الإِهداء
يا سيد الشهداء وشهيد الاباء ، اقدم لأعتابك هذه المجموعة الفواحة رمزاً للوفاء ، فما أتمتع به من عزة وكرامة وعافية وسلامة كانت من اشعاعاتك التي تضفيها علي بجاهك العظيم عند الله تعالى .
فتقبل يا سيدي بعض ما يجب من ولدك .
المؤلف
تصدير :
|
بقلم العلامة : الشيخ محمد جواد مغنية |
بسمِ اللهِ الرحمَنِ الرّحيمِ
وبعد :
فان كلمتي هذه ليست مقدمة بمعناها الصحيح ، ولا تقريظاً لهذه المجموعة ، او تعرفاً لها ، او ثناء على من جمعها ، وان استوجب الشكر على ما بذل من جهد ، وانما تبحث هذه الكلمة :
اولا : هل يقدس الشيعة شخص الحسين بالذات ، او ان اسم الحسين عندهم رمز لشيء عميق الدلالة ، تماماً كما يرمز العاشق بالغزال إلى محبوبته ؟ .
ثانياً : هل انعكس شيء من اشراقات الحسين ( ع ) وروحه في نفوس الذين يهتفون باسمه ليل نهار ـ في هذا العصر ـ ويحتفلون بذكراه ، وينصبون لها السرادقات ، ويقيمون لها الحفلات ، وينفقون عليها الالوف ؟ .
ثالثاً : هل خطباء المنبر الحسيني يؤدون مهمتهم كما ينبغي ؟ .
الحسين رمز :
قد يبدو للنظرة الأولى ان كلمة الحسين تعني عند الشيعة المعنى الظاهر منها ، وان دلالتها تقف عند ذات الحسين بن علي وشخصه ، وان الشيعة ينفعلون بهذه الشخصية الى حد الجنون . . ولكن سرعان ما تتحول هذه النظرة الى معنى اشمل واكمل من الذات والشخصيات لدى الناقد البصير ، ويؤمن ايماناً لا يشوبه ريب بان كلمة الحسين تعني عند الشيعة مبدأ الفداء ونكران الذات ، وان الحسين ما هو الا مظهر ومثال لهذا المبدأ في اكمل معانيه . . ودليل الادلة على هذه الحقيقة هو ادب الشيعة انفسهم . . فلقد كان الادب ، وما زال الصورة الحية التي تنعكس عليها عقيلة الامة وعقيدتها ، وعاداتها وبيئتها .
واذا رجعنا الى التراث الادبي لشيعة اهل البيت وجدناه يعكس الاحتجاج الصارخ على الظلم والظالمين في كل زمان ومكان ، والثورة العنيفة في شرق الارض وغربها ، وان ادباء الشيعة ، وبخاصة شعراءهم يرمزون باسم الحسين الى هذه الثورة ، وذاك الاحتجاج ، لان الحسين اعلى مثال واصدقه على ذلك ، كما يرمزون الى الفساد والطغيان بيزيد وبني حرب وزياد وامية وآل ابي سفيان ، لانهم يمثلون الشر بشتى جهاته ، والفساد بجميع خصائصه على النقيض من الحسين . . واليك هذه
الابيات كشاهد ومثال :
فمن قصيدة لاديب شيعي :
سهم رمى احشاك يا بن المصطفى |
|
سهم به قلب الهداية قد رمي |
ومن قصيدة لآخر :
بنفسي راس الدين ترفع راسه |
|
رفيع العوالي السمهرية ميدُ |
ولثالث :
اليوم قد قتلوا النبي وغادروا الا |
|
سلام يبكي ثاكلا مفجوعا |
فهذه الابيات والالوف من امثالها تنظر الى الانسان نظرة شاملة واعية ، وتزخر بالثورة على كل من ينتهك حقاً من حقوق الناس ، وترمز الى هذه الحقوق بكلمة الحسين ، وتعبر بقلبه عن قلب الهداية ، وبراسه عن رأس الدين ، وبقتله عن قتل رسول الله ودين الله . . واستمع الى هذه الصرخة الغاضبة يطلقها الشيخ احمد النحوي في وجوه حكام الجور الذين اتخذوا مال الله دولا ، وعباده خولا :
عجبا لمال الله اصبح مكسبا |
|
في رائح للظالمين وغاد |
عجبا لآل الله صاروا مغنما |
|
لبني يزيد هدية وزياد |
فيزيد وزياد رمز لكل من يسعى في الارض فسادا ، واوضح الدلالات كلها هذا البيت :
ويقدم الأموي وهو مؤخر |
|
ويؤخر العلوي وهو مقدم |
فانه ينطبق على كل من يتولى منصبا ، وهو ليس له باهل . . وبهذا نجد تفسير الابيات التي يستنهض بها الشعراء صاحب الامر ليثأر من قاتلي الحسين ، ويفعل بهم مثل ما فعلوا ، وهم يقصدون بالحسين كل مظلوم ومحروم ، وبقاتليه كل ظالم وفاسد ، وبصاحب الامر الدولة الكريمة العادلة التي تملأ الارض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا واليها يرمز السيد الحلي بقوله :
لا تطهر الارض من رجس العدى ابداً |
|
|
|
ما لم يسل فوقها سيل الدم العرم |
|
هذا ، الى ان الحسين ( ع ) قد مضى على استشهاده ألف وثلاثمئة سنة او تزيد ، ومن يومه الى يومنا هذا ، والاجيال من قوميات شتى ينظمون فيه الاشعار بالفصحى وغير الفصحى ، وقد تغيرت الحياة ومرت بالعديد من الأطوار ، وقضت على الكثير من العادات الا الاحتفال بذكرى الحسين ، والهتاف باسم الحسين نثراً وشعراً ، فانه ينمو من عصر الى عصر ، تماماً كما تنمو الحياة ، وسيستمر هذا النمو ـ والسين في يستمر للتأكير لا للتقريب ـ قياساً للغائب على الشاهد . . وما عرفت البشرية جمعاء عظيماً من ابناءها قيل فيه من الشعر ما قيل في الحسين بن علي ( ع ) . . ولو تصدى متتبع للمقارنة بين ما نظم فيه ، وما نظم في
عظماء الدنيا مجتمعين لتعادلت الكفتان ، او رجحت كفة الحسين ، وما هذه المجموعة ( الشبرية ) الا نقطة من بحر ، وحبة من رمل ، والسر الاول والاخير يكمن في المبدأ الذي مضى عليه الحسين ، واشار اليه بقوله ؛ وهو في طريقه الى ربه : ( امضي على دين النبي ) : اذن ، تعظيم الحسين تعظيم لدين النبي .
وقد يقال : ان مسألة النظم في الحسين ( ع ) مسألة طائفية ، لا مسألة اسلام وانسانية ؟ .
ونقول في الجواب : ان تمجيد الثورة ضد الظلم والطغيان هو تمجيد للانسانية نفسها ، حتى ولو كان الدافع الطائفية او الحزبية او القومية ، فان الثورة الفرنسية والجزائرية والفيتنامية ثورات قومية ، ومع ذلك فهي انسانية ، ومصدر الإِلهام لكثير من الثورات .
وبهذه المناسبة انقل هذا المقطع من كتابي ( الاثنا عشرية ) :
ان التطور لم يقف عند حدود المادة ، بل تعداها الى الافكار واللغة ، لانها جميعاً متلازمة متشابكة لا ينفك بعضها عن بعض ، وكلمة الحسين كانت في البداية اسما لذات الحسين بن علي ( ع ) ثم تطورت مع الزمن ، واصبحت عند شيعته وشيعة ابيه رمزاً للبطولة والجهاد من اجل تحرير الانسانية من الظلم والاضطهاد ، وعنواناً للفداء والتضحية
بالرجال والنساء والاطفال لاحياء دين محمد بن عبد الله ، « ص » ولا شيء اصدق في الدلالة على هذه الحقيقة من قول الحسين : امضي على دين النبي .
اما كلمة يزيد فقد كانت من قبل اسما لابن معاوية ، وهي الآن عند الشيعة رمز الفساد والاستبداد ، والتهتك والخلاعة ، وعنوان للزندقة والالحاد ، فحيثما يكون الشر والفساد فثمَّ اسم يزيد ، وحيثما يكون الحق فثم اسم الحسين . . فكربلاء اليوم عند الشيعة هي فلسطين المحتلة وسيناء والضفة الغربية من الاردن ، والمرتفعات السورية ، اما اطفال الحسين وسبايا الحسين فهم النساء والاطفال المشردون من ديارهم . . وشهداء كربلاء هم الذين قُتلوا دفاعاً عن الحق والوطن في ٥ حزيران . وهذا ما عناه الشاعر بقوله :
كأن كل مكان كربلاء لدى |
|
عيني وكل زمان يوم عاشورا |
اين روح الحسين ؟ :
ونخلص من هذا الى نتيجة لا مفر منها ، وهي ان اية ثورة على الظلم والطغيان تقوم في شرق الارض وغربها فهي ثورة حسينية من هذه الجهة ، حتى ولو كان اصحابها لا يؤمنون بالله واليوم الآخر . . فان الظلم كريه وبغيض بحكم العقل والشرع ، سواء أوقع على المؤمن ام الكافر ، وان اي انسان ضحى بنفسه في سبيل الخير والانسانية فهو حسيني في
عمله هذا ، وان لم يسمع باسم الحسين ، لان الانسانية ليست وقفاً على دين من الاديان ، او قومية من القوميات .
وعلى هذا فالفيتناميون الذين يموتون من اجل التحرر والتقدم ، وصد الغزاة الغاصبين يلتقون مع الحسين في مبدأه ، وان لم يسمعوا باسمه ، ومن لا يهتم الا بنفسه وذويه ، ويساند اهل البغي والفساد حرصاً على منفعته فهو على دين يزيد وابن زياد ، وان لطم وبكى على الحسين ان الحسيني حقاً من يؤثر الدين على نفسه واهله ، ويضحي بالجميع من اجله ، تماماً كما فعل الحسين ، اما من يكيف الدين والمذهب على اهوائه تماماً كما يقطع الثوب على مقدار طوله وعرضه ، اما هذا فما هو من الحسين ودين الحسين في شيء .
وتقول : كيف ؟ وهذه الحرقة واللوعة ، وهذا الدمع والعويل على الحسين ، هل هو رياء ونفاق ؟ .
واقول : كلا ، هو صدق واعتقاد ، ولكن الشيطان يوهمه ان الدين هو مجرد البكاء على الحسين وزيارة قبر الحسين ( ع ) . . وفيما عداه فالدين هو منفعته ومنفعة اولاده وذويه . . ودليل الادلة على ذلك انه حينما تصدم هذه المنفعة مع مبدأ الحسين يؤثرها على الحسين وجد الحسين . . ان حب الذات يفصل الانسان عن نفسه ، ويبعده عن واقعه ، وينتقل به الى عالم لا وجود له الا في مخيلته وعقيدته ، ويوهمه انه
اتقى الاتقياء ، وهو أفسق الفاسقين ، وانه اعقل العقلاء ، وهو اسفه الجاهلين .
ومن يدري اني اصف نفسي بنفسي ، من حيث لا اشعر . . واقول . . ان هذا ليس بمحال ، وانه جائز على كل انسان غير معصوم كائناً من كان ويكون . . ولكني اقسم جازماً اني اتهم نفسي واحاكمها كثيراً ، واتقبل الحكم عليها من كل منصف خبير ، فهل يتفضل السادة الكبار ، بل والمراهقون منهم والصغار ، هل يتفضلون بقبول الرجاء من هذا العبد الفقير الذي يتهم نفسه ان يتهموا انفسهم ، ويراجعوها ، ويقفوا منها موقف الناقد البصير ، تماماً كما يتهمون غيرهم ، او ان حضراتهم يصرون على انهم فوق الشبهات ، لان الراد عليهم راد على الله ؟ . . ومهما شككت ، فاني على يقين بان من ينظر إِلى نفسه بهذه العين فهو من الذين عناهم الله بقوله : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) ١٠٥ الكهف .
خطباء المنبر الحسيني :
كان المنبر فيما مضى الوسيلة الكبرى للدعاية والاعلام ، ثم تطورت وسائل النشر الى الكتب ، ومنها الى الصحف والمسرح والاذاعة ، ثم
الى التلفزيون والروايات والالواح الفنية ، والبعثات التبشيرية ، واخطر الوسائل كلها اولئك المأجورون الذين يقبضون في الظلام من اعداء الدين والوطن ؛ ويمشون بين الناس كالشرفاء . . وان لي مع هؤلاء لموقفا اجمع واوجع .
والشيعة لا يملكون من وسائل الاعلام الا المنبر الحسيني وبعض المؤلفات ، ولكن جماهير منبر الحسين لا يحلم بها كاتب ومؤلف ، وهو سلاح له خطره ومضاؤه في محاربة الباطل واهله ، والزندقة والالحاد ، لان الهدف الاول من هذا المنبر ان يبث في الناس روح الحسين ، حتى اذا رأوا باطلا قاوموه وحقاً ناصروه ، ومن هنا كان العبء ثقيلا على خطباء هذا المنبر الخطير الا على الاكفاء منهم . . والحق ان بعضهم أدوا المهمة على وجهها ، واهتدى بهم الكثير من الشباب الى سواء السبيل ولكن هؤلاء ـ وللاسف ـ قليلون جداً ، والاكثرية الغالبة مرتزقة متطفلون ، او ممثلون لا يهتمون بشيء الا بعاطفة المستمع وميوله ، تماماً كالمهرج ، يقف على خشبة المسرح ليؤنس المتفرجين ويضحكهم . ويجهلون او يتجاهلون ان مهمة المرشد الواعظ كمهمة الطبيب الجراح يستأصل بمبضعه الداء من جذوره ، ولا يكترث باحتجاج المريض وصراخه .
والحديث عن قراء التعزية وخطباء المنبر الحسيني متشعب الاطراف ، بخاصة عن الذين لا يشعرون بالمسئولية ، ولا يقدرون لهذا المنبر هيبته وقداسته ، وما رأيت احد تناول هذا الامر بالدرس والبحث ، وعالجه معالجة موضوعية ، مع انه جدير بالاهتمام لتأثيره البالغ في حياتنا وعقيدتنا .
ولو وجدت متسعاً من الوقت لتصديت ، ووضعت النقط على الحروف ، مع مخطط شامل يفي بالغرض المطلوب . . واكتفي الآن بهذه النصيحة ، وهي ان يجعل الخطيب نصب عينيه قول سيد البلغاء ، وامام الخطباء ( ع ) :
( لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين ، ولا تمجها آذان السامعين ) . هذا هو مقياس البلاغة الذي يحفظ للكلمة شرفها . . وهو واضح وبسيط ، كلام يتفق مع القلوب والآذان ، ولا شيء وراء ذلك .
وختاماً نسجل تقديرنا لخطيب المنبر الحسيني الكفؤ صاحب هذه المجموعة التي ضاعفت حسناته بعدد ابياتها ، وشهدت له بالتتبع وسعة الاطلاع . والله سبحانه المسئول ان يجعلنا ، مع الذين جمعوا وخطبوا ، ونظموا وكتبوا في الحسين ( ع ) ودعا دعوته لوجه الله والانسانية .
بيروت في ١ / ١ / ١٩٦٩
بِسم اللهِ الرحمَنِ الرّحيمِ
مقدمة المؤلف :
هذه الموسوعة تعطيك أوضح الصور عن أدب الشيعة وعن عقائدهم واتجاهاتهم وتمثل اصدق العواطف عن احاسيسهم ومشاعرهم فليس في الدنيا وقعة كوقعة الحسين هزّت العالم هزاً عنيفاً وأثرت أثرها الكبير في النفوس واهاجت اللوعة واستدرت الدمعة بل هي التي كونت فيهم هذا الادب الثر والشعور الفياض وخلقت منهم اكبر عدد من الشعراء حتى قيل ان الادب شيعي وقيل : وهل وجدت اديباً غير شيعيّ . ذلك لأن الكبت والالم يدفعان الانسان للنظم وتصوير الحال بلسان المقال وما دام المرء يشعر بالثأر وحرارة الثكل لا ينام عن ثأره فيندفع يصوّر حاله معدداً آلامه مسامراً أحزانه في لياليه وأيامه وفي خلواته ومجتمعاته .
ولا اريد ان أجمع كل ما جاء من شعر الشعراء في الامام الحسين ويوم الحسين ولا اقدر ان اقوم بذلك بل غايتي ان اعرض نماذج من شعرهم واعدّد أسماءهم
ادب الطف ـ ( ٢ )
وادوارهم وعصورهم فكثيراً ما أسمع عن أدباء هذا العصر ان فلاناً يكتب عن أدب الطف ولكن لا ارى لذلك اثراً لذا بادرت لسدّ هذا الفراغ مستعيناً بالله سيما وان بعض هذا المجموع كنت قد حفظته عن ظهر غيب ورويته في الأندية الحسينية فان الخطيب الحسيني عندما يريد مزاولة الخطابة تكون نواة عمله وأساس خطابته هو الالمام بمعرفة الشعر الحسيني وحفظه عن ظهر غيب وإنشاده في المحافل الحسينية باللون الذي امرنا الأئمة بانشاده وعلى الطريقة المشجية .
نعم ان الشعر الذي قيل في يوم الحسين عليه السلام يحتاج الى مئات المجلدات إذا أردنا استقصاءه وجمعه ، وإن شاعراً واحداً وهو الشيخ أحمد البلادي من شعراء القرن الثاني عشر الهجري نظم الف قصيدة في رثاء الإمام الحسين عليه السلام ودوّنها في مجلدين ضخمين كما روى ذلك الشيخ الاميني في موسوعته ، وأن الشيخ الخليعي جمال الدين بن عبد العزيز وهو من شعراء القرن التاسع له ديوان شعر في الامام الحسين « ع » ، واني وقفت على ديوان للشيخ حسن الدمستاني من شعراء القرن الثالث عشر كله في يوم كربلاء . وللشيخ محمد الشويكي من شعراء القرن الثاني عشر ديوان في مدائح النبي وآله ، وآخر في مراثيهم اسماه ( مسيل العبرات ) يحتوى على خمسين قصيدة في اوزان مختلفة وبين ايدينا كتاب ( المنتخب ) للشيخ محي الدين الطريحي المتوفي في القرن الثاني عشر وفيه عشرات القصائد ولا يعلم قائلها ومثله مئات المقاتل التي تروي قصة الحسين عليه السلام وتثبت شواهد من الشعر الذي قيل في رثائه وبين ايدينا مجاميع خطية في المكتبات العامة والخاصة وفيها المئات من القصائد الحسينية ولم يذكر اسم ناظمها وقائلها .
وهكذا كانت ثورة الحسين غطت بسناها المشارق والمغارب واستخدمت العقول والأفكار فهي نور يتوهج في قلوب المسلمين فيندفع الى افواههم مدحاً ورثاء ، وهي انشودة العز في فم الاجيال تهز القلوب وتطربها وتحيي النفوس بالعزائم الحية ، ذلك لأن هدف الحسين ما كان هدفاً خاصاً حتى تختص به فئة
دون فئة او يقتصر على طائفة دون طائفة ، بل كان هدفاً عالمياً فعلى كل ذي شعور حي ان يحتفل بذكراه ، قال الفيلسوف جبران خليل جبران : لم أجد انساناً كالحسين سجل مجد البشرية بدمائه . وقال الزعيم الهندي غاندي . تعلمت من الحسين ان أكون مظلوماً حتى انتصر .
قال عبد الحسيب طه في ( ادب الشيعة ) والواقع أن قتل الحسين على هذه الصورة الغادرة ـ والحسين هو من هو ديناً ومكانة بين المسلمين ـ لابد أن يلهب المشاعر ، ويرهف الأحاسيس ويطلق الألسن ، ويترك في النفس الإنسانية اثراً حزيناً دامياً ، ويجمع القلوب حول هذا البيت المنكوب .
وهال الناس هذا الحادث الجلل ـ حتى الأمويين انفسهم ـ فأقضَّ المضاجع واذهل العقول وارتسم في الأذهان ، وصار شغل الجماهير وحديث النوادي .
تجاوبت الدنيا عليك مآتماً |
|
نواعيك فيها للقيامة تهتف |
فما تجد مسلماً الا وتجيش نفسه لذلك الدم المهدور وكأنه هو الموتور أجل فلا تختص بذلك فئة دون فئة ولا طائفة دون طائفة و كأن الشاعر الذي يقول :
حب آل النبي خالط قلبي |
|
كاختلاط الضيا بماء العيونِ |
إنما يترجم عن عاطفة كل مسلم ، وهل التشيع إلا حب آل محمد ، ومن هذا الذي لا يحب آل بيت رسول الله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا
ملامك في آل النبي فانهم |
|
أحباي ما داموا وأهل تقاة |
قال النبهاني في ( الشرف المؤبد لآل محمد ) ص ٩٩ روى السبكي في طبقاته بسنده المتصل الى الربيع بن سليمان المرادي ـ صاحب الامام الشافعي ـ قال خرجنا مع الشافعي من مكة نريد منى فلم ينزل وادياً ولم يصعد شعباً إلا وهو يقول :
يا راكباً عجْ بالمحصّب من منى |
|
واهتف بساكن خيفها والناهضِ |
سحراً اذا فاض الحجيج الى منى |
|
فيضاً كملتطم الفرات الفائضِ |
إن كان رفضاً حبُّ آل محمد |
|
فليشهد الثقلان أني رافضي |
بل صرح بشعره ان محبة اهل البيت من فرائض الدين فقال :
يا اهل بيت رسول الله حبكم |
|
فرض من الله في القرآن انزله |
كفاكم من عظيم القدر انكم |
|
مَن لم يصَلِّ عليكم لا صلاة له |
وقال ابن حجر في ( الصواعق المحرقة ) ص ١٠١ وللشيخ شمس الدين ابن العربي قوله :
رأيت ولائي آل طه فريضة |
|
على رغم أهل البعد يورثني القربى |
فما طلب المبعوث أجراً على الهدى |
|
بتبليغه إلا المودة في القربى |
هذا الحب الذي هو شعبة من شعب الاسلام ، ظاهره عواطف اسى عميقة على ما أصاب اهل هذا البيت من كوارث وما اعتورهم من نكبات في مختلف الأوطان والعصور الاسلامية مما جعل حديثه شجى كل نفس ولوعة كل قلب .
ان المبالغة في التنكيل بهم أظهرتهم مظهر المظلومين المعتدى عليهم ، فكان العطف عليهم أعمّ والتأثر لمصابهم اوجع ، هذه العواطف غير المشوبة ولا المصطنعة اضفت على الشعر الشيعي كله لوناً حزيناً باكياً ، تحته جيشان : نفسي ثائر ذلك لدمهم المطلول ، وهذا لحقهم الممطول ، وبين هذا وذاك فخر يفرع السماء بروقيه ، ومجد يطاول الأجيال ، يقول محمد بن هاني الأندلسي في قصيدة له :
غدوا ناكسي ابصارهم عن خليفة |
|
عليم بسرّ الله غير مُعلَّم |
وروح هدى في جسم نور يمده |
|
شعاع من الأعلى الذي لم يجسَّم |
على كل خط من أسرَّة وجهه |
|
دليل لعين الناظر المتوسَّم |
امام هدى ما التفّ ثوب نبوة |
|
على ابن نبيّ منه بالله أعلم |
ولا بسطت ايدي العفاة بنانها |
|
الى أريحي منه أندى واكرم |
ولا التمع التاج المفصّل نظمه |
|
على ملك منه أجلّ وأعظم |
ففيه لنفس ما استدلّت دلالة |
|
وعلم لاخرى لم تدبّر فتعلم |
* * *
بكم عز ما بين البقيع ويثرب |
|
ونسّك ما بين الحطيم وزمزم |
فلا برحت تترى عليكم من الورى |
|
صلاة مصلّ أو سلام مسلم |
ما عرف التاريخ من أول الناس حتى يومهم هذا أن شخصاً قيل فيه من الشعر والنثر كالحسين بن علي بن ابي طالب فقد رثاه كل عصر وكل جيل بكل لسان في جميع الازمان ووجد الشيعة مجالا لبث احزانهم ومتنفساً لآلامهم من طريق رثاء الحسين سيما وهذه الفرقة محاربة في كل الحكومات وفي جميع الادوار ومما ساعد على ذلك أن فاجعة الطف هي الفاجعة الوحيدة في التاريخ بفواجعها وفوادحها فتميزوا بالرثاء وابدعوا فيه دون باقي ضروب الشعر فاجادوا تصويره وتنميقه .
وكان السبب الكبير الذي دفع بالشيعة لهذا الاكثار من الشعر هو حث ائمتهم لهم على ذلك وما اعد الله لهم من الثواب تجاه هذه النصرة قال الامام الصادق عليه السلام :
من قال فينا بيتاً من الشعر بنى الله له بيتاً في الجنة (١) .
وقال عليه السلام : من قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى ، غفر الله له ، ووجبت له الجنة .
ثم احتفاء اهل البيت بمكانة الشاعر وتقديره وتقديم الشكر على نصرته لهم
__________
(١) عيون اخبار الرضا للصدوق .
والدعاء له بأجمل الدعاء وألطفه كما جاء من دعائهم للكميت ، ودعبل ، والحميري واضرابهم في تلك العصور التي كمت الافواه وغلت الايدي عن نصرة اهل البيت ولم يعد يجسر احد من الشعراء على المجاهرة برثاء الحسين عليه السلام لشدة الضغط الاموي الا الشاذ الذي ينظم البيت والبيتين ينطلق بهما لسانه ، وتندفع بهما عاطفته و كذا الحال في الدور العباسي .
مضى على الذكريات الحسينية ردح من الزمن وهي لاتقام إلا تحت ستار الخفاء في زوايا البيوت وبتمام التحفظ والاتقاء حذار أن تشعر بهم السلطة الزمنية .
قال ابو الفرج الاصبهاني قي مقاتل الطالبيين : كانت الشعراء لا تقدم على رثاء الحسين عليه السلام مخافة من بني امية وخشية منهم .
وفي تاريخ ابن الاثير عندما اورد قصيدة اعشى همدان التي رثى بها التوابين الذين طلبوا بثار الحسين التي منها :
فساروا وهم ما بين ملتمس التقى |
|
وآخر مما جرَّ بالامس تالب |
قال : وهي مما يكتم في ذلك الزمان (١)
وقال ابو الفرج في مقاتل الطالبيين : قد رثى الحسين بن علي « ع » جماعة من
__________
(١) اقول والقصيدة مطلعها كما في الاعيان ج ٣٥ ـ ص ٣٢٨
المَّ خيالٌ منك يا امّ غالبِ |
|
فحييت عنا من حبيب مجانب |
فما انس لا انس انتقالك في الضحى |
|
الينا مع البيض الحسان الخراعب |
تراءت لنا هيفاء مهضومة الحشى |
|
لطيفة طيّ الكشح ريّا الحقائب |
فتلك النوى وهي الجوى لي والمنى |
|
فاحبب بها من خلة لم تصاقب |
ولا يبعد الله الشباب وذكره |
|
وحب تصافي المعصرات الكواعب |
فاني وان لم انسهن لذاكر |
|
رويّة مخبات كريم المناسب |
متأخري الشعراء استغنى عن ذكرهم في هذا الموضع كراهية الاطالة واما ما تقدم فما وقع الينا شيء رثى به ، وكانت الشعراء لاتقدم على ذلك مخافة من بني امية وخشية منهم انتهى .
وقال الشيخ عباس القمي في ( الكنى والالقاب ) راوياً عن معجم الشعراء للمرزباني ان عوف بن عبد الله الازدي ـ كان ممن شهد مع علي بن ابي طالب في صفين ـ له قصيدة طويلة رثى بها الحسين ، وكانت هذه المرثية تخبأ ايام بني امية وانما خرجت بعد كذا ، قال ابن الكلبي منها :
ونحن سمونا لابن هند بجحفلٍ |
كرجل الدبا يزجي اليه الدواهيا |
اقول وأول القصيدة :
__________
توسل بالتقوى الى الله صادقا |
|
وتقوى الآله خير تكساب كاسب |
وخلى عن الدنيا فلم يلتبس بها |
|
وتاب الى الله الرفيع المراتب |
تخلى عن الدنيا وقال طرحتها |
|
فلست اليها ما حييت بآيب |
وما انا فيما يكره الناس فقده |
|
ويسعى له الساعون فيها براغب |
توجه من نحو الثوية سائرا |
|
الى ابن زياد في الجموع الكتائب |
بقوم هم اهل التقية والنهى |
|
مصاليت انجاد سراة مناجب |
مضوا تاركي رأي ابن طلحة حسبة |
|
ولم يستجيبوا للامير المخاطب |
فساروا وهم ما بين ملتمس التقى |
|
وآخر مما جرَّ بالامس تائب |
فلاقوا بعين الوردة الجيش فاصلاً |
|
اليهم فحسوهم ببيضٍ قواضب |
يمانية تذري الاكف وتارة |
|
بخيل عتاق مقربات سلاهب |
فجاءهم جمع من الشام بعده |
|
جموع كموج البحر من كل جانب |
فما برحوا حتى أُبيدت سراتهم |
|
فلم ينج منهم ثمَّ غير عصائب |
وغودر اهل الصبر صرعى فاصبحوا |
|
تعاورهم ريح الصبا والجنائب |
فاضحى الخزاعي الرئيس مجدلا |
|
كأن لم يقاتل مرة ويحارب |
صحوت وودعت الصبا والغوانيا |
|
وقلت لاصحابي اجيبوا المناديا |
وقولوا له إذ قام يدعو الى الهدى |
|
ـ وقبل الدعا ـ لبيك لبيك داعيا |
سقى الله قبراً ضمن المجد والتقى |
|
ـ بغربية الطف الغمام ـ الغواديا |
فيا امة تاهت وضلت سفاهة |
|
أنيبوا فارضوا الواحد المتعاليا |
وستذكر في ترجمته .
من اجل ذلك كان للمجاهر بفضل اهل البيت قسط كبير عندهم ، قال الامام الباقر عليه السلام للكميت لما انشده قصيدته : من لقلب متيم مستهام . لا تزال مؤيداً بروح القدس (١) واستأذن الكميت على الصادق عليه السلام في ايام التشريق ينشده قصيدته ، فكبر على الامام ان يتذاكروا الشعر في الايام العظام ، ولما قال له الكميت إنها فيكم ، أنس ابو عبد الله عليه السلام ـ لان نصرتهم نصرة لله ـ ثم دعا بعض اهله فقرب ، ثم انشده الكميت فكثر البكاء ولما اتى على قوله :
يصيب به الرامون عن قوس غيرهم |
|
فيا آخراً اسدى له الغي أولُ |
رفع الصادق يديه وقال : اللهم اغفر للكميت ما قدم وأخر وما اسر وأعلن واعطه حتى يرضى (٢) .
وهكذا فقد صبغت حادثة الامام الحسين عليه السلام ، ولا تزال تصبغ ادب الشيعة بالحزن العميق والرثاء المؤلم موشحاً بالدموع واستدرار البكاء حتى ظهر ذلك على غنائهم وشكواهم من احبابهم وعتابهم لأصدقائهم .
وبالوقت الذي نقرأ في شعرهم اللوعة والمضاضة نحس بالاستنهاض والثورة فهي نفوس شاعرة متوثبة صارخة بوجه الظلم والطغيان والفساد والاستبداد منددة بالولاة الجائرين والظلمة المستهترين ، واليك نموذجاً من ذلك :
__________
(١) رجال الكشي ص ١٨١
(٢) الاغاني ج ١٥ ص ١١٨ ومعاهد التنصيص ج ٢ ص ٢٧
إن لم أقف حيث جيش الموت يزدحم |
|
|
|
فلا مشت بي في طرق العلا قدمُ |
|
لابد أن أتداوى بالقنا فلقد |
|
صبرت حتى فؤادي كله ألم |
عندي من العزم سر لا أبوح به |
|
حتى تبوح به الهندية الخذم |
لا أرضعت لي العلى ابناً صفو درّتها |
|
|
|
إن هكذا ظل رمحي وهو منفطم |
|
إلِّية بضبا قومي التي حمدت |
|
قدما مواقعها الهيجاء لا القمم |
لأحلبنَّ ثديَّ الحرب وهي قناً |
|
لبانها من صدور الشوس وهو دم |
ما لي أسالم قوماً عندهم ترتى |
|
لا سالمتني يد الايام إن سلموا |
هذه أبيات من مطلع قصيدة للسيد حيدر الحلي لا تقل ابياتها عن السبعين بيتاً وهي على هذا اللون من الاستنهاض للهاشميين وشيعتهم وحتى يقول فيها والخطاب للحجة المهدي من آل محمد صلوات الله عليهم :
ما خلت تقعد حتى تستثار لهم |
|
وأنت أنت وهم فيما جنوه همُ |
لم تبق أسيافهم منكم على ابن تقى |
|
فكيف تبقى عليهم لا أباً لهم |
فلا وصفحك إن القوم ما صفحوا |
|
ولا وحلمك إن القوم ما حلموا |
ويلتفت الى بني هاشم فيقول :
يا غادياً بمطايا العزم حمّلها |
هماً تضيق به الأضلاع والحزم |
|
عرِّج على الحي من عمرو العلى فأرح |
منهم بحيث اطمأن الباس والكرم |
|
وحيَّ منهم حماة ليس بابنهم |
من لا يرفُّ عليه في الوغي العلم |
|
قف منهم موقفاً تغلى القلوب به |
من فورة العتب واسأل ما الذي بهم |
|
جفّت عزائم فهر أم تردى بردت |
منها الحمية أم قد ماتت الشيم |
|
أم لم تجد لذع عتبي في حشاشتها |
فقد تساقط جمراً من فمي الكلم |
|
اين الشهامة أم اين الحفاظ اما |
يأبي لها شرف الاحساب والكرم |
تسبى حرائرها بالطف حاسرة |
|
ولم تكن بغبار الموت تلتثم |
وقصائد السيد حيدر المعروفة بالحوليات تزيد على العشرين كلها على هذا اللون وهذا النسق والاتجاه ولهذا الشاعر نظائر تضيق بتعدادهم بطون الدفاتر لا زالت ترددها المحافل وتسير بذكرها القوافل ، وحسبك ان تجد حتى الطبقة الاميَّة من أبناء الشيعة يحفظ هذه الأشعار الحسينية ويستشهد بها ويستعذب انشادها وترديدها ، والحق ان المآتم الحسينية من اكبر وسائل التهذيب عند الشيعة وهي التي جندت اكبر عدد من أنصار اهل البيت والدعوة الى مبدأهم ونصرتهم ولفتت انظار الناس الى مظلوميتهم وحقهم المغتصب فلا تعجب اذا حاربها المعاند والجامد وراح يهزأ بها ، والمتجاهل المكابر ، حتى قال :
هتكوا الحسين بكل عام مرة |
|
وتمثلوا بعداوة وتصوروا |
ويلاه من تلك الفضيحة إنها |
|
تطوى وفي ايدي الروافض تنشر |
وقال بعضهم :
لا عذّب الله يزيداً ولا |
|
مدت يد السوء الى رحله |
لأنه قد كان ذا قدرة |
|
على اجتثاث الفرع من اصله |
لكنه ابقى لنا مثلكم |
|
عمداً لكي يعذر في فعله |
فيجيبه الشاعر الخفاجي (١) بقوله :
يا قاتل الله يزيداً ومن |
|
يعذره الكافر في فعله |
اطفأ نوراً بعضه مشرق |
|
يدل بالفضل على كله |
والله ابقى الفرع حرباً على |
|
من رام قطع الفرع من اصله |
ليظهر الدين به والهدى |
|
ويجعل السادة من نسله |
__________
(١) هو عبد الله بن سعيد بن سنان الخفاجي الحلبي ، صاحب قلعة عزاز ، له شعر في امير المؤمنين « ع » توفي سنة ٤٦٦ هـ .
اما البيتين المتقدمين فقد ذكرهما السيد محمود شكري الآلوسي في ( مختصر التحفة الاثنى عشرية ) ص ٣٨٣ والمطبوعة بالمطبعة السلفية بالقاهرة سنة ١٣٧٣ هـ وعليها تعليق محب الدين الخطيب وبعد أن عاب المظاهر الحسينية التي تقوم بها الشيعة قال : ولله در من قال : هتكوا الحسين بكل عام مرة . . . البيتين .
اقول وتقدم من شعراء الشيعة مدافعين عن عقائدهم بالرد على هذا الشاعر ، منهم العلامة الجليل الشيخ محمد رضا المظفر حيث يقول مشطراً :
( هتكوا الحسين بكل عام مرة ) |
|
قوم على تلك المآتم انكروا |
قد حرموا فيه المواكب والبكا |
|
( وتمثلوا بعداوة وتصوروا ) |
( ويلاه من تلك الفضيحة إنها ) |
|
أبداً على مر الليالي تذكر |
احسبتم آثار هذا الدين ان |
|
( تطوى وفي ايدي الروافض تنشر ) |
وقلت مشطراً :
( هتكوا الحسين بكل عام مرة ) |
|
اذ تبعث الذكرى فظائع تذكر |
قد حاربوه وهو بضعة احمد |
|
( وتمثلوا بعداوة وتصوروا ) |
( ويلاه من تلك الفضيحة انها ) |
|
عار بوجه امية لا ينكر |
يا ساتراً وجه الحقيقة لا تخل |
|
|
|
( تطوى وفي ايدي الروافض تنشر ) |
|
أقول وقد جمع العلامة البحاثة السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم هذه الردود في كتابه ( عاشوراء في الاسلام ) .
بوركت يا سيد الشهداء وبوركت نهضتك الجبارة فما عرف التاريخ أيمن منها واكثر بركة ، انها علمتنا معنى العزة والكرامة والرجولة والشهامة ، وكيف يكون المؤمن بربه حقاً ، واذا عددنا امجاد العرب ففي مقدمة ذلك جهاد الحسين وثورة الحسين وإباء الحسين منذ الف وثلثمائة عام تمر بالعصور
فتستخدمها ويمر يوم ذكراه فيقيم الدنيا ويقعدها بالرغم من تقلب الزمان وتطور الاحداث يقول الكاتب المصري ابراهيم عبد القادر المازني :
لا يزال مصرع الحسين بعد اربعة عشر قرناً يهز العالم الاسلامي هزاً عنيفاً ، ولست اعرف في تاريخ الامم قاطبة حادثة مفردة كان لها هذا الاثر العميق على الزمن في مصائر دول عظيمة وشعوب شتى .
ولقد بلغت من الذيوع والشهرة ، ان اصبح يرويها الكبير والصغير والمسلم وغير المسلم .
وبعد فهي موضع الشاهد ومضرب المثل في كل ما يمر في هذه الحياة وسلوة المصاب وعزاؤه إذ انها تصغر عندها المصائب على حد قول الشاعر :
أنست رزيتكم رزايانا التي |
|
سلفت وهوّنت الرزايا الآتية |
وفجائع الأيام تبقى مدة |
|
وتزول ، وهي الى القيامة باقية |
يقول الشاعر العلوي السيد محمد سعيد الحبوبي مؤبناً السيد ميرزا جعفر القزويني ـ قائد الحركة الأدبية في عصره في الحلة الفيحاء موطن الادب والشعر ـ وكان الفقيد قد لبّى نداء ربه في اول محرم الحرام وبه تعود ذكرى الحسين فقال من قصيدة له :
كان المحرم مخبراً فأريتنا |
|
يا جعفر فيه الحسين قتيلا |
فكأن جسمك جسمه لكنه |
|
كان العفير وكنت انت غسيلا |
وكأن رأسك رأسه لو لم يكن |
|
عن منكبيه مميزاً مفصولا |
وجبينك الوضاح مثل جبينه |
|
بلجاً وليس كمثله تجديلا |
وحملت أنت مشرّفاً ايدي الورى |
|
|
|
وثوى بنعش لم يكن محمولا |
|
إن تنأ عنا راحلاً كرحيله |
|
فلرب سجاد تركت عليلا |
ويدخل القاضي الرشيد ابو الحسين احمد بن القاضي الرشيد علي المصري الاسواني الى مصر بعد مقتل الظافر بالله العباسي وجلوس الفائز بالله ويحضر المأتم وقد حصر شعراء الدولة فأنشدوا مراثيهم على مراتبهم فقام هذا الشاعر في آخرهم وأنشد قصيدته التي أولها :
ما للرياض تميل سكراً |
|
هل سقيت بالمزن خمرا |
إلى أن وصل إلى قوله :
أفكربلاء بالعراق |
|
وكربلاء بمصر أخرى |
فتذرف العيون ويعج القصر بالبكاء والعويل وتنثال العطايا من كل جانب على الناظم لاهتدائه لحسن المناسبة .
ويتكرر اسم الحسين عليه السلام على لسان امير الشعراء احمد شوقي فيقول في رثائه للزعيم مصطفى كامل باشا ـ مؤسس الحزب الوطني ـ في قصيدته التي أولها :
المشرقان عليك ينتحبان |
|
قاصيهما في مأتم والداني |
ومنها :
يزجون نعشك في السناء وفي السنا |
|
|
|
فكأنما في نعشك القمران |
|
وكأنه نعش الحسين بكربلا |
|
يختال بين بكى وبين حنان |
ويقول شوقي بك في قصيدته الحرية الحمراء :
في مهرجان الحق أو يوم الدم |
|
مهج من الشهداء لم تتكلم |
يبدو عليها نورَ نورُ دمائها |
|
كدم الحسين على هلال محرم |
ويفجع دعبل بن علي الخزاعي بولده الصغير احمد فيتأسى بمصارع آل محمد ، ويقول :
على الكره ما فارقت احمد وانطوى |
|
|
|
عليه بناء جندل ورزين |
|
ولولا التأسي بالنبي وأهله |
|
لأسبل من عيني عليه شؤون |
هو النفس ، الا أن آل محمد |
|
لهم دون نفسي في الفؤاد كمين |
اضرَّ بهم ارث النبي فأصبحوا |
|
يساهم فيهم ميتة ومنون (١) |
دعتهم ذئاب من امية وانتحت |
|
عليهم دراكاً أزمة وسنون (٢) |
ويقول الحسين بن احمد الكاتب النيلي البغدادي المشهور بابن الحجاج من شعراء القرن الرابع الهجري :
وأبرصٌ من بني الزواني |
|
ملمّع أبلق اليدينِ |
قلت وقد لجَّ بي أذاه |
|
وزاد ما بينه وبيني |
يا معشر الشيعة الحقوني |
|
قد ظفر الشمر بالحسين (٣) |
ويقول ابن عبدون احد شعراء الاندلس :
أراك ترنو إليّ شزراً |
|
بمقلة تستجيز حيني |
كأنني من بني زياد |
|
وأنت من شيعة الحسين |
ويقول الشيخ حمادي الكواز في معرض العتاب على الحبيب :
__________
(١) ساهم : قارع ( من القرعة ) واراد بالمنون : الاغتيال .
(٢) الدراك : المداركة ، اي الملاحقة . والسنة الازمة والقحط .
(٣) ذلك ان شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين عليه السلام كان ابرصا .
شاب رأسي والحب فيكم وليد |
|
وبلى الجسم والغرام جديد |
قتل الصبر كالحسين شهيداً |
|
لا لذنب والهجر منكم يزيد |
ومر الشاعر جعفر بن محمد الخطي سنة ١٠١٩ في سفينة مائية عابراً البحر بين كتكان وثوبلي وبوبهان ـ من قرى البحرين ـ وبينما هو في السفينة وثبت سمكة من البحر وهي من نوع السبيطي فشقت جبهته اليمنى فنظم قصيدة غراء اولها :
برغم العوالي والمهندة البترِ |
|
شاب رأسي والحب فيكم وليد |
الى ان يقول والقصيدة طويلة :
لعمر أبي الخطى إن بات ثأره |
|
لذي غير كفو وهو نادرة العصر |
فثار علي بات عند ابن ملجم |
|
وأعقبه ثأر الحسين لدى شمر |
وحتى عند السكر والخمريات يكون منه موضع الشاهد فهذا شميم النحوي من شعراء القرن السادس والمتوفى سنة ٦٠١ يقول :
أمزج بمسبوك اللجين |
|
ذهبا حكته دموع عيني |
لما نعى ناعي الفراق |
|
ببين من أهوى و بيني |
وأحالها التشبيه لما |
|
شبهت بدم الحسين |
خفقت لنا شمسان من |
|
لألائها في الخافقين |
وبدت لنا في كأسها |
|
من لونها في حلتين |
فاعجب هداك الله من |
|
كون اتفاق الضرتين (١) |
ويقول سعيد بن هاشم العبدي احد شعراء القرن الرابع الهجري :
__________
(١) ترجمه اليعقوبي في البابليات ـ الجزء الاول .
أنا في قبضة الغرام رهين |
|
بين سيفين أرهفا ورديني |
فكأن الهوى فتى علوي |
|
ظن اني وليت قتل الحسين |
وكأني يزيد بين يديه |
|
فهو يختار أوجع القتلتين |
وهكذا راح اسم الحسين وقصته يترددان على الافواه ويتخذ الناس منهما شاهداً ومثلاً وتأسياً واستشهادا .
بكاء الكائنات :
كان لعظم هذه الفاجعة التي لم يقع في الإسلام أفظع ولا أشنع منها ان تجاوبت الأرض والسماء بالعزاء . روى الآلوسي في شرح القصيدة العينية ان عبد الباقي العمري الموصلي رثى الحسين بقوله :
يا عاذل الصبِّ في بكاه |
|
بالله ساعفه في بكائك |
فانه ما بكى وحيداً |
|
على بني المصطفى اولئك |
بل إنما قد بكت عليهم |
|
الإنس والجنّ والملائك |
ويقول في ملحمته الكبيرة كما في الديوان :
قضى الحسين نحبه وما سوى الله عليه قد بكى وانتحبا |
ويقول ابو الفرج ابن الجوزي في ( التبصرة ) :
لما كان الغضبان يحمر وجهه عند الغضب ، فيستدل بذلك على غضبه وأنه امارة السخط ، والحق سبحانه ليس بجسم فأظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين بحمرة الافق وذلك دليل على عظم الجناية .
والى قتل الحسين عليه السلام وحمرة السماء يشير أبو العلاء المعري في قصيدة اولها :
عللاني فان بيض الاماني |
|
فنيت والظلام ليس بفان |
إلى أن يقول فيها :
وعلى الدهر من دماء الشهيدين عليٍ ونجله شاهدان |
||
فهما في اواخر الليل فجران وفي أولياته شفقان |
||
ثبتا في قيمصه ليجيء الحشر |
|
الحشر مستعدياً الى الرحمن |
ومن لطيف الاستنتاج ما أنشدنيه الشيخ عبد الحسين الحويزي لنفسه :
كل شيء في عالم الكون أرخى |
|
عينه بالدموع يبكي حسينا |
نُزّه الله عن بُكاً ، وعلي |
|
قد بكاه ـ وكان الله عينا ـ |
روي أن أم سلمة سمعت هاتفاً يقول كما روى الطبري في ج ٦ ص ٢٦٩ ، وابن الاثير في ج ٤ ص ٤٠ :
أيها القاتلون جهلاً حسيناً |
|
ابشروا بالعذاب والتنكيل |
قد لعنتم على لسان ابن داود |
|
وموسى وصاحب الانجيل |
وروى ابن قولويه في الكامل : انهم كانوا يسمعون نوح الجن في الليالي التي قتل فيها الحسين عليه السلام فمن شعرهم :
ابكي ابن فاطمة الذي |
|
من قتله شاب الشعر |
ولقتله زلزلتموا |
|
ولقتله انخسف القمر |
ومن نوحهم ما رواه هو وغيره :
نساء الجن يبكين |
|
من الحزن شجيّات |
ويلطمن خدوداً |
|
كالدنانير نقيّات |
ويلبسن الثياب السود |
|
بعد القصبيات |
ادب الطف ـ ( ٣ )
ويسعدن بنوح |
|
للنساء الهاشميات |
ويندبن حسينا |
|
عظمت تلك الرزيات |
ومن نوحهم ما رواه الشيخ المفيد رحمه الله عن رجل من بني تميم قال كنت جالساً بالرابية ومعي صاحب لي فسمعنا هاتفاً يقول :
والله ما جئتكم حتى بصرت به |
|
|
|
بالطف منعفر الخدين منحورا |
|
وحوله فتية تُدمى نحورهم |
|
مثل المصابيح يملون الدجى نورا |
لقد حثثت قلوصي كي أصادفهم |
|
من قبل ، كيما ألاقي الخرّد الحورا |
فعاقني قدر والله بالغة |
|
فكان امراً قضاه الله مقدورا |
كان الحسين سراجاً يستضاء به |
|
الله يعلم اني لم أقل زورا |
فقلت من أنت يرحمك الله ، قال وليٌ من جن نصيبين أردت أنا وأبي نصرة الحسين ومواساته فانصرفنا من الحج فرأيناه قتيلا .
وذكر ابن نما رحمه الله عن أبي حباب الكلبي قال : لما قتل الحسين « ع » ناحت عليه الجن فكان الجصاصون يخرجون بالليل الى الجبانة فيسمعون الجن يقولون :
مسح الحسين جبينه |
|
فله بريقٌ في الخدودِ |
وأبوه من أعلى قريش |
|
وجده خير الجدود |
وناحت عليه الجن فقالت :
|
لمن الأبيات بالطف على كره بنينا |
|
|
تلك ابيات الحسين يتجاوبن رنينا |
|
قال السيد الامين في الأعيان : والشك في ذلك ينبغي له التشكيك في قوله تعالى : ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ ) .
وروى أن القوم لما ساروا برأس الحسين وبسباياه نزلوا في بعض المنازل ووضعوا الرأس المطهر فلم يشعروا إلا وقد ظهر قلم حديد من الحائط وكتب بالدم :
أترجوا امة قتلت حسيناً |
|
شفاعة جده يوم الحساب |
كذا في مجمع الزوائد لابن حجر ج ٩ ص ١٩٩ ، والخصائص للسيوطي ج ٢ ص ١٢٧ ، وتاريخ ابن عساكر ج ٤ ص ٣٤٢ ، والصواعق المحرقة ص ١١٦ والكواكب الدرية ج ١ ص ٥٧ ، والاتحاف بحب الاشراف ص ٢٣ ، وفي تاريخ القرماني ص ١٠٨ وصلوا الى دير في الطريق فنزلوا فيه ليقيلوا به فوجدوا مكتوباً على بعض جدرانه هذا البيت .
ومن ألوان الرثاء على الحسين ما رواه الشيخ يوسف البحراني عن زهر الربيع قال : ذكر بهاء المللة والدين أن أباه الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي دخل مسجد الكوفة فوجد حجراً أحمراً مكتوباً فيه :
أنا درٌ من السما نثروني |
|
يوم تزويج والد السبطين |
كنت أصفى من اللجين بياضاً |
|
صبغتني دماء نحر الحسين |
كذا في الكشكول للشيخ يوسف البحراني ص ١٧ عن كشكول الشيخ البهائي .
وما رواه السيد ابن طاووس أن الحسين عليه السلام لما نزل الخزيمية (١) أقام بها يوماً وليلة فلما اصبح اقبلت اليه اخته زينب فقالت : يا أخي أأخبرك بشيء سمعته البارحة ، فقال الحسين « ع » وما ذاك ، فقالت خرجت
__________
(١) الخزيمية بضم أوله وفتح ثانيه . تصغير خزم منسوبة الى خزيمة بن حازم وهو منزل من منازل الحج بعد الثعلبية من الكوفة .
في بعض الليل لقضاء حاجة فسمعت هاتفاً يهتف ويقول (١) :
ألا يا عين فاحتفلي بجهد |
|
ومن يبكي على الشهداء بعدي |
على قوم تسوقهم المنايا |
|
بمقدار الى انجاز وعد |
فقال لها الحسين « ع » يا أختاه كل الذي قضى فهو كائن (١) .
__________
(١) ولدت زينب الكبرى بعد الحسين « ع » في الخامس من شهر جمادى الاولى في السنة الخامسة من الهجرة وهي الملقبة بالصديقة الصغرى للفرق بينها وبين امها الصديقة الكبرى .
والقابها : عقيلة بني هاشم . عقيلة الطالبيين . الموثقة . العارفة . العالمة . والعقيلة في اللغة هي الكريمة في قومها والمخدرة في بيتها . وروت الحديث عن ابيها امير المؤمنين وعن أمها فاطمة وروت خطبتها الشهيرة عنها .
ولدتها الزهراء سلام الله عليها بعد شقيقها الحسين بسنتين . وجاء في خيرات الحسان وغيره ان مجاعة اصابت المدينة فرحل عنها بأهله عبد الله بن جعفر الطيار الى ضيعة له في الشام وقد حمت زوجته زينب من وعثاء السفر او ذكريات احزان واشجان من عهد سبي يزيد لآل رسول الله صلوات الله عليهم ، ثم توفيت على اثرها في النصف من رجب سنة ٦٥ ودفنت هناك حيث المزار المشهور المعمور ومنذ سنين لا تقل عن عشر والعمران قائم على قدم وساق والهدايا والنذور والتبرعات جارية .
وقد كتب على جبهة الباب الرئيسي :
ألا زر بقعة بالشام طابت |
|
لزينب بضعة لابي تراب |
فقل للمذنبين ان ادخلوها |
|
تكونوا آمنين من العذاب |
ولما اهدي القفص الفضي المذهب الذي يزن ١٢ طنا المحلى بالجواهر الكريمة النادرة نظم المرحوم الشيخ علي البازى مؤرخاً كما رواه لي هو :
هذا ضريح زينب قف عنده |
|
واستغفر الله لكل مذنب |
ترى الملا طراً واملاك السما |
|
ارخ « وقوفاً في ضريح زينب » |
ويقول الخطيب الشهير الشيخ قاسم الملا رحمه الله من قصيدة له عدد فيها كرامة الحوراء زينب :
لمرقدها بالشام تروى ثقاتها |
|
وقيل بمصر ان هذا لا عجب |
لمرقدها بالشام دلت خوارق |
|
لها ينجلي من ظلمة الشك غيهب |
زيارة الحسين وفضلها
جاءت الروايات بأسانيدها الصحيحة عن النبي وأهل البيت عليهم السلام في فضل زيارة الحسين وأن الله عوَّض الحسين عن شهادته وتضحيته بأن كان الشفاء في تربته والأئمة من ذريته واستجابة الدعاء عند قبّته ، وأن الله ينظر الى زوار قبر الحسين عشية عرفة قبل أن ينظر الى حجاج بيته الحرام . ذلك لأن الحسين حفظ حرمة البيت الحرام . فقد قال لابن عباس عندما خرج من مكة المكرمة قبل ان يتم حجه يا بن عباس لو لم اخرج لهتكت حرمة البيت .
وجاء عن الإمام الباقر « ع » ان الحسين قتل مظلوماً فألى الله أن لا يأتي قبر الحسين مظلوم الا تكفل برد مظلمته ، وأن الحسين قتل مهموماً حزيناً كئيباً فألى الله أن لا يأتي قبر الحسين مهموم إلا فرّج عنه . الى أمثال هذا كثير وكثير فقامت الشيعة بكل شوق تقصد قبر الحسين من البلدان النائية والأقطار البعيدة ولا يصدها عن ذلك تعب ولا نصب ولا خوف ولا خطر وتضحي بكل غال ورخيص في سبيل زيارة الحسين لتقف في مرقده المطهر وتستوحي من روحانية أبي الشهداء دروس العزة والتضحية ولترجع بذنب مغفور وطرف مقرور ، ومن اعظم المواسم التي تقصدها الشيعة ـ كما ارشدهم أئمتهم هي ليلة عاشوراء والتي في صبيحتها كان استشهاد الحسين عليه السلام . والكثير من الشيعة يحيى هذه الليلة بالدعاء وإقامة العزاء وتلاوة مقتل الطف والبكاء لأن الحسين عليه السلام أحياها بالصلاة والاستغفار وقراءة القرآن هو وأصحابه كما جاء في الرواية : بات الحسين وأصحابه ليلة العاشر من المحرم ولهم دوي كدوي النحل من التهجد والتضرع والدعاء والاستغفار ، فقال فيهم شاعرهم :
سِمة العبيد من الخشوع عليهم |
|
لله أن ضمّتهم الأسحار |
واذا ترجلت الضحى شهدت لهم |
|
بيض القواضب أنهم احرار |
كربلاء في يوم عاشوراء
كلما عاد شهر محرم الحرام عادت معه ذكرى أبي الشهداء وشهيد الاباء أبي عبد الله الحسين عليه السلام . عادت حافلة بالعَبرة والعِبرة وعادت الذكرى للحادثة الدامية فما من بقعة من بقاع الارض وفيها شيعة لأهل البيت ، إلا وأقيمت ذكرى الحسين « ع » وانتصب منبر الحسين وعزاء الحسين « ع » .
أما كربلاء ـ بلد الحسين ومحل استشهاده ومصرعه ـ فانها تلبس الحداد وتتجلبب بالسواد وتحمل شارات الحزن فلا تجد مكاناً ولا محلا ولا مخزناً ولا مسجداً إلا وعليه شعار الحسين ويجتمع الناس وتغص كربلاء بالوفاد من جميع الأقطار الإسلامية فليس هناك منظرٌ أعظم من ذلك المنظر في اللوعة والتفجع وتتوالى المواكب والاجتماعات فكل موكب يمثل بلداً من البلدان يحمل شعاره ويردد أناشيد الحزن والعزاء ، فهذا موكب شباب الكاظمية في ليلة عاشوراء يحف بالراية العراقية ويشق
طريقه الى حرم الإمام الحسين « ع » تتقدمه المشاعل الكهربائية والأعلام الحسينية وتتعالى نغمات الأناشيد قائلة :
أيها الذائد عن شرع الهدى |
|
أنت رمز للمعالي يا حسين |
يومك السامي سيبقى خالداً |
|
أبد الدهر يهز الخافقين |
وذاك موكب قضاء ( بلد ) قد كتب على الراية بحروف بارزة :
رزء الحسين السبط عم الورى |
|
ما بلد أولى به من ( بلد ) |
ويتلوه قضاء ( القورنة ) قد كتب على الراية :
من بلد ( القرنة ) جاءت لكم |
|
شيعتكم تسعى إلى نينوىٰ |
إن طاح بالطف لواكم فقد |
|
جاءت لكم ترفع هذا اللوى |
وهذا موكب بغداد يكتب على قطعة قماش :
صرخ النادبون باسم ابن طه |
|
وعليه لم تحبس الدمعَ عينُ |
لم يصيبوا الحسين إلا فقيداً |
|
حينما أرخوه ( اين الحسين ) |
ويمر موكب النجف الاشرف وهو أضخم موكب يكون ليلة عاشوراء مجلل بالوقار إذ يتقدمه الروحانيون بعمائمهم وشعاراتهم الدينية ويتوسطهم علم الحسين قد كتب عليه:
سيكون الدم الزكي لواء |
|
لشعوب تحاول استقلالا |
ينبت المجد في ظلال البنود الحمر يهوى نسيجها سربالا |
وهذا الصحن الحسيني على سعته يغص بالناس وفي الجهة الجنوبية الشرقية من الصحن الحسيني خزان ماء مبرد قد أسسته والدة السلطان عبد الحميد العثماني وعليه تاريخ التأسيس سنة ١٢٨١ هـ ببيت من الشعر
سلسبيل قد أتى تاريخه |
|
اشرب الماء ولا تنس الحسين |
وتملكك الروعة عندما تشاهد الصحن وروعته وقد كتب القرآن على جوانبه بخطوط بارزة تقرأ جلية بالرغم من ارتفاع جدران الصحن حوالي ١٥ متر ، وأول ما تشاهده في وسط الصحن هو الإيوان الذهبي بجدرانه الذهبية المشعة وابواب الحرم الحسيني الذهبية وقد كتب عليها بالذهب الخالص :
|
فداء لمثواك من مضجع |
|
وهي قصيدة من أروع الشعر لشاعر العرب ـ اليوم ـ الأستاذ محمد مهدي الجواهري ، وقصيدة الشاعر الكبير المرحوم السيد حيدر الحلي ومنها :
يا تربة الطف المقدسة التي |
|
هالوا على ابن محمد بوغائها |
إلى غير ذلك من القطع الشعرية التي تزدان بها جدران الحرم الحسيني المقدس .
اربعين الحسين « ع » في كربلاء
يوم أربعين الحسين عليه السلام وهو يوم العشرين من صفر من أضخم المؤتمرات الإسلامية يجتمع الناس فيه كاجتماعهم في مكة المكرمة تلتقي هناك سائر الفئات من مختلف العناصر ويعتنق شمال العراق بجنوبه والوفود من بعض الأقطار الإسلامية فهذا الموكب يردد انشودته باللغة العربية ، وذاك باللغة التركية ، وثالث باللغة الفارسية ، ورابع باللغة الأوردية وهكذا .
ولست مبالغاً اذا قلت ان هذا الموسم يجمع اكثر من مليون نسمة جاءت لاحياء ذكرى الأربعين أو لزيارة ( مردّ الرأس ) إذ أن الروايات تقول أن رأس الحسين عليه السلام أُعيد الى الجسد الشريف بعد أربعين يوماً من استشهاده ، جاء زين العابدين علي بن الحسين والفواطم معه ومعهم الرأس الشريف وبقية الرؤوس ومنه زيارة الأربعين .
إن هذه المواكب من سائر الأقطار ومختلف البلدان تؤم كربلاء وقد سجلت ادارة السلطة المحلية أكثر من ٣٠٠ موكب أكثرها يضرب
الخيام حوالي كربلاء والبعض يحجز المحلات الكبيرة وتستهلك كربلاء في هذا الموسم من الرزّ ما لا يقل عن مائة طن وكل موكب له منادون يدعون الناس إلى المائدة وتناول الطعام باسم الحسين .
وتتخلل هذا الموسم زيارات التعارف بين المواكب وتبادل العواطف وتقديم التمنيات والتحيات وعظيم الأجر يوم الحشر ، ان الآلاف من الناس يقومون بالخدمة لهؤلاء الزوار ويسخون بانفسهم من أجل راحة الزائرين فالبعض بسقي الماء المعطر والمذاب فيه السكر ، والبعض برش ماء الورد ، والبعض بالتهوية بالمراوح اليدوية وهكذا .
الامام الحسين « ع »
ولد الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام بالمدينة لثلاث أو لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة . وجاءت به امة فاطمة ( ع ) إلى جده ( ص ) فاستبشر به وسماه حسينا وعق عنه كبشاً . ويكنى ابا عبدالله وهو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة بشهادة الرسول ( ص ) . وبالاسناد إلى سلمان الفارسي ( رض ) قال سمعت الرسول « ص » يقول في الحسن والحسين عليهما السلام : « اللهم اني أُحبهما وأحب من يحبهما » وقال : « ان ابني هذين ريحانتي في الدنيا » وحسبهما كرامة لا يشاركان فيها ، أنها هما المرادان بالأبناء في آية المباهلة . وانهما من أهل العباء الذين لا يدرك أمد فضلهم ، وممن نزل به قوله تعالى ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ـ إلى ، وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ) . وانهما من القربى . وممن نزلت بهم آية التطهير . وما إلى ذلك من المناقب . وقد استفاضت أخبارها وملأت الدفاتر .
وهو الإمام بعد أخيه بنص أَبيه وتصريح جده ( ص ) فيه وفي أخيه مما
هو نص جليٌ على إمامتهما بقوله « ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا » وبوصية أخيه الحسن صلوات الله عليه فامامته بما ذكر وبكثير من الدلائل ثابتة . وطاعته لازمة . وما كف عن المطالبة بها بعد وفاة أخيه الا وفاء بالهدنة المعقودة بين أخيه وبين معاوية . ولما كتب له أهل العراق بعد وفاة أخيه بخلع معاوية والبيعة له امتنع عليهم وذكر أن بينه وبين معاوية عهداً وعقداً لا يجوز له نقضه حتى تمضي المدة . ولما انقضت بمهلكه مدة الهدنة اظهر أمره بحسب الإمكان وأبان عن حقه للجاهلين به حالا بعد حال إلى ان اجتمع له في الظاهر الانصار فدعا إلى الجهاد وشمَّر للقتال وتوجه بولده وأهل بيته من حرم الله وحرم رسوله « ص » نحو العراق للاستنصار بمن دعاه من شيعته على الأعداء . وقدم أمامه ابن عمه مسلم بن عقيل ( رض ) للدعوة إلى الله والبيعة له على الجهاد فبايعه أهل الكوفة على ذلك وعاهدوه وضمنوا له النصرة والنصيحة . ووثقوا له في ذلك وعاقدوه . ولكن سرعان ان نكثوا بيعته وخذلوه وأسلموه فقتل بينهم ولم يمنعوه وخرجوا إلى حرب الحسين ( ع ) وقد أجاب دعوتهم التي تواترت عليه بها كتبهم فحاصروه ومنعوه المسير إلى بلاد الله واضطروه إلى حيث لا يجد ناصراً ولا مهرباً منهم وحالوا بينه وبين ماء الفرات حتى تمكنوا منه فقتلوه فمضى ( ع ) ظمآن مجاهداً صابراً محتسباً مظلوماً قد نكثت بيعته واستحلت حرمته ، ولم يوف له بعهد ، ولا رعيت فيه ذمّةُ عقدٍ . شهيداً على ما مضى عليه أبوه وأخوه وقد قتل معه ولده وأهل بيته وسير برأسه ورؤوس رهط من أصحابه وأبنائه سبايا إلى الشام وجرى عليه وعلى أهل بيته من بعده من الفظائع ما هو مسطور ومشهور .
وان سألت عن الأهداف التي يهدف اليها الحسين والسر الذي ثار ابو الشهداء من أجله فاسمع كلماته التي صرخ بها في خطبته بالجيوش التي جاءت تحاربه قال :
ايها الناس ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال : من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالاثم
والعدوان فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله . ألا وان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله ، وأنا أحق من غيري ، وقد أتتني كتبكم ورسلكم وانكم لا تسلموني ولا تخذلوني فان بقيتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم وأنا الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهلكم إلى آخر ما قال :
لم يكن سيد الشهداء بالرجل الطامع في حكم أو امارة أو مال ، فقد كان بوسعه أن يقول ( نعم ) لكي يحصل من وراء هذه القولة على ما يشاء من نعم الدنيا ، وكان خصومه مستعدين لأن يمنحوه ما يشاء لقاء أن يمسك لسانه وأن يلزم الصمت .
يظن البعض ان الإمام الحسين عليه السلام أراد من رواء نهضته الحصول على زمام الحكم ولكن من يدرس فلسفة النهضة يتأكد لديه أن للحسين منزلة اجتماعية لدى المسليمن أبعد بكثير من منزلة الملوك والحكام .
قال عمر أبو النصر كانت ثورة الإمام الحسين عليه السلام على يزيد ثورة أمة على حاكم لا يصلح للحكم ، وإمام لم يتوفر فيه ما يجب أن يتوفر في المليك الحاكم والإمام القائم من عدل وأخلاق وعلم وإيمان . . . ومن هذا يدل على ان الاسلام لا يؤيد الحاكم الطاغية ولا الامير العاتي بل انه ليذهب الى اكثر من هذا فيأمر المسلمين بابعاده والثورة ضده فمقام الحكم لا يليق إلا للأفاضل من القوم الخلّص من البشر الذين يقسطون بين الناس ويقيمون العدل ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .
ولقد صرح الحسين « ع » برأيه فأرسل كلمته يوم خرج من المدينة فقال : أنا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح
الله وبنا يختم ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله .
إنه عليه السلام يعلمنا كيف يكون المؤمن بربه شجاعاً في الحق لا ترهبه صولة الباطل ولا تخدعه زهرة الحياة عن أداء رسالة الحق والخير والإيمان حتى إذا عاش عاش عزيزاً ، وإذا قضى قضى مع الأبرار كريماً .
( مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) .
وقد علّمنا عليه السلام أن اليد الطاهرة النقية لا تخضع لليد الآثمة الملوثة ، وقد قال لمروان بن الحكم : وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد .
وقال لأخيه محمد بن الحنفية : والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية .
وخرج من المدينة يلازم الطريق الأعظم بالرغم من أن السلطة الأموية قد سدت الطرق بوجهه تريد قتله ـ فقال له اهل بيته : لو تنكبّت الطريق كما فعل ابن الزبير فقال : والله لا أفارق الطريق الأعظم حتى يقضي الله ما هو قاض .
