الرئيسية / من / هكذا اتلُ القرآن – 7 آداب لقارئ الكتاب العزيز

هكذا اتلُ القرآن – 7 آداب لقارئ الكتاب العزيز

الأدب السابع: الاستعاذة

      

قال تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُون﴾.

 

من الآداب المهمة للقراءة وخصوصاً القراءة في الصلاة التي هي السفر الروحاني إلى الله والمعراج الحقيقي ومرقاة وصول أهل الله، الاستعاذة من الشيطان الرجيم الذي هو شوكة طريق المعرفة ومانع السير والسلوك إلى الله، كما أخبر الله سبحانه وتعالى عن قوله في السورة المباركة الأعراف حيث قال: ﴿فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم﴾، ولا يحصل الأمان من شرّه من دون الاعاذة إلى حصن الألوهية الحصين، ولا تتحقق هذه الاستعاذة بلقلقة اللّسان، والصورة بلا روح، والدنيا بلا آخرة، كما هو مشهود 

 

في أشخاص قالوا بهذا القول منذ أربعين أو خمسين سنة وما نجوا من شرّ هذا القاطع للطريق ويتبعون الشيطان في الأخلاق والأعمال بل في العقائد القلبية، ولو كنّا مستعيذين من شرّ هذا الخبيث بالذّات المقدّسة للحقّ تعالى وهو الفيّاض المطلق وصاحب الرحمة الواسعة والقدرة الكاملة والعلم المحيط والكرم البسيط لأعاذنا الله ولصلح إيماننا وأخلاقنا وأعمالنا.

 

الاخلاص طريق الاستعاذة

 

1 ـ فمن مهمّات آداب الاستعاذة الخلوص كما نقله سبحانه عن الشيطان أنه قال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ ”  وهذا الاخلاص كما يظهر من الكريمة الشريفة أعلى من الاخلاص العملي وأعم من العمل الجوانحي أو العمل الجوارحي، لأنّ المُخلَص بصيغة المفعول، ولو كان المنظور هو الإخلاص العملي لكان التعبير بصيغة الفاعل المُخلِص ، فالمقصود من هذا الإخلاص هو خلوص الهويّة الإنسانية بجميع شؤونها الغيبية والظاهرية والإخلاص العملي من رشحاته، وهذه الحقيقة واللّطيفة الإلهيّة وإن كانت لا تحصل للعامّة في ابتداء السّلوك إلا بالرّياضات العمليّة الشّديدة وخصوصاً

 

الرّياضات القلبية التي هي أصلها كما أشير إليه في الحديث المشهور:

“من أخلص لله أربعين صباحاً جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه “

 فمن أخلص أربعين صباحاً ـ بمقدار تخمير طينة آدم عليه السلام، وكان أربعين صباحاً، والرّبط بينهما معلوم عند أهل المعرفة وأصحاب القلوب ـ نفسه لله وأخلص أعماله القلبية والقالبية للحقّ تعالى يكون قلبه إلهياً ولا ينفجر من القلب الإلهي سوى عيون الحكمة، فيكون لسانه الذي هو أكبر ترجمان للقلب ناطقاً بالحكمة.

 

أركان الإستعاذة

 

الركن الأول: في المستعيذ

الركن الثاني: في المستعاذ منه

الركن الثالث: في المستعاذ به

الركن الرابع: في المستعاذ له

 

الركن الأول: في المستعيذ

 

وهو الحقيقة الإنسانية من أول منزل السلوك إلى الله إلى منتهى النهاية للفناء الذاتي.

 

وتفصيل هذا الاجمال أن الإنسان ما دام مقيماً في بيت النفس والطبيعة ولم يشتغل بالسفر الروحاني والسلوك إلى الله وهو تحت السلطنة الشيطانية بجميع شؤونها ومراتبها لم يتلبس بحقيقة الاستعاذة ولقلقلة اللسان بلا فائدة، بل هي تثبيت وتحكيم للسلطنة الشيطانية إلا بالتفضل والعناية الإلهية.

 

والإنسان مستعيذ حال السلوك إلى الله، وهو يستعيذ من أشواك الوصول التي قعدت على الصراط المستقيم للإنسانية كما حكى سبحانه من قول الشيطان: “فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم “.

 

الركن الثاني: في المستعاذ منه:

 

وهو إبليس والشيطان الرجيم الذي يمنع الإنسان بحبائله المتنوعة. وإلا فنفس إبليس هي حقيقة ذات تجرّد مثالي وذات حقيقة إبليسية كلّية، هي رئيس الأبالسة وإبليس الكل أيضاً.

