الرئيسية / من / طرائف الحكم / زاد المبلغ في شهر رمضان المبارك

زاد المبلغ في شهر رمضان المبارك

|الجزء الأوّل|


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2022-03

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


مقدّمة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله الطاهرين.

جاء في دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) في استقبال شهر رمضان: «وَأَلْهِمْنَا مَعْرِفَةَ فَضْلِهِ وَإِجْلالَ حُرْمَتِهِ»[1].

من اللّازم على الإنسان المؤمن أن يتعرّف حقيقةَ شهر رمضان المبارك ومنزلته، ومكانته العظيمة عند اللّه تعالى، وقد اختُصّ شهرُ رمضان المبارك بأوصاف كثيرة جدًّا، يمكن تعرّفها من خلال ملاحظة الآيات المباركة والروايات الشريفة وأدعية أهل البيت (عليهم السلام).

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «شهر رمضان الذي أُنزِل فيه القرآن، وهو شهر الله -تعالى ذكره-، وهو شهر البركة، وهو شهر المغفرة، وهو شهر الرحمة، وهو شهر التوبة، وهو شهر الإنابة، وهو شهر قراءة القرآن، وهو شهر الاستغفار، وهو شهر الصيام، وهو شهر الدعاء، وهو شهر العبادة، وهو شهر الطاعة، وهو شهر العتق من النار والفوز بالجنّة…»[2].

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص87.

[2] الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، ص117.

 

11


1

مقدّمة

وكانت «سلسلة زاد المبلِّغ»، التي تصدر سنويّاً بمناسبة الشهر الفضيل، إسهاماً في زيادة معرفة الإخوة المؤمنين بفضل هذا الشهر وعظمته، وما ينبغي للمؤمن أن يعمل فيه اغتناماً لفضله، من عبادةٍ وتقرّبٍ إلى الله وتهذيبٍ للنفس…

هذه السنة، قمنا بجمع مواعظ الإصدارات السابقة لهذه السلسلة وترتيبها، ثمّ تصنيفها ضمن موضوعات وعناوين جامعة، لتصدر في أجزاءٍ تكون مرجعاً شاملاً للإخوة المبلِّغين في مختلف الموضوعات والمناسبات التي يمكن الاستفادة منها في هذا الشهر الفضيل.

وتشتمل هذه العناوين على مختلف المفاهيم العقديّة والعباديّة والسلوكيّة والتربويّة والأخلاقيّة، مضافاً إلى المواعظ المرتبطة بمناسبات هذا الشهر الفضيل، من ولادات الأئمّة (عليهم السلام) وشهاداتهم وأصحاب الفضل في الإسلام وذكرى معركة بدر وليالي القدر المباركة.

في هذا العام، يصدر الجزء الأوّل من مجمع زاد المبلِّغ، على أن تليه الأجزاء الأخرى تباعاً إن شاء الله، سائلين الله أن ينتفع به الإخوة الكرام في التبليغ والهداية ونشر المعرفة، إنّه سميع مجيب.

 

 

12

 


2

الموعظة الأولى: الأبعاد المعنويّة للصوم

 

محاور الموعظة:

البعد السلوكي للصوم
البعد الجزائي للصوم
البعد الفعلي للصوم

 

هدف الموعظة:

شرح بعض خصائص فريضة الصوم التي ينبغي الالتِفات إليها أثناء أدائها.

 

تصدير الموعظة:

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «قال الله عزّ وجلّ: كلّ عملِ ابنِ آدم له، إلّا الصيام، فإنّه لي، وأنا أجزي به»[1].

 

 


[1] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج10، ص404.

 

17


3

الموعظة الأولى: الأبعاد المعنويّة للصوم

لا شكّ في أنّ عبادةَ الصوم مِن العبادات المتميّزة، وإلّا لما اختار الله أفضلَ الشهور على الإطلاق لِيكون زماناً لأدائها. وهذا دَأْبُ الشرْعِ في كثيرٍ مِن الأعياد والمناسبات، بلْ وحتّى بعض الزيارات والأفعال المُستحبّة التي رَبَطَها بِقضايا أساسيّةٍ أرادَ لها أنْ تبقى خالدة، وتبقى مدرسةً مفتوحةً، تُربّي الأجيال على مَرّ العُصور والدهور. فالعلاقة بين فريضة الصوم وشهر رمضان هي أنّ الصوم يكبح جِماح المَرْءِ عن الخطأ إلى الحدّ الأقصى، في الوقت الذي يفتح فيه شهرُ رمضان آفاق العَمَلِ الصالح إلى حدّه الأقصى، فيَرتَقي المرءُ مَعارِج الكمال، كما لا يرتقيه في غيرِه مِن الشهور.

 

لو تأمّلنا مَلِيّاً في هذا الحديث الشريف، لَظَهَرتْ لنا جَلِيّةً ثلاثةُ أبعاد مهمّة:

1. البُعد السلوكيّ: تختلف عِبادة الصوم عن باقي العبادات في أنّها عبادةُ تَرْكٍ وامتناعٍ، ولَيْسَتْ عبادةَ فِعْلٍ وعَمل؛ بِمعنى أنّ جميعَ العبادات تُؤدّى عبر أفعالٍ ظاهريّة لا يستطيع الإنسانُ أن يُخفيها أو يكتمها، فالصلاة لها أفعالُها التي يُمارِسها ولها أثرٌ خارجيّ، وكذلك الزكاة ومناسك الحجّ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر… أمّا الصوم فليس له مَظهرٌ خارجيّ؛ لأنّه عبادة يَعصِم المرءُ بأدائها نفسَه عن جُملةٍ من الأمور، لكنّه لا يُمارس أيّ فِعْل يُظهره أنّه صائم، فقد يكون صائماً -في شهر رمضان أو سِواه من الشهور- ولا يَعلم أحدٌ بأنّه صائم، وقد يكون مُفطِراً ويَظهر أمام الناس كأنّه صائم.

 

ومعنى أنْ ليسَ للصوم مَظهرٌ خارجيّ، أنّه اتّصالٌ مُباشَر بالله، لا يطّلع

 

 

18


4

الموعظة الأولى: الأبعاد المعنويّة للصوم

على حقيقته وجوهره إلّا هو سبحانه. وهذه الخصوصيّة هي تربيةٌ للإنسان على أنْ تَكون نِيّته خالصةً لِوجه الله في جميع العِبادات، انطلاقاً من عبادة الصوم المكتومة. فالصوم سِرٌّ مِن أسرار الإخلاص لله تعالى، قائمٌ بَيْن العبدِ وربِّه، لا يطَّلعُ عليه إلّا الله. فإِنّ الصائمَ إذا ابتعد عن أعيُن الناس، تمكَّنَ من تناوُلِ ما حرَّمهُ الله بالصيام، لكنّه لا يتناولُه؛ لأنّه يعلم أنّ له ربّاً يطَّلع عليه في خلوتِه، وقد حرَّم عَلَيْه ذلك، فيترُكُه لله خوفاً من عقابه، ورغبةً في ثوابه. فمِن أجل ذلك كان الصومُ باباً إلى الإخلاص، بالتالي فَقَد شَكَرَ اللهُ له ذلك، وعَدّ هذه الفريضةَ مُختصّةً به؛ ولِهذا قال: «يَدَعُ شهوتَه وطعامَه مِن أجْلي»[1].