غداة بنى عبد المناف انوفهم |
|
أبيت أن يساف الضيم فيها بمنشقِ |
سرت لم تنكّب عن طريق لغيره |
|
|
|
حذار العدى بل بالطريق المطرق |
|
إلى أن أتت أرض الطفوف فخيَّمت |
|
|
|
بأعلى سنامٍ للعلاء ومفرق |
|
تاريخ مقتله ( ع )
مضى الحسين ( ع ) في يوم السبت العاشر من المحرم سنة احدى وستين من الهجرة بعد صلاة الظهر منه قتيلاً مظلوماً وسنَّة ثمان وخمسون سنة أقام منها مع جده رسول الله « ص » سبع سنين ومع أبيه ( ع ) سبعاً وثلاثين سنة ومع أخيه الحسن ( ع ) سبعاً واربعين سنة ، وكانت مدة خلافته بعد اخيه احدى عشر سنة انتهى ملخصاً ببعض التصرف عن ارشاد المفيد . أقول والأصح انه عليه السلام قتل يوم الجمعة العاشر من المحرم إذ كان أول المحرم الذي قتل فيه يوم الأربعاء وتواترت الروايات انه عليه السلام نزل كربلاء يوم الخميس وهو اليوم الثاني من المحرم ، وتقول اكثر الروايات : واصبح ابن سعد يوم عاشوراء وهو يوم الجمعة وقيل يوم السبت .
زوجات الحسين عليه السلام واولاده
١ ـ شهر بانويه بنت يزدجرد بن شهريار كسرى ـ وهي ام الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام .
٢ ـ ليلى بنت أبي مرة بن عروة الثقفي ـ عظيم القريتين الذي قالت قريش فيه ( لولا أُنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) وعنوا بالقريتين مكة والطائف . وليلى هي امّ علي الأكبر بن الحسين المقتول بالطف بين يدي أبيه .
٣ ـ الرباب بنت امرىء القيس بن عدي ، الكلبية ، وهي ام عبد الله الرضيع بن الحسين ، وسكينة بنت الحسين .
٤ ـ ام اسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمية ، ام فاطمة ام الحسن وكانت أولاً عند الإمام الحسن عليه السلام ، وإنما تزوجها الحسين بوصية من الحسن إذ قال له عند موته :
لا أريد أن تخرج هذه المرأة من بيتكم ، واني راض عنها .
٥ ـ القضاعية وهي ام جعفر بن الحسين وقد مات في حياة أبيه .
فعلى هذا يكون اولاد الحسين عليه السلام ستة : أربعة ذكور وابنتان وهم :
١ ـ علي بن الحسين الأكبر وهو الذي استشهد في كربلاء ويكنى أبو الحسن .
٢ ـ علي بن الحسين السجاد ويكنى ابو محمد .
٣ ـ عبد الله قتل مع أبيه صغيراً يوم الطف ، جاءه سهم وهو في حجر أبيه فذبحه .
٤ ـ جعفر بن الحسين .
٥ ـ فاطمة .
٦ ـ سكينة .
وجاء في بعض الاخبار ان للحسين ولدين آخرين وهما : محمد بن الحسين ، ومحسن بن الحسين المدفون في جبل جوشن قرب حلب .
ومن حكم الحسين القصيرة الفارعة الرائعة .
قال رجل عند الحسين ان المعروف اذا أسدي الى غير أهله ضاع فقال الحسين ليس كذلك ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر تصيب البر والفاجر .
وقال ما أخذ الله طاقة احد الا وضع عنه طاعته ولا اخذ قدرته إلا وضع عنه كلفته .
وقال : العاقل لا يحدّث من يخاف تكذيبه ، ولا يسأل من يخاف منعه ولا يثق بمن يخاف غدره ، ولا يرجو من لا يوثق برجائه .
وقال : ان قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار ، وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة .
وسئله رجل عن معنى قوله تعالى : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) قال امره أن يحدثه بما انعم الله به عليه في دينه .
وقال اذا سمعت أحداً يتناول أعراض الناس فاجتهد أن لا يعرفك فإن أشقى الاعراض به معارفه .
وللامام الحسين « ع » كلمات آية في الإقناع ، وفي ذروة البلاغة سهلة اللفظ جيّدة السبك متراصفة الفقرات متلائمة الأطراف تملك القلوب وتستعبد الأسماع كقوله : الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم الخ . . ومن عظيم بلاغته دعاؤه يوم عرفه دعابه وهو واقف على قدميه في ميسرة الجبل تحت السماء رافعاً يديه بحذاء وجهه خاشعاً متبتلاً وهو دعاء طويل مشهور .
١ ـ عقبة بن عمرو السهمي
٢ ـ سليمان بن قتة
٣ ـ ابو الرميح الخزاعي ـ عمير بن مالك
٤ ـ الرباب بنت امرىء القيس الكلبي
٥ ـ بشير بن جذلم
٦ ـ جارية هاشمية تنعي الحسين
٧ ـ بنت عقيل بن أبي طالب
٨ ـ فاطمة ـ ام البنين الكلابية ـ
٩ ـ ام كلثوم بنت امير المؤمنين
١٠ ـ الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب
١١ ـ كعب بن جابر الأزدي
١٢ ـ عبيد الله بن الحر الجعفي
١٣ ـ ابو الاسود الدؤلي ـ ظالم بن عمرو
١٤ ـ يزيد بن ربيعة بن مفرّغ
١٥ ـ عبيد الله بن عمرو الكندي البدي
١٦ ـ عامر بن يزيد بن ثبيط العبدي
١٧ ـ الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب
١٨ ـ عوف بن عبد الله بن الأحمر الأزدي
١٩ ـ أبو دهبل وهب بن زمعة
٢٠ ـ المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب
٢١ ـ مصعب بن الزبير بن العوام
٢٢ ـ عبد الله بن الزبير الأسدي
٢٣ ـ يحيى بن الحكم بن العاص
٢٤ ـ خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد المخزومي
٢٥ ـ شيخ يروي أبيات قالها جده في الحسين « ع »
١ ـ عقبة بن عمرو السهمي :
قصد كربلاء في أواخر المائة الأولى ، الشاعر العربي المعروف عقبة ابن عمرو السهمي ـ من بني سهم بن عون بن غالبة ، لزيارة قبر الحسين ، ووقف بإزاء القبر ورثى الحسين « ع » بالأبيات التالية :
مررت على قبر الحسين بكربلا |
|
ففاض عليه من دموعي غزيرها |
وما زلت أبيكه وأرثي لشجوه |
|
ويسعد عيني دمعها وزفيرها |
وبكّيت من بعد الحسين عصائباً |
|
أطافت به من جانبيه قبورها |
إذا العين قرت في الحياة وأنتم |
|
تخافون في الدنيا فأظلم نورها |
سلام على أهل القبور بكربلا |
|
وقلّ لها مني سلام يزورها |
سلام بآصال العشى وبالضحي |
|
تؤديه نكباء الرياح ومورها |
ولا برح الوفَّاد زوار قبره |
|
يفوح عليهم مسكها وعبيرها |
قال السيد الأمين في الجزء ٤١ من الأعيان : عقبة بن عمرو السهمي من بني سهم بن عوف بن غالب ، قال يرثي الحسين وهو اول شعر رثي به عليه السلام : اذا العين قرت في الحياة وأنتم . .
وقال سبط ابن الجوزي عن السدي أن أول شعر رثي به الحسين « ع » قول عقبة بن عمرو السهمي ـ من بني سهم بن عوف بن غالب ـ ورواه المفيد رحمه الله في المجالس بسنده عن ابراهيم بن داحة (١) قال من قصيدة هذا مطلعها : اذا العين قرت في الحياة . . . الخ
وقال الطريحي في المنتخب : ولله در من قال وهو على ما نقل أول شعر قيل في الحسين عليه السلام .
__________
(١) ابن داحة ، ويقال له ابن ابي داحة ، وهو ابراهيم بن سليمان المزني ، يحكى عن الجاحظ انه ذكره في كتاب الحيوان وقال : وكان ابن داحة رافضياً .
٢ ـ سليمان بن قتة :
قال السيد الامين في ( أعيان الشيعة ) وينبغي ان يكون اول من رثاه سليمان بن قتة العدوي التيمي مولى بني تيم بن مرة ، توفي بدمشق سنة ١٢٦ .
وكان منقطعاً الى بني هاشم فإنه مر بكربلاء بعد قتل الحسين بثلاث فنظر الى مصارعهم واتكأ على فرس له عربية وأنشأ يقول :
مررتُ على أبيات آل محمد |
|
فلم أرها أمثالها يوم حلّتٍ (١) |
ألم تر أن الشمس أضحت مريضة |
|
لقتل حسين والبلاد اقشعرت |
وكانوا رجاء ثم أضحوا رزية |
|
لقد عظمت تلك الرزايا وجلت |
وتسألنا قيس فنعطي فقيرها |
|
وتقتلنا قيس إذا النعل زلت |
وعند غني قطرة من دمائنا |
|
سنطلبها يوماً بها حيث حلت |
فلا يبعد الله الديار واهلها |
|
وإن أصبحت منهم برغم تخلت |
وإن قتيل الطف من آل هاشم |
|
أذلّ رقاب المسلمين فذلت |
وقد أعولت تبكي السماء لفقده |
|
وأنجمنا ناحت عليه وصلّت |
__________
(١) هذه الأبيات ذكرها الفاضل المجلسي « ره » وغيره كما ذكرها ابو الفرج في المقاتل لسليمان واوردها ابن شهر اشوب وغيره ايضا له .
فقال له عبد الرحمن بن حسن بن حسن : هلا قلت ( رقاب المسلمين فذلت ) وبعضهم يروي هذه الأبيات لأبي الرميح الخزاعي .
والظاهر أن لكل من سليمان بن قتة وأبي الرميح أبياتاً في رثاء الحسين عليه السلام على هذا الوزن وهذه القافية ، وقد أدخل بعض أبيات كل منهما في أبيات الآخر وستأتي ترجمة أبي الرميح .
أقول : وفي كتاب ( رغبة الامل من كتاب الكامل ) للمرصفي : سليمان بن قنة بفتح القاف والنون المشددة ، وفي مكان آخر ذكره قتة بالتاء . ثم ذكر الغريب في الشعر فقال : ( غني ) يريد قبيلة غني بن اعصر بن سعيد بن قيس عيلان بن مضر . ( وتقتلنا قيس ) يريد منهم شمر بن ذي الجوشن بن الأعور بن عمرو بن معاوية بن كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة الذي حرض عبيد الله بن زياد على قتل الحسين ونادى في الناس : ويحكم ما تنتظرون بالرجل ، اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم .
والذي تولى قتله قيما يروى سنان بن أنس النخعي . انتهى .
أقول والأصح أن قاتله شمر كما في أكثر المقاتل ونظم كثير من الشعراء ذلك ، يقول الحاج هاشم الكعبي :
ومرَّ يحز النحر غير مراقبٍ |
|
من الله لا يخشى ولا يتوجّلُ |
وقال السيد جعفر الحلي :
شلَّ الإله يدي شمر غداة على |
|
صدر ابن فاطمة بالسيف قد بركا |
ومن شعر سليمان ما رواه السيد في الاعيان ج ٣٥ ص ٣٦٥ :
عين جودي بعبرة وعويل |
|
واندبي ان ندبت آل الرسول |
ستة كلهم لصلب علي |
|
قد اصيبوا وسبعة لعقيل |
واندبي ان بكيت عوناً أخاهم |
|
ليس فيما ينوبهم بخذول |
وسمي النبي غودر فيهم |
|
قد علوه بصارم مصقول |
واندبي كهلهم فليس اذا ما |
|
عدّ في الخير كهلهم كالكهول |
فلعمري لقد اصيب ذوو القربى |
|
فبكَى على المصاب الجليل |
فإذا ما بكيت عيني فجودي |
|
بدموع تسيل كل مسيل |
قال السيد الامين في ج ٣٥ ص ٣٦٢
عدّه ابن شهر آشوب في المعالم من شعراء اهل البيت المتقين فقال : سليمان بن قتة التيمي الهاشمي . وفي كامل المبرد ج ١ ص ١٠٦ هو رجل من بني تيم بن مرة بن كعب بن لؤي ، وكان منقطعاً إلى بني هاشم انتهى . وكان من الشيعة التابعين والشعراء ، اقول ذكر السيد الأمين الابيات المتقدمة وقال :
كثر ذكر الناس لها ، واختلفت روايتهم لها بالزيادة والنقصان وتغيير بعض الألفاظ ففي كامل المبرد قال سليمان بن قتة ، ( وذكر الأبيات ) وفي تهذيب تاريخ ابن عساكر قال سليمان بن قتة يرثي الحسين ( وذكر الابيات ) وبها بعض الاختلاف وفي الجزء ١٤ ص ٤٤٨ من الاعيان قال :
التيمي تيم بن مرة اورد له ابن الأثير في الكامل هذه الابيات في رثاء الحسين عليه السلام وقال : وكان منقطعاً إلى بني هاشم ولم يذكر اسمه وبعضهم نسبها لسليمان بن قتة العدوي مولى بني تميم ، وقيل انها لابي الرميح الخزاعي ومن المحتمل ان يكون المراد بالتيمي سليمان بن قتة وان يّكون الصواب مولى بني تيم والله اعلم .
وقال الشيخ المامقاني في ( تنقيح المقال ) ، سليمان بن قتة القرشي العدوي مولى بني تيم بن مرة ويقال له الهاشمي . والضبط قتة بفتح القاف وتشديد المثناة من فوق ثم الهاء . كان من الشيعة وله ابيات يرثي بها الحسن المجتبى ومراث كثيرة للحسين عليه السلام والقتلى معه .
وقال الشيخ عباس القمي : قَتّة كضبَّة : اسم أم سليمان ، واسم والده
حبيب المحاربي وهو تابعي مشهور . وقيل أنّ سليمان هو أوّل من رثى الحسين : مرّ بكربلاء فنظر إلى مصارع الشهداء فبكى حتى كاد أن يموت ثم قال : الأبيات .
توضيح :
اراد بقوله : ستة كلهم لصلب علي هم :
١ ـ الحسين بن علي بن أبي طالب وامه فاطمة الزهراء
٢ ـ العباس بن علي بن أبي طالب وامه أم البنين فاطمة بنت حزام
٣ ـ عبد الله بن علي بن ابي طالب وامه أم البنين فاطمة بنت حزام
٤ ـ عثمان بن علي بن ابي طالب وامه أم البنين فاطمة بنت حزام
٥ ـ جعفر بن علي بن ابي طالب وامه أم البنين فاطمة بنت حزام
٦ ـ ابو بكر بن علي بن ابي طالب واسمه محمد الأصغر أو عبد الله وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد
فهؤلاء الستة لصلب علي عليه السلام واختلف في غيرهم .
وقوله وسبعة لعقيل وهم :
١ ـ مسلم بن عقيل بن ابي طالب
٢ ـ عبد الله بن مسلم بن عقيل
٣ ـ محمد بن مسلم بن عقيل
٤ ـ محمد بن ابي سعيد بن عقيل
٥ ـ عبد الرحمن بن عقيل
٦ ـ جعفر بن عقيل
هؤلاء الذين ذكرهم السماوي في ( ابصار العين ) وهو ينطبق على شعر المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وكان مع الحسين إلا
انه مرض في الطريق فعزم عليه الحسين ان يرجع فرجع فلما بلغه قتله رثاه فكان من مرثيته :
وستة ليس لهم مشبه |
|
بني عقيل خير فرسان |
ولكن الذي ذكره المؤرخون اكثر من ستة .
وقوله : واندبي ان بكيت عونا أخاهم .
يعني به عون بن عبد الله بن جعفر بن ابي طالب وأمه زينب الكبرى العقيلة بنت أمير المؤمنين عليه السلام ، وامها فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال السروي : برز عون بن عبد الله بن جعفر الى القوم وهو يقول :
ان تنكروني فأنا ابن جعفر |
|
شهيد صدق في الجنان أزهر |
يطير فيها بجناح اخضر |
|
كفى بهذا شرفاً في المحشر |
فضرب فيهم بسيفه حتى قتل منهم ثلاثة فوارس وثمانية عشر راجلاً ثم ضربه عبد الله بن قطنة الطائي النهباني بسيفه فقتله .
وبقوله : وسمي النبي غودر فيهم . أراد به محمد بن عبد الله بن أبي طالب امه الخوصاء بنت حفصة بن ثقيف .
قال السروي : تقدم محمد قبل عون إلى الحرب فبرز اليهم وهو يقول :
أشكو إلى الله من العدوان |
|
فعال قوم في الردى عميان |
قد بدلوا معالم القرآن |
|
ومحكم التنزيل والتبيان |
فقتل عشرة أنفس ثم تعطفوا عليه فقتله عامر بن نهشل التميمي .
٣ ـ ابو الرميح الخزاعي :
ابو الرميح الخزاعي هو عمير بن مالك بن حنظل بن عبد شمس بن سعد بن غنم بن حيلب بن جبير بن عدي بن سلول الخزاعي .
توفي في حدود سنة ١٠٠ ، كان شاعراً مكثراً الشعر في رثاء الحسين عليه السلام ، مقلاً في غيره كما قال ابن النديم ، وكان أبوه مالك بن حنظلة من الصحابة كما في الإصابة ، وكان يزور آل محمد فيجتمعون اليه ويقرأ عليهم مراثيه .
حدث المرزباني قال دخل أبو الرميح على فاطمة بنت الحسين بن علي « ع » فأنشدها مرثيته في الحسين « ع » :
أجالت على عيني سحائبُ عبرة |
|
فلم تصح بعد الدمع حتى ارمعلّت |
تبكَّى على آل النبي محمد |
|
وما اكثرت في الدمع لا بل اقلّتِ |
اولئك قوم لم يشيموا سيوفهم |
|
وقد نكأت أعداءهم حين سُلت |
وإن قتيل الطف من آل هاشم |
|
أذل رقاباً من قريش فذلت |
فقالت فاطمة : يا أبا الرميح هكذا تقول ، قال : فكيف اقول جعلني الله فداك ، قالت قل : اذل رقاب المسلمين فذلت .
فقال : لا أنشدها بعد اليوم إلا هكذا .
وهذا البيت مذكور لسليمان بن قتة العدوي ولعله تضمنه او استشهد به .
وفي الجزء الاول من الأعيان القسم الثاني ص ١٦٥ :
أبو الرميح الخزاعي عمر بن مالك بن حنظلة ، له رثاء في الحسين توفي حدود المائة .
٤ ـ الرباب
قالت الرباب بنت امرىء القيس بن عدي زوجة الحسين عليه السلام ترثيه . وقد توفيت سنة ٦٢ هـ .
إن الذي كان نوراً يستضاء به |
|
في كربلاء قتيل غير مدفونِ |
سبط النبي جزاك الله صالحة |
|
عنا وجُنِّبت خسران الموازين |
قد كنت لي جبلاً صلداً ألوذ به |
|
وكنت تصحبنا بالرحم والدين |
مَن لليتامى ومَن للسائلين ومَن |
|
يغني ويأوي اليه كل مسكين |
والله لا أبتغي صهراً بصهركم |
|
حتى أغيّب بين اللحد والطين |
وقالت الرباب ايضاً وهي بالشام بعد ما اخذت رأس الحسين « ع » وقبلته ووضعته في حجرها ، كما في تاريخ القرماني ص ٤ وتذكرة الخواص ص ١٤٧ :
واحسيناً فلا نسيت حسيناً |
|
أقصدته أسنَّة الأعداءِ |
غادروه بكربلاء صريعاً |
|
لا سقى الله جانبي كربلاء |
كانت الرباب بنت امرىء القيس من خيرة النساء وأفضلهن ، جاء بها الحسين « ع » مع حرمه إلى الطف ، وحُملت معهن الى الكوفة ورجعت مع الحرم الى المدينة فأقامت فيها لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً من البكاء على الحسين « ع » ولم تستظل تحت سقف حتى ماتت بعد قتله بسنة كمداً . رواه ابن الأثير في تاريخه ج ٤ ص ٣٦ .
ويقول ابن الأثير : وليس بصحيح انها اقامت على قبر الحسين سنة وفي تذكرة الخواص وابن الأثير والأغاني أنها في تلك السنة التي عاشت بها خطبها الاشراف فأبت وقالت ما كنت لأتخذ حماً (١) بعد رسول الله . وحق لها إذا امتنعت فانها لا ترى مثل سيد شباب أهل الجنة .
ولما رجعت من الشام أقامت المأتم على الحسين وبكت النساء معها حتى جفت دموعها ، ولما أعلمتها بعض جواريها بأن السويق يسيل الدمعة أمرت أن يصنع السويق ، وقالت : إنما نريد أن نقوى على البكاء رواه المجلسي في البحار ج ١٠ ص ٢٣٥ عن الكافي .
وفي الأغاني قال هشام بن الكلبي : كانت الرباب من خيار النساء وافضلهن . وفي نسمة السحر : كانت من خيار النساء جمالا وأدباً وعقلاً . أسلم أبوها في خلافة عمر وكان نصرانياً من عرب الشام فما صلى صلاة حتى ولّاه عمر على من أسلم بالشام من قضاعة ، وما أمسى حتى خطب اليه علي بن أبي طالب ابنته الرباب على ابنه الحسين فزوجه اياها .
والرباب هي بنت امرىء القيس بن عدي بن اوس بن جابر بن كعب بن عليم بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب ، زوجة الحسين « ع » فولدت للحسين « ع » سكينة عقيلة قريش وعبد الله بن الحسين « ع »
__________
(١) الحم احد الاحماء . اقارب الزوج .
قتل يوم الطف وامه تنظر اليه . وقال ابن الأثير في ج ٤ ص ٤٥ : كان مع الحسين امرأته الرباب بنت امرىء القيس وهي ام ابنته سكينة وحملت الى الشام فيمن حمل من أهله ثم عادت إلى المدينة فخطبها الأشراف من قريش فقالت ما كنت لأتخذ حمواً بعد رسول « ص » وبقيت بعده سنة لم يظلها سقف بيت حتى بليت وماتت كمداً ، وقيل انها قامت على قبره سنة وعادت إلى المدينة أسفاً عليه .
وقال السيد الأمين في الاعيان في الجزء الأول من القسم الثاني :
والرباب بنت امرىء القيس بن عدي بن اوس زوجة الحسين « ع » لها فيه رثاء ، ماتت سنة ٦٢ .
٥ ـ بشير بن جذلم :
٦ ـ جارية تنعي الحسين «ع» :
يا اهل يثرب لا مقام لكم بها |
|
قتل الحسين فادمعي مدرارُ |
الجسم منه بكربلاء مضرّج |
|
والرأس منه على القناة يدارُ |
وفي بعض الروايات زيادة قوله :
يا أهل يثرب شيخكم وإمامكم |
|
ما منكم أحد عليه يغار |
قال السيد الأمين في الأعيان : بشير بن جذلم من أصحاب علي ابن الحسين « ع » ذكره السيد علي بن طاووس في كتاب ( اللهوف على قتلى الطفوف ) وظاهره أنه كان مع علي بن الحسين واهل بيته حين توجهوا من العراق الى المدينة ولا يعلم سبب وجوده معهم .
قال الراوي : ثم انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة . قال بشير ابن جذلم : فلما قربنا منها نزل علي بن الحسين فحط رحاله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه ، وقال : يا بشير رحم الله أباك لقد كان شاعراً فهل تقدر على شيء منه ، قلت بلى يا بن رسول الله اني لشاعر ، فقال : ادخل المدينة وانع أبا عبد الله ، قال بشير : فركبت فرسي وركضت حتى دخلت المدينة فلما بلغت مسجد النبي « ص » رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول :
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها . الابيات
ثم قلت هذا علي بن الحسين مع عماته وأخواته قد حلوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم وأنا رسوله إليكم أعرّفكم مكانه ، قال : فما بقيت في المدينة مخدرة ولا محجبة إلا برزن من خدورهن ضاربات خدودهن يدعين بالويل والثبور ، فلم أر باكياً اكثر من ذلك اليوم ولا يوماً أمرّ على المسلمين منه ، وسمعت جارية تنوح على الحسين « ع » فتقول :
نعى سيدي ناع نعاه فأوجعا |
|
وأمرضني ناع نعاه فأفجعا |
فعينيَّ جودا بالدموع واسكبا |
|
وجودا بدمع بعد دمعكما معا |
على من دهى عرش الجليل فزعزعا |
|
فأصبح هذا المجد والدين أجدعا |
على ابن نبي الله وابن وصيه |
|
وإن كان عنا شاحط الدار اشسعا |
ثم قالت أيها الناعي جددتَ حزننا بأبي عبد الله وخدشت منا قروحاً لما تندمل فمن أنت رحمك الله فقلت أنا البشير بن جذلم وجهني
أدب الطف ـ ( ٥ )
مولاي علي بن الحسين وهو نازل في موضع كذا وكذا مع عيال أبا عبد الله الحسين ونسائه ، قال فتركوني مكاني وبادروني فضربت فرسي حتى رجعت اليهم فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع فنزلت عن فرسي وتخطيت رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط وكان علي بن الحسين داخلاً فخرج وهو يمسح دموعه بمنديل وخلفه خادم معه كرسي فوضعه له وجلس عليه وهو لا يتمالك من العبرة وارتفعت أصوات الناس بالبكاء من كل ناحية يعزونه ، فضجت تلك البقعة ضجة شديدة ، فأومأ بيده أن اسكتوا فسكنت فورتهم فقال : ( خطبة الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام ) .
٧ ـ ام لقمان بنت عقيل بن ابي طالب :
ماذا تقولون إن قال النبي لكم |
|
ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم |
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي |
|
منهم أسارى ومنهم ضُرّجوا بدم |
ما كان هذا جزائي اذ نصحت لكم |
|
أن تخلفوني بسوءٍ في ذوي رحمي |
__________
(١) مروج الذهب ج ٢ ص ٧٥ ، والطبري ج ٦ ص ٢٢١ ، وابن الاثير ج ٤ ص ٣٩ .
قال السيد الأمين في الأعيان ج ٤ ص ٣٧٢ : خرجت ام لقمان بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت نعي الحسين ومعها اخواتها ، ام هاني وأسماء ورملة وزينب بنات عقيل تبكي قتلاها بالطف وتقول :
ماذا تقولون إن قال النبي لكم الأبيات |
|
الأبيات |
وفي الجزء ١٤ ص ١٦٩ قال : روى ابن الاثير في الكامل وغيره في غيره أنه لما أتى البشير بقتل الحسين « ع » الى عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة قال له : نادِ بقتله فنادى فصاح نساء بني هاشم وخرجت بنت عقيل بن ابي طالب ومعها نساؤها حاسرة تلوي ثوبها وهي تقول :
ماذا تقولون إن قال النبي لكم الأبيات |
|
الابيات |
فلما سمع عمرو أصواتهن ضحك وقال :
عجّت نساءُ بني زياد عجةً |
|
كعجيج نسوتنا غداة الأرنبِ |
قال والارنب : وقعة كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب ، وهذا البيت لعمرو بن معد يكرب انتهى .
وفي جزء ٣٢ ص ١٣٧ :
لما جاء نعى الحسين « ع » الى المدينة خرجت ام لقمان بنت عقيل بن ابي طالب حين سمعت نعي الحسين « ع » حاسرة ومعها اخواتها : ام هاني واسماء ورملة وزينب بنات عقيل بن ابي طالب ـ والظاهر ان رملة كانت أكبرهن ـ تبكي قتلاها بالطف وهي تقول : ماذا تقولون إن قال النبي لكم . البيتان .
قال الصادق « ع » ما اكتحلت هاشمية ولا اختضبت ولا رؤى في دار هاشمي دخان خمس سنين حتى قُتل عبيد الله بن زياد .
وقالت فاطمة بنت أمير المؤمنين « ع » : ما تحنّأت امرأة منا ولا
أجالت في عينها مردوداً ، ولا امتشطت حتى بعث المختار برأس عبيد الله بن زياد .
والأبيات المذكورة ذكرها أيضاً ابن نما في ( مثير الأحزان ) وفي اللهوف لابن طاووس ، ويقول ابن جرير في التاريخ ج ٦ ص ٢٦٨ انها لبنت عقيل بن أبي طالب وكذا رأي ابن الأثير . وفي رواية ابن قتيبة في عيون الاخبار ج ١ ص ٢١٢ للأبيات خلاف ، وفي مقتل الخوارزمي ج ٢ ص ٧٦ : ان زينب بنت عقيل بن ابي طالب قالت البيتين الاولين ، وفي رواية أخرى ان بنت عقيل بن ابي طالب قالت وذكر اربعة أبيات ، والرابع منها :
ضيعتم حقنا والله أوجبه |
|
وقد رعى الفيل حق البيت والحرم |
ونسبها ابن شهراشوب في المناقب الى زينب بنت امير المؤمنين « ع » وانها انشأت الابيات الثلاثة بعد خطبتها بالكوفة .
وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ان زينب بنت عقيل بن أبي طالب قالت : وذكر اربعة ابيات ، وكان الرابع في روايته :
ذريتي وبنو عمي بمضيعة |
|
منهم اسارى وقتلى ضرجوا بدم |
ونسب ابن حجر الهيتمي في مجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٠٠ الابيات الثلاثة الى زينب بنت عقيل بن أبي طالب ، وفي ارشاد المفيد رحمه الله : لما سمعت ام لقمان بنت عقيل بن ابي طالب بنعي الحسين خرجت تنعاه ومعها اخواتها : ام هاني واسماء ورملة وزينب . وذكر الابيات الثلاثة اقول ورأيت في بعض كتب المقاتل : وخرجت اسماء بنت عقيل بن أبي طالب في جماعة من نسائها حاسرة حتى انتهت الى قبر رسول الله « ص » فلاذت به وشهقت عنده ثم التفتت الى المهاجرين والانصار وهي تقول : ماذا تقولون ان قال النبي لكم . . . الخ فأبكت
من حضر ولم ير باك وباكية اكثر من ذلك اليوم (١) .
أما السيد الامين في الاعيان ج ۱۱ م ١٢ ص ٢١٨ قال :
قال ابن شهر اشوب في المناقب أنه لما قتل الحسين عليه السلام خرجت اسماء بنت عقيل بن أبي طالب تنوح وتقول :
ماذا تقولون ان قال النبي لكم |
|
يوم الحساب وصدق القول مسموعُ |
خذلتم عترتي او كنتم غيباً |
|
والحق عند وليِّ الامر مجموع |
أسلمتموهم بأيدي الظالمين فما |
|
منكم له اليوم عند الله مشوعُ |
ما كان عند غداة الطف اذ حضروا |
|
|
|
تلك المنايا ولا عنهن مدفوع |
|
__________
(١) امالي الشيخ الطوسي ص ٥٥ .
٨ ـ ام البنين :
ام البنين ترثي اولادها كما انشده ابو الحسن الأخفش في شرح الكامل للمبرد ، وقد كانت تخرج إلى البقيع كل يوم وتحمل عبيد الله بن العباس معها فيجتمع أهل المدينة لسماع رثائها وفيهم مروان بن الحكم فيبكون لشجّي الندبة ، فمن قولها :
يا من رأى العباسَ كرِّ |
|
على جماهير النقد (١) |
ووراه من أبناء حيدر |
|
كلُّ ليثٍ ذي لبد |
أنبئت أنّ ابني أُصيبَ |
|
برأسه مقطوعَ يد |
ويلي على شبلي أما |
|
لَ برأسه ضربُ العمد |
لو كان سيفك في يد |
|
يك لما دنا منه أحد |
ومن قولها :
لا تدعونّي ويكِ أُم البنين |
|
تذكّريني بليوث العرين |
كانت بنون لي أُدعى بهم |
|
واليوم اصبحت ولا من بنين |
أربعة مثل نسور الرُبى |
|
قد وصلوا الموت بقطع الوتين |
تنازع الخرصانُ اشلاءهم |
|
فكلّهم أمسى صريعا طعينْ |
يا ليت شعري أكما أخبروا |
|
بأنّ عباساً قطيعُ الوتين (٢) |
__________
(١) النقد : نوع من الغنم قصار الارجل . والعباس من اسماء الاسد
(٢) عن ابصار العين والاعيان
أم البنين هي فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة أخي لبيد الشاعر ابن عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الكلابية زوجة الامام امير المؤمنين ذكر أهل الانساب ان أمير المؤمنين علي عليه السلام قال لأخيه عقيل بن ابي طالب ـ وكان عالماً بانساب العرب ـ انظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً ، فقال له : اين أنت عن فاطمة بنت حزام (١) فانه ليس في العرب أشجع من آبائها الذين يقول فيهم لبيد للنعمان ابن المنذر ملك الحيرة :
نحن بني أُم البنين الاربعة |
|
الضاربون الهام وسط المجمعة |
والمطعمون الجفنة المدعدعة |
|
ونحن خير عامر بن صعصعة |
وامها ثمامة بنت سهيل بن عامر الذين منهم عروة الرحال صاحب الردافة والرحلة إلى الملوك وهو الذي اجار حمولة النعمان على أهل الشيح والقيصوم من أهل نجد وتهامة ، ومنهم ابو براء عامر بن مالك الذي يقال له ملاعب الأسنة لشجاعته وفروسيته . كذا ذكر السيد الداودي في ( العمدة ) وجاء في كتاب الكنى والألقاب للشيخ القمي : ان عامر بن مالك العامري الكلابي الملقب بملاعب الاسنة ، هو الذي كان به مرض الاستسقاء فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، لبيد ابن ربيعة مع هدايا فلم يقبلها ـ لانه صلى الله عليه وآله كان لا يقبل هدية مشرك ، ثم أخذ جثوة (٢) من الأرض فتفل عليها وقال للبيد : دفها بماء ثم أسقها اياه ، فأخذها متعجباً يرى انه قد استهزء به فأتاه فشربها ، فأطلق من مرضه .
وقال السيد الأمين في الأعيان : أم البنين من بيت عريق في
__________
(١) جاء في الاصابة ج ١ ص ٣٧٥ والمعارف لابن قتيبة ص ٩٢ ان والد ام البنين اسمه حرام بالراء المهملة بعد الحاء . وعند ابن الاثير وابن جرير وأبي الفداء وغيرهم بالزاء المعجمة .
(٢) الجثوة بالجيم مثلثة : الحجارة المجموعة
العروبة (١) والشجاعة . تزوج بها أمير المؤمنين اما بعد وفاة الصديقة فاطمة الزهراء ( كما يراه الطبري في ج ٦ ص ٨٩ ، وابن الأثير في ج ٣ ص ١٥٨ ، وابو الفداء في ج ١ ص ١٨١ ) ، أو بعد أن تزوج بأمامة بنت زينب بنت رسول الله كما يراه البعض الآخر ، ومنهم ابن شهراشوب في المناقب ج ٢ ص ١١٧ ومطالب السؤل ص ٦٣ ، والفصول المهمة ص ١٤٥ ، والاصابة في ترجمة امامة .
اقول : ولم تخرج أم البنين إلى احد قبل أمير المؤمنين ولا بعده وكانت من النساء العالمات الفاضلات العارفات بحق أهل البيت مخلصة في ولائهم . ووصفها صاحب العمدة بالعالمة ، وقد بلغ من معرفتها وتبصرها أنها لما دخلت على علي عليه السلام كان الحسنان مريضين فأخذت تسهر معهما وتقابلهما بالبشاشة ولطيف الكلام كالأم الحنون .
ولدت لأمير المؤمنين اربعة بنين انجبت بهم وأول ما ولدت العباس ويلقب قمر بني هاشم ويكنى ابا الفضل . وبعده عبد الله ، وبعده جعفرا ، وبعده عثمان ، وروى ابو الفرج عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال سميت عثمان بعثمان بن مظعون ، فهؤلاء البنون الاربعة : كانت تكنى بهم فاطمة ام البنين .
__________
(١) ذكر الشيخ السماوي في ( ابصار العِين ) ام البنين بنت حزام ، وامها ثمامة بنت سهيل ابن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب ، وامها عمرة بنت الطفيل فارس قرزل بن مالك الاخزم رئيس هوازن بن جعفر بن كلاب ، وامها كبشة بنت عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب . وامها ام الخشف بنت ابي معاوية فارس هوازن بن عبادة بن عقيل بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، وامها فاطمة بنت جعفر بن كلاب : ، وامها عاتكة بنت عبد شمس بن عبد مناف ، وامها آمنة بنت وهب بن عمير بن نصر بن قعين بن الحرث بن ثعلبة بن ذردان بن اسد بن خزيمة ، وامها بنت جحدر بن ضبيعة الاغر بن قيس بن ثعلبة ابن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن ربيعة بن نزار ، وامها بنت مالك بن قيس بن ثعلبة ، وامها بنت ذي الرأسين خشين بن ابي عصم بن سمح بن فزارة ، وامها بنت عمرو بن صرمة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن الريث بن غطفان
قال الشيخ المامقاني في ( تنقيح المقال ) ويستفاد قوة ايمانها وتشيعها ان بشراً كلما نعى اليها بعد وروده إلى المدينة احداً من اولادها الأربعة قالت ( ما معناه ) اخبرني عن ابي عبدالله الحسين ، فلما نعى اليها الحسين قالت : قد قطعت نياط قلبي ، اولادي ومن تحت الخضراء كلهم فداء لأبي عبد الله الحسين . فان عُلقتها بالحسين ليس إلا لامامته عليه السلام ، وتهوينها على نفسها موت مثل هؤلاء الأشبال الأربعة إن سلم الحسين يكشف عن مرتبة في الديانة رفيعة .
وقال صاحب رياض الأحزان : واقامت امُ البنين زوجة امير المؤمنين العزاء على الحسين واجتمع عندها نساء بني هاشم يندبن الحسين وأهل بيته وبكت ام سلمة وقالت : فعلوها ملأ الله قبورهم نارا .
٩ ـ ام كلثوم :
قال الشيخ عباس القمي في كتابه ( نفس المهموم ) :
إن ام كلثوم حين توجهت الى المدينة جعلت تبكي وتقول :
مدينة جدنا لا تقبلينا |
|
فبالحسرات والاحزان جينا |
خرجنا منك بالاهلين جمعاً |
|
رجعنا لا رجالَ ولا بنينا |
ام كلثوم بنت امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام ، وامها الزهراء فاطمة وقد ولدت بعد زينب الكبرى كما أن زينب ولدت بعد الحسين .
وام كلثوم هي المسماة بزينب الصغرى اما كنيتها ام كلثوم الكبرى وقد جاءت هذه المخدرة مع اخيها الحسين الى العراق وهي زوجة عون ابن جعفر الطيار .
أما هذه الشهرة التي تقول بأن ام كلثوم قد تزوجها عمر بن الخطاب فهي عارية عن الصحة ، وبيان ذلك ان المؤرخين قد اتفقوا على ان ام كلثوم تزوجها عون بن جعفر ، او اخوه محمد بن جعفر اولا ، ثم عون ثانياً ، والاتفاق في ذلك عن ائمة الحديث المعتمدين كابن حجر في الإصابة ، وابن عبد البر في الاستيعاب وغيرهما ممن كتب في الصحابة ان عون بن جعفر قتل يوم ( تستر ) ويوم تستر لا كلام انه في خلافة عمر بن الخطاب وفيه اسر الهرمزان ومات عمر بعد يوم تستر بسبع سنين فكيف تزوج بها عون بعد عمر .
والحقيقة أن ام كلثوم لم يتزوجها غير ابن عمها عون ابن جعفر حتى قتل عنها بكربلاء على ما صرح به السيد الداودي في عمدة الطالب والمسعودي في مروج الذهب ، والدر المنثور في طبقات ربات الخدور وكان له من العمر يوم قتل على ما قيل ستة وخمسون سنة وكانت ام كلثوم معه بالطف . وتوفيت بالمدينة بعد رجوعها مع السبايا ، وكانت مدة مكثها في المدينة اربعة أشهر وعشرة ايام .
وهذا كتاب ( المستدرك على الصحيحين في الحديث ) ، للحافظ الكبير الحاكم النيسابوري ج ٣ ص ١٤٢ عندما يروي زواج ام كلثوم بنت علي « ع » من عمر ، ويأتي الحافظ الذهبي في الذيل ويقول : قلت منقطع ، أي سند هذا الحديث منقطع . وإذا علمنا ان الخبر
اذا لم يصححه الذهبي سقط عن الاعتبار واتضح لنا ضعف هذه الإشاعة وكذبها . والآن نورد كلام الشيخ الجليل محمد بن محمد بن النعمان البغدادي والمعروف بالشيخ المفيد وذلك في جواب المسألة العاشرة من المسائل السرودية لما سأله السائل عن حكم ذلك الزواج ـ وكلامه الفصل ـ وهذا نصه ان الخبر الوارد بتزويج امير المؤمنين علي « ع » ابنته من عمر غير ثابت ، وطريقه من الزبير بن بكار وطريقه معروف لم يكن موثوقاً به في النقل ، وكان متهماً فيما يذكره من بغضه لأمير المؤمنين « ع » فيما يدعيه عنهم على بني هاشم ، وانما نشر الحديث اثبات أبي محمد الحسن بن يحيى صاحب النسب ذلك في كتابه فظن كثير من النساء انه حق لرواية رجل علوي له ، وانما هو رواه عن الزبير كما روى الحديث نفسه مختلفاً . فتارة يروي ان امير المؤمنين تولى ذلك ، وتارة يروي انه لم يقع العقد الا بعد وعيد من عمر وتهديد لبني هاشم ، وتارة يروي انه من اختيار وايثار .
ثم بعض الرواة يذكرون أن عمر أولدها ولداً أسماه زيداً ، وبعضهم يرى أن لزيد بن عمر عقبا ، ومنهم من يقول قتل ولا عقب له ، ومنهم من يقول انه وامه قتلا ، ومنهم من يقول ان امه بقيت بعده ، ومنهم من يقول ان عمر أمهر ام كلثوم أربعين الف درهم ، ومنهم من يقول كان مهرها خمسمائة درهم ، وبدء هذا القول وكثرة الاختلاف يبطل الحديث ولا يكون له تأثير على حال . انتهى كلامه رفع مقامه .
وقال الشيخ المامقاني قدس سره في تنقيح المقال :
ام كلثوم بنت امير المؤمنين عليه السلام هذه كنية لزينب الصغرى وقد كانت مع أخيها الحسين بكربلاء وكانت مع السجاد عليه السلام في الشام ثم الى المدينة وهي جليلة القدر فهيمة بليغة ، وخطبتها في مجلس ابن زياد بالكوفة معروفة وفي الكتب مسطورة . وفي الاخبار ان عمر
ابن الخطاب تزوجها غصباً وأنكر ذلك جمع ، ولعلم الهدى في هذا الباب رسالة مفردة أصرّ فيها على ذلك وأصرَّ آخرون على الإنكار ، وحيث لا يترتب من تحقيق ذلك وكان يصعب الالتزام به طويناه اشتغالا بالأهم .
خطبتها بالكوفة :
قال السيد ابن طاووس في ( اللهوف على قتلى الطفوف ) خطبت ام كلثوم من وراء كلّتها رافعة صوتها بالبكاء فقالت :
يا أهل الكوفة سوأة لكم ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه وانتهبتم امواله وورثتموه ، وسبيتم نساءه ونكبتموه فتباً لكم وسحقاً .
ويلكم أتدرون أي دواهٍ دهتكم ، وأي وزر على ظهوركم حملتم وأي دماء سفكتموها ، وأي كريمة أصبتموها ، وأي صبية سلبتموها ، وأي أموال انتهبتموها ، قتلتم خير رجالات بعد النبي ونزعت الرحمة من قلوبكم ألا ان حزب الله هم الغالبون وحزب الشيطان هم الخاسرون ثم قالت :
قتلتم أخي ظلماً فويل لأمكم |
|
ستجزون ناراً حرها يتوقد |
سفكتم دماء حرّم الله سفكها |
|
وحرمها القرآن ثم محمد |
فضج الناس بالبكاء والنحيب ونشرت النساء شعورهن ووضعن التراب على رؤوسهن وخمشن وجوههن وبكى الرجال فلم يُر باكية اكثر من ذلك اليوم .
١٠ ـ الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب :
قال السيد الامين في الاعيان ج ٣٢ ص ٢٨٢ في احوال زهير بن سليم الازدي المقتول مع الحسين يوم كربلاء في الحملة الاولى ، قال وفيه يقول الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب من قصيدته التي ينعى بها على بني أمية افعالهم :
أرجعوا عامراً وردّوا زهيراً |
|
ثم عثمان فارجعوا غارمينا |
وارجعوا الحر وابن قين وقوماً |
|
قتلوا حين جاوروا صفينا |
أين عمرو وأين بشر وقتلى |
|
منهم بالعراء ما يدفنونا |
عنى بعامر العبدي وبزهير هذا وبعثمان أخا الحسين ـ وأمه أم البنين الكلابية ـ وبالحر الرياحي ، وبابن قين زهيرا وبعمرو الصيداوي وببشر الحضرمي ، انتهى .
أقول ذكر الشاعر سبعة ممن استشهدوا بين يدي الحسين « ع » في جملة المستشهدين بين يديه ، ويحسن بنا أن نذكر ترجمة كل واحد منهم ممن لم تذكر ترجمته في هذه الموسوعة :
١ ـ عامر بن مسلم العبدي البصري : قال الشيخ السماوي في ( ابصار العين ) : كان عامر من شيعة في البصرة ، فخرج هو ومولاه سالم مع يزيد بن ثبيط العبدي الى الحسين « ع » وانضم اليه حتى وصلوا كربلاء وكان القتال فقتلا بين يديه . قال في المناقب : وفي الحدائق قتلا في الحملة الاولى .
٢ ـ زهير بن سليم الأزدي : قال السماوي في ( ابصار العين ) : كان زهير ممن جاء الى الحسين عليه السلام في الليلة العاشرة عندما رأى تصميم القوم على قتاله فانضم الى أصحابه وقتل في الحملة الاولى .
٣ ـ عثمان بن علي بن ابي طالب : قال الشيخ السماوي : ولد عثمان بعد اخيه عبد الله بنحو سنتين وامه فاطمة ام البنين ، وبقي مع اخيه الحسن نحو اربع عشرة سنة مع الحسين « ع » ثلاثاً وعشرين سنة وذلك مدة عمره .
وروى أبو الفرج عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال : انما سميته عثمان بعثمان بن مظعون (١) قال أهل السير : لما قتل عبد الله بن علي
__________
(١) عثمان بن مظعون من اجلاء الصحابة ، اسلم بعد ثلاثة عشر رجلاً وهاجر الهجرتين وشهد بدراً ، وكان اول رجل مات بالمدينة سنة اثنين من الهجرة وكان ممن حرم الخمرة على نفسه في الجاهلية ودفن في بقيع الغرقد بعد ان صلى عليه النبي ووضع حجراً على قبره وجعل يزوره .
دعا العباس عثمان ، وقال له تقدم يا أخي كما قال لعبد الله فتقدم الى الحرب يضرب بسيفه ويقول :
إني انا عثمان ذو المفاخر |
|
شيخي عليّ ذو الفعال الطاهر |
فرماه خولي بن يزيد الأصبحي فأوهطه (١) حتى سقط لجنبه فجاءه رجل من بني ابان بن دارم فقتله واحتز رأسه .
٤ ـ عمرو بن خالد الأسدي الصيداوي : كان شريفاً من اشراف الكوفة مخلص الولاء لأهل البيت ، قام مع مسلم حتى اذا خانته الكوفة لم يسعه إلا الاختفاء ، فلما سمع بقتل قيس بن مسهر وأنه أُخبر أن الحسين صار بالحاجر خرج اليه ومعه مولاه سعد ومجمع العائذي وابنه وجنادة بن الحرث السلماني واتبعهم غلام لنافع البجلي بفرسه المدعو ( الكامل ) فجنبوه وأخذوا دليلا لهم الطرماح بن عدي الطائي وكان جاء الى الكوفة يمتار لأهله طعاماً فخرج بهم على طريق متنكبة وسار سيراً عنيفاً من الخوف لأنهم علموا أن الطريق مرصود حتى اذا قاربوا الحسين عليه السلام حدا بهم الطرماح بن عدي فقال :
يا ناقتي لا تذعري من جزري |
|
وشمِّري قبل طلوع الفجر |
بخير ركبان وخير سفر |
|
حتى تحلِّي بكريم النجر |
الماجد الحر رحيب الصدر |
|
أتى به الله لخير أمر |
|
ثمَّة ابقاء بقاء الدهر |
|
فانتهوا الى الحسين وهو بعذيب والهجانات (٢) فسلموا عليه وانشدوه
__________
(١) اوهطه : اضعفه واثخنه بالجراحة وصرعه صرعة لا يقوم منها .
(٢) عذيب الهجانات موضع فوق الكوفة عن القادسية اربعة اميال . واضيفُ الى الهجانات لأن النعمان بن المنذر ملك الحيرة كان يجعل فيه ابله .
ادب الطف ـ ( ٦ )
الأبيات فقال عليه السلام : أما والله إني لأرجو أن يكون خيراً ما أراد الله بنا قتلنا أو ظفرنا .
٥ ـ بشر بن عمرو بن الأحدوث الحضرمي الكندي : قال السماوي كان بشر من حضرموت وعداده في كندة وكان تابعياً وله اولاد معروفون بالمغازي ، وكان بشر ممن جاء إلى الحسين أيام المهادنة ، وقال السيد الداودي لما كان اليوم العاشر من المحرم ووقع القتال قيل لبشر وهو في تلك الحال : إن ابنك عمراً قد أُسر في ثغر الري فقال عند الله احتسبه ونفسي ، ما كنت أحب أن يؤسر وأنا أبقى بعده ، فسمع الحسين « ع » مقالته فقال له : رحمك الله أنت في حل من بيعتي فاذهب واعمل في فكاك ابنك فقال له : أكلتني السباع حياً إن فارقتك يا أبا عبد الله . فقال له : فاعط ابنك محمداً ـ وكان معه ـ هذه الأثواب البرود يستعين بها في فكاك اخيه وأعطاه خمسة اثواب قيمتها الف دينار .
وقال السروي انه قتل في الحملة الاولى .
٦ ـ الحر الرياحي : وهو ابن يزيد بن ناجية بن قعنب بن عتَّاب ابن هرمي بن رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي اليربوعي الرياحى .
كان الحر شريفاً في قومه ، جاهلية واسلاما ، فان جده عتابا كان رديف النعمان . وولد عتاب قيساً وقعنباً ومات فردف قيس للنعمان ، ونازعه الشيبانيون ، فقامت بسبب ذلك حرب يوم الطخفة ، والحر هو ابن عم الأخوص الصحابي الشاعر ، وهو زيد بن عمرو بن قيس بن عتاب ، وكان الحر في الكوفة رئيساً ، ندبه ابن زياد لمعارضة الحسين ( ع ) فخرج في ألف فارس ( روى ) الشيخ ابن نما ان الحر لما أخرجه ابن زياد إلى الحسين وخرج من القصر ، نودى من خلفه ابشر يا حر بالجنة ، قال فالتفت فلم ير احداً فقال في نفسه ما هذه
البشارة وأنا أسير إلى حرب الحسين ، وما كان يحدث نفسه في الجنة ، فلما صار مع الحسين ، قصَّ عليه الخبر ، فقال له الحسين . لقد أصبت أجراً وخيراً ( روى ) ابو مخنف عن عبد الله بن سليم والمنذر ابن المشمعل الاسديين ، قالا كنا نساير الحسين فنزل شراف وأمر فتيانه باستقاء الماء والاكثار منه ، ثم ساروا صباحاً ، فرسموا (١) صدر يومهم حتى انتصف النهار فكبّر رجل منهم ، فقال الحسين : الله اكبر لِمَ كبرت قال رأيت النخل ( قالا ) فقلنا ان هذا المكان ما رأينا به نخلة قط ، قال فما تريانه رأى ، قلنا رأى هوادى الخيل ، فقال وانا والله ارى ذلك .
ثم قال الحسين : أما لنا ملجأ نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد ، قلنا بلى هذا ذو حُسم (٢) عن يسارك تميل اليه فان سبقت القوم ، فهو كما تريد فأخذ ذات اليسار ، فما كان بأسرع من أن طلعت هوادى الخيل (٣) فتبيناها فعدلنا عنهم فعدلوا معنا : كأن أسنتهم اليعاسيب (٤) وكأن راياتهم اجنحة الطير ، فسبقناهم إلى ذي حسم ، فضربت أبنية الحسين ( ع ) ، وجاء القوم فاذا الحر في ألف فارس فوقف مقابل الحسين في حرّ الظهيرة والحسين ( ع ) واصحابه معتمون متقلدوا أسيافهم ، فقال الحسين لفتيانه اسقوا القوم ورشّفوا الخيل ، فلما سقوهم ورشفوا خيولهم ، حضرت الصلوة . فأمر الحسين الحجاج ابن مسروق الجعفي . وكان معه أن يؤذن فأذّن وحضرت الاقامة فخرج الحسين في أزار وردآء ونعلين ، فحمد الله واثنى عليه ، ثم قال ايها الناس انها معذرة إلى الله واليكم اني لم آتكم حتى أتتني كتبكم
__________
(١) رسموا : اي ساروا الرسيم ، وهو نوع من السير معروف .
(٢) جبل معروف
(٣) هوادي الخيل : اوائلها واعناقها
(٤) جمع يعسوب : النحل
إلى آخر ما قال فسكتوا عنه فقال للمؤذن اقم فأقام ، فقال الحسين للحر أتريد أن تصلي بأصحابك قال لا بل بصلوتك فصلى بهم الحسين ثم دخل مضربه واجتمع اليه أصحابه ، ودخل الحر خيمة نصبت له واجتمع عليه أصحابه ، ثم عادوا إلى مصافهم فأخذ كل بعنان دابته ، وجلس في ظلها فلما كان وقت العصر امر الحسين بالتهيؤ للرحيل ؟ ونادى بالعصر وصلى بالقوم ثم انفتل من صلواته واقبل بوجهه على القوم فحمد الله واثنى عليه ، وقال ايها الناس ( اني لم آتكم حتى اتتني كتبكم ورسلكم فان كنتم على ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما اطمأن به من عهودكم ومواثيقكم وان كنتم على غير ذلك انصرفت إلى المكان الذي جئت منه فقال الحر إنا والله ما ندرى ما هذه الكتب التي تذكر ، فقال الحسين يا عقبة بن سمعان اخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليَّ فأخرج خرجين مملوين صحفاً فنشرها بين ايديهم ، فقال الحر فانا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك وقد أُمرنا إذا نحن لقيناك ان لا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله ، فقال الحسين الموت ادنى اليك من ذلك ، ثم قال لاصحابه اركبوا فركبوا ، وانتظروا حتى ركبت النساء ، فقال انصرفوا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف فقال الحسين للحر ثكلتك امك ما تريد ، قال اما والله لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل هذه الحالة التي انت عليها ما تركت امه بالثكل ان اقوله كائنا ما كان ، ولكن والله ما لي الى ذكر امك من سبيل الا بأحسن ما نقدر عليه ، فقال الحسين فما تريد ، قال اريد ان انطلق بك إلى عبيد الله ، فقال اذن لا اتبعك ، قال الحر اذن لا ادعك ؟ فترادا الكلام ثلث مرات ، ثم قال الحر اني لم اؤمر بقتالك ، وانما امرت أن لا افارقك حتى اقدمك الكوفة فان ابيت فخذ طريقاً لا تدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة تكون بيني وبينك نصفا حتى أكتب إلى ابن زياد وتكتب إلى يزيد ان شئت ، او إلى ابن زياد ان شئت فلعل الله ان
يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشيء من امرك ، ( قال ) فتياسر عن طريق العذيب والقادسية وبينه وبين العذيب ثمانية وثلثون ميلاً وسار والحر يسايره حتى اذا كان بالبيضة (١) ، خطب اصحابه ثم ركب فسايره الحر ، وقال له اذكرك الله يا ابا عبد الله في نفسك فاني أشهد لئن قاتلت لتقتلن ولئن قوتلت لتهلكن فيما أرى فقال له الحسين أفبالموت تخوفني وهل يعدو بكم الخطب ان تقتلوني ما ادرى ما أقول لك ولكني اقول كما قال اخو الاوس لإبن عمه حين لقيه وهو يريد نصرة رسول الله ( ص ) قال له اين تذهب فانك مقتول ؛ فقال :
سأمضي فما بالموت عار على الفتى |
|
إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما |
وآسي الرجال الصالحين بنفسه |
|
وفارق مثبورا (٢) وباعد مجرما |
أُقدم نفسي لا أريد لقاءها |
|
لتلقى خميساً في الهياج عرمرما |
فإن عشت لم اندم وإن مت لم الم |
|
كفى بك عاراً ان تلام وتندما |
فلما سمع ذلك الحر تنحى عنه حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات ، فاذا هم باربعة نفر يجنبون فرساً لنافع بن هلال ويدلهم الطرماح بن عدي ، فاتوا إلى الحسين ( ع ) وسلموا عليه فأقبل الحر ، وقال إن هؤلاء النفر الذين جائوا من أهل الكوفة ليسوا ممن اقبل معك ، وانا حابسهم أو رادّهم ، فقال الحسين ( ع ) لامنعهم مما أمنع منه نفسى انما هؤلاء انصاري واعواني ، وقد كنت اعطيتني ان لا تعرض لي بشيء حتى يأتيك جواب عبيد الله ، فقال اجل لكن لم يأتوا معك ، قال هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي ، فإن تممت على ما كان بيني وبينك وإلا ناجزتك قال فكف عنهم الحر ، ثم ارتحل الحسين ( ع ) من قصر بني مقاتل ، فأخذ يتياسر والحر يرده ، فاذا راكب على
__________
(١) البيضة بكسر الباء ما بين واقصة الي والعذيب .
(٢) الثبر : اللعن .
نجيب له وعليه السلاح فتنكب قوساً مقبل من الكوفة فوقفوا ينتظرونه جميعاً فلما انتهى اليهم سلم على الحر وترك الحسين فإذا هو مالك بن النسر البدي من كندة فدفع إلى الحر كتاباً من عبيد الله ، فاذا فيه ، اما بعد فجعجع بالحسين ( ع ) حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله إلا بالعرآء في غير حصن وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بانفاذك أمري والسلام ، فلما قرأ الكتاب جاء به إلى الحسين ( ع ) ومعه الرسول ، فقال هذا كتاب الأمير يأمرني أن أُجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه ، وهذا رسوله قد أمره ان لا يفارقني حتى أنفذ رأيه وأمره ، وأخذهم بالنزول في ذلك المكان ، فقال له دعنا ننزل في هذه القرية أو هذه أو هذه يعنى نينوى والغاضرية وشُفيّة فقال والله لا استطيع ذلك هذا الرجل بعث عليّ عينا ، فنزلوا هناك ( قال ) ابو مخنف لما اجتمعت الجيوش بكربلاء لقتال الحسين جعل عمر بن سعد على ربع المدينة عبد الله بن زهير بن سليم الازدي ، وعلى ربع مذحج واسد عبد الرحمن بن ابي سبرة الجعفي ، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث ، وعلى ربع تميم وهمدان الحر بن يزيد ، وعلى الميمنة عمرو ابن الحجاج ، وعلى الميسرة شمر بن ذي الجوشن ، وعلى الخيل عزرة ابن قيس وعلى الرجالة شبث بن ربعى ، واعطى الراية مولاه دريدا فشهد هؤلاء كلهم قتال الحسين ، إلا الحر فانه عدل اليه وقُتل معه ( قال ) ابو مخنف : ثم ان الحر لما زحف عمر بن سعد بالجيوش ، قال له اصلحك الله امقاتل أنت هذا الرجل ، فقال اي والله قتالا ايسره أن تسقط الرؤوس ، وتقطع الايدي ، قال افمالك في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضا ، فقال اما والله لو كان الأمر إليّ لفعلت . ولكن اميرك قد ابى ، فأقبل الحر حتى وقف من الناس موقفاً ومعه قرة بن قيس الرياحي فقال يا قرة هل سقيت فرسك اليوم
قال لا ، قال اما تريد ان تسقيه ، قال فظننت والله انه يريد ان يتنحى فلا يشهد القتال ، وكره ان اراه حين يصنع ذلك فيخاف ان ارفعه عليه ، فقلت انا منطلق فساقيه ، قال : فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه ، فوالله لو اطلعني على الذي يريد لخرجت معه ، قال : فأخذ يدنو من الحسين قليلاً قليلاً ، فقال له المهاجر بن اوس الرياحي ، ما تريد يا بن يزيد ، اتريد أن تحمل ، فسكت وأخذه مثل العروآء (١) : فقال له يا بن يزيد ، ان أمرك لمريب وما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن ، ولو قيل لي من اشجع اهل الكوفة رجلاً ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك ، قال اني والله اخير نفسي بين الجنة والنار ، ووالله لا أختار على الجنة شيئاً ، ولو قطعت وحرقت . ثم ضرب فرسه ولحق بالحسين ، فلما دنا منهم ، قلب ترسه فتالوا مستأمن ، حتى اذا عرفوه ، سلم على الحسين ، وقال جعلني الله فداك يابن رسول الله انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق ، وجعجعت بك في هذا المكان . والله الذي لا اله إلا هو ، ما ظننت ان القوم يردون عليك ما عرضت عليهم ابدا ، ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، فقلت في نفسي لا ابالي ان اصانع القوم في بعض أمرهم ولا يظنون اني خرجت من طاعتهم واما هم فسيقبلون من الحسين هذه الخصال التي يعرض عليهم ، ووالله اني لو ظننتهم لا يقبلونها منك ، ما ركبتها منك واني قد جئتك تائباً مما كان مني إلى ربى ، ومواسياً لك بنفسي حتى أموت بين يديك ، افترى لي توبة ، قال نعم ، يتوب الله عليك ويغفر لك ، فانزل . قال : انا لك فارساً خير منى راجلا . اقاتلهم على فرسي ساعة ، وإلى النزول ما يصير آخر أمري ، قال فاصنع ما بدا لك ، فاستقدم امام اصحابه ، ثم قال ايها القوم اما تقبلون من حسين هذه الخصال التي عرض عليكم ،
__________
(١) العروآء بالعين المضمونة والراء المهملة المفتوحة : قوة الحمى ورعدتها
فيعافيكم الله من حربه ، قالوا فكلم الأمير عمر ، فكلمه بما قال له من قبل وقال لأصحابه ، فقال عمر : قد حرصت ، ولو وجدت إلى ذلك سبيلاً فعلت فالتفت الحر إلى القوم وقال : يا أهل الكوفة ، لامكم الهبل والعبر (١) دعوتم ابن رسول الله ( ص ) ، حتى إذا أتاكم اسلمتموه ؟ وزعمتم انكم قاتلوا أنفسكم دونه ، ثم عدوتم عليه لتقتلوه امستكم بنفسه ، وأخذتم بكظمه ، وأحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه في بلاد الله العريضة . حتى يأمن ويامن أهل بيته ، فأصبح في ايديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع ضرا ، حلأتموه ونسائه وصبيته واصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والنصراني . وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه ، فها هم قد صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمدا ( ص ) في ذريته ، لا سقاكم الله يوم الظمأ ان لم تتوبوا وتنزعوا عما انتم عليه ، من يومكم هذا ، في ساعتكم هذه . فحملت عليه رجال ، ترميه بالنبل ، فأقبل حتى وقف امام الحسين « ع » ( وروى ) ابو مخنف أن يزيد بن سفيان الثغري من بني الحرث بن تميم ، كان قال : اما والله لو رأيت الحر ، حين خرج ، لاتبعته السنان . قال : فبينا الناس يتجاولون ويقتتلون والحر بن يزيد يحمل على القوم مقدما ، ويتمثل بقوله عنترة :
ما زلت ارميهم بثغرة نحره |
|
ولبانه حتى تسربل بالدم |
وان فرسه لمضروب من اذنيه وحاجبيه ، وان دمائه لتسيل ، فقال الحصين بن تميم التميمي ليزيد بن سفيان ، هذا الحر الذي كنت تتمنى ، قال نعم وخرج اليه فقال له هل لك يا حر في المبارزة ، قال نعم قد شئت فبرز له قال الحصين ، وكنت انظر اليه فوالله لكان نفسه كانت في يد الحر ، خرج اليه فما لبث أن قتله ، ( وروى )
__________
(١) العبر كصبر بمعنى الثكل
ابو مخنف عن ايوب بن مشرح الخيواني انه كان يقول جال الحر على فرسه ، فرميته بسهم . فحشاته فرسه فما لبث إذ أُرعد الفرس واضطرب وكبا ، فوثب عنه الحر ، كأنه ليث والسيف في يده ، وهو يقول :
ان تعقروا بي فأنا ابن الحر |
|
أشجع من ذي لبد هزبر |
( قال ) فما رأيت أحد قط يفرى فريه ( قال ) ابو مخنف ولما قتل حبيب أخذ الحر يقاتل راجلاً وهو يقول :
آليتُ لا أقتل حتى أقتلا |
|
ولن أصاب اليوم إلّا مقبلا |
أضربهم بالسيف ضربا مفصلا |
|
لا ناكلاً فيهم ولا مهللا |
ويضرب فيهم ويقول :
اني انا الحر ومأوى الضيف |
|
اضرب في اعراضكم بالسيف |
|
عن خير من حلّ بأرض الخيف |
|
ثم أخذ يقاتل هو وزهير قتالاً شديداً ، فكان إذا شد احدهما واستلحم : شد الآخر حتى يخلصه ، ففعلا ذلك ساعة ، ثم شدت جماعة على الحر ، فقتلوه . فلما صرع وقف عليه الحسين عليه السلام ، وقال له انت كما سمتك امك الحر ، حر في الدنيا وسعيد في الآخرة ، وفيه يقول عبيد الله بن عمرو الكندى البدى .
سعيد بن عبد الله لا تنسينّه |
|
ولا الحر اذ آسى زهيراً على قسر |
أقول وكان الحر أول من قتل من أصحاب الحسين « ع » في المبارزة .
واما الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، صاحب الأبيات ، قتل يوم الحرة مع عسكر أهل المدينة في ذي الحجة سنة ٦٣ ، قال الطبري في تاريخه ان الفضل جاء الى عبد الله بن حنظلة الغسيل فقاتل في نحو من عشرين فارساً قتالاً شديداً حسناً ، ثم قال لعبد الله مُر مَن معك فارسا فليأتني فليقف معي فاذا حملت فليحملوا فوالله لا انتهي حتى ابلغ مسلماً فاما ان اقتله وإما ان أقتل دونه ، فقال عبد الله بن حنظله لرجل ناد في الخيل فلتقف مع الفضل ابن العباس فنادى فيهم فجمعهم إلى الفضل فلما اجتمعت الخيل اليه حمل على أهل الشام فانكشفوا ، فقال لأصحابه الا ترونهم كشفا لئاما احملوا اخرى جعلت فداكم فوالله لئن عاينت اميرهم لاقتلنه أو لاقتلن دونه إن صبر ساعة معقب سروراً إنه ليس بعد الصبر إلا النصر ، ثم حمل وحمل أصحابه معه فانفرجت خيل أهل الشام عن مسلم بن عقبة ، وبقي في نحو من خمسمائة راجل جثاة على الركب مشرعي الأسنة نحو القوم ومضى كما هو نحو رايته حتى يضرب رأس صاحب الراية وإن عليه لمغفراً فقط المغفر وفلق هامته فخر ميتاً ، فقال خذها وانا ابن عبد المطلب فظن انه قتل مسلما ، فقال قتلت طاغية القوم ورب الكعبة ، فما قتل مسلم وانما كان ذلك غلاماً له يقال له رومي وكان شجاعاً فأخذ مسلم رايته وانبّ اهل الشام وحرضهم وتهددهم وشدت تلك الرجالة امام الراية فصرع الفضل بن عباس فقتل وما بينه وبين اطناب مسلم بن عقبة إلا نحو من عشرة اذرع وفي رواية ان مسرف ابن عقبة كان مريضاً يوم القتال وانه أمر بسرير وكرسي فوضع بين الصفين وقال يا أهل الشام قاتلوا عن أميركم أو دعوا ، ثم زحفوا نحوهم فحمل الفضل بن العباس بن ربيعة هو واصحابه حتى انتهى إلى السرير فوثبوا اليه فطعنوه حتى سقط .
١١ ـ كعب بن جابر الأزدي :
كان كعب بن جابر الازدي (١) ممن قاتل الحسين عليه السلام وهو الذي قتل برير بن خضير الهمداني رحمه الله ، فقالت له اخته النوار بنت جابر : أعنت على ابن فاطمة وقتلت سيّد الغراء ، لقد أتيت عظيماً من الأمر ، والله لا اكلمك من رأسي كلمة ابداً ، فقال كعب :
سلي ُتخبري عني وأنتِ ذميمة |
|
غداة حسينٌ والرماح شوارعُ |
ألم آتِ أقصى ما كرهت ولم يخل |
|
عليّ غداة الروع ما أنا صانع |
معي يزنيِّ لم تخنْه كعوُبه |
|
|
|
وابيض مشخوب (٢) الفرارين قاطع |
|
فجردته في عصبة ليس دينهم |
|
بديني وإني بابن حرب لقانع |
ولم ترَ عيني مثلهم في زمانهم |
|
ولا قبلهم في الناس إذ أنا يافع |
أشدّ قراعاً بالسيوف لدى الوغى |
|
ألا كل من يحمي الذمار مقارع |
وقد صبروا للطعن والضرب حسراً |
|
|
|
وقد نازلوا لو أنّ ذلك نافع |
|
فابلغ عبيد الله إما لقيته |
|
بأني مطيع للخليفة سامع |
قتلتُ بريراً ثم حملت نعمةً |
|
أبا منقذ لما دعا من يماصع |
__________
(١) في الاعلام للزركلي : كعب بن جابر ، شاعر كان مع عبيد الله بن زياد يوم مقتل الحسين وله في ذلك ابيات اولها :
سلي تخبري عني وانت ذميمة |
|
غداة حسين والرماح شوارع |
رواها المرزباني في كتابه ص ٣٤٥ ؛ وقال : توفى نحو ٦٦ هـ ، ٦٨٥ م ، وروي الطبري بعضها في الجزء ٦ ص ٢٤٧ .
