العبادة الواعية
5 أكتوبر,2018
صوتي ومرئي متنوع, طرائف الحكم
897 زيارة
معنى إقامة الصلاة
تم التعرض أكثر من 102 مرة لذكر الصلاة واحكامها وآثارها في القرآن الكريم، لكن أغلب هذه الآيات كانت تتحدث عن إقامة الصلاة لا أدائها، فما هو الفرق بين الكلمتين؟
لابد لمعرفة الفرق بين مفهومي الكلمتين من الرجوع إلى الحديث الرائع للقائد المعظم حيث يقول:
“الظاهر أن المراد من إقامة الصلاة شيء وراء أدائها. فإقامة الصلاة ليس مجرد القيام بها فقط بل سير الإنسان نفسه، وتسييره الآخرين، وسوقهم نحو الوجهة التي تدعو إليها الصلاة، فكأن إقامة الصلاة هي أن يجعل الإنسان ـ بالسعي المبذول من قبله ـ جو حياته، وحياة غيره مشبعاً بعطر الصلاة أي يكون جواً ملؤه العبودية لله، والطلب منه، والتضرع إليه”[32].
ويذكر أحد أساتذة جامعة دمشق في كتاب ألفه للفت انتباه طلبة الجامعات إلى الصلاة ما يلي: “إقامة الصلاة أداؤها بخير وجه ممكن عبر:
1 ـ بذل الدقة الكافية في تحصيل الطهارة والطراوة، والنشاط وصحة الوضوء، ونظافة بدن المصلي وثيابه ومكانه، ونقاء نفسه من لوث الاخلاق الذميمة بالتوبة والندم، فإن الوضوء ونظافة الظاهر يجب أن يكون معهما نقاء وطهارة للباطن.
2 ـ إعمال الدقة في أداء واجبات الصلاة ومستحباتها والأداء الصحيح لأذكارها باعتبارها بنية الصلاة وأركانها.
3 ـ المحافظة على روح الصلاة التي هي عبارة عن الأخلاق، وحضور القلب الذي يحصل بالخشوع والتواضع، واستقرار البدن، وسكونه في الصلاة. قال الله تعالى:
(قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون)[33].
فإن الهدف من الصلاة ليس مجرد تحقيق الخضوع البدني، بل الخضوع القلبي أيضاً. فالله سبحانه لا يرضى أن يقول المصلي “الله أكبر” بلسانه، وفي قلبه شيء آخر أكبر منه، أو يقول “وجهت وجهي” وقلبه متوجه إلى غير الله، ومنشغل بالمشاغل الدنيوية، ومنافعها الزائلة”[34].
إن دراسة لموارد استعمال لفظ الصلاة في القرآن تظهر أن أداء الصلاة ليس لم يقع موقع الثناء والمدح فحسب، بل تعرض لفظ المصلين” عادة للذم بإزماء “المقيمين الصلاة”. وإذا استعمل لفظ الصلاة دون لفظ “الإقامة” أعقبه تأكيد على المداومة والمحافظة على الصلاة[35].
الدرس الخامس
الاهتمام بالصلاة
بالرغم من الأهمية العظيمة التي أمتازت بها الصلاة من بين العبادات والأحكام الشرعية فإن اهتمام المسلمين بها وبأبعادها المختلفة قليل. فقد كان الأبالسة والشياطين دأبوا على مر التاريخ على محو هذه العبادة العظيمة وإزالة محتواها من المجتمعات الإسلامية، ولم يتوانوا عن أي عمل في هذا السبيل، فإنهم يرون بقاء سلطتهم رهين زوال هذه الفريضة والقضاء عليها فعن رسول الله (ص) أنه قال:
“لا يزال الشيطان يرعب من بني آدم ما حافظ على الصلوات الخمس، فإذا ضيعهن تجرأ عليه، وأوقعه في العظام”[36].
وفي رواية أخرى عن علي (ع) يشبه الصلاة بالحصن المنيع أمام وساوس الشيطان وإلقاءاته[37]. فإذا كانت الصلاة تقاوم سلطة الشياطين ونفوذهم، فلابد أنهم لا يألون جهداً في الحيلولة دون إقامتها.
وجوه الأهمية
من المعلوم لدينا أن أول خطوة عملية تخطى في مجال الشريعة بعد تحكيم الأسس العقائدية (أصول الدين) تكون نحو الصلاة[38]. فقد أثني على الصلاة بعناوين مثل: فيها مرضاة الرب[39]، ورأس الإسلام[40]، وحصن من سطوات الشيطان[41]، وآخر وصايا الأنبياء[42]، وأحب الأعمال إلى الله[43]، وقرة عين الرسول[44]، وعمود الدين[45] وما شابه ذلك. وأولياء الله سبحانه يقضون ليلهم ونهارهم بفارغ الصبر في انتظار الصلاة حيث وقت لقاء الله، ويتحينون وقتها كما يتحين الجائع الطعام، والعطشان الماء. يقول النبي الأكرم (ص) في بيان عطشه واشتياقه على الصلاة:
“إن الجائع إذا أكل الطعام شبع، والظمآن إذا شرب الماء روي، وأنا لا أشبع من الصلاة، ولا آكل قبل الصلاة”[46] ولم يكن يعرف أحداً عند الصلاة، وكان غريباً مع كل أحد إلا الله[47].
لماذا تقابل هذه العبادة بهذا الاحترام؟ ولم تولى كل هذه الأهمية؟ وبتعبير آخر ما الميزة التي يمكن أن توجد في الصلاة دون سائر العبادات؟ طبيعي أن الأسرار والآثار التي أشير إليها في القسم السابق يمكن أن تكون مبرراً لكل هذا التأكيد. وسنقوم في هذا الفصل بتقديم فهرس عن وجوه أهمية الصلاة من خلال دراسة الآيات والروايات الواردة في الباب.