2. البُعد الجزائيّ: أي ما يرتبط بالثواب. فلمّا كانت فريضة الصوم سِرّاً مكتوماً بين العبد وربّه، كان ثواب الصوم مَكتوماً أيضاً؛ إذ إنّنا لا نجدُ في النصوص ما يُحدّد ثواب الصوم وحسناته ودرجته ومقدار الجزاء الذي يستحقّه الصائم كما نرى في باقي العِبادات؛ لأنّ الله استأثرَ بذلك له تشويقاً لِعباده على الصوم، فقال: «وأَنَا أجْزي به»[2]. وقد أضافَ الجزاءَ إلى نفسه الكريمةِ؛ لأنَّ الأعمالَ الصالحةَ يُضاعَفُ أجْرُها بالعَدد، فالحسنةُ بعَشْرِ أمثالها إلى سَبْعِمئة ضِعفٍ إلى أضعاف كثيرةٍ، أمَّا الصَّوم فإِنَّ اللهَ -وهُوَ سبحانه أكرَمُ الأكرمين وأجوَدُ الأجودين- أضافَ الجزاءَ عليه إلى نفسه من غير اعتماد العَدد -فالعطيَّةُ بِقَدْرِ مُعْطيها- لِيكون أجرُ الصائمِ عندئذٍ عظيماً

 

 


[1] المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج8، ص448.

[2]  المصدر نفسه.

 

19


5

الموعظة الأولى: الأبعاد المعنويّة للصوم

بِلا حساب، ولا سيّما أنّ أنْواع الصبر الثلاثة اجتمَعَتْ فيه؛ فالصيام صبْرٌ على طاعةِ الله، وصبرٌ عن مَحارِم الله، وصَبْرٌ على أقْدارِ الله المُؤلمة، مِنَ الجُوعِ والعَطَشِ وضعفِ البَدَنِ والنفْس، يقول تَعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَاب﴾[1].

3. البُعد الفِعليّ: معناه أداءُ هذه الفريضة على حقيقتها وِفاقاً للصورة الباطنيّة التي رَسَمَها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فليس كلّ صومٍ صوماً يُقرّبك مِن الله، ولا كلّ قيامٍ قياماً خالصاً لِوجهه الكريم؛ لذلك نقرأ في الدعاء في أوّل يوم مِن شهر رمضان: «اللهمّ، اجعَلْ صيامي فيه صيامَ الصائمين، وقيامي فيه قيامَ القائمين، ونبِّهْني فيه مِن نَوْمة الغافلين»[2].

ولو سألَ سائلٌ: كيف يكون الصيامُ صيامَ الصائمين، والقيامُ قيامَ القائمين؟ لَكانَ الجواب ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) لِجابر بن عبد الله: «يا جابر، هذا شهر رمضان، مَن صام نهاره وقام وِرْداً مِن لَيْله وعَفَّ بطنه وفَرْجه وكفَّ لِسانه، خرجَ مِن ذنوبه كخروجه مِن الشهر»[3].

فالصوم في حقيقته مَدرسةٌ تربويّةٌ تُعيد بِناءَ الداخل مِن جديدٍ لِتصنع باطن الإنسان، وتُصفّي سريرته، وتنقّي قلبه، وتجعله أكثر تذكُّراً للآخرة وشعوراً بأهوالها وعقباتها؛ وهذا معنى الحديث المَرويّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «للصائم فَرحتان؛ فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربِّه»[4].

 

 


[1] سورة الزمر، الآية 10.

[2]  الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجِّد وسلاح المتعبِّد، ص613.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص87.

[4]  المصدر نفسه، ج4، ص65.

 

20


6

الموعظة الأولى: الأبعاد المعنويّة للصوم

فهي فرحة الانتصار على العدوّ الداخليّ، والسموّ في معارج الكمال، وإلّا لَما جعل الله هذه الفرحة موازيةً لِفرحة لقائه، بالتالي فإنّ جَعْلَها في كَفَّتَيْ ميزانه تعالى في مُقابل لقائه، ينسجمُ مع كَوْن فرحة لقائه تُعادِل فرحة الانتصار على الشيطان.

ونختم بالحديث الذي يجبُ أن نتذكّره دائماً أثناء أداء هذه الفريضة، المرويّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ألا أخبركم بشيء، إنْ أنتم فعلتموه تَباعَد الشيطان مِنكم كما تَباعد المشرق مِن المغرب؟»، قالوا: بلى. قال: «الصوم يُسَوِّد وجهه، والصدقة تَكسِرُ ظَهره، والحبّ في الله والمؤازرة على العمل الصالح يَقطع دابِره، والاستغفار يَقطع وَتينَه»[1].

 

قصّة وعِبرة

من أجمل المواقف التي منها يتطلّع الإنسان إلى قيمة هذه الدعوة، موقفُ الأعرابيّ مع الحجّاج الذي بيّن فيه للحجّاج أنّ الصومَ دعوةٌ إلهيّة. فقد خرجَ الحجّاجُ في يومٍ قائظٍ، فأُحضِر له الغداء، فقال: اطلبوا مَن يتغدَّى معنا. فَطلبوا، فلم يجِدوا إلّا أعرابيّاً، فأَتَوْا به. فَدارَ بين الحجّاج والأعرابيّ هذا الحوار:

الحجّاج: هَلُمَّ أيّها الأعرابيّ لِنتناول طعام الغداء.

الأعرابيّ: قد دعاني مَن هو أكرمُ مِنك، فأجبتُه.

الحجّاج: مَن هو؟

الأعرابيّ: الله تبارك وتعالى دعاني إلى الصيام، فأنا صائم.

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص62.

 

21


7

الموعظة الأولى: الأبعاد المعنويّة للصوم

الحجّاج: أَصَوْمٌ في مثل هذا اليوم على حرِّه؟!

الأعرابيّ: صُمْتُ لِيومٍ أشدّ منه حرّاً.