(٢) مشخوب : مصقول .
قال فبلغت ابياته رضي بن منقذ فقال مجيباً له يرد عليه .
فلو شاء ربي ما شهدت قتالهم |
|
ولا جعل النعماء عندي ابن جابر |
لقد كان ذاك اليوم عاراً وسُبّة |
|
يعيّره الابناء بعد المعاشر |
فيا ليت اني كنت من قبل قتله |
|
ويوم حسين كنت في رمس قابر |
فيا سوءتا ماذا أقول لخالقي |
|
وما حجتي يوم الحساب القماطر |
قال الطبري حمل اصحاب الحسين عليه السلام ، وفيهم برير بن خضير الهمداني (١) فحمل عليه رضي بن منقذ العبدي فاعتنق بريراً فاعتركا ساعة ثم ان بريراً صرعه وقعد على صدره ، فجعل رضي يصيح بأصحابه : اين اهل المصاع (٢) والدفاع فذهب كعب بن جابر الازدي ليحمل عليه فقلت له ان هذا برير بن خضير القارىء الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد فلم يلتفت لعذلي وحمل عليه بالرمح حتى وضعه في ظهره ، فلما وجد برير مسّ الرمح ، برك على رضي يعض انفه حتى قطعه وانفذ الطعنة كعب حتى القاه عنه وقد غيب السنان في ظهره ثم اقبل يضربه بسيفه حتى برد ، فكأني انظر إلى رضي قام ينفض التراب عنه ويده على انفه وهو يقول : انعمت عليّ يا اخا الأزد نعمةً لا انساها ابداً .
__________
(١) برير بن خضير من شيوخ القراء ومن اصحاب امير المؤمنين عليه السلام وموقفه يوم الطف من اجل المواقف تنبىء خطبه عن شدة ايمانه وبصيرته في دينه . وقد احتج يوم عاشوراء على اهل الكوفة بخطبة يذكرها التاريخ . قال اهل السير كان برير شريفاً ناسكاً شجاعا قارئا للقرآن ، وكان من أهل الكوفة من الهمدانيين ، قتل مع الحسين عليه السلام بكربلاء سنة ٦١ هـ .
(٢) أي أهل القتال والجلاد .
١٢ ـ عبيد الله بن الحر الجعفي :
يبيتُ النشاوي من أمية نوّماً |
|
وبالطف قتلي لا ينامُ حميمها |
وما ضيّع الاسلام الا قبيلة |
|
تأمّر نوكاها (١) ودام نعيمها |
وأضحت قناة الدين في كف ظالم |
|
إذا اعوجَّ منها جانب لا يقيمها |
فأقسمت لا تنفك نفسي حزينة |
|
وعيني لا تبكي لا يجف سجومها |
حياتي أو تلقى أمية خزية |
|
يذل لها حتى الممات قرومها |
__________
(١) جمع انوك وهو الاحمق .
جاء في نفس المهموم : وسار الحسين « ع » حتى نزل قصر بني مقاتل (١) فاذا فسطاط مضروب ورمح مركوز وخيول مضمرة ، فقال الحسين : لمن هذا الفسطاط قالوا لعبيد لله بن الحر الجعفي فأرسل اليه الحسين رجلاً من أصحابه يقال له الحجاج بن مسروق الجعفي فأقبل فسلم عليه فرد عليه السلام ثم قال : ما وراءك ؟ فقال : ورائي يا بن الحر أن الله قد أهدى اليك كرامة إن قبلتها فقال وما تلك الكرامة ، فقال هذا الحسين بن علي يدعوك الى نصرته فان قاتلت بين يديه أجرت ، وإن قُتلت بين يديه استشهدت فقال له عبيد الله بن الحر والله يا حجاج ما خرجت من الكوفة الا مخافة أن يدخلها الحسين وانا فيها ولا أنصره لأنه ليس في الكوفة شيعة ولا أنصار الا مالوا الى الدنيا إلا من عصم منهم فارجع اليه فأخبره بذلك ، فجاء الحجاج وأخبر الحسين فدعا عليه السلام بنعليه فلبسهما وأقبل حتى دخل على ابن الحر فلما رآه قد دخل وسلم ، وثب عبيد الله وتنحى عن صدر مجلسه وقبّل يديه ورجليه وجلس الحسين « ع » ثم قال : يا بن الحر ما يمنعك أن تخرج معي قال : أحب أن تعفيني من الخروج معك وهذه فرسي المحلقة فاركبها فوالله ما طلبت عليها شيئاً الا ادركته ولا طلبني احد إلا فتّه حتى تلحق بمأمنك وأنا ضمين لك بعيالاتك أوديهم اليك أو اموت انا وأصحابي دونهم .
قال الحسين : أهذه نصيحة منك قال نعم والله ، قال : إني سأنصحك كما نصحتني مهما استطعت أن لا تسمع واعيتنا فوالله لا يسمع اليوم واعيتنا أَحد ثم لا يعيننا إلا كبه الله على منخريه في النار قال عبيد الله بن الحر دخل عليَّ الحسين ولحيته كأنها جناح غراب فوالله
__________
(١) قال السيد المقرم ينسب القصر الى مقاتل بن حسان بن ثعلبة ، وساق نسبه الحموي في المعجم الى امريء القيس بن زيد بن مناة بن تميم ، يقع بين عين التمر والقطقطانة والقريات خربه عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس ثم جدده .
ما رأيت أحداً أملأ للعين ولا أهيب في القلب منه ولا والله ما رققت على أحد قط رقتي على الحسين حين رأيته يمشي وأطفاله حواليه .
وروى مسنداً عنه أنه سأل الحسين عن خضابه فقال « ع » : اما أنه ليس كما ترون انما هو حنا وكتم ، وفي خزانة الأدب للبغدادي في ج ١ ص ٢٩٨ أنه سأل الحسين : أسواد أم خضاب ، قال يابن الحر عجل علي الشيب ، فعرفت أنه خضاب .
وجاء في رجال السيد بحر العلوم . عبيد الله بن الحر بن المجمع بن الخزيم الجعفي من أشراف الكوفة عربي صميم وليس من اخوة أديم ، موالي جعفي . ذكر النجاشي في اول كتابه : عبيد الله بن الحر الفارس الفاتك الشاعر ، وعده من سلفنا الصالحين المتقدمين في التصنيف وقال : له نسخة يرويها عن امير المؤمنين عليه السلام . قال السيد بحر العلوم : والعجب منه ـ رحمه الله ـ كيف عدّ هذا من سلفنا الصالح وهو الذي خذل الحسين وقد مشى اليه يستنصره فأبى أن ينصره وعرض عليه فرسه لينجو عليها ـ فأعرض عنه الحسين وقال : لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك وما كنت متخذ المضلين عضدا .
ثم أنه قام مع المختار في طلب الثأر ورجع مغاضباً لابراهيم بن الاشتر حيث استقل العطاء ، وأغار على سواد الكوفة فنهب القرى وقتل العمال واخذ الاموال ومضى الى مصعب بن الزبير .
وقصته معروفة .
وقال : كان قائداً من الشجعان الأبطال ، وكان من أصحاب عثمان ابن عفان ، فلما قتل عثمان انحاز الى معاوية فشهد معه صفين وأقام عنده إلى أن قتل علي عليه السلام فرحل الى الكوفة ، فلما كانت فاجِعة الحسين تغيب ولم يشهد الوقعة فسأل عنه ابن زياد ـ كما مر ـ
ثم التفَّ حول مصعب وقاتل المختار ثم خاف مصعب أن ينقلب عليه عبيد الله فحبسه وأطلقه بعد أيام بشفاعة من مذحج فحقدها عليه وخرج مغاضباً فوجه اليه مصعب رجال يراودونه على الطاعة ويعدونه بالولاية ، وآخرين يقاتلونه فرد اولئك وهزم هؤلاء واشتدت عزيمته ، وكان معه ثلثمائة مقاتل فامتلك تكريت وأغار على الكوفة . وأعيى مصعباً امره ، ثم تفرق عنه جمعه بعد معركة ، وخاف أن يؤسر فألقى نفسه في الفرات فمات غريقاً . وكان شاعراً فحلا ثابت الايمان قال لمعاوية يوماً : ان علياً على الحق وأنت على الباطل وهذا يدل على صحة اعتقاده لا سيما ما أظهره من شدة ندمه وتحسره ـ نظماً ونثراً على تركه لنصرة الحسين « ع » ليفوز بجنات النعيم وطيبها .
ومن اخذه بالثأر مع المختار قالوا وتداخله من الندم شيء عظيم حتى كادت نفسه تفيض .
والرجل صحيح الاعتقاد سيىء العمل ، وقد يرجى له النجاة بحسن عقيدته وبحنو الحسين عليه السلام وتعطفه عليه ، حيث أمره بالفرار من مكانه حتى لا يسمع الواعية ، فيكبه الله على وجهه في النار والله أعلم بحقيقة حاله . انتهى كلام السيد بحر العلوم رحمه الله .
وقال الشيخ نجم الدين ـ من أحفاد ابن نما ـ في رسالته ( ذوب النضار في شرح الثأر ) : وكان عبيد الله بن الحر الجعفي من أشراف الكوفة ، وكان قد مشى اليه الحسين « ع » وندبه الى الخروج معه فلم يفعل ثم تداخله الندم حتى كادت نفسه تفيض ، فقال :
فيا لك حسرة نادمتُ حياً |
|
تردُّد بين حلقي والتراقي |
حسين حين يطلبْ بذل نصري |
|
على أهل الضلالة والنفاق |
غداة يقول لي بالقصر قولاً |
|
أتتركنا وتزمع بالفراق |
ولو أني اواسيه بنفسي |
|
لنلت كرامة يوم التلاق |
مع ابن المصطفى نفسي فداه |
|
تولى ثم ودّع بانطلاق |
فلو فلق التلهف قلبَ حي |
|
لهمَّ اليوم قلبي بانفلاق |
فقد فاز الاولى نصروا حسيناً |
|
وخاب الآخرون الى النفاق |
جاء في التاريخ الكامل ج ٤ ص ٢٣٧ حوادث سنة ٦٨ وهي السنة التي مات فيها ابن الحر قال :
لما مات معاوية وقتل الحسين « ع » لم يكن عبيد الله بن الحر الجعفي فيمن حضر قتله . تغيب عن ذلك تعمداً فلما قتل جعل ابن زياد يتفقد الأشراف من أهل الكوفة فلم يرَ عبيد الله بن الحر ثم جاءه بعد أيام حتى دخل عليه فقال له : أين كنت يا بن الحر ؟ قال كنت مريضاً ، قال مريض القلب أم مريض البدن فقال أما قلبي فلم يمرض ، وأما بدني فلقد منّ الله علي بالعافية ، فقال ابن زياد كذبت ولكنك كنت مع عدونا ، فقال : لو كنت معه لرؤي مكاني . وغفل عنه ابن زياد فخرج وركب فرسه ، ثم طلبه ابن زياد فقالوا ركب الساعة ، فقال : عليَّ به ، فاحضر الشرطة خلفه ، فقالوا : أجب الأمير فقال : أبلغوه اني لا آتي اليه طائعاً أبداً ، ثم أجرى فرسه وأتى منزل أحمد بن زياد الطائي فاجتمع اليه اصحابه ثم خرج حتى أتى كربلاء فنظر الى مصارع الحسين « ع » ومن قتل معه فاستغفر لهم ثم مضى الى المدائن فقال في ذلك :
يقول أمير غادر وابن غادر |
|
الأبيات |
وقال السيد المقرم في ( المقتل ) : وفي أيام عبد الملك سنة ٦٨ قتل عبيد الله بالقرب من الأنبار ، وفي أنساب الاشراف ج ٥ ص ٢٩٧
ادب الطف ـ ( ٧ )
قاتله عبيد الله بن العباس السلمي من قبل القباع ولما أثخن بالجراح ركب سفينة ليعبر الفرات وأراد أصحابه عبيد الله أن يقبضوا السفينة فأتلف نفسه في الماء خوفاً منهم وجراحاته تشخب دماً ، ويذكر ابن حبيب في ( المحبّر ) ان مصعب بن الزبير نصب رأس عبيد الله بن الحر الجعفي بالكوفة . وفي جمهرة أنساب العرب لابن حزم أن أولاد عبيد الله بن الحر هم : صدقة ، وبرة ، والاشعر ، شهدوا واقعة الجماجم مع ابن الاشعث .
ومن شعره الذي أظهر به الندم على عدم نصرة الحسين « ع » :
يقول أمير غادر وابن غادر |
|
ألا كنت قاتلت الحسين بن فاطمة |
ونفسي على خذلانه واعتزاله |
|
وبيعة هذا الناكث العهد لاثمه |
فيا ندمي أن لا أكون نصرته |
|
ألا كل نفس لا تسدد نادمه |
وإني لأني لم أكن من حماته |
|
لذو حسرة ما ان تفارق لازمه |
سقى الله أرواح الذين تبادروا |
|
الى نصره سقياً من الغيث دائمه |
وقفت على أجداثهم ومحالهم |
|
فكاد الحشى ينقض والعين ساجمه |
لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى |
|
سراعاً إلى الهيجا حماة خضارمه |
تآسوا على نصر ابن بنت نبيهم |
|
بأسيافهم آساد غيل ضراغمه |
فان يقتلوا في كل نفس بقية |
|
على الأرض قد أضحت لذلك واجمه |
وما ان رأى الراؤون أفضل منهم |
|
لدى الموت سادات وزهر قماقمه |
يقتِّلهم ظلماً ويرجو ودادنا |
|
فدع خطة ليست لنا بملائمه |
لعمري لقد راغمتمونا بقتلهم |
|
فكم ناقم منا عليكم وناقمه |
أهمّ مراراً أن أسير بجحفلٍٍ |
|
الى فئة زاغت عن الحق ظالمه |
فكفوا والا ذدتكم في كتائب |
|
أشد عليكم من زحوف الديالمه |
ولما بلغ ابن زياد هذه الأبيات طلبه فقعد على فرسه ونجا منه . وأقام ابن الحر بمنزله على شاطىء الفرات إلى أن مات يزيد .
ومن شعره الذي يتأسف به على عدم نصرة الحسين « ع » :
ولما دعا المختار للثأر أقبلت |
|
كتائب من أشياع آل محمدِ |
وقد لبسوا فوق الدروع قلوبهم |
|
وخاضوا بحار الموت في كل مشهد |
هم نصروا سبط النبي ورهطه |
|
ودانوا بأخذ الثأر من كل ملحد |
ففازوا بجنات النعيم وطيبها |
|
وذلك خير من لجينٍ وعسجد |
ولو أننى يوم الهياج لدى الوغى |
|
لأعملت حد المشرفيّ المهند |
ووا أسفا إذ لم أكن من حماته |
|
فأقتل فيهم كل باغ ومعتد |
وكل هذا يخبر عن ندامته على قعوده عن نصرة سيد الشهداء ، قال صاحب نفس المهموم : وحكى ايضاً أنه كان يضرب يده على الأخرى ويقول ما فعلت بنفسي ويردد هذه الأشعار .
وقال الشيخ القمي في نفس المهموم : ثم أن بيت بني الحر الجعفي من بيوت الشيعة وهم اديم وأيوب وزكريا من أصحاب الصادق ذكرهم النجاشي وأثبت لأديم وايوب أصلاً ووثقهما ولزكريا كتابا .
وقال الشيخ عباس القمي في الكنى : ابن الحر الجعفي هو عبيد الله ابن الحر الفارس الفاتك ، له نسخة يرويها عن أمير المؤمنين « ع » قتل سنة ٦٨ ، وعن كتاب الاعلام قال في ترجمته ، وكان معه ثلثمائة مقاتل وأغار على الكوفة وأعيى مصعباً امره ثم تفرق عنه جمعه فخاف أن يؤسر فألقى نفسه في الفرات فمات غريقاً ، وكان شاعراً فحلاً .
وقال السيد الأمين في الأعيان ، ومن شعره :
يخوِّفني بالقتل قومي وإنما |
|
أموت اذا جاء الكتاب المؤجلُ |
لعل القنا تدني بأطرافها الغنى |
|
فنحى كراماً او نموت فنقتل |
وإِنك إن لا تركب الهول لا تنل |
|
من المال ما يكفي الصديق ويفضل |
إِذا القرن لاقاني وملَّ حياته |
|
فلست ابالي أيّنا مات أول |
١٣ ـ ابو الاسود الدؤلي :
ابو الأسود الدؤلي يرثي الحسين بن علي عليهما السلام ومن أُصيب معه من بني هاشم :
أقول لعاذلتي مرّةً |
|
وكانت على ودّنا قائمه |
إذا أنتِ لم تبصري ما أري |
|
فبيني وأنتِ لنا صارمه |
ألستِ ترينَ بني هاشم |
|
قد افنتهمو الفئة الظالمه |
فانت تزينتهم بالهدى |
|
وبالطف هام بني فاطمه |
فلو كنت راسخة في الكتا |
|
ب بالاحزاب خابرة عالمه (١) |
علمتِ بأنهّم معشر |
|
لهم سبقت لعنة جاثمه |
سأجعل نفسي لهم جُنّةً |
|
فلا تكثري لي من اللائمه |
أُرجيّ بذلك حوض الرّسو |
|
ل والفوز والنّعمة الدّائمه |
لتهلكَ إن هلكتْ برّةً |
|
وتخلص إن خلصت غانمه |
وقال ايضاً يرثيه ويحرض على ثأره :
يا ناعي الدين الذي ينعي التقى |
|
قم فانعه والبيت ذا الاستارِ |
أبني عليٍ آل بيت محمدٍٍ |
|
بالطّف تقتلهم جفاةُ نزارِ |
سبحان ذا العرش العليِّ مكانه |
|
أنى يكابره ذووا الاوزار |
__________
(١) وفي نسخة : وبالحرب خابرة عالمة
(٢) ديوان ابي الاسود
أبني ( قشيرٍ ) إنني ادعوكمو |
|
للحق قبل ضلالة وخسار |
كونوا لهم جنناً وذودوا عنهمو |
|
أشياعَ كل منافق جبار |
وتقدموا في سهمكم من هاشم |
|
خير البرية في كتاب الباري |
بهمو اهتديتم فاكفروا إن شئتمو |
|
وهمو الخيار وهم بنو الاخيار (١) |
وقال :
أقول وذاك من جزع ووجد |
|
أزال الله ملك بني زياد |
وأبعدهم بما غدروا وخانوا |
|
كما بعدت ثمود وقوم عاد |
ولا رجعت ركائبهم اليهم |
|
الى يوم القيامة والتناد (٢) |
__________
(١) ديوان ابي الاسود .
(٢) تاريخ ابن عساكر ج ٧ ص ٢١٦ .
الشاعر
أبو الأسود الدؤلي ـ ظالم بن عمرو :
ذكره المرزباني في شعراء الشيعة وقال : كان من قدماء التابعين وكبرائهم ، وكان شاعراً مجيداً وكان شيعياً ، وعدَّه ابن شهراشوب من شعراء أهل البيت المقتصدين .
توفي عام ٦٩ هـ بالبصرة بالطاعون (١) الجارف وعمره ٨٥ سنة . قال ابن بدران في تهذيب ابن عساكر قال الواقدي : كان ابو الأسود ممن أسلم على عهد رسول الله وقاتل مع علي « ع » يوم الجمل وكان علوياً وأبو الاسود معدود من التابعين ، والفقهاء ، والشعراء ، والمحدثين ، والأشراف والفرسان ، والامراء ، والدهاة ، والنحويين والحاضري الجواب ، والشيعة ، والبخلاء .
وهو واضع علم النحو بارشاد من امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، ومن أراد تفصيل ذلك فليرجع الى الكتب المؤلفة في هذا الفن ، وقد جمع الاستاذ المعاصر عبد الكريم الدجيلي ديوان ابو الاسود الدؤلي وحققه وشرحه وكتب عن حياة أبي الاسود وقام بطبعه فشكراً له على هذه الخدمة الادبية .
وفي الاعيان قال : هاجر ابو الأسود الى البصرة على عهد عمر بن الخطاب .
ومن شعر أبي الأسود مشيراً الى امير المؤمنين عليه السلام :
__________
(١) قال الذهبي في تاريخ الاسلام عند ذكر سنة ٦٩ قال المدائني حدثني من ادرك الطاعون الجارف قال ثلاثة ايام جرف فيها الناس فمات فيها في كل يوم نحو سبعين الفا حتى عجز الناس عن دفن الموتى فكانت الوحوش تدخل البيوت فتصيب منهم .
حسدوا الفتى اذ لم ينالوا سعيه |
|
فالقوم أعداءٌ له وخصومُ |
كضرائر الحسناء قلن لوجهها |
|
حسداً وبغياً إنه لدميم |
والوجه يشرق في الظلام كأنه |
|
بدر منير والسماء نجوم |
وكذاك من عظمت عليه نعمة |
|
حسّاده سيف عليه صروم |
فاترك مجاراة السفيه فانها |
|
ندم وغبٌ بعد ذاك وخيم |
وإذا جريت مع السفيه كما جرى |
|
فكلاكما في جريه مذموم |
واذا عتبت على السفيه ولمته |
|
في مثل ما يأتي فأنت ظلوم |
يا أيها الرجل المعلم غيره |
|
هلا لنفسك كان ذا التعليم |
لا تنه عن خلق وتأتي مثله |
|
عارٌ عليك اذا فعلت عظيم |
ابدأ بنفسك وأنهها عن غيها |
|
فاذا انتهت عنه فأنت حكيم |
فهناك يقبل ما وعظت ويُقتدى |
|
بالرأي منك وينفع التعليم |
تصف الدواءَ وأنت أولى بالدوا |
|
وتعالج الغواة بشجوه مغموم |
وكذاك تلقح بالرشاد عقولنا |
|
أبداً وأنتَ من الرشاد عقيم |
ويل الشجيّ من الخليّ فانه |
|
نصب الغواة بشجوه مغموم |
وترى الخلي قرير عين لاهياً |
|
وعلى الشجي كآبة وهموم |
ويقول ما لك لا تقول مقالتي |
|
ولسان ذا طلق وذا مكضوم |
لاتكلمنْ عرض ابن عمك ظالماً |
|
فاذا فعلت فعرضك المكلوم |
وحريمه ايضاً حريمك فاحمه |
|
كيلا يباح لديك منه حريم |
واذا اقتضضت من ابن عمك كلمة |
|
فكلامه لك ان فعلت كلوم |
واذا طلبت الى كريم حاجةً |
|
فلقاؤه يكفيك والتسليم |
فإذا رآك مسلّماً ذكر الذي |
|
حمَّلته فكأنه محتوم |
فارج الكريم وان رأيت جفاءه |
|
فالعتب منه والفعال كريم |
وعجبت للدنيا ورغبة أهلها |
|
والرزق فيما بينهم مقسوم |
والاحمق المرزوق احمق من ارى |
|
من اهلها والعاقل المحروم |
ثم انقضى عجبي لعلمي انه |
|
قدر مواف وقته معلوم |
وقال في رثاء أمير المؤمنين عليه السلام :
ألا يا عين ويحك فاسعدينا |
|
ألا فابك أميرَ المؤمنينا |
رُزئنا خير من ركب المطايا |
|
وخيّسها ومن ركب السفينا |
ومن لبس النعال ومن حذاها |
|
ومن قرأ المثاني والمئينا |
فكل مناقب الخيرات فيه |
|
وحب رسول رب العالمينا |
وكنا قبل مقتله بخير |
|
نرى مولى رسول الله فينا |
يقيم الدين لا يرتاب فيه |
|
ويقضي بالفرائض مستبينا |
ويدعو للجماعة من عصاه |
|
وينهك قطع ايدي السارقينا |
وليس بكاتم علماً لديه |
|
ولم يخلق من المتجبرينا |
ألا أبلغ معاوية بن حرب |
|
فلا قرّت عيون الشامتينا |
أفي شهر الصيام فجعتمونا |
|
بخير الناس طراً أجمعينا |
ومن بعد النبي فخير نفس |
|
ابو حسن وخير الصالحينا |
لقد علمت قريش حيث كانت |
|
بأنك خيرها حسباً ودينا |
إذا استقبلت وجه أبي حسين |
|
رأيت البدر راع الناظرينا |
كأن الناس اذ فقدوا علياً |
|
وحسن صلاته في الراكعينا |
فلا والله لا أنسى علياً |
|
نعامٌ جال في بلدٍ سنينا |
تبكِّي أُمَّ كلثوم عليه |
|
بعبرتها وقد رأت اليقينا |
ولو انا سُئلنا المال فيه |
|
بذلنا المال فيه والبنينا |
فلا تشمت معاوية بن حرب |
|
فانّ بقية الخلفاء فينا |
وأجمعنا الامارة عن تراض |
|
إلى ابن نبينا وإلى أخينا |
وإن سراتنا وذوي حجانا |
|
تواصوا أن نجيب إذا دعينا |
بكل مهند عضبٍ وجردٍ |
|
عليهن الكماة مسومينا |
وروى ابن قتيبة في الشعر والشعراء قوله :
اذا كنتَ مظلوماً فلا تُلف راضياً |
|
|
|
عن القوم حتى تأخذَ النصف واغضبِ |
|
وإن كنت انت الظالم القوم فاطرّح |
|
|
|
مقالتهم واشغب بهم كل مَشغب |
|
وقارب بذى جهل وباعد بعالم |
|
|
|
جلوب عليك الحق من كل مجلب |
|
وإن حدبوا فاقعس ، وإن هم تقاعسوا |
|
|
|
لينتزعوا ما خلف ظهرك فاحدب |
|
وقال :
تعودتُ مس الضر حتى ألفته |
|
وأسلمني طول البلاء الى الصبر |
ووسّع صدري للاذى كثرة الاذى |
|
وكان قديماً قد يضيق به صدري |
إذا أنا لم اقبل من الدهر كل ما |
|
أُلاقيه منه طال عتبي على الدهر |
١٤ ـ ابن مفرغ الحميري :
قال يخاطب عبيد الله بن زياد :
كم يا عبيد الله عندك من دمٍ |
|
يسعى ليدركه بقتلك ساعي |
ومعاشر أُنفٍ أبحتَ دماءهم |
|
فرّقتهم من بعد طول جماع |
اذكر حسيناً وابن عروة هانئاً |
|
وبني عقيلٍ فارس المرباع |
يزيد بن ربيعة بن مفرغ (١) كان شاعراً مقداماً هجا زياداً وآل زياد وعرف سجن عبيد الله بن زياد وهو القائل لما استلحق معاوية زياداً ونسبه إلى أبيه (٢) .
الا أبلغ معاوية بن حرب |
|
مغلغلة من الرجل اليماني |
أتغضب أن يقال ابوك عفّ |
|
وترضى أن يقال أبوك زاني |
فاشهد أنّ رِحمك من زيادٍ |
|
كرحم الفيل من وَلد الأتان |
وأشهد أنها ولدت زياداً |
|
وصخرٌ من سمية غير داني |
فاستأذن عبيد الله بن زياد معاوية في قتله فلم يأذن له وأمره بتأديبه فلما قدم ابن زياد البصرة أخذ ابن المفرغ من دار المنذر بن الجارود ـ وكان أجاره ـ فأمر به فسقى دواء ثم حمل على حمار وطيف به وهو يسلخ في ثيابه ، فقال لعبيد الله :
يغسل الماء ما صنعتَ ، وقولي |
|
راسخٌ منك في العظام البوالي (٣) |
أقول وتمثل سيدنا الحسين عليه السلام بشعره لما خرج من دار والي المدينة الوليد بن عتبه بن أبي سفيان ، وكان قد طلب من الحسين البيعة ليزيد ابن معاوية فأبى سيد الشهداء قائلاً : يا أمير انا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا يختم ومثلي لا يبايع مثله ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أيّنا أحق بالخلافة ، ثم خرج يتمثل بقول يزيد بن المفرغ :
__________
(١) انما سمي مفرغاً لأنه راهن على سقاء من لبن يشربه كله فشربه حتى فرغه فسمي مفرغاً ، وكان شاعراً غزلا محسناً من شعراء الصدر الأول وزمن معاوية بن ابي سفيان .
(٢) وفي خزانة الأدب ، والحيوان : ان هذه الأشعار لعبد الرحمن بن الحكم ـ اخي مروان ـ قال ابو الفرج والناس ينسبونها الى ابن المفرغ لكثرة هجائه لزياد .
(٣) هذا البيت من قصيدة يذكر فيها ما فعل به ابن زياد واهمال حلفائه من قريش اياه .
لا ذعرت السوام في غسق الصبح |
|
مغيراً ولا دُعيت يزيدا |
يوم أعطى مخافة الموت ضيماً |
|
والمنايا يرصدنني أن أحيدا |
وقال ابن قتيبة في الشعر والشعراء : هو يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري حليف لقريش ، صحب عباد بن زياد بن ابي سفيان فلم يحمده وكان عباد طويل اللحية عريضها ، فركب ذات يوم وابن مفرغ معه في موكبه فهبت الريح فنفشت لحيته فقال ابن مفرغ :
ألا ليت اللحى كانت حشيشاً |
|
فنعلفها دواب المسلمينا |
فبلغ ذلك عباداً فجفاه وحقد عليه ، فأخذه عبيد الله بن زياد فحبسه وعذبه وسقاه التربذَ في النبيذ (١) وحمله على بعير وقرن به خنزيرة ، فامشاه بطنه مشياً شديداً ، فكان يسيل ما يخرج منه على الخنزيرة فتصيىءُ ، فكلما صاءت قال ابن مفرغ :
ضجت سميةُ لما مسها القَرَنُ |
|
لا تجزعي إن شر الشيمة الجزع |
وسمية ام زياد ، فطيف به في أزقة البصرة وأسواقها والناس يصيحون خلفه فمر به فارسي فرآه فقال : ( إين جيست ) ، لما يسيل منه وهو يقول :
آبست نبيذست |
|
عصارات زبيبست |
|
سمية رو سفيدست |
ومعناه هذا ماء نبيذ ، هذا عصارة زبيب ، وسمية عاهر فلما ألح عليه ما يخرج منه قيل لابن زياد : انه لما به . لا نأمن أن يموت فأمر به فانزل ، فاغتسل ، فلما خرج من الماء قال :
يغسل الماء ما فعلت ، وقولي |
|
راسخ منك في العظام البوالي (٣) |
__________
(١) هو راسب زنبقي اصفر .
(٢) انظر هذا في الطبري .
(٣) والقصيدة طويلة رواها ابو الفرج في الأغاني .
ثم دس اليه غرماءه يقتضونه ويستعدون عليه ففعلوا ذلك فامر ببيع ما وجد له في اعطاء غرمائه ، فكان فيما بيغ له غلام كان رباه يقال له ( بُرْد ) كان يعدل عنه ولده ، وجارية يقال لها ( اراكة ) أو ( اراك ) فقال ابن مفرغ فيهما :
يا برد ما مسنا دهرٌ أضرّ بنا |
|
من قبل هذا ولا بعنا له ولداً |
أما الاراك فكانت من محارمنا |
|
عيشاً لذيذاً وكانت جنّة رغدا |
لولا الدعي ولولا ما تعرّض لي |
|
من الحوادث ما فارقتها أبداً |
وقال من قصيدة له ، وهي أجود شعره :
وشريت برداً ليتني |
|
من بعد بردٍ كنت هامه |
أو بومة تدعو الصدى |
|
بين المشقّر واليمامة |
وأَول الشعر :
اصرمت حبلك من أمامه |
|
من بعد أيام برامه (١) |
ثم ان عبيد الله بن زياد أمر به فحمل إلى سجستان الى عباد بن زياد ، فحبس بها .
وقال الشيخ القمي في الكنى : ابو عثمان يزيد بن زياد بن ربيعة ابن مفرغ الحميري لقب جده مفرغاً ، وقد هجا عباد بن زياد وعبيد الله بن زياد وقد نكّلا به وحبساه ولولا قومه وعشيرته الذين كانوا مع يزيد بن معاوية لقتلاه ، ومن شعره في لحية عباد ـ وكان عظيم اللحية كأنها جوالق :
ألا ليت اللحى كانت حشيشاً |
|
فتعلفها الخيول المسلمينا |
وله أيضاً في هجاء زياد :
فاشهدُ أن امك لم تباشر |
|
أبا سفيان واضعة القناع |
__________
(١) انظرها في طبقات ابن سلام والخزانة والاغاني والكامل .
ولكن كان أمرٌ فيه لبس |
|
على وجلٍ شديد وامتناع |
وله في هجاء عبيد الله بن زياد :
وقل لعبيد الله ما لك والدٌ |
|
بحقٍ ولا يدري امرءً كيف ينسب |
ومن شعره أيضاً :
إن زياداً ونافعاً وأبا بكرةَ |
|
عندي من أعجب العجبِ (١) |
همُ رجالٌ ثلاثةٌ خلقوا |
|
في رحمن أنثى وكلهم لأبِ |
ذا قرشي كما يقول وذا |
|
مولى وهذا ابن عمه عربي |
توفي سنة ٦٩ هـ بعد ان قضى عمراً تارة في سجن عبيد الله ابن زياد بالبصرة ، واخرى في سجن عباد بن زياد بسجستان ومع ذلك كان ينطلق بهجاء آل زياد فلما طال مقامه في السجن استأجر رسولاً الى دمشق وقال له : إذا كان يوم الجمعة فقف على درج جامع دمشق وانشد هذه الأبيات :
ابلغ سراةَ بني قحطان قاطبةً |
|
عضّت بأير أبيها سادة اليمن |
اضحى دعي زياد فقع قرقرةٍ |
|
يا للحوادث يلهو بابن ذي يزن |
والحميري صريع وسط مزبلة |
|
هذا لعمرك غبن ليس كالغبن |
قولوا جميعاً امير المؤمنين لنا |
|
عليك حق ومنّ ليس كالمنن |
اكفف دعيَّ زيادٍ عن أكارمنا |
|
ماذا تريد بذي الأحقاد والاحن |
ففعل الرسول ما أمره به وأنشد الأبيات فحميت اليمانية وغضبوا وركب طلحة الطلحات الى الحجاز وليس قرشياً وكان ابن مفرغ حليفاً لبني أمية فقال لهم طلحة يا معشر قريش إن اخاكم وحليفكم ابن مفرغ قد ابتلى بهذه الأعبد من بني زياد وهو عديدكم وحليفكم ورجل منكم
__________
(١) أراد بهم اولاد سمية وهم ، زياد ، ونافع ، وابو بكرة كل واحد من هؤلاء ينتمي وينسب لأب غير الاخر واراد بالنبطي : نافعاً : وبالعربي ابا بكرة ، وبالمولى زياد لان اباه عبيد كان عبد بني علاج .
ووالله ما أحب أن يجري الله عافيته على يدي دونكم ولا أفوز بالمكرمة في أمره وتخلوا أنتم منها ، فانهضوا معي بجماعتكم الى يزيد بن معاوية فان أهل اليمن قد تحركوا بالشام .
فركب خالد بن أسيد وامية بن عبد الله اخوه في وجوه خزاعة وكنانة وخرجوا إلى يزيد فبينما هم يسمرون ذات ليلة إذ سمعوا راكباً يتغنى في سواد الليل بقول ابن مفرغ ويقول :
قلت والليل مطبق بعراه |
|
ليتني مت قبل ترك سعيدِ |
ليتني مت قبل تركي أخا النجدة والحزم والفعال الشديد |
||
عبشمي ابوه عبد مناف |
|
فاز منها بتاجها المعقود |
قل لقومي لدى الأباطح من آل لويّ بن غالب ذي الجود |
||
سامني بعدكم دعي زيادٍ |
|
خطة الغادر اللئيم الزهيد |
كان ما كان في الاراكة واجتبَّ ببردٍ سنام عيشي وجيدي |
||
أوغل العبد في العقوبة والشتم وأودى بطارفي وتليدي |
||
فارحلوا في حليفكم واخيكم |
|
نحو غوث المستصرخين يزيد |
فاطلبوا النصفَ من دعي زياد |
|
وسلوني بما أدعيت شهودي |
فدعوه وسألوه ما هذا الذي سمعنا منك تغني به فقال هذا قول رجل والله إن أمره لعجيب رجل ضاع بين قريش واليمن وهو رجل الناس ، قالوا من هو قال ابن مفرغ ، فقالوا والله ما رحلنا إلا فيه وانتسبوا له فعرفهم وانشد قوله :
لعمري لو كان الأسير بن معمرٍ |
|
وصاحبه أو شكله ابن اسيد |
ولو أنهم نالوا أمية أر قلت |
|
براكبها الوجناء نحو يزيد |
فابلغت عذراً في لؤى ابن غالب |
|
واتلفت فيهم طارفي وتليدي |
فإن لم يغيرها الإمام بحقها |
|
عدلت الى شُمٍ شوامخ صيد |
فناديت فيهم دعوة يمنية |
|
كما كان آبائي دعوا وجدودي |
ودافعت حتى ابلغ الجهد عنهم |
|
دفاع امرىء في الخير غير زهيد |
فإن لم تكونوا عند ظني بنصركم |
|
فليس لها غير الأغر سعيد |
بنفسي وأهلي ذاك حياً وميتاً |
|
نضارٌ وعود المرء أكرم عود |
فكم من مقام في قريش كفيته |
|
ويوم يشيب الكاعبات شديد |
وخصم تحاماه لؤى بن غالب |
|
شببت له ناري فهاب وقودي |
وخير كثير قد أفأتُ عليكم |
|
وأنتم رقود أو شبيه رقود |
فاسترجع القوم وقالوا : والله ذلت رؤوسنا في العرب إن لم نغسلها بكفه ، فاغذّ القوم السيرَ حتى قدموا الشام وهناك اجتمعوا مع اليمانية ودخلوا على يزيد وكلموه فأمر بتسريح ابن مفرغ وارسل بذلك مع رجل له خمخام فأطلقه .
ومن قول ابن مفرغ يذكر هرب عبيد الله بن زياد وتركه أمه :
أعبيدُ هلا كنتَ أول فارس |
|
يوم الهياج دعا بحتفك داعي |
أسلمت امك والرماح تنوشها |
|
يا ليتني لك ليلة الأفزاع |
إذ تستغيث وما لنفسك مانع |
|
عبد تردده بدار ضياع |
هلا عجوز إذ تمد بثديها |
|
وتصيح ان لا تنزعنّ قناعي |
فركبت رأسك ثم قلت أرى العدا |
|
كثروا وأخلف موعد الاشياع |
فانجي بنفسك وابتغي نفقاً فما |
|
لي طاقةَ بكِ والسلام وداعي |
ليس الكريم بمن يخلّف امه |
|
وفتاتَه في المنزل الجعجاع |
حذر المنية والرياح تنوشه |
|
لم يرم دون نسائه بكراع |
متأبطاً سيفاً عليه يلمَّـق |
|
مثل الحمار أثرته بيفاع |
لا خير في هذرٍ يهز لسانه |
|
بكلامه والقلب غيرَ شجاع |
لابن الزبير غداة يذمر مبدراً |
|
أولى بغاية كل يوم وقاع |
ادب الطف ( ٨ )
واحق بالصبر الجميل من امرىءٍ |
|
كزٌّ انامله قصير الباع |
جَعد اليدين عن السماحة والندى |
|
وعن الضريبة فاحشٍ منّاع |
كم يا عبيد الله عندك من دمٍ |
|
يسمى ليدركه بقتلك ساعي |
ومعاشر أُنْفِ أبحت حريمهم |
|
فرقتهم من بعد طول جماع |
اذكر حسيناً وابن عروة هانئاً |
|
وبني عقيلٍ فارس المرباع |
وقال ابن مفرغ في مقتل ابن زياد بالزاب :
ان الذي عاش حثاراً بذمته |
|
ومات عبداً قتيل الله بالزابِ |
العبد للعبد لا أصل ولا طرف |
|
ألوت به ذات أظفار وأنياب |
إن المنايا اذا مازرن طاغيةً |
|
هتكن عنه ستوراً بين أبواب |
هلا جموع نزار إذ لقيتهم |
|
كنت امرءً من نزار غير مرتاب |
لا انت زاحمت عن ملك فتمنعه |
|
ولا مددت إلى قوم بأسباب |
ما شُق جيب ولا ناحتك نائحة |
|
ولا بكتك جياد عند أسلاب |
قال الطبري في تاريخه وفي سنة ٥٩ كان ما كان من امر يزيد بن مفرغ الحميري وعباد بن زياد وهجاء يزيد بني زياد ، وقال :
ان يزيد بن ربيعة بن مفرغ كان مع عباد بن زياد بسجستان فاشتغل عنه بحرب الترك فاستبطأه فاصاب الجند مع عباد ضيق في إعلاف دوابهم فقال ابن مفرغ :
ألا ليت اللحى كانت حشيشاً |
|
فيعلفها خيول المسلمينا |
ولقد مر ما صنع به عبيد الله ثم حمله الى عباد بسجستان فكلمت اليمانية فيه بالشام معاوية فأرسل رسولاً الى عباد فحمل ابن مفرغ من عنده حتى قدم على معاوية فقال في طريقه :
عدس ما لعبّادٍ عليك إمارة |
|
نجوتِ وهذا تحملين طليقُ |
١٥ ـ عبيد الله بن عمرو الكندي البدي :
سعيدَ بن عبد الله لا تنسينّه |
|
ولا الحر إذ آسى زهيراً على قسرِ |
فلو وقفت صمّ الجبال مكانهم |
|
لمارت على سهل ودكّت على وعر |
فمن قائم يستعرض النبلَ وجهه |
|
ومن مقدم يلقى الاسنّة بالصدر |
قال الشيخ المامقاني في تنقيح المقال : عبيد الله بن عمرو الكندي ذكره علماء السير وانه كان فارساً شجاعاً كوفياً شيعياً شهد مع أمير المؤمنين مشاهده كلها وبايع مسلم بن عقيل ، وكان يأخذ البيعة من أهل الكوفة للحسين وعقد له مسلم راية على ربع كندة يوم حاصر قصر الإمارة فلما تخاذل الناس عن مسلم واطمأن ابن زياد ارسل الحصين بن نمير فقبض على عبيد الله وأحضره امامه فسأله ممن انت ، قال من كندة قال : انت صاحب راية كندة وربيعة قال نعم ، قال انطلقوا به فاضربوا عنقه فانطلقوا به فضربوا عنقه رضوان الله عليه .
قال التستري صاحب ( قاموس الرجال ) : انما روى الطبري عقد مسلم له على ربع كندة وربيعة واما اخذه وقتله فلا .
وحيث ان الشاعر قد ذكر في الأبيات اسماء الأبطال الثلاثة من اصحاب الحسين عليه السلام ، رأينا ان نذكر ترجمة كل واحد منهم بالمناسبة :
١ ـ سعيد بن عبد الله الحنفي :
كان ممن استشهد مع الحسين يوم الطف وكان من وجوه الشيعة بالكوفة ، وذوي الشجاعة والعبادة فيهم ، وكان ممن حمل الكتب إلى الحسين عليه السلام من اهل الكوفة إلى مكة والحسين فيها ، ولما خطب الحسين اصحابه في اللية العاشرة من المحرم وأذن لهم بالتفرق فأجابه اهل بيته ثم قام سعيد بن عبد الله فقال : والله لا نخليك حتى يعلم الله إنا قد حفظنا نبيه محمداً فيك . والله لو علمت أني أُقتل ثم أُحيي ثم احرق حيَّاً ثم أُذر . يفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتى القي حمامي دونك ، فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم الكرامة التي لا انقضاء لها ابداً .
وروى ابن مخنف انه لما صلى الحسين الظهر صلاة الخوف . اقتتلوا
بعد الظهر فاشتد القتال ، ولما قرب الأعداء من الحسين ، وهو قائم بمكانه ، استقدم سعيد الحنفي امام الحسين فاستهدف لهم يرمونه بالنبل يميناً وشمالاً وهو قائم بين يدي الحسين يقيه السهام طوراً بوجهه وطوراً بصدره وطوراً بيديه وطوراً بجبينه فلم يكد يصل إلى الحسين شيء من ذلك حتى سقط الحنفي إلى الارض وهو يقول اللهم ألعنهم لعن عاد وثمود . اللهم أبلغ نبيك عني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فاني أردت ثوابك في نصرة نبيك ، ثم ألتفت إلى الحسين فقال ، أوفيت يا بن رسول الله ، قال نعم أنت أمامي في الجنة ثم فاضت نفسه النفيسة .
٢ ـ الحر بن يزيد الرياحي :
تقدت ترجمته في ص ٨٢ ـ ٨٩ من هذه الموسوعة .
٣ ـ زهير بن القين بن قيس الانمارى البجلي :
كان زهير رجلاً شريفاً في قومه ، نازلا فيهم بالكوفة ، شجاعاً ، له في المغازي مواقف مشهورة ، ومواطن مشهودة ، وكان أولاً عثمانياً فحج سنة ستين في اهله ، ثم عاد فوافق الحسين في الطريق ، فهداه الله وانتقل علويا ، ( روى ) ابو مخنف عن بعض الفزاريين ، قال كنا مع زهير بن القين حين أقبلنا من مكة نساير الحسين عليه السلام فلم يكن شيء ابغض الينا من ان نسايره في منزل ، فاذا سار الحسين عليه السلام تخلف زهير ، واذا نزل الحسين تقدم زهير ، حتى نزلنا يوماً في منزل لم نجد بُدّاً من أن ننازله فيه فنزل الحسين في جانب ونزلنا في جانب فبينا نحن نتغدى من طعام لنا ، وإذ أقبل رسول الحسين « ع » فسلم ودخل ، فقال يا زهير بن القين : إن ابا عبد الله الحسين بن علي بعثني اليك لتأتيه ، فطرح كل انسان منا ما في يده حتى كأن على رؤسنا الطير ، « قال » ابو مخنف : فحدثتني دلهم بنت عمرو امرأة زهير قالت : فقلت له ايبعث اليك ابن رسول الله ( ص )
ثم لا تأتيه ، سبحان الله لو أتيته فسمعتَ من كلامه ثم انصرفتَ .
قالت فأتاه زهير بن القين : فما لبث ان جاء مستبشراً قد اسفر وجهه فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه فقوّض وحمل إلى الحسين ( ع ) ثم قال لي : انت طالق ، الحقي باهلك ، فأني لا احب ان يصيبك بسببي إلّا خير ، ثم قال لاصحابه من احب منكم أن يتبعني ، وإلا فانه آخر العهد ، إني سأحدثكم حديثاً ، غزونا بلنجر (١) ، ففتح الله علينا وأصبنا غنائم ، فقال لنا سلمان افرحتم بما فتح الله عليكم : واصبتم من المغانم فقلنا نعم فقال : اذا ادركتم شباب آل محمد ( ص ) فكونوا اشد فرحاً بقتالكم معه بما اصبتم من المغانم ، فأما انا فاني استودعكم الله ، قال ثم والله ما زال اول القوم حتى قتل معه .
( وقال ) ابو مخنف لما عارض الحر بن يزيد ، الحسين ( ع ) في الطريق واراد أن ينزله حيث يريد ، فأبى الحسين « ع » عليه ، ثم انه سايره فلما بلغ ذا حسم خطب اصحابه خطبته التي يقول فيها ، اما بعد فانه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون « الخ » ، فقام زهير ، وقال لاصحابه أتتكلمون أم اتكلم ، قالوا بل تكلم : فحمد الله واثنى عليه ، ثم قال قد سمعنا هداك الله يا بن رسول الله « ص » مقالتك والله لو كانت الدنيا لنا باقية ، وكنا فيها مخلدين ـ إلا أنّ فراقها في نصرك ومواساتك ـ لآثرنا النهوض معك على الاقامة فيها ، فدعا له الحسين وقال له خيراً ( وروى ) ابن مخنف ان الحر لما ضايق الحسين عليه السلام بالنزول : وأتاه أمر ابن زياد ان ينزل الحسين على غير ماء ولا كلاء ولا في قرية ، قال له الحسين ، دعنا ننزل في هذه القرية . يعني نينوى او هذه يعني الغاضرية ، او هذه يعني شفيّة ، فقال الحر : لا والله
__________
(١) بلنجر بالباء الموحدة واللام المفتوحتين والنون الساكنة والجيم المفتوحة والراء المهملة هي مدينة في الخزر .
لا استطيع ذلك ، هذا رجل قد بعث عليَّ عينا . فقال زهير للحسين « ع » يا بن رسول الله ( ص ) ، ان قتال هؤلاء اهون علينا من قتال مَن بعدَهم ، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به فقال له الحسين عليه السلام : ما كنت لأبدئهم بقتال فقال له زهير : فسر بنا إلى هذه القرية فانها حصينة وهي على شاطىء الفرات ، فان منعونا قاتلناهم ، فقتالهم أهون من قتال من يجيء من بعدهم ، فقال الحسين عليه السلام واية قرية هي : قال العقر ، فقال الحسين ( ع ) اللهم اني اعوذ بك من العقر ، فنزل بمكانه وهو كربلاء .
وقال ابو مخنف لما اجمع عمر بن سعد على القتال نادى شمر بن ذي الجوشن : يا خيل الله اركبي وابشري بالجنة ، والحسين عليه السلام جالس امام بيته ، محتبٍ بسيفه وقد وضع رأسه على ركبته من نعاس ، فدنت اخته زينب منه وقالت : يا أخي قد اقترب العدو ، وذلك يوم الخميس التاسع من المحرم بعد العصر ، وجائه العباس ، فقال يا أخي اتاك القوم ، فنهض ، ثم قال يا عباس اركب اليهم حتى تسألهم عما جاء بهم ، فركب العباس في عشرين فارساً منهم حبيب بن مظاهر وزهير ابن القين ، فسألهم العباس ، فقالوا جاء أمر الامير بالنزول على حكمه او المنازلة ، فقال لهم العباس : لا تعجلوا حتى أرجع إلى ابي عبد الله فاعرض عليه ما ذكرتم ، فوقفوا وقالوا له القه فاعلمه ثم القنا بما يقول ، فذهب العباس راجعاً ووقف اصحابه ، فقال حبيب لزهير كلم القوم إن شئت وإن شئت كلمتهم انا : فقال زهير انت بدأت فكلمهم فكلمهم فردّ عليه عزرة بن قيس بقوله : إنك لتزكي نفسك ما استطعت ، فقال له زهير : ان الله قد زكاها وهداها فاتق الله يا عزرة ، فاني لك من الناصحين انشدك الله يا عزرة أن تكون ممن يعين الضلال على قتل النفوس الزكية ، فقال عزرة : ما كنت عندنا من شيعة هذا البيت انما كنت عثمانياً ، قال أفلا تستدل بموقفي هذا على اني منهم ، اما
والله ما كتبت اليه كتاباً قط ، ولا أرسلت اليه رسولا قط ، ولا وعدته نصرتي قط ، ولكن الطريق جمع بيني وبينه ، فلما رأيته ذكرت به رسول الله صلى الله عليه وآله ومكانه منه ، وعرفت ما يقدم عليه من عدوه وحزبكم ، فرأيت أن أنصره وأن أكون في حزبه وأن أجعل نفسي دون نفسه ، حفظاً لما ضيعتم من حق الله وحق رسوله ، قال واقبل العباس . فسألهم امهال العشية ، فتوامروا ، ثم رضوا فرجعوا .
( وروى ) ابو مخنف عن الضحاك بن عبد الله المشرقي قال : لما كانت الليلة العاشرة خطب الحسين ( ع ) اصحابه واهل بيته ، فقال في كلامه : هذا الليل قد غشيكم ، فاتخذوه جملاً ، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من اهل بيتي ، فان القوم انما يطلبوني ، فأجابه العباس وبقية اهله ، ثم اجابه مسلم بن عوسجة واجابه سعيد ، ثم قام زهير فقال والله لوددت اني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أُقتل كذا ألف قتلة ، وأنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك ، وعن انفس هؤلاء الفتية من اهل بيتك ( وقال ) اهل السير لما صف الحسين ( ع ) اصحابه للقتال ، وانما هم زهاء السبعين ، جعل زهير على الميمنة ، وحبيباً على الميسرة ووقف في القلب واعطى الراية لأخيه العباس ، ( وروى ) ابو مخنف عن علي بن حنظلة بن سعد الشبامي عن كثير بن عبد الله الشعبي البجلي ، قال لما زحفنا قِبَل الحسين عليه السلام ، خرج الينا زهير بن القين . على فرس له ذنوب ، وهو شاك في السلاح ، فقال يا اهل الكوفة . نذار لكم من عذاب الله نذار إنّ حقا على المسلم نصيحة اخيه المسلم ، ونحن حتى الآن اخوة وعلى دين واحد وملةٍ واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف ، فاذا وقع السيف انقطعت العصمة وكنا امة وكنتم امة ، انّ الله قد ابتلانا واياكم بذرية نبيه ، لينظر ما نحن وانتم عاملون ، انا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد فانكم لا تدركون منهما إلا السوءَ عمرَ سلطانهما
كله انهما يسملان اعينكم ويقطعان أيديكم وأرجلكم ويمثلان بكم ويرفعانكم على جذوع النخل ، ويقتلان أماثلكم وقرائكم امثال حجر ابن عدي واصحابه ، وهاني بن عروة واشباهه ، ( قال ) فسبوه واثنوا على عبيد الله وابيه وقالوا والله لا نبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه أو نبعث به وبأصحابه إلى الامير ( فقال ) لهم زهير : عباد الله إنّ ولد فاطمة ( ع ) احق بالود والنصر من ابن سمية ، فان لم تنصرهم فاعيذكم بالله ان تقتلوهم ، فخلوا بين هذا الرجل وبين يزيد ، فلعمري إنه ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين عليه السلام ( قال ) فرماه الشمر بسهم ، وقال له اسكت اسكت : الله نامتك (١) فقد أبرمتنا (٢) بكثرة كلامك ، فقال زهير يا بن البوال على عقبيه ، ما اياك أُخاطب ، إنما انت بهيمة ، والله ما اظنك تحكم من كتاب الله آيتين ، فابشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الاليم .
فقال له شمر : إن الله قاتلك وصاحبك عن ساعة ، قال زهير : افبالموت تخوفني ، والله للموت معه احب اليّ من الخلد معكم ( قال ) ثم اقبل على الناس رافعاً صوته وصاح بهم ، عباد الله لا يغرنكم عن دينكم هذا الجلف الجافي واشباهه ، فوالله لا تنال شفاعة محمد ( ص ) قوم أهرقوا دماء ذريته واهل بيته ، وقتلوا من نصرهم وذب عن حريمهم ( قال ) فناداه رجل من خلفه : يا زهير إنّ ابا عبد الله ( ع ) يقول لك اقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء لقد نصحتَ لهؤلاء وابلغتَ ، لو نفع النصح والابلاغ ، فذهب اليهم .
( وروى ) ابو مخنف عن حميد بن مسلم قال حمل شمر حتى طعن
__________
(١) النأمة بالهمزة والنأمة بالتشديد الصوت ، يقال ذلك كناية عن الموت وهو دعاء عند العرب مشهور .
(٢) ابرمتنا : اضجرتنا .
فسطاط الحسين عليه السلام برمحه وقال : عليّ بالنار حتى احرق هذا البيت على اهله ، فصاحت النساء ، وخرجت من الفسطاط ، فصاح الحسين ( ع ) يا بن ذي الجوشن ، أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على اهلي ، احرقك الله بالنار وحمل ، وحمل زهير بن القين في عشرة من اصحابه ، فشد على شمر واصحابه ، فكشفهم عن البيوت حتى ارتفعوا عنها ، وقتل زهير ابا عزة الضبابي من اصحاب شمر وذوي قرباه ، وتبع اصحابه الباقين فتعطف الناس عليهم فكثروهم وقتلوا اكثرهم وسلم زهير ، ( قال ) ابو مخنف واستمر القتال بعد قتل حبيب فقاتل زهير والحر قتالا شديداً فكان اذا شد احدهما واستلحم ، شد الآخر فخلصه : فقتل الحر ، ثم صلى الحسين عليه السلام صلوة الخوف ولما فرغ منها ، تقدم زهير فجعل يقاتل قتالا لم يُر مثله ، ولم يسمع بشبهه واخذ يحمل على القوم فيقول :
انا زهير وانا ابن القين |
|
أذودكم بالسيف عن حسينِ |
ثم رجع فوقف امام الحسين ( ع ) وقال له :
فدتك نفسي هادياً مهديا |
|
اليوم القى جدك النبيا |
وحسناً والمرتضى عليا |
|
وذا الجناحين الشهيد الحيا |
فكأنه ودعه ، وعاد يقاتل ، فشد عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن اوس التميمي فقتلاه ، ( وقال ) السروي في المناقب لما صرع ، وقف عليه الحسين « ع » فقال : لا يبعدنك الله يا زهير ، ولعن الله قاتليك لعن الذين مسخوا قردة وخنازيرا .
١٦ ـ عامر بن يزيد بن ثبيط العبدي البصري :
يا فرو قومي فاندبي |
|
خير البرية في القبورِ |
وابكي الشهيد بعبرة |
|
من فيض دمع ذي درور |
وارث الحسين مع التفجُّع والتأوه والزفير |
||
قتلوا الحرامَ من الأئمة |
|
في الحرام من الشهور |
وأبكي يزيد مجدلا |
|
وابنيه في حرِّ الهجير |
متزملين دماؤهم |
|
تجري على لبب النحور |
يا لهف نفسي لم تفز |
|
معهم بجناتٍ وحور |
روى هذه الأبيات الشيخ السماوي في ( ابصار العين في انصار الحسين ) وقال هي في رثاء يزيد بن ثبيط (١) وولديه الذين قتلوا مع الحسين وهي من نظم عامر بن يزيد قالها في رثاء ابيه وأخويه لما صرعوا يوم الطف مع ابي عبد الله الحسين عليه السلام . وكان من خبرهم ان يزيد بن ثبيط كان من الشيعة ومن اصحاب ابي الاسود وكان شريفاً في قومه .
قال أبو جعفر الطبري : كانت مارية ابنة منقذ العبدية تتشيع وكانت دارها مألفاً للشيعة يتحدثون فيها ، وقد كان ابن زياد بلغه اقبال الحسين عليه السلام ومكاتبة أهل العراق له ، فأمر عامله أن يضع المناظر ويأخذ الطريق ، فأجمع يزيد بن ثبيط على الخروج الى الحسين وكان له بنون عشرة فدعاهم الى الخروج معه وقال : أيكم يخرج معي متقدماً ، فانتدب له اثنان : عبد الله وعبيد الله ، فقال لأصحابه في بيت تلك المرأة : إني قد أزمعتُ على الخروج وأنا خارج فمن يخرج معي فقالوا انا نخاف أصحاب ابن زياد ، فقال : اني والله لو قد استوت أخفافها بالجدد (٢) لهان علي طلب من طلبني ، ثم خرج وابناه وصحبه عامر ومولاه وسيف بن مالك والأدهم بن امية ، وقوي في الطريق (٣) حتى انتهى الى الحسين « ع » وهو بالابطح من مكة فاستراح في رحله ثم خرج الى الحسين الى منزله ، وبلغ الحسين « ع » مجيئه فجعل يطلبه حتى جاء الى رحله فقيل له قد خرج الى منزلك فجلس في رحله ينتظره وأقبل يزيد ـ لما لم يجد الحسين في منزله وسمع أنه ذهب اليه ـ راجعاً على اثره ، فلما رأى الحسين « ع » في رحله قال : ( بِفَضْلِ اللَّـهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ) السلام عليك يا بن رسول الله
__________
(١) ثبيط بالثاء المثلثة والباء المفردة والياء المثناة والطاء المهملة .
(٢) الجدد : صلب الارض ، وفي المثل : من سلك الجدد امن العثار .
(٣) قوي في الطريق : تتبع الطريق القواء اي القفر الخالي .
ثم سلم عليه وجلس اليه واخبره بالذي جاء له ، فدعا له الحسين بالخير ثم ضم رحله الى رحله ، وما زال معه حتى قتل بين يديه في الطف مبارزة ، وقتل ابناه في الحملة الاولى كما ذكره السروي ، وفي رثائه ورثاء ولديه يقول ولده عامر بن يزيد ( الابيات ) .
وقال الشيخ ابن نما الحلي رحمه الله حدث ابو العباس الحميري قال : قال رجل من عبد القيس قتل اخوه مع الحسين « ع » .
أقول ورواها السيد الامين في ( الاعيان ) وقال : وعبد القيس قبيلة معروفة بالتشيع لأهل البيت عليهم السلام .
يا فرد قومي فاندبي |
|
خيرَ البرية في القبورِ |
وابكي الشهيد بعبرةٍ |
|
من فيض دمع ذي درور |
ذاك الحسين مع التفجع |
|
والتأوه والزفير |
قتلوا الحرام من الأئمة |
|
في الحرام من الشهور |
١٧ ـ الفضل بن العباس بن عتبة بن ابي لهب بن عبد المطلب بن هاشم :
بكيتُ لفقد الاكرمين تتابعوا |
|
لوصل المنايا دارعون وحُسّرُ |
من الأكرمين البيض من آل هاشم |
|
لهم سلف من واضح المجد يذكر |
بهم فجعتنا والفواجع كاسمها |
|
تميم وبكر والسّكون وحمير |
وفي كل حي نضحة من دمائنا |
|
بني هاشم يعلو سناها ويشهر |
فلله محيانا وكان مماتنا |
|
ولله قتلانا تدان وتنشر |
لكل دم مولى ، ومولى دمائنا |
|
بمرتقب يعلو عليكم ويظهر |
فسوف يرى أعداؤنا حين تلتقي |
|
لأي الفريقين النبيُّ المطهر |
مصابيح امثال الأهلة إذ همُ |
|
لدى الحرب أو دفع الكريهة أبصر |
ومنها :
أعينيَّ إن لا تبكيا لمصيبتي |
|
فكل عيون الناس عني أصبر |
أعينيَّ جودا من دموع غزيرة |
|
فقد حق إشفاقي وما كنت أحذر |
أبو لهب بن عبد المطلب واسمه عبد العزى ـ له من الأولاد : عتبة بن أبي لهب ، ومعتِّباً وعتيبة وهو الذي اكله الأسد وكان ابو لهب يكنى بأسماء بنيه كلهم وامهم ام جميل ، وهي ( حمالة الحطب ) بنت حرب بن امية بن عبد شمس وفيها يقول الاحوص الشاعر الانصاري :
ما ذاتُ حبل يراه الناس كلهم |
|
وسط الجحيم ولا يخفى على احد |
كل الحبال حبال الناس من شعر |
|
وحبلها وسْط أهل النار من مسد |
شهد عتبة ومعتب حنيناً مع النبي ( ص ) وثبتا فيمن ثبت معه ، وأُصيب عين معتب يومئذ .
ومن شعر الفضل بن العباس ـ وكان شديد الاذمة ولذلك قال :
وأنا الأخضر (١) من يعرفني |
|
أخضر الجلدة في بيت العربْ |
من يساجلني يساجلْ ماجداً |
|
يملأ الدلو الى عقد الكرب |
إنما عبد مناف جوهر |
|
زيَّن الجوهرَ عبد المطلب |
الشاعر
هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب بن هاشم ( شاعر الهاشميين ) .
توفي في حدود سنة ٩٠ في خلافة الوليد بن عبد الملك ، وكان احد شعراء بني هاشم وفصحائهم هاشمي الابوين ، امه آمنة بنت العباس ابن عبد المطلب .
ومن شعره :
__________
(١) كان شديد السمرة ، والعرب تسمي الاسمر اخضر وتتمدح بذلك .
ما كنت أحسب أن الامرَ منصرف |
|
|
|
عن هاشم ثم منها عن أبي حسنِ |
|
من فيه ما فيهم من كل صالحة |
|
وليس في كلهم ما فيه من حسن |
أليس اول من صلى لقبلتكم |
|
وأعلم الناس بالقرآن والسنن |
وأقرب الناس عهداً بالنبي ومن |
|
جبريل عون له في الغسل والكفن |
ماذا يردكم عنه فنعرفه |
|
ها إن ذا غَبَن من أغظم الغبن |
قال المرصفي في شرح الكامل : وكان من أصحاب علي « ع » وهو القائل يخاطب بني امية :
مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا |
|
لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا |
لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم |
|
وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا |
مهلاً بني عمنا عن نحت أثلتنا |
|
سيروا رويداً كما كنتم تسيرونا |
الله يعلم أنا لا نحبكم |
|
ولا نلومكم ألا تحبونا |
كل له نية في بغض صاحبه |
|
بنعمة الله نقليكم وتقونا |
وقال الوليد بن عقبة بن أبي معيط ـ أخو عثمان لأمه ـ يرثي عثمان ويتهم بني هاشم وعلياً ويتوعدهم :
ألا مَن لليل لا تغور كواكبه |
|
اذا لاح نجمٌ لاح نجم يراقبه |
بني هاشم ردوا سلاح ابن اختكم |
|
|
|
ولا تنهبوه لا تحلّ مناهبه |
|
بني هاشم لا تعجلوا بإفادة |
|
سواء علينا قاتلوه وسالبه |
فقد يُجبر العظم الكسير وينبري |
|
لذي الحق يوماً حقه فيطالبه |
وإنا وإياكم وما كان منكم |
|
|
|
كصدع الصفا لا يرأب الصدعَ شاعبه |
|
بني هاشم كيف التعاقد بيننا |
|
وعند علي سيفه وحرائبه |
لعمرك لا أنسى ابن أروى وقتله |
|
وهل ينسينّ الماء ما عاش شاربه |
هُم قتلوه كي يكونوا مكانه |
|
كما غدرت يوماً بكسرى مرازبه |
وإني لمجتاب اليكم بجحفلٍ |
|
يُصمُّ السميعَ جرسُه (١) وجلائبه |
فانتدب له الفضل بن العباس بن عتبة يرد عليه فيقول :
فلا تسألونا بالسلاح فإنه |
|
اضيع وألقاه لدى الروع صاحبه |
سلوا أهل مصر عن سلاح ابن اختنا |
|
|
|
فهم سلبوه سيفه وحرائبه |
|
وكان وليّ العهد بعد محمد |
|
علي وفي كل المواطن صاحبه |
علي وليُّ الله أظهر دينه |
|
وأنت من الاشقين فيمن تحاربه |
وقد أنزل الرحمن انك فاسق |
|
فما لك في الإسلام سهم تطالبه (٢) |
وشبهته كسرى وقد كان مثله |
|
شبيهاً بكسرى هديه وعصائبه |
__________
(١) الجرس : الصوت .
(٢) في الوليد نزل قوله تعالى : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا » الاية وذلك ان رسول الله « ص » ارسله الى بني المصطلق ليجيء بالزكاة فخرجوا للقائه فهابهم فعاد الى رسول الله يقول انهم ارتدوا عن الاسلام فنزلت الاية ومن ذلك سمي بالفاسق .
ادب الطف ـ ( ٩ )
١٨ ـ عوف الازدي :
هو عوف بن عبد الله بن الاحمر الازدي ـ أحد التوابين ـ يرثي الحسين عليه السلام ، ويدعو إلى الأخذ بثأره فيقول :
صحوت وقد صح الصبا والعواديا |
|
وقلت لاصحابي أجيبوا المناديا |
وقولوا له إذ قام يدعو إلى الهدى |
|
وقبل الدعا لبيك لبيك داعيا |
ألا وأنعَ خير الناس جداً ووالدا |
|
|
|
( حسيناً ) لأهل الدين ، إن كنت ناعيا |
|
لبيك حسيناً مرملٌ ذو خصاصة |
|
عديمٌ وأمّامٌ تشكى المواليا |
فاضحى حسين للرماح دريئةً |
|
وغودر مسلوباً لدى الطف ثاويا |
سقى الله قبراً ضُمن المجد والتقى |
|
بغربيّة الطفَ الغمامَ الغواديا |
فيا امة تاهت وضلّت سفاهةً |
|
أنيبوا ، فارضوا الواحد المتعاليا (١) |
ومنها :
ونحن سمونا لابن هند بجحفل |
|
كرجل الدبا يُزجي اليه الدواهيا |
فلما التقينا بيّن الضرب أيّنا |
|
بصفين كان الاضرع المتوانيا |
لبيك حسيناً كلما ذرّ شارق |
|
وعند غسوق الليل من كان باكيا |
لحا الله قوماً اشخصوهم وغرروا |
|
فلم يرَ يوم الباس منهم محاميا |
ولا موفياً بالعهد إذ حمس الوغا |
|
ولا زاجراً عنه المضلين ناهيا |
فيا ليتني إذ ذاك كنتُ شهدته |
|
فضاربت عنه الشانئين الأعاديا |
ودافعت عنه ما استطعت مجاهداً |
|
وأعملت سيفي فيهم وسنانيا |
__________
(١) عن كتاب « ادب الشيعة » عبد الحسيب طه ـ مصر
قال الشيخ القمي في الكنى : عوف الازدي ذكره المرزباني في معجم الشعراء فقال : عوف بن عبد الله بن الاحمر الازدي . شهد مع علي ( ع ) صفين وله قصيدة طويلة رثى فيها الحسين ( ع ) وحرض الشيعة : على الطلب بدمه وكانت هذه المرثية تخبأ ايام بني امية وإنما خرجت بعد ذلك . قاله ابن الكلبي ، منها :
ونحن سمونا لابن هند بجحفل |
|
كرجل الدبا يزجي اليه الدواهيا |
الابيات . وفي الأعيان ج ٤٢ ايضاً رواها عن المرزباني اقول لا عجب اذا ضاع اكثر القصيدة وذهب جلها ولم يبق منها إلا هذه الابيات لأن الدور لبني امية والضغط على شيعة أهل البيت كان قائماً على قدم وساق ، لذا يقول : وكانت هذه المرثية تخبأ ايام بني امية حيث كانوا يأخذون الناس بالترغيب والترهيب ومتى حورب الشخص بهذين العاملين محى اسمه ومات وانطفأ ذكره .
