آداب المراقبــة |
الأول : ترك المعاصي وهذا هو الذي بُني عليه قوام التقوى ، وأُسّس عليه أساس الآخرة والأولى .. وما تقرب المقربون بشيء أعلى وأفضل منه. ومن هنا عندما سأل موسى (ع) عن العمل الذي صار به الخضر (ع) معلمــاً له ، كان الجواب : ترك المعصية . وعليه فلا بد من الالتفات إلى عظمة هذا الأمر ، لأن نتائجه أيضا عظيمة. فكم من القبيح أن يهتك العبد ستر الحياء وهو غارق في نعم مولاه ، مستمد من فيض العطاء آنا فآنا ، إذ أنه: مع كل شيء لا بمقارنة ، وغير كل شيء لا بمزايلة ، وهو معكم أينما كنتم. فلو حُبس العبد العاصي في سجن جبار السماوات والأرض أبد الآبدين لكان بذلك جديرا ، إلا أن ينزع عن المعصية بالتوبة لتشمله الرحمة الواسعة.الثاني : الاشتغال بالطاعات بعد الفرائض ولكن بشرط الحضور ، فإن روح العبادة هو حضور القلب .. ومن دون هذا الحضور فإنه لا تتحقق للقلب حياة أبدا. بل قد يقال أن العبادة بلا حضور قد تورث قسوة القلب.. وعليه فإنه يحسن في أول الأمر أن يجعل ورده ( الاستغفار) .. ومن بعده الذكر اليونسي : { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين }. الأنبياء /87 .. وفي آخره الكلمة الطيبة : لا إله إلا الله بشرط الاستمرار والمداومةالثالث: عدم الغفلة عن حضور الحق دائما وأبداً ، وهذا هو السنام الأعظم الرافع إلى مقام المقربين ، ومن كان طالباً للمحبة والمعرفة ، فليستمسك بهذا الحبل المتين ، وإلى هذا يشير قوله (ص) : اعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. البحار 67/393.. فحالة العبد الباطنية في هذه المرحلة ، حالة من يرى نفسه واقفاً بين يدي مولاه ، والمولى يعلم ذلك منه ، ويرى ما هو فيه . وفي هذا الخبر إشارة إلى أن العبد – في مقام العبادة – لا يحتاج إلى استحضار هيئة خاصة للمولى ، ليحتاج بعد العجز عن ذلك ، إلى استحضار صورة مخلوق – كما زعمه بعض جهّال الصوفية – بل يكفي علمه بأن مولاه حاضر لديه وناظر إليه.. فتأمل فإنه دقيق نافع. الرابع: الحزن الدائم خوفاً من العقاب – لو كان من الصالحين – أو شوقاً إلى اللقاء – لو كان من المحبين – فإذا انقطع الحزن عن القلب ، انقطعت الفيوضات المعنوية تبعا لذلك. ومن هنا حكى عن لسان حال التقوى أنه قال: إني لا أسكن إلا في قلب محزون ، والشاهد على هذا المدعي قوله تعالى في الحديث القدسي: وعليه فاعلم أيها العزيز !.. أن ما يرد على القلب من الواردات الحسنة – سواء كان حزناً أو فكراً – فهو بمثابة الضيف الذي لو أُكرم عند نزوله – دفعاً لما يؤذيه وجلبا لما يرضيه – فإنه سيعود إلى ذلك المنزل مرة أخرى ، وإلا فإنه سيرحل كارهاً له ، غير عائد إليه. إن على العبد أن يعلم قدر ما هو عليه من الإقبال ، وإلا فإنه من المستبعد أن يعود إليه بعد الزوال. إن على المراقب لنفسه أن يتفطن في أول النهار إلى أمور : والحاصل : أنه لو منعتك قسوة القلب من التأثر بالمواعظ الشافية ، ورأيت الخسران في نفسك يوماً بعد يوم ، فاستعن عليها بدوام التهجد والقيام، وكثرة الصلاة والصيام ، وقلة المخالطة والكلام ، وصلة الأرحام واللطف بالأيتام ، وواظب على النياحة والبكاء ، واقتد بأبيك آدم وأمك حواء ، واستعن بأرحم الراحمين ، وتوسل بأكرم الأكرمين ، فإن مصيبتك أعظم وبليتك أجسم ، إذا انقطعت عنك الحيل ، وزاحت عنك العلل ، فلا مذهب ولا مستغاث ولا ملجأ إلا إليه ، فلعله يرحم فقرك ومسكنتك ، ويغيثك ويجيب دعوتك ، إذ هو الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ، ولا يخيب رجاء من أمّله إذا رجاه ، ورحمته واسعة ، وأياديه متتابعة ، ولطفه عميم ، وإحسانه قديم ، وهو بمن رجاه كــريم . |
شاهد أيضاً
هل أوشك العالم على التحرر من هيمنة الدولار؟!
أحمد فؤاد تشخص القلوب والأبصار، في شرق العالم وغربه، إلى قرار “الاحتياطي الفيدرالي” الأميركي المتعلق ...