الحجّاج: أفطِر اليوم، وَصُمْ غداً.

الأعرابيّ: أَوَ يَضمنُ الأمير أن أعيش إلى الغد؟

الحجّاج: ليس ذلك إليّ، فَعِلْمُ ذلك عند الله.

الأعرابيّ: فكيف تسألني عاجلاً بآجلٍ ليس إليه مِن سبيل.

الحجّاج: إنّه طعام طيّب.

الأعرابيّ: والله، ما طيّبه خبّازك وطبّاخك، ولكن طَيّبَتْه العافية[1].

 

 


[1]  ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج6، ص235.

 

22


8

الموعظة الثانية: الصيام والتقوى

الموعظة الثانية: الصيام والتقوى

 

 

محاور الموعظة:

علاقة الصيام بالتقوى
الآثار المُترتّبة على التقوى

 

هدف الموعظة:

بيانُ بعض النتائج المَرجُوّة مِن التقوى التي جَعَلَها اللهُ ثمرةَ الصيام.

 

تصدير الموعظة:

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾[1].

 


[1] سورة البقرة، الآية 183.

 

23


10

الموعظة الثانية: الصيام والتقوى

تُوضِّح الآية المُتقدّمة أنّ الله جعل الصيام مقدّمةً وطريقاً إلى بُلوغ التقوى، وهذا كاشفٌ عَن عَظَمة هذه الفريضة بِالنَظَر إلى عَظَمة الثمرةِ التي نَجنيها بأدائها، والمعلول الذي تُحقّقه هذه العلّة. لكنّ الأهمّ في الآية أنّها لا تُحدّثنا عن التقوى في بُعدِها الفرديّ، بلْ في بُعدها المُجتمعيّ؛ فهي عبادةٌ يقوم بها المسلمون معاً، في شهرٍ واحدٍ، وفي مدّةٍ زمنيّةٍ مُحدّدةٍ للجميع بين السحور والإفطار، لِتُنتِج في النهاية مجتمعاً تقيّاً وَرِعاً مُراقِباً أعمالَه وأقوالَه في كلّ كبيرةٍ وصغيرة. ولا يَخفى أنّ التقوى التي يُحرِزها المجتمع وعموم المسلمين لها آثارُها وبَرَكاتُها وألطافُها التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى على جميع أفراد المجتمع.

والتقوى التي نرجوها مِن عبادة الصوم هي تلك المَلَكة التي تجعلُ صاحبَها في حالةٍ مِن الرقابة المستمرّة والدائمة لكلّ ما يصدر عنه -صغيراً كان أو كبيراً-، فيكون مِن آثارها أنّها تعصِمُه عن الخطأ والمعصية والرذيلة.

فالتقوى في بُعدها العمليّ هي هذا الاحتراز والحَذَرُ الدائمَان واليَقَظة المُتواصلة؛ لذلك فإنّ علماء الأخلاق جعلوا الغَفلة وعدم التبصُّر في الأشياء على الحدِّ المُقابِل للتقوى.

 

علاقة الصيام بالتقوى

يُساهم الصيام في صناعة التقوى بِمعناها المُتقدِّم، سواء أكان على المستوى الفرديّ أو المجتمعيّ، ونَخُصّ بالذِكْر النقاطَ الآتية:

1. السيطرة على الأهواء في شهر رمضان، إذ الأجواء أكثر إتاحةً،

 

 

24

 


11

الموعظة الثانية: الصيام والتقوى

والراحل إلى الله أقرب مسافة، والانتصار في معركة الجهاد الأكبر أكبر أملاً وفُرصةً، في لحظةٍ غُلَّتْ فيها أيْدي الشياطين وغُلِّقَتْ فيها أبواب النيران. فالصوم يُساهم في فَوْزِ هذه المعركة التي هي حقيقة التقوى.

2. الربط بين أهوال يوم القيامة والجوع والعطش، وإلّا فبِماذا ينتفع الصائم من صومه ما لمْ يتذكّر أهوال يوم القيامة، وما لمْ يَكُنْ هذا التذكُّر مَعبراً إلى فِعل الخيرات والإحجام عن الأفعال التي نهى الله عنها؟

والجوع والعطش، كما تشير الروايات، لَيْسا سِوى حالةٍ ظاهريّةٍ تقودُك إلى ما هو أبعد مِن ذلك؛ إلى الحالتَيْن النفسيّة والروحيّة.

3. إنّ الأداء الجَماعيّ لهذه الفريضة يترك أثراً بالغاً في النفس، فَكَما أنّ الجوّ الجماعيّ للمعصية يُشجّع المرء على استسهال ارتكابها ويُخفّف في نفسه الورَع والاجتناب عنها، فإنّ الجوّ الجماعيّ للعبادة يُساهم أيضاً في تقوية أدائها بأفضل صُوَرِها. فالإنسان بِطَبْعِه لا يَأنَس بِفعلٍ يَنفرد به أو لا يتّفق مع الآخرين عليه، أمّا في الصوم فالجميع مُتساوُون في هذا الجوع والعطش، بالتالي فإنّ سعيَ الإنسان لاغتنام فرصة أداء هذه الفريضة سيتضاعف على مستواه الباطنيّ من دون الاقتصار على الظاهر فقط.

 

الآثار المُترتّبة على التقوى

للتقوى في حقيقتها آثارٌ متعدّدة، لكنْ من الممكن اختصارها بِمقام الولاية الحقّة لله تعالى، بِحيث لا يكون بين المرء وبين الله حجاب، فيصبِح مولى لله تعالى، والله وَلِيُّه. وقد بيّن القرآن الكريم الآثارَ المترتّبة على التقوى، أهمّها:

 

25


12

الموعظة الثانية: الصيام والتقوى

الأوّل: الفوز يوم القيامة، قال تعالى: ﴿وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَكَفَّرۡنَا عَنۡهُمۡ سَيِّ‍َٔاتِهِمۡ وَلَأَدۡخَلۡنَٰهُمۡ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ﴾[1]. فالصوم بابٌ إلى التقوى التي هي بِدورها بابٌ لِتكفير السيّئات والفوز بِجنّات النعيم في الآخرة.

الثاني: التقوى غاية العبادة، قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾[2]. فالتقوى التي جعلها الله غاية العبادات، جَعلها في مكانٍ آخر غاية الصيام، وهذا يعني أنّ عبادة الصوم مِن العبادات الاستثنائيّة على مستوى صناعةِ باطن الإنسان وبناءِ سريرتِه وتخليصِه مِن شوائب ما عَلِقَ على أطراف قَلبِه ونفسِه.

الثالث: البُشرى في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ٦٣ لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ﴾[3].

