السيّدة زينب عليها السلام
* وهذه أُمّ المصائب عقيلة الوحي والنبوّة، وخفرة عليّ وفاطمة زينب، بلغ من عناية الله تعالى بها وكرامتها عليه، أن كان مشهدها منذ حلّت في رمسه، كلّ سنة هو أفخم وأعظم منه في سابقتها، حتّى بلغ اليوم أوج العظمة والعلاء1.
* كانت في الهاشميّات كالّتي أنجبتها، تنطق الحكمة والعصمة من محاسن خلالها، ويتمثّلان وما إليهما من أخلاق في منطقها وأفعالها، فلم يُر أكرم منها أخلاقاً، ولا أنبل فطرة، ولا أطيب عنصراً، ولا أخلص جوهراً، إلّا أن يكون جدَّها واللّذين أولداها2.
* وكانت ممّن لا يستفزّها نزق، ولا يستخفّها غضب، ولا يروع حلمها رائع، آية من آيات الله في ذكاء
1- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2507 – 2508.
2- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2515.
الفهم، وصفاء النفس، ولطافة الحسّ، وقوّة الجنان، وثبات الفؤاد، في أروع صورة من الشجاعة والإباء والترفّع3.
* ومواقفها كلّها تمثّلها صابرة محتسبة، منذ أصيبوا بفقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى غير ذلك من المحن والأرزاء، كوفاة الزهراء، وفي العين منها قذى، وفي القلب منها شجى4.
* وقد شاركتهم5 عقيلتهم بطلة كربلاء في كلّ هذه الأرزاء رابطة الجأش، صلبة العود، لم تروّعها تلك النوائب، ولم تنل من صبرها تلك الملمّات، ولها في السبي مقام كريم لا يسامى، تسنّمت به ذرى المعالي والشرف، ونالت به من الله كلّ زلفى6.
* وقد استماتت بحماية مريضهم بقيّة أخيها الإمام زين العابدين عليه السلام، وقد كاد أن يقتله ابن زياد لولا دفاعها عنه ببذل دمها، وبقتله تنقطع سلالة أخيها سيّد الشهداء7.
3- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2515 – 2516.
4- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2522.
5- أي أهل البيت عليهم السلام.
6- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2522.
7- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2522 – 2523.
مآتم أهل البيت عليهم السلام
* إنّ مآتمنا بما فيها من الجلوس بعنوان الحزن على مصائب أهل البيت عليهم السلام، والإنفاق عنهم في وجوه البرّ، وتلاوة رثائهم ومناقبهم، والبكاء رحمة لهم، سيرةٌ قطعيّة قد استمرّت عليها أئمّة الهدى من أهل البيت، وأمروا بها أولياءهم على مرّ الليالي والأيّام فورثناها منهم، وثابرنا عليها عملاً بما هو المأثور عنهم، فكيف – والحال هذه – تنكرونها علينا، وتقولون فيها ما تقولون؟ والله يعلم أنّها ليست كما تظنّون1.
* إنّها جامعة إسلاميّة ورابطة إماميّة باسم النبيّ وآله صلى الله عليه وآله وسلم، ينبعث عنها الاعتصام بحبل الله – عزّ وجلّ – والتمسّك بثقلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفيها من اجتماع القلوب على أداء أجر الرسالة بمودّة القربى، وترادف العزائم على إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام ما ليس في غيرها2.
1- الموسوعة، ج5، المجالس الفاخرة، تسلسل ص 2063.
2- الموسوعة، ج5، المجالس الفاخرة، تسلسل ص 2070.
* إنّ هذه المآتم دعوة إلى الدّين بأحسن صورة وألطف أسلوب، بل هي أعلى صرخة للإسلام توقظ الغافل من سباته، وتنبّه الجاهل من سكراته، بما تُشرِبه في قلوب المجتمعين، وتَنفُثه في آذان المستمعين، وتبثّه في العالم، وتصوّره قالباً لجميع بني آدم، من أعلام الرسالة، وآيات الإسلام، وأدلّة الدِّين، وحجج المسلمين، والسيرة النبويّة، والخصائص العلويّة، ومصائب أهل البيت في سبيل الله، وصبرهم على الأذى في إعلاء كلمة الله3.
* (من أسرار المآتم) ما قد أثبته العيان، وشهد به الحسّ والوجدان من بثّ المعارف بسبب هذه المآتم ونشر أطراف من العلوم ببركتها, إذ هي – بشرط كونها على أصولها – أرقى مدرسة للعوامّ، يستضيئون فيها بأنوار الحكم من جوامع الكلم4.
* إنّ المصلحة الّتي استشهد الحسين – بأبي وأمّي – في سبيلها، وسفك دمه الزكيّ تلقاءها، تستوجب استمرار هذه المآتم، وتقتضي دوامها إلى يوم القيامة5.
3- الموسوعة، ج5، المجالس الفاخرة، تسلسل ص 2073.
4- الموسوعة، ج5، المجالس الفاخرة، تسلسل ص 2075.
5- الموسوعة، ج5، المجالس الفاخرة، تسلسل ص 2079.