الرئيسية / شخصيات اسلامية / عجائب شتّى في شخصيّة الإمام عليّ عليه السلام

عجائب شتّى في شخصيّة الإمام عليّ عليه السلام

قدوتنا الإمام عليّ عليه السلام

الإمام عليّ عليه السلام مثلنا الأعلى

إمامنا الكبير الخمينيّ قدس سره قد استطاع أن يغرس في ذاته جزءاً وجانباً من معدن الجمال والإخلاص لذلك الرجل الفذّ.

وهذا الجزء الّذي نتحدّث عنه بالغ العظمة طبعاً، إلّا أنّه ضئيل، ولا يكاد يمثّل إلّا قطرة من المحيط المترامي لشخصيّة أمير المؤمنين عليه السلام ، وإن كان بحدّ ذاته كبيراً وكثيراً جدّاً.

أعزّائي، لا تتيسّر معرفة أمير المؤمنين عليه السلام بهذه الطريقة، ولا يمكن ذلك.

نعم, للإنسان أن يستشعر شيئاً عنه عليه السلام عن طريق هذه المقارنات؛ فالإمام السجّاد عليه السلام أجاب أحد أصحابه حينما سأله: يا بن رسول الله لماذا تحمل نفسك على هذه المشقّة وتكثر من الزهد والعبادة؟ فما الّذي يجعلك تحرص على كلّ هذا الزهد والعبادة؟ فلو رحمت نفسك وجسدك! فبكى الإمام السجّاد عليه السلام وقال (ما معناه): “ألا قارن بيني وبين أمير المؤمنين عليه السلام ، وانظر أين أنا وأين أمير المؤمنين”1. اُنظروا؛ فهذا كلام زين العابدين عليه السلام.

شخصيّة الإمام السجاد عليه السلام من الشخصيّات النادرة، لا أنّها نادرة

 1- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج ‏1، ص 92، باب 20، تأكّد استحباب الجدّ والاجتهاد في العبادة.

في العمل فحسب، وإنّما هي نادرة في الفكر أيضاً؛ إنّه شمس ساطعة لا يمكن لأحد النظر إلى شعاعها إلّا عن بعد. وهو حينما ينظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام ينظر إليه بعين التعظيم والإجلال الّتي ينظر بها طفل صغير إلى بطل عملاق. هذا هو أمير المؤمنين عليه السلام وهذه عظمته.

أعزائي، إنّ الجانب الّذي يعنيني ويعنيكم هو هذا البعد من القضيّة، وهو أنّ اتّباع هذا الرجل لا يتحقّق بمجرّد الكلام، فلو كنتم في ساحة الحرب وتؤكّدون على الدوام أنّ فلاناً هو قائدنا، وتعلنون دوماً طاعتكم له، ولكن حينما يدعوكم ذلك القائد للاصطفاف لا تستجيبون، وعندما يأمركم بالتدرّب لا تأتمرون، ويأمركم بالهجوم فتعرضون، فأيّة قيادة هذه؟ ليس هذا قائدكم؛ فالإنسان يمارس مثل هذا السلوك مع عدوّه ومع الإنسان الغريب.

أمير المؤمنين عليه السلام مولانا وإمامنا وقائدنا، ونحن شيعة عليّ عليه السلام ، وإنّا نفتخر بهذا: ولو أنّ أحداً ذكر اسم أمير المؤمنين عليه السلام بقليل من التعظيم، امتلأت قلوبنا غيظاً عليه، إذاً لا بدّ أن يكون لهذا تأثير في حياتنا.

لا نقول نكون كأمير المؤمنين عليه السلام ؛ فالإمام السجاد عليه السلام قد قال إنّه غير قادر على العمل كأمير المؤمنين عليه السلام2 ، وأمير المؤمنين عليه السلام نفسه قال: “أَلاَ وَإِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَى ذلِكَ”3, ولمن قال أمير المؤمنين عليه السلام هذا الكلام؟ قاله لعثمان بن حنيف مع كلّ ما له من عظمة، إنّك لا تقدر على مثل ما

2- وسائل الشيعة، ج1، باب 20: «من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب  عليه السلام ».

3- نهج البلاغة، كتاب: 45 من كتاب له  عليه السلام  إلى عثمان بن حنيف الأنصاري وهو عامله على البصرة.

 أعمل. وهذا من الواضح. ولكن سيروا على الأقل في ذلك الاتجاه، وعلى ذلك الطريق، وفي ذلك المسار. وهذا واجب. فإذا ما أردتم أن تكونوا في خندق أمير المؤمنين عليه السلام فإنّ أبرز ما تميّز به” عليه السلام في عهد حكومته والذي يرتبط بحاضري وحاضركم خصلتان: إحداهما العدل الاجتماعيّ، والأخرى الزهد في الدنيا.

أعزّائي هذان الأمران يجب أن نرفعهما كالعَلَم في مجتمعنا. العدالة الاجتماعيّة هي أن تكون نظرة الحكومة إلى جميع أبناء الشعب متساوية، وأن يكونوا سواسية أمام القانون، وفي الامتيازات، وفي التعامل.

من البديهيّ أنّ لكلّ إنسان أصدقاء وأقارب، لهذا فإنّ العلاقات ليست متساوية مع الجميع. فالشخص المسؤول من دون فرق بين أن يكون مسؤولاً عن دائرة أو موظفاً صغيراً، أو كان حجم مسؤوليّته كبيراً أوْ لا؛ فالجميع سواسية له صلة بشخص، وليس له صلة بشخص آخر، لا نريد أن نقول هذا, ولكن نقصد أن يكون السلوك والتعامل قانونيّاً, أي حينما تكون ثمّة امتيازات، ومن شأن الحركة والنظرة والإشارة من المسؤول أن تكون ذات أثر، يجب هنا أن يكون الجميع سواسية. يجب أن يشعر الجميع بأنهم ينتفعون من خيرات النظام الإسلاميّ بشكل متساوٍ, طبعاً بعضهم يتميّز بالكسل ولا يلاحق العمل، وبعضهم يقصّر، وبعضهم الآخر يظلم نفسه، هؤلاء حسابهم على حدة.