 

وبالجملة، ما كان في هذا السلوك الإلهي والسير إلى الله مانعاً من السير وشوكاً في الطريق فهو الشيطان أو مظاهره التي أعمالها أيضاً عمل الشيطان، وحالاتها المختلفة حجاباً لجمال المحبوب سواء أكان من العوالم الملكية الدنيوية كالفقر والغنى والصحة والمرض والقدرة والعجز والعلم والجهل والآفات والعاهات وغيرها، أو كان من العوالم الغيبية التجردية والمثالية كالجنة وجهنم، والعلم المتعلق بها حتى العلوم العقلية البرهانية الراجعة إلى توحيد الحق وتقديسه كل ذلك من حبائل ابليس التي تمنع الإنسان عن الحق والانس به والخلوة معه وتشغله بذلك، حتى الاشتغال بالمقامات المعنوية والوقوف في المدارج الروحانية الذي ظاهره الوقوف في الصّراط الإنساني وباطنه الوقوف في صراط الحق الذي هو جسر روحاني لجنهم الفراق والبعد وينتهي إلى جنة اللقاء. وهذا الجسر مخصوص لطائفة قليلة من أهل المعرفة وأصحاب القلوب، وهذا الاشتغال من الحبائل العظيمة لإبليس الأبالسة ولا بد من الاستعاذة منه إلى ذات الحق المقدسة جلّ شأنه.

 

وبالجملة، ما منعك عن الحق وحجبك عن جمال المحبوب الجميل فهو شيطانك سواء أكان في صورة الإنسان أو الجن.

 

الركن الثالث: في المستعاذ به

 

اعلم أن حقيقة الاستعاذة حيث إنها متحققة في السالك إلى الله ومتحصلة في السير والسلوك إلى الحق، بمعنى أن الاستعاذة تختص بالسّالك في مراتب السلوك فتختلف الاستعاذة والمستعيذ والمستعاذ منه والمستعاذ به على حسب مقامات السائرين ومدارجهم ومنازل سالكي الحقيقة، ويمكن أن تكون إشارة إلى ذلك السالك السورة الشريفة النّاس، حيث يقول تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ﴾  .

 

الركن الرابع: في المستعاذ له، غاية الاستعاذة

 

اعلم أن ما هو المطلوب بالذات للإنسان المستعيذ فهو من نوع الكمال والسّعادة والخير، ويتفاوت ذلك على حسب مراتب السالكين ومقاماتهم تفاوتاً كثيراً. فالسّالك ما دام في بيت النفس وحجاب الطبيعة تكون غاية سيره حصول الكمالات النفسانية والسعادات الخسيسة الطبيعية وهذا في مبادئ السلوك، فإذا خرج من بيت النفس وذاق شيئاً من المقامات الروحانية والكمالات التجردية فيصير مقصده أعلى ومقصوده أكمل فيُلقي المقامات النفسانية وراء ظهره

 

وتكون قبلة مقصوده حصول الكمالات القلبية والسعادات الباطنية فإذا أُلفِتَ عنان السير عن هذا المقام أيضاً ووصل إلى منزل السر الروحي فتبرز في باطنه مبادئ التجليات الإلهية ويكون لسان روحه في بادئ الأمر وجّهت وجهي لوجه الله ثم بعد ذلك وجهت وجهي لأسماء الله أو لله ثم بعد ذلك وجهت وجهي له.

 

وبالجملة، فالسالك غايته الحقيقية في كل مقام حصول الكمال والسعادة بالذات، وحيث إن مع السعادات والكمالات في كل مقام شيطانها هو لها قرين وحبالة من حبائله مانعة للحصول فلا بد للسالك أن يستعيذ بالحق تعالى من ذلك الشيطان وشروره وحبائله للوصول إلى المقصود الأصلي والمنظور الذاتي، ففي الحقيقة غاية الاستعاذة للسالك حصول ذلك الكمال المترقب والسعادة المطلوبة والحق تعالى جلت عظمته غاية الغايات ومنتهى الطلبات، والاستعاذة من الشيطان تقع بالتبع.

 

 

والحمد لله أولاً وآخراً.

 

 

 

 

 

 

 

 

الفهرس

المقدمة   7
هكذا اتل القرآن 9
الأدب الأول 9
الأدب الثاني 12
الأدب الثالث 20
الأدب الرابع 28
الأدب الخامس 29
الأدب السادس 32
الأدب السابع 37
الاخلاص طريق الاستعاذة 38
اركان الاستعاذة 39
الركن الاول:في المستعيذ 40

 

 

 

الركن الثاني:في المستعاذ منه 40
الركن الثالث: في المستعاذ به 42
الركن الرابع: في المستعاذ له 42

 

 

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

اليوم النوعي للمقاومة الإسلامية.. إما يذعن العدو الآن أو الآتي اعظم

عبد الحسين شبيب حتى تاريخه؛ يمكن القول إن الرابع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 ...