تجويد – القرآن الكريم
20 ديسمبر,2022
القرآن الكريم
356 زيارة
الدرس الثامن: أحكام اللام (لام التعريف ، لام الفعل ، لام لفظ الجلالة)
للاّم عدة أحكام من حيث موقعها في الكلمة وسنتكلم فيما يلي عن أربعة منها هي:
– لام ” ال ” التعريف.
– لام الفعل.
– لام الاسم والحرف والأمر.
– لام لفظ الجلالة.
1- لام ” ال ” التعريف:
هي لام زائدة عن بنية الكلمة ومختصّة بالدّخول على الأسماء النّكرة فقط للتّعريف بها ، سواء صح تجريدها عن الكلمة نحو ” المؤمنون ” أم لم يصح ، نحو: ” الّذي والّتي ” ، ولمّا كانت لام التعريف ساكنة أدخلت عليها همزة وصل لتسهيل النطق بها حال الابتداء.
والحكم هنا مختص بـ ” ال ” التعريف التي يصح تجريدها عن الكلمة ، فلها حالتان- إذا وقع بعدها أحد حروف الهجاء- هما:
أ- الإظهار القمري: وهـو إبانة ” ال ” التعريف عندما يأتي بعدها أحد الحروف القمرية المجموعة في الكلمات التالية: ” إبغِ حجَّك وخفْ عقيمة ” عددها أربعة عشر حرفاً. وسمّيت حروف اللام القمرية بالإظهار القمري لأنَّه يجب إظهار اللام قبلها كما تظهر اللام واضحة من غير تكلف في كلمة ” القمر “.
ووجه الإظهار أن ينطق بالحرف الأوّل وهو اللام ساكناً ويخفّف الحرف الذي دخلت عليه، نحو: الأوّل ، الباسط ، الغفور ، الحكيم ، الجليل ، الكريم ، الودود ، الخبير ، الفصل ، العليم ، القاهر ، اليقين ، الملك ، الهادي…
ملاحظة:
1- أكثر ما يقع الخطأ في اللام القمرية التي تسبق حرف الجيم فيلفظها الكثير من النّاس لاماً شمسية وهي لاماً قمرية فيجب الانتباه إليها وإظهارها كأخواتها.
2– لام الفعل ” كالّذي والّتي ” لا توصف بكونها شمسيّة ولا قمريّة لأنّها من بنية الكلمة. أمّا إذا اعتبرنا أنَّ ” ال ” الداخلة على اسم الموصول كالذي والتي واللذين واللات وغيرها زائدة بناء على أنّ تعريف الموصول بالصلة ، فهذه لاحكم لها ، وأمّا إذا كان تعريف الموصول ” بـ ال ” فهي لام الشّمسيّة.
ب – الإدغام الشمسي: هو حذف ” ال ” التعريف لفظاً إذا جاء بعدها حرف من الحروف الشّمسيّة الأربعة عشر المجموعة في أوائل كلمة هذا البيت:
طب ثم صل رحِـماً تفـز ضف ذا نـعم دع سوء ظنٍّ زر شريـفاً للكـرم
وسمّيت حروف اللام الشّمسيّة بالإدغام الشّمسي لأنّه يجب إدغام اللام من ” ال ” التعريف فيما بعدها، كما تظهر واضحة في كلمة ” الشّمس ” حيث لا أثر للّام لفظاً في النطق.
ووجه الإدغام أن تجعل اللام من جنس الحرف المدغم فيه ، فنجعل اللام على سبيل المثال في كلمة الشّمس ، شيناً ، وفي كلمة السّماء ، سيناً ، وهكذا بحيث نقرأ حرفاً واحداً مشدّداً هو الحرف الشّمسي… وذلك لتخفيف الّلفظ لثِقل عودةِ اللسان إلى المخرج الأوّل، فاختار علماء العرب الإدغام للخفّة لأنَّ النطق بذلك أسهل.
ولا يغنّ الإدغام الشّمسي إلا عند النون لأنَّها تصبح مشدّدة، والنّون المشدّدة في الأصل حرف أغنّ مشدّد يجب غنّها مقدار حركتين، نحو: النّاس ، النّار…
ولتقريب الصورة أكثر: شبّهت اللام بالنّجوم، والحروف القمرية بالقمر، والحروف الشمسية بالشّمس، نلاحظ كيف أنّ النّجوم أمام القمر ترى وتظهر واضحة فكذلك اللام تظهر وتبان أمام الحروف القمرية، وأمام الشّمس تخفى ولم تعد ترى فكذلك اللام أمام الحروف الشّمسيّة تحذف وتدغم بغيرها من الحروف الشّمسيّة ولا تلفظ بتاتاً.