1 ـ اشتراك الشرائع السماوية في الصلاة
وضعت الأديان السماوية ـ التي تتفق جميعاً في الدعوة إلى عبادة الله، واجتناب الطاغوت ـ واجبات متنوعة في جدول التكاليف بعهدة العباد، لكن القاسم المشترك بينها جميعاً هو إقامة الصلاة. إن هذه العبادة وكما مر في الفصل الذي تحدثنا فيه عن العمق التاريخي للصلاة كانت موجودة في ساحة كل واحد من الأديان الإلهية. ويعد هذا وحده خير دليل على أهمية الصلاة، كما أن الرسول الأكرم (ص) عبر عنها بأنها “نهج الأنبياء”[48].
2 ـ تجلي الدين كله في الصلاة
يستخدم كل دين من الأديان وسيلة خاصة للإعلان عن وجوده، مثل النار والبوق والناقوس وغيرها. وتعدّ وسيلة الإعلان هذه نوع وسيلة للدعوة إلى الدين بشكل عام أيضاً. وفي الإسلام جعلت إحدى مقدمات الصلاة وسيلة للدعوة العامة إلى الإسلام، حيث تؤدي هذه المقدمة دور الدعوة إلى الإسلام بصورة الدعوة إلى الصلاة كما أن الرسول الأكرم (ص) قال في تفسير قوله تعالى: (ومن أحسن قولاً ممن دعا على الله)[49]:
إن المراد به المؤذن[50] فحضور الصلاة إذن حضور الدين كله، والدعوة لها دعوة إلى الله سبحانه.
[1] (واستعينوا بالصبر والصلاة).
[2] بحار الأنوار ج11، ص169.
[3] بحار الأنوار ج11، 263.
[4] بحار الأنوار ج11، ص280.
[5] بحار الأنوار ج11، ص333.
[6] بحار الأنوار ج11، ص383.
[7] سورة إبراهيم، الآية: 37.
[8] سورة مريم، الآية: 54.
[9] سورة الأنبياء، الآية: 73.
[10] سورة هود، الآية: 87.
[11] سورة طه، الآية: 14.
[12] سورة لقمان ، الآية: 17.
[13] بحار الأنوار ج14، ص20.
[14] بحار الأنوار ج14، ص99.
[15] سورة الصافات، الآية: 143.
[16] مجمع البيان ج8، ص459 ذيل الآية أعلاه.
[17] سورة آل عمران، الآية: 38.
[18] سورة مريم، الآية: 30 ـ 31.
[19] بحار الأنوار ج12، ص358.
[20] بحار الأنوار ج13، ص320.
[21] بحار الأنوار، ج13، ص407.
[22] وسائل الشيعة، ج3، ص206.
[23] ورد في سورة العلق: (أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى) وهي آية تدل على أن النبي (ص) صلى قبل الهجرة وأوائل البعثة، وأن الناس ضايقوه في صلاته.
[24] الرواية الدالة على أن النبي (ص) كان يصلي في المسجد الحرام مع علي وخديجة وأبي طالب وجعفر و… قبل علنية الدعوة (بحار الأنوار ج18، ص179).
[25] الميزان ج13، ص28.
[26] الكافي ج3، ص487.
[27] تفسير الميزان ج13، ص27.
[28] سورة البقرة، الآية: 144.
[29] سورة البقرة، الآية: 115.
[30] من المناسب هنا الحديث عما يرتبط بخصائص الكعبة وقدمها التاريخي.
[31] المحجة البيضاء ج1، ص382.
[32] في أعماق الصلاة: ص15.
[33] سورة المؤمنون، الآية: 1.
[34] الصلاة: تأليف محي الدين مستو ص32.
[35] (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) (الماعون/ 5) (ما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) (الأنفال/ 35).
[36] بحار الأنوار ج82، ص202.
[37] غرر الحكم.
[38] “كان رسول الله (ص) إذا أسلم الرجل علمه الصلاة (الصلاة تأليف محيي الدين مستو ص125).
[39] قال رسول الله (ص): “الصلاة من شرائع الدين، وفيها مرضاة الرب”. (بحار الأنوار ج82، ص231).
[40] قال رسول الله (ص): “ليكن أكثر همك الصلاة فإنها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين” (بحار الأنوار ج77، ص127).
[41] قال علي (ع): “الصلاة حصن من سطوات الشيطان” (غرر الحكم).
[42] قال الصادق (ع): “أحب الأعمال إلى الله عز وجل الصلاة، وهي آخر وصايا الأنبياء” (وسائل الشيعة ج3، ص26).
[43] قال الصادق (ع): “أحب الأعمال إلى الله عز وجل الصلاة، وهي آخر وصايا الأنبياء” (وسائل الشيعة ج3، ص26).
[44] قال رسول الله (ص): “جعل الله جل ثناؤه قرة عيني في الصلاة” (بحار الأنوار ج77، ص77).
[45] عن أبي كهمس عن أبي عبد الله (ع): قال: قلت له: أي الأعمال هو أفضل بعد المعرفة؟ قال: “ما من شيء بعد المعرفة يعدل هذه الصلاة” (بحار الأنوار ج99، ص406).
[46] بحار الأنوار ج82، ص233.
[47] قال علي (ع): “كان رسول الله (ص) لا يؤثر على الصلاة عشاء ولا غيره، وكان إذا دخل وقتها كأنه لا يعرف أهلاً ولا حميماً”.
[48] بحار الأنوار ج82، ص231,
[49] سورة فصلت، الآية: 33.
[50] تفسير ابن كثير ج4، ص109.
2018-10-05