما كان للعظيم من أثر في الناس، قلنا كان محمّد أعظم العظماء”35 .
34- التربية والأخلاق في الإسلام، جمعية المعارف، ص 14.
35- قصّة الحضارة، ج3، ص570.
نعم، كيف كان رسول الله أعظم العظماء؟ كان صلى الله عليه وآله وسلم أعظم العظماء بخُلقه، بطيبته، بسموّ طينته، بحسن معاشرته، أحبّ في الله، وأبغض في الله، فانتشرت دعوته وآمن به الناس.
وفي الختام، نسأل الله سبحانه أن يُنير قلوبنا بهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فحقيقة الأمر أنّ رأسمالنا في هذه الحياة أخلاقُنا ولا شيء غيرها.
عن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم”36 .
للمطالعة
أقرب الناس إلى الله
عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ أقرب الناس إلى الله تعالى يوم القيامة من طال جوعه وعطشه وحزنه في الدنيا، فهم الأتقياء الأنقياء الذين إذا شهدوا لم يُعرفوا، وإذا غابوا لم يُفقدوا، تعرفهم بقاع الأرض، وتحفّ بهم ملائكة السماء، ينعم الناس بالدنيا وتنعّموا بذكر الله.
افترش الناس الفرش وافترشوا الجباه والركب، وَسِعُوا الناس بأخلاقهم، تبكي الأرض لفقدهم، ويسخط الله على بلد ليس فيها منهم أحد، لم يتكالبوا على الدنيا تكالب الكلاب على الجيف، شعثاً غبراً تراهم الناس فيظنّون أنّ بهم داءً وقد خولطوا أو ذهبت عقولهم، وما ذهبت بل نظروا إلى أهوال الآخرة فزال حبّ الدنيا عن قلوبهم، عقلوا حيث ذهبت عقول الناس، فكونوا أمثالهم”37 .
36- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج63، ص383.
37- إرشاد القلوب، الديلمي، ج1، ص267.