ملاحظة:
وللتسهيل على القارئ أوجد علماء التّجويد علامة وردت في أكثر المصاحف وهي الشدّة ( ـّـ ) بعد اللام على الحروف الشّمسية لمعرفة أنَّ الحكم إدغاما شمسياً، نحو: الطّارق، الصّابرين، الرّحمة، الظّالمين، السّماء، الزّكاة، الشّيطان…
ولا توجد هذه الإشارة على الحروف القمرية، بل يوجد عوضاً عنها سكون ( ـْـ ) فوق اللام القمرية للدلالة على إظهارها، نحو: الأرض، الحليم، الكافرين، المؤمنين، العدل، الحرث، الخيل، البنين، القناطير، الفضة، الهاوية…
وفي ذلك قول ” صاحب التّحفة ” في منظومته المشهورة:
لِلّام ” ال ” حالان قبل الأحرفِ أولاهما إظهارُهـا فلْيـُـعرفِ
قبل أربعٍ مع عشرة خُذْ علــمه من ” إبغ حجَّك وخف عقيمه “
ثانيهما إدغامُـها في أربـــعِ وعشرةٍ أيضاً ورمْــزها فعِ:
طُب ثمَّ صل رحماً تفز ضِف ذا نعم دع سوء ظنٍّ زر شريفا للـكرم
والّام الأولـى سمّـها قمريّــة واللّام الأخـرى سمّـها شمسـيّة
2- لام الفعل:
يجب إظهار اللام الواقعة في الفعل دائماً وهي اللام التي تكون من أصل وبنية هذا الفعل سواء كان الفعل ماضياً نحو: جعلْنا ، الْتقى ، ألْهاكم ، ألْفيا…
أم مضارعاً ، نحو:﴿ يَلْتَقِطْهُ﴾ ،﴿يَلْتَقِيَانِ﴾…
أو أمراً ، نحو:﴿ قُلْ نَعَمْ﴾، ﴿قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى ﴾..
وتجدر الإشارة إلى أنَّ لام فعل الأمر إذا جاءت في آخر الكلمة نحو ” قلْ ” ووقع بعدها لام أو راء لم تعد مظهرة بل تتّخذ الحكم الذي يناسبها ، فإذا وقعت اللام السّاكنة وبعدها اللام المتحرّكة وجب الإدغام للتماثل بحيث تدغم اللام الأولى بالثانية فتصيران لاماً واحدةً مشدّدةً لفظاً ، نحو: قلْ لّا أملك لنفسي ضرّاً ولا نفعاً، هلْ لّكم… أمَّا إذا وقعت اللام السّاكنة وبعدها الرّاء المتحرّكة ، تدغم اللام بالرّاء للتقارب بحيث يصيران حرفاً واحداً مشدّداً هو الراء ، نحو: وقلْ رّبِّي زدْني علماً، بلْ رَّفعه…
– تنبيه:
أُظهرت اللام في الفعل عند النون ولم تدغم فيها لأنَّ النّون لا يُدغم فيها حرف أُدغمت هي فيه من حروف ” يرملون ” ، فلو أدغمت لزالت الألفة بينها وبين أخواتها ، أمّا إدغام اللام في النّون من نحو ( النّاس ، النّار… ) فلكثرة دورانها ، كما أنَّ اللام زائدة
وليست مستقلّة بحد ذاتها كلام الفعل.
وفي ذلك قول صاحب التحفة:
وأظهرنَّ لام فعلٍ مطلقا في نحو: قلْ نعم وقلْنا والْتقى
3- لام الاسم والحرف والأمر:
أ- لام الاسم: وهي لام أصلية وليست مزيدة حكمها الإظهار مطلقاً، نحو:﴿أَلْفَافًا ﴾، ﴿سُلْطَانٍ﴾ ، ﴿أَلْسِنَتُكُمُ ﴾، ﴿ألْوانكم﴾…
ب- لام الحرف: وحكمها الإظهار دائماً، نحو: ﴿هَلْ عَسَيْتُمْ﴾ ،﴿ بَلْ أَنتُمْ ﴾،﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ﴾ ، ﴿بَلْ طَبَعَ ﴾، ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ﴾ …
ج- لام الأمر: وهي اللام التي تدخل على فعل المضارع فتجزْمه ، وحكمها الإظهار أيضاً، نحو:﴿ وَلْيَكْتُب﴾، ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا﴾…
4- لام لفظ الجلالة:
للام لفظ الجلالة ” الله ” حالان: التّفخيم والتّرقيق.
أ – التفخيم1: فالتفخيم والتّسمين والتّغليظ بمعنى واحد ، لكن المستعمل مع اللام التّغليظ ومع الرّاء التّفخيم، وهو عبارة عن سمن وغِلَظُ يدخل على صوت الحرف فيمتلئ الفم بصداه.
