يقول الله تعالى :
ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) الشورى
هذه الأية العظيمة والمنحة الكريمة التي أعطاها الله عز وجل لأهل بيت النبي صلوات الله عليه وأله بأن جعل أجر الرسالة المحمدية الخاتمة هو مودة أهل البيت عليهم السلام فماذا وراء هذه العبارة من إشارات ؟
المعروف أن أجر العمل يجب أن يتناسب مع قيمة هذا العمل ، ففي هذه الأية الشريفة نستطيع قول الأتي :
1 ـ أن مودة أهل البيت عليهم السلام ( القربى ) تساوى الرسالة كلها بما تحمله من جمال وجلال وبشرى من الله :
( ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ )
2 ـ قد يتبادر إلى الذهن السؤال الأتي :
هل من الكمال المحمدي في مراتب الوجود والأخلاق أن يطلب أجرا على تبليغ الرسالة ؟
يأتي الرد سريعا من رب العالمين كقذيفة حق من علام الغيوب دفاعاَ عن الحبيب المحبوب وتنزيهه من طلب أجر لنفسه مادياَ أو معنوياَ سوى رضا الله عز وجل ، فقال في كتابه الكريم :
( قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) (48) سبأ
فما هو إذن معنى سؤال الرسول صلوات الله عليه للأجر هنا ؟
يأتي الرد أيضا سريعاَ من رب العالمين في نفس الأية :
( قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ۖ ) 47 سبأ
إذن فالمستفيد من الأجر المخاطبين بالقرأن ، أهل الولاية لمحمد وأل محمد عليه السلام ، الذين يعرفون قدر أهل بيت النبوة وقربى الرسول صلوات الله عليه وأله ..
3 ـ ولكن كيف تكون هذه الأستفادة لأهل الولاية والمحبة وعشاق القربي ؟
الأستفادة هي أن مودة القربى ـ أي أهل البيت عليهم السلام ـ هي السبيل الوحيد في السلوك إلى الله عز وجل ، يقول الله تعالى :
( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ) (57) الفرقان
4 ـ من هم القربي في المصطلح القرأني حيث خير التفسير هو تفسير القرأن بعضه بعضا …؟ يقول الله تعالى عن القربي :
( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (41) الأنفال
هذه الأية الكريمة تتحدث عن فريضة الخمس المقررة شرعاَ لأهل بيت النبوة تنزيها لهم من الصدقات وصيانة لكرامتهم ، وللأسف تجاهلت الأمة هذه الأية لأسباب سياسية لأنه ـ باختصار ـ من سيؤول إليه الخمس ( حتى بتفسيرات أهل السنة / أي غنائم الحرب ) يجب أن يكون ولي أمر المسلمين لعظم قيمة الخمس في صدر الأسلام حيث الفتوحات والغنائم ، ولذلك أقتضت السياسة حجب حق ( القربى ) والتشويش على الأيات المحكمات …!
نعود إلى أية الخمس الكريمة :
كيف يقسم الخمس على مستحقيه في الأية الكريمة ؟
يقسم كالأتي :
1 ـ الله
2 ـ الرسول
3 ـ ذو القربى
4 ـ اليتامى
5 ـ المساكين
6 ـ إبن السبيل
كيفية ذلك ؟
أولا ( الله ، الرسول ، ذو القربى ) كلها تعود للإمام ولي أمر المسلمين من أهل بيت النبوة ، فالمقصود بالقربى هنا ( الأئمة المعصومين من أهل البيت عليهم السلام ) في كل زمن إمام لا يعُذر أحد بجهلة ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية )
ويقول الله تعالى في ولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام :
( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) (67) المائدة
أي أن معرفة الأمام من أهل البيت ع = تبليغ الرسالة كلها
ثانيا ( اليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل ) من ذرية الرسول الأكرم صلوات الله عليه وأله ..
وهذ التفسير للأيات هو من تفسيرات مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، وهذه الأية تعتبر مُعطلة عند الفرق الأخرى ( وبئر معطلة وقصر مشيد )
وفي مرويات أهل البيت عليهم السلام ( تفسير الأمثل ) في قوله تعالى :
( وأتي ذى القربة حقه ) وردت الروايات الأتية :لذلك نرى في روايات عديدة عند الشيعة والسنة إِنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) بعث إِلى فاطمة(عليها السلام) بعد نزول هذه الآية، ووهبها فدكا.
ففي مصادر السنة مثلا نقرأ عن أبي سعيد الخُدري الصحابي المعروف: «لما نزل قوله تعالى: (وآت ذا القربى حقه) أعطى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة فدكاً
ويستفاد مِن بعض الرّوايات، أنَّ الإِمام زين العابدين(عليه السلام) أثناء سيره إِلى الشام بعد واقعة كربلاء، استدلَّ بهذه الآية (وآت ذا القربى حقه) في التعريف بنفسه وأهل بيته وعيال أبيه الحسين(عليه السلام)، بأنّهم المعنيين بقوله تعالى، فيما كانَ أهل الشام يغمطونهم هذا الحق!
الخلاصة :
أن الأية الكريمة من اللطائف والجواهر الكريمة الخاصة بمقامات أهل بيت النبوة فيجب الرجوع إلى أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي وتطبيقا للحديث الشريف :
تركت فيكم الثقلين
كتاب الله وأهل بيتي
أذكركم الله في أهل بيتي
أذكركم الله في أهل بيتي
أذكركم الله في أهل بيتي …
وكما حفظ الله كتاب الله كذلك حفظ أهل البيت عليهم السلام وإلا بطلت حجة الله على عبادة
فيجب ألا نتجاهل أحاديث ( أهل البيت ) عليهم السلام تحت أي دعاوى ملتبسة كنقد الموروث أو غيرها من طائفة حسبنا كتاب الله ، مع أننا نحسن الظن بكل من كتب في هذا الموضوع.
كما يجب الا نفصل ( أجر الرسالة ) عن وجوب مودة ذي القربى .. وعن السبيل إلى الله ، اي عن مقام الامامة والولاية الإلهية لأهل البيت عليهم السلام فكأننا فرغنا الآية من محتواها العظيم