فالتقوى -بِصريح القرآن- نعيمٌ في الدنيا والآخرة، إذ إنّ الله استخدم التعبيرَ نفسه للدنيا والآخرة -وهو (البُشرى)- ليُدلِّل على عظيم بَرَكات هذه المَنقبة، فأطلَقَ على نتيجتها تعبير (الفوز العظيم). وهل بعد ذلك مقامٌ وشأنٌ ورِفعةٌ يَبلُغُها المرءُ بِبَركة الصيام؟

الرابع: قبول العمل، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ﴾[4]. وهذا مِن أعظم بَرَكات التقوى؛ حين تُصبح هذه الأعمال مقبولةً عند

 


[1] سورة المائدة، الآية 65.

[2] سورة البقرة، الآية 21.

[3] سورة يونس، الآيتان 63 – 64.

[4] سورة المائدة، الآية 27.

 

26


13

الموعظة الثانية: الصيام والتقوى

الله. فلا يستصغرُ الإنسانُ عملاً بعد قبوله، ولا يمتنع أو يتلكّأ عن عملٍ ما دام مقبولاً. وهذا مِن أكبر الغايات التي ننشدها جميعاً في أعمالنا التي نَنظر إليها دائماً بِعين الخَوْف مِن أنْ تكون غير مُحرزة لِرضا الله وَقَبوله.

الخامس: العناية الإلهيّة، فالإنسان التقيّ يبقى في عين الله، بِحيث لا تُسَدُّ في وجهه أبواب حياته المادّيّة والمعنويّة، فالله تعالى يُهيّئ له المَخارج ويُيَسِّر له سُبُل الرزق مِن حيث لا يحتسب، قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجا ٢ وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡء قَدۡرا﴾[1].

 

 


[1] سورة الطلاق، الآيتان 2 – 3.

 

 

27


14

الموعظة الثالثة: البعد الاجتماعيّ لفريضة الصوم

الموعظة الثالثة: البعد الاجتماعيّ لفريضة الصوم

 

 

محاور الموعظة:

المظاهر الاجتماعيّة التي ينبغي تفعيلها
مظاهر ينبغي اجتنابها
أمور ينبغي المحافظة عليها

 

هدف الموعظة:

الحرص على تفعيل الجانب الاجتماعيّ خلال شهر رمضان المبارك، وبيان أهمّ هذه المظاهر الاجتماعيّة.

 

تصدير الموعظة:

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خطبة استقبال شهر رمضان: «وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقّروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم»[1].

 

 


[1]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص 154.

 

 

28


15

الموعظة الثالثة: البعد الاجتماعيّ لفريضة الصوم

لا يخفى أنّ لفريضة الصوم وراء البعد العباديّ الخاصّ بعدها الاجتماعيّ، فهي ليست طقساً فرديّاً ومناجاة خاصّة، بل تتعدّى ذلك إلى الميدان الاجتماعيّ، لتكون أساساً في بناء المجتمع السليم وتعاضده وتكاتف أفراده، وذلك من خلال التكاليف التي ينبغي للصائم أن يقوم بها خلال أدائه لفريضة الصوم.

1. تفعيل الحسّ الاجتماعيّ: وأرفع ما يكون ذلك في الصوم؛ لأنّ الغنيّ يشارك الفقير في شعوره بالجوع وألمه، فهو بذلك أرفع من الصدقة أو الهديّة مثلاً التي يشارك الغنيّ فيها في رفع الجوع عن الفقير من دون الشعور بألم الجوع.

وقد بيّن الإمام الصادق (عليه السلام) هذا الجانب الاجتماعيّ، عادّاً إيّاه من علل الصوم، فقال (عليه السلام): «إنّما فرض الله عزّ وجلّ الصيام ليستوي به الغنيّ والفقير؛ وذلك أنّ الغنيّ لم يكن ليجد مسّ الجوع، فيرحم الفقير، لأنّ الغنيّ كلّما أراد شيئاً قدر عليه، فأراد الله عزّ وجلّ أن يسوّي بين خلقه، وأن يذيق الغنيّ مسّ الجوع والألم، ليرقّ على الضعيف فيرحم الجائع»[1].

2. مقاومة الأنانيّة: وذلك بالنظر إلى حاجات الآخرين والتفاعل معها ومشاركتهم هذا الشعور، بل والسعي في قضائها ما أمكن، كما ورد في الدعاء الذي نقرأه بعد كلّ فريضة في هذا الشهر الشريف: «اللّهُمَّ أشْبِعْ كُلَّ جائِعٍ، اللّهُمَّ اكْسُ كُلَّ عُرْيان…»[2].

 

 


[1] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص73.

[2] الشيخ عبّاس القمّيّ، مفاتيح الجنان، ص287.

 

29


16

الموعظة الثالثة: البعد الاجتماعيّ لفريضة الصوم

المظاهر الاجتماعيّة التي ينبغي تفعيلها

1. إفطار الصائمين: ولا يخفى ما لإفطار الصائمين من أثر في تعزيز روابط الأخوّة ونشر الإلفة والمودّة في المجتمع، ولعلّه لذلك ربط رسول الله (صلى الله عليه وآله) بينه وبين المغفرة واتّقاء النّار، إذ قال (صلى الله عليه وآله): «أيّها النّاس من فطّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر، كان له بذلك عند الله عتق نسمة ومغفرة لما مضى من ذنوبه»، فقيل: يا رسول الله، وليس كلّنا يقدر على ذلك! فقال (صلى الله عليه وآله): «اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة، اتّقوا النّار ولو بشربة من ماء»[1].

ولا يخفى أنّ إفطار الصائم له أجره على الداعي كما على المدعوّ، فعنه (صلى الله عليه وآله): «ما من صائمٍ يحضر قوماً يُطعِمون إلّا سبّحت له أعضاؤه، وكانت صلاة الملائكة عليه، وكانت صلاتهم استغفاراً»[2].

وعنه (صلى الله عليه وآله): «من فطّر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينتقص منه شيء…»[3].

2. إكرام الأيتام: وهي من الصفات التي شدّدت عليها الشريعة للقضاء على أيّ مظهر من مظاهر الحاجة والعوز في المجتمع الإسلاميّ، فاليتيم الذي لا معيل له تجب إعالته كفائيّاً حتّى يستغني، فقد قال (صلى الله عليه وآله) في خطبة استقبال شهر رمضان: «ومن أكرم فيه يتيماً، أكرمه الله يوم يلقاه»[4].

 

 


[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص154.

[2] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص87.

[3]  الشيخ المفيد، المقنعة، ص342.

[4] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص155.

