الرئيسية / القرآن الكريم / القرآن في الاسلام – الأستاذ العلامة السيد الطباطبائي

القرآن في الاسلام – الأستاذ العلامة السيد الطباطبائي

وقال تعالى أيضا في آيات أخرى : ( فلا أقسم بمواقع النجوم * وانه لقسم لو تعلمون عظيم * انه
لقرآن كريم * في كتاب مكنون * لا يمسه الا المطهرون * تنزيل من رب العالمين ) ( 1 ) .
يظهر جليا من هذه الآيات أن للقرآن الكريم مقامان : مقام مكنون محفوظ من المس ، ومقام
التنزيل الذي يفهمه كل الناس .
والفائدة الزائد التي نستفيدها من هذه الآيات ولم نجدها في الآيات السابقة هي
الاستثناء الوارد في قوله الا المطهرون الدال على أن هناك بعض من يمكن أن يدرك
حقائق القرآن وتأويله . وهذا الاثبات لا ينافي النفي الوارد في قوله تعالى ( وما يعلم
تأويله الا الله ) ، لأن ضم إحداهما إلى الأخرى ينتج الاستقلال والتبعية ، أي يعرف
منها استقلال علمه تعالى بهذه الحقائق ولا يعرفها أحد الا باذنه عز شأنه وتعليم منه .
وعلم التأويل شبيه فيما ذكرناه بعلم الغيب الذي اختص بالله تعالى في كثير من
الآيات ، وفي آية استثنى العباد المرضيون فاثبت لهم العلم به ، وهي قوله تعالى : ( عالم
الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * الا من ارتضى من رسول ) ( 1 ) . فمن مجموع الكلمات في علم
الغيب نستنتج أنه بالاستقلال خاص بالله تعالى ولا يطلع عليه أحد الا باذنه عز وجل .
نعم ، المطهرون هم الذين يلمسون الحقيقة القرآنية ويصلون إلى غور معارف القرآن – كا
تدل عليه الآيات التي ذكرناها . ولو ضممنا هذه إلى قوله تعالى ( انما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ( 2 ) الوارد حسب أحاديث متواترة في حق أهل
البيت عليهم السلام نعلم أن النبي وأهل بيته هم المطهرون العالمون بتأويل القرآن
الكريم .
القرآن الناسخ والمنسوخ :
بضمن آيات الأحكام الواردة في القرآن آيات احتلت أحكامها مكان أحكام كانت موضوعة في
آيات سابقة ، فأنهت مفعولها ولم تعد تلك الأحكام معمولا بها . وتسمى الآيات السابقة
بالمنسوخ والآيات اللاحقة بالناسخ .
فمثلا في بداية مبعث الرسول أمر المسلمون بمداراة أهل
الكتاب في قوله تعالى ( فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ) ( 1 ) . وبعد مدة أنهي هذا
الحكم وأمروا بالقتال معهم في قوله ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر
ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب ) ( 2 ) .
والنسخ الذي يدور على ألسنتنا حقيقته هي : وضع قانون لمصلحة ما والعمل به ثم ظهور
الخطأ في ذلك والغاؤه ووضع قانون جديد مكانه .
لكن لا يمكن نسبة مثل هذا النسخ الدال على الجهل ، والخطأ إلى الله تعالى المنزه عن
كل جهل وخطأ ، ولا يوجد هكذا نسخ في الآيات الكريمة الخالية عن وجود أي اختلاف بينها .
بل النسخ في القرآن معناه : انتهاء زمن اعتبار الحكم المنسوخ . ونعني بهذا أن للحكم
الأول كانت مصلحة زمنية محدودة وأثر مؤقت خاص تعلن الآية الناسخة انتهاء ذلك الزمن
المحدود وزوال الأثر . ونظرا إلى أن الآيات نزلت في مناسبات طي ثلاث وعشرين سنة من
السهولة بمكان تصور اشتمالها على هكذا أحكام .
ان وضع حكم موقت في حين لم تتم مقتضيات الحكم الدائم ، ثم وضع الحكم الدائم وابدال
الحكم الموقت به ، شئ ثابت لا اشكال
فيه . كما يفهم هذا أيضا ما ورد في القرآن الكريم حول فلسفة النسخ . قال تعالى : ( وإذا
بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا انما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون *
قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين ) ( 1 ) .
الجري والانطباق في القرآن :
القرآن الكريم كتاب دائم لكل الازمان وتسري احكامه على كل الناس ، فيجري في الغائب
كما يجري في الحاضر وينطبق على الماضي والمستقبل كما ينطبق على الحال . مثلا الآيات
النازلة في حكم على أحد المؤمنين بشروط خاصة في عصر النبوة يسري ذلك الحكم على غيره
لو توفرت تلك الشروط في العصور التالية أيضا ، والآيات التي تمدح أو تذم بعض من
يتحلى بصفات ممدوحة أو مذمومة تشمل من يتحلى بها ممن لم يعاصر النبي صلى الله عليه
وآله وسلم .
فإذا مورد نزول آية مالا يكون مخصصا لتلك الآية نفسها . ونعني بذلك لو نزلت في شخص
أو أشخاص معينين لا تكون الآية جامدة في ذلك الشخص أو أولئك الأشخاص ، بل تسري في كل
من يشترك مع أولئك في الصفات التي كانت موردا لتلك الآية .
هذا هو الذي يسمى في ألسنة الأحاديث بالجري قال الأمام الباقر عليه السلام ، في
حديثه للفضيل بن يسار ، عندما سأله عن هذه الرواية : ما في القرآن آية الا ولها ظهر
وبطن وما فيها حرف الا وله حد ولكل حد مطلع ، ما يعني بقوله : ظهر وبطن ؟ قال ( ع ) :
ظهره تنزيله وبطنه تأويله ، منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد ، يجري كما يجري الشمس
والقمر كلما جاء منه شئ وقع . الحديث . ( 1 ) .
وفي بعض الأحاديث يعتبر بطن القرآن – يعني انطباقه بموارد وجدت بالتحليل – مثل
الجري ( 2 ) .
التفسير وظهوره وتطوره :
بدأ التفسير وبيان معاني ألفاظ القرآن وعباراته من عصر الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم ، وكان هو المعلم الأول للقرآن الكريم وتوضيح مقاصده وحل ما غمض من عباراته ،
قال تعالى ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) ( 3 ) .
وقال : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب
والحكمة ) ( 4 ) .
وفي عصر النبي وبأمر منه اشتغل جماعة من الصحابة بقراءة القرآن وحفظه وضبطه ، وهم
الذين يسمون بالقراء . وبعد الصحابة استمر المسلمون في التفسير ولا زال حتى الآن
فيهم مفسرون .
علم التفسير وطبقات المفسرين :
اشتغل جماعة من الصحابة بالتفسير بعد أن ارتحل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى
الرفيق الأعلى ، ومنهم أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله الأنصاري
وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وأنس وأبو هريرة وأبو موسى ،
وكان أشهرهم عبد الله بن عباس .
كان منهج هؤلاء في التفسير أنهم ينقلون ما يسمعوه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم
في معاني الآيات بشكل أحاديث مسندة ( 1 ) وبلغت هذه الأحاديث كلها إلى نيف وأربعين
ومائتي حديث أسانيد كثير منها ضعيفة ومتون بعضها منكرة لا يمكن الركون إليها .

شاهد أيضاً

فيديو.. إسقاط الطائرة الأمريكية MQ9 في أجواء صعدة  

فيديو.. إسقاط الطائرة الأمريكية MQ9 في أجواء صعدة     نشر الإعلام الحربي اليمني مشاهد ...