وتفخملام لفظ الجلالة في المواضع الثلاثة التالية:
1- فالحروف على قسمين كما مر في فصل صفات الحروف، حروف استعلاء وحروف استفال، فحروف الإستعلاء جميعها مفخّمة وهي ” خص، ضغط، قط ” ولا يستثنى منها شيء سواء جاورت مستفلاً أم لا، كانت متحركة أو ساكنة ، وأعلاها في التفخيم حروف الإطباق الأربعة ( ط، ظ، ص، ض ) وقد أشار إلى ذلك ابن الجزري بقوله:
وحرفَ الاستعلاءِ فخّم واخصصا الإطباقَ أقوى نحو قال والعصا.
ثم للتفخيم مراتب خمسة:- أعلاها ما كان مفتوحاً وبعده ألف، نحو: ﴿طَائِعِينَ﴾.
– ثم ما كان مفتوحاً من غير أن يأتي بعده ألف، نحو: ﴿صَبَرَ﴾.
– ثم ما كان مضموماً، نحو: ﴿فَضَرْبَ ﴾.
– ثم ما كان ساكناً، نحو ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ﴾.
– ثم أدناها ما كان مكسوراً، نحو: ﴿خِيَانَةً﴾.
وأما حروف الاستفال جميعها مرققة لا يجوز تفخيمها إلا اللام والراء منها في بعض أحوالها. وقد أثار إلى ذلك ابن الجزرية بقوله:
ورقّقنْ مستفلاً من أحرِفِ وحاذرنْ تفخيمَ لفظِ الألفِ.
وأمّا الألف المدية فلا توصف بتفخيم ولا ترقيق، بل هي حرف تابع لما قبله ، فإذا وقعت بعد حرف مفخّم فخّمت نحو: ” قال ، وطال ” وإذا وقعت بعد حرف مرقّق رقّقت نحو: ” كان، وجاء ” وقد أشار إلى ذلك بعضهم بقوله:
وتتبع ما قبلها الألف والعكس في الغنّ ألف.
– إذا تقدمها فتح أو ضم، نحو:﴿ قَالَ اللّهُ﴾، ﴿َمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ﴾، ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾،﴿ نَصْرُ اللَّهِ﴾…
– إذا تقدّمها ساكن بعد فتح أو ساكن بعد ضم، نحو: ﴿إِلَى اللّهِ﴾، ﴿قَالُواْ اللَّهُمَّ﴾ …
– إذا كان مبدوءاًَ بها، نحو:﴿اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾..
ووجه التفخيم هو قصد التعظيم لهذا الاسم، ولأنَّ موجب الترقيق معدوم، والفتحة والضمّة يستعليان في الحنك ، والاستعلاء خفيف.
ب- الترقيق: ويقابل التفخيم الترقيق. وهو لغة: التنحيف. واصطلاحاً: نحول يدخل على صوت الحرف فلا يمتلئ الفم بصداه ، والأصل في اللام الترقيق دائماً إلا في لفظ الجلالة ” الله “.
وترقّق لام لفظ الجلالة في المواضع الثلاثة التالية:
1- إذا تقدّمها كسر، نحو:﴿بِاللّهِ﴾،﴿بِسْمِ اللّهِ﴾، ﴿يَفْتَحِ اللَّهُ﴾،﴿قُلِ اللَّهُمَّ ﴾، ﴿فِي دِينِ اللَّهِ﴾…
2- إذا تقدّمها ساكن بعد كسر، نحو: ﴿ينجِي الله ﴾…
3- إذا تقدمها تنوين 2 نحو، ﴿قَوْمًا اللّهُ﴾ فيكون اللفظ هكذا ” قومنِ الله “.
2-والسبب في ذلك إن هناك قاعدة عامّة تقول: أنّه إذا جاء التنوين وهو عبارة عن ضمّتين أو فتحتين أو كسرتين ( ـ ٌ ، ـ ً، ـٍ ) وأتى من بعده همزة وصل ، تقلب ثاني حركات التنوين إلى نون مكسورة دائماً وذلك حالة الوصل لا حالة الوقف نحو:
– ﴿رَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا﴾ – رهبانيةَ نِ ابتدعوها – رهبانيتنِ ابتدعوها.
– ﴿أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ* سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾.
– ﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى…﴾
أسئلة حول الدرس
أجب على ما يلي:
1- متى ترقق لام لفظ الجلالة ؟ ومتى تفخم ؟ مع أمثلة توضيحية ؟
2- عرّف كل من الإدغام الشّمسي والإظهار القمري مع ذكر حروف كلٍّ منهما ؟
3- بيّن أحكام اللام في الآيات المباركة التالية:
﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾3.