ملاحظة : وجاء في الجزء الاول من الاعيان ـ القسم الثاني ص ١٦٤ قوله : وعبد الله بن عوف بن الاحمر كان يحرض على الطلب لثأر الحسين عليه السلام ، وهو القائل :
الا وانع خير الناس جداً ووالداً |
|
|
|
حسيناً لاهل الدين إن كنت ناعيا |
|
سقى الله قبراً ضمن المجد والتقى |
|
بغربية الطف الغمام الغواديا |
هذين البيتين تتمة الابيات السابقة ولكن السيد جعل اسم الولد بمكان الوالد كما انه في جزء ٣٢ ص ١١٩ عند ترجمة رفاعة بن شداد البجلي قال : واراد رفاعة بن شداد الرجوع عن الحرب فقال عبد الله ابن عوف بن الاحمر : هلكنا والله إذاً لئن انصرفنا ليركبن اكتافنا فلا نبلغ فرسخاً حتى نهلك ، هذه الشمس قد قاربت للغروب فنقاتلهم على خيلنا فاذا غسق الليل ركبنا خيولنا وسرنا ، فقال رفاعة نعم ما
رأيت وأخذ الراية وقاتلهم قتالا شديداً فلما امسوا رجع اهل الشام إلى معسكرهم ونظر رفاعة إلى كل رجل قد عُقر فرسه وجُرح فدفعه إلى قومه .
قال الطبري قال ابو مخنف حدثني الحصين بن يزيد عن السري ابن كعب ، قال خرجنا مع رجال الحي نشيعهم فلما انتهينا إلى قبر الحسين وانصرف سليمان بن صرد واصحابه عن القبر ولزموا الطريق استقدمهم عبد الله بن عوف بن الاحمر على فرس له مهلوب كَميت مربوع تتأكل تأكلا وهو يرتجز ويقول :
خرجن يُلمعْنَ بنا أرسالا |
|
عوابساً يحملننا أبطالا |
نريد أن نلقى به الأقتالا |
|
القاسطين الغدرَ الضُّلالا |
وقد رفضنا الاهل والأموالا |
|
والخفرات البيض والحِجالا |
|
نُرضى به ذا النعم المفضالا |
|
(١) ٩ ـ ابو دهبل (١) وهب بن زمعة الجحمي :
إليك أخا الصب الشجيّ صبابه |
|
تذيب الصخور الجامدات همومُها |
عجبت وأيامُ الزمان عجائب |
|
ويظهر بين المعجبات عظيمها |
تبيت النشاوى من امية نوّماً |
|
وبالطف قتلى ما ينام حميمها |
وتضحى كرام من ذؤابة هاشم |
|
يحكّم فيها كيف شاء لئيمها |
وتغدو جسوم ما تغذت سوى العلى |
|
|
|
غذاها على رغم المعالي سهومها |
|
وربّات صون ما تبدّت لعينها |
|
قبيل السبا إلا لوقت نجومها |
تزاولها ايدي الهوان كأنما |
|
تقحّم ما لا عفو فيه أثيمها |
و ما أفسد الإسلام الا عصابة |
|
تأمّر نوكاها ودام نعيمها |
وصارت قناة الدين في كف ظالم |
|
إذا مال منها جانب لا يقيمها |
وخاض بها طخياء لا يهتدى لها |
|
سبيل ولا يرجى الهدى من يعومها |
ويخبط عشوا لا يُراد مرادها |
|
ويركب عميا لا يُردُّ عزومها |
يجشّمها ما لا يجشمه الردى |
|
لأودى وعادت للنفوس جسومها |
إلى حيث القاها ببيداء مجهل |
|
تضل لأهل الحلم فيها حلومها |
رمتها لأهل الطف منها عصابة |
|
حداها الى هدم المكارم لومها |
فشنَّت بها شعواء في خير فتية |
|
تخلّت لكسب المكرمات همومها |
__________
(١) دهبل كجعفر بفتح الدال المهملة وسكون الهاء وفتح الباء الموحدة وسكون اللام
على أن فيها مفخراً لو سمعت به |
|
الى الشمس لم تحجب سناها غيومها |
فجردن من سحب الاباء بوارقاً |
|
يشيم الفنا قبل الفنا من يشيمها |
فما صعرت خداً لاحراز عزة |
|
إذا كان فيها ساعة ما يضيمها |
أولئك آل الله آل محمد |
|
كرام تحدّث ما حداها كريمها |
أكارم أولين المكارم رفعة |
|
فحمد العلى لولا علاهم ذميمها |
ضياغم أعطين الضياغم جرأة |
|
فما كان الا من عطاهم قدومها |
يخوضون تيار المنايا ظوامياً |
|
كما خاض في عذب الموارد هيمها |
يقوم بهم للمجد أبيض ماجد |
|
أخو عزمات أقعدت من يرومها |
حمى بعد ما أدى الحفاظ حماية |
|
وأحمى الحماة الحافظين زعيمها |
الى أن قضى من بعد ما إن قضى على |
|
|
|
ظماءٍ يُسلى بالسهام فطيمها |
|
أصابته شنعاء فلو حل وقعها |
|
على الأرض دكت قبل ذاك تخومها |
فأيِّمُها لم تلق بالطف كافلاً |
|
ولم ير من يحنو عليه فطيمها |
أضاءت غراب البين فيهم فأصبحت |
|
|
|
من الشجو لا تأوي العمارةَ بومها |
|
فقصّر فما طول الكلام ببالغ |
|
مداها رُمي بالعيّ عنها كليمها |
فما حملت ام الرزايا بمثلها |
|
وإن ولدت في الدهر فهي عقيمها |
أتت أولاً فيها بأول معضل |
|
فماذا الذي شحّت على من يسومها |
فأقسم لا تنفعك نفسي جزوعة |
|
وعيني سفوحاً لا يملّ سجومها |
حياتي أو تلقى امية وقعة |
|
يذل لها حتى الممات قرومها |
لقد كان في ام الكتاب وفي الهدى |
|
|
|
وفي الوحي لم ينسخ لقوم علومها |
|
فرائض في القرآن قد تعلمونها |
|
يلوح لذي اللب البصير أُرومها |
بها دان من قبل المسيح بن مريم |
|
ومن بعده لما أمرَّ بريمها |
فأما لكل غير آل محمد |
|
فيقضي بها حكامها وزعيمها |
وأما لميراث الرسول وأهله |
|
فكلٌ يراهم ذمها وجسيمها |
فكيف وضلوا بعد خمسين حجة |
|
يلام على هلك الشراة أديمها |
وهو وهب بن زمعة بن اسيد بن اميمة بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحي المعروف بأبي دهبل الجمحي .
خرج مع التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي ، ولما وقف على قبر الحسين « ع » في كربلاء قال : الابيات .
قال السيد الأمين في الأعيان ج ٥٢ ص ٥ :
وذكرنا في كتاب ( أصدق الأخبار ) عند ذكر التوابين لما جائوا إلى قبر الحسين « ع » انه قام في تلك الحال وهب بن زمعة الجعفي باكياً على القبر الشريف وأنشد أبيات عبيد الله بن الحر الجحفي وذكرنا في الحاشية أن المرتضى في أماليه نسبها لأبي دهبل الجمحي عدا البيتين الأخيرين وهذا خطأ ، فان أبا دهبل الجمحي اسمه وهب بن رمعة ويوشك أن يكون صواب العبارة هكذا : فقام عبيد الله بن الحر الجحفي وأنشد أبيات وهب بن زمعة الجمحي ، وكأن التحريف وقع في نسخة الكتاب الذي نقلنا عنه وتبعنا نحن ذلك ولعل عبيد الله زاد البيتين فيها فانه كان شاعراً .
وقال السيد ايضاً في الجزء الرابع ـ القسم الاول ـ من الأعيان : ابو دهبل الجمحي وهب بن زمعة وهو معاصر لمعاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد ورثى الحسين وهجا بني امية مع تحامي الناس ورثاه في عهد بني امية بأبيات اوردها المرتضى في الأمالي :
تبيت النشاوى من امية نوماً . . . الخ ، وهو من المائة الاولى (١)
اقول :
وأبو دهبل شاعر جميل عفيف ترجم له صاحب الاغاني فقال : كان أبو دهبل من اشراف بني جُمح ، وكان يحمل الحمالة وكان مسوداً
__________
(١) انظر ص ١٦٣ من الجزء الاول من اعيان الشيعة القسم الثاني .
وذكر بعض أبياته التي قالها في الإمام الحسين عليه السلام وجملة من شعره فمن قوله :
فواندمي ان لم أعُجَّ اذ تقول لي |
|
تقدّم غسبعنا الى ضحوة الغدِ |
تكن سكناً او تقدر العين أنها |
|
ستبكي مراراً فاسل من بعد واحمد |
فأصبحتُ مما كان بيني وبينها |
|
سوى ذكرها كالقابض الماء باليد |
وله :
يا ليت من يمنع المعروف يُمنعه |
|
حتى يذوق رجال غب ما صنعوا |
وليت رزق رجالٍ مثل نائلهم |
|
قوتٌ كقوت ووسع كالذي وسعوا |
وليت للناس خطاً في وجوههم |
|
تُبين أخلاقهم فيه اذا اجتمعوا |
وليت ذا الفحش لاقى فاحشاً ابداً |
|
ووافق الحلم اهلَ الحلم فابتدعوا |
٢٠ ـ المغيرة بن نوفل :
المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف كان مع الحسين بن علي عليهما السلام ، فأصابه مرض في الطريق ، فعزم عليه الحسين « ع » أن يرجع فرجع .
فلما بلغه قتله قال يرثيه :
أحزنني الدهر وأبكاني |
|
والدهر ذو صرف وألوانِ |
أفردني من تسعة قُتِّلوا |
|
بالطف أضحوا رهن أكفان |
وستة ليس لهم مشبه |
|
بني عقيل خير فرسان |
والمرء عون وأخيه مضى |
|
كلاهما هيَّج أحزاني |
من كان مسروراً بما نالنا |
|
وشامتاً يوماً فمِ الآن (١) |
__________
(١) ذكره المرزباني في معجم الشعراء ص ٢٧٢ .
جاء في جمهرة انساب العرب ان نوفل بن الحارث بن عبد المطلب له عقب كثير احدهم : المغيرة . ثم قال تزوج المغيرة هذا أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس ، وامها زينب بنت رسول الله ( ص ) ولم تلد له شيئاً ، ثم خلف عليها بعده علي بن أبي طالب ولم تلد ايضاً لعلي شيئاً .
ومن ولد المغيرة : يحيى بن يزيد بن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل بن الحارث روى عنه وعن أبيه الحديث .
وروى الشيخ المامقاني في ( تنقيح المقال ) ذلك وقال : لما خرج أمير المؤمنين ( ع ) خاف من معاوية أن يتزوج بأمامة فأمر المغيرة بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب ان يتزوجها بعده فلما توفي امير المؤمنين ( ع ) وقضت العدة تزوجها المغيرة .
وذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى : فقال المغيرة بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب امه ضُريبة بنت سعيد بن القَشِب . ثم ذكر جملة من أحواله .
وابوه نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف . وهو القائل لما أخرج المشركون من كان بمكة من بني هاشم الى بدر كرها :
حرام علي حرب أحمد انني |
|
أرى احمداً مني قريباً اواصرهُ |
وإن تك قهرٌ ألبّت وتجمعت |
|
عليه فإن الله ات شك ناصره |
وقال أيضاً :
إليكم اليكم إنني لست منكم |
|
تبرأت من دين الشيوخ الأكابر |
لعمرك ما ديني بشيء أبيعه |
|
وما أنا اذ أسلمت يوماً بكافر |
شهدتُ على أن النبي محمداً |
|
أتى بالهدى من ربه والبصائر |
وأن رسول الله يدعو الى التقى |
|
وإن رسول الله ليس بشاعر |
على ذاك أحيا ثم أُبعث موقتاً |
|
وأُثوى عليه ميتاً في المقابر |
قال ابن سعد في الطبقات الكبرى : وأسر نوفل بن حارث ببدر فقال له رسول الله ( ص ) : أفد نفسك يا نوفل ، قال ما لي شيء أفدي به نفسي يا رسول الله قال : أفد نفسك برماحك التي بجده ، قال : اشهد انك رسول الله ففدى نفسه وكانت الف رمح .
وأسلم نوفل بن الحارث وكان أسن من أسلم من بني هاشم ، أسن من عمه حمزة والعباس ، وأسن من اخوته ربيعة وأبي سفيان وعبد شمس بني الحارث . ورجع نوفل الى مكة ثم هاجر هو والعباس الى رسول الله ( ص ) أيام الخندق . وآخى رسول الله بينه وبين العباس ابن عبد المطلب وكانا قبل ذلك شريكين في الجاهلية متقاوضين في المال متحابين متصافين . وأقطع رسول الله ( ص ) نوفل بن الحارث منزلا عند المسجد بالمدينة وشهد نوفل مع رسول الله ( ص ) فتح مكة وحنين والطائف ، وثبت يوم حنين مع رسول الله ( ص ) ، فكان عن يمينه يومئذ ، وأعاده رسول الله ( ص ) يوم حنين بثلاثة آلاف رمح .
وتوفي نوفل بن الحارث بعد أن استخلف عمر بن الخطاب بسنة وثلاثة اشهر ودفن بالبقيع .
٢١ ـ مصعب بن الزبير :
قال مصعب بن الزبير بن العوام لما باشر الحرب :
وإن الأولى بالطفِّ من آل هاشم |
|
|
|
تآسوا فسنوا للكرام التآسيا |
|
مُصْعب بن الزبير بن العوام بن خويلد ولاه أخوه عبد الله على العراق فبدأ بالبصرة فنزلها ثم خرج في جيش كثير الى المختار بن ابي عبيد وهو بالكوفة فقاتله حتى قتله وبعث برأسه الى أخيه عبد الله بن الزبير .
قال ابن سعد في الطبقات الكبرى : قتل مصعب يوم الخميس للنصف من جمادى الاولى سنة اثنتين وسبعين وكان الذي سار اليه فقتله عبد الملك بن مروان . قالوا : ولما استقتل أنشد هذا البيت .
٢٢ ـ عبد الله بن الزبير الاسدي (١) :
اذا كنت لا تدرين ما الموت فانظري |
|
|
|
إلى هاني بالسوق وابن عقيل |
|
إلى بطل قد هشّم السيف وجهه |
|
وآخر يهوى من طمار قتيل |
أصابهما أمر الامير فأصبحا |
|
أحاديث مَن يسري بكل سبيل |
ترى جسداً قد غير الموت لونه |
|
ونضْح دم قد سال كل مسيل (٢) |
أيركب اسماء الهماليج (٣) آمناً |
|
وقد طلبته مذحج بذحول |
تطيف حواليه مراد وكلهم |
|
على رقبة من سائلٍ ومسول |
فان انتم لم تثأروا بأخيكم |
|
فكونوا بغايا أُرضيت بقليل (٤) |
__________
(١) الزبير بفتح الزاي المعجمة كحبيب ، قال الشيخ السماوي في ابصار العين : هو من بني اسد بن خزيمة ، وكان يتشيع . ذكره المرزباني في معجم الشعراء وذكر له شعراً .
(٢) وفي رواية الطبري في تاريخه بعد البيت الرابع هذا البيت .
فتى هو أحيى من فتاة حيية |
|
واقطع من ذي شفرتين صقيل |
(٣) الهماليج جمع هملاج وهو البرذون
(٤) وقيل هذه الابيات للفرزدق
لما كانت قصة مسلم بن عقيل وهاني بن عروة تتصل بواقعة الطف ويوم الحسين اتصالا وثيقاً رأينا من الواجب ان لا تخلو هذه الموسوعة من هذه القطعه الشعرية وضم كل ما قيل من الشعر في حق مسلم وهاني إلى هذه الإضمامة ، وها نحن نذكر باختصار ترجمة مقتضبة للشهيدين مسلم وهاني .
مسلم بن عقيل بن ابي طالب عليه السلام :
هو سفير الحسين الى الكوفة والذي كتب الحسين في حقه إلى اهل الكوفة : اما بعد فقد ارسلت اليكم اخي وابن عمي وثقتي من اهل بيتي مسلم بن عقيل ، فهذه الشهادة من الامام في حقه تدلنا على فضله ومقامه . والى هذا اشار الخطيب الاديب الشيخ محمد علي اليعقوبي في قصيدة قالها في مسلم بن عقيل :
ولو لم يكن خير الاقارب عنده |
|
لما اختاره منهم سفيراً مقدما |
وقال الخطيب الشاعر السيد مهدي الاعرجي :
يكفيك يابن عقيل فخراً في الورى |
فيه سموتَ الى السماك الأعزلِ |
|
إذ في رسالته الحسين لك اصطفى |
حيث الرسول يكون عقل المرسِل |
قال ابن شهر اشوب في المناقب ان علي بن ابي طالب امير المؤمنين « ع » لما عبأ عسكره يوم صفين جعل على ميمنته الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر ومسلم بن عقيل . فانظر بمن قرنه وبصف من جعله اما امّه فقد ذكر ابن قتيبة في المعارف انها نبطيَّة من آل فرزند ـ والنبط جيل ينزلون بالبطائح وهي ارض واسعة بين واسط
والبصرة كانت قديماً قرى متصلة وارضاً عامرة (١) فانجبت مسلم بن عقيل بطل الحروب واول شهيد في ثورة كربلاء والمغامر في سبيل الدعوة لابن بنت الرسول وموقفه بالكوفة وهو وحيد وما ابداه من البسالة يكفيه فخراً ، ولا زالت المحافل تروي يومه المشهود بكل فخر وتنظم من الشعر في تعداد مكارمه ومآثره .
هاني بن عروة المذحجي المرادي الغطيفي :
كان صحابياً كأبيه عروة وكان معمراً ، وهو وأبوه من وجوه الشيعة ، وحضرا مع امير المؤمنين علي بن أبي طالب « ع » حروبه الثلاث وهو القائل يوم الجمل :
يا لك حرباً حثها جمالها |
|
يقودها لنقصها ضلالها |
|
هذا عليٌ حوله أقبالها |
|
قال ابن سعد في الطبقات أن عمره كان يوم قتل بضعاً وتسعين سنة ، وكان يتوكأ على عصاً بها زج وهي التي ضربه بها ابن زياد .
قال المسعودي في مروج الذهب : انه كان شيخ مراد وزعيمها يركب في أربعة آلاف دارع وثمانمائة آلاف راجل ، فإذا تلاها احلافها من كندة ركب في ثلاثين الف دارع ، وذكر المبرد في الكامل وغيره ان
__________
(١) ذكر البحاثة السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه « الشهيد مسلم بن عقيل » قال : ام مسلم بن عقيل نبطية ، والنبط في جبل شمر وهو المعروف يحبل أجاء وسلمي ـ منزل لطي ، وأخيرا ـ اي في القرن الثالث عشر والرابع عشر كان منزلا لآل رشيد حتى تغلب عليهم عبد العزيز آل سعود ، وشمر في اواسط بلاد العرب ثم نزحوا الى العراق لما فيه من الخصب والرخاء فأقاموا في سواد العراق ، وما انكر احد في ان لغة النبط عربية كاسماء ملوكهم البالغين ثمانية عشر .
ادب الطف ( ١٠ )
عروة خرج مع حجر بن عدي وأراد معاوية قتله فشفع فيه زياد بن ابيه ، أما موقف هاني دون مسلم بن عقيل فهو من المواقف المشرفة ولا زال يذكر فيشكر حتى قتل شهيداً وهناك من يشكك بموقف هاني وانه كان مدفوعاً بدافع العصبية والذب عن الجار فقط . اقول وذلك تجنّ على كرامة الرجل ، وكتب السيد محمد مهدي بحر العلوم قدس الله روحه في رجاله في احوال هاني ، ونزهه عن كل شائبة ، وقد استوفينا البحث في مخطوطنا ( الضرائح والمزارات ) .
قال المرزباني في معجم الشعراء : عبد الله بن الزبير بن الاعشى ـ واسمه قيس بن بجرة بن قيس بن منقذ بن طريف بن عمرو بن قعين الاسدي . والزبير هو ابن أخ الشاعر مطير ابن الاشيم كان شاعراً شريفاً ، قال : وعبد الله بن الزبير هو القائل في رثاء عمير بن ضابىء ابن الحارث البرجمي لما قتله الحجاج بالكوفة :
تجهز فاما أن تزور ابن ضابىء |
|
عميراً واما ان تزور المهلبا |
هما خطتا خسف نجاؤك منهما |
|
ركوبك حولياً من الثلج أشهبا |
٢٣ ـ يحيى بن الحكم :
لهامٌ بجنب الطف أدنى قرابة |
|
|
|
من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغلِ (١) |
|
سمية أمسى نسلها عدد الحصى |
|
|
|
وبنت رسول الله ليست بذي نسل |
|
__________
(١) كان زياد ينسب لأبي عبيد : عبد بني علاج من بني ثقيف لان سمية اتهمت به ، وولدت زيادا على فراشه فكان يسمى « الدعي » واشار اليه النسابة الكلبي بقوله :
فان يكن الزمان جنى علينا |
|
بقتل الترك والموت الوحي |
فقد قتل الدعي ، وعبد كلب |
|
بارض الطف اولاد النبي |
اراد بعبد كلب : يزيد لان امه ميسون بنت بجدل الكلبية امكنت عبد ابيها من نفسها فولدت يزيد . وبالدعي : عبيد الله بن زياد . ولما سئلت عائشة عن زياد لمن يدعى ، قالت : هو ابن ابيه . وكان زياد يسمى : وليجة بني امية ، وفي اللغة : الوليجة : الرجل الذي يدخل في القوم وليس منهم . ولما استلحق معاوية بابي سفيان غضب لذلك بنو امية لانه اولج فيهم من ليس منهم ، فقال عبد الرحمن بن الحكم الا ابلغ معاوية بن حرب . . الابيات .
قال السيد الامين في الاعيان ج ٢١ ص ١٧٧ في ترجمة الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب :
ويحيى هذا مع أنه أخو مروان وابن الحكم فقد كان له مواقف حسنة منها الموقف الذي نفع فيه الحسن بن الحسن عند عبد الملك وسعى في قضاء حاجته ، ومن مواقفه المحمودة أنه لما ولي اخوه مروان الخلافة ـ وكان يلقب خيط باطل (١) ـ انشد يحيى :
لحا الله قوماً أمرُّوا خيط باطل |
|
|
|
على الناس يعطي ما يشاء ويمنع |
|
ومنها أنه سأل اهل الكوفة الذين جاؤوا بالسبايا والرؤوس
ما صنعتم فأخبروه فقال : حُجبتم عن محمد « ص » يوم القيامة لن أُجامعكم على أمر ابداً .
ومنها انه لما ادخل السبايا والرؤوس على يزيد كان عنده يحيى هذا فقال : لهام بجنب الطف أدنى قرابة ـ البيتان .
فضرب يزيد في صدره وقال : اسكت ، وفي رواية انه اسرَّ اليه وقال : سبحان الله في هذا الموضع ما يسعك السكوت .
وقال البلاذري في انساب الاشراف : كان يحيى بن الحكم والياً على المدينة لعبد الملك وكان يكنى ابا مروان .
أقول والمشهور بالشعر هو عبد الرحمن بن الحكم ويكنى أبا مطرِّف ويقال أبا حرب ، فكان شاعراً ـ كما في ( انساب الاشراف ) . كما
__________
(١) يقال : ادق من خيط باطل ، وهو الهباء المنبت في الشمس ، وقيل لعاب الشمس ، وقيل الخيط الخارج من فم العنكبوت الذي يقال له : مخاط الشيطان . وكان مروان بن الحكم يلقب بذلك لانه كان طويلا مضطرباً .
أن يحيى كان شاعراً ولكن عبد الرحمن كان أشهر واكثر شعراً .
وذكر ابو الفرج في ( الأغاني ) ج ١٥ مهاجاة لعبد الرحمن بن الحكم بن العاص بن امية مع عبد الرحمن بن حسان وشعر كلٍ منهما .
ويقول أبو الفرج أخبرني ابن دريد قال أخبرني الرياشي قال حدثنا ابن بكير عن هشام ابن الكلبي عن خالد بن سعيد عن أبيه قال : رأيت مروان بن الحكم يطوف بالبيت ويقول : اللهم اذهب عني الشعر . واخوه عبد الرحمن يقول : اللهم اني اسألك ما استعاذ منه فذهب الشعر عن مروان وقاله عبد الرحمن .
ومما روى ابو الفرج في الأغاني ، والحيوان للجاحظ ، وخزانة الادب من شعر عبد الرحمن بن الحكم ـ اخي مروان ـ قوله مخاطباً لمعاوية :
ألا أبلغ معاوية بن حرب |
|
مغلغلةً عن الرجل اليماني |
أتغضب ان يقال أبوك عفُ |
|
وترضى أن يقال ابوك زان |
وأشهد أن إلَّك من زياد |
|
كإلِّ الفيل من ولد الاتان |
وأشهد انها حملت زياداً |
|
وصخرٌ من سمية غير دان |
قال ابو الفرج : والناس ينسبونها إلى ابن مفرِّغ لكثرة هجائه لزياد وذلك غلط .
اقول ويغلب على ظني أنه في القرن الاول فان اخاه مروان مات سنة خمس وستين هـ .
٢٤ ـ خالد بن المهاجر :
قال خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي في قتل الحسين عليه السلام :
أبني امية هل علمتم انني |
|
أحصيت ما بالطف من قبرِ |
صب الإله عليكم غضباً |
|
أبناء جيش الفتح او بدرِ |
قال السيد الأمين في الأعيان : هو حفيد خالد بن الوليد الصحابي المشهور الذي أسلم قبيل الفتح ، وكان المهاجر والد خالد مع علي « ع » بصفين وكان خالد على رأي ابيه هاشمي المذهب ودخل مع بني هاشم الشِعب ( يعني ايام ابن الزبير حين حصرهم فيه وأراد احراقهم إن لم يبايعوه ) وكان عمه عبد الرحمن بن خالد بن الوليد مع معاوية بصفين ولهذا كان خالد بن المهاجر أسوأ الناس رأياً في عمه .
وفي جمهرة أنساب العرب ص ١٤٧ خالد بن المهاجر كان الزهري يروى عنه . ثم قال : وكثر ولد خالد بن الوليد حتى بلغوا نحو أربعين رجلاً ، وكانوا كلهم بالشام ، ثم انقرضوا كلهم في طاعون وقع فلم يبق لأحد منهم عقب . وقال الزبيري في كتابه ( نسب قريش ) :
خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد امه مريم بنت لجأ بن عوف ابن خارجة بن سنان بن أبي حارثة .
وكان خالد بن المهاجر بن خالد اتهم معاوية بن أبي سفيان أن يكون دسّ الى عمه عبد الرحمن بن خالد متطبباً يقال له ابن أُثال فسقاه في دواء شربة فمات منها ، فاعترض لابن اثال فقتله ، ثم لم يزل مخالفا بني امية وكان شاعراً ، وهو الذي يقول في قتل الحسين بن علي « ع » يخاطب بني امية ( البيتان ) .
أقول : وروى له بعض الشعر .
٢٥ ـ شيخ يروي ابيات :
دخل شيخ كبير السن على الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليه السلام فأنشده أبيات قالها جده :
عجباً لمصْقولٍ علاك فرندُه |
|
يومَ الهياج وقد علاك غبارُ |
ولأسهم نفذتك دون حرائر |
|
يدعون جدّك والدموع غزار |
هلا تقصّفت السهامُ وعاقها |
|
عن جسمك الإجلال والإكبار |
في المناقب لابن شهراشوب أن المنصور تقدم الى موسى بن جعفر عليه السلام بالجلوس للتهنئة في يوم ( النيروز ) وقبض ما يحمل اليه من الهدايا ، فقال « ع » : إني فتشت الأخبار عن جدي رسول الله فلم أجد لهذا العيد خبراً ، وانه سنّة للفرس ومحاها الإسلام ، ومعاذ الله أن يحيي ما محاه الإسلام .
أقول : سمعت أنه طلب ذلك من الصادق عليه السلام فوجّه ولده موسى ، فقال المنصور : إنما نفعل ذلك سياسة للجند فسألتك بالله العظيم إلا جلستَ ، فجلس ودخل عليه الملوك والأمراء والاجناد يهنّونه ويحملون اليه الهدايا والتحف وعلى رأسه خادم المنصور يحصي ما يُحمل ، فدخل في آخر الناس شيخ كبير السن فقال يا بن بنت رسول الله انني رجل صعلوك لا مال لي اتحفك به ولكن اتحفك بثلاثة أبيات قالها جدي في جدك الحسين عليه السلام وهي :
عجباً لمصقول علاك فرنده . . . الأبيات .
قال عليه السلام : قبلت هديتك ، اجلس بارك الله فيك ، ورفع رأسه الى الخادم وقال له : امض الى امير المؤمنين وعرفه بهذا المال وما يصنع به ، فمضى الخادم ثم عاد وهو يقول : كلها هبة مني له يفعل بها ما اراد ، فقال الإمام عليه السلام للشيخ اقبض هذا المال فهو هبة مني لك .
واذا كانت الرواية تقول عن هذا الشيخ انه كبير السن وجاء بالأبيات التي قالها جده فيمكن أن يكون جده من القرن الاول الهجري اذ ان القصة كانت في اواسط القرن الثاني ومن ذلك نستطيع أن نقول ان جده كان في عصره الحسين عليه السلام وممن شاهد الوقعة والله أعلم .
استدراك :
فاتنا أن نذكر ما عثرنا عليه من قصيدة الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب التي جاءت في ص ٨٠ ثلاثة أبيات فقط وها هي البقية :
كلما أحدثوا بأرض نقيقاً |
|
ضمنونا السجون أو سيرونا |
قتلونا بغير ذنب اليهم |
|
قاتل الله امة قتلونا |
ما رعوا حقنا ولا حفظوا فينا وصاة الإله بالأقربينا |
||
جعلونا أدنى عدو اليهم |
|
فهمُ في دمائهم يسبحونا |
انكروا حقنا وجاروا علينا |
|
وعلى غير إحنة ابغضونا |
غير أن النبي منا وإنا |
|
لم نزل في صلاتهم راغبينا |
إن دعونا الى الهدى لم يجيبو |
|
نا ، وكانوا عن الهدى ناكبينا |
فعسى الله أن يديل أُناساً |
|
من اناس فيصبحوا طاهرينا |
فتقر العيون من قوم سوء |
|
قد أخافوا وقتتلوا المؤمنينا |
من بني هاشم ومن كل حي |
|
ينصرون الإسلام مستنصرينا |
في اناس آباؤهم نصروا الدين |
|
وكانوا لربهم ناصرينا |
تحكم المرهفات في الهام منهم |
|
بأكف المعاشر الثائرينا |
أين قتلى منهم بغيتم عليهم |
|
ثم قتلتموهمُ ظالمينا |
أرجعوا هاشماً وردوا ابا اليقظان وابن البديل في آخرينا |
||
وارجعوا ذا الشهادتين وقتلى |
|
أنتمُ في قتالهم فاجرونا |
ثم ردّوا أبا عمير وردوا |
|
لي رشيداً وميثما والذينا |
قتلوا بالطفوف يوم حسين |
|
من بني هاشم وردوا حسينا |
أين عمرو واين بشرٌ وقتلى |
|
معهم في العراء ما يدفنونا |
أرجعوا عامراً وردوا زهيراً |
|
ثم عثمان فارجعوا غارمينا |
وارجعوا هانياً وردوا إلينا |
|
كل من قتلتم أجمعينا |
إن تردوهم الينا ولسنا |
|
منكم غير ذلكم قابلينا |
١ ـ سكينة بنت الحسين « ع »
٢ ـ فاطمة بنت الحسين « ع »
٣ ـ سفيان بن مصعب العبدي
٤ ـ الكميت الأسدي
٥ ـ جعفر بن عفان الطائي
٦ ـ سيف بن عميرة
٧ ـ اسماعيل الحميري
٨ ـ منصور النمري
٩ ـ محمد بن ادريس الشافعي
١٠ ـ الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن امير المؤمنين
١١ ـ النجاشي
١ ـ سكينة بنت الحسين « ع » :
لا تَعْذليه فهمَّ قاطعٌ طُرقُه |
|
فعينه بدموع ذُرِّفٍ غدقه |
إن الحسين غداة الطف يرشقه |
|
ريب المنون فما أن يُخطىء الحدقه |
بكفّ شر عباد الله كلهم |
|
نسل البغايا وجيش المرَّق الفسقة |
يا أمة السوء هاتوا ما احتجاجكم |
|
غداً وجلُّكم بالسيف قد صفقه |
الويل حل بكم إلا بمن لحقه |
|
صيرتموه لأرماح العدى درقه |
يا عين فاحتفلي طول الحياة دماً |
|
لا تبك ولداً ولا أهلاً ولا رفقه |
لكن على ابن رسول الله فانسكبي |
|
قيحاً ودمعاً وفي أثريهما العلقة |
رواها الزجاج عبد الرحمن بن اسحق في الأمالي طبعة ١٣٢٤ ص ١١١ . قال انشدنا ابو بكر بن دريد عن ابي حاتم سهل بن محمد السجستاني لسكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
كانت السيدة سكينة سيدة نساء عصرها وأوقرهن ذكاء وعقلا وأدباً وعفة ، وكانت تزيّن مجالس نساء أهل المدينة بعلمها وأدبها وتقواها ، وكان منزلها بمثابة ندوة لتعلم العلم والفقه والحديث .
ولدت الرباب : سكينة وعبد الله . فاما عبد الله فقد قتل رضيعاً في حجر ابيه يوم عاشوراء وذلك لما قتل اهل بيته وصحبه وبقي وحده .
وأما سكينة فقد روى الشيخ عباس القمي في ( نفس المهموم ) أن اسمها آمنة وقيل أمينة وانما امها الرباب لقبتها بسكينة كما ذكر ابن خلكان في ترجمتها ذلك في وفيات الاعيان وكذا في شذرات الذهب في ج ١ ص ١٥٤ ونور الابصار ص ١٥٧ ويظهر ان امها انما أعطتها هذا اللقب لسكونها وهدوئها . وعلى ذلك فالمناسب فتح السين المهملة وكسر الكاف التي بعدها ، لا كما يجري على الالسن من ضم السين وفتح الكاف .
والمحكي عن شرح أسماء رجال المشكاة أنه مصغر بضم السين وفتح الكاف . ومثله القاموس . قال البحاثة السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه ( سكينة بنت الحسين ) :
ولم يتضح لنا سنة ولادتها ولا مقدار عمرها كما صح لنا ولادتها بالمدينة ووفاتها فيها كما في تهذيب الاسماء للنووي ج ١ ص ٢٦٣ ، ومعارف ابن قتيبة وتذكرة الخواص وابن خلكان بترجمتها .
قال السيد الامين في ( الاعيان ) عن ابن خلكان : توفيت السيدة سكينة بالمدينة يوم الخميس لخمس خلون من شهر ربيع الاول سنة ١١٧ هـ . سنة سبع عشرة ومائة بعد الهجرة .
وقال : كانت سيدة نساء عصرها ومن اجمل النساء ، وعمرها على ما قيل خمس وسبعون سنة ، فعلى هذا كان لها بالطف تسعة عشر سنة .
وقال سبط ابن الجوزي ماتت فاطمة بنت الحسين واختها سكينة في سنة واحدة وهي سنة مائة وسبعة عشرة بعد الهجرة .
روى الصبان في اسعاف الراغبين ان الحسن المثنى بن الحسن بن امير المؤمنين « ع » أتى عمه الحسين يخطب احدى ابنتيه : فاطمة وسكينة فقال له أبو عبد الله : اختار لك فاطمة فهي اكثر شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول الله ( ص ) ، أما في الدين فتقوم الليل كله وتصوم النهار ، وفي الجمال تشبه الحور العين .
واما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله فلا تصلح لرجل ، أقول هذه شهادة من الإمام أبي عبد الله في تقوى هذه ، السيدة المصونَة وأنها منقطعة الى الطاعة والعبادة فكأنها لا تأنس بغيرها وهذا مما زاد في محلها من قلب أبيها الحسين امام عصره حتى استحقت أن يضعها المعصوم بخيرة النساء وذلك لما ودع الإمام عيالاته يوم عاشوراء أجلس سكينة وهو يمسح على رأسها ويقول :
لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة |
|
ما دام مني الروح في جثماني |
فإذا قتلت فأنت أولى بالذي |
|
تأتينه يا خيرة النسوان |
أيليق بهذه المصونة الجليلة والحرة النبيلة أن تجالس الشعراء وينشدونها الأشعار كما روى ذلك ابو الفرج المرواني في الأغاني وروايته عن آل الزبير وعداوة آل الزبير لآل النبي مشهورة مذكورة .
سكينة بنت الحسين التي نشأت في حضن الرسالة ودرجت في حجر الإمامة بنت الحسين سيد أهل الإباء ، وعاشت بجنب عمتها وسيدتها العظيمة الحوراء زينب بنت امير المؤمنين « ع » وبجوار اخيها السجاد زين العابدين ، تحوطها هالة من أنوار الميامين الأبرار ومن سادات بني هاشم الكرام ، ان من يتربى ويترعرع في مدرسة الرسالة
المحمدية ويتفقه بفقه القرآن ويتأدب بالادب العلوي العالي ويتهذب بالتربية الحسينية الرفيعة مثل السيدة سكينة لا يمكن أن ترضى لنفسها أو تسمح لصواحبها وأترابها من نسوة المدينة من أهل الشرف بالاجتماع مع الرجال الاجانب مهما كانوا وهي من بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
أيصح أن تقوم خيرة النساء في عصرها ـ كما يقول سيد الشهداء ـ وهي ترى أخاها السجاد عليه السلام يغمى عليه بين حين وآخر ويعقد المجالس للنياحة على أبيه الشهيد والثواكل من نساء بني هاشم يندبن قتلاهن ثم تعقد هي مجلس السمر مع الشعراء .
كتب العلامة السيد عبد الرزاق المقرم ودافع عن كرامة بنت الحسين وأعقبه المحقق الاستاذ توفيق الفكيكي فأجاد وأفاد واستهل كتابه بهذا البيت ـ وهو للسيد الشريف الرضي :
وقد نقلوا عني الذي لم أفه به |
|
وما آفةُ الاخبار الا رواتها |
وجاء بقصيدة عمر بن أبي ربيعة التي قالها سعدى بنت عبد الرحمن بن عوف واولها :
قالت سكينةُ والدموع ذوارفٌ |
|
تجري على الخدين والجلبابِ |
وذكر عدة مصادر منها ما حققه المحقق العلامة الشنقيطي في شرح أمالي الزجاج كما أوردها صاحب الاغاني ايضاً :
قالت سعيدة والدموع ذوارفٌ ، واستدل بمصادر عديدة منها الحصري في ( زهر الآداب ) كما انها في ديوان عمر بن أبي ربيعة هكذا : قالت سعيدة والدموع ذوارف .
وان لعمر بن أبي ربيعة شعراً كثيراً في ( سعدى ) يورده صاحب
ادب الطف ـ ( ١١ )
الاغاني ، ثم روى ايضاً عن حماد بن اسحاق الموصلي ومعجم الادباء وشارح ديوان عمر بن أبي ربيعة وكلها تؤيد ما يقول وتصرح بأن هذا الشعر ليس في سكينة ، وان هذه الرواية المدسوسة التي يرويها القالي عن استاذه الزجاج وهذا عن شيخه المبرد رواها عن القصاصين والمغنين الذين عاشوا على موائد البلاط الأموي .
قال : وهناك أهم من هذا كله ـ وهو العنصر السياسي فانه كان العامل المهم في هذا التغيير خاصة اذا ما علمنا أن الشيخ القالي اموي الفكرة وان جده سلمان كان مولى الى عبد الملك بن مروان ، وقد عاش بقية حياته في كنف الخليفة الاموي عبد الرحمن الناصر وابنه الحكم في الاندلس ، وكان من مقتضى السياسة الاموية في الشرق والغرب ومن مصلحتها أن تذيع هذه القصيدة وامثالها على لسان المغنين والمغنيات والقصاصين باسم ( سكينة ) بنت الحسين ، ومما يؤيد ذلك استنكار الرشيد وغضبه على اسحاق الموصلي عندما غنى بين يديه بما حفظه عن المغنين : قالت سكينة والدموع ذوارف ، وقوله : الا تتحفظ في غنائك وتدري ما يخرج من رأسك انتهى (١) .
ويأتي سؤال هل تزوجت سكينة بنت الحسين ؟ وبمن تزوجت ؟ نقول أن علماء النسب والتاريخ يذكرون ان سكينة تزوجت بعبد الله الاكبر بن الإمام الحسن السبط وهو أخو القاسم ، وامهما رملة . استشهد يوم الطف قبل القاسم . ومن هؤلاء الأعلام النسابة ابو الحسن العمري في القرن السادس في كتابه ( المجدي ) وابو علي الطبرسي صاحب مجمع
__________
(١) كتب القانوني البارع الأستاذ توفيق الفكيكي كتابا عن حياة السيدة سكينة بنت الحسين « ع » وكان هذا الكتاب الحلقة الخامسة من سلسلة حديث الشهر التي اصدرها العلامة البارع الشيخ عبد الله السبيتي .
البيان في إعلام الورى ص ١٢٧ عند ذكر اولاد الحسن ، والشيخ محمد الصبان في اسعاف الراغبين على هامش نور الابصار ص ٢٠٢ ، وروى الشيخ عباس القمي في سفينة البحار عن اعلام الورى في ذكر اولاد الحسين بن علي « ع » : وكان عبد الله بن الحسن قد زوجه الحسين ابنته سكينة فقتل قبل أن يبنى بها .
بعض ما جاء في فضلها :
١ ـ روى ابن الفرج ان سكينة بنت الحسين « ع » كانت في مأتم فيه بنت لعثمان فقالت بنت عثمان : أنا بنت الشهيد ، فسكتت سكينة فقال المؤذن : أشهد أن محمداً رسول الله . قالت سكينة هذا أبي او أبوك ، فقالت العثمانية : لا أفخر عليكم أبداً .
٢ ـ وروى سبط ابن الجوزي عن سفيان الثوري قال : أراد علي بن الحسين الخروج الى الحج او العمرة فاتخذت له اخته سكينة بنت الحسين سفرة طعام أنفقت عليها الف درهم وأرسلت بها اليه ، فلما كان بظهر الحرّة أمر بها ففرقت في الفقراء والمساكين .
٣ ـ وفي تاريخ ابن خلكان : ان سكينة سيدة نساء عصرها .
٤ ـ وقال مؤرخ دمشق شمس الدين محمد بن طولون في كتابه ( الأئمة الاثنا عشر ) قدمت سكينة دمشق مع اهلها ثم خرجت الى المدينة . وكانت من سادات النساء واهل الجود والفضل رضي الله عنها وعن ابيها .
٢ ـ فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب «ع» :
قالت تنعي أباها :
نعق الغرابُ فقلت مَن |
|
تنعاه ويحك يا غرابْ |
قال : الإمام فقلت مَن |
|
قال : الموفق للصواب |
قلت : الحسين ، فقال لي |
|
بمقال محزون أجاب |
إن الحسين بكربلا |
|
بين الأسنة والحراب |
أبكي الحسين بعبرة |
|
ترضى الإلۤه مع الثواب |
ثم استقلّ به الجناح |
|
فلم يطق ردّ الجواب |
فبكيت مما حلّ بي |
|
بعد الرضى المستجاب (١) |
__________
(١) الدر المنثور في طبقات ربات الخدور . قالت : وقيل أن هذه الابيات لفاطمة الصغرى وأنها تخلفت بالمدينة .
فاطمة بنت الحسين ـ امها ام اسحاق بنت طلحة بن عبيد الله وكانت عند الحسن بن علي « ع » وقد كانت قد ولدت من الحسن طلحة وقد درج ولا عقب له . كذا قال ابو الفرج . ثم تزوجها الحسين بوصية من اخيه الحسن فولدت له فاطمة تزوج بها الحسن المثنى بن الحسن بن امير المؤمنين . روى الصبان في اسعاف الراغبين : ان الحسن المثنى بن الحسن أتى عمه أبا عبد الله الحسين يخطب احدى ابنتيه : فاطمة وسكينة ، فقال له أبو عبد الله « ع » أختار لك فاطمة ، فهي أكثر شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول الله « ص » ، أما في الدين فتقوم الليل كله وتصوم النهار ، وأما في الجمال تشبه الحور العين ، وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله تعالى فلا تصلح لرجل .
جاء في الدر المنثور :
ولما مات الحسن المثنى خرجت زوجته فاطمة بنت الحسين « ع » على قبره فسطاطا ، وكانت تقوم الليل وتصوم النهار ، فلما كان رأس السنة قالت لمواليها : اذا أظلم الليل فقوَّضوا هذا الفصطاط ، فلما أظلم الليل وقوَّضوه سمعت قائلا يقول : هل وجدوا ما فقدوا . فأجابه آخر : بل يئسوا فانقلبوا .
قالت : وكانت فاطمة كريمة الاخلاق حسنة الاعراق ، وكانت فاطمة اكبر سناً من اختها سكينة وترى انها مدفونة في مصر خلف الدرب الاحمر في زقاق يعرف بزقاق فاطمة النبوية في مسجد جليل ومقامها عظيم وعليه المهابة والجلال .
وبأعلى القبر لوح من الرخام منقوش عليه بخط بديع :
أسكنت من كان في الأحشاء مسكنه |
|
|
|
بالرغم مني بين الترب والحجرِ |
|
يا قبر فاطمة بنت ابن فاطمة |
|
بنت الأئمة بنت الأنجم الزهر |
يا قبر ما فيك من دين ومن ورع |
|
ومن عفاف ومن صون ومن خفر |
وتقول المؤلفة ان وفاتها كانت سنة عشر ومائة للهجرة :
قال الشيخ عباس القمي في كتابه ( نفس المهموم ) : توفيت فاطمة بنت الحسين في السنة التي توفيت بها اختها سكينة بنت الحسين وهي سنة سبع عشرة بعد المأة من الهجرة بالمدينة .
اولادها :
١ ـ عبد الله المحض وإنما سُمي بالمحض لأنه اجتمعت عليه ولادة الحسن والحسين وكان يشبه برسول الله « ص » وهو شيخ بني هاشم في عصره وكان يتولى صدقات امير المؤمنين علي « ع » . وقيل له : بِمَ صرتم أفضل الناس ؟ فقال : لأن الناس كلهم يتمنون أن يكونوا منا ولا نتمنى أن نكون من احد .
وكان من شعره :
بيضٌ حرائر ما هممن بريبةٍ |
|
|
|
كضِباء مكة صيدهنَّ حرامُ |
|
يُحسَبن من لين الكلام زوانيا |
|
ويصدّهن عن الخنا الاسلام |
مات في حبس المنصور الدوانيقي بالهاشمية يوم عيد الأضحى سنة خمس واربعين ومائة وصلى عليه اخوه الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وله من العمر خمس وسبعون سنة ، وله
من الاولاد محمد ذو النفس الزكية ، وابراهيم باخمرا من أبطال الهاشميين .
٢ ـ ابراهيم الغمر .
٣ ـ الحسن المثلث .
وكل من هؤلاء له عقب وكلهم ماتوا في حبس المنصور الدوانيقي لما حج المنصور ايام ولايته سنة ٤٥ من الهجرة ودخل المدينة جمع بني الحسن فكانوا اكثر من عشرين رجلا وقيدهم بالحديد وقال لعبد الله المحض اين الفاسقان الكذابان ـ يعني ولديه محمد وابراهيم ـ قال : لا علم لي بهما ، فاسمعه كلاماً بذيئاً ثم اوقفه واخوته وعامة بني الحسن في الشمس مكشوفة رؤوسهم وركب هو في محمل مغطى فناداه عبد الله المحض : يا امير أهكذا ـ فعلنا بكم يوم بدر ـ يشير الى صنع النبي « ص » بالعباس حين بات يأنُّ ، قيل له : ما لك يا رسول الله لا تنام ، قال : كيف أنام وأنا أسمع أنين عمي العباس في الوثاق . قالوا : وكانت طفلة لعبد الله المحض اسمها فاطمة قد وقفت على الطريق لما مرَّ محمل المنصور وقالت يا أمير المؤمنين ، فالتفت اليها المنصور فأنشأت تقول :
ارحم كبيراً سِنّـه منهدماً |
|
في السجن بين سلاسل وقيودِ |
إن جُدتَ بالرحم القريبة بيننا |
|
ما جدَّنا من جدّكم ببعيد |
فلم يلتفت اليها ، وجاء ببني الحسن الى الهاشمية وحبسهم في محبس تحت الارض كانوا لا يعرفون ليلا ولا نهاراً ، ومن أجل معرفة أوقات الصلاة فانهم جزؤوا القرآن وعند انتهاء كل جزء يصلون وقتاً من
الاوقات . قال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ولما حملوا من المدينة نظر اليهم ابن ابي زناد السعدي فقال :
مَن لنفس كثيرة الإشفاق |
|
ولعينٍ كثيرة الإطراق |
لفراق الذين راحوا الى الموت |
|
عياناً والموت مرّ المذاق |
ثم ظلوا يسلّمون علينا |
|
بأكفٍ مشدودة في الوثاق |
قال : وحتى ماتوا في الحبس ويقال إن المنصور ردم عليهم الحبس فماتوا .
لقد هدّ ركني رزءُ آل محمدٍ |
|
تجهز فاما أن تزور ابن ضابىء |
وابكت جفوني بالفرات مصارع |
|
|
|
لآل النبي المصطفى وعظام |
|
عظام باكناف الفرات زكيّة |
|
بهنّ علينا حرمةٌ وذمام |
فكم حرّةٍ مسبية ويتيمة |
|
وكم من كريم قد علاه حسام |
لآل رسول الله صلّت عليُهمُ |
|
ملائكة بيض الوجوه كرام |
افاطم اشجاني بنوك ذوو العلى |
|
فشبتُ وإني صادق لغلام |
وأضحيتُ لا ألتذّ طيب معيشتي |
|
كأنّ عليّ الطيبات حرام |
ولا البارد العذب الفرات اسيغه |
|
ولا ظلّ يهنيني الغداة طعام |
يقولون لي صبراً جميلاً وسلوةً |
|
وما لي الى الصبر الجميل مرام |
فكيف اصطباري بعد آل محمدٍ |
|
وفي القلب مني لوعة وضرام |
ابو محمد سفيان بن مصعب العبدي (١) الكوفي من شعراء اهل البيت عليهم السلام ، وقد اكثر من شعره في مدح امير المؤمنين علي بن ابي طالب وذريته وتفجّع لمصابهم ، ولم نجد في غيرهم له شعر ، توفي حدود سنة ١٢٠ بالكوفة . ويرى الشيخ الاميني انه بقي اكثر من ذلك اي إلى حدود سنة ١٧٨ .
استنشده الامام الصادق في شعره كما في رواية ثقة الاسلام الكليني في روضة الكافي باسناده عن ابي داود المسترق عنه قال : دخلت على ابي عبد الله عليه السلام فقال :
قولوا لأم فروة تجيء فتسمع ما صُنع بجدها ، قال فجاءت فقعدت خلف الستر ثم قال فانشدنا . قال فقلت :
فرو جودي بدمعك المسكوب .
قال فصاحت وصحن النساء فقال ابو عبد الله عليه السلام : الباب . فاجتمع اهل المدينة على الباب ، قال فبعث اليهم ابو عبد الله صبي لنا غشي عليه فصحن النساء .
وفي رجال الشيخ ان الامام الصادق عليه السلام قال : يا معشر الشيعة علموا أولادكم شعر العبدي فإنه على دين الله .
وروى ابو الفرج في الاغاني ج ٧ ص ٢٢ عن ابي داود المسترق سليمان بن سفيان ان السيد الحميري والعبدي اجتمعا فانشد السيد :
إني أدينُ بما دان الوصيُّ به |
|
يوم الخريبة (٢) من قتل المحلّينا |
وبالذي دان يوم النهروان به |
|
وشاركت كفه كفى بصفينا |
__________
(١) العبدي نسبة الى عبد القيس .
(٢) الخريبة : موضع بالبصرة كانت به واقعة الجمل
فقال له العبدي : أخطأت ، لو شاركت كفك كفه كنت مثله ، ولكن قل : وتابعت كفه كفى ، لتكون تابعاً لا شريكاً .
فكان السيد الحميري بعد ذلك يقول : انا اشعر الناس إلّا العبدي اقول ووجدت قصيدة لشاعرنا المترجم له في اعيان الشيعة جزء ٣٥ وهي من فاخر المدح وجيّد النظم وهي كما يقول السيد : من كنوز هذا الكتاب وقلما توجد في غيره فأجبت أن لا تخلو هذه الموسوعة منها .
قصيدة سفيان بن مصعب العبدي :
هل في سؤالك رسمَ المنزل الحزب |
|
|
|
برءٌ لقلبك من داءِ الهوى الوصِبِ |
|
أم حرُّه يوم وشْك البين يُبرده |
|
|
|
ما استحدرته النوى من دمعك السرب |
|
هيهات أن ينفد الوجه المثير له |
|
|
|
نأيُ الخليط الذي وليَّ فلم يؤب |
|
يا رائد الحيِّ حسب الحيّ ما ضمنت |
|
|
|
له المدامع من ماء ومن عشب |
|
ما خلتُ من قبل ان حالت نوى قذف |
|
|
|
أنَّ العيونَ لهم أهمى من السحب |
|
بانوا فكم أطلقوا دمعاً وكم أسروا |
|
|
|
لُبّاً وكم قطعوا للوصل من سبب |
|
من غادرٍ لم أكن يوماً أسّر له |
|
|
|
غدراً وما الغدر من شأن الفتى العربي |
|
وحافظ العهد يهدي صفحتي فرح |
|
|
|
للكاشحين وتخفي وجه مكتبئب (١) |
|
بانوا قبابا وأحبابا تصونهم |
|
|
|
عن النواظر أطراف القنا السلبِ |
|
وخلفوا عاشقا ملقى ربى خلِسا |
|
|
|
بطرفه حِذْرَ من يهوى فلم يصب |
|
القى النحول عليه بُرده فغدا |
|
|
|
كأنّه ما نسوا في الدار من طنب |
|
لهفي لما استودعت تلك القباب وما |
|
|
|
حجبن من قضب فيها ومن كثب |
|
من كل هيفاء اعطاف هظيم حشى |
|
|
|
لعْساءَ مرتشف غرّاءَ منتقب |
|
كأنما ثغرها وهناً وريقتها |
|
|
|
ما ضمَّت الكاس من راح ومن حَبَب |
|
وفي الخدورِ بدورٌ لو برزن لنا |
|
|
|
بردّن كل حشىً بالوجد ملتهبِ |
|
وفي حشاي غليل بات يضرمه |
|
|
|
شوق إلى بَرْدِ ذاك الظلم والشنَب |
|
يا راقد اللوعة اهبب من كراك فقد |
|
|
|
بان الخليط ويا مضنى الغرام ثِبِ |
|
__________
(١) يعني انه يبدي الفرح للكاشحين عند فرحه ليغيظهم بذلك ويخفي عنهم الكآبة عند حزنه لئلا يشمتوا به .
أما وعصر هوى ذبَّ العزاء له |
|
|
|
ريب المنون وغالته يد النوب |
|
لأشرقن بدمعي ان نأت بهم |
|
|
|
دارٌ ولم أقص ما في النفس من أربِ |
|
ليس العجيب بأن لم يبق لي جَلَد |
|
|
|
لكن بقائي وقد بانوا من العجب |
|
شبتُ ابن عشرين عاماً والفراق له |
|
|
|
سهم متى ما يصب شملَ الفتى يشب |
|
ما هزَّ عطفي من شوق الى وطني |
|
|
|
ولا اعتراني من وجدٍ ومن طربِ |
|
مثل اشتياقي من بُعدٍ ومنتزَح |
|
|
|
من الغريّ وما فيه من الحسبِ |
|
أذكى ثرى ضم أزكى العالمين فذا |
|
|
|
خيرُ الرجال وهذي أشرفُ الترُب |
|
إن كان عن ناظري بالغيب محتجباً |
|
|
|
فانه عن ضميري غير محتجب |
|
مرت عليه ضروع المزن رائحة |
|
|
|
من الجنوب فروّته من الحلَب |
|
من كل مقربةٍ إقراب مُرزمة |
|
|
|
إرزامَ صاديةِ الأزوار والقرب |
|
يَقُذ بها حرَّ نيران البروق وما |
|
|
|
لهن تحت سجاليها من اللهب |
|
حتى ترى الجلعد الكوماء رائحة |
|
|
|
ممغوطة النسع ضمراً رخوة اللبب |
|
بل جاد ما ضمَّ ذاك الترب من شرف |
|
|
|
مزن المدامع من جارٍ ومنسكب |
|
تهفو اشتياقاً اليه كلّ جارحةٍ |
|
|
|
مني ولا مثل ما تحتاج في رجب |
|
ولو تكون لي الأقدار مسعدة |
|
|
|
لطاب لي عنده بُعدي ومقتربي |
|
يا راكباً جسرة تطوى مناسمها |
|
|
|
مُلاءة البيد بالتقريب والخَبب |
|
هو جاء لا يطعم الانضاء غاربها |
|
|
|
مسرى ولا تتشكى مؤلم التعب |
|
تقيد المغزل الادماء في صعد |
|
|
|
وتطلح الكاسر الفتخاء في صبب |
|
تثنى الرياح اذا مرت بغابتها |
|
|
|
حسرى الطلائع بالغيطان والهضب |
|
بلِّغ سلامي قبراً بالغريّ حوى |
|
|
|
أوفى البرية من عجمٍ ومن عرب |
|
واجعل شعارك لله الخشوع به |
|
|
|
ونادِ خيرَ وصي صنو خير نبي |
|
اسمع أبا حسن إن الاولى عدلوا |
|
|
|
عن حكمك انقلبوا عن خير منقلب |
|
ما بالهم نكبوا نهج النجاة وقد |
|
|
|
وضحَّته واقتفوا نهجاً من العطب |
|
ودافعوك عن الامر الذي اعتلقت |
|
|
|
زمامَه من قريش كفّ مغتصب |
|
ظلَّت تجاذبها حتى لقد حزمت |
|
|
|
خِشاشَها تَربتْ من كفِّ مجتذب |
|
وكان بالأمس منها المستقيل فِلمْ |
|
|
|
أرادها اليوم لو لم يأت …… |
|
وأنت توسعه صبراً على مضض |
|
|
|
والحلم أحسن ما يأتي مع الغضب |
|
حتى إذا الموت ناداه فأسمعه |
|
|
|
والموتُ داع متى يدع امرءً يجب |
|
حَبا بها آخراً فاعتاض محتقب |
|
|
|
منه بأفضع محمولٍ ومحتقِب |
|
وكان أول من أوصى ببيعته |
|
|
|
لك النبي ولكن حال من كثب |
|
حتى إذا ثالث منهم تقمصها |
|
|
|
وقد تبدل منها الجد باللعب |
|
عادت كما بدأت شوهاء جاهلة |
|
|
|
تجرّ فيها ذئاب أكلة الغلب |
|
وكان عنها لهم في خم من دجرٍ |
|
|
|
لمّا رقى احمدُ الهادي على قتب |
|
وقال والناس من دانٍ اليه ومن |
|
|
|
ثاوٍ لديه ومن مصغٍ ومُرتقب |
|
قم يا علي فإني قد أمرتُ بأن |
|
|
|
أُبلِّغ الناس والتبليغ أجدرُ بي |
|
إني نصبتُ علياً هادياً علماً |
|
|
|
بعدي وإن علياً خيرَ منتصب |
|
فبايعوك وكلٌ باسط يدَه |
|
|
|
اليك من فوق قلبٍ عنك منقلب |
|
عافوك لا مانع طولاً ولا حصِر |
|
|
|
قولا ولا لهج بالغشّ والريب |
|
وكنت قطب رحى الإسلام دونهم |
|
|
|
ولا تدور رحى إلا على قُطُبِ |
|
ولا تساوت بكم في العلم مرتبة |
|
|
|
ولا تماثلتم في البيت والنسب |
|
إن تلحظ القرنَ والعسالَ في يده |
|
|
|
يظل مضطرباً في كف مضطرب |
|
وإن هززتَ قناةً ظلت توردها |
|
|
|
وريد ممتنع في الروع مجتنب |
|
ولا تسلْ حساماً يوم ملحمة |
|
|
|
إلا وتحجبه في رأس محتجب |
|
كيوم خيبر إذ لم يمتنع رجل |
|
|
|
من اليهود بغير الفرِّ والهرب |
|
فأغضب المصطفى إذ جر رايته |
|
|
|
على الثرى ناكصاً يهوي على العقب |
|
فقال إني سأعطيها غداً لفتى |
|
|
|
يحبه الله والمبعوث منتجب |
|
حتى غدوت بها جذلان معتزماً |
|
|
|
مظنة الموت لا كالخائف النحب |
|
تلقاء أرعن جرار أحمَّ دجٍ |
|
|
|
مجرٍ لهام طحون جحفل لجبِ |
|
جمَّ الصلا دمِ والبيضِ الصوارم والز |
|
|
|
رق اللهاذم والماذيِّ والبلَب |
|
والأرض من لاحقيَّات مطهمة |
|
|
|
والمستظل مثار القسطل الهدب |
|
وعارض الجيش من نقع بوارقه |
|
|
|
لمع الأسنَّة والهندية القُضُب |
|
أقدمتَ تضرب صبراً تحته فغدا |
|
|
|
يصوب مزناً ولو أحجمت ولم يصب |
|
غادرتَ فرسانه من هارب فرقٍ |
|
|
|
ومقعصٍ بدم الاوداج مختضب |
|
لك المناقب يعيا الحاسبون لها |
|
|
|
عدّاً ويعجزُ عنها كل مكتتب |
|
كرجعة الشمس اذ رمتَ الصلاةَ وقد |
|
|
|
راحت توارى عن الأبصار بالحجب |
|
أدب الطف ـ ( ١٢ )
رُدّت عليك كأن الشهب ما اتضحت |
|
|
|
لناظرٍ وكأن الشمس لم تَغِب |
|
وفي براءةَ أنباءٌ عجائبها |
|
|
|
لم تُطوَ عن نازحٍ يوماً ومقترب |
|
وليلة الغار لما بتّ ممتلئاً |
|
|
|
أمناً وغيرُك ملَآن من الرعب |
|
ما أنتَ إلا أخو الهادي وناصره |
|
|
|
ومظهر الحق والمنعوت في الكتب |
|
وزوج بضعته الزهراء يكنفها |
|
|
|
دون الورى وأبو أبنائها النجب |
|
من كل مجتهد في الله معتضدٍ |
|
|
|
بالله معتقد لله محتسب |
|
وارين هادين إن ليلُ الضلال دجا |
|
|
|
كانوا لطارقهم أهدى من الشهب |
|
لُقِّبتُ بالرفض لما أن منحتهم |
|
|
|
ودّي وأحسن ما أُدعى به لقبي |
|
صلاة ذي العرش تترى كل آونة |
|
|
|
على ابن فاطمة الكشّاف للكرب |
|
وأبنيه من هالك بالسم مخترم |
|
|
|
ومن معفّر خدّ في الثرى تربِ |
|
لولا الفعيلة ما قاد الذين هم |
|
|
|
أبناء حربٍ اليهم جحفل الحرب |
|
والعابد الزاهد السجاد يتبعه |
|
|
|
وباقر العلم داني غاية الطلب |
|
وجعفر وابنه موسي ويتبعه الـ |
|
|
|
ـبرّ الرض والجواد العابد الدئب |
|
والعسكريين والمهدي قائمهم |
|
|
|
ذو الأمر لابس أثواب الهدى القشب |
|
من يملأ الأرض عدلا بعدما ملئت |
|
|
|
جوراً ويقمع أهل الزيغ والشغب |
|
القائد البُهم والشوسَ الكماة الى |
|
|
|
حرب الطغاة على قبء الكلا شزب |
|
أهل الهدى لا اناس باع بائعهم |
|
|
|
دين المهيمن بالدينار والرتب |
|
لو أن أضغانهم في النار كامنة |
|
|
|
لا غنت النار عن مذكٍ ومحتطب |
|
يا صاحب الكوثر الرقراق زاخرة |
|
|
|
ذٌدْ النواصب عن سلساله الخصبِ |
|
قارعتُ منهم كماةً في هواك بما |
|
|
|
جرَّدت من خاطر أو مقولٍ ذرب |
|
حتى لقد وسمت كلّما جباهَهُم |
|
|
|
خواطري بمضاء الشعر والخطب |
|
إن ترض عني فلا أسديت عارفة |
|
|
|
إن ساءني سخْطُ أُمٍ بَرَّةٍ وأبِ |
|
صحبت حبك والتقوى وقد كثرت |
|
|
|
لي الصحاب فكانا خيرَ مصطحب |
|
فاستجل من خاطر العبدي آنسة |
|
|
|
طابت ولو جاوزت اياك لم تطب |
|
جاءت تمايل في ثوبيْ حياً وهوى |
|
|
|
إليك حالية بالفضل والأدب |
|
أتعبت نفسي في مدحيك عارفة |
|
|
|
بأن راحتها في ذلك التعبِ |
|
٤ ـ الكميت الأسدي :
ومن أكبر الأحداث كانت مصيبة |
|
|
|
علينا قتيلُ الأدعياء الملحّبُ (١) |
|
قتيلٌ بجنب الطف من آل هاشمٍ |
|
|
|
فيا لك لحماً ليس عنه مذبب |
|
ومنعفر الخدين من آل هاشم |
|
|
|
ألا حبّذا ذاك الجبينُ المتّربُ |
|
ومن عَجب لم أقضه أن خيلهم |
|
لأجوافها تحت العجاجة أزملُ (٢) |
هَمَاهمُ بالمستلئمينَ عوابسْ |
|
|
|
كحدآن يوم الدّجن تعلو وتسفل |
|
يُحلئنَ عن ماء الفرات وظلِّهِ |
|
حسيناً ولم يُشهر عليهن منصل |
كأنَّ حسيناً والبهاليل حوله |
|
لأسيافهم ما يَختلي المتقبِّل |
يخضنَ به من آل أحمد في الوغى |
|
دماً طلّ منهم كالبهيم المحجِّل |
وغاب نبي الله عنهم وفقده |
|
على الناس زرءٌ ما هنالك مجلل |
فلم أرَ مخذولا أجلَّ مصيبةً |
|
وأوجب منه نصرة حين يخذل |
يصيب به الرّامون عن قوس غيرهم |
|
|
|
فيا آخراً أسدى له الغيَّ أول |
|
__________
(١) الملحب : المقطع بالسيف . والأدعياء جمع دعي وهو عبيد الله بن زياد بن سمية نسب الى امه اذ لم يعرف له اب .
(٢) الصوت المختلط والصوت من الصدر .
تهافت ذُبّان المطامع حوله |
|
فريقان شتى : ذو سلاح وأعزل |
إذا شرَعت فيه الأسنة كبّرت |
|
غواتهم من كل أوْبٍ وهللوا |
فما ظفر المجرى إليهم برأسه |
|
ولا عذر الباكي عليه الموَلوِلُ |
فلم أرَ موتورين أهل بصيرةٍ |
|
وحقٍّ لهم أيدٍ صحاحٌ وأرجل |
كشيعته ، والحرب قد ثفيت لهم |
|
|
|
أمامهم قِدرٌ تخيش ومِرجل (١) |
|
فريقان : هذا راكب في عداوة |
|
وباكٍ على خذلانه الحق المعول |
فما نفع المستأخرين نكيصهم |
|
ولا ضرّ أهل السابقاتَ التعجُّل |
__________
(١) ثفيت : افيم لها الاثافي .