 

30


17

الموعظة الثالثة: البعد الاجتماعيّ لفريضة الصوم

وفي موقع آخر من الخطبة بالغ في الإكرام إلى حدّ التحنّن، فقال (صلى الله عليه وآله): «وتحنّنوا على أيتام الناس، يُتحنّن على أيتامكم»[1]، والتحنّن أعلى شأناً من الإكرام لأنّه يستبطن معاملة اليتيم كالابن الذي يتحنّن عليه والده.

3. التواصل والتكافل الاجتماعيّ: عن الإمام الرضا (عليه السلام) في حديثٍ له عن إحدى علل وجوب الصوم: «ولِيعرفوا شدّة مبلغ ذلك على أهل الفقر والمسكنة في الدنيا، فيؤدّوا إليهم ما فرض الله تعالى لهم في أموالهم»[2].

فالمسألة لا تقتصر على معرفة الأغنياء لشظف الحياة وضيق العيش عند الفقراء أو الشعور بألم الجوع، بل ليكون ذلك سبيلاً إلى أداء حقوقهم التي فرضها الله للفقراء في أموال الأغنياء، فيتحقّق بذلك التكافل في أبهى صوره ومعانيه.

وفي موقع آخر من الخطبة، يولي (صلى الله عليه وآله) اهتماماً خاصّاً بصلة الرحم باعتبارها من أبرز مصاديق التواصل الاجتماعيّ، فيقول (صلى الله عليه وآله): «ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه»[3].

وفي الحديث إشارة صريحة إلى مضاعفة أجر الحسنة، لكنّه يصرّح بمضاعفة عذاب السيّئة كذلك في هذا الشهر.

 

 


[1]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص 155.

[2] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص270.

[3] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص155.

 

31


18

الموعظة الثالثة: البعد الاجتماعيّ لفريضة الصوم

مظاهر ينبغي اجتنابها

1. تنوّع أنواع الطعام والإكثار منها عند الإفطار والسحور.

2. تمضية الوقت نهاراً بالتسلية واللهو والأمور العبثيّة.

3. المنافسة غير الإيجابيّة في الولائم وما يستتبعها من رمي للأطعمة.

4. طول السهر إلى وقت متأخّر، بحيث يضيّع على نفسه صلاة الصبح وثوابها.

5. الغضب والعصبيّة والصوت العالي والسباب والشتم واستخدام الألفاظ النابية.

أمور ينبغي المحافظة عليها

1. الحرص على المشاركة في إحياء المناسبات خلال الشهر.

2. الاطّلاع الدقيق على أوضاع المحتاجين وإعانتهم.

3. إعداد برامج عباديّة وسلوكيّة لتزكية النفس.

4. الاستعداد لشهر رمضان ولو بصيام عدّة أيّام من شهر شعبان.

5. الحرص على المشاركة في صلاة العيد.

 

 

32

 


19

الموعظة الرابعة: المراقبة في شهر رمضان

الموعظة الرابعة: المراقبة في شهر رمضان

 

 

محاور الموعظة:

مراقبات شهر رمضان

 

هدف الموعظة:

بيان بعضِ الأمور التي تَجبُ مراقبتها في شهر رمضان، بالاستناد إلى ما جاء في خطبة النبيّ (صلى الله عليه وآله).

 

تصدير الموعظة:

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ومَن تَطوَّعَ فيه بصلاة، كتبَ اللهُ له براءةً من النار»[1].

 

 


[1]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج10، ص313.

 

33


20

الموعظة الرابعة: المراقبة في شهر رمضان

عندما نقرأ في خطبة النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّ شهر رمضان هو عند الله أفضلُ الشهور، وأيّامه أفضل الأيّام، ولياليه أفضلُ اللّيالي، وساعاته أفضل السّاعات، نستكشفُ أنّه يجبُ علينا أنْ نُولي اهتماماً بالغاً للَحظات هذا الشهر، لحظةً لحظةً، وإلّا لَما كان هذا التأكيد منه (صلى الله عليه وآله) على الأيّام والليالي والساعات. فيجبُ على المؤمن أنْ يُراعي حُرمةَ هذا الشهر، فكلّما مرَّتْ عليه ليلة مِن ليالي شهر رمضان المبارك ازداد خوفاً وقلقاً؛ لأنَّه بانصِرام كلّ يوم وكلّ ليلة، يفقِد فرصةً مِن فُرَصِ التقرُّب إلى الله تعالى. عليه إذاً أن يضعَ خطّةً مناسِبة له في إحياء ليالي وأيّام هذا الشهر مِن الليلة الأولى، وأن يَحرص على عدمِ تضييع هذه الفرصة التي لن تتكرّر إلّا في شهر رمضان منَ العامِ التالي. ولعلّه -والعِلْم عند الله- يكون ممّن لن تتكرّر عليهم أبداً.

مراقبات شهر رمضان

من الضروريّ أن نستلهمَ مِن خطبة النبيّ (صلى الله عليه وآله)الغرّاء بعض الأمور التي تحتاج إلى مراقبة، والتي نبّه إليها فيها، نُورِدُ بعضها:

1. الصلاة: هي مِن أهمّ ما ينبغي الالتِفات إليه ومراقبته، من ناحية الخشوع والتوجُّه والأداء أوّل الوقت، فإنّه أفضل الأوقات، وطول السجود والاستغفار في القنوت. فيتساءلُ: هل بقِيَتْ صلاتي على ما كانت عليه قبل دخول الشهر، أم أنّ تغيُّراً طرأ عليها ممّا يُرجى منَ التحسُّن والارتقاء؟

ومِنَ الصلاة التي تَجبُ مراقبتُها صلاة النافلة التي يتطوّع بها المرء، والتي قال فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ومَن تطوّع فيه بصلاةٍ، كتب الله له

 

34


21

الموعظة الرابعة: المراقبة في شهر رمضان

براءة من النار»[1]، في حين أنّ العطاء الإلهيّ لمْ يشمل الفريضة كما شملَ النافلة، فقال (صلى الله عليه وآله): «ومَن أدّى فيه فرضاً، كانَ له ثواب مَن أدّى سبعين فريضةً فيما سِواه مِن الشّهور»[2].

لا شكّ في أنّنا جميعاً نُخطّط لِأنْ يكون هذا الشهر متميِّزاً ومختلفاً بالنسبة إلينا عن باقي شهور السَنة، ولكنْ -في مقام العمل- نرى أنْ لا جديد. وهنا يجب أنْ نُدرك أنّنا أمام مُشكلةٍ روحيّةٍ يجبُ علاجها؛ لأنّ ذلك أشبه بإنسان يجلسُ إلى مائدة شهيّة، لكنّ نفْسه لا تشتهي الطعام، بالتالي فإنّه لن يستفيد مِن هذه المأدبة.