للمطالعة
العبادة تؤثر في الشباب4
يتم بالقرآن الكريم التأثر القلبي والتحوّل الباطني بصورة أفضل فترة الشباب، لأن قلب الفتى لطيف وبسيط وذو نقاء وصفاء أكثر. ولأن وارادته قليلة، وتضارب الأفكار وتهافتها فيه قليل. فيكون شديد الانفعال والتأثر وسريع التقبّل.
إذن يجب على الشباب حتى إذا كانت قلوبهم مطمئنة بالإيمان، أن ينتبهوا إلى كيفية تفاعلهم وعشرتهم مع الآخرين، ويتورّعوا عن الاختلاط مع السيئين. بل إن الصداقة والاختلاط مع العصاة وذوي الخلق الفاسد والسلوك المنحرف مسيء لجميع الناس من أي طبقة كانوا، ويجب أن لا يكون أحد مطمئناً بنفسه ومغروراً بإيمانه أو أخلاقه وأعماله. كما ورد في الأحاديث الشريفة الأمر بالابتعاد عن معاشرة أهل المعصية.
وإن المبتغى من خلال تلاوة القرآن هو ارتسام صورة القرآن في القلب، وتأثير
3- الحشر: 21-22-23
4- من كتاب الاربعون حديثا للإمام الخميني قدس سره، ص556
الأوامر والنواهي فيه، وتثبيت الأحكام والتعاليم الإلهية. ولا يتحقق هذا إلا في ظل مراعاة آداب القراءة. وليس الهدف من الآداب ما هو المعروف لدى بعض القرّاء من الاهتمام البالغ بمخارج الألفاظ، وأداء الحروف، هذا الاهتمام الباعث مضافاً إلى الغفلة عن المعاني والتدبر فيها، إلى إبطال التجويد بعض الأحيان، فإن كثيراً من الكلمات القرآنية نتيجة مثل هذا التجويد، تفقد صورتها الخلاّبة الأصيلة، وتتحول إلى صورة أخرى، ذات صورة ومادة تختلف عما أرادها الله تعالى. إن هذا يُعتبر من مكائد الشيطان حيث يتلهى الإنسان المؤمن إلى آخر عمره بألفاظ القرآن، وينسى نهائياً استيعاب سرِّ نزول القرآن، وحقيقة الأوامر والنواهي، والدعوة إلى المعارف الحقة، والخلق الفاضل الحسن، بل ينكشف لديه بعد مضي خمسين عاماً أنه من جرّاء تغليظ بعض الحروف، والتشديد فيها، قد أخرج صورة بعض الكلمات كلياً عن حالتها الطبيعية وأصبحت ذات صورة غريبة.
بل الهدف المنشود من وراء آداب قراءة القرآن، تلك الآداب التي وردت في الشريعة المقدسة والتي يعدّ من أفضلها وأعظمها التفكر والتدبر في آيات القرآن كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.
في الكافي الشريف بسنده إلى الإمام الصادق عليه السلام قال:
“إن هذا القرآن فيه منار الهدى ومصابيح الدجى، فلْيَجْلُ جالٍ بصره ويفتح للضياء نظره، فإنّ التفكر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور”5.
وفي المجالس بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام في كلام طويل في وصف المتقين:
“وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وأبصارهم فاقشعرت منها جلودهم ووجلت قلوبهم فظنوا أن صهيل جهنم وزفيرها وشهيقها في أصول آذانهم، وإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً وتطلعت أنفسهم إلهيا شوقاً وظنوا أنها نصب أعينهم”6.
5- أصول الكافي، المجلد2، كتاب فضل القرآ ن، ح5
6- وسائل الشيعة، المجلد4، الباب3 من أبواب قراءة القرآن، ح6
ومن الواضح أن من يتمعّن في معاني القرآن الكريم، يتأثر قلبه، ويبلغ مقام المتقين شيئاً فشيئاً. وإن حظي بتوفيق وسداد من الله، لتجاوز هذا المقام أيضاً ولتحوّل كل عضو وجارحة وقوة منه إلى آية من الآيات الإلهية، ولعلّ جذوات خطاب الله وجذباته، ترفعه وتبلغ به إلى مستوى إدراك حقيقة “اقرأ واصعد”7 في هذا العالم وانتهى إلى مرحلة سماع الكلام من المتكلم من دون واسطة، وتحوّل إلى موجود لا يسع الإنسان فهمه واستيعابه.
ومن الآداب اللازمة في قراءة القرآن، والتي لها دور أساسي في التأثير في القلب والتي لا يكون من دونها لأي عمل أهمية وشأن، بل يعتبر ضائعاً وباطلاً وباعثاً على السخط الإلهي. هو الإخلاص، فإنه ركن أصيل للانطلاق إلى المقامات الأخروية، ورأس مال في التجارة الأخروية.
7- أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب فضل القرآ ن، باب فضل حامل القرآن، ح4.
2022-12-20