الشاعر :
ابو المستهل الكميت بن زيد الاسدي المولود سنة ٦٠ والمتوفى سنة ١٢٦ ه . قال أبو الفرج : شاعر مقدم عالم بلغات العرب ، خبير بأيامها من شعراء مضر وألسنتها والمتعصبين على القحطانية المقارنين المقارعين لشعرائهم ، وكان في أيام بني امية ولم يدرك الدولة العباسية ومات قبلها ، وكان معروفاً بالتشيع لبني هاشم مشهوراً بذلك .
سئل معاذ الهراء : من أشعر الناس ؟ قال : أمن الجاهليين أم الاسلاميين ؟ قالوا : بل من الجاهليين . قال : امرؤ القيس وزهير وعبيد بن الابرص . قالوا : فمن الإسلاميين قال : الفرزدق وجرير والاخطل والراعي ، قال فقيل له : يا أبا محمد ما رأيناك ذكرت الكميت فيمن ذكرت ، قال : ذاك أشعر الأولين والآخرين .
قال صاعد مولى الكميت دخلنا على أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام فأنشده الكميت :
مَن لقلبٍ ميتمٍ مستهامِ |
|
غيرَ ما صبوةٍ ولا احلامِ |
بل هواي الذي أُجنُّ وأُبدي |
|
لبني هاشم أجلّ الانامِ |
فأنصت له عليه السلام فلما بلغ الى قوله :
أخلص الله هواي فما أغرق |
|
نَزعاً ولا تطيش أجلّ الانامِ |
قال له الباقر عليه السلام قل ( فقد أُغرق نَزعاً ولا تطيش سهامي )
__________
(١) النزع : جذب الوتر بالسهم ، والاغراق نزعا المبالغة في ذلك ، وأغرق النازع في القوس مثل يضرب للغلو والافراط . فقوله ( فما اغرق نزعا ) ، لا يناسب المقام اذ يكون معناه اني لا ابالغ في المحبة ، والمناسب المبالغة فيها فلذلك غيره الامام عليه السلام بقوله . فقد اغرق نزعاً .
فقال : يا مولاي انت أشعر مني بهذا المعنى ، وعرض عليه مالا فلم يقبل . وقال والله ما قلت فيكم شيئاً أريد به عرَض الدنيا ولا أقبل عليه عوضاً اذا كان لله ورسوله ، قال « ع » فلك ما قال رسول الله « ص » لحسان : لا زلت مؤيداً بروح القدس ما ذببتَ عنا أهل البيت قال جعلني الله فداك . ثم لم يبق من أهل البيت الا من حمل اليه شيئاً فلم يقبل منهم ، وفي رواية أنه قال : ولكن تكرمنى بقميص من قمصك فأعطاه ، ودخل يوماً على الإمام فأنشده :
ذهب الذين يُعاش في أكنافهم |
|
لم يبق الا شامت أو حاسدُ |
وبقى على ظهر البسيطة واحد |
|
فهو المراد وأنت ذاك الواحد |
وقال بعضهم كان في الكميت عشر خصال لم تكن في شاعر ، كان خطيب اسد وفقيه الشيعة وحافظ القرآن وثبت الجنان وكان كاتباً حسن الخط وكان نسابة وكان جدلاً وهو اول من ناظر في التشيع وكان رامياً لم يكن في اسد أرمى منه وكان فارساً وكان سخياً ديِّناً اخرجه ابن عساكر وقال ولد الكميت سنة ستين ومات سنة ست وعشرين ومائة . قال صاحب خزانة الأدب قال بعضهم كان في الكميت عشر خصال لم تكن في شاعر ، كان خطيب اسد ، فقيه الشيعة ، حافظ القرآن ، ثبت الجنان ، كاتباً حسن الخط ، نسابة ، جدلا وهو اول من ناظر في التشيع ، رامياً لم يكن في أسد أرمى منه ، فارساً شجاعاً ، سخياً ديِّناً .
والكميت اول من احتج في شعره على المذهب الحجج القوية الكثيرة حتى زعم الجاحظ أنه اول من دل الشيعة على طرق الاحتجاج وموقفه بوجه الامويين بتلك العصور الجائرة والطغاة المستهترة يعطينا أقوى البراهين على تصلبه في مبدأه وصراحته في عقيدته وتفاديه لآل
الرسول صلوات الله عليهم ، قال المرزباني في معجم الشعراء : والكميت ابن زيد مكثر جدا وكان يتعمل لإدخال الغريب في شعره ، وله في أهل البيت الأشعار المشهورة وهي أجود شعره .
روى ابو الفرج في الأغاني ١٥ باسناده عن محمد بن علي النوفلي قال سمعت ابي يقول : لما قال الكميت بن زيد الشعر وكان اول ما قال ( الهاشميات ) فسترها ثم أتى الفرزدق بن غالب فقال له : يا أبا فراس انك شيخ مضر وشاعرها وأنا ابن اخيك الكميت بن زيد الأسدي قال له : صدقت انت ابن اخي فما حاجتك قال نفث على لساني فقلت شعراً فأحببت أن أعرضه عليك فإن كان حسناً أمرتني باذاعته وإن كان قبيحا امرتني بستره وكنتَ اول من ستره علي فقال له الفرزدق أما عقلك فحسن واني لأرجو أن يكون شعرك على قدر عقلك فأنشدني ما قلت فأنشده :
طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب |
|
قال فقال لي : فيم تطربت يا ابن اخي
فقال :
ولا لعباً مني وذو الشيب يلعب |
|
قال بلى يا ابن أخي فالعب فإنك في اوان اللعب فقال :
ولم يلهني دار ولا رسم منزل |
|
|
|
ولم يتطرّبني بناتٌ مخضَّب |
|
فقال ما يطربك يا بن أخي فقال :
ولا السانحات البارحات عشية |
|
أمرّ سليم القرن أم سرّ اعضب |
فقال : اجل لا تتطير فقال :
ولكن الى اهل الفضائل والتقى |
|
وخير بني حوّاء والخير يُطلب |
فقال : ومَن هؤلاء ويحك قال :
الى النفر البيض الذين بحبّهم |
|
إلى الله فيما نابني أتقرب |
قال أرحني ويحك من هؤلاء قال :
بني هاشم رهط النبي فانني |
|
بهم ولهم أرضى مراراً وأغضب |
خفضت لهم مني جناحي مودة |
|
الى كنف عطفاه أهلٌ ومرحب |
وكنت لهم من هؤلاء وهؤلا |
|
مجناً على أني أذم وأغضب |
وأُرمي وأرمي بالعداوة أهلَها |
|
وإني لأوذي فيهم وأؤنبُ |
يعيّرني جُهّال قومي بحبهم |
|
وبغضهم ادنى لعار وأعطبُ |
فقل للذي في ظلّ عمياءَ جونة |
|
|
|
يرى العدل جوراً لا الى اين يذهبُ |
|
بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة |
|
ترى حبّهم عاراً عليك وتحسب |
ستقرعُ منها سنّ خزيان نادم |
|
إذا اليوم ضمّ الناكثين العَصبْصب |
فما لي الا آلَ أحمدَ شيعة |
|
وما لي الا مذهب الحق مذهبُ |
فقال له الفرزدق : يا بن اخي والله لو جُزتَهم الى سواهم لذهب قولك باطلاً ، ثم قال له : يا بن أخي أذع ثم أذع فأنت والله أشعر من مضى وأشعر من بقي .
ومن هذه القصيدة :
وأحمل أحقاد الأقارب فيكم |
|
ويُنصبُ لي في الأبعدين فأنصبُ |
بخاتمكم غصباً تجوز امورهم |
|
فلم أرَ غصباً مثله يُتغصّب |
وقالوا ورثناها أبانا وامنا |
|
وما ورثتهم ذاك أمٌ ولا أب |
يرون لهم حقاً على الناس واجباً |
|
سفاها وحقُ الهاشميين اوجب |
ومنها :
يشيرون بالأيدي اليّ وقولهم |
|
|
|
ألا خابَ هذا والمشيرون أخيب |
|
فطائفة قد كفرتني بحبكم |
|
وطائفة قالوا مسيء ومُذنبُ |
فما ساءني تكفير هاتيك منهم |
|
ولا عيبُ هاتيك التي هي أعيب |
وقالوا ترابيٌ هواهُ ودينه |
|
بذلك أُدعى فيهم وأُلقّب |
ومنها :
فيا موقداً ناراً لغيرك ضوئها |
|
ويا حاطباً في غير حبلك تحطب |
ألم ترني من حبِّ آل محمد « ص » |
|
أروح وأغدو خائفاً اترقب |
على أيّ جرم ام بأيّة سيرة |
|
اعنّفُ في تقريظهم وأؤنّب |
اناسٌ بهم عزّت قريش فأصبحوا |
|
وفيهم خباء المكرمات المطنّبُ |
خضمّون أشراف لهاميم سادة |
|
مطاعيم ايسارٌ اذا الناس أجدبوا |
ومنها في الحسين « ع » :
قتيل بجنب الطف من آل هاشم |
|
|
|
فيالك لحماً ليس عنه مُذببُ |
|
ومنعفرُ الخدين من آلِ هاشم |
|
ألا بحبذا ذاك الجبينُ المترّب |
قال البغدادي في خزانة الادب ج ١ ص ٨٧ : بلغ خالد بن عبد الله القسري خبر قصيدة الكميت المسماة بالمذهبة والتي اولها :
ألا حييتَ عنا يا مدينا |
|
وهل ناس تقوى مسلمينا |
ويستثير فيها العدنانية على القحطانية ـ اليمانية ومنها :
لنا قمر السماء وكل نجم |
|
تشير اليه أيدي المهتدينا |
وجدت الله اذ سمى نزاراً |
|
وأسكنهم بمكة قاطنينا |
لنا جعل المكارم خالصات |
|
وللناس القفا ولنا الجبينا |
قال : وكان خالد من عرب اليمن ـ فقال : والله لاقتلنه ، ثم اشترى ثلاثين جارية في نهاية الحسن فرواهن قصائد الكميت ـ الهاشمياتِ ودسهن مع نخاس الى هشام بن عبد الملك فاشتراهن فأنشدنه يوماً القصائد المذكورة ، فقال لهن هشام : من القائل لهذا الشعر ، قلن الكميت بن الزيد الاسدي قال : وفي اي بلد هو ، قلن الكوفة فكتب في الحال الى خالد بن عبد الله القسري ان ابعث اليّ برأس الكميت فأخذه خالد وحبسه فوجَّه الكميت الى امرأته ( حُبي ) ولبس ثيابها وخرج من الحبس فلما علم خالد أراد أن ينكل بالمرأة فأجتمعت بنو اسد اليه وقالوا : لا سبيل لك على امرأة خدعها زوجها فخافهم وخلى سبيلها . وبقي الكميت خائفاً متخفياً في البادية سنة ثم خرج ليلاً في جماعة من بني اسد على خوف ووجل وساروا حتى دخلوا الشام ، فتوارى الكميت في بني اسد وبني تميم فاجتمع عدة منهم ودخلوا على عنبسة بن سعيد بن العاص ـ وكان سيد قريش يومئذ ـ وقالوا : يا ابا خالد هذه مكرمة ادخرها الله لك ، هذا الكميت بن زيد لسان مضر جاء اليك لتخلصه من القتل ، فقال لهم : دعوه يضرب خيمه على قبر معاوية بن هشام فمضى الكميت فضرب فسطاطاً عند قبره ، ودخل عنبسة على مسلمة بن هشام وقال : يا ابا شاكر مكرمة اتيتك بها تبلغ الثريا فان كنت ترى انك تفي بها والا كتمتها ، قال مسلمة وما هي فاخبره الخبر ، فقام ودخل على ابيه هشام وهو عند أُمه في غير وقت دخوله ، فقال هشام : اجئت في حاجة قال نعم قال هي مقضية إلا ان يكون الكميت ، فقال ما أُحب ان يستثني عليّ في حاجتي وما أنا والكميت ، فقالت امّه : والله لتقضين حاجته كائنة ما كانت ، قال : قد قضيتها قال حاجتي هي الكميت يا أمير المؤمنين
وهو آمن بأمان الله وأمان امير المؤمنين وهو شاعر مضر وقد قال فينا قولا لم يقبل مثله ، قال هشام : قد أمنته واجزت أمانك له فعقد له مجلساً فانشد الكميت قصيدة ارتجلها واولها : قف بالديار وقوف زائر .
روى ابو الفرج عن ورد بن زيد ـ اخي الكميت ـ قال : ارسلني الكميت الى ابي جعفر عليه السلام ، فقلت له : ان الكميت ارسلني اليك وقد صنع بنفسه ما صنع فتأذن له ان يمدح بني امية ، قال : نعم هو في حلّ فليقل ما شاء ، فنظم هذه القصيدة :
قف بالديار وقوف زائر |
|
وتايّ إنك غير صابر |
ماذا عليك من الوقو |
|
فِ بهامدِ الطلين داثر |
ومنها :
فالآن صرت إلى امية |
|
والامور إلى المصائر |
ومن غرو قصائد الكميت قصيدته العينية واولها .
تفى عن عينك الارقُ الهجوعا |
|
وهمٌ يمتري منها الدموعا |
ومنها :
لدى الرحمن يشفع بالمثاني |
|
فكان له ابو حسنٍ شفيعا |
ويوم الدوحِ دوحِ غدير خُمٍّ |
|
أبانَ له الولايةَ لو أُطيعا |
ولكن الرجال تبايعوها |
|
فلم أرَ مثلها خطراً منيعا |
ومنها :
فقل لبني أُمية حيثُ كانوا |
|
وإن خفت المهنّد والقطيعا |
اجاعَ اللهُ من اشبعتموه |
|
واشبع من بجوركم أُجيعا |
بمرضيِّ السياسة هاشميّ |
|
يكون حياً لامته ربيعا |
ومن شعر الكميت الاسدي قوله :
من لقلبٍ متيمٍ مستهام |
|
غيرَ ما صبوةٍ ولا أحلام |
بل هواي الذي اُجنُّ وابدي |
|
لبني هاشم أجلِ الانام |
للقريبين من ندىً والبعيدين |
|
من الجور في عرى الاحكام |
والمصيبين بابَ ما اخطأ الناسُ ومُرسي قواعد الاسلام |
||
والحماة الكفاة في الحرب إن لفِّ ضرام وقوده بضِرام |
||
والغيوث الذين إن أمحل الناسُ فمأوى حواضن الايتام |
||
راجحي الوزنِ كاملي العدلِ في في السيرة طبين بالأمور العظام |
||
فضلوا الناس في الحديث حديثاً |
|
وقديماً في أولِّ القُدّام |
أبطحيين أريحيين كالأنجم |
|
ذات الرجوم والاعلام |
واذا الحرب أومضت بسنا الحرب وسار الهمام نحو الهمام |
||
فهم الاسد في الوغى لا اللواتي |
|
بين خيسِ العرين والآجام (١) |
أُسد حربٍ غيوث جدبٍ بها ليلَ مقاويل غير ما أفدام (٢) |
||
ومُحلون محرمون مقرّون لحلٍ قراره وحرام |
||
ساسةٌ لا كمن يرى رعية الناس سواءً ورعية الانعام |
||
لا كعبد المليك أو كوليدٍ |
|
أو سليمان بعد أو كهشام |
ومنها في الامام :
ووصي الوصي ذي الخطة الفصل ومُردي الخصوم يوم الخصام |
||
وقتيل بالطف غودر منه |
|
بين غوغاء أمةٍ وطغام |
__________
(١) الخيس بالكسر : موضع الاسد ، والعرين مأواه
(٢) الافدام جمع فدم : هو الذي عنده عي في الكلام مع ثقل ورخاوة
وابو الفضل إن ذكرهم الحلو شفاء النفوس والاسقام |
||
قتل الادعياء إذ قتلوه |
|
اكرم الشاربين صوب الغمام |
ما ابالي ولن ابالي فيهم |
|
ابداً رغمَ ساخطين رِغام |
فهمُ شيعتي وقسمي من الأمة حسبي من سائر الاقسام |
||
ولهت نفسي الطروب اليهم |
|
ولهاً حالَ دون طعم الطعام |
٥ ـ جعفر بن عفان الطائي :
لبيك على الإسلام من كان باكياً |
|
فقد صيعت أحكامه واستحلّتِ |
غداة حسينٌ للرماح دريئة |
|
وقد نهلت منه السيوف وعلّتِ |
وغودر في الصحراء لحماً مبدداً |
|
عليه عناف الطير بانت وظلت |
فما نصرته أُمةُ السوء إذ دعا |
|
لقد طاشت الأحلام منها وظلت |
ألا بل محوا أنوارهم بأكفهم |
|
فلا سلمت تلك الاكف وشُلت |
وناداهم جهداً بحق محمد |
|
فإن ابنه من نفسه حيث حلت |
فما حفظوا قرب الرسول ولا رعوا |
|
وزلت بهم أقدامهم واستزلتِ |
أذاقته حرّ القتل أُمة جده |
|
هفت نعلها في كربلاء وزلتِ |
فلا قدس الرحمن امة جدّه |
|
وإن هي صاحت للاله وصلتِ |
كما فجعت بنت الرسول بنسلها |
|
وكانوا كماة الحرب حين استقلت |
ابو عبد الله جعفر بن عفان الطائي كان معاصراً للامام الصادق « ع » توفي في حدود سنة ١٥٠ روى الكشي باسناده عن زيد الشحام قال كنا عند أبي عبد الله ونحن جماعة من الكوفيين فدخل جعفر بن عفان على أبي عبد الله « ع » فقربه وأدناه ، ثم قال يا جعفر قال لبيك جعلني الله فداك ، قال بلغني أنك تقول الشعر في الحسين « ع » وتجيد فقال له نعم جعلني الله فداك ، قال قل فأنشد فبكى « ع » ومن حوله حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته ، ثم قال ، يا جعفر والله لقد شهدت ملائكة الله المقربون ههنا يسمعون قولك في الحسين « ع » ولقد بكوا كما بكينا أو أكثر ، ولقد اوجب الله تعالى لك يا جعفر في ساعتك الجنة بأسرها وغفر لك ، ثم قال يا جعفر ألا أزيدك قال نعم يا سيدي قال ما من أحد قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى به إلا أوجب الله له الجنة وغفر له .
وفي الخلاصة : ابو عبد الله جعفر بن عفان كان من شعراء الكوفة وكان مكفوفاً ، وله أشعاراً كثيرة في معان مختلفة ، ومن الشيعة المخلصين ذكره علماء الرجال ووثقوه وهو الذي ردّ على مروان بن أبي حفصة حيث يقول :
أنى يكون وليس ذاك بكائنٍ |
|
لبني البنات وراثةُ الأعمامِ |
فقال جعفر بن عفان :
لم لا يكون وإن ذاك لكائن |
|
لبني البنات وراثة الأعمامِ |
للبنت نصف كامل من ماله |
|
والعم متروك بغير سهام |
ما للطليق وللتراث وإنما |
|
صلى الطليق مخافة الصمصام (١) |
__________
(١) الاغاني ج ٩ ص ٤٥ .
ادب الطف ( ١٣ )
ودخل جماعة على الامام الرضا عليه السلام فرأوه متغيراً فسألوه عن ذلك قال :
بتّ ليلتي ساهراً متفكراً في قول مروان بن أبي حفصة ، وذكر البيت المتقدم ، قال : ثم نمت فاذا أنا بقائل قد أخذ بعضادة الباب وهو يقول :
انى يكون وليس ذاك بكائن |
|
للمشركين دعائم الإسلام |
لبني البنات نصيبهم من جدهم |
|
والعم متروك بغير سهام |
ما للطليق وللتراث وإنما |
|
سجد الطليق مخافة الصمصام |
قد كان أخبرك القران بفضله |
|
فمضى القضاء به من الحكام |
ان ابن فاطمة المنوّه باسمه |
|
حاز الوراثة عن بني الأعمام |
وبقى ابن نثلة واقفاً متردداً |
|
يبكي ويسعده ذوو الارحام (١) |
ومروان سرق المعنى مما قاله مولى لتمام بن معبد بن العباس بن عبد المطلب معرضاً بعبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله ( ص ) فانه أتى الحسن بن علي عليه السلام وقال : أنا مولاك ، وكان قديماً يكتب لعلي ابن ابي طالب « ع » مولى تمام :
جحدت بني العباس حق أبيهم |
|
فما كنت في الدعوى كريم العواقبِ |
متى كان أولاد البنات كوارث |
|
يحوز ويدعى والدا في المناسب (٢) |
قال السيد الامين في الجزء الأول من الاعيان : وجعفر بن عفان الطائي صاحب المراثي في الحسين « ع » قال ابن النديم : هو من شعراء الشيعة شعره مائتا ورقة انتهى .
__________
(١) عيون أخبار الرضا .
(٢) مقتل الحسين للسيد المقرم عن طبقات ابن المعتز .
وعده المرزباني في شعراء الشيعة وقال : كان من شعراء الكوفة وله اشعار كثيرة في معان مختلفة .
ومن شعره في أهل البيت عليهم السلام :
ألا يا عين فابكي الف عام |
|
وزيدي إن قدرتِ على المزيدِ |
اذا ذكر الحسين فلا تملي |
|
وجودي الدهر بالعبرات جودي |
فقد بكت الحمائم من شجاها |
|
بكت لأليفها الفرد الوحيد |
بكين وما درين وانت تدري |
|
فكيف تهم عينك بالجمود |
أتنسى سبط احمد حين يمسي |
|
ويصبح بين أطباق الصعيد |
٦ ـ سيف بن عميرة (١) :
قال يرثي الحسين عليه السلام أولها :
جلّ المصابُ بمن أُصبنا فاعذري |
|
|
|
يا هذه وعن الملام فأقصري |
|
__________
(١) عميرة بالعين المهملة المفتوحة والميم المكسورة والياء المثناة من تحت الساكنة والراء المهملة المفتوحة والهاء وزان سفينة .
جاء في الجزء الثالث من رجال السيد بحر العلوم ص ٣٦ سيف بن عميرة النخعي . عربي كوفي ادرك الطبقة الثالثة والرابعة وروى عن الصادق والكاظم عليهما السلام ، وهو احد الثقاة المكثرين والعلماء المصنفين ، له كتاب روى عنه مشاهير الثقاة ، وجماهير الرواة ، كإبراهيم بن هاشم واسماعيل بن مهران ، وايوب بن نوح والحسن بن محبوب والحسن ابن علي بن ابي حمزة والحسن بن علي يوسف بن بقاح وابنه الحسين ابن سيف وحماد بن عثمان والعباس بن عامر ، وعبد السلام بن سالم ، وعبد الله بن جبلة وعلي بن أسباط وعلي بن حديد وعلي بن الحكم وعلي بن سيف ـ والاكثر عن اخيه عن ابيه ـ وعلي بن النعمان وفضالة بن ايوب ومحمد بن ابي عمير ومحمد بن خالد الطيالسي ومحمد ابن عبد الجبار ومحمد بن عبد الحميد وموسى بن القاسم ويونس بن عبد الرحيم وغيرهم .
وفي غاية المراد : وربما ضعف بعضهم سيفاً ، والصحيح انه ثقة (١) وذكر السيد اقوال العلماء في جلالة سيف وفنّد الطعون الواردة وبرهن على عدم صحتها .
وقال السيد الأمين في الأعيان ج ٣٥ ص ٤٢٤ :
سيف بن عميرة بفتح العين المهملة وثقه الشيخ والعلامة بل والنجاشي وقال ابن شهراشوب أنه واقفي ، وقال المحقق البهبهاني قال جدي : لم ترَ من أصحاب الرجال وغيرهم ما يدل على وقفه وكأنه وقع منه سهواً . وله قصيدة في رثاء الحسين « ع » وأولها :
جل المصاب بمن اصبنا فاعذري . . . الابيات .
وقال الشيخ المامقاني في ( تنقيح المقال ) :
سيف بن عميرة النخعي الكوفي ، عده الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق عليه السلام وأخرى من أصحاب الكاظم قائلاً : سيف ابن عميرة له كتاب روى عن أبي عبد الله ، وعده ابن النديم في فهرسته ص ٣٢٢ من فقهاء الشيعة الذين رووا الفقه عن الائمة عليهم السلام .
__________
(١) راجع غاية المراد في شرح نكت الارشاد للشيخ شمس الدين محمد بن الشيخ جمال الدين المكي العاملي الجزيني المعروف بالشهيد الاول ، والمقتول سنة ٧٨٦ ه .
٧ ـ السيد الحميري :
أُمرر على جدث الحسين وقل لأعظمه الزكيّه |
||
يا أعظماً لا زلتِ من |
|
وطفاءَ ساكبةٍ رويه |
ما لذّ عيشٌ بعد رضـّك بالجياد الاعوجيه |
||
قبر تضمن طيّـباً |
|
آباؤه خير البريه |
آباؤه أهلُ الريا |
|
سة والخلافة والوصيه |
والخير والشيم المهذبة |
|
المطيَّبة الرضيه |
فإذا مررتَ بقبره |
|
فأطلْ به وقف المطيّه |
وابك المطهرَ للمطهّرِ |
|
والمطهرة الزكيّه |
كبكاء معولةٍ غدت |
|
يوماً بواحدها المنيه |
والعن صدى عمرَ بن سعد والملمّع بالنقيه |
||
شمر بن جوشنٍ الذي |
|
طاحت به نفس شقيه |
جعلوا ابنَ بنت نبيهم |
|
غرضاً كما ترمى الدريّه |
لم يدعُهم لقتاله |
|
إلا الجُعالة والعطيّة |
لما دعوه لكي تحكم فيه أولاد البغيه |
||
أولاد أخبث من مشى |
|
مرحاً وأخبثهم سجيه |
فعصاهم وأبت له |
|
نفس معززة أبيه |
فغدوا له بالسابغات |
|
عليهم والمشرفيه |
والبيض واليلب اليما |
|
ني والطوال السمهرية |
وهم ألوف وهو في |
|
سبعين نفس هاشميه |
فلقوه في خلف لأحمد مقبلين من الثنيه |
||
مستيقنين بأنهم |
|
سبقوا لأسبابِ المنيه |
يا عين فابكي ما حييتِ على ذوي الذمم الوفيه |
||
لا عذر في ترك البكا |
|
ء دماً وأنتِ به حريه |
وقوله في الحسين عليه السلام يخاطب أصحابه :
لست أنساه حين أيقن بالمو |
|
ت دعاهم وقام فيهم خطيبا |
ثم قال ارجعوا إلى أهلكم |
|
ليس سوائي أرى لهم مطلوبا |
الشاعر :
هو اسماعيل بن محمد ، كنيته ابو هاشم ، المولود سنة ١٠٥ ، والمتوفى سنة ١٧٨ أو ١٧٣ ببغداد ودفن بالجنينة ولد بعمان ونشأ بالبصرة ، نظم فأكثر ، ذكر ابن المعتز في طبقات الشعراء أنه رؤي حمَّالٌ في بغداد مثقل فسئل عن حمله فقال : ميميات السيد ، وفي تذكرة ابن المعتز أنه كان للسيد أربع بنات كل واحدة منهن تحفظ أربعمائة قصيدة من قصائده ولم يترك فضيلة ولا منقبة لأمير المؤمنين إلا نظم فيها شعراً على أن فضائله « ع » لا يحيط بها نطاق النظم والنثر ، ومما دلّ على إخلاصه قوله :
أيا رب إني لم أُردْ بالذي به |
|
مدحتُ علياً غير وجهك فارحم |
ومن شعره :
وإذا الرجال توسلوا بوسيلة |
|
فوسيلتي حُبّي لآلِ محمدِ |
وجدّه يزيد بن ربيعة بن مفرّغ الحميري هجا زياداً وآل زياد بأقذع الهجاء كما تقدم في ترجمته فهو قد ورث الشعر والصلابة عن جده .
وللسيد مناظرات ومحاججات مع القاضي سوار وغيره . وكان إذا جلس في مجلس لا يدع أحداً يتكلم إلا بفضائل آل بيت النبي « ص » فجلس يوماً في مجلس من مجالس البصرة فخاض الناس في ذكر النخل والزرع فغضب السيد وقام فقيل له : مم القيام يا أبا هاشم فأنشد :
إني لأكره أن أُطيلَ بمجلس |
|
لا ذكر فيه لآل بيت محمدِ |
لا ذكر فيه لأحمدٍ ووصيه |
|
وبنيه ذلك مجلسٌ قصفٌ ردي |
إن الذي ينساهم في مجلس |
|
حتى يفارقه لغير مسدد |
وذكره ابن شهراشوب في شعراء أهل البيت المجاهرين ، اسنتفد شعره في معنى واحد وهو مدح اهل البيت ولم يترك منقبة لأمير المؤمنين عليه السلام إلا نظم فيها شعراً . ومن شعره :
جعلتُ آل الرسول لي سبباً |
|
أرجو نجاتي به من العَطَبِ |
على مَ أُلحى على مودةِ مَن |
|
جعلتهم عدّةً لمنقلبي |
لو لم أكن قائلاً بحبهم |
|
أشفقتُ من بعضهم على نسبي |
قال الشيخ الاميني أومىء الى الحديث المشهور بحديث الخيمة الذي يرويه الخليفة أبو بكر فيما يوثر عنه قال : رأيت رسول الله في خيمته وهو متكىء على قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين فقال : يا معشر المسلمين إني سِلْم لمن سالم اهل الخيمة ، حربٌ لمن حاربهم ، وليٌّ لمن والاهم ، لا يحبهم إلا سعيد الجدِّ طيّب المولد ، ولا يبغضهم إلا شقي الجدُّ رديء الولادة .
وقال الأمير سيف الدولة :
حبُّ علي ابن ابي طالب |
|
للناس مقياس ومعيار |
يخرج ما في أصلهم مثلما |
|
يخرج غشِّ الذهب النارُ |
وقال عبد الله بن المعتز :
مَن رام هجوَ عليٍ |
|
فشعرُه قد هجاهُ |
لو أنه لأبيه |
|
ما كان يهجو أباهُ |
وقال صفي الدين الحلي :
أمير المؤمنين أراك لما |
|
ذكرتك عند ذي نسب صفالي |
وان كررتُ ذكرك عند نغلٍ |
|
تكدّرَ صفوه وبغا قتالي |
فصرت إذا شككت بأصل مرءٍ |
|
ذكرتك بالجميل من الفعال |
فليس يطيق سمع ثناك إلا |
|
كريم الأصل محمود الخلال |
فها أنا قد خبرت بك البرايا |
|
فأنت محك أولاد الحلال |
روى ابن الأثير في النهاية عن ابي سعيد الخدري قال : كنا معاشر الانصار نَبور (١) اولادنا بحبهم علياً رضي الله عنه ، فإذا ولد فينا مولود فلم يحبه عرفنا انه ليس منا . ورواه الحافظ الجزري في كتابه ( اسنى المطالب ) وعن عبادة بن الصامت قال : كنا نبور اولادنا بحب علي ابن ابي طالب فإذا رأينا أحدهم لا يحب علي بن أبي طالب علمنا أنه ليس منا وانه لغير رِشده (٢) كذا ذكر ذلك في النهاية ولسان العرب .
قال الحافظ الجزري في أسنى المطالب بعد ذكر هذا الحديث : وهذا مشهور من قديم والى اليوم أنه ما يبغض علياً الا ولد الزنا .
وجاء في فوات الوفيات :
اسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة ، كان شاعراً محسناً كثير القول . له مدائح جمّة في آل البيت ، وكان مقيما بالبصرة ، وكان أبواه يُبغضان علياً ، وسمعهما يسبّانه بعد صلاة الفجر فقال :
لعن الله والديّ جميعاً |
|
ثم أصلاهما عذاب الجحيم |
وكان أَسمر اللون ، تام القامة ، حسن الالفاظ ، جميل الخطاب مقدّماً عند المنصور والمهدي ، ومات اول ايام الرشيد سنة ثلاث وسبعين ومائة ، وولد سنة خمس ومائة . وكان
__________
(١) نبور : اي نجربه ونختبره .
(٢) يقال . فلان لغير رشده اي لغير ابيه .
احد الشعراء الثلاثة الذين لم يُضْبط ما لهم من الشعر كم ، هو وبشار وأبو العتاهية .
وقال السيد اتى بي ابي الى محمد بن سيرين وانا صغير فقال لي : يا بني ، اقصص رؤياك فقلت : رأيت كأني في أرض سَبخة : والى جانبها أرض حسنة ، والنبي « ص » واقف فيها ، وليس فيها نبت ، وفي الأرض السبخة سوك ونخل ، فقال لي يا اسماعيل ، أتدري لمن هذا النخل قلت : لا ، قال : هذا لامرىء القيس بن حجر ، فانقله الى هذه الأرض الطيبة التي أنا فيها ، فجعلت انقله ، الى أن نقلت جميع النخل وحولت شيئاً من الشوك فقال ابن سيرين لأبي : أما ابنك هذا فسيقول الشعر في مدح طَهَرة ابرار فما مضت إلا مدة ، حتى قلت الشعر .
قال الصولي : قال أبو العيناء للسيد : بلغنى انك تقول بالرجعة قال : هو ما بلغك ، قال فأعطني ديناراً بمائة دينار الى الرجعة فقال السيد : علي ان توّثق لي بمن يضمن انك ترجع انساناً ، اخاف ان ترجع قردا او كلباً فيذهب مالي .
وحكى ان اثنين تلاحيا في أي الخلق أفضل بعد رسول الله « ص » فقال أحدهما : أبو بكر ، وقال الآخر : علي ، فتراضيا بالحكم إلى اول مَن يَطلع عليهما ، فطلع عليهما السيد الحميري ، فقال القائل بفضل علي : قد تنافرت أنا وهذا إليك في افضل الخلق بعد رسول الله « ص » فقلت انا : علي ، فقال السيد : وما قال هذا ابن الزانية ؟ فقال ذاك لم أقل شيئاً .
قيل لما استقام الأمر للسفاح خَطَب يوماً فأحسن الخطبة ، فلما
نزل عن المنبر قام اليه السيد الحميري فأنشده :
دونكموها يا بني هاشم |
|
فجددوا من آيها الدارسا |
دونكموها فالبسوا تاجها |
|
لا تعدموا منكم لها لابسا |
دونكموها لا عَلت كعب من أمسى عليكم مُلكها نافسا |
||
خلافة الله وسلطانه |
|
وعنصراً كان لكم دارسا |
فساسها قبلكم ساسةٌ |
|
ما تركوا رطبا ولا يابسا |
لو خيَّر المنير فرسانه |
|
ما اختار إلا منكم فارسا |
فلست من ان تملكوها الى |
|
هبوط عيسي منكم آبسا |
روائع من شعر السيد الحميري :
قال في موقف امير المؤمنين ليلة بدر الكبرى لما عطش المسلمون فقال النبي من يأتينا بالماء ، قال علي : أنا فأخذ القربة ومضى وجاء بالماء :
اقسم بالله وآلائه |
|
والمرء عما قال مسؤلُ |
أن علي بن أبي طالب |
|
على التقى والبرِّ مجبول |
وأنه الهادي الامام الذي |
|
له على الأمة تفضيل |
يقول بالحق ويقضي به |
|
وليس تلهيه الأباطيل |
يمشي الى الحرب وفي كفّه |
|
ابيضُ ماضي الحدّ مصقول |
مشى العفرنى بين اشباله |
|
ابرزه للقنص الغيل |
ذاك الذي سلّم في ليلة |
|
عليه ميكال وجبريل |
ميكال في ألف وجبريل في |
|
ألفٍ ويتلوهم سرافيل |
ليلة بدر رمداً انزلوا |
|
كأنهم طير أبابيل |
فسلموا لما أتوا نحوه |
|
وذاك إعظام وتبجيل |
عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس : أسألك عن اختلاف الناس في علي « ع » ، قال يا بن جبير : تسألني عن رجل كانت له في ليلة واحدة ثلاثة آلاف منقبة وهي ليلة القربة في قليب بدر ، سلم عليه ثلاثة آلاف من الملائكة من عند ربهم ، وتسألني عن وصي رسول الله وصاحب حوضه . فكانت الأبيات المتقدمة متضمنة لهذه الرواية .
وقال السيد :
أُحبُّ الذي مات من أهل وده |
|
|
|
تلقّاه بالبشرى لدى الموت يضحكُ |
|
ومن مات يهوى غيره من عدوّه |
|
|
|
فليس له إلا الى النار مسلك |
|
أبا حسن تفديك نفسي واسرتي |
|
|
|
ومالي وما أصبحت بالارض اُملك |
|
أبا حسن إِني بفضلك عارف |
|
|
|
وإِني بحبل من ولاك لممسك |
|
وأنت وصي المصطفى وابن عمه |
|
|
|
فإنّا نعادي مبغضيك ونترك |
|
مواليك ناجٍ مؤمن بيِّن الهدى |
|
|
|
وقاليك معروف الضلالة مشرك |
|
ولاحٍ لحاني في عليٍّ وحزبه |
|
|
|
فقلتُ لحاك الله إنك اعفك (١) |
|
__________
(١) الأعفك : الاحمق .
وقال في الامام علي عليه السلام :
مشيراً الى الخبر الذي يرويه ابن شهراشوب في المناقب عن الحافظ أبي نعيم عن جماعة من الرواة عن الحارث الهمداني عن علي عليه السلام قال : لا يموت عبد يحبني إلا رآني حيث يحب ولا يموت عبد يبغضني إلا رآني حيث يكره وإلى ذلك أشار السيد الحميري ايضاً بقوله . ومنهم من ينسب هذا الشعر الى علي عليه السلام وهو من الخطأ :
قولُ علي لحارث عجبُ |
|
كم ثمّ أعجوبةٍ له حملا |
يا حار (١) همدان مَن يمتْ يرني |
|
|
|
من مؤمنٍ أو منافق قبلا |
|
يعرفني طرفه وأعرفه |
|
بنعته واسمه وما فعلا |
وأنت عند الصراط تعرفني |
|
فلا تخف عثرة ولا زللا |
أسقيك من باردٍ على ظمأ |
|
تخاله في الحلاوة العسلا |
أقول للنار حين تُعرض للعرض ، ذرية لا تقبلي الرجلا |
||
ذريه لا تقبليه إن له |
|
حبلا بحبل الوصي متصلا |
وكان آخر شعر له قوله :
كذب الزاعمون أنّ علياً |
|
لا ينجّي محبة من هناتِ |
قدوربي دخلت جنّة عدنٍ |
|
وعفاني الإله عن سيئاتي |
فأبشر اليوم أولياءَ عليّ |
|
وتولوا عليَّ حتى الممات |
ثم من بعده تولّوا بنيه |
|
واحداً بعد واحد بالصفات |
__________
(١) حار : ترخيم حارث كقولهم : يا اسم والمراد : اسماء .
وقال أشهد أن لا إله الا الله حقاً حقاً ، وأشهد أن محمدا رسول الله صدقاً صدقاً ، وأشهد أن عليا ولي الله رفقا رفْقا .
ثم غمض عينيه لنفسه ، فكأنما روحه ذُبالة طُفئت أو حصاة سقطت .
٨ ـ منصور النمري :
قال يرثي الحسين عليه السلام :
شاءٌ من الناس راتعٌ هاملْ |
|
يُعللون النفوسَ بالباطلْ |
تُقتَلُ ذريَّـة النبي وير |
|
جون جنانَ الخلود للقاتل |
ويلك يا قاتلَ الحسين لقد |
|
بؤتَ بحمل ينوءُ بالحامل |
أيّ حِباء حبوتَ أحمد في |
|
حُفرتِهِ من حرارةِ الثاكل |
بأيِّ وجه تلقى النبي وقد |
|
دخلت في قتله مع الداخل |
هلمّ فاطلب غدا شفاعته |
|
أو لا فرِدْ حوضه مع الناهل |
ما الشك عندي في كفر قاتله |
|
لكنني قد أشك في الخاذل |
نفسي فداءُ الحسين حين غدا |
|
الى المنايا غدوّ لا قافل |
ذلك يومٌ أنحى بشفرته |
|
على سنام الإسلام والكاهل |
حتى متى أنتِ تعجلين ألا |
|
تنزل بالقوم نقمة العاجل |
لا يعجلُ الله إن عجلتِ وما |
|
ربك عما ترين بالغافل |
أعاذلي إنني أُحبُّ بني |
|
أحمد فالتُربُ في فمِ العاذل |
قد دنتُ ما دينكم عليه فما |
|
رجعتُ من دينكم إلى طائل |
جفوتم عترة النبي وما الجافي |
|
لآل النبي كالواصل |
مظلومةٌ والنبي والدُها |
|
تُدير أرجاء مقلةٍ حافل |
ألا مصاليتَ يغضبون لها |
|
بسلةِ البيض والقنا الذابل (١) |
__________
(١) رواها ابو الفرج في الاغاني وفي مقاتل الطالبين وتاريخ بغداد .
وقال أيضاً :
متى يشفيك دمعك من همولِ |
|
|
|
ويبردُ ما بقلبك من غليلِ |
|
ألا يا ربَّ ذي حزن تعايا |
|
|
|
بصبر فاستراح إلى العويل |
|
قتيل ما قتيل بني زياد |
|
|
|
ألا بأبي وامي من قتيل |
|
رويد ابن الدعي وما أدعاه |
|
|
|
سيلقى ما تسلّف عن قليل |
|
غدت بيض الصفائح والعوالي |
|
|
|
بأيدي كل مؤتشبٍ (١) دخيل |
|
معاشر أودعت أيام بدر |
|
|
|
صدورَهم وديعات العَليل |
|
فلما أمكن الإسلام شدّوا |
|
|
|
عليه شدة الحنقِ الصؤول |
|
فوافوا كربلاءَ مع المنايا |
|
|
|
بمرداةٍ مسوّمة الخيول |
|
وأبناء السعادة قد تواصوا |
|
|
|
على الحدثان بالصبر الجميل |
|
__________
(١) المؤتشب : الاخلاط والاوباش .
ادب الطف ( ١٤ )
فما بخلت أكفهم بضرب |
|
|
|
كأمثال المصاعبة البزول |
|
ولا وجدت على الأصلاب منهم |
|
|
|
ولا الأكتاف آثار النصول |
|
ولكن الوجوه بها كلومٌ |
|
|
|
وفوق نحورهم مجرى السيول |
|
أيخلو قلبُ ذي ورع ودين |
|
|
|
من الأحزان والهم الطويل |
|
وقد شرقت رماح بني زياد |
|
|
|
بريٍّ من دماء بني الرسول |
|
ألم يحزنك سربٌ من نساء |
|
|
|
لآل محمد خُمش الذيول |
|
يشققن الجيوبَ على حسين |
|
|
|
أيامى قد خلون من البعول |
|
فقدن محمداً فلقين ضيماً |
|
|
|
وكنَّ به مصونات الحجول |
|
ألم يبلغك والأنباء تنمى |
|
|
|
مصالُ الدهر في ولد البتول |
|
بتربة كربلاء لهم ديار |
|
|
|
نيام الأهل دارسة الطلول |
|
تحيات ومغفرة ورَوح |
|
|
|
على تلك المحلّة والحلول |
|
ولا زالت معادن كل غيث |
|
|
|
من الوسمي مرتجس هطول |
|
برئنا يا رسول الله ممن |
|
|
|
أصابك بالأذاة وبالذحول |
|
ألا يا ليتني وصلت يميني |
|
|
|
هناك بقائم السيف الصقيل |
|
فجدت على السيوف بحرّ وجهي |
|
|
|
ولم أخذل بنيك مع الخذول |
|
وقال أيضاً كما روى ابن قتيبة في الشعر والشعراء عن طبقات ابن معتز :
آلُ النبي ومن يُحبُّهُم |
|
يتطامنون مخافةَ القتلِ |
أمِنوا النصارى واليهودَ وهم |
|
من امة التوحيدِ في أزل (١) |
قال : وأنشد الرشيد هذا بعد موته فقال : لقد هممتُ أن أنبشه ثم أحرقه .
__________
(١) الازل : الضيق .
الشاعر :
هو منصور بن سلمة بن الزبرقان بن شريك بن مطعم الكبش الرخم ابن مالك النمري (١) من النمر بن قاسط من نزار ، وفاته سنة ١٩٠ كما ذكر الزركلي في الاعلام ، وذكر غيره سنة ١٩٣ هجري
كنيته أبو الفضل الشاعر الجزري البغدادي كان من خاصة هرون الرشيد وهو في الباطن من محبي اهل البيت ، ولما سمع الرشيد قصيدته اللامية غضبت غضباً شديداً وأمر أبا عصمة ـ احد قواده ـ أن يذهب من فوره الى الرقة ويأخذ منصور النمري ويقطع لسانه ويقتله ويبعث اليه برأسه ، فلما وصل ابو عصمة الى باب الرقة رأى جنازة النمري خارجة منه فعاد الى الرشيد وأخبره بوفاة النمري فقال الرشيد فألا إذ صادفته ميتاً أحرقته بالنار كذا قال ابن المعتز في ( الطبقات ) . ونجّى الله النمري من عذاب الرشيد .
وروى ابن شهراشوب : أنهم نبشوا قبره . وروى السيد المرتضى في أماليه المعروف بالغرر والدرر بسنده عن الحافظ أنه قال : كان منصور النمري يأتي باسم هرون الرشيد في شعره ومراده به صاحب منزلة هرون عليه السلام ـ يعني امير المؤمنين « ع » .
وقال السيد حسن الصدر في ( تأسيس الشيعة ) ذكره ضياء الدين في نسمة السحر في ذكر من تشيع وشعر وحكى عن جماعة من علماء الزيدية أنه كان من الشيعة ، وكان يورى في مدح هرون الرشيد العباسي بعلي « ع » تلميحاً منه الى الحديث المشهور : أنت مني بمنزلة هارون من موسى كقوله :
__________
(١) النمري بفتح النون والميم .
آل الرسول خيار الناس كلهم |
|
|
|
وخير آل رسول الله هارون |
|
وحكي في الأغاني عنه حكايات موضوعة وضعها اعداؤه كمروان بن أبي حفصة وامثاله ، وان صحّت فهي من باب التقية ، ضرورة ان الامامة بالنص لا بالإرث باجماع الشيعة .
٩ ـ الامام الشافعي :
تأوَّه قلبي والفؤادُ كئيبُ |
|
وأرَّق نومي فالسهادُ عجيبُ |
فمن مبلغٌ ، عني الحسينَ رسالةً |
|
وإن كرهتها أنفسٌ وقلوبُ |
ذبيحٌ ، بلا جرم كأنّ قميصه |
|
صبيغ بماء الارجوان خضيب |
فللسيف إعوال وللرمح رنّة |
|
وللخيل من بعد الصهيل نحيب |
تزلزلت الدنيا لآل محمد |
|
وكادت لهم صمّ الجبال تذوب |
وغارت نجوم واقشعرّت كواكب |
|
|
|
وهُتِّك أستار وشُقّ جيوب |
|
يُصلّى على المبعوث من آلِ هاشم |
|
|
|
ويُغزى بنوه إنّ ذا لعجيب |
|
لئن كان ذنبي حبّ آلِ محمد |
|
|
|
فذلك ذنب لست عنه أتوب |
|
هم شفعائي يوم حشري وموقفي |
|
|
|
إذا ما بدت للناظرين خطوب (١) |
|
__________
(١) كذا في المناقب وفي ينابيع المودة للشيخ سليمان الحنفي القندوزي قال : وقال الحافظ جمال الدين المدني في كتابه ( معراج الوصول ) ان الامام الشافعي انشد :
ومما نفى نومي وشيب لمتي |
|
تصاريف ايام لهن خطوب |
الابيات . . .
الشاعر :
هو محمد بن ادريس الشافعي المولود سنة ١٥٠ والمتوفي سنة ٢٠٤ بمصر يوم الجمعة سلخ رجب .
نسبه : محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب ابن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف فالشافعي قرشي النسب .
نشأ يتيما في حجر امه وتولت تربيته عندما خشيت عليه الضيعة فأرسلته الى مكة المكرمة وهو ابن عشر سنين ، اما ولادته فكانت بغزة وقيل بعسقلان وقيل باليمن في السنة التي توفي فيها أبو حنيفة سنة ١٥٠ ولقد زاد بعضهم فقال انه ولد في الليلة التي توفي فيها ابو حنيفة وجعلوا ذلك من البشائر فيه والاشارة لعظمته .
قدم الشافعي مكة المكرمة وهو يومئذ ابن عشر سنين فحفظ القرآن الكريم وتعلَّم الكتابة وكان حريصاً على استماع الحديث ، وكان يكتب على الخزف مرة وعلى الجلود اخرى ، واتجه لطلب الفقه وحضر على بعض علماء مكة ، ثم توجه الى المدينة وحضر على مالك بن انس واتصل به ، ثم بعد ذلك قدم بغداد ثلاث مرات . وقدم الشافعي الى مصر سنة ١٩٨ ونزل بالفسطاط ضيفاً كريماً على محمد بن عبد الله بن عبد الحكم فأكرم مثواه ووازره ، وكانت لمحمد بن عبد الله مكانة في مصر ورياسة علمية ، وكان أهل مصر لا يعدلون به احداً ، وتأكدت بينه وبين الشافعي مودة وإخاء وقام في معونة الشافعي ومؤازرته ونشر علمه وللشافعي شعر كثير في الحكم والنصائح .
قال ابن خلكان : ومن الشعر المنسوب الى الشافعي :
كلما أدبنى الدهر |
|
أراني نقص عقلي |
واذا ما ازددت علماً |
|
زادني علماً بجهلي |
وقال الشافعي : تزوجت امرأة من قريش بمكة ، وكنت امازحها فأقول :
ومن البليّة أن تحبَّ |
|
فلا يحبّك من تحبهْ |
فتقول هي :
وتصدُّ عنك بوجهه |
|
وتلحّ أنتَ فلا تُغِبّه |
وقال ابن خلكان : ومن شعره ما نقلته من خط الحافظ ابي طاهر السلفي :
إن الذي رُزق اليسار ولم يُصب |
|
|
|
حمداً ولا أجراً لغير موفّقِ |
|
الجدّ يُدني كل أمر شاسع |
|
والجدّ يفتح كل باب مغلق |
واذا سمعت بأن مجدوداً حوى |
|
عودا فاثمر في يديه فصدّق |
وإذا سمعتَ بأن محروماً أتى |
|
ماءً ليشربه فغاض فحقق |
لو كان بالحيل الغنى لوجدتني |
|
بنجوم أقطار السما تعلّقي |
لكن من رزق الحجا حُرِم الغنى |
|
ضدّان مفترقان أي تفرق |
ومن الدليل على القضاء وكونه |
|
بؤس اللبيب وطيب عيش الاحمق |
ومن قوله :
امطرى لؤلؤاً جبال سرنديب |
|
وفيضي آبار تكريب تبرا |
همتي همة الملوك ونفسي |
|
نفس حرٍّ ترى المذلة كفرا |
انا إن عشت لست اعدم قوتاً |
|
وإذا مت لست أعدم قبراً |
وهو القائل :
ولو الشعر بالعلماء يزري |
|
لكنتُ اليومَ أشعرَ من لبيد |
كان الامام الشافعي يتظاهر بمدح أهل البيت صلوات الله عليهم ويميل اليهم فيقول :
آل النبي ذريعتي |
|
وهموا اليه وسيلتي |
ارجو بأن اعطى غداً |
|
بيدي اليمين صحيفتي |
واشتهر عند قوله :
يا آل بيت رسول الله حبكموا |
|
فرضٌ من الله في القرآن انزله (١) |
يكفيكم من عظيم الذكر انكموا |
|
من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له |
ويوضح في الابيات الآتية عن سبب اتهامه بالرفض أو التشيع :
قالوا ترفضتَ قلت كلا |
|
ما الرفض ديني واعتقادي |
لكن توليتُ دون شكٍ |
|
خير إمام وخير هادي |
إن كان حبُّ الوصي رفضاً |
|
فأنني أرفض العباد |
وروى شيخ الاسلام الحموي في فوائده في الباب الثاني والعشرين من طريق ابي الحسن الواحدي باسناده عن الربيع بن سلمان ، قال : قال النبهاني في الشرف المؤبد لآل محمد ص ٩٩ روى السبكي في
__________
(١) اشارة الى الآية الشريفة : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَ )
طبقاته بسنده المتصل الى الربيع بن سليمان المرادي ـ صاحب الامام الشافعي ـ قال خرجنا مع الشافعي من مكة نريد منى ، فلم ينزل وادياً ولم يصعد شعبا إلا وهو يقول :
يا راكباً قف بالمحصّب من منى |
|
واهتف بساكن خيفها والناهضِ |
سحراً اذا فاض الحجيج إلى منى |
|
فيضاً كملتطم الفرات الفائض |
إن كان رفضاً حبُّ آل محمد |
|
فليشهد الثقلان اني رافضي |
ورواها الفخر الرازي في مناقب الشافعي ص ١٥
وسئل الشافعي يوماً عن علي عليه السلام فقال : ما اقول في رجل أخفت أولياؤه فضائله خوفاً ، وأخفت اعداؤه فضائله حسداً وقد شاع من بين ذين ما ملأ الخافقين . وأخذ هذا المعنى السيد تاج الدين فقال :
لقد كتمت آثار آل محمد |
|
محبوهم خوفا وأعداؤهم بغضا |
فشاع لهم بين الفريقين نبذةٌ |
|
بها ملأ الله السماوات والارضا |
وقال محمد بن ادريس الشافعي ايضاً :
ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم |
|
مذاهبهم في أبحر الغيّ والجهل |
ركبتُ على اسم الله في سفن النجا |
|
|
|
وهم آل بيت المصطفى خاتم الرسل |
|
وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهم |
|
|
|
كما قد أُمرنا بالتمسك بالحبل |
|
اذا افترقت في الدين سبعون فرقةً |
|
|
|
ونيْفاً كما قد صحَّ في محكم النقل |
|
ولم يك ناجٍ منهم غير فرقةٍ |
|
فقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقل |
أفي فرق الهلاك آل محمد |
|
أم الفرقة اللاتي نجت منهم قل لي |
فإن قلتَ في الناجين فالقول واحد |
|
|
|
وإن قلت في الهُّلاك حفت عن العدل |
|
اذا كان مولى القوم منهم فانني |
|
رضيت بهم ما زال في طلهم طلي |
فخلِّ عليا لي إماما ونسله |
|
وانت من الباقين في سائر الحلِّ |
اقول : وتعجبني كلمة للدكتور يعقوب صروف صاحب مجلة ( المقتطف ) ـ وهو من اكبر الشخصيات العلمية ـ قال : وليس ما يفتخر به محصوراً في الفوز السياسي وفتح البلدان ، بل ان للاخلاق . والفضائل مقاماً أرفع في حياة الامم ، وكل ما قرأناه في الكتب العربية والافرنجية التي تذكر تاريخ الممالك الاسلامية رأيناه ينوّه بفضائل اهل البيت ولو خفف من شأنهم في السياسة
قيل للشافعي ان قوماً لا يصبرون على سماع فضيلة لاهل البيت فاذا اراد احد يذكرها يقولون هذا رافضي قال فأنشأ الشافعي يقول :
اذا في مجلس ذكروا علياً |
|
وسبطيه وفاطمة الزكيه |
فاجرى بعضهم ذكرى سواهم |
|
فأيقن انه لسلقلقيه |
اذا ذكروا علياً أو بنيه |
|
تشاغل بالروايات الدنيّة |
وقال تجاوزوا يا قوم عنه |
|
فهذا من حديث الرافضيه |
برأت الى المهمين من اناسٍ |
|
يرون الرفض حبِّ الفاطميه |
على آل الرسول صلاة ربي |
|
ولعنته لتلك الجاهليه |
وقال ـ كما روى الفخر الرازي في المناقب ص ٥١ ـ ونحن اخذناه عن كتاب ( الامام الصادق والمذاهب الاربعة ) ج ٣ ص ٣٢١
أنا الشيعي في ديني ، واصلي |
|
بمكة ثم داري عسقليه |
باطيب مولد وأعزّ فخراً |
|
وأحسن مذهبٍ سموا البريّة |
روى الشيخ القمي في الكنى والالقاب عن فهرست ابن النديم قال : كان الشافعي شديداً في التشيع ، وذكر له رجل يوماً مسألة فأجاب فيها ، فقال له : خالفتَ علي بن ابي طالب ، فقال له : ثبّت لي هذا عن علي بن ابي طالب حتى أضع خدي على التراب ، واقول : قد اخطأت وأرجع عن قولي إلى قوله . وحضر ذات يوم مجلساً فيه بعض الطالبيين ، فقال : لا أتكلم في مجلس يحضره احدهم هو أحق بالكلام ولهم الرياسة والفضل انتهى .
ومن روائع اقواله :
واذا عجزت عن العدو فداره |
|
وامزح له إن المزاح وفاق |
فالماء بالنار التي هي ضده |
|
يعطي النضاج وطبعها الاحراق |
وله كما في خريدة القصر :
وما خرَّ نصل السيف إغلاقُ غمده |
|
|
|
إذا كان عضباً حيث انفذته برى |
|
وله :
يقولون اسباب الفراغ ثلاثة |
|
واربعة خلوّه وهو خيارها |
وقد ذكروا مالا وأمناً وصحة |
|
ولم يعلموا ان الشباب مدارها |
وذكر ابن خلكان في ترجمة ابي عمرو أشهب بن عبد العزيز الفقيه المالكي المصري المتوفي سنة ٢٠٤ قال ابن عبد الحكم سمعت اشهب يدعو على الشافعي بالموت ، فذكرت ذلك للشافعي فقال متمثلاً
تمنى رجال أن اموت فان أمت |
|
فتلك سبيل لست بأوحد |
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى |
|
تزوّد لأخرى غيرها فكأن قد |
قال فمات الشافعي فأشترى أشهب من تركته عبداً ، ثم مات أشهب فأشتريت انا ذلك العبد من تركته . قال المسعودي حدثني فقير ابن مسكين عن المزني ـ وكان سماعنا من فقير بمدينة أسوان بصعيد مصر ـ قال : قال المزني دخلت على الشافعي غداة وفاته فقلت له : كيف اصبحت يا ابا عبد الله ، قال : اصبحت من الدنيا راحلاً ، ولإخواني مفارقاً وبكأس المنية شارباً ولا ادري الى الجنة تصير روحي فاهنيها أم الى النار فأعزّيها ، وانشأ يقول :
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي |
|
جعلت الرجا مني لعفوك سلَّما |
تعاظمني ذنبى فلما قرنته |
|
بعفوك ربي كان عفوك أعظما |
وللشافعي في مدح السفر :
ما في المقام لذي عقل وذي أدب |
|
من راحةٍ فدعِ الأوطان وأغترب |
سافر تجد عوضاً عمن تفارقه |
|
وانصب فان لذيذ العيش في النصب |
إني رأيت وقوف الماء يفسده |
|
إن سال طاب وإن لم يجر لم يطب |
الأسد لولا فراق الغاب ما افترست |
|
والسهم لولا فراق القوس لم يصب |
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة |
|
لملها الناس من عجم ومن عرب |
والتبر كالترب ملقى في أماكنه |
|
والعود في أرضه نوعٌ من الحطب |
فان تغرّب هذا عزّ مطلبه |
|
وإن تغرب ذاك عزّ كالذّهب |
وله في المؤاخاة :
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفاً |
|
فدعه ولا تكثر عليه التأسفا |
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة |
|
وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا |
فما كل من تهواه يهواك قلبه |
|
ولا خير في ود يجيء تكلفا |
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة |
|
ولا كل من صافيته لك قد صفا |
ولا خير في خل يخون خليله |
|
ويلقاه به بصر المودة بالجفا |
وينكر عيشاً قد تقادم عهده |
|
ويظهر سراً كان بالأمس في خفا |
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها |
|
صديق صدوق يصدق الوعد منصفا |
وله في عز النفس :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة |
|
كما أن عين السخط تُبدي المساويا |
ولست بهيابٍ لمن لا يهابني |
|
ولست أرى للمرء ما لا يرى ليا |
فان تدن مني تدن منك مودتي |
|
وإن تنأ عني تلقني عنك نائيا |
كلانا غني عن أخيه حياته |
|
ونحن إذا متنا أشد تغانيا |
١٠ ـ الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن ابي طالب :
قال يؤبّن جده أبا الفضل العباس شهيد الطف سلام الله عليه (١) :
أحقّ الناسِ أن يُبكي عليه |
|
فتى أبكى الحسينَ بكربلاءِ |
اخوه وابنُ والده علي |
|
أبو الفضل المضرّج بالدماء |
ومن واساه لا يُثنيه شيء |
|
فجادله على عطشٍ بماء |
__________
(١) رواها الشيخ الأميني عن ( روض الجنان في نل مشتهى الجنان ) للمؤرخ الهندي اشرف علي .
لمحة عن حياة العباس عليه السلام :
العباس بن علي بن أبي طالب هو حامل راية الحسين يوم كربلاء وعنوان عسكره ، جاء في الزيارة عن الامام عليه السلام : اشهد أنك نعم الاخ المواسي لأخيه ، أعطاك الله من جنانه أفسحها منزلا وأفضلها غرفا ً ورفع ذكرك في عليين وحشرك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً . وهو من فقهاء اهل البيت وكفاه شهادة أبيه له بقوله : ان ولدي العباس زُقّ العلم زقا .
ويقول الامام الصادق عليه السلام : كان عمنا العباس نافذ البصيرة صلب الايمان له منزلة عند الله يغبطه (١) بها جميع الشهداء وحتى قال الشيخ محمد طه نجف في رجاله عند ذكر العباس بن أمير المؤمنين : أنه أجلّ من أن يذكر في عداد سائر الرجال بل المناسب أن يذكر عند ذكر أهل البيت المعصومين .
أقول : وما كان جهاد العباس عن حميّة وعصبية أو مدفوعا ً بدافع الاخوة بل دفاعه عن الحق ولأن الحسين كان مثال الإيمان ورمز الحق ، علّمنا العباس ذلك في رجزه يوم عاشوراء مذ قال :
__________
(١) يغبطه اي يتمنى ان يكون مثله بلا نقصان من حظه والغبطة خصلة غير مذمومة وهي تمني مثل ما للغير ، كما ان المنافسة هي : تمني مثل ما للغير مع السعي في التحصيل ، وهي سبب قوي للنشاط والتقدم قال الله تعالى : وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ . انما المذموم الحسد ، وهو كراهة نعمة الغير وحب زوالها ، اما اذا تمنى مثل حاله دون ان يريد زوال نعمته فتلك الغبطة وفي الحديث : المؤمن يغبط والمنافق يحسد .
واصل الحسد هو نظر الحاسد الى المحسود بعين الإكبار والإعظام ، فيرى نفسه حقيراً في جنب ما اوتي ذلك المحسود . ومن اجمل ما قيل :
ان يحسدوك على علاك فانما |
|
متسافل الدرجات يحسد من علا |
والله ان قطعتم يميني |
|
إني احامي ابداً عن ديني |
وعن إمام صادق اليقين |
|
نجل النبيِّ الطاهر الامين |
وتتبع ذلك مزاياه التي عددها الإمام الصادق في الزيارة التي زاره بها ومنها :
اشهد لك بالصدق والوفاء والنصيحة لخلف النبي المرسل والسبط المنتجب والدليل العالم والوصي المبلِّغ . ومن ألقاب العباس : العابد والعبد الصالح كما في الزيارة : السلام عليك أيها العبد الصالح المطيع لله ولرسوله ولأمير المؤمنين .
أما ولادة العباس فقد كانت سنة ست وعشرين من الهجرة ، وعاش مع أبيه أمير ألمؤمنين أربع عشرة سنة .
ويلقب بقمر بني هاشم لجماله ووسامته ويكنى بأبي الفضل . وعاش مع اخيه الحسن أربعاً وعشرين سنة ، ومع اخيه الحسين اربعاً وثلاثين سنة وذلك مدة عمره . وكان أيّداً (١) شجاعاً فارساً وسيماً جسيماً يركب الفرس المطهَم (٢) ورجلاه تخطان في الأرض كما انه يلقب بالسقا وبأبي قربة لأنه ملك المشرعة يوم عاشوراء وسقى صبية الحسين وقد أبت نفسه أن يشرب الماء واخوه الحسين ظمآن فاغترف بيده غرفة من الماء ثم تذكر عطش الحسين فرمى بها وقال :
يا نفس من بعد الحسين هوني |
|
وبعده لا كنت ان تكوني |
هذا حسين وارد المنون |
|
وتشربين بارد المعين |
ثم عاد وقد أخد اعداؤه عليه طريقه فجعل يضربهم بسيفه وهو يقول :
__________
(١) الايد كسيد : القوي ، والوسيم من الوسامة ، الجمال .
(٢) المطهم كمحمد السمين الفاحش السمن العالي وهذه كناية عن طوله وجسامته .
ادب الطف ـ ( ١٥ )
لا أرهب الموت إذا الموت زقا (١) |
|
حتى اوارى في المصاليت لِقى |
إني أنا العباس أغدو بالسقا |
|
ولا أهاب الموت يوم الملتقى |
اولاد سيدنا العباس واحفاده :
اولاد سيدنا العباس واحفاده كانوا جميعاً علماء فضلاء ، أبرار أتقياء وكانوا كلهم ذوي شأن عظيم ومقام كريم من الجلالة والعظمة والعلم والحلم والزهد والعبادة والسخاء والخطابة يستفيد الناس من علومهم وكمالاتهم .
كان لسيدنا ابي الفضل العباس بن علي عليه السلام ولدان عبيد الله والفضل ، وأمهما لبابة بنت عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب هي زوجة سيدنا العباس . اما عبيد الله بن العباس بن امير المؤمنين فقد كان عالماً كبيراً ومنه العقب فإن الفضل اخاه لا عقب له ، وكان عبيد الله بن العباس ـ كما قال النسابة العمري في ( المجدي ) ـ من كبار العلماء موصوفاً بالجمال والكمال والمرؤة ؛ مات سنة ١٥٥ هـ ، تزوج من ثلاث عقائل كريمات الحسب : ١ ـ رقيه بنت الحسن بن علي ٢ ـ وبنت معبد بن عبد الله بن عبد المطلب ٣ ـ وبنت المسور ابن مخرمة الزبيري ـ كذا ذكر السيد البحاثة المقرم في كتابه ( قمر بني هاشم ) ثم قال : ولعبيد الله منزلة كبيرة عند السجاد كرامة لموقف ابيه ابي الفضل العباس عليه السلام ، وكان اذا رأى عبيد الله بن العباس رقّ واستعبر باكياً ، فاذا سئل عنه قال : اني اذكر موقف ابيه يوم الطف فما املك نفسي .
__________
(١) زقا اي صاح ومن قول العرب : زقت هامته .
ولعبيد الله بن العباس ولدان : عبد الله والحسن ، وانْحصر العقب في الحسن فان عبد الله أخاه لا عقب له ، وذرية الحسن بن عبيد الله ابن العباس لهم فضل وعلم وأدب وهم خمسة كلهم أجلّاء فضلاء ادباء وهم :
الفضل ، الحمزة ، ابراهيم ، العباس ، عبيد الله
قال الداودي في عمدة الطالب في انساب آل ابي طالب : كان اكبرهم العباس وكان سيداً جليلاً ، قال النجاري : ما رؤي هاشمي أعضب لساناً منه . وفي البحار عن تاريخ بغداد : انه جاء إلى بغداد ايام هارون الرشيد فاكرمه واعظمه واحترمه وبعده في ايام المأمون زاد المأمون في اكرامه حيث كان فاضلاً شاعراً فصيحا ، ويظنه الناس انه اشعر اولاد ابي طالب . ومن شعره قوله مفتخراً :
وقالت قريش لنا مفخرٌ |
|
رفيعٌ على الناس لا يُنكرُ |
فقد صدقوا لهمُ فضلهم |
|
وبينهم رتبٌ تقصر |
وأدناهم رحما بالنبي |
|
اذا فخروا فبه المفخر |
بنا الفخر منكم على غيركم |
|
فأمّا علينا فلا تفخروا |
ففضل النبى عليكم لنا |
|
أقرّوا به بعد ما انكروا |
فان طرتمُ بسوى مجدنا |
|
فان جناحكم الاقصر (١) |
وقال الخطيب البغدادي في ( تاريخ بغداد ) ج ١٢ ص ١٣٦ : العباس بن الحسن بن عبيد الله كان عالما شاعراً فصيحا من افصح رجال بني هاشم لسانا وبيانا وشعرا ، ويزعم اكثر العلوية انه اشعر ولد أبي طالب (٢)
__________
(١) عن الفصول المختارة للسيد المرتضى علم الهدى
(٢) قال السيد المقرم في كتابه ( قمر بني هاشم ) : اولد العباس عشرة ذكور وذكر بعضهم .