2. قراءة القرآن: واضحةٌ هي العلاقة القائمة بين هذا الشهر وبين كتاب الله تعالى؛ فَلْيُراقِب كلٌّ منا نفْسه في قراءته القرآن، والتدبُّر في آياته، وفهم معانيه، وسَبْر أغواره، وشرْح مُفرداته، والعيْش بين ثنايا دُرَرِه اللامُتناهية. ومع ضرورة ألّا تنحصِر قراءة القرآن بهذا الشهر الكريم، إلّا أنّه يجبُ في هذا الشهر ألّا تكونَ قراءة القرآن كما في غيره مِن الشهور.

والعلاقة التكوينيّة الغَيْبيّة التي لا يُمكننا إدراكها بعقولنا القاصرة، هي التي حَدَتْ بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لِيقول: «ومَن تلا فيه آيةً مِن القرآن، كان له مِثل أجْرِ مَن خَتَمَ القرآن في غيره مِن الشهور»[3].

3. الدعاء: هو مِن أهمّ ما أنعمَ اللهُ على العِباد في هذا الشهر؛ فأغدقَ عليهم ما لمْ يُغدِقه في غيره مِن الشهور، ووَعَدَهم بالاستجابة والتلبِية والعطاءِ كما جاء على لسان النبيّ (صلى الله عليه وآله): «وارفَعوا إليه

 


[1] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج10، ص313.

[2] المصدر نفسه.

[3] المصدر نفسه.

 

35


22

الموعظة الرابعة: المراقبة في شهر رمضان

أيديكم بالدّعاء في أوقات صلاتِكم،‏ فإنّها أفضل السّاعات، ينظر الله عزّ وجلّ فيها بالرّحمة إلى عباده، يُجيبهم إذا ناجَوْه، ويُلبّيهم إذا نادَوْه، ويُعطيهم إذا سألوه، ويَستجيبُ لهم إذا دَعَوْه»[1]. فهل بعد هذا الوعد شكٌّ ورَيْبٌ أو شُبْهةٌ في أنّنا يجبُ أنْ نُراقب أدعِيَتَنا ونُصرّ على الطلب والسؤال والمناجاة بين يدي الله تعالى؟

كانَ أحدُ العلماء الكبار يقول: لماذا تَقتصرون على دعاء رفْعِ المصاحف -مثلاً- في ليلة القَدْر؟ -إذ إنّ في دعاء رفع المصاحف «اللهمّ إنّي أسألك بكتابك المُنْزَل وما فيه، وفيه اسمك الأعظم الأكبر وأسماؤك الحسنى»[2]- يقول: لماذا لا تلتجئون إلى رفْعِ المصاحف في غيرِ ليلة القَدْر؟ ففي كلّ وقتٍ يشعر الإنسان أنَّ ثمّة إقبالاً، عليه أن يَغتنم هذه الفرصة.

4. الأعمال المُستحَبَّة: مِن التعاليم المهمّة التي يُعلّمنا إيّاها الإسلام في شهر رمضان بناءُ علاقة قويّة مع النوافل والمُستحبّات، التي لو قارنَها الإنسان بالفرائض، لَوَجَدَها تفوقُها بِمئات المرّات. ولَو كانت أموراً يصحّ الاستغناء عنها، لَما زخرَتْ بها كُتُب الأدعية والزيارات.

فالإنسان الذي يُواظب على قراءة القرآن والدعاء، والتطوّع بالصلاة، والإكثار مِن الصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وإفطار الصائمين، والتصدّق، وسواها مِن المستحبّات التي وردَتْ في خطبة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، مِن شأنه أنْ يُقوّي علاقته بهذه النوافل، ويتنعّم بحلاوة هذه العبادة، فيتمسّك بها ويحافظ عليها بعد شهر رمضان المبارك.

 


[1]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج 10، ص 313.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص629.

 

36


23

الموعظة الرابعة: المراقبة في شهر رمضان

والمُتأمِّل في الروايات التي تتحدّث عن شهر رمضان، يجِدُها مستفيضة بالكلام عن قيام الليل وإحيائه. ومِن المَعلوم أنّ هذا القيام لا يتمّ إلّا إذا كان ساحةً للمُستحبّات والنوافل والإكثار مِن الذِكْر والتسبيح لله تعالى، ما يُدلّل على أهمّيّة التنفُّل في هذا الشهر الكريم.

فالنافلة تنقُل الإنسان إلى مقامات القُرْب مِن الله والتنعُّم بِجواره المُقدَّس، ففي الحديث الذي يورِدُه رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الله تعالى: «ما يزالُ عبدي يتقرّبُ إليَّ بالنوافل حتَى أحبّه، فإذا أحببْتُه كنتُ سَمْعَه الذي يسمعُ به، وبصره الذي يُبصِر به، ويَده التي يَبطشُ بها، ورِجْله التي يمشيبها»[1].

والنوافل تستَبْطِنُ صِدقَ العبودية لله تعالى وحِرصَ الإنسان على واجباتِه وفرائضِه -لِما ورد مِن أنّ المستحبّات سياج الواجبات-، فالحِرصُ عليها حرصٌ على سلامة الفرائض. ويُمكن للخوف مِن العذاب والفوز بالجنّة أنْ يَدفعا المرءَ للقيام بِفرائضه، لكنْ أيّ دافع يدفع المرء للقيام بالمستحبّات والنوافل الكثيرة سوى نيّة القُرب وجمال المعبود؟ وأيّ حافزٍ يجعل المرء يترك فِراشَه ونوْمَه وراحتَه لِيقضيَ قِسْطاً منْ وقته مع خير المُجالسين وأشدِّهم أُنساً، سِوى التقرُّب والتحبُّب وصدقِ العبودية، واليقينِ بِما فيخَلْوةِ النافلة مِن بَرَكاتٍ وأنوارٍ لا يَعرِفُ حقيقتَها وطَعْمَها إلّا مَن تذوّقها حقّاً؟

 


[1] المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج7، ص770.

 

37


24

الموعظة الرابعة: المراقبة في شهر رمضان

على المرْءِ إذاً أنْ يترصَّد قلبَهُ دائماً، ولا يُضيّع فرصةَ إقباله، ففي الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلَتْ فتنفّلوا، وإذا أدبرَتْ فَعليْكم بالفريضة»[1].

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج3، ص454.

 

 

38


25

الموعظة الخامسة: زكاة الفِطرة بين الصوم والعيد

الموعظة الخامسة: زكاة الفِطرة بين الصوم والعيد

 

محاور الموعظة:

زكاة الفطرة وعلاقتها بالصيام

 

هدف الموعظة:

بيان طبيعة العلاقة التي تربط زكاة الفِطرة بِفريضة الصوم ومَفهوم العيد.

