الرئيسية / شخصيات أسلامية / عجائب شتّى في شخصيّة الإمام عليّ عليه السلام

عجائب شتّى في شخصيّة الإمام عليّ عليه السلام

حاجة البشريّة لصفات الإمام عليّ عليه السلام وخصاله

الإمام عليّ عليه السلام الّذي نعشقه أنا وأنت، وتعشقه الدنيا، ويكتب المسيحيّ كتاباً عنه انطلاقاً من عشقه له، ويثني عليه حتّى من لا يلتزم عمليّاً بأحكام الدين، لماذا تنظر له عن بعد؟ اقترب منه وانظر إليه عن كثب. كلّ من ينظر إلى قمّة (دماوند)25 عن بعد ينبهر بها, ولكن يجب عليه أن ينطلق ويجتاز المنعطفات والمسالك الوعرة ويقترب إليها.

البشريّة اليوم بحاجة إلى الخصال الّتي كان أمير المؤمنين عليه السلام رافع لوائها؛ لأنّها خصال لا تبلى بتقدّم العلم والتكنولوجيا، ولا تندثر بظهور أنماط جديدة من الحياة.

25- جبل دماوند يقع شمال إيران ووسط سلسلة جبال البرز، يبلغ ارتفاعه 5627 متراً ممّا جعله من أعلى القمم في غربي آسيا وأوروبا، ويتألّف جبل دماوند من سبعين فوهة بركانيّة وتنتشر على سفوحه قرى كثيرة متناثرة.

فالعدالة لا تُبلى، والإنصاف لا يبلى، والدعوة إلى الحقّ لا تبلى، ومقارعة الغطرسة والتجبّر لا تُبلى؛ وارتباط القلب بالله لا يبلى، لأنّ هذه الخصال ثابتة في فطرة الإنسان على امتداد التاريخ. وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام رافعاً لواء هذه الخصال.

البشريّة اليوم متعطّشة لهذا الكلام ولهذه الحقائق, فما هو الحل إذاً؟ الحلّ يكمن في الاقتراب والدنوّ, فلا نستكثر كلمة حقّ قلناها أنا وأنت هنا أو هناك؛ لأنّ هذا نهج عليّ عليه السلام ، ولا نستكثر ساعة عَبَدنا الله بها في الليل أو النهار، ويداخلنا العُجب بأنفسنا؛ فعليّ عليه السلام كان كذلك، ولا نستعظم موقفاً تقحّمنا فيه المخاطر؛ فعليّ عليه السلام كان كذلك. عليكم بالاقتراب من خصال عليّ عليه السلام جهد المستطاع.

يا أيّها الصائمون، يا أيّها المصلّون، يا مصلّي النوافل، أيّها المجاهدون في سبيل الله، أيّها المتقحّمون المخاطر، أيّها الزهّاد في الدنيا، يا أسود النهار، وأيّها العبّاد في الليل، هنيئاً لكم، فأنتم أقرب إلى عليّ عليه السلام ، ويمكنكم أيضاً أن تكونوا أقرب فأقرب.

إذا كان العالم الإسلاميّ بل العالم كلّه يعترف لعليّ عليه السلام بالفضل فذلك يُعزى إلى ما كان يتّصف به من زهد وعبادة وشجاعة وحزم في سبيل الله؛ فمتى ما اقتضت الحاجة كان يهوي بسيفه على أعداء الحقيقة وأعداء الدين وأعداء الله بلا خوف أو وَجَل، ولا تأخذه في الله لومة لائم, فإذا ما وُجِدَ شخص منحرف ومضرّ ومخلّ، في طريق السير إلى الله،

كان لسيفه القول الفصل, ومتى ما كان هناك مظلوم ومسلوب الحقّ كان أمير المؤمنين عليه السلام يتحوّل إلى أرق إنسان وأعطف إنسان.

جاء في رواية أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يكثر من إطعام الأيتام بِيَده إلى حدّ جعل أحد الأشخاص ولا بدّ أنه كان شاباً على سبيل المثال يقول: يا ليتنا كنّا أيتاماً حتّى يكون أمير المؤمنين عليه السلام رؤوفاً بنا إلى هذا الحدّ.

وكان مجهولاً لدى الفقراء والمساكين والمحتاجين ولم يعرفوه إلّا بعدما ضُرب، أنّه هو ذلك الشخص الرؤوف الّذي كان يغشاهم وهم لا يعرفونه.