ومن شعره يذكره إخاء ابي طالب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ لعبد الله ـ والد رسول الله لأبيه وامه ـ من بين اخوته :
إنا وان رسول الله يجمعنا |
|
أبٌ وامٌّ وجدٌّ غير موصوم |
جاءت بنا ربّةٌ من بين اسرته |
|
غرّاء من نسل عمران بن مخزوم |
حزنا بها دون من يسعى ليدركها |
|
قرابة من حواها غير مسهوم |
رزقا من الله اعطانا فضيلته |
|
والناس من بين مرزوق ومحروم |
قال الداودي ( في عمدة الطالب ) : واما الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس فقد كان لسناً فصيحاً ، شديد الدين عظيم الشجاعة محتشماً عند الخلفاء ويقال له : ابن الهاشمية ، وهو الذي يؤبن جده ابا الفضل شهيد الطف بقوله :
أحقّ الناس ان يبكي عليه |
|
فتى أبكى الحسين بكربلاء |
الابيات المتقدمة .
اقول : واعقب الفضل من ثلاثة : جعفر والعباس ومحمد (١)
واما الحمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس فقد كان يشبّه بجده امير المؤمنين عليه السلام . خرج توقيع المأمون بخطه وفيه : يُعطى الحمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن امير المؤمنين ألف درهم لشبهه بجده امير المؤمنين . تزوج زينب بنت الحسين بن علي ابن عبدالله بن جعفر الطيار المعروف بالزينبي ، نسبة الى امه زينب بنت امير المؤمنين ، وكان حفيده محمد بن علي بن حمزة موجهاً شاعراً نزل البصرة وروى الحديث عن الرضا وغيره ، مات سنة ٢٨٦ هـ كذا جاء في عمدة الطالب ، وترجمه الخطيب في تاريخ بغداد ج ٢ ص ٦٣ وقال : كان رواية للاخبار وهو صدوق وله
__________
(١) ستأتي تراجمهم ان شاء الله في الجزء الثاني من هذه الموسوعة .
الرواية عن جماعة كثيرة . وفي تهذيب التهذيب ج ٩ ص ٣٥٢ وصفه بالعلوي البغدادي ونقل عن ابن ابي حاتم انه صدوق ثقة .
واما ابراهيم ويعرف بجردقة كان من الفقهاء والادباء والزهاد ، وابنه علي احد الاجواد له جاه وشرف مات سنة ٢٦٤ وأولد تسعة عشر ولداً ، ومن احفاده ابو الحسن علي بن ابراهيم جردقة كان خليفة ابي عبد الله بن الداعي على النقابة ببغداد كذا جاء في ( العمدة ) وعبد الله بن علي بن ابراهيم جردقة جاء الى بغداد ثم سكن مصر وكان يمتنع من التحدث بها ثم حدث وعنده كتب تسمى الجعفرية فيها فقه على مذهب الشيعة ، توفي في مصر في رجب سنة ثلثمائة واثني عشر كما جاء في تاريخ بغداد ج ١٠ ص ٣٤٦ وكان زاهد عصره قد طاف اكثر الاقطار يكتب عن اهل البيت .
واما عبيد الله بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن امير المؤمنين ففيه يقول محمد بن يوسف الجعفري : ما رايت احداً أهيب ولا اهيأ ولا امرأ من عبيد الله بن الحسن تولى إمارة الحرمين مكة والمدينة والقضاء بهما أيام المأمون سنة ٢٠٤ كما ذكر ذلك البغدادي في تاريخ بغداد ج ١٠ ص ٣١٣ . وفي سنة ٢٠٤ وسنة ٢٠٦ ولاه إمارة الحاج كما ذكر الطبري في ج ١٠ ص ٣٥٥ . مات ببغداد في زمن المامون وكانت امه وام اخيه العباس ام ولد .
١١ ـ النجاشي :
قال مصعب (١) بن عبد الله بن المصعب الزبيري في كتابه : نسب قريش ص ٤١ :
وقال النجاشي يرثي الحسين بن علي :
يا جعد بكِّيه ولا تسأمي |
|
بكاءَ حقٍّ ليس بالباطل |
على ابن بنت الطاهر المصطفى |
|
وابن ابن عم المصطفى الفاضل |
لن تُغلقي باباً على مثله |
|
في الناس من حافٍ ولا ناعلِ |
__________
(١) ولادته سنة ١٥٦ هـ ، ووفاته ٢٣٦ .
١٢ ـ عبد الله بن غالب :
روى ابن قولويه في ( كامل الزيارات ) ص ١٠٥ قال : حدثني محمد ابن جعفر عن محمد بن الحسين عن ابن ابي عمير عن عبد الله بن حسان عن ابن ابي شعبة عن عبد الله بن غالب ، قال دخلت على ابي عبد الله عليه السلام فانشدته مرثية في الحسين فلما انتهيت الى هذا الموضع :
فيا لبليّة تكسو حسينا |
|
بمسقاه الثرى عفر الترابِ |
صاحت باكية من وراء الستر : وآ أبتاه .
قال الشيخ المامقاني : عبد الله بن غالب الاسدي عدّه الشيخ رحمه الله في رجاله تارة من اصحاب الباقر عليه السلام . قائلاً : عبد الله بن غالب الاسدي الشاعر الذي قال له ابو عبد الله عليه السلام : ان ملكاً يلقنك الشعر وإني لأعرف ذلك الملك . واخرى من اصحاب الصادق .
وقال النجاشي : عبد الله بن غالب الاسدي الشاعر الفقيه ابو علي روى عن ابي جعفر وابي عبد الله وابي الحسن عليهم السلام ثقة ثقة واخوه اسحاق بن غالب له كتاب تكثر الرواة عنه منهم الحسن ابن محبوب . وكذا جاء في الخلاصة .
وقال الكشي : قال نصر بن الصباح البلخي : عبد الله بن غالب الشاعر الذي قال له ابو عبد الله ان ملكاً يلقي عليه الشعر إني لأعرف ذلك الملك .
٣ ـ ابو هارون المكفوف :
روى ابن قولويه في ( كامل الزيارت ) ص ١٠٥ قال : حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين عن محمد ابن اسماعيل عن صالح بن عقبة عن ابي هارون المكفوف ، قال : دخلت على ابي عبد الله عليه السلام فقال لي انشدني فانشدته :
أمرر على جدث الحسين |
|
وقل لأعظمه الزكية (١) |
قال : فلما بكى أمسكت انا ، فقال مر ، فمررت ، قال زدني زدني قال فانشدته :
يا مريم قومي واندبي مولاكِ |
|
وعلى الحسين فاسعدي ببكاكِ |
قال : فبكى وتهايج النساء ، قال فلما أن سكتن قال لي : يا ابا هارون مَن أنشد في الحسين عليه السلام فأبكى عشرة فله الجنة ، ثم جعل ينقصّ واحداً واحداً حتى بلغ الواحد ، فقال مَن انشد في الحسين فابكى واحداً فله الجنة ، ثم قال : مَن ذكره فبكى فله الجنة .
وروى ابن قولويه في الكامل ايضاً قال حدثنا ابو العباس القرشي عن محمد بن الحسين بن ابي الخطاب عن محمد بن اسماعيل عن صالح ابن عقبة عن ابي هارون المكفوف قال : قال ابو عبد الله عليه السلام :
__________
(١) هذا البيت من ابيات للسيد الحميري ، وانما انشده انشاداً ولم ينشأه .
يا ابا هارون انشدني في الحسين عليه السلام ، قال فانشدته فبكى . فقال : أنشدني كما تنشدون ـ يعني بالرقة ـ قال فانشدته :
امرر على جدث الحسين |
|
فقل لاعظمه الزكيّة |
قال فبكى ثم قال زدني ، قال فأنشدته القصيدة الاخرى ، قال فبكى وسمعت البكاء من خلف الستر ، قال فلما فرغتُ قال لي : يا ابا هارون من أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى عشراً كتبت له الجنة ، ومَن انشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى واحداً كتبت لهما الجنة ، ومَن ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله ولم يرضى له بدون الجنة .
قال الشيخ المامقاني في ( تنقيح المقال ) ج ٣ .
ابو هارون المكفوف عدّه الشيخ رحمه الله في اصحاب الباقر عليه السلام ، وله كتاب رواه عنه عبيس بن هشام . اقول وروى الشيخ المامقاني رواية تشير بالطعن على الرجل ، ثم قال : ولكن في الكافي رواية كاشفة عن كونه محل عناية الصادق وهي ما رواه عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابي اسحاق الخفاف عن محمد بن ابي زيد عن ابي هارون المكفوف قال قال لي ابو عبد الله عليه السلام : أيسرّك أن يكون لك قائد يا ابا هارون ، قلت نعم جعلت فداك ، فاعطاني ثلاثين ديناراً فقال : اشتر خادماً كوفياً فاشتريته ، فلما أن حج دخلت عليه فقال : كيف رأيت قائدك يا ابا هارون ، فقلت خيراً ، فاعطاني خمسة وعشرين ديناراً فقال : اشتر به جارية شبانية (١) فان اولادهن فره ، فاشتريتها وزوجتها منه فولدت ثلاث بنات فاهديت واحدة منهن الى بعض ولد ابي عبد الله عليه السلام وارجو أن يجعل الله ثوابي منها الجنة ، وبقيت ثنتان ما يسرني بهما ألوف .
__________
(١) الشباني : الاحمر الوجه .
قال الشيخ المامقاني : وظني ان اسم الرجل : موسى بن عميرة مولى آل جعدة بن هبيرة ، وقال السيد الامين في الاعيان : ابو هارون المكفوف : اسمه موسى بن عمير أو ابن ابي عمير ، مولى آل جعدة . روى الكليني في الكافي عن محمد بن سنان عنه عن ابي عبد الله عليه السلام هذا ما ذكره في الجزء ٧ في باب الكنى . ثم ذكره في الجزء ٤٩ ص ٨٥ تحت عنوان :
ابو المكفوف موسى بن عمير او ابن ابي عمير الكوفي مولى آل جعدة بن هبيرة المخزومي وروى الرواية التي تدل على الطعن فيه وقال : كل ما تقدم يدلّ على حسن حال ابي هارون وان ما نسب اليه من الغلو باطل انتهى .
وقال الشيخ المامقاني في تنقيح المقال ايضاً : موسى بن عمير ابو هارون المكفوف مولى آل جعدة بن هبيرة كوفي ، عدّه الشيخ في رجاله من اصحاب الصادق « ع » . وذكر رواية الكشي التي اشرنا اليها وان يكن لم يقطع بأن المعنى هو لانه لم يُصرح باسمه بل بالكنية فقط .
زينب الكبرى بنت علي « ع » (١)
قالت الحوراء زينب الكبرى بنت امير المؤمنين علي عليه السلام في ابيات ترثي بها اخاها الحسين :
على الطف السلام وساكنيه |
|
وروح الله في تلك القباب |
نفوس قدست في الارض قدساً |
|
وقد خُلقت من النطف العِذاب |
مضاجع فتية عبدوا فناموا |
|
هجوداً في الفدافد والروابي |
علتهم في مضاجعهم كعاب |
|
باردان منعمة رطاب |
وصيّرت القبور لهم قصوراً |
|
مناخاً ذات أفنيةٍ رحاب (٢) |
__________
(١) ملاحظة كان الواجب أن تكون في القرن الاول وانما اخرت سهواً .
(٢) عن كتاب ( بطل العلقمي ) ج ٣ ص ٣٣٥ .
زينب الكبرى بنت امير المؤمنين عليه السلام :
تُلقّب بالعقيلة وعقيلة بني هاشم وعقيلة الطالبيين . وتلقب بالموثقة والعارفة . والعالمة غير المعلمة . والفاضلة . والكاملة . وعابدة آل علي .
وهي اولى بنات امير المؤمنين ( ع ) ولدتها فاطمة الزهراء بعد الحسنين ، نشأت في حضن النبوة ودرجت في بيت الرسالة ورضعت لبان الوحي من ثدي العصمة فنشأت نشأةً قدسية روحانية فان الخمسة اصحاب العبا قد قاموا بتربيتها وتثقيفها وتهذيبها وكفى بهم مؤدبين ومهذبين .
ذكر العلامة محمد علي احمد المصري في رسالته قال : ان السيدة زينب نشأت نشأة حسنة كاملة فاضلة عالمة من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، وكانت على جانب عظيم من الحلم والعلم ومكارم الاخلاق ذات فصاحة وبلاغة . . . الى آخر ما قال (١) .
قال الكاتب فريد وجدي : السيدة زينب بنت علي رضي الله عنهما ، كانت من فضليات النساء وشريفات العقائل . ذات تقي وطهر وعبادة .
زينب الكبرى بنت امير المؤمنين علي من فاطمة الزهراء بنت رسول الله « ص » ولدت سنة خمس من الهجرة في الخامس من جمادي
__________
(١) عن كتاب ( عقيلة بني هاشم ) للخطيب علي بن الحسين الهاشمي .
الاول ، وكانت عند وفاة جدها رسول الله « ص » بنت خمس سنين ، وعند وفاة امها الزهراء ابنة ست إلا اشهراً .
وروت الحديث عن امها الزهراء وروت خطبتها الشهيرة عنها على طولها مع أنها لما سمعتها كانت صغيرة السن ، وكان يرويها عنها اهل البيت ، وروى علي بن الحسين عنها عن امها فاطمة ما يتعلق بولادة الحسين ، وحدّثت عن أبيها امير المؤمنين وأخويها الحسنين .
زوجها ابوها من ابن اخيه عبد الله (١) بن جعفر فولدت له عوناً (٢) وعباساً وام كلثوم .
__________
(١) عبد الله بن جعفر الطيار يقال له قطب السخاء وفيه يقول عبد الله بن قيس الرقيات :
وما كنت الا كالأغر ابن جعفر |
|
رأى المال لا يبقى فابقى له ذكرا |
وكان من احسن الناس وجهاً وأفصحهم منطقا واسمحهم كفا ، كانت ولادته بارض الحبشة وامه اسماء بنت عميس وحضر مع امير المؤمنين حروبه الثلاث ثم لازم الحسن والحسين مات سنة اربعة أو خمسة وثمانين من الهجرة .
(٢) يتوهم البعض أن المرقد الواقع بالقرب من مدينة كربلاء المقدسة على سبعة أميال من شرقي المدينة انه عون بن عبد الله بن جعفر والذي امه الحوراء زينب بنت علي « ع » انما عون المذكور مدفون في الحائر الحسيني مع الشهداء في حفرة واحدة عند رجلي الامام الحسين ( ع ) ، وانما المرقد المعروف بهذا الاسم هو :
عون بن عبد الله بن جعفر بن مرعي بن علي بن الحسن البنفسج بن ادريس بن داود ابن احمد المسود بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن ابي طالب .
وكان سيداً جليلاً قد سكن الحائر الحسيني المقدس ، وكانت له ضيعة على ثلاثة فراسخ عن كربلاء فخرج اليها وادركه الموت فدفن في ضيعته ، فكان له مزار مشهور وقبة عالية والناس يقصدون بالنذور وقضاء الحاجات .
وقبته ماثلة للعيان . ذكره النسابة السيد جعفر بن السيد محمد الاعرجي الكاظمي المتوفي سنة ١٣٣٣ في كتابه ( مناهل الضرب في انساب العرب ) .
وللسيدة الحوراء زينب سلام الله عليها مواقف مليئة بالبطولة والشجاعة يوم وقعت الواقعة بين الحق والباطل في كربلاء ويوم استشهد جميع أنصار الحق لا يريدون أن يذعنوا للباطل . زينب رمز المرأة المسلمة المؤمنة ، ومفخرة المرأة العربية المخلصة فقد شاطرت الحسين بهذه النهضة الجبارة ، قال العلامة المعاصر الشيخ عبد المهدي مطر في قصيدة عدد فيها مواقف السيدة زينب :
يا ريشة القلم استفزّي واكتبي |
|
هل كان هزّك مثل موقف زينب |
وفاتها :
ذكر المؤرخون ان السيدة زينب ماتت في النصف من رجب سنة ٦٥ هـ .
وقال الاستاذ حسن قاسم في كتابه ، السيدة زينب :
السيدة الطاهرة الزكية بنت الامام علي بن ابي طالب ابن عم الرسول وشقيقة ريحانتيه . لها اشرف نسب واجل حسب واكمل وأطهر قلب . فكأنها صيغت في قالب ضمخّ بعطر الفضائل . فالمستجلي آثارها يتمثل أمام عينيه رمز الحق ، رمز الفضيلة . رمز الشجاعة . رمز المرؤة فصاحة اللسان . قوة الجنان . مثال الزهد والورع مثال العفاف والشهامة . ان في ذلك لعبرة .
وقال العلامة محمد علي احمد المصري في رسالته : السيدة زينب :
هي بنت سيدي الامام علي كرم الله وجهه ، وبنت السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله وهي من أجل أهل البيت حسباً وأعلاهم نسباً . خيرة السيدات الطاهرات ومن فضليات النساء وجليلات العقائل التي قامت الفوارس في الشجاعة واتخذت طول حياتها تقوى الله بضاعة كريمة الدارين وشقيقة الحسنين .
وقال عمر ابو النصر في كتابه ، فاطمة بنت محمد : واما زينب بنت فاطمة فقد اظهرت انها من اكثر اهل البيت جرأة وبلاغة وفصاحة . وقد استطارت شهرتها بما أظهرت يوم كربلاء وبعده من حجة وقوة وجرأة وبلاغة حتى ضرب بها المثل وشهد لها المؤرخون والكتاب .
وقال ابن الاثير : إن زينب ولدت في حياة النبي وكانت عاقلة لبيبة جزلة ، وكلامها ليزيد بن معاوية حين طلب الشامي أختها فاطمة مشهور ، يدلّ على عقل وقوّة جنان .
وقال العلامة البرغاني في ( مجالس المؤمنين ) : إنّ المقامات العرفانية الخاصة بزينب تقرب من مقامات الامامة ، وانها لما رأت حالة زين العابدين ـ حين رأى أجساد أبيه وإخوته وعشيرته وأهل بيته على الثرى صرعى مجزرين كالاضاحي وقد اضطرب قلبه واصفرّ لونه ـ أخذت في تسليته ، وحدثته بحديث أمّ أيمن (١) كما روى ابن قولويه في
__________
(١) هي مربية النبي ( ص ) ومولاته ، سوداء ورثها النبي عن امه ، وكان اسمها بركة ، فاعتقها وزوجها عبيد الخزرجي بمكة فولدت له أيمن ، فمات زوجها فزوجها النبي من زيد فولدت له اسامة أسود يشبهها ، فاسامة وأيمن اخوان . وام ايمن شهد النبي لها بالجنة .
( كامل الزيارة ) ص ٢٦١ : ان علي بن الحسين لما نظر الى اهله مجزرين وبينهم مهجة الزهراء بحالةٍ تذيب القلوب ، اشتد قلقه ، فلما تبيّنت ذلك منه زينب أخذت تصبره قائلة :
ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي ، فوالله إن هذا لعهدٌ من الله الى جدك وابيك ، ولقد أخذ الله ميثاق اناس لا تعرفهم فراعنة هذه الارض وهم معروفون في اهل السماوات ، إنهم يجمعون هذه الاعضاء المقطعة والجسوم المضرّجة فيوارونها ، وينصبون بهذا الطف عَلَماً لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره ولا يُمحي رسمه على كرور الليالي والايام ، وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلال في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا عُلوّاً .
هذا هو الايمان الصادق ، وهذا هو السرّ الذي أخبرت به الحوراء عن عقيدة راسخة مستمد من ينبوع النبوة وفيض الإمامة أتراها كيف تخبر متحققة مما تقول وتوكد قولها بالقسم إذ تقول : فوالله إنّ هذا لعهد من الله . ثم افتكر في مدى علمها وقابليّتها لتقبّل هذه الاسرار التي لا تستودع إلا عند الاوصياء والأبدال ولا تكون إلا عند من امتحن الله قلبه للإيمان . وهكذا كانت ابنة علي كلما عضّها الدهر بويلاته ولجّ بها المصاب انفجرت كالبركان تخبر عن مكنونات النبوة واسرار الإمامة ، اقول ومن هذا الحديث ترويه أمّ أيمن وهو من أصح الاخبار سنداً ، كما ورد على لسان ميثم التمار في حديث جبلّة المكيّة : إعلمي يا جبلّة ان الحسين بن علي سيد الشهداء يوم القيامة ، ولأصحابه على سائر الشهداء درجة وورد على لسان زين العابدين كما في ـ الكامل لإِبن قولويه ص ٢٦٨ قال : تزهر أرض كربلاء يوم القيامة كالكوكب
ادب الطف ( ١٦ )
الدري ، وتنادي انا ارض الله المقدسة الطيبة المباركة التي تضمنتُ سيد الشهداء وسيد شباب اهل الجنة .
وزينب هي عقيلة بني هاشم ، ولّدها هاشم مرتين ، وما ولد هاشم مرتين من قبلها سوى أمّ هاني ـ اخت امير المؤمنين ، وهي اول هاشمية من هاشميين . والعقيلة عند العرب وان كانت هي المخدرة الكريمة لكن تخدّر زينب لم يشابهه تخدر امرأة . قال ابو الفرج : العقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة في فدك فقال : حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي . وكانت ثانية امها الزهراء في العبادة ، وكانت تؤدي نوافل الليل كاملة في كل أوقاتها حتى ان الحسين عليه السلام عندما ودع عياله وداعه الاخير يوم عاشوراء قال لها : يا اختاه لا تنسيني في نافلة الليل كما ذكر ذلك البيرجندي وهو مدوّن في كتب السير .
وكانت كما قال لها الإمام السجاد : انتِ يا عمّة عالمة غير معلّمة ، وفهمة غير مفهّمة واما الصبر فقد بلغت فيه ابعد غاياته وانتهت فيه الى أعلا درجاته فانها لما سقط الحسين يوم عاشوراء خرجت من الفسطاط حتى انتهت اليه ، قال بعض أرباب المقاتل : انها لما وقفت على جسد الحسين قالت : اللهم تقبّل منا هذا القربان . ونقل صاحب الخصائص الحسينية أنها كانت قد وطنت نفسها عند إحراق الخيم ان تقرّ في الخيمة مع النسوة ، إن كان الله شاء إحراقهنَّ كما شاء قتل رجالهن ، ولذلك قالت لزين العابدين عند اضطرام النار : يا بن اخي ما نصنع ، مستفهمة منه مشيئة الله فيهنَّ ، وإلا فمن يرى النار يهرب منها بالطبع ولا يستشير فيما يصنع .
قال الشيخ المامقاني في ( تنقيح المقال ) : زينب في الصبر والتقوى
وقوة الايمان والثبات وحيدة ، وهي في الفصاحة والبلاغة كأنها تفرغ عن امير المؤمنين كما لا يخفى على من أنعم النظر في خطبتها ، ولو قلنا بعصمتها لم يكن لاحد أن ينكر إن كان عارفاً باحوالها في الطف وما بعده ، كيف ولولا ذلك لما حمّلها الحسين مقداراً من ثقل الإمامة أيام مرض السجاد ، وما أوصى اليها بجملة من وصاياه ، ولما أنابها السجاد عليه السلام نيابة خاصة في بيان الاحكام وجملة اخرى من آثار الولاية . . . الى ان قال . . وعمرها حين توفيت دون الستين .
وقال الطبرسي : إنها روت اخباراً كثيرة عن امها الزهراء ، وروى أنها كانت شديدة المحبة بالنسبة الى الحسين من صغرها ، اقول كأن وحدة الهدف ونُبْل الغاية والمقصد وكبر النفس جعلت منهما أليفين عظيمين لذلك شاطرته النهضة وشاركته في ثورته المباركة ، وعندما دخلت الكوفة ورأت تلك الجماهير كالسيل يدفع بعضها البعض واذا بابنة علي بمجرد أن أومأت الى الناس أن اسكتوا ، ارتدّت الانفاس وسكنت الاجراس .
توافرت الروايات عن حذلم بن كثير ، قال : قدمت الكوفة في المحرم سنة احدى وستين عند منصرف علي بن الحسين والسبايا من كربلاء ومعهم الاجناد يحيطون بهم ، وقد خرج الناس للنظر اليهم فلما اقبل بهم على الجمال بغير وطاء خرجن النسوة اهل الكوفة يبكين وينشدن .
وذكر الجاحظ في ( البيان والتبيين ) عن خزيمة الاسدي قال : ورأيت نساء اهل الكوفة يومئذ قياماً يندبن مهنكات الجيوب . قال حذلم بن كثير : فسمعت علي بن الحسين يقول بصوت ضعيف ـ وقد انهكته العلة ، والجامعة في عنقه : إن هؤلاء النسوة يبكين إذن فمن قتلنا .
قال : ورأيت زينب بنت علي ولم أر خفِرةً أنطق منها ، كأنها تفرغ عن لسان امير المؤمنين . قال : وقد أومأت الى الناس أن اسكتوا . فارتدت الانفاس وسكنت الاصوات فقالت :
الحمد لله والصلاة على محمد وآله الطيبين الاخيار ، اما بعد يا اهل الكوفة يا اهل الختر والغدر أتبكون فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة انما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثا ، تتخذون ايمانكم دخلا بينكم ، الا وهل فيكم الا الصلف والنطف (١) والكذب والشنف (٢) وملق الاماء وغمز الاعداء أو كمرعى على دمنة (٣) او كقصة (٤) على ملحودة ، ألا ساء ما قدّمت لكم انفسكم سخط الله عليكم وفي العذاب انتم خالدون ، أتبكون وتنتحبون اي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً ، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شباب أهل الجنة وملاذ خيرتكم ومفزع نازلتكم . ومنار محجتكم . وقدرة سنتكم ، ألا ساء ما تزرون وبُعْداً لكم وسحقا . فلقد خاب السعي وتبّت الايدي ، وخسرت الصفقة وبؤتم بغضبٍ من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة . ويلكم يا اهل الكوفة أتدرون أيَّ كبدٍ لرسول الله فريتم . وأيّ كريمة له أبرزتم ، وأيَّ دم له سفكتم ، وأيَّ حرمة له انتهكتم ، ولقد جئتم بها صلعاء (٥) عنقاء ، سوداء ، فقماء ، خرقاء
__________
(١) الصلف : الادعاء تكبراً ، والنطف : التلطخ بالعيب .
(٢) الشنف بالتحريك : البغض والتنكر .
(٣) الدمنة : المكان الذي تدمن به الابل والغنم فيكثر البول والبعر .
(٤) القصة بالفتح : بناية مجصصة على القبر .
(٥) الصلعاء : الداهية وما بعد صفات له بالقبح والشدة .
شوهاء كطلاع الارض (١) أو ملأ السماء ، افعجبتم إن أمطرت السماء دماً ولعذاب الآخره أخزى وانتم لا تنظرون ، فلا يستخفنكم المهل فانه لا يحفزه (٢) البدار ، ولا يخاف قوت الثار وإن ربكم لبالمرصاد .
قال الراوي : فوالله لقد رأيتُ الناس يومئذ حيارى يبكون ، وقد وضعوا أيديهم على أفواههم . ورأيتُ شيخاً واقفاً الى جنبي يبكي حتى اخضلّت لحيته بالدموع وهو يقول : بأبي انتم وامي . كهولكم خير الكهول ، وشبانكم خير شبان ، ونساؤكم خير نساء ، ونسلكم خير نسل ، لا يُخزى ولا يُبزى (٣) ثم انشد :
كهولكمُ خير الكهول ونسلكم |
|
|
|
إذا عُدَّ نسلٌ لا يبور ولا يُخزى |
|
وهذا حذلم بن كثير من فصحاء العرب أخذه العجب من فصاحة زينب وبلاغتها وأخذته الدهشه من براعتها وشجاعتها الابية .
ولما أدخلت السبايا على ابن زياد في قصر الإمارة بالكوفة وقد غصّ القصر بالناس إذ أن الرواية تقول : وأذِن للناس إذناً عاماً ، ووضع ابن زياد رأس الحسين بين يديه وأدخلت عليه نساء الحسين وصبيانه ودخلت زينب اخت الحسين في جملتهم متنكّرة وعليها أرذل ثيابها ومضت حتى جلست ناحيةً وحفّت بها إماؤها ، فقال ابن زياد : من هذه المتنكّرة فلم تُجبْه ترفّعاً عن مخاطبته حتى قال له بعض
__________
(١) طلاع الارض : ملؤها .
(٢) الحفز : الحت والاعجال .
(٣) لا يبزى : اي لا يغلب ولا يقهر .
إمائها : هذه زينب بنت علي . فاقبل اللعين قائلاً متشفياً شامتاً :
كيف رأيتِ صنع الله بأخيك الحسين . قالت بما يكشف له أنها غير مبالية ولا متفجَّعة : ما رأيت إلا جميلاً ، هؤلاء قوم كُتب عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم فانظر لمن الفلح ثكلتك امك يا بن مرجانة .
فكان هذا الكلام أشق عليه من رمي السهام وضرب الحسام ولهذا اغضبه حتى همّ أن يشفي غيظه بضربه لها ، فقام والسوط بيده فقام عمرو بن حريث وقال : يا امير إنها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها ، قال أما تراها حيث تجرأت عليَّ ، قال : لا تلم زينب يرى ابن زياد انه القانط على العراق بيد من حديد والناس تناديه : يا أمير واذا بالمرأة الاسيرة تقول له : يا بن مرجانة .
اما خطبتها بالشام في البلاط الاموي تلك الخطبة البليغة والمملؤة شجاعة وحماسة وقوة ورصانة واحتجاجاً وادلّة بذلك المجلس المكتظ بمختلف الناس وجماهير الوافدين رواها ابن طيفور في ( بلاغات النساء ) ص ٢١ ورواها الشيخ الصدوق وغيره من ارباب التاريخ قالوا :
لما ادخل علي بن الحسين عليه السلام وحرمه على يزيد وجيء برأس الحسين ووضع بين يديه في طشت وجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده ، وهو يتمثّل بابيات ابن الزبعري المشرك
يا غراب البين ما شئت فقل |
|
إنما تذكر شيئاً قد فعلْ |
ليت اشياخي ببدر شهدوا |
|
جزع الخزرج من وقع الاسل |
لأهلّوا واستهلوا فرحاً |
|
ثم قالوا يا يزيد لا تشل |
لعبت هاشم بالملك فلا |
|
خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل |
لستُ من خندف إن لم أنتقم |
|
من بني احمد ما كان فعل |
قد قتلنا القرمَ من ساداتهم |
|
وعدلنا مَيلَ بدر فاعتدل |
وأخذنا من عليٍ ثارنا |
|
وقتلنا الفارس الشهمَ البطل (١) |
فقامت زينب بنت علي بن ابي طالب وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله وعليه وسلم وقالت :
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على رسوله محمد وآله اجمعين . صدق الله سبحانه حيث يقول : ( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّـهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ) أظننتَ يا يزيد حيث أخذتَ علينا أقطار الارض وآفاق السماء (٢) فاصبحنا نُساقُ كما تُساق الإماء ، أن بنا على الله هوانا وبك عليه كرامة ، وان ذلك لعِظم خطرك عنده ، فشمختَ بأنفك ، ونظرتَ في عِطْفك ، تضربُ أصدريك فرحاً ، وتنفض مذرويك مرحاً (٣) ، جذلان مسروراً حين رأيت الدنيا لك مستوسقة (٤) والامور متّسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا (٥) فمهلاً مهلاً ، لا تُطش جهلاً ، أنسيتَ قول الله تعالى ( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
__________
(١) ذكر ابن هشام في ( السيرة النبوية ) قصيدة ابن الزبعري بكاملها .
(٢) تريد عليها السلام بهذا القول : أنك ملأت الارض بالخيل والرجال والفضاء بالرايات وضيقت الارض العريضة علينا . كما يقول شاعر الحسين :
بجمع من الارض سد الفروج |
|
وغطا النجود وغيطانها |
وطا الوحش إذ لم يجد مهرباً |
|
ولازمت الطير أركانها |
(٣) تضرب أصدريك : اي منكبيك ، وتنفض مذرويك : المذروان جانبا الاليتين . يقال : جاء فلان ينفض مذرويه : اذا جاء باغياً يتهدد .
(٤) مستوسقة : مجتمعة . ومتسقة : منتظمة .
(٥) تقول عليها السلام ان الملك ملكنا والسلطان لنا من جدنا الرسول « ص » .
كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) . (١)
أمنَ العدل يا بن الطلقاء (٢) تخديرك حرائرَك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا . قد هُتكت ستورهن ، وأبديت وجوههنَّ ، وصحلت (٣) أصواتهنّ ، تحدو بهنّ الاعداء من بلد الى بلد ، ويستشرفهنَّ أهل المناهل والمناقل ، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد ، والشريف والدنيّ ، ليس معهن من رجالهن وليٌّ ولا من حُماتهن حميّ ، وكيف تُرتجى مراقبة ابن من لفظ فوه أكباد الاذكياء ، ونبت لحمه من دماء الشهداء (٤) وكيف يستبطأ في بغضنا اهل البيت مَن نظر الينا بالشنف والشنآن (٥) والإحن والاضغان ، ثم تقول غير متأثّم ولا مستعظم داعياً باشياخك ـ ليت اشياخي ببدر شهدوا ـ منحنياً على ثنايا ابي عبد الله سيد شباب اهل الجنة تنكتها بمخصرتك (٦) وكيف لا تقول
__________
(١) سورة آل عمران ـ ١٧٨ .
(٢) الطلقاء هم ابو سفيان ومعاوية وآل امية الذين اطلقهم رسول الله « ص » عام الفتح اذ قال : اذهبوا فانتم الطلقاء . وبهذا صاروا عبيداً لرسول الله هم وذراريهم .
(٣) صحلت : بحت يقال ، صحل صوته : بح وخشن .
(٤) اشارة الى ما فعلته هند ام معاوية يوم احد حيت شقت بطن الحمزة بن عبد المطلب وهو قتيل واستخرجت كبده فلاكتها باسنانها ثم جعلت من اصابع يديه ورجليه ، معضدين وقلادة وخلخالين .
(٥) الشنآن : البغض والحقد ، تقول عليها السلام : ان بذرة الحقد لم تزل متمكنة من نفوسكم يا بني أمية ، واعظم ما شق عليكم واثر في نفوسكم ان شرف النبوة في هذا البيت الطاهر كما قيل :
عبد شمس قد أضرمت لبني هاشم |
|
حرباً يشيب منها الوليد |
فابن حرب للمصطفى ، وابن هند |
|
لعلي ، وللحسين يزيد |
(٦) المخصرة بكسر الميم كالسوط .
ذلك وقد نكأت القرحة (١) واستأصلت الشأفة (٢) بإراقتك دماء ذرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونجوم الارض من آل عبد المطلب . أتهتف باشياخك . زعمتَ أنك تناديهم فلتردنَّ وشيكاً (٣) موردهم ، ولتودنّ أنك شللتَ وبكمْتَ ولم تكن قلتَ ما قلتَ وفعلتَ ما فعلتَ . اللهم خُذْ لنا بحقنا وانتقم ممن ظلمنا . واحلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حُماتنا .
فوالله يا يزيد ما فريتَ إلا جلدك ولا حززتَ إلا لحمك ، ولتردّن على رسول الله بما تحمّلتَ من سفك دماء ذريّته وانتهكتَ من حرمته في عترته ولُحمته حيث يجمع الله شملَهم ويُلمّ شعثهم ويأخذ بحقهم ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (٤) وحسبُك بالله حاكماً ، وبمحمد صلى الله عليه وآله خصيماً ، وبجبرئيل ظهيراً .
وسيعلم من سوّل لك ومكّنك من رقاب المسلمين بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (٥) وأيّكم شرَّ مكاناً وأضعف جندا . ولئن جرّت عليَّ الدواهي مخاطبتك (٦) إني لأستصغر قدرك واستعظم تقريعك وأستكثر توبيخك . لكن العيون عبرى والصدور حرّى ، ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النُجباء بحزب الشيطان الطلقاء . وهذه الايدي تَنْطِفُ من
__________
(١) نكأت القرحة : اي وسعت مكانا جرحها .
(٢) الشأفة : قرحة تخرج في اسفل القدم فتكوى وتذهب ، ويقال ، استأصل الله شأفته ، اذهبها كما تذهب تلك القرحة .
(٣) وشيكاً : قريباً .
(٤) آل عمران ـ ١٦٩ . |
(٥) الكهف ـ ٥٠ . |
(٦) الدواهي جمع داهية : هي النازلة الشديدة تنزل بالانسان .
دمائنا (١) والافواهُ تتحلّب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل (٢) وتُعفّرها أمّهاتُ الفراعل (٣) . ولئن اتخذتنا مغنماً لتجدننا وشيكاً مغرماً حين لا تجد إلا ما قدّمت يداك وما ربك بظلّام للعبيد . فالى الله المشتكى ، وعليه المعوَّل ، فكدْ كيدك . واسْعَ سعيك ، وناصبْ جُهدك فوالله لا تمحو ذكرنا (٤) ولا تُميت وحينا ، ولا تدرك أمدَنا ، ولا يُرحض عنك عارُها ، وهل رأيك إلا فَنَد (٥) وأيامُك إلا عددْ ، وجمعُك إلا بَددْ ، يوم ينادى المنادى ألا لعنة الله على الظالمين . فالحمد لله رب العالمين . الذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة ، ولآخرنا بالشهادة والرحمة ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ويُوجب لهم المزيد ، ويُحسنْ علينا الخلافة ، إنه رحيم ودود وهو حسبنا ونعم الوكيل .
فقال يزيد في جوابها :
يا صيحة تحمد من صوائح |
|
ما أهون النوح على النوائح |
أرأيت ابنة علي وموقفها الذي تعجز عنه أبطال الرجال . . تأمل في كلامها الطافح بالعزة والإباء . والمملوء جرأة وإقداما ، والمشحون بالابهة والعظمة ، بعدم المبالاة بكل ما مرّ عليها من المصائب والنوائب
__________
(١) تنطف : اي تقطر .
(٢) العواسل : الذئاب . |
(٣) الفراعل : ولد الضبع . |
(٤) تقول عليها السلام انك بقتلك للحسين قد قضيت على اسمه فهيهات لا تمحو ذكرنا ، ولقد صدقت ربيبة الوحي فهذه الاثار الباقية لأهل البيت والثناء العاطر ، وهذه قبابهم المقدسة مطافاً لعامة المسلمين ، يبتهلون الى الله في مشاهدهم :
السلام عليكم يا اهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ، وخزان العلم ومنتهى الحلم واصول الكرم ، وقادة الامم الى آخر الزيارة .
(٥) الفند : الكذب .
لكأن نفس أخيها بين جنبيها ولسان أبيها بين فكّيها ، إنها بكل شجاعة تفرغ بليغ الخطاب غير مقحمة ولا متعلثمة فبخ بخ ذرية بعضها من بعض .
وان اختلاف الروايات في كون دفنها في الشام أو مصر أو البقيع يعود الى عظمة شخصيتها ، فكل من هذه البلاد الثلاثة كانت تتجاذب رواية دفنها فيها وتوكدها عندها لتجذب اليها انظار العالم الاسلامي ، وان النفع الذي يتحقق لبلد الشام ـ اليوم ـ من وجود مشهد الحوراء زينب هو نفع اقتصادي ، إن عشرات الالوف من الزائرين الذين يقصدونها من مختلف الاقطار القريبة والبعيدة يدرّ على البلد بربح طيب وما زال العمران ومنذ اكثر من عشرة سنوات وحتى يومنا هذا يسعف اليد العاملة في البلد .
نشرت مجلة ( الغري ) النجفية في سنتها ١٥ تحت عنوان القفص الذهبي فقالت : أهدى أغنى أغنياء الباكستان السيد محمد علي حبيب قفصاً ذهبياً للسيدة زينب بنت الامام علي بن ابي طالب ، وكان السبب الوحيد لاهداء هذا القفص هو أنه كان له ولد مصاب بمرض مزمن وقد عجز أطباء العالم عن معالجته فأيس من شفائه ، فتضرع الى الله تعالى وتوسل بحفيدة النبي زينب الكبرى فقصد الشام لزيارة قبرها وبات ليلته في حضرتها متضرعاً الى الله في شفاء ولده ثم سافر الى بلده ، وحين وصوله شاهد ولده معافى بتمام الصحة من المرض الذي الّم به ، وهذه احدى كرامات الطاهرة زينب .
ثم روت مجلة الغري عن جريدة ( الزمان ) الدمشقية الخبر التالي :
تصل خلال الايام القادمة الهدية الثمينة ، وهي عبارة عن كسوة من الفضة المذهبة لضريح السيدة زينب عليها السلام حفيدة الرسول الاعظم .
ـ ثم تعطي الجريدة المذكورة صورة عن الاحتفال في كراتشي بهذا الضريح ـ تقول : وقد سبقت للهدية قصة عجيبة إذ أنّ للسيد محمد علي حبيب نجلٌ واحد أصيب بالشلل وعالجه ابوه في مستشفيات اوربا ولدى أمهر أطبائها ولكن المشلول لم يشفى ، ومنذ عامين في طريق عودة الوالد من احدى جولاته في اوربا مرّ في دمشق وزار قبر السيدة زينب وقضى ليلة في باحة الضريح وأخذ يبتهل الى الله أن يشفى ابنه الوحيد ، وفي الصباح غادر المكان وقد علق بذهنه تاريخ تلك الليلة التي قضاها الى جانب حفيدة الرسول الكريم ، وعند وصوله الى كراتشي كان اهله في استقباله ، وكان أول سؤاله عن ابنه المشلول المقعد ، ولشدة ما كانت دهشته عظمية عندما قالوا له : إنه شفي ، وانه يقضي دور النقاهة في ضاحية من ضواحي العاصمة .
واستمع الرجل الى القصة من أولها فاذا بهم يقولون : ان الولد المقعد شعر ذات ليلة وهي نفس الليلة التي قضاها ابوه في جوار ضريح السيدة زينب . شعر الابن بالقوة في قدميه فحركهما ثم حاول ان يهبط من سريره الى الارض ليقف على قدميه ونادى امه والخدم وسار بمعونتهم ، وكان فزع الام بالغاً أشده لأن ابنها عاود الكرة في الصباح وأخذ يمشي طيلة النهار ، والتقى الاب بابنه بعد ذلك فرآه يمشي كما يمشي السليم من الناس وشهد فلذة كبده بعينه صحيح الجسم بعد أن عجز أطباء العالم عن شفائه ، وأيقن ان الشفاء نزل في نفس الليلة التي كان يتوسل فيها الى الله . فاعتزم أن يقدّم للضريح هدية ثمينة تليق بصاحبة الضريح المكرمة .
اقول ونشرت مجلة العرفان اللبنانية : ان هذا القفص الذهبي يزن ١٢ طناً ، وهو محلى بالجواهر الكريمة النادرة وقد ارخ وصول الضريح الخطيب المؤرخ الشيخ علي البازي بقوله :
هذا ضريح زينب قف عنده |
|
واستغفر الله لكل مذنبِ |
ترى الملا طراً وأملاك السما |
|
أرّخ ( وقوفاً في ضريح زينبِ ) |
١٣٧٠ هـ
ونشرت مجلة العرفان اللبنانية مجلد ٤٢ ص ٩٢٣ فقالت :
أهدت ايران حكومة وشعباً صندوقاً أثرياً من العاج والآبنوس المطعّم بالذهب لضريح السيدة زينب المدفونة في ظاهر الشام ـ قرية راوية ـ وهو من صنع الفنان الايراني الحاج محمد سميع ، وبقي في صنعه ثلاثين شهراً وقد ساهم في نفقاته جلالة شاه ايران وبعض متمولي الشعب ، وقدّر ثمنه بمائتي الف ليرة سورية ، وله غطاء من البلور ، وقد احضرته بعثة ايرانية رسميّة برئاسة ضابط ايراني كبير ، وأُقيمت حفلة كبرى في الصحن الزينبي ترأس الحفلة السيد صبري العسلي رئيس الوزارة السورية وهو الذي أزاح الستار عن الصندوق .
علي بن الحسين السجاد « ع » :
قال بعد قتل ابيه عليه السلام مخاطباً أهل الكوفة :
فلا غَرْوَ من قتل الحسين فشيخه |
|
أبوه عليٌ كان خيراً وأكرما |
فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي |
|
أصاب حسينا كان ذلك أعظما |
قتيل بشط النهر روحي فداؤه |
|
جزاء الذي أرداه نار جهنما (١) |
ولما أُدخل مع السبايا الى الكوفة قال كما رواه الطريحي في المنتخب :
يا امة السوء لا سقياً لربعكم |
|
يا امّةً لم تراعِ جدنا فينا |
لو أننا ورسول الله يجمعنا |
|
يوم القيامة ما كنتم تقولونا |
تسيرونا على الاقتاب عارية |
|
كأننا لم نشيّد فيكم دينا |
__________
(١) عن ( الرائق ) للسيد احمد العطار الحسني ، الجزء الاول . مخطوط
الامام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب : لقب بزين العابدين لزهده وعبادته كما يلقب بالخالص والزاهد والخاشع ، والمتهجد والسجاد وذي الثفنات (١) . ولد بالمدينة الطيبة يوم الجمعة لخمس خلون من شعبان أو لتسع خلون منه . وقال الشيخ في المصباح وابن طاوس في الاقبال ان مولده كان في النصف من جمادي الاولى وذلك سنة ثمان وثلاثين أو سبع وثلاثين ، اي في خلافة جده أمير المؤمنين بغير خلاف من ذلك ، وكان عمره يوم وقعة الطف بكربلاء ثلاثاً وعشرين سنة ، وبقي بعد أبيه أربعاً وثلاثين سنة على الأشهر ، فتكون ولادته بالتاريخ الميلادي سنة ٧١٥ ، قال المفيد في الارشاد : وكان أمير المؤمنين عليه السلام قد ولىّ حريث بن جابر الحنفي جانباً من المشرق فبعث اليه ببنتي يزدجرد بن شهريار فنحل ابنه الحسين ( شاه زنان ) منهما فاولدها زين العابدين وماتت في نفاسها ، فهي ام ولد (٢) ونحل الاخرى محمد بن أبي بكر ، فدلدت له القاسم ، فهما ابنا خالة . وشهد زين العابدين وقعة كربلاء مع أبيه الحسين عليه السلام وحال بين اشتراكه في الحرب مرضه .
قال الإمام الباقر ( ع ) : إن أبي ما ذكر لله نعمة إلا سجد ، ولا قرأ آية إلا سجد ، ولا وفّق لإصلاح اثنين إلا سجد ، ولا دفع الله عنه كربة إلا سجد ، ولا فرغ من صلاته إلا سجد ، وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده .
__________
(١) جمع ثفنة بالكسر للفاء وهو الاثر الذي يكون في ركب البعير
(٢) معنى ام ولد عند العرب هي التي ملكت قهراً بالسيف ، وعند الفقهاء هي المملوكة ، يتزوجها المالك فيجعل عتقها صداقها ويطؤها بملك اليمين وتحمل منه فاذا مات المالك وقد ولدت له اعتقت من نصيب ولدها . وتسميها العرب فتاة ، وجارية ، وامة ، وسرية ، ومملوكة ، وام ولد .
وكان يحمل الجراب ليلاً على ظهره فيتصدق ويقول : إن صدقة السر تطفىء غضب الرب . وعن ابي جعفر الباقر أيضاً قال : إنه يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره فيأتي باباً باباً فيقرعه ثم يناول من يخرج اليه ويغطي وجهه إذا ناول فقيراً لئلا يعرفه ، فلما مات وجدوه يعول بمائة بيت من أهل المدينة ، وكثيراً ما كانوا قياماً على أبوابهم ينتظرونه فاذا رأوه تباشروا به وقالوا : جاء صاحب الجراب .
وكانت له جارية تصب الماء على يده فوقع الإبريق عليه فشجّه ، فرفع اليها رأسه فقالت : والكاظمين الغيظ . قال : كظمت غيظي . قالت : والعافين عن الناس . قال : عفوت عنك . قالت : والله يحب المحسنين . قال لها : اذهبي فأنت حرة لوجه الله تعالى ، وأمر لها بمال تستعين به على حياة الحرية . روى ذلك علي بن عيسى الاربلي في كشف الغمة .
وان رجلاً من أهل المدينة وقف عليه وشتمه ، فأراد الوقيعة به غلمانه ، قال لهم دعوه ثم دفع له ثوبه وفيه الف درهم ، فصاح الرجل : أنت ابن رسول الله حقاً (١) .
ولقيه رجل فسبّه فقال : يا هذا بيني وبين جهنم عقبة ، إن أنا جزتها فما أُبالي بما قلت ، وإن لم أجزها فأنا أكثر مما تقول ، وألقى إليه أموالاً فانصرف خجلاً (٢) .
قال ابن حجر في الصواعق : زين العابدين علي بن الحسين هو الذي خلف أباه علماً وزهداً وعبادة ، وكان إذا توضأ للصلاة اصفر لونه ، وقيل له في ذلك قال : ألا تدرون بين يدي مَن أقف .
__________
(١) روى ذلك الامام الغزالي في كتابه ( التبر المسبوك )
وروى أنه حج على ناقته عشرين حجة فما فزعها بسوط ، وفي رواية اثنتين وعشرين حجة ، ولقد سئلت عنه مولاة له فقالت : أأطنب أم أختصر ؟ فقيل لها بل اختصري : فقالت : ما أتيته بطعام في نهار قط وما فرشت له فراشاً بليل قط . وجرى ذكره في مجالس عمر بن عبد العزيز فقال : ذهب سراج الدنيا وجمال الاسلام زين العابدين . وكان عليه السلام لا يضرب مملوكاً له ، بل يكتب ذنبه عنده حتى اذا كان شهر رمضان جمعهم وقررهم بذنوبهم وطلب منهم أن يستغفروا الله كما غفر لهم ثم يعتقهم ويجيزهم بجوائز ، اي يقضّ عليهم الهبات والصِلاة ، وما استخدم خادماً فوق حول .
وفي العقد الفريد لابن عبد ربه قال : ووفد الناس عليه في المسجد يلمسون يده محبة للخير وتفاؤلا ، فكأن الرجل يدخل إلى مسجد رسول الله فيراه ، فيذهب اليه من فوره أو بعد صلاته يقبل يده ويضعها على عينيه يتفاءلون ويرجون الخير .
وكان إذا انقضى الشتاء تصدق بكسوته . وكان لا يأكل طعاماً حتى يبدأ فيتصدق بمثله . وأراد الحج فاتخذت له اخته سكينة طعاماً بألف درهم فلما صار بظهر ( الحرّة ) تصدق به على المساكين .
ولما كانت وقعة الحرَّة أراد مروان ان يستودع أهله فلم يأوهم احد وتنكّر الناس له ـ ومروان من يعرف التأريخ كرهه لأهل البيت ـ إلا الإمام زين العابدين فانه جعل أهل مروان مع عياله ، وجمع اربعمائة ضائنة (١) بحشمهن فضمهن إلى بيته ، حتى قالت واحدة : والله ما عشت بين أبوي كما عشت في كنف ذلك الشريف . وحكى عن ربيع
__________
(١) الضائنة : هي المرأة الضعيفة
ادب الطف ( ١٧ )
الابرار للزمخشري : انه لما وجه يزيد بن معاوية قائده مسلم بن عقبة لاستباحة المدينة المنورة ، ضم علي بن الحسين عليه السلام إلى نفسه أربعمائة ضائنة بحشمهن يعولهن إلى ان تقوض جيش الشام فقالت إمرأة منهن : ما عشت والله بين أبوي بمثل ذلك الشريف .
وروى الحر العاملي في ( الوسائل ) عن عدة الداعي قال : كان زين العابدين « ع » يقبل يده عند الصدقة ، فقيل له في ذلك فقال : إنها تقع في يد الله قبل ان تقع في يد السائل . قال وقال رسول الله : ما تقع صدقة المؤمن في يد السائل حتى تقع في يد الله ، ثم تلا هذه الآية ( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ ) . وكان عليه السلام من أحسن الناس صوتاً بالقرآن . السقاؤن يمرون فيقفون ببابه يستمعون قراءته .
قال عمر بن عبد العزيز يوماً ـ وقد قام من عنده علي بن الحسين ـ من أشرف الناس ، قالوا : أنتم ، فقال : كلا ، إن أشرف الناس هذا القائم من عندي آنفاً ، من أحب الناس أن يكونوا منه ، ولم يحب ان يكون من أحد . واليه يشير أبو الاسود الدؤلي بقوله :
وإن وليداً بين كسرى وهاشم |
|
لأكرم من نيطت عليه التمائم |
قال صاحب ربيع الأبرار : كان زين العابدين يقول : أنا ابن الخيرتين فان جده رسول الله ، وامه ابنة ملك الفرس . لأن رسول الله « ص » قال : لله من عباده خيرتان : فخيرته من العرب قريش ، ومن العجم فارس أقول ومن المناسب قول الشاعر الفحل المهيار الديلمي الذي يفتخر فيه بنفسه وحسبه :
اعجبتْ بي بين نادى قومها |
|
أُمّ سعد فمضت تسأل بي |
سرّها ما علمت من خلقي |
|
فارادت علمها ما حسبي |
لا تخالي نسباً يخفضني |
|
أنا من يرضيك عند النسب |
قومي استولوا على الدهر فتى |
|
وبنوا فوق رؤس الحِقب |
عمموا بالشمس هاماتهم |
|
وبنوا أبياتهم بالشهب |
وأبي كسرى على إيوانه |
|
أين في الناس أب مثل أبي |
سورة الملك القدامى وعلى |
|
شرف الإسلام لي والادب |
قد قبست المجد من خير أب |
|
وقبست الدين من خير نبي |
وضممت الفخر من اطرافه |
|
سودد الفرس ودين العرب |
وسئل الإمام علي بن الحسين عليه السلام عن العصبية فقال : العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين ، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه ، ولكن من العصبية ان يعين قومه على الظلم .
بين الانسانية والروحانية
رابع الأئمة الأمجاد علي بن الحسين السجاد هو الإمام بعد أبيه وثبتت إمامته بوجوه الاول أنه افضل الخلق بعد أبيه علماً وعملاً والإمامة للافضل دون المفضول ، الثاني ثبوت الإمامة في العترة خاصة بالنظر والخبر عن النبي « ص » وفساد قول من ادعاها لمحمد بن الحنفية لعدم النص عليه فيثبت انها في علي بن الحسين ( ع ) ، الثالث ورود النص عليه من رسول الله ( ص ) ومن جده أمير المؤمنين في حياة أبيه ومن وصية أبيه .
اتفق المخالف والمؤالف على فضل هذا الإمام ، وفي كتب مناقب أهل البيت التي الّفها علماء الفريقين الشيء الكثير من فضائله ، ولقد قال سعيد ابن المسيب من التابعين في جواب قرشي سأله عنه حين دخل عليه : هذا الذي لا يسع مسلماً أن يجهله هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب . وقال الزهري : ما رأيت قرشياً افضل منه . وقال ابن خلكان : وهو احد الأئمة الاثنى عشر ومن سادات التابعين ، وكان يصلي في اليوم والليلة الف ركعة ، وهذا مبلغ اجتهاده في العبادة . وأما مقاماته في الزهد والعزوف عن الدنيا والحلم والعلم والبلاغة وحسبه ما أثر عنه فيها من صحيفته التي هي فرقان العابدين والمعجزة الخالدة من معجزات البيان وهي تتلى في المحاريب ومواطن الذكر والفكر كما تتلى آيات القرآن فهي مقامات لم يضارعه بها احد من أهل عصره وما كان محله منها إلا كمحل آبائه المعصومين وسبيله سبيلهم ولا غرو فانه فرع من تلك الشجرة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء .
واما جلالة قدره ومبلغ هيبته في النفوس فينبئك عنها ما رواه غير واحد من رواة السنة والشيعة متواتراً واليك حديثه وهو ان هشام بن عبد الملك بن مروان لما حج وطاف بالبيت أراد ان يستلم الحجر فلم يقدر لكثرة ازدحام الناس عليه فنصب له منبر وجلس عليه ، وكان معه رؤساء أهل الشام وبينما هو ينظر إلى الناس وإذا بعلي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب سلام الله عليه قد اقبل وهو أحسن الناس وجهاً ، واطيبهم أرجا ، والطفهم شمائلا فطاف بالبيت فلما انتهى إلى الحجر تنحى له الناس حتى استلم فقال رجل من اهل الشام من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة ، فقال هشام وقد اغتاظ من إجلال الشعب غيره لا أعرفه فقام الفرزدق ـ (١) وقال لكني اعرفه :
__________
(١) الفرزدق من أفخر شعراء عصره واجزلهم لفظاً ، وامتنهم مدحاً
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته |
|
والبيت يعرفه والحل والحرم |
هذا الذي احمد المختار والده |
|
صلى الإله عليه ما جري القلم |
__________
ولد في البصرة عام ١٩ هـ وكانت يومئذ حاظرة الأدب والبيان وبعد أن نشأ بها وترعرع أخذ والده يوحي اليه آيات القريض ويلقنه ما يستحسنه من ديوان العرب ، وهكذا ظل يغذيه حتى انفجرت قريحته وفاضت طلاقة لسانه واتسم بطابع النبوغ والعبقرية ، فقدمه أبوه بعد واقعة الجمل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قائلاً : إن ابني هذا يوشك أن يكون شاعراً مجيداً فقال الإمام عليه السلام : احفظه القرآن فهو خير له . فرسخت هذه النصيحة الغالية في ذهن الفرزدق فقيد رجله وحلف أن لا يفك قيده حتى يحفظ القرآن .
وكان الفرزدق عريقاً في المجد والسؤدد كريم المنبت والعنصر ولآبائه وأجداده خصال مشهورة تدل على رفعة قدرهم وعلو منزلتهم وابوه غالب المشهور بالسخاء وجده صعصعة الذي فدى المؤدات ونهى عن قتلهن ، وقيل أنه أحى الف مؤدة ، والصحيح ما بيَّنه الفرزدق بقوله أحيا جدي إثنين وتسعين مؤدة وفي جده هذا يقول مفتخراً في إحدى قصائده المشهورة :
ومنا الذي احيى الوئيد وغالب |
|
وعمرو ومنا حاجب والأقارعُ |
أولئك آبائي فجئني بمثلهم |
|
إذا جمعتنا يا جرير المجامع |
قال السيد المرتضى في أماليه : ان الفرزدق مع تقدمه في الشعر وبلوغه فيه الذروة العليا والغاية القصوى شريف الاباء كريم المنبت ولآبائه مآثر لا تدفع . اقول : وقصته مع سليمان بن عبد الملك تعرفنا قيمته وقد ذكرها إبن أبي الحديد في شرح النهج ، عن أبي عبيدة قال : كان الفرزدق لا
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله |
|
بجده أنبياء الله قد خُتموا |
إذا رأته قريش قال قائلها |
|
إلى مكارم هذا ينتهي الكرم |
__________
ينشد بين يدي الخلفاء والولاة إلا قاعداً ، فدخل على سليمان بن عبد الملك يوماً فأنشده شعراً فخَرَ فيه بآبائه منه قوله :
تالله ما حملت من ناقة رجلاً |
|
مثلي إذا الريح لفتني على الكور |
فقال سليمان هذا المدح لي أم لك قال : لي ولك يا أمير المؤمنين . فغضب سليمان : وقال : قم فأتمم ولا تنشد بعدها إلا قائماً ، فقال الفرزدق لا والله لا افعل او يسقط اكثر شعرى الى الارض . فغضب سليمان وارتفع صوته فسمع الضوضاء بالباب فسأل عنها فقيل له : بنو تميم يقولون لا ينشد الفرزدق قائماً وأيدينا في مقابض سيوفنا . قال : فلينشد قاعداً . وعند ذلك انصرف بنو تميم عن باب سليمان .
ومن المشهور ان الفرزدق صادف الحسين عليه السلام في طريقه الى العراق فسلّم عليه وسأله الحسين . والرواية تقول : لقيت الحسين عليه السلام خارجاً من مكة ومعه أسيافه وتراسه ، قال فقلت : لمن هذا القطار ، فقيل للحسين بن علي فاتيته فسلمت عليه وقلت له : اعطاك الله سؤلك وأملّك فيما تحب ، بأبي انت وامي يا بن رسول الله ما اعجلك على الحج ، فقال لو لم اعجل لأخذت ، ثم قال لي : من انت ، قلت امرؤ من العرب ، فلا والله ما فتشني عن اكثر من ذلك ، ثم قال لي اخبرني عن الناس خلفك ، فقلت : الخبير سألت ، قلوب الناس معك وأسيافهم عليك ، والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء فقال صدقت لله الامر كل يوم هو في شأن إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يتعد من كان الحق نيته والتقوى سيرته ، فقلت له : أجل بلغك الله ما تحب ،
يُنمي الى ذروة العزّ التي قصُرتْ |
|
عن نيلها عرب الاسلام والعجم |
يكاد يُمسكه عرفان راحته |
|
ركنُ الحطيم إذا ما جاء يستلم |
لو يعلم الركنُ مَن قد جاء يلثمهُ |
|
لخرَّ يلثم منه ما وطا القدم |
في كفه خيزران ريحه عبقُ |
|
من كفِّ أروع في عرنينه شمم |
يُغضي حياءً ويُغضي من مهابته |
|
فما يُكلمُ إلا حين يبتسمُ |
مَن جدُّه دان فضل الانبياءِ له |
|
وفضلُ أُمَّتهِ دانت له الامم |
ينشقُّ نور الضحى عن نور غرّته |
|
كالشمس يَنجابُ عن اشراقها الظلم |
مشتقَّة من رسول الله نبعتهُ |
|
طابت عناصرُه والخِيم (١) والشيم |
الله شرَّفه قدماً وفضَّله |
|
جرى بذاك له في لوحه القلم |
وليس قولك مَن هذا بضائره |
|
العربُ تعرف من انكرتَ والعجم |
كلتا يديه غياث عمَّ نفعُهما |
|
تستوكفان ولا يعروهما العدَم |
سهل الخليقة لا تُخشى بوادرُه |
|
يَزينُه اثنان حسنُ الخلق والكرم |
لا يَخلفُ الوعدَ ميمونٌ نقيبتهُ |
|
رحبَ الفناء أريبُ (٢) حين يعتزم |
__________
وكفاك ما تحذر ، وسألته عن اشياء من نذور ومناسك فاخبرني بها وحرك راحلته وقال : السلام عليك . ثم افترقنا ووقف الفرزدق وهو شيخ في ظل الكعبة فتعلق باستارها وعاهد الله أن لا يكذب ولا يشتم . ومن شعره في ذلك .
ألم ترني عاهدت ربي وأنني |
|
لبين رتاج قائما ومقام |
على حفلة لا اشتم الدهر مسلما |
|
ولا خارجاً من فيّ زور كلام |
رجعت إلى ربي وايقنت أنني |
|
ملاق لأيام المنون حمامي |
(١) الخيم بالكسر : السجية والطبيعة ، بلا واحد
(٢) الاريب : العاقل
ما قال لا قط إلا في تشهّده |
|
لولا التشهدُ كانت لاءه نَعَم |
عمّ البريةَ بالاحسانِ فانقلعت |
|
عنها الغواية والاملاقُ والعُدُم |
من معشر حبّهم دينٌ وبغضُهمُ |
|
كفرٌ وقربُهم ملجىً ومُعتصَم |
ان عُدَّ أهلُ التقى كانوا أئمتهم |
|
او قيل مَن خيرُ أهل الارض قيل : هم |
لا يستطيع جوادٌ بُعدَ غايتهم |
|
ولا يدانيهمُ قومٌ وإن كرموا |
هم الغيوث إذا ما ازمةٌ أزمت |
|
والاسد اسد الشرى والباس محتدم |
لا ينقص العسر بسطا من اكفّهم |
|
سيّان ذلك إن أثروا وإن عدموا |
يُستدفع السوءُ والبلوى بحبهم |
|
ويُستزاد به الاحسان والنعم |
مقدّمٌ بعد ذكر الله ذكرهم |
|
في كل بَدء ومختومٌ به الكلم |
مَن يعرف الله يعرف أوليّة ذا |
|
فالدين من بيت هذا ناله الامم |
فتكدر هشام وشق عليه سماع هذه القصيدة ، وقال له : ألا قلت فينا مثلها ، قال : هات جداً كجده وأباً كأبيه ، واما كامه حتى اقول مثلها فأمر بحبس الفرزدق بعسفان ـ بين مكة والمدينة ـ فبلغ الامام خبره فبعث اليه باثني عشر الف درهم ، فردها الفرزدق وقال : انا مدحته لله تعالى لا للعطاء ، فبعث بها الامام ثانية واقسم عليه في قبولها وقال له : قد رأى الله مكانك ، وعلم نيتك وشكر لك . ونحن اهل البيت إذا أنفذنا شيئاً لم نرجع فيه ، فقبلها امتثالاً لأمر امامه . وظل يهجو هشاماً وهو في الحبس . ومما هجاه به قوله :
أيحبسني بين المدينة والتي |
|
اليها قلوب الناس يهوى منيبها |
يُقلّب رأساً لم يكن رأس سيد |
|
وعيناً له حولاء باد عيوبها |
فبلغ شعره هشاما فاطلقه .
قال شيخ الحرمين أبو عبد الله القرطبي : لو لم يكن لأبي فراس عند
الله عمل إلا هذا دخل به الجنة لأنها كلمة حق عند سلطان جائر .
أقول ومما روى هذه القصيدة ونصّ على أنها قيلت في الامام زين العابدين جماعة من أبناء السنة والجماعة منهم : الشبلنجي في نور الابصار والحصري في زهر الآداب ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ، والسيوطي في شرح شواهد المغني ، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة وابن حجر في الصواعق ، والحافظ الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ، وأبو نعيم في حلية الأولياء .
اقواله وحكمه :
كان زين العابدين الى جانب ما اشتهر به من الزهد والتقوى والكرم نسيج وحده في عصره وإن الباحث متى راح يبحث في نواحي عظمة هذا الامام ارتفع إلى عالم الروحانيات وهذه الصحيفة السجادية التي تجمع أدعية الإمام وابتهالاته وهي الواح خالدة من البلاغة والحكمة والفلسفة ومعرفة الله يقول عليه السلام في حمده لله وتمجيده : الحمد لله الأول بلا أول كان قبله ، والآخر بلا آخر يكون بعده ، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين ، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين ، ابتدع بقدرته الخلق ابتداعاً ، واخترعهم على مشيئته اختراعا ، ثم سلك بهم طريق إرادته وبعثهم في سبيل محبته ، لا يملكون تأخيراً عما قدمهم اليه ولا يستطيعون تقدماً إلى ما أخّرهم عنه وجعل لكل روح منهم قوتاً معلوماً مقسوماً من رزقه ، لا ينقص من زاده ناقص ، ولا يزيد من نقص منهم زائد ، ثم ضرب له في الحياة أجلاً موقتاً ، ونصب له أمداً محدودا ، يتخطا اليه بايام عمره ، ويرهقه باعوام دهره حتى إذا بلغ اقصى أثره واستوعب حساب عمره قبضه إلى ما ندبه اليه من موفور
ثوابه أو محذور عقابه ليجزي الذين أساؤا بما عملوا او يجزي الذين أحسنوا بالحسنى عدلاً منه تقدست اسماؤه وتظاهرت آلاؤه لا يسئل عما يفعل وهم يُسئلون والحمد لله الذي لو حبس عن عباده معرفة حمده على ما أبلاهم من مننه المتتابعة واسبغ عليهم من نعمه المتظاهرة ، لتصرّفوا في مننه فلم يحمدوه ، وتوسعوا في رزقه فلم يشكروه ، ولو كانوا كذلك لخرجوا من حدود الانسانية الى حدود البهيمية ، فكانوا كما وصف في محكم كتابه ( إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) .
ومن دعائه في مكارم الاخلاق قوله .
اللهم صل على محمد وآله وحلّني بحلية الصالحين ، وألبسني زينة المتقين ، في بسط العدل وكظم الغيظ ، وإطفاء النائرة ، وضمّ أهل الفرقة وإصلاح ذات البين ، ولين العريكة ، وخفض الجناح وحسن السيرة والسبق إلى الفضيلة ، والقول بالحق وإن عزَّ ، واستقلال الخير وإن كثر من قولي وفعلي ، واستكثار الشرّ وإن قلّ من قولي وفعلي ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفس مثلها ، ولا تحدث لي عزاً ظاهراً إلا أحدثت لي ذلّة باطنة عند نفسي بقدرها .
اللهم إن رفعتني فمن ذا الذي يضعني ، وإن وضعتني فمن ذا الذي يرفعني ، وإن أكرمتني فمن ذا الذي يهينني ، وإن أهنتني فمن ذا الذي يكرمني وإن عذبتني فمن ذا الذي يرحمني .
اللهم ألبس قلبي الوحشة من شرار خلقك ، وهَبْ لي الانس بك وباوليائك وأهل طاعتك .