 

تصدير الموعظة:

﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ١٤ وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ﴾[1].

 

 


[1] سورة الأعلى، الآيتان 14 – 15.

 

 

39

 


26

الموعظة الخامسة: زكاة الفِطرة بين الصوم والعيد

مِن المَفاهيم التي أكّدتها الشريعة مَفهومُ الزكاة، والذي يَعني -بِشكلٍ عامّ- ضرورةَ إخراجِ سَهْمٍ مِن أيّةِ نِعْمةٍ أنعَمَها الله تعالى علينا. وقد جعلَ اللهُ لِكُلّ شيء زكاته الخاصّة والمُناسِبة له؛ فالصوْم زكاةُ البدن، وزكاةُ القُدرةِ الإنصاف، وزكاةُ الجَمال العفاف، وزكاةُ الظَفَر العَفْو، وزكاةُ اليَسار بِرُّ الجيران وصِلَةُ الأرحام، وزكاة الصِحّةِ السعْيُ في طاعة الله، وزكاة الشجاعة الجهاد في سبيل الله، وزكاة النِعَم اصطِناع المعروف، وزكاة العِلْم بَذْلُهُ لِمُستحقّه وإجهادُ النفْس في العمَلِ به، وزكاة العقل احتمالُ الجُهّال، والعِلَلُ زكاة الأجساد، والشفاعة زكاة الجاه. وعلى كلّ جُزْءٍ مِن أجزائك زكاةٌ واجبةٌ لله عزّ وجلّ، بلْ على كلّ شَعرة، أو على كلّ لحظة! فزكاة العين النظرُ بالعِبرة والغضُّ عن الشهوات وما يُضاهيها، وزكاة الأُذُن استماع العِلْم والحِكمة والقرآن. والأهمّ، أنّ ما أدّيْتَ زكاتَه فهو مَأمونُ السَلْب.

إنّ القراءة المتأنّية لِزكاة الفِطَرِ وعلاقتها بالصيامِ الذي كان قبلها، والعيدِ الذي بَعدها، تَلحَظُ رابطاً قويّاً بين هذه المفاهيم الثلاثة، نقِفُ على بعضها:

1. زكاةُ الفِطرة شرطٌ في قبول الصوم: وَرَدَ في الحديث المَرويّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ صَوْمَ رمضانَ مُعلّقٌ بين السماء والأرض، لا يُرفع إلّا بِزكاةِ الفِطَر»[1]، وهو كِنايةٌ عن توقُّفِ تمامِ ثوابه، حتّى تُؤدّى الزكاة. فلا يُنافي حُصول أصلِ الثواب مِن دونها، إلّا أنّ هذا التعبير لِرسول الله (صلى الله عليه وآله) يُشعرك بأنّ الثواب والدرجات والحسنات

 


[1] البكريّ الدمياطيّ، إعانة الطالبين، ج2، ص190.

 

40


27

الموعظة الخامسة: زكاة الفِطرة بين الصوم والعيد

مَرهونةٌ بالأثر الذي تَرَكَه الصيام في القلوب، والذي يتجلّى يومَ العيد، بِدَفْع مِقدارٍ مِن المال إلى المُستحقّين.

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ مِن تمامِ الصوم إعطاء الزكاة -يعني الفِطرة- كما أنّ الصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله) مِن تمام الصلاة؛ لأنّه مَن صامَ ولمْ يُؤدِّ الزكاة، فلا صوم له إذا تَرَكَها مُتعمِّداً»[1].

2. استحبابُ إخراجها قبل الإفطار: مِن يوم العيد، وهذا كاشفٌ عن ضرورة بَدْءِ يومِ العيد بالتفكير في الفقراء والمُحتاجين، لِيكون الصوم قد أدّى آثارَه على المستوى الباطنيّ للإنسان؛ وبهذا نكون قد أعطَيْنا مفهومَ العيد بُعدَه الحقيقيّ، فالإسلام يُريد أنْ يربّينا على ثقافةِ أنّ حاجةَ الفقراء يجبُ أن نُؤْثِرَها على حاجَتِنا.

3. استحبابُ دَفْعِها إلى مُستحقّيها: قبل دخولِ المسجد لِصلاة العيد؛ لِما له من أثرٍ بالغٍ في قبول الصلاة وروحيّة أدائها؛ لذلك نَجِدُ أنّ القرآنَ الكريم قد قدّم مَن (تزكّى) على قوله (فصلّى)، وجعلَ الفَلاح مرتبطاً بِمجموعهما، فالارتباط الحقيقيّ بالله تعالى ليس سوى الشعور الإنسانيّ الذي نَعيشه تجاه الآخرين.

4. استحبابُ دَفْعِها بِاليد: فإنّها تقع بِيَدِ الله. والواقع أنَّ دفْعَها بِاليد لهُ آثارُه الروحيّة البالغة، لِضرورة أنْ تكون العلاقة -مِن غير عُذْر- بِالفقراء والمحتاجين علاقةً مُباشرةً وبِلا وساطة، ما يجعل العلاقة أكثرَ تفاعُلاً وأكثر تفهُّماً، بالتالي أكثر استمراريّةً وبقاءً، بِخلاف العلاقة غير المباشرة التي لا تَترك هذا الأثر في النفوس.

 


[1] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص183.

 

41


28

الموعظة الخامسة: زكاة الفِطرة بين الصوم والعيد

إنّ مفهومَ العيد في بُعْدِه الأخلاقيّ يعني إدخال السرور إلى قلوب المُحتاجين، وإدخالُ السرور إلى قلبك لا يتمّ إلّا عبر تفريح قلوبهم ومَسْح أحزانهم وبَلْسَمة جِراحاتهم.

5. كَراهة إخراجها مِن البلدة: هذا يعني أهمّيّة الاطّلاع على أوضاع الأقرب فالأقرب مِن أهلِ القرية؛ لأنّ ذلك سيُؤدّي في النهاية إلى معرفة المحتاجين في البلدة. ولا شكّ في أنّ الشارِعَ عندما سَنَّ هذه الفريضة بِهذه القيود، إنّما أراد أنْ تَبقى هذه العلاقة بالفقراء والمحتاجين في القرية علاقةً دائمةً ومُستمرّةً، لا تقتصر على شهر رمضان المبارك.

6. يوم العيد يومُ الجائزة: بعد أنْ صام المسلمون أيّام شهر رمضان وقاموا لياليه، ها هم يُقبِلون على يوم العيد مُهنّئين مُتودّدين، يَمسحون رأسَ اليتيم، ويَمدّون يدَ العَوْن والمساعدة إلى الفقراء والمساكين بِالبِرّ والعطاء.