أمّا كلامه في نهج البلاغة فهو أفصح كلام إنسان عند العرب, ونهج البلاغة ذروة في الفنّ والجمال؛ جمال اللفظ وجمال المعنى، ويبهر العقول, ولم يستطع أي شاعر عربي كبير أو كاتب أو أديب عربي أن يقول إنّه غنيّ عن الرجوع إلى نهج البلاغة.

وعلى كلّ حال، فقد فجع أهل الكوفة بالأمس بشهادته، ولم يشيّع جثمانه في الكوفة، ولم يجتمع الناس حول جثمانه.

ولعلّه كان يرى تسلّط الأعداء على الكوفة بعد ذلك بعشر سنين أو عشرين سنة, فما الّذي جرى في الكوفة؟ فالذين داروا ببناته في أسواق الكوفة، ورفعوا رأس فلذة كبده على رؤوس الرماح، ما كانوا يتورّعون عن نبش قبره والتنكيل برمسه؛ ولهذا السبب بقي قبره مخفيّاً ولم يعثر عليه إلّا بعد مضيّ مدّة طويلة26.

26- كلمة الإمام الخامنئي دام ظله ، في تاريخ: 22/ رمضان/1420ﻫ ـ ق.

الإمام عليّ عليه السلام مظهر العدل الإلهيّ

إنّ لمفردة العدالة ومفهومها موقعاً متميّزاً في حياة أمير المؤمنين” عليه السلام وشخصيّته. وبالرغم من اجتماع العديد من الخصال فيه” عليه السلام ، إلّا أنّ من أبرزها وهي الّتي لازمته على الدوام العدالة الّتي تنطوي على مفاهيم متعدّدة, وتتشعّب إلى شعب شتّى, اجتمعت كلّها في وجود أمير المؤمنين عليه السلام ، فهو مظهر العدل الإلهيّ.

لقد اقتضى العدل الّذي نعتبره من أصول الدين أن يختار الله سبحانه شخصاً كأمير المؤمنين عليه السلام لإمامة الأمّة وقيادتها؛ وهذا ما فعله الباري جلّت قدرته؛ فوجود أمير المؤمنين عليه السلام وشخصيّته وتربيته وعظمته وبالتالي تنصيبه للخلافة كلّها مظهر للعدل الإلهيّ. ولقد تجسّدت العدالة بمعناها الإنسانيّ بأكمل صورها في كيانه عليه السلام.

العدالة في بُعدها الفرديّ عند الإمام عليّ عليه السلام

كان عليّ عليه السلام يجسّد العدالة الإنسانيّة ببعديها الفرديّ والاجتماعيّ؛ حيث تجلّت عدالة الإنسان في حدود حياته الفرديّة، وعدالته في مضمار الحكم والسلطة تلك الّتي نطلق عليها العدالة الاجتماعيّة في حياة أمير المؤمنين عليه السلام ، وعلينا أن نعرف ذلك بنيّة تطبيقه عمليّاً، لا سيّما بالنسبة لأولئك الذين يتحمّلون المسؤوليّات في المجتمع, ويتبوّؤون موقعاً في الحكومة، فلقد تمثّلت العدالة الفرديّة بأعلى درجاتها في شخصيّة أمير المؤمنين عليه السلام ، وذاك هو ما نعبّر عنه بالتقوى، تلك التقوى الّتي

كان عليه السلام يجسّدها في عمله السياسيّ والعسكريّ وفي توزيعه لبيت المال، وفي قضائه وجميع شؤونه؛ فالعدالة الفرديّة والذاتيّة للمرء تمثّل في واقع الأمر سنداً للعدالة الاجتماعيّة وصاحبة التأثير في العدالة على صعيد الحياة الاجتماعيّة.

ليس بمقدور من يفتقد للتقوى في ذاته وفي عمله، وهو رهين أهوائه النفسيّة وأسير للشيطان، الادّعاء بقدرته على تطبيق العدالة في المجتمع، فذلك محال؛ فمن أراد أن يكون مصدر إشعاع للعدالة في حياة الأمّة، فلا بدّ له والحال هذه أن يلتزم التقوى على صعيد نفسه أوّلاً؛ تلك التقوى الّتي أشرت لها في مستهلّ الخطبة، والّتي تعني المراقبة للحيلولة دون الوقوع في الخطأ.

وهذا لا يعني أنّ الإنسان لن يخطئ، كلّا, فلا مفرّ لغير المعصوم من ارتكاب الخطأ، وما هذه المراقبة إلّا صراط مستقيم, وسبيل للنجاة تنتشل الإنسان من الغرق وتمنحه القوّة. والّذي لا يمارس الرقابة على نفسه ويعاني من فقدان العدالة والتقوى على صعيد القول والفعل وحياته الشخصيّة لا قدرة له على أن يكون مصدراً للعدالة الاجتماعيّة في أوساط المجتمع.