وهكذا ناجى الإمام زين العابدين ربه بأدعية جمعت في كتاب اسمه ( الصحيفة السجادية ) واسلوبها اشبه باسلوب نهج البلاغة لجدّه أمير المؤمنين وتسمى أيضاً بزبور آل محمد وانجيل اهل البيت وقد اشتملت على
أفانين من التضرع والابتهال . وتبدو هذه الادعية لأول وهلة ، انها روحية محضة لا تمّت إلى المادة بسبب ولكن بالتأمل تظهر صلتها الوثيقة بالعيش والاسرة وبالمجتمع وتراها دروساً قيمة منتزعة من صميم المجتمع . إن ظروف الإمام السجاد عليه السلام ـ وهو في عهد المروانيين ـ لم تسمح له أن يرتقى منبر الارشاد بأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، لكنه مع حراجة موقفه استطاع أن يداوي المجتمع ويهديه إلى سبيل الخير عن طريق الدعاء ، فقد ضمّن هذه الصحيفة السجادية دعوته الإصلاحية ، وأهدافه العالية وآرائه الصائبة التي تهدف إلى المثل العليا .
إن الصحيفة تحتوي على ٥٤ دعاء وهي : التحميد لله عز وجل . والصلاة على محمد وآله ، الصلاة على حملة العرش ، الصلاة على مصدّقي الرسل ، دعاؤه لنفسه وخاصته ، دعاؤه عند الصباح والمساء ، دعاؤه في المهمات ، دعاؤه في الاستعاذة ، دعاؤه في الاشتياق ، دعاؤه في اللجاء إلى الله ، دعاؤه بخواتم الخير ، دعاؤه في الاعتراف ، دعاؤه في طلب الحوائج ، دعاؤه في الظلامات ، دعاؤه عند المرض ، دعاؤه في الاستقالة ، دعاؤه على الشيطان ، دعاؤه في المحذورات ، دعاؤه في الاستسقاء ، دعاؤه في مكارم الأخلاق ، دعاؤه إذا أحزنه امر ، دعاؤه عند الشدّة ، دعاؤه بالعافية ، دعاؤه لأبويه ، دعاؤه لولده ، دعاؤه لجيرانه ، دعاؤه لأهل الثغور ، دعاؤه في التفرغ ، دعاؤه إذا قتر عليه ، دعاؤه في المعونة على قضاء الدين ، دعاؤه بالتوبة ، دعاؤه في صلاة الليل ، دعاؤه في الاستخارة ، دعاؤه إذا ابتلى ورأى مبتلى بفضيحة بذنب ، دعاؤه في الرضا بقضاء الله ، دعاؤه عند سماع الرعد ، دعاؤه في الشكر دعاؤه في الاعتذار ، دعاؤه في طلب العفو ، دعاؤه عند ذكر الموت ، دعاؤه في طلب الستر والوقاية ، دعاؤه عند ختمه القرآن ، دعاؤه إذا نظر إلى الهلال ، دعاؤه لدخول شهر رمضان ، دعاؤه لوداع شهر
رمضان ، دعاؤه للعيدين والجمعة ، دعاؤه لعرفة ، دعاؤه للاضحى والجمعة دعاؤه في دفع كيد الأعداء ، دعاؤه في الرهبة ، دعاؤه في التضرع والاستكانة ، دعاؤه في الالحاح ، دعاؤه في التذلل ، دعاؤه في استكشاف الهموم .
وهي في الغاية من الاعجاز قد تكفلت ببيان كل ما يعترض المسلم المؤمن من مشاكل في الدين والعلم والاجتماع ، بل هي الطب النفسي والعلاج الروحى .
إن للانسان حالات كثيرة من حزن وفرح ، ورخاء وشدة ، وسعة وتقتير ، وصحة ومرض ، ومودة وعداوة ، وطاعة ومعصية ، إلى غير ذلك من الامور . وانك لترى في الصحيفة استقصاء لهذه الحالات وعلاجاً لادوائها وحلاً لمشكلاتها . وإنما سميت بالصحيفة الكاملة لكمالها فيما أُلّفت له أو لكمال مؤلفها ، فمن بين ملايين الكتب في المكتبة البشرية الواسعة ليست اعظم من الكتب الثلاثة :
١ ـ القرآن الكريم وهو اولها وسيدها .
٢ ـ نهج البلاغة . للامام أمير المؤمنين علي عليه السلام .
٣ ـ الصحيفة السجادية ، وهما مستمدان من القرآن داعيان له .
إن أدعية الصحيفة يحسن بلاغتها وكمال فصاحتها احتوت على لُباب العلوم الالهية والمعارف اليقينية حتى قال بعض العرفاء : إنها تجري مجرى التنزيلات السماوية وتسير مسير الصحف اللوحية .
قال ابن الجوزي في خصائص الأئمة : لولا امير المؤمنين على عليه السلام لما كمل توحيد المسلمين وعقائدهم إذ أن النبي « ص » وضع اصولاً
لهذه العقائد اما الدقائق من كون الصفات ذاتيه وفعليه وان ايها عين ذاته تعالى وأيها ليست بعينه ـ إلى ان قال في حق الإمام زين العابدين عليه السلام : إن له حق الإملاء والتعليم والإنشاء وكيفية المكالمة والمخاطبة وعرض الحوائج الى الله تعالى ، فانه لولاه لم يعرف المسلمون كيف يتكلمون ويتفوهون مع الله سبحانه في حوائجهم ، فان هذا الإمام علَّمهم بانه متى ما استغفرت فقل كذا ، ومتى ما خفت فقل هكذا واذا كنت في شدة فقل كذا ، وان عجزت عن تدبير أمر فقل كذا ، وإن كنت مظلوماً فاقرأ دعاء كذا .
يقول الاستاذ عبد الهادي المختار في شرحه لرسالة ( الحقوق ) : كنت قبل اطلاعي على رسالة الحقوق للامام زين العابدين ـ اعتقد ان الامام زين العابدين رجل محراب ولا همّ له إلا الصلاة والعبادة والزهد والبكاء والانصراف إلى الله ، ولكني علمت بعد ذلك انه رجل دولة وواضع شريعة ، ومنشىء قانون ، وعلمت لماذا حارب علي معاوية ، ولماذا صالح الحسن معاوية او لماذا أضحى الحسين بنفسه وولده . وعلمت ان التشريح والتقنين ليس بجديد وإنما أخذه غيرنا عنا ، فصرنا نقلدهم في ما استفادوه منها ونستعيد ما فقدناه .
أقول وفي العهد الصفوي ذلك العهد الذي كان ازهى عصوره للعلم لا تكاد تجد بايران ـ سيما اصفهان ـ داراً فيها القرآن الكريم إلا وجدت معه الصحيفة الكاملة وذلك حسب ما أدّبهم أئمتهم عليهم السلام وعنايتهم بهذه الثروة العلمية التي هي أثمن تراث إسلامي ، وكان أهل البيت لا يفارقونها سفراً وحضراً كما ورد ان يحي بن زيد بن علي بن الحسين كان وهو في طريقه إلى خراسان يخرجها ويقرأ فيها .
يقول العلامة محمد جواد مغنية : وما قرأها إنسان من اي لون كان إلا
تقلبه إلى اجواء يشعر معها بنشوة لا عهد لاهل الارض بمثلها ، ومنذ اطلعت عليها احسست بدافع قهري يسوقني إلى التفكير في كلماتها والكتابة عنها ، والدعوة اليها ، ونشرها بين جميع الطوائف ، فكتبتُ عنها فصلاً في كتاب : ( مع الشيعة الإمامية ) بعنوان : مناجاة . وآخر في كتاب ( أهل البيت ) بعنوان : من تسبيحات الإمام زين العابدين . وثالثاً في كتاب ( الإسلام مع الحياة ) بعنوان : العز الظاهر والذل الباطن . ورابعاً في كتاب ( الآخرة والعقل ) بعنوان الله كريم .
وأهديتها إلى عدد كبير من شيوخ مصر وفلسطين ولبنان ، وإلى غبطة البطريرك الماروني بولس المعوشي ، ورأيته بعد الإهداء بأيام ، فشكرني على الهدية فقلت له : ما الذي استوقف نظركم فيها ؟ فقال : قرأتُ دعاء الإمام لابويه فترك في نفسي أثراً بالغا .
ومن الذي يقرأ قول الإمام : اللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف وأبرّهما برّ الام الرؤف ، واجعل طاعتي لوالديّ وبرّي بهما أقرّ لعينيَّ من رقدة الوسنان ، وأثلج لصدري من شربة الظمآن حتى أُوثرَ على هواي هواهما ، وأُقدّم على رضاي رضاهما ، واستكثر برّهما بي وإن قل واستقل برّي بهما وإن كثر .
مَن الذي يقرأ هذا القول ولا يترك في نفسه أعمق الآثار ، يهابهما هيبة السلطان العسوف مع مخالطته لهما ودنوّه منهما وعلمه برأفتهما ، إنها هيبة التعظيم والتوقير لا هيبة الخوف من الحساب والعقاب ، هيبة الابوة التي لا يقدّرها إلا العارفون .
ثم اقرأ معي هذه الكلمات للإمام :
اللهم وما تعدّيا عليّ فيه من قول ، أو أسرفا عليّ فيه من فعل ،
أو ضيعاه من حق ، أو قصّر أبي عنه من واجب فقد وهبتهُ لهما ، وجدتُ به عليهما ورغبتُ اليك في وضع تبعته عنهما فاني لا اتهمهما على نفسي ، ولا استبطأهما في برِّي ، ولا اكره ما تولّياه من أمري يا ربِّ .
أقول ومن ابلغ الدروس في مراعاة حقوق الآخرين ومعاونتهم وتحقيق معنى الاخوة الإسلامية قوله عليه السلام في دعائه :
اللهم إني اعتذر اليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره ، ومن معروف أُسدي اليّ فلم اشكره ، ومن مسيء اعتذر الي فلم اعذره ، ومن ذي فاقةٍ سألني فلم أُوثره ، ومن حقّ ذي حقّ لزمني لمؤمن فلم أوفره ، ومن عيب مؤمن ظهر لي فلم أستره .
إن هذا الاعتذار من أبدع ما يُنبه النفس إلى ما ينبغي عمله من هذه الأخلاق الالهية العالية والمثالية التي لم يحلم بها أرقى عصره في المدنيّة .
حكى ابن شهراشوب المتوفي سنة ٥٨٨ في كتابه مناقب آل أبي طالب : ان بعض البلغاء بالبصرة ذُكرت عنده الصحيفة الكاملة فقال : خذوا عني حتى أُملي عليكم مثلها ، فاخذ القلم والقرطاس وأطرق رأسه فما رفعه حتى مات .
كتب عنه كثير من العلماء والمفكرين وشروحها تزيد على الخمسين شرحا وقد كتب الدكتور حسين محفوظ مقالاً عنها وقال : إنها تُرجمت إلى الإنكليزية والاوردية والفارسية وان شراحها عددهم ٥٨ شارحاً أقول ولعل اجود هذه الشروح واغزرها ما كتبه السيد عليخان المسمى بـ ( رياض السالكين ) كتاب ضخم ممتع قد طبع طباعة حجرية قديمة بالقطع الكبير .
وفاته :
روى ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة : ان الإمام علي بن الحسين مات مسموما ، سمه الوليد بن عبد الملك . وقال الصدوق وابن طاووس في الإقبال : سمه الوليد بن عبد الملك . فلما توفي غسله ولده محمد الباقر وحنطه وكفنه وصلى عليه ودفنه .
قال سعيد بن المسيب : وشهد جنازته البر والفاجر ، وأثني عليه الصالح والطالح ، وانهال الناس يتبعونه حتى لم يبق احد ، ودفن بالبقيع مع عمه الحسن في القبة التي فيها العباس .
توفي عليه السلام بالمدينة سنة خمس وتسعين من الهجرة في شهر المحرم الخامس والعشرون منه وله سبع وخمسون سنة من العمر ، والعقب من الحسين منحصر فيه ، ومنه تناسل ولد الحسين عليه السلام .
شاعر يرثي علي الأكبر « ع » :
قال ابو الفرج في المقاتل : حدثني احمد بن سعيد عن يحيى عن عبيد الله بن حمزة عن الحجاج بن المعتمر الهلالي عن أبي عبيدة وخلف الأحمر إن هذه الأبيات قيلت في علي الأكبر :
لم ترَ عينٌ نظرت مثله |
|
من محتفٍ يمشي ومن ناعلِ |
يغلي نهيء (١) اللحم حتى إذا |
|
أنضج لم يغل على الآكل |
كان إذا شبِّت له ناره |
|
يوقدها بالشرف الكامل |
كيما يراها بائس مرملٌ |
|
أو فرد حيِّ ليس بالآهل |
أعني ابن ليلى ذا السدى والندى (٢) |
|
أعني ابن بنت الحسب الفاضل |
لا يؤثر الدنيا على دينه |
|
ولا يبيع الحقَ بالباطل |
__________
(١) النهي ، بوزن امير : اللحم الذي لم ينضج و ( نيء ) مهموزاً ، هو كل شيء شانه ان يعالج بطبخ أو شيىء لم ينضج فيقال : لحم نيء . قال في المصباح : والابدال والادغام عامي . ورواها السيد الامين : يغلى بنيء اللحم . وقال : وتعدية يغلي بالباء مع انها متعدية بالهمزة لانه اراد يغلي الماء والقدر بنيء اللحم ، ورواها في ابصار العين ( نهيء ) بوزن امير ولكنه مخالف لما جاء في ( المقاتل ) و ( السرائر ) مع عدم الوثوق بصحتهما .
وقوله يغلى الاولى من الغليان ، والثانية من الغلاء مقابل الرخص . وجاء في ابصار العين للشيخ السماوي ( يوقدها بالشرف القابل ) وقال : القابل : المقبل عليك ومنه عام قابل . وفي بعض النسخ : يوقدها بالشرف الطائل .
(٢) ( السدى ) ندي اول الليل ففي مصباح المنير مادة ( ندى ) ان ما يسقط اول الليل من البلل يقال له : سدي ، وما يسقط في آخره يقال له : ندي ، ويكنى بكل منها وبهما عن الكرم .
أدب الطف ( ١٨ )
علي بن الحسين الاكبر بن علي بن ابي طالب :
ولد في أوائل خلافة عثمان بن عفان ، وروى الحديث عن جده علي ابن أبي طالب ثم كما حققه ابن ادريس في السرائر ونقله عن علماء التاريخ والنسب . او بعد جده عليه السلام بسنتين كما ذكره الشيخ المفيد قدس سره في الارشاد ، وامه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي عظيم القريتين والذي قالت قريش فيه ( لَوْلَا نُزِّلَ هَـٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) وعَنوا بالقريتين : مكة والطائف . فكان جدّ ليلى عظيم القريتين ، وهو الذي ارسلته قريش للنبي يوم الحديبية فعقد معه الصلح ثم اسلم سنة تسع من الهجرة بعد رجوع النبي « ص » من الطائف ، واستأذن النبي في الرجوع لأهله ، فرجع ودعا قومه إلى الإسلام فرماه واحد منهم بسهم وهو يؤذن للصلاة فمات فقال رسول الله لما بلغه موته : مثل عروة مثل صاحب ( يس ) دعا قومه الى الله فقتلوه .
وامها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب بن امية ، ولهذا نادى رجل من أهل الكوفة حين برز علي الأكبر للقتال : إن لك رحماً بأمير المؤمنين يزيد فان شئت آمنّاك ، فقال له : ويلك لقرابة رسول الله أحقّ أن تُرعى .
وروى ابو الفرج ان معاوية قال : مَن أحقّ الناس بهذا الامر ، قالوا انت قال : لا ، اولى الناس بهذا الامر علي بن الحسين بن علي : جده رسول الله ، وفيه شجاعة بني هاشم ، وسخاء بني امية ، وزهو ثقيف .
وكان يشبه بجده رسول الله « ص » في الخَلق والخُلق (١) والمنطق ،
__________
(١) الخلق بضم الخاء الطبع ، وبفتحها الصورة
ويكنى ابا الحسن . ويلقب بالاكبر لأنه الأكبر من أخيه علي الأصغر .
قال السيد هبة الدين الشهرستاني : وكما شابه النبي في الجسم فقد شابه جده علياً في الاسم كما شابهه في الشجاعة وفي تعصبه للحق حتى انه يوم قال الحسين أثناء مسيره : كأني بفارس قد عنّ لي على فرس يقول القوم يسيرون والمنايا تسرى اليهم ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت الينا ، فقال له : يا ابتِ لا اراك الله سوءً السنا على الحق ، قال : بلى والذي اليه مرجع العباد : قال يا أبتِ اذن لا نبالي بالموت ، فقال له : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده .
قال أبو الفرج وغيره : وكان اول من قتل بالطف من بني هاشم بعد أنصار الحسين علي بن الحسين عليه السلام ، فانه لما نظر الى وحدة أبيه تقدم اليه ، وهو على فرس له يدعى ذا الجناح ـ فاستأذنه في البراز ـ وكان من أصبح الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً ، فأرخى عينيه بالدموع وأطرق ، ثم قال : ـ وقد رفع شيبته الى السماء ـ اللهم اشهد على هؤلاء فانه قد برز اليهم غلام أَشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك وكنا اذا اشتقنا الى نبيك نظرنا اليه ؛ ثم صاح : يا بن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظني في رسول الله ، فلما فهم علي الإذن من أبيه شد على القوم وهو يقول :
أنا علي بن الحسين بن علي |
|
نحن و بيت الله أولى بالنبي |
|
والله لا يحكم فينا ابن الدعي |
|
فقاتل قتالاً شديداً ، ثم عاد الى أبيه وهو يقول : يا أبتِ العطش قد قتلني وثقل الحديد قد اجهدني . فبكى الحسين عليه السلام وقال : واغوثاه أنّى لي بالماء فقاتل يا بني قليلاً واصبر فما اسرع الملتقى بجدك
محمد فيسقيك بكاسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا .
فكرّ عليهم يفعل فعل أبيه وجده ، فرماه مرة بن منقذ العبدي بسهم في حلقه .
وقال أبو الفرج : قال حميد بن مسلم الأزدي : كنت واقفاً وبجنبي مرة بن منقذ وعلي بن الحسين يشد على القوم يمنة ويسرة فيهزمهم ، فقال مرة : عليّ أثام العرب ان مرّ بي هذا الغلام لأثكلنّ به أباه ، فقلت : لا تقل . يكفيك هؤلاء الذين احتوشوه ، فقال : لأفعلنّ ، ومر بنا علي وهو يطرد كتيبة فطعنه برمحه فانقلب على قربوس فرسه فاعتنق فرسه فكرّ به على الأعداء فاحتوشوه بسيوفهم فقطعوه ، فصاح قبل أن يفارق الدنيا : السلام عليك يا أبة هذا جدي المصطفى قد سقاني بكأسه الأوفى وهو ينتظرك الليلة ، فشد الحسين عليه السلام حتى وقف عليه ـ وهو مقطع ـ فقال : قتل الله قوماً قتلوك ، يا بني فما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول ، ثم استهلّت عيناه بالدموع وقال : على الدنيا بعدك العفا .
وروى أبو الفرج وأبو مخنف عن حميد بن مسلم الأزدي أنه قال : وكأني أنظر الى امرأة قد خرجت من الفسطاط وهي تنادي : يا حبيباه ، يا بن اخياه . فسألت عنها . فقالوا هذه زينب بنت علي بن ابي طالب . فجاءت حتى انكبت عليه ، فجاء الحسين اليها وأخذ بيدها الى الفسطاط ورجع فقال لفتيانه : احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه ثم جاؤا به فوضعه بين يدي فسطاطه .
وقال السيد ابن طاوس في اللهوف : ثم شهق علي الأكبر شهقة ومات فجاء الحسين حتى وقف عليه ووضع خده على خده وقال : قتل الله قوماً قتلوك الى آخر كلامه .
قال الشيخ التستري في الخصائص الحسينية : السلام إما سلام تحية أو سلام توديع ، ففي سلام التوديع يقدمون الخبر ويقولون : عليك مني السلام ، يعني يا ابه اودعك والملتقى يوم القيامة .
وفي نفس المهموم عن روضة الصفا : رفع الحسين صوته بالبكاء ، ولم يسمع احد الى ذلك الزمان صوته بالبكاء .
وفي ناسخ التواريخ ان الحسين لما جاء الى ولده رآه وبه رمق وفتح علي عينيه في وجه أبيه وقال : يا أبتاه أرى أبواب السماء قد انفتحت والحور العين بيدها كؤوس الماء قد نزلن من السماء وهن يدعونني الى الجنة ، فأوصيك بهذه النسوة بأن لا يخمشن علي وجهاً . ثم سكن وانقطع أنينه .
استدراك :
احببنا ان لا يخلو الكتاب من هذه القصيدة ، وقد فاتنا ذكرها في ترجمة الكميت .
قال الجاحظ في ( البيان والتبيين ) : قيل للفرزدق : أحسن الكميت في مدح هؤلاء الهاشميين قال : وجد آجراً وجصّا فبنى ، فقد كان الهاشميون كذلك ، كانوا أقرب الناس الى لطف الشمائل وجميل الخصال :
إن نزلوا فالغيوث باكرةٌ |
|
والاسد ـ اسد العرين ـ إن ركبوا |
لا هم مفاريح عند توبتهم |
|
ولا مجازيع إن هُم نُكبوا |
هيْنون ليْنون في بيوتهم |
|
سِنْخُ التقى والفضائلِ النجُبُ |
والطيبون المبرأون من الآفةِ |
|
والمنجبون والنجب |
والسالمون المطهرون من العيب |
|
ورأس الرؤس لا الذنَبُ |
وهذه الاخرى من هاشمياته :
طربتَ وهل بك من مطرب |
|
ولم تتصاب ، ولم تلعبِ |
صبابة شوق تهيجُ الحليمَ |
|
ولا عار فيها على الأشيبِ |
وما أنت إلّا رسوم الدِّيار |
|
ولو كُنّ كالخللِ المذهب |
ولا ظعن الحيِّ إذ أدْلجت |
|
بواكر كالإجل والرَّبرب |
ولست تصبُّ الى الظَّاعنين |
|
إذا ما خليلكُ لم يَصْبَب |
* * *
فدع ذكرَ من لست من شأنه |
|
ولا هو من شأنك المُنصبُ |
وهات الثناء لأهل الثّناء |
|
بأصْوَب قولك فالأصْوب |
بني هاشمٍ فهم الأكرمون |
|
بنو الباذخ الأفضل الأطيب |
وإياهم فاتخذ أولياءَ |
|
من دون ذي النّسب الأقرب |
وفي حُبِّهم فاتهم عاذلاً |
|
نهاكَ ، وفي حَبْلهم فاحْطِب |
أرى لهم الفَضل في السَّابقات |
|
ولم أتمنَّ ، ولم أحْسِب |
مساميح بيضٌ ، كرام الجدود |
|
مراجيعُ في الرَّهج الأصْهب |
مواهيب للمنفس المستَراد |
|
لأمثاله ، حين لا مُوهب (١) |
اكارمُ غُرّ حسانُ الوجوه |
|
مطاعيم للطَّارق الأجنب |
* * *
وردت مياههم صادياً |
|
بحائمة ، وِرد مستعذب |
فما حلأتى عِصى السقاةِ |
|
ولا قيل : يا أبعد ولا يا أغرب |
ولكن بجأجاة الأكرمين |
|
بحظِّى في الأكرم الأطيب |
لئن طال شربي بالآجناتِ |
|
لقد طاب عندهم مَشربي |
* * *
أُناس إذا وردتْ بحرهم |
|
صوادي الغرائبِ لم تغْرب |
وليس التفحش من شأنهم |
|
ولا طيرة الغضَب المغضب |
ولا الطعن في أعين المقبلين |
|
ولا في قفا المدبر المذنب |
نجوم الامور إذا إدلمَّست |
|
بظلماء ديجورها الغيهب |
واهل القديم ، واهل الحديث |
|
إذا عُقدَت حبوة المحتبى |
* * *
وشجو لنفسي لم انسه |
|
بمعترك الطَّف المجْنِبي |
__________
(١) المنفس : ما يتنافس فيه ، والمستراد : المطلوب ، ولا موهب : لا واهب .
كأن خدودهم الواضحاتِ |
|
بينَ المجرِّ إلى المسْحب |
صفائح بيض جلتها القيون |
|
ممَّا تخيرن من يثرب |
* * *
او قلّ عدلاً عسى أن أنال |
|
ما بين شرقٍ إلى مغرب |
رفعت لهم ناظري خائف |
|
على الحق يقدعُ مسترهب |
عن كتاب « ادب الشيعة » ص ٢٥٨
١ ـ عبد السلام بن رغبان ( ديك الجن )
٢ ـ خالد بن معدان من شعراء القرن الاول (١)
٣ ـ دعبل بن علي الخزاعي
٤ ـ الحسين بن الضحاك ( الخليع )
٥ ـ عبد الله بن المعتز العباسي
٦ ـ الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس ابن علي بن أبي طالب عليه السلام
٧ ـ علي بن محمد بن بسام البغدادي
٨ ـ محمد بن أحمد بن الصقر الموصلي
٩ ـ القاسم بن يوسف الكاتب
١٠ ـ علي بن الحسن بن علي بن عمر الاشرف بن زين العابدين علي ابن الحسين بن علي بن ابي طالب ( ع )
١١ ـ محمد الجواليقي
__________
(١) هذه الترجمة ضمن ترجمة ديك الجن
١ ـ عبد السلام ديك الجن :
٢ ـ خالد بن معدان :
قال ديك الجن ، في رثاء الحسين ( ع ) :
ما انت مني ولا ربعاك لي وطر |
|
الهمّ املك بي والشوق والفكرُ |
وراعها ان دمعي فاض منتثراً |
|
لا او ترى كبدي للحزن تنتثر |
اين الحسين وقتلى من بني حسن |
|
وجعفر وعقيل غالهم عمر (١) |
قتلى يحنُّ اليها البيت والحجر |
|
شوقاً وتبكيهم الآيات والسور |
مات الحسين بأيد في مغائظها |
|
طول عليه وفي إشفاقها قصر |
لا درّ در الأعادي عندما وتروا |
|
ودرّ درّك ما تحوين يا حفر |
لما رأوا طرقات الصبر معرضة |
|
الى لقاءٍ ولقيا رحمة صبروا |
قالوا لانفسهم يا حبذا نهل |
|
محمد وعلي بعده صدر |
ردوا هنيئاً مريئاً آل فاطمة |
|
|
|
حوض الردى فارتضوا بالقتل واصطبروا |
|
الحوض حوضكم والجد جدكم |
|
وعند ربكم في خلقه غِير |
ابكيكم يا بني التقوى وأعولكم |
|
|
|
واشرب الصبر وهو الصاب والصبر |
|
__________
(١) اي عمر بن سعد وفي رواية غالهم غمر ، والغمر الجاهل الحاقد .
في كل يوم لقلبي من تذكركم |
|
تغريبة ولدمعي فيكم سفر |
موتاً وقتلا بهامات مغلقة |
|
من هاشم غاب عنها النصر والظفر |
كفى بأن اناة الله واقعة |
|
يوماً ولله في هذا الورى نظر |
انسى علياً وتفنيد الغواة له |
|
وفي غد يُعرف الأفّاك والأشر |
حتى اذا ابصر الاحياء من يمن |
|
برهانة آمنوا من بعد ما كفروا |
ام من حوى قصبات السبق دونهم |
|
|
|
يوم القليب وفي اعناقهم زور |
|
أضبعَ غير علي كان رافعه |
|
محمد الخير ام لا تعقل الحمر |
الحق ابلج والاعلام واضحة |
|
لو آمنت انفس الشانين او نظروا |
دعوا التخبط في عشواء مظلمة |
|
لم يبدُ لا كوكب فيها ولا قمر |
وقال يرثي الحسين عليه السلام (١)
يا عين لا للغضا ولا الكتب |
|
بكا الرزايا سوى بكا الطربِ |
جودي وجدي بملأ جفنك ثمَّ |
|
احتفلي بالدموع وانسكبي |
يا عين في كربلاء مقابل قد |
|
تركن قلبي مقابر الكرب |
مقابـرٌ تحتها منابر من |
|
علم وحلم ومنظر عجب |
من البهاليل آل فاطمة |
|
اهل المعالي السادة النجب |
كم شرقت منهم السيوف وكم |
|
رُوّيت الارض من دم سرب |
نفسي فداء لكم ومن لكم |
|
نفسي وامي واسرتي وابي |
لا تبعدوا يا بني النبي على |
|
ان قد بعدتم والدهر ذو نوبُ |
يا نفس لا تسأمي ولا تضقي |
|
وارسي على الخطب رسوة الهضب |
صوني شعاع الضمير واستشعري |
|
|
|
الصبر وحسن العزاء واحتسبي |
|
فالخلق في الارض يعجلون |
|
فدع ذكرَ من لست من شأنه |
__________
(١) عن ديوانه المطبوع في بيروت سنة ١٣٨٣ هـ
لا بد ان يحشر القتيل وأن |
|
يسأل ذو قتله عن السبب |
فالويل والنار والثبور لمن |
|
قد اسلموه للجمر واللهب |
يا صفوة الله في خلائقه |
|
واكرم الاعجمين والعرب |
انتم بدور الهدى وانجمه |
|
ودوحة المكرمات والحسب |
وساسة الحوض يومَ لا نهلٌ |
|
لمورديكم موارد العطب |
فكرت فيكم وفي المصاب |
|
فما انفك قوادي يعوم في عجب |
ما زلتم في الحياة بينهم |
|
بين قتيل وبين مستلب |
قد كان في هجركم رضى بكم |
|
وكم رضى مشرج على غضب |
حتى اذا اودع النبي شجاً |
|
قيد لهاة القصاقص الحرِب |
معَ بعيدين احرزا نسباً |
|
مع بعد دار عن ذلك النسب |
ما كان تيم لهاشم بأخٍ |
|
ولا عدي لاحمد بأب |
لكن حديثا عداوة وقلىً |
|
تهوّرا في غيابة الشقبُ |
قاما بدعوى في الظلم غالبةٍ |
|
وحجة جزلة من الكذب |
من ثم اوصى به نبيكم |
|
نصاً فابدى عداوة الكلب |
ومن هناك انبرى الزمان لهم |
|
بعد التياط بغاربٍ جشب (٢) |
لا تسلقوني بحد السنتكم |
|
ما أربُ الظالمين من اربي |
انا الى الله راجعون على |
|
سهو الليالي وغفلة النوب |
غدا عليٌ ورب منقلب |
|
اشأم قد عاد غير منقلب |
فاغتره السيف وهو خادمه |
|
متى يُهب في الوغى به يُجب |
اودى ولو مد عينه اسد الغاب |
|
لناجي السرحان في هرب |
يا طول حزني ولوعتي وتباريحي ، ويا حسرتي ويا كربي |
||
لهول يوم تقلص العلم والدين بثغريهما عن الشنب |
__________
(١) الشقب : مهواة ما بين كل جبلين ، والجمع شقاب وشقوب
(٢) الالتياط : الالتصاق ، الجشب : الخشن
ذلك يوم لم تُرم جائحةٌ |
|
بمثله المصطفى ولم تُصب |
يوم اصاب الضحى بظلمته |
|
وقنّع الشمس من دجى الغُهب |
وغادر المعولات من هاشم |
|
الخير حيارى مهتوكة الحجب |
تمري عيونا علي ابي حسن |
|
مخفوقة بالكلام والندب |
تغمر ربع الهموم اعينها |
|
بالدمع حزناً لربعها الخرب |
تئن والنفس تستدير بها |
|
رحى من الموت مرّة القطب |
لهفي لذاك الرواء ام ذلك |
|
الرأي وتلك الانباء والخطب |
يا سيد الاوصياء والعالي |
|
الحجة والمرتضى وذا الرتب |
ان يسرِ جيش الهموم منك |
|
الى شمس منىّ والمقام والحجب |
فربما تقْعص الكماةِ باقدامك |
|
قعصاً يُجثى على الركب |
ورب مقورّة ململمةٍ |
|
في عارضٍ للحمام منسكب |
فللت ارجاءها وجحفلها |
|
بذى صقال كوامض الشهب |
او اسمر الصدر اصفر ازرق |
|
الرأس وان كان احمر الحلَب |
اودى علي صلى على روحه |
|
الله صلاة طويلة الدأب |
وكل نفس لحينها سبب |
|
يسرى اليها كهيئة اللعب |
والناس بالغيب يرجمون وما |
|
خلتم يرجمون عن كثب (١) |
وفي غد فاعلمي لقاؤهم |
|
فإنهم يرتقبون ، فارتقب |
وقال من مرثية في الحسين عليه السلام :
اصبحت ملقى في الفراش سقيما |
|
|
|
اجدُ النسيم من السقام سموما |
|
__________
(١) عن كثب : عن قرب
ماء من العبرات حرّى ارضه |
|
لو كان من مطر لكان هزيما (١) |
وبلابلٌ لو انهن مآكل |
|
لم تخطىء الغسلين والزقوما (٢) |
وكرىً يروّعني سرى لو انه |
|
ظِل لكان الحر واليحموما (٣) |
مرت بقلبي ذكريات بني الهدى |
|
|
|
فنسيت منها الروح والتهويما (٤) |
|
ونظرت سبط محمد في كربلا |
|
فرداً يعاني حزنه المكظوما |
تنحو اضالعه سيوف امية |
|
فتراهم الصمصومفالصمصوما |
فالجسم اضحى في الصعيد موزعاً |
|
|
|
والرأس امسى في الصعاد (٥) كريما |
|
وقال في اهل البيت عليهم السلام :
شرفي محبة معشر |
|
شرقوا بسورة هل اتى |
وولايَ فيمن فتكه |
|
لذوي الضلالة اخبتا (٦) |
واذا تكلم في الهدى |
|
جحّ الغوي وأسكتا |
فلفتكه ولهديه |
|
سماه ذو العرش الفتى |
ثبتٌ اذا قد ما سوا |
|
د في المهاوي زلتا |
لم يعبد الاصنام قط |
|
ولا أراب ولا عتا (٧) |
صنوان هذا منذر |
|
وافى ، وذا هاد أتى |
يهدي لما اوفى به |
|
حكم الكتاب وأثبتا |
فهو القرين له وما |
|
افترقا بصيف أو شتا |
__________
(١) الهزيم : صوت الرعد والرعد نفسه
(٢) الغسلين : ما انغسل من لحوم اهل النار ودمائهم ومنه قوله تعالى ( فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ) . والزقوم : اسم طعام لهم
(٣) اليحموم : الدخان الاسود قال تعالى ( وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ )
(٤) الروح : الرحمة . هوم الرجل تهويما اذا هز رأسه من النعاس
(٥) الصعاد : مفردها الصعدة وهي القناة المستوية ، ويريد بها هنا الرماح
(٦) أخبت : اخشع واذل
(٧) أراب : جعل فيه ريبه . عتا : استكبر وجاوز الحد ، فهو عات وعتي
لكنما الاعداء لم |
|
يدعوه أن يتلفتا |
ثقل الهدى وكتابه |
|
بعد النبي تشتتا |
واحسرتا من غصبه |
|
وسكوته ، واحسرتا |
طالت حياة عدوه |
|
حتى متى ، والى متى |
وقال بمدحه عليه السلام واولها :
دعوا ابن ابي طالب للهدى |
|
ونحر العدى كيفما يفعل |
وقال في الزهراء ، واولها :
يا قبر فاطمة الذي ما مثله |
|
قبر بطيبة طاب فيه مبيتا |
وقال يمدح اهل البيت عليهم السلام من ارجوزته الكاملة :
ان الرسول لم يزل يقول |
|
والخير ما قال به الرسول |
وقال يمدح الامام علي بن ابي طالب ويتظلم له ، واولها :
اصبحتُ جمّ بلابل الصدر |
|
وأبيت منطوياً على الجمر |
ان بحت يوماً طل فيه دمي |
|
ولئن كتمت يُضق به صدري |
وهذه القصائد كلها في ديوانه المطبوع في بيروت ـ لبنان ، وقال :
جاؤا برأسك يا بن بنت محمد |
|
مترملا بدمائه ترميلا |
وكأنما بك يا بن بنت محمد |
|
قتلوا جهاراً عامدين رسولا |
قتلوك عطشاناً ولما يرقبوا |
|
في قتلك التنزيل والتأويلا |
ويكبرون بان قتلت وانما |
|
قتلوا بك التكبير والتهليلا |
قال السيد الامين في اعيان الشيعة جزء ٤ ص ٣٧٤ وروى ان خالد بن معدان الطائي من فضلاء التابعين لما شاهد رأس الحسين عليه السلام بالشام اخفى نفسه شهرا من جميع اصحابه فلما وجدوه بعد اذ فقدوه سألوه عن سبب ذلك ، فقال : الا ترون ما نزل بنا ، ثم انشأ يقول الابيات (١) وجاء في الجزء ٢٩ ص ١٤٠ من الاعيان ايضاً
__________
(١) ورواها ابن عساكر في تاريخ دمشق وزاد هذا البيت :
نقضوا الكتاب المستبين وأبرموا |
|
ما ليس مرضياً ولا مقبولا |
خالد بن معدان الطائي
في حاشية تهذيب التهذيب عن المغني للذهبي : معدان بمفتوحة وسكون عين مهملة ، وخفة دال مهملة .
كان خالد هذا من فضلاء التابعين المختصين بامير المؤمنين ( ع )
قال الشيخ المامقاني في ( تنقيح المقال ) : خالد بن معدان الطائي من فضلاء التابعين واهل الصلاح والذين ارسله عبد الله بن عباس ايام ولايته من قبل امير المؤمنين عليه السلام على البصرة بجند من اهل البصرة الى الاهواز ممداً به معقل ابن قيس الرياحي امير الجيش المحارب بأمر علي للناجي الخارجي بالاهواز وكتب اليه معه ، وجهت اليك خالد بن معدان الطائي مع رجال من المسلمين وهو من اهل الدين والصلاح والنجدة فاعرف ذلك له ان شاء الله . ذكر ذلك ابن هلال الثقفي في كتاب ( الغارات ) ، ويظهر من نسبة ابن شهر آشوب في المناقب له الابيات الاربعة المشهورة في رثاء الحسين التي اولها : ( جاؤا برأسك يا بن بنت محمد ) انه بقي الى ما بعد قتل الحسين عليه السلام ، ويعلم مما نقله الفاضل المجلسي عن بعض كتب المناقب القديمة انه كان يومئذ بالشام فانه روى عن الكتاب المذكور باسناده عن البيهقي عن علي بن محمد بن الاديب يذكر باسناد له : ان رأس الحسين لما صلب بالشام اختفى خالد بن معدان ـ وهو من افضل التابعين ـ عن اصحابه فطلبوه شهراً حتى وجدوه ، فسألوه عن عزلته فقال : اما ترون ما نزل بنا ، ثم انشأ يقول : جاؤا برأسك يا بن بنت محمد . . . الابيات
قال : وقد نسب الى خالد بن معدان في رثاء الحسين عليه السلام ، قالها حين
ادب الطف ( ١٩ )
مجيء السبايا والرؤس الى الشام ويبعد ان يكون هو الطائي هذا ، لانه يكون قد بلغ المائة او تجاوزها ولو كان كذلك لذكر ، ويمكن كونه الكلاعي الشامي الحمصي المتوفي سنة ١٠٣ او اكثر .
اقول : اما الشيخ ابن نما الحلي رحمه الله ، فقد نسبها لابن سنان الخفاجي كما ذكر ذلك في ( مثير الاحزان ) والظاهر ان ابن سنان له ابيات تشبه هذه الابيات في المعنى فحصل التوهم .
ثم ان السيد الامين رحمه الله ذكر هذه الابيات في الجزء ٣٨ ص ٣٠ في ترجمة ديك الجن وانها من نظمه ولم يناقش في ذلك ، وديك الجن هو : ابو محمد عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام بن حبيب بن عبد الله بن رغبان بن مزيد ابن تميم الكلبي الحمصي ولد سنة ١٦١ بسلمية وتوفي سنة ٢٣٥ هـ ٨٥٠ م او ٢٣٦
وقال عن ديك الجن :
عمره اربع وسبعون سنة او خمس وسبعون ، ذكره ابن شهراشوب في شعراء اهل البيت ( ع ) . شاعر الدنيا وصاحب الشهرة بالادب فاق شعراء عصره وطار ذكره وشعره في الامصار حتى صاروا يبذلون الاموال للقطعة من شعره ، قال ابن خلكان : وهو من اهل سلمية ولم يفارق الشام مع ان خلفاء بني العباس في عصره ببغداد فلا رحل الى العراق ولا الى غيره منتجعاً بشعره ، وكان يتشيع تشيعا حسناً ، وله مراث في الحسين ( ع ) ، وقال ابن شهراشوب : افتتن الناس بشعره في العراق وهو في الشام حتى انه اعطى ابا تمام قطعة من شعره ، وقال له يا فتى اكتسب بهذا واستعن به على قولك ، فنفعه في العلم والمعاش . قال عبد الله بن محمد بن عبد الملك الزبيدي كنت جالساً عند ديك الجن فدخل عليه حَدِث فانشده شعراً عمله فاخرج ديك الجن من تحت مصلاه درجاً كبيراً فيه كثير من شعره فسلمه اليه ، وقال له : يا فتى تكسب بهذا واستعن به على قولك فلما خرج سألته عنه ، فقال : هذا فتى من اهل حاسم يذكرانه من طيء يكنى اباتمام واسمه حبيب بن اوس وفيه ادب وذكاء وله قريحة وطبع ـ الحديث .
يعتبر الشاعر ديك الجن في طليعة شعراء القرن الثالث الهجري ومن ابرزهم في الرثاء ، ولم يجاره في مدح آل البيت ورثائهم الا السيد الحميري وشعره يقوم دليلاً قوياً على انه شاعر مطبوع ترتاح له النفس وتتذوقه الاسماع والقلوب ، وولاؤه لأهل البيت ظاهر على شعره .
ومن شعره في امير المؤمنين علي عليه السلام :
سطا يوم بدر بقرضابه |
|
وفي أُحدٍ لم يزل يحملُ |
ومن بأسه فتحت خيبر |
|
ولم يُنجها بابها المقفل |
دحا اربعين ذراعاً به |
|
هزبر له دانت الاشبل |
واورد له البيهقي في المحاسن والمساوى هذه القصيدة :
لا تقفْ للزمان في منزل الضيم |
|
ولا تستكن لرقة حالِ |
واهن نفسك الكريمة للموت |
|
وقحّم بها على الاهوال |
فلعمري للموت ازين للحر |
|
من الذل ضارعاً للرجال |
اي ماء يدور في وجهك الحر |
|
اذا ما امتهنته بالسؤال |
ثم لا سيما اذا عصف الدهر |
|
بأهل الندى واهل النوال |
غاضت المكرمات وانقرض |
|
الناس وبادت سحائب الافضال |
فقليل من الورى من تراه |
|
يرتجى او يصون عرضاً بمال |
وكذاك الهلال اول ما |
|
يبدو نحيلا في دقة الخلخال |
ثم يزداد ضوئه فتراه |
|
قمراً في السماء غير هلال |
عاد تدميثك المضاجع |
|
للجنب فعال الخريدة المكسال |
عامليُّ النتاج تطوى له الارض |
|
اذا ما استعد للانفال |
جرشع لاحق الا ياطل كالاعفر |
|
ضافي السبيب غير مذال |
واتخذ ظهره من الذل حصناً |
|
نعم حصن الكريم في الزلزال |
لا احب الفتى اراه اذا ما |
|
عضه الدهر جاثماً في الظلال |
مستكيناً لذي الغنى خاشع |
|
الطرف ذليل الادبار والاقبال |
اين جوبُ البلاد شرقاً وغرباً |
|
واعتساف السهول والاجبال |
واعتراض الرقاق يوضع فيها |
|
بظباء النجاد والعمال |
ذهب الناس فاطلب الرزق |
|
بالسيف والا فمُت شديد الهزال |
وقال يهجو اهل حمص لان خطيبهم كان يكثر الصلاة على محمد ( ص ) :
سمعوا الصلاة على النبي توالى |
|
فتفرقوا شيعاً وقالوا لا ، لا |
ثم استمر على الصلاة إمامهم |
|
فتحزبوا ورمى الرجال رجالا |
يا آل حمص تَوقعوا من عارها |
|
خزياً يحلّ عليكم ووبالا |
شاهت (١) وجوهكم وجوهاً طالما رغمت معاطسها وساءت حالا |
||
ان يُثْن من صلى عليه كرامة |
|
فالله قد صلى عليه تعالى |
وقال يرثى ابا تمام الطائي :
فُجع القريض بخاتم الشعراء |
|
وغدير روضتها حبيب الطائي |
ماتا معاً فتجاورا في حفرة |
|
وكذاك كانا قبلُ في الاحياء |
ومن شعره :
ما الذنب الالجدي حين ورثني |
|
علماً وورثه من قبل ذاك أبي |
فالحمد لله حمداً لا نفاد له |
|
ما المرء الا بما يحوي من النسب |
وقوله :
او ما ترى طمريَّ بينهما |
|
رجل الحّ بهز له الجدُّ |
فالسيف يقطع وهو ذو صدأ |
|
والنصل يقرى الهام لا الغمد |
هل تنعفنَّ السيف حيلتهُ |
|
يوم الجلاد إذا بنا الحَدُ |
وله :
أيا قمراً تبسم عن اقاح |
|
ويا غصناً يميل مع الرياح |
__________
(١) شاهت : قبحت . المعطس الانف
جبينك . والمقلّد والثنايا |
|
صباح في صباح في صباح |
ويقال انه كان له غلام وجارية كان يحبهما حباً شديداً فرآهما على حالة مكروهة فقتلهما وقال في الجارية :
يا طلعةً طلع الحمام عليها |
|
فجنى لها ثمر الردى بيديها |
روّيت من دمها الثرى ولطالما |
|
روى الهوى شفتيَّ من شفتيها |
وقال في الغلام :
يا سيف إن ترم الزمان بغدره |
|
فلأنت ابدلت الوصال بهجره |
فقتلته وله على كرامة |
|
ملأ الحشا وله الفؤاد بأسره |
عهدي به ميتاً كاحسن نائم |
|
والحزن يفسح أدمعي في حجره |
وقال وقد ندم على قتله جاريته :
جاءت تزور فراشي بعدما |
|
|
|
قبرت فظلت ألثم نحراً زانه العود |
|
وقلت قرة عين قد بعثت لنا |
|
فكيف ذا وطريق القبر مسدود |
قالت هناك عظامي فيه مودعة |
|
|
|
تعيت فيه نبات الارض والدود |
|
وهذه الروح قد جاءتك زائرة |
|
|
|
هذي زيارة من في الارض ملحود |
|
اقول وجاء في وفيات الاعيان لإبن خلكان تتمة للبيتين الذين رثي بهما الجارية وهي :
مكنت سيفي من مجال وشاحها |
|
|
|
ومدامعي تجري على خديها |
|
فوحق نعليها وما وطىء الحصى |
|
|
|
شيىء اعز عليَّ من نعليها |
|
ما كان قتلتها لأني لم اكن |
|
|
|
ابكي اذا سقط الغبار عليها |
|
لكن بخلت على سوايَ بحبها |
|
|
|
وانفقتُ من نظر الغلام اليها |
|
قال وصنعت اخت الغلام :
يا ويح ديك الجن يا تباً له |
|
|
|
ماذا تضمن صدره من غدره |
|
قتل الذي يهوى وعمّر بعده |
|
|
|
يا رب لا تمدد له في عمره |
|
٣ ـ دعبل بن علي الخزاعي :
تجاوبن بالإرنان والزفرات |
|
نوائح عُجم اللفظ والنطقاتِ |
يخبرن بالانفاس عن سر أنفس |
|
أسارى هوى ماضٍ وآخر آت |
فاسعدن أو أسعفن حتى تقوضت |
|
صفوف الدجى بالفجر منهزمات |
على العرصات الخاليات من المهى |
|
سلام ثجٍ صبّ على العرصات |
فعهدي بها خضر المعاهد مألفاً |
|
من العطرات البيض والخضرات |
ليالي يعدين الوصال على القلى |
|
ويعدي تدانينا على الغربات |
وإذ هنَّ يلحظن العيون سوافرا |
|
ويسترن بالايدي على الوجنات |
وإذ كل يوم لي بلحظي نشوة |
|
يبيت لها قلبي على نشوات |
فكم حسراتٍ هاجها بمحسّر |
|
وقوفي يوم الجمع من عرفات |
ألم تر للايام ما جرّ جورها |
|
على الناس من نقص وطول شتات |
ومن دول المستهزئين ( المستهترين ) ومن غدا ، بهم طالباً للنور في الظلمات |
||
فكيف ومن أنى يطالب زلفة |
|
الى الله بعد الصوم والصلوات |
سوى حب أبناء النبي ورهطه |
|
وبغض بني الزرقاء والعبلات |
وهند وما أدّت سمية وابنها |
|
اولوا الكفر في الاسلام والفجرات |
همُ نقضوا عهد الكتاب وفرضه |
|
ومحكمه بالزور والشبهات |
ولم تك إلا محنة كشفتهم |
|
بدعوى ضلال من هنٍ وهنات |
تراث بلا قربى وملك بلا هدى |
|
وحكم بلا شورى بغير هداة |
رزايا أرتنا خضرة الافق حمرة |
|
وردّت اجاجا طعم كل فرات |
وما سهَّلت تلك المذاهب فيهم |
|
على الناس إلا بيعة الفلتات |
ولو قلدوا الموصى اليه زمامها |
|
لزمّت بمأمون على العثرات |
أخي خاتم الرسل المصفى من القذى |
|
ومفترس الابطال في الغمرات |
فإن جحدوا كان الغدير شهيده |
|
وبدر وأُحد شامخ الهضبات |
وآي من القرآن تتلى بفضله |
|
وإيثاره بالقوت في اللزبات |
وغرّ خلال أدركته بسبقها |
|
مناقب كانت فيه مؤتنفات |
مناقب لم تُدرك بكيدٍ ولم تنل |
|
بشيء سوى حد القنا الذربات |
نجيّ لجبريل الامين وأنتم |
|
عكوف على العزى معاً ومناة |
بكيت لرسم الدار من عرفات |
|
وأذريتُ دمع العين بالعبرات |
وفك عرى صبري وهاجت صبابتي |
|
رسوم ديار قد عفت وعرات |
مدارس آيات خلت من تلاوة |
|
ومنزل وحي مقفر العرصات |
لآل رسول الله بالخيف من منى |
|
وبالبيت والتعريف والجمرات |
ديار لعبد الله بالخيف من منى |
|
وللسيد الداعي الى الصلوات |
ديار علي والحسين وجعفر |
|
وحمزة والسجاد ذي الثفنات |
ديار لعبد الله والفضل صنوه |
|
نجي رسول الله في الخلوات |
وسبطي رسول الله وابني وصيه |
|
ووارث علم الله والحسنات |
منازل وحي الله ينزل بينها |
|
على أحمد المذكور في السورات |
منازل قوم يهتدى بهداهم |
|
فتؤمن منهم زلة العثرات |
منازل كانت للصلاة وللتقى |
|
وللصوم والتطهير والحسنات |
منازل لا فعل يحلّ بريعها |
|
ولا ابن فعال هاتك الحرمات |
ديار عفاها جور كل منابذ |
|
ولم تعف للايام والسنوات |
فيا وارثي علم النبي وآله |
|
عليكم سلام دائم النفحات |
لقد آمنت نفسي بكم في حياتها |
|
واني لارجو الأمن بعد مماتي |
قفا نسأل الدار التي خف أهلها |
|
متى عهدها بالصوم والصلوات |
واين الاولى شطت بهم غربة النوى |
|
أفانين في الافاق ( الاقطار ) مفترقات |
هم أهل ميراث النبي اذا اعتزوا |
|
وهم خير سادات وخير حماة |
اذا لم نناج الله في صلواتنا |
|
باسمائهم لم يقبل الصلوات |
مطاعيم في الاقتار ( الاعسار ) في كل مشهد لقد شرفوا بالفضل والبركات |
||
وما الناس إلا غاصب ومكذب |
|
ومضطغن ذو إحنة وترات |
اذا ذكروا قتلى ببدر وخيبر |
|
ويوم حنين أسبلوا العبرات |
فكيف يحبون النبي ورهطه |
|
وهم تركوا أحشاءهم وغرات |
لقد لا ينوه في المقال وأضمروا |
|
قلوباً على الاحقاد منطويات |
فان لم تكن إلا بقربي محمد |
|
فهاشم أولى من هن وهنات |
سقى الله قبراً بالمدينة غيثه |
|
فقد حل فيه الأمن بالبركات |
نبي الهدى صلى عليه مليكه |
|
وبلّغ عنا روحه التحفات |
وصلى عليه الله ما ذرّ شارق |
|
ولاحت نجوم الليل مبتدرات |
* * *
أفاطم لو خلت الحسين مجدلا |
|
وقد مات عطشانا بشط فرات |
إذاً للطمت الخد فاطم عنده |
|
وأجريت دمع العين في الوجنات |
أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي |
|
نجوم سماوات بأرض فلاة |
قبور بكوفان واخرى بطيبة |
|
واخرى بفخ نالها صلواتي |
واخرى بأرض الجوزجان محلها |
|
وقبر بباخمري لذى الغربات |
وقبر ببغداد لنفس زكية |
|
تضمنها الرحمن في الغرفات |
فقال الرضا عليه السلام : افلا أُلحق لك بيتين بهذا الموضع بهما تمام قصيدتك فقال بلى يا ابن رسول الله ، فقال الرضا عليه السلام ـ :
وقبر بطوس يا لها من مصيبة |
|
الحت على الاحشاء بالزفرات |
الى الحشر حتى يبعث الله قائما |
|
يفرج عنا الغم والكربات |
فقال دعبل : هذا القبر الذي بطوس قبر من ؟ قال الرضا عليه السلام : هو قبري .
علي بن موسى أرشد الله أمره |
|
وصلى عليه أفضل الصلوات |
* * *
فأما الممضات التي لست بالغا |
|
مبالغها مني بكنه صفات |
قبور بجنب النهر من أرض كربلا |
|
معرسهم فيها بشط فرات |
توفوا عطاشى بالفرات فليتني |
|
توفيت فيهم قبل حين وفاتي |
الى الله اشكو لوعة عند ذكرهم |
|
سقتني بكأس الثكل والفظعات |
أخاف بأن أزدارهم فتشوقنى |
|
مصارعهم بالجزع فالنخلات |
تقسمهم ( تغشاهم ) ريب المنون فما نرى |
|
لهم عقوة مغشية الحجرات |
خلا إن منهم بالمدينة عصبة |
|
مدينين انضاء من اللزبات |
قليلة زوار سوى أن زوّراً |
|
من الضبع والعقبان والرخمات |
لهم كل يوم تربة بمضاجع |
|
ثوت في نواحي الارض مفترقات |
تنكب لأواء السنين جوارهم |
|
ولا تصطليهم جمرة الجمرات |
وقد كان منهم في الحجاز وأرضها |
|
مغاوير نحّارون في الازمات |
حمى لم تزره المدنيات وأوجه |
|
تضيء لدى الاستار في الظلمات |
اذا وردوا خيلا بسمر من القنا |
|
مساعير حرب اقحموا الغمرات |
وان فخروا يوما اتوا بمحمد |
|
وجبريل والفرقان ذي السورات |
وعدّوا علياً ذا المناقب والعلى |
|
وفاطمة الزهراء خير بنات |
وحمزة والعباس ذا الهدي والتقى |
|
وجعفراً الطيار في الحجبات |
ولائك لا منتوج ( ملتوج ) هند وحزبها سمية من نوكى ومن قذرات |
||
ستسأل فعل عنهم وفعيلها |
|
وبيعتهم من أفجر الفجرات |
وهم منعوا الآباء عن أخذ حقهم |
|
وهم تركوا الابناء رهن شتات |
وهم عدلوها عن وصي محمد |
|
فبيعتهم جاءت على الغدرات |
وليهم صفو النبي محمد |
|
ابو الحسن الفرّاج للغمرات |
ملامك في آل النبي فانهم |
|
أحبّاي ما داموا وأهل ثقاتي |
تخيرتهم رشداً لنفسي انهم |
|
على كل حال خيرة الخيرات |
نبذت اليهم بالمودة صادقاً |
|
وسلمت نفسي طائعاً لولاتي |
فيا رب زدني في هواي بصيرة |
|
وزد حبهم يا رب في حسناتي |
سأبكيهم ما حج لله راكب |
|
وما فاح قمريّ على الشجرات |
واني لمولاهم وقال عدوهم |
|
واني لمحزون بطول حياتي |
بنفسي أنتم من كهول وفتية |
|
لفكِّ عناةٍ او لحمل ديات |
وللخيل لما قيد الموت خطوها |
|
فاطلقتم منهن بالذربات |
احب قصي الرحم من أجل حبكم |
|
وأهجر فيكم أُسرتي وبناتي |
واكتم حبيكم مخافة كاشح |
|
عنيدٍ لأهل الحق غير مواتي |
فيا عين بكيهم وجودي بعبرة |
|
فقد آن للتسكاب والهملات |
لقد خفت في الدنيا وايام سعيها |
|
وإني لارجو الأمن بعد وفاتي |
ألم تر أني من ثلاثون حجة |
|
أروح وأغدو دائم الحسرات |
أرى فيأهم في غيرهم متقسماً |
|
وأيديهم من فيئهم صفرات |
فكيف أُداوي من جوى لي والجوى |
|
امية أهل الفسق والنبعات |
وآل زياد في ( القصور ) مصونة |
|
وآل رسول الله في الفلوات |
سأبكيهم ما ذرّ في الارض شارق |
|
ونادى منادي الخير بالصلوات |
وما طلعت شمس وحان غروبها |
|
وبالليل أبكيهم وبالغدوات |
ديار رسول الله اصبحن بلقعا |
|
وآل زياد تسكن الحجرات |
وآل رسول الله تدمى نحورهم |
|
وآل زياد آمنوا السربات |
وآل رسول الله تسبى حريمهم |
|
وآل زياد ربة الحجلات |
اذا وتروا مدوا الى واتريهم |
|
اكفاً عن الاوتار منقبضات |
فلولا الذي ارجوه في اليوم أو غد |
|
تقطع نفسي إثرهم حسراتي |
خروج إمام لا محالة خارج |
|
يقوم على اسم الله والبركات |
يميز فينا كل حق وباطل |
|
ويجزي على النعماء والنقمات |
فيا نفس طيبي ثم يا نفس أبشري |
|
فغير بعيد كل ما هو آتي |
ولا تجزعي من مدة الجور إنني |
|
أرى قوتي قد آذنت بثبات |
فان قرّب الرحمن من تلك مدتي |
|
وأخر من عمري ووقت وفاتي |
شفيت ولم أترك لنفسي غصة |
|
وروّيت منهم منصلي وقناتي |
فاني من الرحمن أرجو بحبهم |
|
حياة لدى الفردوس غير ثبات |
عسى الله ان يرتاح للخلق انه |
|
الى كل قوم دائم اللحظات |
فان قلت عرفا أنكروه بمنكر |
|
وغطوا على التحقيق بالشبهات |
تقاصر نفسي دائما عن جدالهم |
|
كفاني ما ألقى من العبرات |
احاول نقل الصم عن مستقرها |
|
واسماع احجار من الصلدات |
فحسبي منهم ان أبوء بغصة |
|
تردد في صدري وفي لهواتي |
فمن عارف لم ينتفع ومعاند |
|
تميل به الاهواء للشهوات |
كأنك بالاضلاع قد ضاق ذرعها |
|
لما حملت من شدة الزفرات |
قال ابو الفرج في الأغاني قصيدة دعبل :
مدارس آيات خلت من تلاوة |
|
ومنزل وحي مقفر العرصات |
من احسن الشعر وفاخر المدائح المقولة في اهل البيت عليهم السلام قصد بها علي بن موسى الرضا عليه السلام بخراسان ، قال دخلت على علي بن موسى الرضا عليه السلام فقال لي انشدني فأنشدته ( مدارس آيات ) حتى انتهيت الى قولي ـ :
اذا وُتروا مدوا الى واتريهم |
|
اكفاً على الاوتار منقبضات |
بكى حتى أُغمي عليه ، وأومأ إليَّ الخادم كان على رأسه : أن اسكت فسكت ، فمكث ساعة ثم قال لي أعد . فأعدت حتى انتهيت الى هذا البيت ايضاً فأصابه مثل الذي اصابه في المرة الاولى وأومأ الخادم إلي : ان اسكت فسكت وهكذا ثلاث مرات فقال لي احسنت ـ ثلاث مرات ثم أمر لي بعشرة
آلاف درهم مما ضرب باسمه ولم تكن دفعت الى احد بعد ، وأمر لي من منزله بحلى كثير اخرجه إلي الخادم فقدمت العراق فبعت كل درهم منها بعشرة دراهم اشتراها مني الشيعة فحصل لي مائة الف درهم فكان اول مال اعتقدته .
وروي ان دعبلاً استوهب من الرضا عليه السلام ثوباً قد لبسه ليجعله في اكفانه فخلع جبة كانت عليه فأعطاه إياه وبلغ اهل قم خبرها فسألوه ان يبيعهم إياها بثلاثين الف درهم فلم يفعل فخرجوا عليه في طريقه فأخذوها منه غصبا ، وقالوا له : إن شئت ان تأخذ المال فافعل وإلا فأنت اعلم ، فقال لهم : إني والله لا أعطيكم إياها طوعاً ولا تنفعكم غصبا وأشكوكم الى الرضا ، فصالحوه على ان اعطوه الثلاثين الف درهم وفردُ كمٍّ من بطانتها فرضي بذلك فأعطوه فردُ كمٍّ فكان في اكفانه .
وكتب قصيدته على ثوب وأحرم فيه وأمر بأن يكون في اكفانه .
قال ابن الفتال في الروضة وابن شهراشوب في المناقب : وروى ان دعبل انشدها الامام عليه السلام من قوله : مدارس آيات . فقيل له لمَ بدأت بمدراس آيات فقال : استحيت من الامام عليه السلام ان انشده التشبيب فانشدته المناقب .
وقال :
تأسفتْ جارتي لما رأت زوري |
|
وعدّت الحلم ذنباً غير مغتفر |
ترجو الصبا بعدما شابت ذوائبها |
|
وقد جرت طلقاً في حلبة الكبر |
أجارتي ! إن شيب الرأس ثقَّلني |
|
ذكر المعاد وارضاني عن القدر |
لو كنت اركن للدنيا وزينتها |
|
إذن بكيت على الماضين من نفري |
أخنى الزمان على أهلي فصدّعهم |
|
تصدع القعب لاقى صدمة الحجر |
بعض أقام وبعض قد أهاب به |
|
داعي المنية والباقي على الأثر |
أما المقيمُ فأخشى أن يفارقني |
|
ولستُ أوبة من ولى بمنتظر |
أصبحت أخبر عنْ أهلي وعن ولدي |
|
كحاكم قصّ رؤيا بعد مُدّكر |
لولا تشاغل نفسي بالأولى سلفوا |
|
من أهل بيت رسولِ الله لم أقر |
وفي مواليك للمحزون مشغلةٌ |
|
من أن تبيت لمفقودٍ على أثر |
كم من ذراعٍ لهم بالطف بائنةٍ |
|
وعارض من صعيد الترب منعفر |
أنسى الحسين ومسراهم لمقتله |
|
وهم يقولونَ : هذا سيدُ البشر ! |
يا أمة السوء ما جازيت أحمد عن |
|
حُسنِ البلاء على التنزيل والسور |
خلفتموه على الابناء حين مضى |
|
خلافة الذئب في أبقار ذي بقر |
وليس حي من الأحياءِ تعلمهُ |
|
من ذي يمانٍ ومن بكرٍ ومن مضر |
إلا وهم شركاء في دمائهم |
|
كما تشاركَ أيسار على جزرِ (١) |
قتلاً وأسراً وتحريقاً ومنهبةً : |
|
فِعلَ الغزاة بأرض الروم والخزر |
أرى امية معذورين إن قتلوا |
|
ولا أرى لبني العباس من عذر |
أبناء حربٍ ومروانٍ واسرتهم |
|
بنو معيط ولاة الحقد والوغر |
قوم قتلتم على الإسلام أولهم |
|
حتى إذا استمكنوا جازوا على الكفر |
اربعْ بطوس على قبر الزكي بها |
|
إن كنت تربع من دينٍ على وطر |
قبران في طوس : خير الخلق كلهم |
|
وقبر شرهم هذا من العبر |
ما ينفع الرجس من قرب الزكي وما |
|
على الزكي بقرب الرجس من ضرر |
هيهات كل امرىء رهن بما كسبت |
|
له يداه فخذ ما شئت أو فذر |
حدث ميمون بن هارون قال : قال ابراهيم بن المهدي للمأمون في دعبل يحرضه عليه ، فضحك المأمون وقال : إنما تحرضني عليه لقوله فيك :
يا معشر الاجناد لا تقنطوا |
|
وارضوا بما كان ولا تسخطوا |
__________
(١) الياسر : الذي يلي قسمة الجزور . والجزور الناقة المجزورة .
فسوف تعطون حُنينيةً |
|
يلتذها الامرد والاشمط |
والمعبديات لقوادكم |
|
لا تدخل الكيس ولا تربط |
وهكذا يرزق قواده |
|
خليفة مصحفه البربط |
حدث ابو ناجية قال : كان المعتصم يبغض دعبلا لطول لسانه ، وبلغ دعبلا انه يريد اغتياله وقتله فهرب الى الجبل وقال يهجوه :
بكى لشتات الدين مكتئبٌ صب |
|
وفاض بفرط الدمع من عينه غرب |
وقام إمام لم يكن ذا هداية |
|
فليس له دين وليس له لُبُّ |
وما كانت الانباء تأتي بمثله |
|
يُملّك يوماً أو تدين له العربُ |
ولكن كما قال الذين تتابعوا |
|
من السلف الماضين إذ عظم الخطب |
ملوك بني العباس في الكتب سبعة |
|
ولم تأتنا عن ثامن لهم كتب |
كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة |
|
|
|
خيار إذا عُدّوا وثامنهم كلب |
|
وإني لأُعلي كلبهم عنك رفعةً |
|
لأنك ذو ذنب وليس له ذنب |
لقد ضاع ملك الناس إذ ساس ملكهم |
|
|
|
وصيف واشناسٌ وقد عظم الكرب |
|
وفضل ابن مروان يثلم ثلمة |
|
يظلّ لها الاسلام ليس له شعب |
وحدث ميمون بن هارون قال : لما مات المعتصم قال محمد بن عبد الملك الزيات يرثيه :
قد قلت إذ غيبوه وانصرفوا |
|
في خير قبر لخير مدفون |
لن يجبر الله امة فقدت |
|
مثلك إلا بمثل هارون |
فقال دعبل يعارضه :
قد قلت إذ غيبوه وانصرفوا |
|
في شرّ قبر لشرّ مدفون |
إذهب إلى النار والعذاب فما |
|
خلتك إلا من شياطين |
ما زلت حتى عقدت بيعة من |
|
أضرّ بالمسلمين والدين |
ودخل عبد الله بن طاهر على المأمون فقال له المأمون : أي شيء تحفظ يا عبد الله لدعبل ، فقال احفظ ابياتاً له في أهل بيت أمير المؤمنين ، قال : هاتها ويحك ، فانشده عبد الله قول دعبل :
سقياً ورعياً لأيام الصبابات |
|
أيام أرفل في أثواب لذاتي |
ايام غصني رطيب من ليانته |
|
أصبو إلى خير جارات وكنات |
دع عنك ذكر زمان فات مطلبه |
|
|
|
واقذف برجلك عن متن الجهالات |
|
واقصد بكل مديح انت قائله |
|
|
|
نحو الهداة بنى بيت الكرامات |
|
فقال المأمون : انه قد وجد والله مقالاً ونال ببعيد ذكرهم ما لا يناله في وصف غيرهم ، ثم قال المأمون : لقد أحسن في وصف سفر سافره فطال ذلك السفر عليه فقال فيه :
ألم يأن للسفر الذين تحملوا |
|
إلى وطن قبل الممات رجوع |
فقلت ولم أملك سوابق عبرةٍ |
|
نطقن بما ضمّت عليه ضلوع |
تبين فكم دار تفرّق شملها |
|
وشمل شتيتٍ عاد وهو جميع |
كذاك الليالي صرفهن كما ترى |
|
لكل اناس جدبة وربيع |
ثم قال : ما سافرتُ قط إلا كانت هذه الأبيات نصب عيني في سفري وهجيرتي ومسيلتي حتى أعود .