أمّا معنى العدالة الاجتماعيّة فهو أن تطبّق جميع القوانين والمقرّرات

 على أفراد المجتمع عامّة, وأن لا يحصل بعض الناس على امتياز خاصّ من غير سبب. هذا هو معنى العدالة الاجتماعيّة، وهذا ما فعله أمير المؤمنين عليه السلام. وهو السبب الّذي جعل بعض الناس يعادي، بل يخرج ويقاتل أمير المؤمنين عليه السلام.

حينما تعدّى ذلك الشاعر النجاشيّ الّذي نظم كلّ تلك الأشعار بحقّ أمير المؤمنين عليه السلام وضدّ أعدائه، حدود الله في شهر رمضان، أقام عليه أمير المؤمنين عليه السلام حدّ الله، مذكّراً إياه: إنّك تعدّيت على حدود الله, وكان ذلك الرجل قد شرب الخمر في نهار شهر رمضان علناً فكان ذنبه شرب الخمر وهتك حرمة شهر رمضان أيضاً فجاءه جماعة وقالوا: “يا أمير المؤمنين إنّ هذا الرجل نظَم بحقك الكثير من الأشعار، وهو يعلن لك الولاء، وإنّ أعداءك قد بالغوا في إغرائه فلم يستجب لهم، فاحتفظ به”, فقال لهم ما مضمونه: “نعم، ليبقَ، ولكنّني أقيم حدّ الله عليه”, وأقام عليه الحدّ؛ فالتحق النجاشي بمعاوية4, هكذا كان يتعامل أمير المؤمنين عليه السلام مع أحكام الله ومع حدود الله.

لكن ومن جهة أخرى جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأقرّ بالسرقة، فقال له: أتقرأ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم، سورة البقرة, فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: “قد وهبت يدك لسورة البقرة”5.

4- إنّ النجاشي الشاعر شرب الخمر في شهر رمضان فحدّه أمير المؤمنين عليه السلام  أقامه في سراويل فضربه ثمانين ثم زاده عشرين سوطاً وقال: هذا لجرأتك على ربّك وإفطارك في شهر رمضان فغضب ولحق بمعاوية  – بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 33، ص 273.

5- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 28، ص 41.

فيدك الّتي يجب أن تقطع وهبتها لك مقابل سورة البقرة، فاذهب.

لم يكن هذا التمييز عبثاً؛ وإنّما لأجل سورة البقرة، وتكريماً للقرآن. حينما تعرض الأصول والقيم والمعايير لم يكن أمير المؤمنين عليه السلام يعير اهتماماً لأحد؛ فحينما فسق ذلك الرجل وفجر أقام عليه الحدّ الشرعيّ لفسقه وفجوره، ولم ينظر إلى أنّ هذا الرجل قد أسدى إليه خيراً، ولكنّه تغاضى عن إقامة حدّ السرقة لأجل القرآن. هذا هو أمير المؤمنين عليه السلام.

أي إنّه يسير مئة بالمئة وفقاً للمعايير والقيم الإلهيّة ولا شيء سواها. والقول المأثور “إنّ علياً قُتل في محراب عبادته لشدّة عدله” ولا أعلم قائله على وجه الدقّة، قول صحيح؛ فعدالة أمير المؤمنين عليه السلام جعلت أصحاب النفوذ لا يطيقون عدله.

ولعلّ بعضهم يقول الآن: إنّ العدالة الّتي لم تسمح لعليّ عليه السلام بمواصلة حكومته المباركة، كيف تريدون تطبيقها اليوم؟ أقول: يجب تطبيق ما نقدر عليه وما نطيقه.

إنّنا لا ندّعي وجوب تطبيق العدالة مثل أمير المؤمنين عليه السلام ، بل نقول يجب تطبيق ما يقدر مؤمن العصر على تطبيقه. وهذا القدر من العدالة الّذي يمكن تطبيقه ويجب تطبيقه، إذا اتّخذ طابعاً ثقافيّاً وأدرك الناس معنى العدالة، سيكون حينها قابلاً للتحمّل. جماهير الأمّة كانت تحلو لها عدالة أمير المؤمنين عليه السلام ، ولم تكن كارهة لها، إنّما الّذي ساءته عدالة عليّ عليه السلام أصحاب النفوذ.

والسبب الّذي أعانهم على انكسار أمير المؤمنين عليه السلام ومكّنهم من إيجاد تلك الحالة في معركة صفّين، ثمّ قتله، والسبب الّذي ملأ قلب أمير المؤمنين عليه السلام قيحاً، هو أنّ قدرة التحليل كانت ضعيفة لدى الناس، والمتنفّذون يؤثّرون على أفكارهم. يجب تصحيح قدرة الناس على الفهم والإدراك، ورفع مستوى الإدراك السياسيّ في المجتمع، ليصير بالإمكان تطبيق العدالة.

شاهد أيضاً

السياسة المحورية ونهضة المشروع القرآني لتقويض المصالح الغربية العدائية

فتحي الذاري مأخذ دهاليز سياسة الولايات المتحدة الأمريكية والمصالح الاستراتيجية في الشرق الأوسط تتضمن الأهداف ...