لقد أعطى أمير المؤمنين عليه السلام درسه الخالد لكلّ الّذين يمارسون دوراً على الصعيد السياسيّ لمجتمعاتهم، حيث يقول عليه السلام: “مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ

تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ”27 ، إذ بإمكان اللسان النطق بكثير من الأشياء، أمّا ما يأخذ بِيَدِ الإنسانيّة لسلوك صراط الله فهو سيرة وأفعال من يقع عليه الاختيار ليكون إماماً للناس، سواء على مستوى المجتمع أم أدنى مستوى من ذلك. ثمّ يقول عليه السلام: “وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالإجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ”28.

هذا هو منطق أمير المؤمنين عليه السلام ودرسه؛ فالحكومة ليست ممارسة للسلطة وحسب، بل هي نفوذ في القلوب واستقرار في العقول، فمن كان في هذا الموقع أو وضع نفسه فيه عليه بادئ ذي بدء أن ينهمك دوماً بتهذيب نفسه وإرشادها ومحاسبتها ووعظها.

من المواصفات الّتي ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام لمن يتمتّع بالأهليّة لإمارة الناس, أو تولّي مسؤوليّة قطاع من شؤونهم وهذا ما يبتدئ من زعامة البلد ويسري إلى ما هو أدنى من الدوائر والمؤسّسات، كما يصدق على القاضي أو المتصدّي لدائرة من دوائر هذا الجهاز الوسيع وكان عليه السلام يوصي ولاته وقادته به، نجده في قوله عليه السلام: “فَكَانَ أَوَّلَ عَدْلِهِ نَفْيُ الْهَوَى عَنْ نَفْسِهِ، يَصِفُ الْحَقَّ وَيَعْمَلُ بِهِ”29. من هنا يأتي التلازم بين السلطة والأخلاق في الإسلام، فالسلطة إنّما هي ظالمة غاصبة إذا ما خلت من الأخلاق.

27- نهج البلاغة، الحكمة: 68.

28- م. k.

29- نهج البلاغة، الخطبة: 86.

العدالة في بُعدها الاجتماعيّ عند الإمام عليّ عليه السلام

ما تطرّقت إليه كان حول العدالة في إطار الشؤون الشخصيّة لعليّ بن أبي طالب عليه السلام.

أما عدالته عليه السلام على صعيد المجتمع، أي تطبيقه للعدالة الاجتماعيّة، فأمير المؤمنين عليه السلام يمثّل وصفة الإسلام الكاملة؛ إذ كانت حكومته إسلاميّة 100% وليست 99% أو 99.99%؛ فلم يخرج ما كان يصدر عن أمير المؤمنين عليه السلام وحدود صلاحياته وسلطته من تحرّك أو قرار عن صبغته الإسلاميّة؛ أي إنّه العدالة المطلقة، وربما حصل في بعض الولايات التابعة لحكومة أمير المؤمنين عليه السلام أن مورست أعمال تتنافى مع العدالة، بَيْدَ أنّه عليه السلام كمسؤول كان يشعر بتكليفه عندما يواجه مثل هذه الممارسات، فكانت كتبه وتحذيراته وخطبه وحروبه كلّها تصبّ في مجرى تطبيق هذه العدالة.

هذا هو تكليفنا، ولا أريد أن يتبادر إلى الأذهان الوهم بإمكانيّة أن يصل أمثالنا أو مَن هم أفضل منّا إلى مستوى أمير المؤمنين عليه السلام ، كلّا فهو عليه السلام المثل الأعلى والأنموذج الأصيل، فهو إنّما يُعدّ أنموذجاً من أجل أن يتحرّك الجميع باتّجاهه، وإلّا فإنّه عليه السلام لا يرتقي إليه التشبيه أو مقارنة أحد به؛ فأولئك العظام الذين اجتباهم الله تعالى ومنحهم العصمة، سواء كانوا من الأنبياء أم الأئمّة الأطهار عليه السلام ، هم نجوم تتلألأ في سماء المُلك والملكوت، وليسوا ممّن يستطيع

أمثالنا بما هم عليه من قدرات دانية وقابليّات متواضعة مضاهاتهم أو الوصول إليهم؛ إنّهم الهداة، والإنسان إنّما يتلمّس طريقه بواسطة النجوم30.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...