قال ابن قتيبه في « الشعر والشعراء » وهو القائل :
يموتُ رديُّ الشعر من قبل أهلِه |
|
وجيده يحيا وإن مات قائله |
وهو القائل :
إن من ضنّ بالكنيف عن الضيفِ بغير الكنيف كيف يجودُ |
||
ما رأينا ولا سمعنا بحُشٍّ |
|
قبل هذا لبابهِ إقليد |
ان يكن في الكنيف شيء تخبّا |
|
هُ فعندي إن شئت فيه مزيد |
وكان ضيفاً لرجل فقام لحاجتة فوجد باب الكنيف مغلقاً ، فلم يتهيّأ فتحه حتى أعجله الأمر .
وفي معجم الادباء قال : (١) ومما يختار من شعر دعبل قصيدته العينية التي رثى بها الحسين عليه السلام قال :
رأس ابن بنت محمد ووصيه |
|
يا للرجال على قناة يُرفع |
والمسلمون بمنظر وبمسمع |
|
لا جازع من ذا ولا متخشع |
ايقظت اجفانا وكنت لها كرى |
|
وانمت عيناً لم تكن بك تهجع |
كحلت بمنظرك العيون عماية |
|
واصمّ نعيك كل اذن تسمع |
ما روضة إلا تمنت انها |
|
لك مضجع ولخط قبرك موضع |
ويمدح الإمام أمير المؤمنين ويذكر تصدقه بالخاتم في صلاته ونزول قوله تعالى ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) .
نطق القرآن بفضل آل محمد |
|
وولايةٍ لعليّه لم تُجحَد |
بولاية المختار من خير الذي |
|
بعد النبي الصادق المتودد |
إذ جاءه المسكين حال صلاته |
|
فامتدّ طوعاً بالذراع وباليد |
فتناول المسكين منه خاتماً |
|
هبة الكريم الاجودين الاجود |
__________
(١) جزء ١١ ـ وفي الديوان ص ٢٣٢ .
ادب الطف ( ٢٠ )
فاختصه الرحمان في تنزيله |
|
هلا بكيت لمن بكاه محمدُ (٢) |
إن الإله وليكم ورسوله |
|
والمؤمنين فمن يشا فليجحد |
يكن الإله خصيمه فيها غداً |
|
والله ليس بمخلففي الموعد |
وقال :
أتسكب دمع العين بالعبرات |
|
وبتَ تقاسي شدة الزفرات (١) |
وتبكى لآثارٍ لآل محمد ؟ ! |
|
فقد ضاق منك الصدر بالحسرات |
ألا فابكهم حقاً وبلِّ عليهمُ |
|
عيوناً لريب الدهر منسكبات |
ولا تنس في يوم الطفوف مصابهم |
|
وداهيةً من أعظم النكبات |
سقى الله أجداثاً على أرض كربلا |
|
مرابيع أمطار من المزنات |
وصلى على روح الحسين حبيبه |
|
قتيلاً لدى النهرين بالفلوات |
قتيلاً بلا جرم فجعنا بفقده |
|
فريداً يُنادي : أين أين حماتي ؟ ! |
أنا الظامىء العطشان في أرض غربة |
|
قتيلاً ومظلوماً بغير تراب |
وقد رفعوا رأس الحسين على القنا |
|
وساقوا نساءً ولُّهاً خفرات |
فقل لابن سعد : عذب الله روحه |
|
ستلقى عذاب النار باللعنات |
سأقنت طول الدهر ما هبت الصبا |
|
وأقنتُ بالآصال والغدوات |
على معشر ضلوا جميعاً وضيعوا |
|
مقال رسول الله بالشبهات |
وقال :
ان كنت محزوناً فما لك ترقد |
|
هلا بكيت لمن بكاه محمدُ (٢) |
هلا بكيت على الحسين وأهله ؟ |
|
إن البكاء لمثلهم قد يحمدُ |
لتضغضغ الإسلام يوم مصابه |
|
فالجود يبكي فقده والسودد |
فلقد بكته في السماء ملائكٌ |
|
زهرٌ كرام راكعون وسجدُ |
__________
(١) الغدير ج ٢ ص ٣٨١
(٢) الغدير ج ٢ ص ٣٨٢
أنسيت إذ صارت إليه كتائب |
|
فيها إبن سعد والطغاة الجحد ؟ |
فسقوه من جرع الحتوف بمشهد |
|
كثر العداة به وقلَّ المسعد |
لم يحفظوا حق النبي محمدٍ |
|
إذ جرّعوه حرارةً ما تبرد |
قتلوا الحسين فأثكلوه بسبطه |
|
فالثكل من بعد الحسين مبرَّد |
كيف القرار ؟! وفي السبايا زينب |
|
تدعو بفرط حرارة : يا أحمد |
هذا حسينٌ بالسيوف مبضَّع |
|
متلطخ بدمائه مستشهد |
عار بلا ثوب صريع في الثرى |
|
بين الحوافر والسنابك يقصد |
والطيبون بنوك قتلى حوله |
|
فوق التراب ذبائح لا تُلحد |
يا جد قد منعوا الفرات وقتَّلوا |
|
عطشاً فليس لهم هنالك مورد |
يا جد من ثكلى وطول مصيبتي |
|
ولما أُعافيه أقوم وأقعد |
وقال :
جاؤا من الشام المشومة أهلها |
|
للشوم يقدم جندهم ابليسُ |
لُعنوا وقد لُعنوا بقتل إمامهم |
|
تركوه وهو مبضع مخموس |
وسُبوا فوا حزني بنات محمد |
|
عبرى حواسر ما لهن لبوس |
تباً لكم يا ويلكم أرضيتمُ |
|
بالنار ؟ ذلَّ هنالك المحبوس |
بعتم بدنيا غيركم جهلاً بكم |
|
عزَّ الحياة وانه لنفيس |
أخزى بها من بيعةٍ أمويةٍ |
|
لُعنت وحظ البايعين خسيس |
بؤساً لمن بايعتم وكأنني |
|
بإمامكم وسط الجحيم حبيس |
يا آل أحمد ما لقيتم بعده ؟ |
|
من عصبة هم في القياس مجوس |
كم عبرة فاضت لكم وتقطعت |
|
يوم الطفوف على الحسين نفوس |
صبراً موالينا فسوف نديلكم |
|
يوماً على آل اللعين عبوس |
ما زلت متبعاً لكم ولأمركم |
|
وعليه نفسي ما حييت أسوس |
الشاعر
ولد سنة ١٤٨ ومات سنة ٢٤٦ هـ وعاش سبعا وتسعين سنة ٩٧ ، قال أبو الفرج الأصبهاني توفي بقرية من نواحي السوس ودفن بتلك القرية وكان صديقاً للبحتري ـ وأبو تمام حبيب بن اوس قد مات قبله فرثاهما البحتري بقوله :
قد زاد في كلفى وأوقد لوعتي |
|
مثوى حبيب يوم مات ودعبلِ |
جَدث على الأهواز يبعد دونه |
|
مسرى النعيِّ ورمّة بالموصل |
كان دعبل شاعراً مفلقاً مخلصاً في ولاء أهل البيت عليهم السلام ، ومن محاسنه أنه لا يرغب في مدح الملوك ولكثرة طعنه في أعداء أهل البيت أصبح مرهوب اللسان تخاف هجاءه الملوك . قال ابراهيم بن المدبّر لقيت دعبل بن علي الخزاعي فقلت له أنت أجسر الناس عندي وأقدمهم حيث تقول :
إني من القوم الذين سيوفهم |
|
قتلت أباك وشرّفتك بمقعد |
رفعوا محلك بعد طول خموله |
|
واستنقذوك من الحضيض الاوهد |
ـ يشير إلى قصة طاهر الخزاعي وقتله الأمين اخا المأمون ـ فقال : يا ابا اسحاق انا احمل خشبتي منذ اربعين سنة فلا اجد من يصلبني عليها .
وذكر أبو الفرج الاصبهاني في الاغاني ج ١٨ ص ٤٤ قال الجاحظ
سمعت دعبل بن علي يقول : مكثت نحو ستين سنة ليس من يوم ذرّ شارقه إلا وأنا اقول فيه شعراً .
حدث محمد بن القاسم بن مهرويه قال كنت مع دعبل بالضميرة وقد جاء نعي المعتصم وقيام الواثق ، فقال لي دعبل : امعك شيء تكتب فيه فقلت نعم واخرجت قرطاساً فأملى عليّ بديهاً :
الحمد لله لا صبرٌ ولا جَلَبُ |
|
ولا عزاء إذا أهل البلا رقدوا |
خليفة مات لم يحزن له أحد |
|
وآخر قام لم يفرح به أحد |
ولدعبل من هذا النوع كثير ولكنه ضاع ولم يبق إلا القليل النادر ، قال عبد الحسيب طه : ولو وَصلَنا كله لورثنا أدباً قوياً جريئاً يمثل نفس دعبل وقوتها وجرأتها .
٤ ـ الحسين بن الضحاك
ومما شجا قلبي وأوكف عبرتي |
|
محارمُ من آل النبي استحلتِ |
ومهتوكة بالطف عنها سجوفها |
|
كعَاب كقرن الشمس لما تبدّتِ |
إذا حفزتها روعة من منازع |
|
لها المرط عاذت بالخضوع ورنت |
وربّاتِ خدرٍ من ذوابة هاشم |
|
هتفن بدعوى خير حيٍّ وميت |
أردّ يداً مني إذا ما ذكرته |
|
على كبد حرّى وقلب مفتت |
فلا بات ليل الشامتين بغبطة |
|
ولا بلغت آمالها ما تمنت |
وقوله من قصيدة كما في الطليعة :
هتكوا بحرمتك التي هتكت |
|
حرم الرسول ودونها السُّجفُ |
سلبت معاجرهن واختلست |
|
ذات النقاب ونوزع الشنف |
قد كنت كهفاً يُستظل به |
|
ومضى فلا ظل ولا كهف |
قال السيد الامين في الأعيان : يمكن أن يستدل على تشيعه بما نسبه اليه جماعة انه قال في رثاء الحسين عليه السلام وقد ذكرناه نحن في الدر النضيد ولا ندري الآن من أين نقلناه
أقول والظاهر ان السيد نقله عن مثير الاحزان للشيخ ابن نما حيث قال : ويحسن ان نستشهد بشعر الحسين بن الضحاك :
ومما شجا قلبي واوكف عبرتي الأبيات .
الشاعر :
هو ابو علي الحسين بن الضحاك بن ياسر الباهلي المعروف بالخليع أو الخالع . ولد سنة ١٦٢ ومات سنة ٢٥٠ فيكون عمره ٨٨ سنة وقيل بل عمر أكثر من مائة سنة ، وكانت ولادته بالبصرة .
ونشأ بها ثم ارتحل إلى بغداد وأقام بها ، وكانت تلك الإقامة في الأعوام الاخيرة في عهد هارون الرشيد المتوفي سنة ١٩٣ هـ ، فقنع هذا الشاعر بمنادمة صالح بن هارون الرشيد ثم ارتقى إلى منادمة اخيه الأمين فلما تولى الأمين الخلافة كان من ندمائه والمقربين اليه فاجزل عطاياه وأسنى جوائزه .
وقال الحموي في معجم الادباء : الحسين بن الضحاك ، ابو علي . أصله من خراسان ، وهو مولى لولد سليمان بن ربيعة الباهلي الصحابي فهو مولى (١) لا باهلي النسب كما زعم ابن الجراح ، بصري المولد والمنشأ وهو شاعر ماجن ولذلك لقب بالخليع ، وعداده في الطبقة الأولى من شعراء الدولة العباسية المجيدين وكان شاعراً مطبوعاً حسن التصرف في الشعر ، وكان أبو نؤاس يغير على معانيه في الخمر ، فإذا قال فيها شيئاً نسبه الناس إلى ابي نؤاس ، وله غزل كثير أجاد فيه ، فمن ذلك قوله :
وَصف البدر حسن وجهك حتى |
|
خلت أني وما أراك أراكا |
وإذا ما تنفَس النرجس الغضُّ |
|
توهمته نسيم شذاكا |
خدع للمُنى تعللني فيك |
|
بإشراق ذا وبهجة ذاكا |
وقال الحسين بن الضحاك ، وقد عمّر :
أصبحتُ من أُسراء الله من محتسباً |
|
في الارض نحو قضاء الله والقدرِ |
إن الثمانين إذ وُفّـيتُ عِدّتَها |
|
لم تُبْقِ باقيةً منى ولم تذر |
يقول الحموي : والاصل في قول الحسين بن الضحاك هذا ، الحديث الذي
__________
(١) مولى : مملوك
رواه ابن قتيبة في غريب الحديث قال . حدثنا ابو سفيان الغنوي حدثنا معقل ابن مالك عن عبد الرحمن بن سليمان عن عبيد الله بن أنس عن انس عن النبي ( ص ) قال : اذا بلغ العبد ثمانين سنةً فانه أسير الله في الارض ، تُكتَبُ له الحسنات وتُمحى عنه السيئات .
اقول وجاء عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : إن الله ليكرم ابناء السبعين ويستحي من ابناء الثمانين فيأمر بأن تكتب لهم الحسنات وتُمحى عنهم السيئات ويقول هم اُسرائي في الارض وما اجمل ما قيل :
وهتْ عزماتك عند المشيب |
|
وما كان من حقها أن تهي |
وأنكرتَ نفسك لما كُبرت |
|
فلا هي أنتَ ، ولا انت هي |
ومن شعر أبناء الثمانين قول احدهم :
ضعفتُ ومَن جاز الثمانين يضعف |
|
وينكر منه كلما كان يعرفُ |
ويمشي رويداً كالاسير مقيداً |
|
تداني خُطاه في الحديد ويرسف |
وقال الآخر :
قالت أنينُك طولَ الليل يزعجنا |
|
فما الذي تشتكي ، قلت الثمانينا |
وقال الآخر :
إن الثمانين وبُلّغتها |
|
قد أحوجت سمعي الى ترجمان |
له ديوان شعر طبع في دار الثقافة ببيروت فمن قوله في قبيح الوجه ( سابور ) :
ويحك ما اخسّك بل أخصّك بالعيوبِ |
|
|
|
وجهٌ قبيحٌ في التبسم كيف يحسن في القطوب |
|
وله في الغزل شعر كثير وفي رثاء الامين وغيره من بني العباس . ترجم له في كتاب وفيات الاعيان لابن خلكان . قال : ومن محاسن شعره
صِلْ بخدى خديك تلق عجيباً |
|
من معانٍ يجاد فيها الضميرُ |
فبخدِّيك للربيع رياض |
|
وبخدّي للدموع غدير |
وله ايضاً :
أيا من طرفه سحرُ |
|
ويا من ريقه خمرُ |
تجاسرت فكاشفتكَ |
|
لما غلب الصبرُ |
وما أحسن في مثلك |
|
أن ينهتك السرّ |
فان عنفني الناس |
|
ففي وجهك لي عذر |
وذكر في كتاب الاغاني ان هذه الابيات انشدها ابو العباس ثعلب النحوي للخليع ابن الرضا وقال ما بقي من يحسن ان يقول مثل هذا ، وله ايضا :
إذا خنتموا بالغيب عهدي فما لكم |
|
تدلّون إدلال المقيم على العهدِ |
صلوا وافعلوا فعل المدلّ بوصله |
|
وإلا فصدوا وافعلوا فعل ذي صدِّ |
٥ ـ عبد الله ابن المعتز (١)
المولود سنة ٢٤٧ هـ .
المتوفى سنة ٢٩٦ هـ . ـ ٩٠٨ م .
شجاك الحيُّ إذ بانوا |
|
فدمع العين تهتانُ |
وفيهم العسُ أغيدُ ، ساجي الطرف وسنان (١) |
||
ولم أنس ، وقد زُمّت |
|
لو شك البين أضعان |
وقد أسهبني فاهُ |
|
وولَّى وهو عجلان |
فقل في مكرَع عذبٍ |
|
وقد وافاه عطشان |
وضمٍّ لم تحسنهُ |
|
له في الريح أغصان |
كما ضمّ غريق سابحاً ، والماءُ طوفان |
||
وما خفنا من الناسِ |
|
وهل في الناس إنسان |
جَزَينا الامويـّين |
|
ودنّاهم كما دانوا |
وذاقوا ثَمرَ البغي |
|
وخِنّاهم كما خانوا |
وللخير وللشرِّ |
|
بكفِّ الله ميزان |
ولولا نحن قد ضاعَ |
|
دمٌ بالطف مجّانُ (٢) |
فيا مَن عنده القبرُ |
|
وطينُ القبرُ قربانُ |
باسيافٍ لكم أودى |
|
حسينٌ وهو ظمآن |
يُرى في وجهه الجهمِ |
|
لوجه الموت ألوان |
__________
(١) عن الديوان
(٢) العس : في شفتيه سواد ، والاغيد : المائل العنق ، اللين الاعطاف . ساجي : ساكن .
ودأب العلويين |
|
لهم جحدٌ وكُفران |
فهلّا كان إمساكٌ |
|
اذا لم يكُ إحسان |
يلومونهم ظلماً |
|
فهلَّا مثلَهم كانوا |
ويقول في مدح الامام علي عليه السلام ورثاء الحسين :
« أآكل لحمي »
رَثيت الحجيج ، فقال العداة |
|
سبَّ علياً وبيت النبي |
أآكل لحمي ، وأحسو دمي ! |
|
فيا قوم للعجب الأعجب ! |
علي يظننون بي بُغضه ، |
|
فهلا سوى الكفر ظنوه بي ؟ |
إذاً لاسقتني غداً كفه |
|
من الحوض والمشرب الأعذبِ |
سُببت ، فمن لامني منهم ، |
|
فلست بمُرضٍ ولا مُعتبِ |
مُجلّي الكروبِ ، وليث الحروبِ ، في الرّهج الساطع الأهيب |
||
وبحر العلوم ، وغيظ الخصوم |
|
متى يصطرع وهمُ يغلبِ |
يُقلّب في فمه مقولاً ، |
|
كشقشقة الجمل المُصعب (١) |
وأول من ظل في موقف ، |
|
يصلي مع الطاهر الطيبِ |
وكان أخاً لنبي الهدى ، |
|
وخُص بذاك ، فلا تكذب |
وكفؤاً لخير نساء العباد |
|
ما بين شرقٍ الى مغربِ |
وأقضى القضاة لفصل الخطاب |
|
والمنطق الأعدل الأصوبِ |
وفي ليلة الغار وقىّ النبي ، |
|
عشاءً إلى الفلق الأشهبِ |
وبات ضجيعاً به في الفراش |
|
موطن نفس على الأصعب |
وعمرو بن عبدٍ وأحزابه ، |
|
سقاهم حسا الموت في يثربِ |
__________
(١) الرهج الساطع : الغبار المنتشر .
(٢) الشقشقة : شيء كالرئة يخرجه البعير من فمه اذا هاج .
وسل عنه خيبر ذات الحصونِ |
|
تخبّرك عنه وعن مرحبِ |
وسبطاه جدهما أحمد |
|
فبخ لجدهما والأبِ |
ولا عجب غير قتل الحسين |
|
ظمآن يقصى عن المشربِ |
فيا أسداً ظل بين الكلاب |
|
تنهّشه دامي المخلبِ |
لئن كان روَّعنا فقده |
|
وفاجأ من حيث لم يحسب |
كم قد بكينا عليه دماً |
|
بسمر مثقفة الأكعبِ |
وبيضٍ صوارم مصقولة |
|
متى يمتَحن وقعها تشربِ |
وكم من شعارٍ لنا باسِمه |
|
يُجدد منها على المذنبِ |
وكم من سواد حددنا به |
|
وتطويل شعر على المنكب |
ونوحٍ عليه لنا بالصهيل |
|
وصلصلة اللجم في مِنقبِ |
وذاك قليل له من بني |
|
أبيه ومنصبه الأقربِ |
وقوله تحت عنوان ، لو أنه لأبيه :
من دام هجو عليّ |
|
فشعره قد هجاه |
لو أنه لأبيه |
|
ما كان يهجو أباه (١) |
الشاعر :
ابو العباس عبد الله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي اخذ الادب عن ابي العباس المبرد وابي العباس ثعلب وغيرهما ، قال ابن خلكان كان اديبا بليغا شاعراً مطبوعا مقتدراً على الشعر قريب المأخذ سهل اللفظ جيد القريحة حسن الابداع للمعاني الى ان جرت له الكائنة في خلافة المقتدر واتفق معه جماعة من رؤساء الاجناد ووجوه الكتاب فخلعوا المقتدر يوم السبت لعشر
__________
(١) عن ديوانه .
بقين وقيل لسبع بقين من شهر ربيع الاول سنة ست وتسعين ومائتين وبايعوا عبد الله المذكور ولقبوه المرتضى بالله واقام يوما وليلة ثم ان اصحاب المقتدر تحزبوا وتراجعوا وحاربوا اعوان ابن المعتز وشتتوهم واعادوا المقتدر الى دسته واختفى ابن المعتز في دار ابن الجصاص التاجر الجوهري فأخذه المقتدر وسلمه الى مؤنس الخادم الخازن فقتله وسلمه الى اهله ملفوفا في كساء ، وذلك يوم الخميس ثاني شهر ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائتين ، ودفن في خرابة بازاء داره ، ومولده لسبع بقين من شعبان سنة سبع واربعين ومائتين .
وجاء في مقدمة ديوانه المطبوع في دار صادر ببيروت سنة ١٣٨١ هـ : عبد الله بن المعتز ، الخليفة العباسي ، ولد في بغداد ونشأ فيها ، وثار الرؤساء للجند والكتاب فخلعوا المقتدر وجعلوا ابن المعتز مكانه وبايعوه بالخلافة ولقّبوه المرتضى بالله ، غير ان خلافته لم تدم إلا يوماً وليلة ، ذاك بأن انصار المقتدر لم يلبثوا أن تغلبوا على انصاره وفتكوا بهم وأعادوا صاحبهم الى عرشه ، ففرّ ابن المعتز واختبأ كما ذكرنا سابقاً .
اقتبس ابن المعتز آداب العرب وعلومهم من ابي العباس المبرّد وابي العباس ثعلب فخرج شاعراً مطبوعا جيد القريحة ، وكانت حياته حياة انس وطرب ، ومعازف وقيان فظهرت صور هذه في شعره .
قال صاحب روضات الجنات ، وكان ذا نُصب وعداوة شديدة مع اهل البيت عليهم السلام ، وذكر له ابن خلكان عدة مؤلفات منها طبقات الشعراء ، ومنها كتاب الزهر والرياض ، وكتاب البديع ، وكتاب مخاطبات الاخوان بالشعر ، وكتاب اشعار الملوك ، وكان يقول : لو قيل لي ما احسن شعر تعرفه لقلتُ قول العباس بن احنف :
قد سحب الناس اذيال الظنون بنا |
|
وفرّق الناس فينا قولهم فرقا |
فكاذب قد رمى بالظن غيركم |
|
وصادق ليس يدرى انه صادقا |
ومن شعره :
« طار نومي »
طار نومي ، وعاود القلب عيدُ |
|
وأبى لي الرّقادَ حزن شديد (١) |
جلّ ما بي ، وقل صبري ففي قلـ |
|
ـبي جراح ، وحشو جفني السهود |
سهر يفتق الجفون ، ونيران |
|
تلظى ، قلبي لهنّ وقود |
لامني صاحبي ، وقلبي عميدٌ |
|
أين مما يريده ما أُريد |
شيَّبتني ، وما يشيّبني السن |
|
هموم تتري ، ودهر مريد |
فتراني مثل الصحيفة قد أخلصها |
|
عند صقلها ترديد |
أين إخواني الأولى كنت أصفيهم |
|
ودادي ، وكلهم لي ودود |
شردتهم كف الحوادث والأيام |
|
من بعد جمعهم تشريد |
فلقد أصبحوا ، وأصبحت منهم |
|
كلخاء أستلُّ منه العود (٢) |
هل لدنيا قد أقبلت نحونا دهراً |
|
فصدّت ، وليس منا صدود |
مَن معاد أم لا مُعادَ لدينا |
|
فأسل عنها فكل شيء يبيد |
ربما طاف بالمدام علينا |
|
عسكري كغصن بانٍ يميد |
أكرع الكرعة الرويّة في الكأس ، وطرفي بطرفه معقود |
||
أيها السائلي عن الحسب الأطيب ما فوقه لخلقٍ مزيد |
||
نحن آل الرسول والعترة الحق وأهل القربى فماذا تريد |
||
ولنا ما أضاء صبحٌ عليه |
|
وأتته آيات ليل سود |
وملكنا رقّ الامامة ميراثاً |
|
فمن ذاعنّا بفخر يجيد |
وأبونا حامي النبي ، وقد أدبر من تعلمون ، وهو يذود |
__________
(١) العيد : ما اعتادك من مرض او حزن او هم ونحو ذلك .
(٢) اللخاء : قشر العود .
ذاك يوم إستطار بالجمع ردع |
|
في حنين ، وللوطيس وقود |
كان فيهم منا المكاتم إيماناً |
|
وفرعونُ غافل والجنود |
رسل القوم حين لدّوا جميعاً |
|
غيره ، كيف فُضِّلَ الملدود (١) |
ومن شعر ابن المعتز قصيدته التي يهجو بها الطالبيين ويتحامل على العلويين وهي مثبتة في ديوانه تتكون من اربعين بيتاً ، فردّ عليه انصار العلويين ومنهم تميم بن معدّ الفاطمي المتوفى ٣٧٤ نظم قصيدته التي أولها :
يا بني هاشم ولسنا سواء |
|
في صغار من العلى وكبار |
وكانت هذه القصيدة رداً على قصيدة ابن المعتز التي أولها :
أي رسم لآل هند ودارِ |
|
درسا غير ملعب ومنارِ |
ومنهم القاضي التنوخي (٢) بقصيدته التي رواها الشيخ الاميني في موسوعته عن كتاب ( الحدائق الوردية ) كما جاء ذكرها في ( نسمة السحر ) ومنها
من ابن رسول الله وابن وصيه |
|
الى مدغل (٣) في عقدة الدين ناصبِ |
نشأ بين طنبورٍ وزقٍ ومزهر |
|
وفي حجر شاد أو على صدر ضارب |
ومن ظهر سكران الى بطن قينة |
|
على شبه في ملكها وشوائب |
بعيب عليا خير من وطىء الحصا |
|
واكرم سارٍ في الانام وسارب |
ويزرى على السبطين سبطى محمد |
|
فقل في حضيض رام نيل الكواكب |
وينسب افعال القراميط كاذباً |
|
الى عشرة الهادي الكرام الاطائب |
الى معشر لا يبرح الذم بينهم |
|
ولا تزدرى أعراضهم بالمعائب |
__________
(١) لدوا : خاصموا . الملدود : المخاصم .
(٢) هو ابو القاسم علي بن محمد المعروف بالقاضي التنوخي المتوفى سنة ٣٤٢ من افذاد القرن الرابع الهجري ، له اليد الطولى في كثير من العلوم ، قال الثعالبي : كان يتقلد قضاء البصرة والأهواز بضع سنين . وله عدة تصانيف في مختلف العلوم ، كعلم العروض والقوافي ، وذكر السمعاني واليافعي وابن حجر وصاحب الشذرات له ديوان شعر ، واختار منه الثعالبي ما ذكر من شعره .
(٣) ادغل في الامر : افسد فيه .
اذا ما انتدوا كانوا شموس بيوتهم |
|
وان ركبوا كانوا بدور الركائب |
وإن عبسوا يوم الوغى ضحك الردى |
|
وإن ضحكوا أبكوا عيون النوادب |
نشوا بين جبريل وبين محمد |
|
وبين علي خير ماش وراكب |
وزير النبي المصطفى ووصيه |
|
ومشبهه في شيمة وضرائب |
ومن قال في يوم الغدير محمد |
|
وقد خاف من غدر العداة النواصب |
أما انني أولى بكم من نفوسكم |
|
فقالوا بلى ، قول المريب الموارب |
فقال لهم : من كنت مولاه منكم |
|
فهذا اخي مولاه بعدي وصاحبي |
اطيعوه طراً فهو مني بمنزلي |
|
كهرون من موسى الكليم المخاطب |
ومنها :
وقلت : بنو حرب كسوكم عمائماً |
|
من الضرب في الهامات حمر الذوائبِ |
صدقتَ منايانا السيوف وإنما |
|
تموتون فوق الفرش موت الكواعب |
ونحن الاولى لا يسرح الذمُ بيننا |
|
ولا تَدّري أعراضنا بالمعائب |
وما للغواني والوغى فتعوّذوا |
|
بقرع المثاني من قراع الكتائب |
ويومُ حنين قلت حزنا فخاره |
|
ولو كان يدرى عدّها في المثالب |
أبوه مناد والوصي مضارب (١) |
|
فقل في منادٍ صيّتٍ ومضارب |
وجئتم من الاولاد تبغون إرثه |
|
فأبعد بمحجوب بحاجب حاجب |
وقلتم : نهضنا ثائرين شعارنا |
|
بثارات زيد الخير عند التحارب |
فهلا بابراهيم كان شعاركم |
|
فترجع دعواكم تَعلَّةَ خائب |
ومنها :
فكم مثل زيد قد أبادت سيوفكم |
|
بلا سبب غير الظنون الكواذب |
ما حمل المنصور من أرض يثرب |
|
بدور هدى تجلو ظلام الغياهبِ |
وقطعتم بالبغى يوم محمد |
|
قرائن أرحام له وقرائب |
__________
(١) يريد العباس وعلياً امير المؤمنين عليه السلام .
وفي ارض باخمرا مصابيح قد ثوت |
|
متربة الهامات حمر الترائب |
وغادر هاديكم بفخ طوائفاً |
|
يُغاديهم بالقاع بقع النواعب |
وهارونكم أودى بغير جريرة |
|
نجوم تقى مثل النجوم الثواقب |
ومأمونكم سمّ الرضا بعد بيعة |
|
تهدّ ذرى شمِّ الجبال الرواسب |
فهذا جواب للذي قال : ما لكم |
|
غضاباً على الاقدار يا آل طالب |
واليكم قصيدة الشاعر صفي الدين من شعراء القرن الثامن وستأتي ترجمته في هذه الموسوعة ، والقصيدة من غرر الشعر :
الشاعر صفي الدين الحلي المولود سنة ٦٧٧ والمتوفي ٧٥٢ يردّ على قصيدة ابن المعتز العباسي التي أولها :
ألا مَن لعين وتسكابها |
|
تكيّ القذا وبكا هابها |
ترامت بنا حادثات الزمان |
|
ترامي القسي بنشابها |
ويا رب ألسنة كالسيوف |
|
تقطَع ارقابَ اصحابها |
ويقول فيها : ـ
ونحن ورثنا ثياب النبي |
|
فكم تجذبون بأهدابها |
لكم رحم يا بني بنتِه |
|
ولكن بنو العم أولى بها |
ومنها : ـ
قتلنا امية في دارها |
|
ونحن أحق بأسلابها |
إذا ما دنوتم تلقّيتمُ |
|
زبوناً أقرّت بجلّابها |
فأجابه الصفي بقوله : ـ
ألا قل لشر عبيد الإله |
|
وطاغي قريش وكذّابها |
وباغي العباد وباغي العناد |
|
وهاجي الكرام ومغتابها |
ادب الطف ( ٢١ )
أأنت تُفاخر آل النبي |
|
وتجحدها فضل أحسابها ؟ |
بكم باهل المصطفى أم بهم |
|
فردّ العداة بأوصابها ؟ |
أعنكم نفي الرجس أم عنهم |
|
لطهر النفوس وألبابها ؟ |
أما الرجس والخمر من دأبكم |
|
وفرط العبادة من دابها ؟ |
وقلت : ورثنا ثياب « النبي » |
|
فكم تجذبون بأهدابها ؟ |
وعندك لا يُوَرثُ الأنبيا |
|
فكيف حظيتم بأثوابها ؟ |
فكذبت نفسك في الحالتين |
|
ولم تعلم الشّهدَ من صابها |
أجدَّك يرضى بما قلته ؟ |
|
وما كان يوماً بمرتابها |
وكان بصفين من حزبهم |
|
لحربِ الطغاة وأحزابها |
وقد شمّر الموت عن ساقه |
|
وكشّرت الحرب عن نابها |
فأقبل يدعو إلى « حيدر » |
|
بارغابها وبارهابها |
وآثر أن ترتضيه الأنام |
|
من الحكمين لأسبابها |
ليعطي الخلافة أهلاً لها |
|
فلم يرتضوه لايجابها |
وصلى مع الناس طول الحياة |
|
و « حيدر » في صدر محرابها |
فهلا تقمّصها جدّكم |
|
إذا كان إذ ذاك أحرى بها ؟ |
إذا جعل الأمر شورى لهم |
|
فهل كان من بعض أربابها ؟ |
أخامسهم كان أم سادساً ؟ |
|
وقد جليت بين خطّابها |
وقولك : أنتم بنو بنته |
|
ولكن بنو العم أولى بها |
بنو البنت ايضاً بنو عمه |
|
وذلك أدنى لأنسابها |
فدع في الخلافة فصلَ الخلاف |
|
فليست ذلولاً لركّابها |
وما أنتَ والفحص عن شأنها |
|
وما قمّصوك بأثوابها |
وما ساورتك سوى ساعة |
|
فما كنتَ أهلاً لأسبابها |
وكيف يخصّوك يوماً بها ؟ |
|
ولم تتأدّب بآدابها |
وقلت : بأنّكم القاتلون |
|
أُسود أُمية في غابها |
كذبتَ وأسرفت فيما أدّعيت |
|
ولم تنهَ نفسك عن عابها |
فكم حاولتها سُراةٌ لكم |
|
فردّت على نكصِ أعقابها |
ولولا سيوف أبي مسلم |
|
لعزّت على جهد طلّابها |
وذلك عبدٌ لهم لا لكم |
|
رعى فيكم قُربَ أنسابها |
وكنتم اسارى ببطن الحبوس |
|
وقد شفَّكم فضلَ جلبابها |
فأخرجكم وحباكم بها |
|
وقمَّصكم فضلَ جلبابها |
فجازيتموه بشرِّ الجزاء |
|
لطغوى النفوس وإعجابها |
فدع ذكر قوم رضوا بالكفاف |
|
وجاؤا الخلافة من بابها |
هم الزّاهدون هم العابدون |
|
هم الساجدون بمحرابها |
هم الصائمون هم القائمون |
|
هم العالمون بآدابها |
هُم قطب ملّة دين الإله |
|
ودور الرحى حول أقطابها |
عليك بلهوكَ بالغانيات |
|
وخلّ المعالي لأصحابها |
ووصف العذارى وذات الخمار |
|
ونعت العقار بألقابها |
وشعرك في ومدح ترك الصلاة |
|
وسعي السّقاة بأكوابها |
فذلك شأنك لا شأنهم |
|
وجري الجياد بأحسابها |
ومن شعره :
بلوتُ أخلّاء هذا الزمان |
|
فاقللت بالهجر منهم نصيبي |
وكلهم إن تصفحتهم |
|
صديق العيان عدو المغيب |
ويقول :
يقولون لي ، والبعد بيني وبينها |
|
|
|
نأت عنك شرٌ ، وانطوى سببُ القرب |
|
فقلت لهم ، والسر يظهره البكا |
|
|
|
لئن فارقت عيني ، فقد سكنت قلبي |
|
وقوله :
أهدت إليّ صحيفة مكتوبة |
|
أرضت بها سخط الضمير العاتبِ |
يا ليتني ضمّنت طيّ جوابها |
|
حتى أُقبّلَ كف ذاك الكاتبِ |
وقوله :
أيا من حسنه عذر اشتياقى |
|
ويحسن سوء حالي في سواهُ |
أعنّي بالوصال فدتك نفسي |
|
فقد بلغ الهوى بي منتهاه |
٦ ـ الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس ابن علي بن ابي طالب عليه السلام :
قال وهو يرثي جده العباس بن علي ( ع ) :
اني لأذكر للعباس موقفه |
|
بكربلاءَ وهام القوم تُختطفُ |
يحمي الحسين ويسقيه على ظمأ |
|
ولا يوَلّي ولا يثنى ولا يقف |
ولا أرى مشهداً يوماً كمشهده |
|
مع الحسين عليه الفضل والشرف |
أكرم به مشهداً بانت فضيلته |
|
وما أضاع له افعاله خلف (١) |
وفي معجم الشعراء للمرزباني ص ١٨٤ :
أكرم به سيداً بانت فضيلته |
|
وما أضاع له كسب العلا خلف |
وقال ابو الحسن العمري في المجدي : وجدت ابيات لأبي العباس الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن امير المؤمنين في جده العباس وهي : إني لأذكر للعباس موقفه .
وقال المرزباني في معجم الشعراء ص ١٨٤ :
الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي ابن ابي طالب شاعر مقلّ متوكلي ( اي معاصر للمتوكل ) . وقال هو وغيره :
__________
(١) اعيان الشيعة ج ٤٢ ص ٢٨٢ .
شاعر مقل ، وكان يشبّه بعلي بن ابي طالب رضي الله عنه وهو القائل بفخر بجده العباس بن علي ( إني لأذكر للعباس موقفه ) الابيات .
وقال السيد الامين في الاعيان ج ١ ص ٣٧٩ : كان شاعراً في اواسط المائة الثالثة . اقول ويكنى بأبي العباس وكان خطيباً شاعراً وقع عقبه الى قم وطبرستان ، قال الشيخ عبد الواحد المظفر في كتابه البطل العلقمي : الفضل بن محمد الشاعر الفصيح وهو من الشعراء المجيدين في الدولة العباسية ، وجلَّ شعره بمفاخر اسلافه ومجد أُسرته .
وقال الداودى في عمدة الطالب : فمن ولد محمد بن الفضل بن الحسن ابن عبيد الله : هو ابو العباس الفضل بن محمد الخطيب الشاعر له ولد .
اقول اما ابوه محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله فقد كان شاعراً مجيداً ولكنه مقلّ ، وكان معاصراً للمأمون وأدرك عصر المتوكل وكان له قدر وجلالة عندهما . قال ابو نصر البخاري في سر السلسلة العلوية : محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله ، أُمه جعفرية وكان مشهوراً بالجمال . وقال المأمون ما رأيت ذكراً أتمَّ جمالاً من محمد ابن الفضل بن الحسن .
* * *
اقول واذا كان المترجم له من المعاصرين للمتوكل فان المتوكل مات سنة ٢٤٧ هـ اي في اواسط القرن الثالث فكان الانسب ان يكون من شعراء هذا القرن .
٧ ـ البسامي علي بن محمد :
قال ابن خلكان لما هدم المتوكل قبر الحسين بن علي عليه السلام في سنة ٢٢٦ قال البسامي :
تالله إن كانت أُمية قد أتت |
|
قتل ابن بنت نبيها مظلوما |
فلقد اتاه بنو أبيه بمثله |
|
هذا لعمرك قبره مهدوما |
أسفوا على أن لا يكونوا شايعوا |
|
في قتله فتتبعوه رميما |
واورد الطوسي في الامالي ص ٢٠٩ عن عبد الله بن دانية الطوري قال : حججت سنة ٢٤٧ سبع واربعين ومائتين فلما صدرت من الحج وصرت الى العراق زرت أمير المؤمنين علي بن ابي طالب على حال خيفة من السلطان ثم توجهت الى زيارة الحسين فاذا هو قد حرث ارضه وفجر فيها الماء وارسلت الثيران والعوامل في الارض فبعيني وبصري كنت ارى الثيران تساق في الارض فتنساق لهم حتى اذا حاذت القبر حادت عنه يميناً وشمالا فتضرب بالعصى الضرب الشديد فلا ينفع ذلك ولا تطأ القبر بوجه فما امكنني الزيارة فتوجهت الى بغداد وانا اقول ـ تالله ان كانت امية قد اتت ـ الابيات .
الشاعر
في الكنى ابن بسام هو ابو الحسن علي بن محمد بن نصر بن منصور ابن بسام البغدادي المعروف بالبسامي الشاعر المشهور توفي سنة ٣٠٣ وفي الجزء الاول من اعيان الشيعة ان وفاته سنة ٣٠٢ وفي الاعيان ج ٤٢ ان عمره ينيف على السبعين ومن شعره :
إنّ عليا لم يزل محنةً |
|
لرابح الدين ومغبونِ |
أنزله من نفسه المصطفى |
|
منزلة لم تك بالدون |
فارجع الى الاعراف حتى ترى |
|
ما صنع الناس بهارون |
وقال ياقوت الحموي : كان حسن البديهة شاعراً ماضياً أديباً ، وكان مع فصاحته وبيانه لا حظّ له في التطويل ، إنما تحسن مقطعاته وتنذر أبياته وهو من اهل بيت الكتابة ، كان جده نصر بن منصور يتولى ديوان الخاتم والنفقات والازمة في ايام المعتصم .
وفي انساب السمعاني ج ٢ ص ٢١٩ .
البسّاميّ . بفتح الباء الموحدة والسين المهملة المشددة بعدها الالف وفي آخرها الميم ، هذه النسبة الى بسام ، وهو اسم لجد ابي الحسن علي بن محمد بن منصور بن نصر بن بسام الشاعر البسامي ، من اهل بغداد سائر الشعر مشهور عند اهل الأدب ، روى عنه محمد بن يحيى الصولي وابو سهل احمد بن محمد بن زياد القطان وغيرهما ، وقيل طلب البسامي من بعض جيرانه دابة عارية فمنعها فكتب إليه :
بخلت عنا بأدهم عجف |
|
لست تراني ما عشت أطلبه |
فلا تقل صنته فما خلق الله مصونا وأنت تركبه |
مات البسامي في صفر سنة اثنتين وثلاثمائة . قال ياقوت في معجم الادباء : وعلي بن بسام القائل يمدح النحو :
رأيت لسان المرء وافدَ عقله |
|
وعنوانَه فانظر بماذا تُعنْونُ |
فلا تعدُ إصلاح اللسان فانه |
|
يخبّر عما عنده ويبين |
ويعجبني زيُّ الفتى وجماله |
|
فيسقط من عينيّ ساعة يَلحَن |
على أنّ للإعراب حدّاً وربما |
|
سمعت من الاعراب ما ليس يحسن |
ولا خير باللفظ الكريه استماعه |
|
ولا في قبيح اللحن والقصد أزين |
قال الحصري القيرواني في زهر الآداب :
علي بن منصور بن بسام ، مليح المقطعات ، كثير الهجاء خبيثة ، وله حظ التطويل وهو القائل :
ولكم قطعت الياء في ديمومةٍ |
|
نُطفَ المياه بها سواد الناظرِ |
في ليلة فيها السماء مزادة |
|
سوداء مظلمة كقلب الكافر |
والبرق يخفق من خلال سحابه |
|
خفق الفؤاد مواعداً من زائر |
والقطر منهمل يسحُّ كأنه |
|
دمع الدموع بإثر إلفٍ سائر |
وقال في العباس لما وزر للمكتفي :
وزارة العباس من نحسها |
|
ستقلع الدولة من أسّها |
شبهته لما بدا مقبلا |
|
في حلل يخجل من لُبسها |
جارية رعناء قد قدّرت |
|
ثياب مولاها على نفسها |
وقال في علي بن يحيى المنجم يرثيه :
قد زرت قبرك يا علي مسلماً |
|
ولك الزيارة من أقلّ الواجب |
ولو استطعت حملت عنك ترابه |
|
فلطالما عني حملت نوائبي |
وكان مولعاً بهجاء أبيه وفيه يقول وقد ابتنى دارا :
شِدت داراً خلتها مكرمةً |
|
سلّط الله عليها الغرقا |
وأرانيك صريعاً وسطها |
|
وأرانيها صعيدا زلقا |
ذكر ابو الفداء في البداية والنهاية ان الماء لما أُجري على قبر الحسين عليه السلام ليمحي أثره جاء أعرابي من بني اسد فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمها حتى وقع على قبر الحسين فبكى وقال : بأبي أنت وأُمي ما كان أطيبك وأطيب تربتك ، ثم أنشأ يقول :
أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه |
|
وطيب تراب القبر دلّ على القبر |
وقريب منه قول المهيار الديلمي :
كأن ضريحك زهر الربيع |
|
مرّ عليه نسيم الخريفِ |
أنشّرك ما حمل الزائرون |
|
أم المسك خالط تربَ الطفوف |
٨ ـ الصقر الموصلي :
لا تذكرنّ لي الديار بلا قعا |
|
أخشى على قلبي يسيل مدامعا |
ومرابعا أقوت وكانت للورى |
|
مأوى النزيل مصايفاً ومرابعا |
أودى الزمان بها وودت مهجتي |
|
منها وفيها لو تقيم أضالعا |
يا من به امتحن الإله عباده |
|
مَن كان منهم عاصيا أو طائعا |
اني لاعجب من معاشر عصبةٍ |
|
جعلوك في عدد الخلافة رابعا |
ومنها والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم :
لو أن عينك عاينت بعض الذي |
|
ببنيك حلّ اذاً رأيت فظائعا |
أما ابنك الحسن الزكي فانه |
|
لما مضيت سقوه سماً ناقعا |
هروا به كبداً لديك كريمة |
|
منه وأحشاءً به وأضالعا |
وسقوا حسيناً بالطفوف على ظمأ |
|
كأس المنية فاحتساها جارعا |
قتلوه عطشانا بعرصة كربلاء |
|
وسبوا حلائله وخُلّف ضائعا |
جسدا بلا رأس يمد على الثرى |
|
رجلا له ويلم أُخرى فازعا |
ابو العباس محمد بن احمد الصقر الموصلي :
توفي في حدود ٣٠٥ في الموصل . ذكره في المعالم بعنوان ابي الصقر وفي المناقب بعنوان : الصقر كما في معجم الادباء .
٩ ـ القاسم بن يوسف الكاتب :
سلّم على قبر الحسين وقل له |
|
صلى الإله عليك من قبرِ |
وسقاك صوب الغاديات ولا |
|
زالت عليك روائح تسري |
يا بن النبي وخير أُمته |
|
بعد النبي مقال ذي خُبر |
أصبحت مغتربا بمختلف |
|
للرامسات وواكفِ القطر |
ونأيت عن دار الاحبة واستوطنتَ دار البعد والقفر |
||
بل جنة الفردوس تسكنها |
|
جار النبي ورهطه الزهر |
ماذا تحمل قاتلوك من |
|
الآصار والاعباء الوزر |
خرجوا من الاسلام ضاحية |
|
واستبدلوا بدلا من الكفر |
كتبوا اليك وأرسلوا رسلاً |
|
تترى بما وعدوا من النصر |
أعطوك بيعتهم وموثقهم |
|
بالله بين الركن والحجْر |
حتى اذا أصرختَ دعوتهم |
|
طلباً لوجه الله والاجر |
وخرجت محتسباً لتحيي ما |
|
قد مات من سنن الهدى الدثر |
ختروا مواثقهم وعهدهم |
|
لا يرهبون عواقب الختر |
ركنوا الى الدنيا فلم يئلوا |
|
فيها الى حظٍ ولا وفر |
جعلوا سمية منكم خلفاً |
|
وبني أُمية حاملي الإصر |
قتلوك واتخذوهم سَتراً |
|
ما دون علم الله من ستر |
فأبادهم سيف الفناء بأ |
|
يدي الظالمين بذلك الوتر |
يجدون بالمرصاد ربهم |
|
بُعداً لأهل النكثِ والغدر |
أبني سمية أنتم نفر |
|
ولدُ البغايا غير ما نكر |
قلتم عبيد لا نقرُّ به |
|
ونقرّ بالعيّاب والعهر |
منكم بشط الزاب مجترز |
|
للغاسلات العبس والبسر |
ولكم مصارع مثل مصرعه |
|
ما حَنّ ذو وكر الى وكر |
وبنو أُمية سومروا تلفاً |
|
بالمشرفية والقنا السمر |
هُشموا بها شمةٍ وحاقَ بهم |
|
ما قدموا من سيء المكر |
ولهم فلا فوت ولا عجلٌ |
|
أمثالها في غابر الدهر |
في محكمات الذكر لعّنهم |
|
فيها روى العلماء من ذكر |
منهم معاوية اللعين ومروان |
|
الضنين وشارب الخمر |
والابتر السهمي رابعهم |
|
عمرو وكل الشر في عمرو |
إني لأرجو أن تنالهم |
|
مني يدٌ تُشفي جوى الصدر |
بالقائم المهدي إن عاجلاً |
|
أو آجلاً إن مدَّ في العمر |
أو ينقضي من دونه أجلي |
|
فالله أولى فيه بالغدر |
ولكل عبد غيب نيَّته |
|
في الخير مسطور وفي الشر |
ما تنقضي حسرات ذي ورعٍ |
|
ودمُ الحسين على الثرى يجري |
ودماء إخوته وشيعته |
|
مستلحمون بجانب النهر |
خذلوا وقلّ هناك ناصرهم |
|
فاستعصموا بالله والصبر |
مستقدمين على بصائرهم |
|
لا ينكصون لروعة الذعر |
يأبون أن يعطوا الدنيَّة أو |
|
يرضوا مهادنةً على قسر |
البرُّ ذخرهم وكنزهم |
|
خير الكنوز وأفضل الذخر |
آل الرسول وسر أُسرته |
|
والطاهرون لطيّبٍ طهر |
حلو من الشرف اليفاع على |
|
علياء بين الغفر والنسر |
فابكِ الحسين بمضمر فرح |
|
وابكِ الحسين بمدمع غزر |
حق البكاء له وحق له |
|
حسن الثناء وطيّب النشر |
لا يبلغ المثنى مداه ولا |
|
يحوي الديح مقالة المطري |
مأوى اليتامى والأرامل |
|
والأضياف في اللزبات والعسر |
لا مانعاً حق الصديق ولا |
|
يخفى عليه مبيت ذي الفقر |
كم سائلٍ أعطى وذي عُدُم |
|
أغنى وعانٍ فكَّ من أسر |
وتخال في الظلماء سنَّته |
|
قمراً توسط ليلة البدر |
لا تنطق العوراء حضرته |
|
عفّ يعاف مقالة الهجر |
ومبرأ من كل فاحشةٍ |
|
برّ السريرة طاهر الجهر |
الشاعر
هو ابو محمد القاسم بن يوسف بن القاسم بن صبيح القبطي الأصل مولى بني عجل من أهل الكوفة جاء في ص ١٦٣ من أوراق الصولي قسم الشعراء : كان القاسم بن يوسف أسنَّ من أخيه أبي جعفر أحمد بن يوسف وأكثر شعراً منه وأفصح في شعره وأشعر في فنه الذي أعجبه من مراثي البهائم من جميع المحدثين حتى أنه لرأس فيه متقدم جميع من نحاه وما ينبغي أن يسقط شيء من شعره لأنه كله مختار وللناس فيه فائدة ولا يوجد مجموعاً كما نورده وأنا أذكره على القوافي . وكان القاسم جميل المذهب أحد متكلمي الشيعة . وفي ص ٢٠٦ قال : لما تولى الوزارة للمأمون أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح ولى أخاه القاسم بن يوسف خراج السواد فجباه فضلاً مما جباه غيره في أيام المأمون .
وفي معجم الشعراء للمرزباني ص ٣٣٥ القاسم بن يوسف بن القاسم بن صبيح الكاتب القبطي مولى بني عجل وأخوه أحمد بن يوسف الكاتب وزير المأمون ، والقاسم شاعر حسن الافتنان في القول وهو أشعر من أخيه أحمد وأكثر شعراً .
وفي تاريخ بغداد للخطيب ج ٥ ص ٢١٦ أحمد بن يوسف بن القاسم ابن صبيح من أفاضل كتاب المأمون ، مات سنة ٢١٣ هـ . يقول الصولي في الأوراق ورثاه أخوه القاسم بن يوسف (١) . أقول فالمترجم له أكبر
__________
(١) ذكر صاحب معجم الأدباء بعض مرثية القاسم لأخيه أحمد ، منها :
رماك الدهر بالحدث الجليل |
|
فعز النفس بالصبر الجميل |
أترجو سلوة وأخوك ثاو |
|
ببطن الأرض تحت ثرى مهيل |
ومثل أخيك فلتبك البواكي |
|
لمعضلة من الخطب الجليل |
من أخيه أحمد وعاش أكثر من أخيه ورثاه بقصيدة ، ولم نقف على تاريخ وفاته ولكنه عاش في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث كما أن السيد الأمين قد فاته ترجمة هذا الرجل في الأعيان ولكنه عندما ذكر مراثي الحسين عليه السلام في الجزء الرابع ذكر أبياتاً من قصيدته التي ذكرناها وقال : وممن رثاه من قدماء الشعراء القاسم بن يوسف الكاتب أحد متكلمي الشيعة وشعرائهم ، ذكره المرزباني فقال من قصيدة طويلة انتهى .
نعم ذكر السيد الأمين ترجمة مطولة لأخيه أحمد بن يوسف بن صبيح الكاتب في الجزء ١٠ من الأعيان ص ٣٥٥ .
ومن شعره كما رواه الصولي في الأوراق ص ١٨٠ :
أيها السائل عن خير الورى |
|
خير من تحت السماوات نزارُ |
وقريش ذروة المجد وفي |
|
هاشم أرست فمثوى وقرار |
مغرس طاب فأثرى محتداً |
|
واستطال الفرع والعود نضار |
هاشم فخر قصيّ كلها |
|
أين تيم وعديّ والفخار |
لهم أيد طوال في العلى |
|
ولمن ساماهم أيد قصار |
لهم الوحي وفيهم بعده |
|
آمر الحق وفي الحق منار |
وهمُ أولى بأرحامهم |
|
في كتاب الله إن كان اعتبار |
ما بعيد كقريب نسباً |
|
لا ولا يعدل بالطرف الحمار |
إنما تجري على أحسابها |
|
عنق الخيل وللغير الغبار |
ليس من أخره الله كمن |
|
قدَّم الله ، ولله الخيار |
ما الموالي كمواليهم وإن |
|
أنبت الدهر لهم ريشاً فطاروا |
خسر الآخذ ما ليس له |
|
عمد عين والشريك المستشار |
ولفيف ألّفوا بينهم |
|
بيعة فيها اختلاط وانتشار |
ورسول الله لم يدفن فما |
|
شغل القوم اعتمام وانتظار |
١٠ ـ علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف :
قال علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، يرثي شهداء الطف (١) :
إن الكرام بني النبي محمدٍ |
خير البرية رائح أو غادِ |
|
قوم هدى الله العباد بجدهم |
والمؤثرون الضيف بالأزواد |
|
كانوا إذا نهل القنا بأكفهم |
سكبوا السيوف أعالي الأغماد |
|
ولهم بجنب الطف أكرم موقف |
صبروا على الريب الفظيع العادي |
|
حول الحسين مصرعين كأنما |
كانت مناياهم على ميعاد |
__________
(١) عن معجم الشعراء المرزباني ص ١٣٩ .
ادب الطف ( ٢٢ )
قال المرزباني في معجم الشعراء ص ١٣٩ :
علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب هو القائل لعلي بن عبد الله الجعفري ـ وكان عمر بن فرج الرُخجي حمله من المدينة .
صبراً أبا حسن فالصبرُ عادتكم |
|
إن الكرام على ما نابهم صُبرُ |
أنتم كرام وأرضى الناس كلهم |
|
عن الإله بما يجري به القَدر |
واعلم بأنك محفوظ إلى أجلٍ |
|
فلن يضرَّك ما سدَّى به عُمر |
وذكره الداودي في عمدة الطالب في سلسلة النسب فقال :
أما أبو الحسن علي العسكري بن الحسن بن علي الاصغر وفي ولده البيت والعدد فأعقب من ثلاثة رجال : أبو علي أحمد الصوفي ـ لأنه كان يلبس الصوف ـ الفاضل المصنف ، وأبو عبد الله الحسين الشاعر المحدث ، وأبو محمد الحسن الناصر الكبير الاطروشي وهو إمام الزيدية ملك الديلم ، صاحب المقالة ، اليه ينتسب الناصرية من الزيدية ، وكان مع محمد بن زيد الداعي الحسني بطبرستان ، توفي بآمل سنة أربع وثلثمائة .
أقول ولما كان الولد قد توفي بعد القرن الثالث بقليل جاز لنا أن نعتبر الوالد من القرن الثالث .
١١ ـ محمد بن علي الجواليقي الكوفي :
قال المرزباني : في المعجم ص ٤٠٥ كان يتشيع ، قال يرثي الحسين بن علي :
أمن رسوم المنازل الدُرُسِ |
|
وسجْعُ وُرْقٍ سجعن في الغَلس |
هتكتَ سِجْف العزاء عن طربٍ |
|
شاقك مُعتاده إلى أنسِ |
وفيها يقول :
أبك حسيناً ليوم مصرعه |
بالطف بين الكتائب الخُرُسِ |
|
تعدو عليه بسيف والده |
أيدٍ طوالٍ لمعشرٍ نُكس |
|
تالله ما إن رأيتُ مثلهم |
في يوم ضَنْك قماطرٍ عَبِس |
|
أحسنَ صبراً على البلاء وقد |
ضيّقت الحربُ مجرع النفس |
|
أضحى بنات النبي إذ قتلوا |
في مأتم والسباع في عرس |
توفي سنة ٣٨٤ .
فهرس الموضوعات
الموضوع |
الصفحة |
الاهداء ………………………………. ٥
تصدير الكتاب ………………………………. ٧
مقدمة المؤلف …………………………… ١٧
زيارة الحسين وفضلها ………………………….. ٣٧
كربلاء في يوم عاشوراء …………………………. ٣٨
أربعين الحسين ( ع ) في كربلاء …………………….. ٤١
تاريخ مقتل الحسين ( ع ) ……………………….. ٤٦
زوجات الحسين وأولاده …………………………. ٤٦
شعراء الحسين ( ع ) في القرن الأول
اسامي شعراء القرن الأول ………………………… ٥١
عقبة بن عمرو السهمي ……………………….. ٥٢
سليمان بن قتة …………………………….. ٥٤
أبو الرميح الخزاعي …………………………. ٥٩
الرباب زوجة الحسين …………………………. ٦١
بشير بن جذلم ………………………… ٦٤
جارية تنعي الحسين …………………………. ٦٥
ام لقمان بنت عقيل بن ابي طالب ……………………. ٦٧
ام البنين ……………………………. ٧١
ام كلثوم ………………………………. ٧٥
الموضوع |
الصفحة |
الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب …………….. ٧٩
وفي ضمن ترجمتة الفضل ترجمة كل من :
عامر بن مسلم العبدي البصري ، زهير بن سليم الازدي ، عثمان بن علي بن أبي طالب ، عمرو بن خالد الاسدي الصيداوي ، بشر بن عمرو الكندي ، الحر الرياحي
كعب بن جابر الأزدي ………………………… ٩١
عبيد الله بن الحر الجعفي ………………………. ٩٣
ابو الاسود الدؤلي ………………………….. ١٠١
ابن مفرغ الحميري ………………………… ١٠٧
عبيد الله بن عمرو الكندي البدي…………………… ١١٥
وفي ضمن ترجمته ترجمة كل من :
سعيد بن عبد الله الحنفي ، زهير بن القين البجلي
عامر بن يزيد بن ثبيط العبدي …………………. ١٢٣
الفضل بن العباس بن عتبة بن ابي لهب …………………. ١٢٦
عوف الازدي ……………………………. ١٣٠
ابو دهبل وهب بن زمعة الجحمي ……………………… ١٣٣
المغيرة بن نوفل ………………………….. ١٣٨
مصعب بن الزبير ……………………………. ١٤١
عبد الله بن الزبير الاسدي ……………………. ١٤٣
وفي ضمن ترجمته ترجمة كل من :
مسلم بن عقيل ، وهاني بن عروة
يحيى بن الحكم ………………………… ١٤٧
خالد بن المهاجر …………………………. ١٥٠
شيخ يروي أبيات في الحسين ( ع ) …………………… ١٥٢
شعراء الحسين ( ع ) في القرن الثاني
الموضوع |
الصفحة |
أسامي شعراء القرن الثاني …………………… ١٥٧
سكينة بنت الحسين ( ع ) …………………. ١٥٨
فاطمة بنت الحسين ( ع ) …………………….. ١٦٤
سفيان بن مصعب العبدي …………………. ١٦٩
الكميت الاسدي ………………………… ١٨١
جعفر بن عفان الطائي …………………….. ١٩٢
سيف بن عميرة ……………………………. ١٩٦
السيد الحميري …………………………… ١٩٨
منصور النمري …………………………… ٢٠٨
الامام الشافعي ……………………………. ٢١٤
الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن ابي طالب ……… ٢٢٣
النجاشي ………………………… ٢٣٠
عبد الله بن غالب ………………………. ٢٣١
ابو هارون المكفوف ……………………. ٢٣٣
زينب الكبرى ……………………… ٢٣٦
علي بن الحسين السجاد ( ع ) ………………….. ٢٥٤
شاعر يرثي علي الاكبر ……………………. ٢٧٣
ترجمة علي الاكبر ………………………. ٢٧٤
قصيدة عصماء للكميت ………………………. ٢٧٨
شعراء الحسين ( ع ) في القرن الثالث
الموضوع |
الصفحة |
اسامي شعراء القرن الثالث …………………… ٢٨٢
عبد السلام ديك الجن ……………………… ٢٨٣
خالد بن معدان الطائي ……………………… ٢٨٩
دعبل بن علي الخزاعي ………………….. ٢٩٥
الحسين بن الضحاك …………………….. ٣١٠
عبد الله بن المعتز ………………………… ٣١٤
الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن على ابن ابي طالب ( ع ) ……………………. ٣٢٥
البسامي على بن محمد …………………….. ٣٢٧
الصقر الموصلي ………………………. ٣٣١
القاسم بن يوسف الكاتب ……………………. ٣٣٢
علي بن الحسن بن علي بن عمر الاشرف ……………… ٣٣٧
محمد بن علي الجواليقي الكوفي ……………………. ٣٣٩
فهرس مصادر البحث
اسم الكتاب |
|
المؤلف |
القرآن الكريم |
|
|
نهج البلاغة |
|
الامام علي ( ع ) |
الصحيفة السجادية |
|
الامام زين العابدين ( ع ) |
تفسير مجمع البيان |
|
الطبرسي |
تاريخ الأمم والملوك |
|
ابن جرير الطبري |
تاريخ الاسلام |
|
الذهبي |
أعيان الشيعة |
|
السيد محسن الامين العاملي |
أدب الشيعة |
|
عبد الحسيب طه |
أعلام الورى |
|
الطبرسي |
الامام الصادق والمذاهب الاربعة |
|
أسد حيدر |
الامالي |
|
أبو علي القالي |
الأمالي |
|
السيد المرتضى |
الأمالي |
|
الشيخ المفيد |
الأمالي |
|
الشيخ الطوسي |
الأغاني |
|
أبو الفرج الأصفهاني |
إسعاف الراغبين |
|
الصبان |
الإصابة |
|
ابن حجر العسقلاني |
اسد الغابة |
|
ابن حجر العسقلاني |
الإستيعاب |
|
ابن عبد البر |
ابصار العين |
|
السماوي |
التبر المسبوك |
|
الامام الغزالي |
اسم الكتاب |
|
المؤلف |
بلاغات النساء |
|
ابن طيفور |
البيان والتبيين |
|
الجاحظ |
بطل العلقمي |
|
عبد الواحد المظفر |
الأعلام |
|
الزركلي |
أنساب الأشراف |
|
البلاذري |
تاريخ القرماني |
|
القرماني |
تاريخ ابن عساكر |
|
ابن عساكر |
تأسيس الشيعة |
|
السيد حسن الصدر |
تذكرة الخواص |
|
سبط ابن الجوزي |
بحار الأنوار |
|
المجلسي |
تنقيح المقال |
|
الشيخ المامقاني |
البابليات |
|
اليعقوبي |
التبصرة |
|
ابن الجوزي |
الاسلام مع الحياة |
|
محمد جواد مغنية |
أهل البيت |
|
محمد جواد مغنية |
الآخرة والعقل |
|
محمد جواد مغنية |
مع الشيعة الامامية |
|
محمد جواد مغنية |
تهذيب الاسماء |
|
النووي |
جمهرة أنساب العرب |
|
ابن حزم |
تاريخ بغداد |
|
الخطيب البغدادي |
خزانة الادب |
|
البغدادي |
الحيوان |
|
الجاحظ |
ديوان دعبل |
|
دعبل |
ديوان السيد حيدر |
|
السيد حيدر الحلي |
اسم الكتاب |
|
المؤلف |
ديوان الفرزدق |
|
الفرزدق |
خصائص الأئمة |
|
ابن الجوزي |
حلية الأولياء |
|
ابو نعيم الأصبهاني |
الخصائص |
|
السيوطي |
الخصائص الحسينية |
|
الشيخ التستري |
ذوب النضار في شرح الثأر |
|
ابن نما |
رجال الكشي |
|
الكشي |
رجال النجاشي |
|
النجاشي |
رجال السيد بحر العلوم |
|
السيد بحر العلوم |
رجال الطوسي |
|
الشيخ الطوسي |
رغبة الامل |
|
المرصفي |
روضة الواعظين |
|
ابن الفتال النيسابوري |
روض الجنان |
|
أشرف علي الهندي |
الرائق |
|
السيد أحمد العطار |
روضة الصفا |
|
|
رياض السالكين |
|
السيد عليخان |
ربيع الابرار |
|
الزمخشري |
زهر الآداب |
|
الحصري |
السيدة سكينة |
|
توفيق الفكيكي |
السيدة زينب |
|
حسن قاسم |
السيدة زينب |
|
محمد علي أحمد المصري |
السيرة النبوية |
|
ابن هشام |
شرح رسالة الحقوق |
|
عبد الهادي المختار |
اسم الكتاب |
|
المؤلف |
شذرات الذهب |
|
ابن العماد الحنبلي |
الشعر والشعراء |
|
ابن قتيبة |
الشرف المؤبد |
|
النبهاني |
الصواعق المحرقة |
|
ابن حجر |
الطبقات الكبرى |
|
ابن سعد |
الطبقات |
|
ابن المعتز |
عيون اخبار الرضا |
|
الشيخ الصدوق |
عمدة الطالب |
|
الداوودي |
عيون الاخبار |
|
ابن قتيبة |
العقد الفريد |
|
ابن عبد ربه |
عقيلة بني هاشم |
|
علي بن الحسين الهاشمي |
الغارات |
|
ابن هلال الثقفي |
فاطمة بنت محمد |
|
عمر ابو النصر |
الفصول المختارة |
|
السيد المرتضى |
الفصول المهمة |
|
ابن الصباغ المالكي |
الفهرست |
|
ابن النديم |
قاموس الرجال |
|
التستري |
قمر بن هاشم |
|
عبد الرزاق المقرم |
سكينة بنت الحسين |
|
عبد الرزاق المقرم |
مقتل الحسين ( ع ) |
|
عبد الرزاق المقرم |
مسلم بن عقيل |
|
عبد الرزاق المقرم |
عاشوراء في الاسلام |
|
عبد الرزاق المقرم |
الكافي |
|
الشيخ الكليني |
الكامل |
|
المبرد |
اسم الكتاب |
|
المؤلف |
الكامل |
|
ابن الاثير |
الكشكول |
|
الشيخ البهائي |
الكشكول |
|
الشيخ يوسف البحراني |
كفاية الطالب |
|
الكنجي الشافعي |
كامل الزيارات |
|
ابن قولويه |
الكنى والالقاب |
|
الشيخ عباس القمي |
سفينة البحار |
|
الشيخ عباس القمي |
نفس المهموم |
|
الشيخ عباس القمي |
اللهوف |
|
ابن طاووس |
مقاتل الطالبيين |
|
ابو الفرج الاصبهاني |
المناقب |
|
ابن شهر اشوب |
المعالم |
|
ابن شهر اشوب |
مقتل الحسين ( ع ) |
|
ابو مخنف |
المنتخب |
|
الطريحي |
مروج الذهب |
|
المسعودي |
المعارف |
|
ابن قتيبة |
المحبر |
|
ابن حبيب |
معجم الشعراء |
|
المرزباني |
معجم البلدان |
|
ياقوت الحموي |
معجم الادباء |
|
ياقوت الحموي |
المغنى |
|
الذهبي |
المحاسن والمساوىء |
|
البيهقي |
مصباح اللغة |
|
|
اسم الكتاب |
|
المؤلف |
معاهد التنصيص |
|
محمود شكري الآلوسي |
مختصر التحفة الاثني عشرية |
|
|
مجمع الزوائد |
|
ابن حجر |
مثير الاحزان |
|
ابن نما |
المستدرك |
|
الحاكم |
مجالس المؤمنين |
|
العلامة البرغاني |
مناهل الضرب |
|
السيد جعفر الاعرجي |
معراج الوصول |
|
الحافظ جمال الدين المدني |
المجدي |
|
النسابة العمري |
مجلة العرفان اللبنانية |
|
|
مجلة الغري النجفية |
|
|
جريدة الزمان الدمشقية |
|
|
ناسخ التواريخ |
|
|
نور الابصار |
|
الشبلنجي |
نسب قريش |
|
الزبيري |
وفيات الاعيان |
|
ابن خلكان |
وسائل الشيعة |
|
الحر العاملي |
ينابيع المودة |
|
القندوزي |
سر السلسلة العلوية |
|
ابو نصر البخاري |