شبهة مولد الإمام المهدي عليه السلام
وطول عمره وغيبته في السرداب من القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على ساداتنا محمد وآل محمد
{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا } (النساء/82).
{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } (محمد/24).
هي محاولة للتدبر في كتاب الله حتى يمكن أن نعرف كلمة الله فيما يواجهنا من معضلات وشبهات يلقيها الآخرون للتشكيك في قضايا واعتقادات مدرسة أهل البيت عليهم السلام :
المهدي بين السنة والشيعة
لا توجد قضية من قضايا العقيدة أو الشريعة في الإسلام تم إثباتها بعدد كبير من الأحاديث الشريفة مثل قضية الإمام المهدي عليه السلام سواء عند السنة أو عند الشيعة .
ـ الحد المتفق عليه بين الفريقين هو :
1 ـ أن المهدي هو من أهل بيت رسول الله صلوات الله عليه وآله .
ففي الحديث الصحيح :
عن النبي صلوات الله عليه وآله: ( عن الإمام علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة ) رواه ابن ماجه وأحمد وصحيح الجامع للألباني
2 ـ أنه سيظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا ..
ففي الحديث الشريف :
(عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ، وإمامكم منكم ) رواه البخاري ومسلم
3 ـ رأي علماء السنة فى أحاديث المهدي ( ع ) :
(أحاديث ظهور المهدي) فقد صرح الحافظ ابن حجر بثبوته والحافظ السيوطي بل قال إنه متواتر تواترا معنويا وأكثر الأئمة الذين ألفوا في الحديث أو خلق كثير منهم وضعوا ترجمة لخروجه بل أفرد عدة منهم التأليف في أخباره كالحافظ نعيم بن حماد والسيوطي، ولا عبرة بطعن أناس ليسوا من المحدثين في ذلك .
فإن عدد من روى حديث المهدي 38 نفسا منهم 33 من الصحابة و5 من التابعين ، ومن جملة ما ورد في المهدي: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَلِيفَةٌ يَقْسِمُ الْمَالَ وَلَا يَعُدُّهُ – رواه مسلم
ـ الاختلافات بين السنة والشيعة فى قضية المهدي :
1 ـ قضية ولادة الإمام المهدي :
اختلف السنة والشيعة في قضية ولادة الإمام المهدي عليه السلام :
فقالت الشيعة أنه ولد في ليلة النصف من شعبان عام 255 هجرية .
وقالت السنة أنه سوف يولد في نهاية الزمن .
فأيهما أصح ؟!!
بعيدا عن الروايات بين الفريقين ..
سنحاول الإجابة عن هذا السؤال من القرآن الكريم بما يسمى التفسير (بالجري) أي أن ما جرى في الأمم السابقة وذكره القرآن سيجري في هذه الأمة شبرا بشبر وذراعا بذراع .
ففي الحديث الصحيح والمشهور:
(*عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم “لَتَتّبِعُنّ سَنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ. شِبْراً بِشِبْرٍ، وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ. حَتّىَ لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبَ لاَتّبَعْتُمُوهُمْ” قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ آلْيَهُودُ وَالنّصَارَىَ؟ قَالَ “فَمَنْ؟”.
[البخارى..ك..الاعتصام.. ومسلم ..ك..العلم.. باب اتباع سنن اليهود والنصارى).
كيف نستفيد من هذا الحديث الذي يعتبر مفتاحا من مفاتيح معرفة ما حدث في هذه الأمة ؟
القضية الأولى :
ـ التشابه بين (عيسى) و (المهدي) عليهما السلام في قضية الولادة وموقف أمتهما منهما :
أولا : موقف اليهود والنصارى من قضية مولد المسيح ( ع ) :
قالت النصارى : أنه ولد من غير أب ورفع إلى السماء وأنه حي الآن منذ ألفي عام وأنه سوف يعود للأرض في نهاية الزمن .
وقالت اليهود: أنه لم يولد بعد وأنكروا قضية ولادته واتهموا أمه السيدة مريم (ع) وقالوا بولادته فى آخر الزمان بالطريقة العادية .
هذ هو الاختلاف ، فماذا كان رد القرآن ؟
أيد قصة مولد المسيح (ع) ، ورفعه إلى السماء ، بل وذكرها في القرآن تفصيلا يقول تعالى :
{ فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا* فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّافَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّاوَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا*فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا } (مريم/22-26)
وعلى ذلك حسم القرآن قضية مولد السيد المسيح (ع) وكذلك غيبته برفعه إلى السماء وطول عمره، رغم غرابة الولادة ، وذكرها بالتفصيل ؛ لأنها من الأمور المهمة التي ستختلف فيها الأمة ونتبع فيها اليهود والنصارى .
وكذلك حسب قانون ( اتباع السنن ) فقد حسمت هذه الآية قضية مولد الإمام المهدي (ع) وغيبته وطول عمره ، وبخاصة أن المهدي سيؤم المسيح (ع) في الصلاة وسيشتركان معا في إقامة العدل في الأرض .
القضية الثانية : ( قضية غرابة غيبة الإمام المهدي (ع) في السرداب ) :
لقد حدثنا القرآن الكريم وبالتفصيل عن غيبة بعض الأنبياء وبدايتها الغريبة :
1 ـ غيبة يوسف (ع) :
كانت بداية غيبة يوسف (ع) في غيابات (الجب) أي البئر المليء بالماء، ومع ذلك خرج وعاش حتى حكم الأرض .
فأيهما أغرب ابتداء غيبة يوسف من الجب أو بداية غيبة المهدي (ع) من السرداب ؟
مع ملاحظة أن يوسف كان الحادى عشر من ذرية النبي يعقوب عليه السلام من ناحية الترتيب في الولادة ، يليه أخوه بنيامين الأصغر وكذلك المهدي (ع) هو الحادي عشر من ذرية الرسول الأعظم محمد صلوات الله عليه وآله وسلم ، من ابنته فاطمة عليها السلام ، وهو الثاني عشر من الأئمة عليهم السلام باعتبار أن الإمام عليا عليه السلم هو أول الأئمة الاثني عشر ليس من أولاد الرسول الأعظم صلوات الله عليه وآله ، يقول تعالى : { قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لاَ تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ } (يوسف/10).
2 ـ غيبة يونس (ع) :
بدأت غيبة يونس (ع) عن قومه من ( بطن الحوت ) .
وأتساءل أيهما أغرب هذه الغيبة العجيبة أو قصة ( السرداب) ؟!!
يقول تعالى : { فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } (الصافات: 142)
3 ـ غيبة موسى عليه السلام :
بدأت غيبة موسى عليه السلام عن قومه بوضع أمه له في ( التابوت ) وإلقائه في البحر ، وأكمل غيبته في قصر فرعون ، أيهما أغرب ؟!! :
قال تعالى : { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا
تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ } (القصص/7)
4 ـ غيبة عيسى (ع) :
بدأت غيبة عيسى (ع) برفعه إلى السماء، وهو يعيش الآن في السماء لأكثر من ألفي عام .
فأيهما أعجب الغيبة في السماء أو بداية الغيبة من السرداب ؟!!
يقول تعالى :
{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } (آل عمران/55).
( لاحظ من المخاطب بكلمة ( بينكم ) في الآية الكريمة )
ـ الخلاصة :
لقد أوضح الله عز وجل في قرآنه الكريم وبطريقة متكررة أخطر قضيتين تم وضعهما كحجاب يحجب قضية المهدي (ع) عن المؤمنين .
وصدق الله العلي العظيم إذ يقول عن قصص الأنبياء (ع) في القرآن الكريم :
{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ ِلأَوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }