أهل البيت عليهم السلام
* مَثَلُهم في هذه الأمّة كباب حِطّة في بني إسرائيل، وكسفينة نوح في قومه1, فليس لأحد – وإن عظم شأنه – أن يتّبع غير سبيلهم، ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ﴾2. 3
* هم كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق، وكباب حطّة من دخله غفر له، وأمانُ أهل الأرض من العذاب، وأمنُ الأمّة من الاختلاف في الدّين، فإذا خالفتهم قبيلة اختلفت فصارت حزب إبليس4.
* لا يخفى أنّ المراد من تمثيلهم بـ “سفينة نوح” إنّما هو إلزام الأُمّة باتّباع طريقتهم، والتمسّك بالعروة الوثقى
1- المستدرك على الصحيحين 3: 81، ح 3365؛ ينابيع المودّة 1: 93 – 95، الباب 4، ح 2 – 6.
2- سورة النساء، الآية: 115.
3- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 498.
4- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 515.
من ولايتهم، وليس المراد من النجاة بذلك إلّا رضوان الله -عزّ وجلّ- والجنّة، كما أنّ المراد بغرق المتخلّفين عنهم أو هلاكهم إنّما هو سخط الله سبحانه والنّار5.
* المراد من تمثيلهم بـ”باب حطّة” إنّما هو بعث الأمّة على التواضع لله – عزّ وجلّ – بالاقتداء بهم، والاستسلام لأوامرهم ونواهيهم، وهذا كلّه ظاهر كما ترى6.
* حسبُ أئمّة العترة عليهم السلام أن يكونوا عند الله ورسوله بمنزلة الكتاب، وكفى بذلك حجّة تضطرّ المسلم أن يتعبّد بقولهم وفعلهم وتقريرهم, إذ لا يرتضي المسلم بكتاب الله بدلاً، فكيف يبتغي عن أعداله حِولاً؟7
* ألا ترى البرّ والفاجر، والمسلم والكافر، والمؤمن والمنافق، والناصب والمارق، قد بخعوا لفضلهم، وطأطأوا لشرفهم، فسطّروا الأساطير في مناقبهم، وملأوا الطوامير من خصائصهم، وتلك صحاحُ أعدائهم تشهد لهم بالحقّ الّذي هم أهله ومعدنه، ومأواه ومنتهاه8.
5- الموسوعة، ج5، المجالس الفاخرة، تسلسل ص 2062.
6- الموسوعة، ج5، المجالس الفاخرة، تسلسل ص 2063.
7- الموسوعة، ج4،كلمة حول الرؤية، تسلسل ص 1515.
8- الموسوعة، ج4، فلسفة الميثاق والولاية، تسلسل ص 1576.
* ونحن مهما شككنا فلا نشكّ في عصمة أئمّتنا، وأنّ عندهم علم الكتاب، وما من ريب لأحد في أنّهم أعلم الناس بمفاده9.
* لأنّهم حجج الله البالغة، ومناهل شرائعه السائغة، وأمناؤه على وحيه، وأولياؤه في أمره ونهيه، فالمحبّ لهم بسبب ذلك محبّ لله، والمبغض لهم مبغض لله10.
* بخٍّ بخٍّ، إنّ من وقف على هذه الوهلة العظيمة والروعة الشديدة الّتي رهقت أعلام نجران وممثّلي دينها ودنياها بمجرّد أن برز أصحاب الكساء لمباهلتهم، يعلم أنّ لمحمّد وآل محمّد – صلوات الله وسلامه عليه وعليهم – جلالةً ربّانيّة تغشى الأبصار، ومهابةً روحانيّة يُخفَض لها جناح الذلّ والصغار11.
* وإنّما أطلق (أي لفظ الأبرار في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُون َ…﴾12) على عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام, تبياناً لكونهم أكمل الأبرار، وأذاناً بأنّهم الأخيار، وبرهاناً على أنّهم صفوة الصفوة، وحجّة على أنّهم خيرة الخيرة. فما عسى أن يقول
9- الموسوعة، ج4، فلسفة الميثاق والولاية، تسلسل ص 1579.
10- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2432.
11- الموسوعة، ج5، الكلمة الغرّاء، تسلسل ص 1947.
12- سورة الإنسان، الآية: 5.
القائلون في عظيم برّهم، أو يصف الواصفون سموّ قدرهم؟ وأيّ مدحة توازن مدحة الفرقان؟ وأيّ ثناء يكايل ثناء الذكر الحكيم؟ وأيّ عبارة فاضلة شريفة مقدّسة تكافئ قول الله تعالى فيهم؟13
* ومن تدبّر القرآن الحكيم وغاص على أسراره البالغة، وجدَ في هذه الآيات البيّنات من عناية الله تعالى في هؤلاء الأبرار أمراً عظيماً، لا يوصف بكيف، ولا يقدّر بكم14.
* وأنت -هداك الله- إذا أمعنت النظر فيما ألقاه -عزّ وجلّ- إليهم في ختام البشائر العظيمة والمواهب الجسيمة، تتمثّل لك عناية الله بهم قالباً حسّيّاً، وترى كرامتهم عليه وسموَّ منزلتهم لديه شخصاً مرئيّاً، وذلك أنّه ختم كلامه في شؤونهم بقوله مخاطباً لهم: ﴿إِنَّ هَذَا﴾ الإكرام العظيم الّذي فصّلناه في محكم الذكر تفصيلاً، وفضّلناكم على العالمين تفضيلاً ﴿كَانَ لَكُمْ جَزَاء﴾ على أعمالكم المقدّسة الّتي استوجبت هذا الإكرام الجسيم، لم تنالوه بشفاعة أو بمجرّد فضل، وإنّما أخذتموه بالاستحقاق والعدل ﴿وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا﴾ مع ذلك كلّه ﴿مَّشْكُورًا﴾15. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم16.
13- الموسوعة، ج5، الكلمة الغرّاء، تسلسل ص 1997.
14- الموسوعة، ج5، الكلمة الغرّاء، تسلسل ص 1999.
15- سورة الإنسان، الآية: 22.
16- الموسوعة، ج5، الكلمة الغرّاء، تسلسل ص 2005.
* وأنت تعلم أنّ المراد بتشبيههم عليهم السلام بسفينة نوح, أنّ من لجأ إليهم في الدّين فأخذ فروعه وأصوله عن أئمّتهم الميامين نجا من عذاب النّار, ومن تخلّف عنهم كان كمن آوى يوم الطوفان إلى جبل ليعصمه من أمر الله, غير أنّ ذاك غرق في الماء وهذا في الحميم, والعياذ بالله17.
الوجه في تشبيههم عليهم السلام بباب حطّة هو أنّ الله تعالى جعل ذلك الباب مظهراً من مظاهر التواضع لجلاله, والبخوع لحكمه, وبهذا كان سبباً للمغفرة18.
(والله تعالى) قد جعل انقياد هذه الأمّة لأهل بيت نبيّها والإتباع لأئمّتهم مظهراً من مظاهر التواضع لجلاله, والبخوع لحكمه, وبهذا كان سبباً للمغفرة19.
* وأنا أرجو ممّن خدمتهم من إخواني المسلمين بهذه الرسالة أن ينظروا بعين الإنصاف هل كان بين الله – عزَّ وجلَّ- وبين أحد من الناس قرابة فيحابيه؟ كلّا, ما كان الله ليعاقب قوماً بأمر يُثيب به آخرين, إنّ حكمه في الأوّلين والآخرين لواحد, وما بين الله تعالى وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمىً حرّمه على العالمين20.
17- الموسوعة، ج1، المراجعات، تسلسل ص 34.
18- الموسوعة، ج1، المراجعات، تسلسل ص 34.
19- الموسوعة، ج1، المراجعات، تسلسل ص 34.
20- الموسوعة، ج3، الفصول المهمّة، تسلسل ص 1251.
* نعم في الطالبيّين اثنا عشر إماماً: عليّ, والحسنان, والتسعة من سلالة الحسين, بوّأتهم الأدلّة القطعيّة لدينا مبوّأ الإمامة على الأمّة والولاية العامّة عليها في دينها ودنياها, بعهد متسلسل من رسول الله إلى عليّ ومن عليّ إلى الحسن فالحسين فإلى كلّ من التسعة بعهد السابق منهم إلى من بعده… 21
* فهل يستلزم الاعتقاد بإمامتهم القول بأنّهم فوق البشر؟ كلّا! ﴿بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾22 كغيرهم من أئمّة الخلق, والأوصياء بالحقّ, فإنّه ما من نبيّ إلّا وله وصيّ ﴿لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾23. 24
* نحن الإماميّة في كلّ ما ندين به تبعاً لأئمّة العترة الطاهرة, ومذهبهم عندنا حجّة بنفسه, لأنّهم أعدال كتاب الله, وعيبة سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وسفن نجاة الأمّة, يسلم من ركبها, ويغرق من تخلّف عنها, وباب حطّة يأمن من دخلها, والعروة الوثقى لا انفصام لها, وأمان الأمّة من الاختلاف, وأمنها من العذاب, وبيضة رسول
21- الموسوعة،ج4، إلى المجمع العلميّ العربيّ بدمشق، ص 1755.
22- سورة الأنبياء، الآيتان: 26-27.
23- سورة النساء، الآية:165.
24- الموسوعة،ج4، إلى المجمع العلميّ العربيّ بدمشق، تسلسل ص 1755.
الله الّتي تفقّأت عنه, وأولياؤه وأوصياؤه ووارثو علمه وحِكَمِه, وأولى الناس به وبشرائعه عن الله تعالى..25
* وإنّما كانت هذه الشهادة – ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾26 – أعظم, لكشفها عن كمال نفوسهم, وبلوغهم أقصى الغايات في حبّ الخير والإيثار على أنفسهم, إشفاقاً على المسكين, ورأفة باليتيم, وعِطفة على الأسير. وأنت تعلم أنّهم لو لم يؤثرونهم لما كان عليهم في ذلك من جناح, لكنّهم مثّلوا الحنان والمرحمة بأجلى مظاهرهما حين لم يكونوا مكلّفين بذلك ولا مسؤولين عنه, وتلك من أفضل صفات المقرّبين27.
* لم يكن أصبر منهم على خطب، ولا أقوى منهم جلداً على محنة، ولا أربط جأشاً عند نازلة، لم تروعهم النوائب القارعة، ولم تنل من صبرهم الملمّات الفاقرة28.
* إخواني أعلام الأمّة، إنّنا اليوم في هذا المفترق الخطير أشدّ حاجةً من أيّ وقت إلى الاعتصام بحبلهم والسير على نهجهم29.
25- الموسوعة،ج4، مسائل فقهيّة، تسلسل ص 1926.
26- سورة الإنسان، الآية: 8.
27- الموسوعة،ج5، الكلمة الغرّاء، تسلسل ص 2000.
28- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4508.
29- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4502.