إنّه يوم الجائزة؛ لأنّه يومٌ جَنى فيه الصائمون ثوابَ صيامهم، وأثابهم به الله تعالى على نجاحهم في عبور هذا الامتحان، فأقبلوا على ربٍّ كريمٍ يقول لهم: لقد أُمِرْتُم بِقيام الليل فَقُمتم، وأُمرتم بصيام النهار فصُمتم، وأطَعْتُم ربّكم، فاقبضوا جوائزكم، فهذا اليومُ يُسمّى في السماء: يوم الجائزة.

7. دعاء صلاة العيد: مِن الجَميل في صلاة العيد، أن تَقِفَ بين يَدَي الله تعالى، بعد الصيام والقيام، وبعد الزكاة وما تَرَكَتْ مِن نَقاءٍ وصفاءٍ في القلْب والنفْس، لتقول: «اللهمّ إنّي أسألك أنْ تُدخِلَني في كلّ خيرٍ أدخلْتَ فيهِ محمّداً وآلَ محمّد، وأنْ تُخرِجَني مِن كلّ

 

 

42


29

الموعظة الخامسة: زكاة الفِطرة بين الصوم والعيد

سوء أخرَجْتَ مِنه محمّداً وآلَ محمّد. اللهمّ إنّي أسألك خير ما سألَكَ عبادُك الصالحون، وَأعوذُ بكَ مِن شرِّ ما استعاذ مِنه عِبادُك المُقرّبون»[1].

إنّه سؤالُ اللهِ التوفيقَ إلى مزيدٍ مِن القُرب والرضا، ووعدٌ بِالمزيد مِن الطاعةِ والعملِ الصالح.

إنّ مجموعَ ما تَقدّمَ يفيدُ أنَّ البُعْدَ الاجتماعيّ للصوم يتجلّى يوم العيد عن طريق التفكير بعموم المؤمنين، والخروج من الدائرة الضيّقة للأنا إلى الدائرة الأوسع للمسلمين، بلْ لِعموم الناس. وهُو ما يَظهر على ألسنتنا في الدعاء الذي نقرأه عقيب كلّ صلاة في شهر رمضان: «اللهمّ أدخِلْ على أهل القبور السرور، اللهمّ أغنِ كلّ فقير، اللهمّ أشبع كلّ جائع، اللهمّ اكسُ كلّ عُريان، اللهمّ اقضِ دَيْن كلّ مَدين، اللهمّ فرِّج عن كلّ مكروب، اللهمّ رُدَّ كلّ غريب، اللهمّ فُكّ كلَّ أسير، اللهمّ أصلِحْ كلّ فاسدٍ مِن أمور المسلمين، اللهمّ اشفِ كلّ مريض، اللهمّ سُدَّ فقرنا بغناك، اللهمّ غيِّرْ سوءَ حالنا بِحُسْنِ حالِك، اللهمّ اقضِ عنّا الدَيْن، وأغنِنا مِن الفَقْر، إنَك على كلّ شيءٍ قدير»[2].

 

 


[1] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجِّد وسلاح المتعبِّد، ص654.

[2] العلاّمة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج83، ص98.

 

43


30

الموعظة السادسة: فضل الاعتكاف وثوابه

الموعظة السادسة: فضل الاعتكاف وثوابه

 

محاور الموعظة:

مفهوم الاعتكاف
فضل الاعتكاف
أفضل أوقات الاعتكاف
مكان الاعتكاف
قضاء حوائج المؤمنين أفضل من الاعتكاف

 

هدف الموعظة:

توضيح عبادة الاعتكاف، وبيان فَضْلها، ودعوة الناس إلى الاهتمام بها في شهر رمضان المبارك.

 

تصدير الموعظة:

﴿وَإِذۡ جَعَلۡنَا ٱلۡبَيۡتَ مَثَابَة لِّلنَّاسِ وَأَمۡنا وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ مُصَلّىۖ وَعَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡعَٰكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ﴾[1].

 


[1]  سورة البقرة، الآية 125.

 

44


31

الموعظة السادسة: فضل الاعتكاف وثوابه

يرتبط مبدأ الاعتكاف ارتباطاً وثيقاً بِموضوع اعتزالِ الناس وصَخَبِ الحياة والابتعادِ عن مُفرداتها اليوميّة، ومحاولةِ الخَلْوة بالله تبارك وتعالى، والانشغالِ بِمختلف أنواع العِبادات، ما يُساهم في تقوِية الشعور بِلذّة الطاعة عند الإنسان، وتربيته على ضرورة تخصيص وقتٍ -بِشكلٍ دائم- للخَلْوة مع الله.

 

ويرتكز مفهوم الاعتكاف على أمريْن أساسيَّيْن:

1. الانقطاع إلى الله: لِما للانقِطاع إلى الله مِن أثَرٍ بالغٍ في صَفاء النفوس وبُلوغِها أعلى المراتب. فقد وَرَدَ في الدعاء: «إلهي هَبْ لي كمالَ الانقطاع إليك، وأَنِرْ أبصارَ قلوبِنا بِضياء نَظَرِها إليك، حتّى تَخْرقَ أبصارُ القلوب حُجُبَ النورِ، فَتَصِل إلى مَعْدِن العَظَمة، وتَصير أرواحُنا مُعلّقةً بِعِزّ قُدْسِك»[1].

2. الإعراض عن الدنيا: أي عدم الانشغال بالشؤون الدنيويّة، مِن بَيْعٍ أو تِجارةٍ أو أحاديثِ لَغْوٍ، أو لَهوٍ، أو خَوْضٍ في باطل، وسوى ذلك ممّا يُفسِد الانقطاع إلى الله. بالتالي تَنزيل الدنيا مَنزلة مبدأ المَعاصي ورأس كلّ خطيئة في النفس، وأنّها الحِجاب الأكبر الذي يَحجبُ الإنسانَ عن التقرُّب والإخلاص لله.

فضل الاعتكاف

للاعتكاف ثوابُه العظيم، فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يُردّد دائماً: «ثواب الاعتكاف يُعادِلُ حجّتيْن وعُمرتيْن»[2].

 

 


[1] السيّد ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج3، ص299.

[2] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص60.

 

45


32

الموعظة السادسة: فضل الاعتكاف وثوابه

أفضل أوقات الاعتكاف

لمّا كان الصوم شَرْطاً في صِحّة الاعتكاف، وأفضل الصوْمِ في شهر رمضان، كانَ أفضل الاعتكاف في شهر رمضان المبارك. فقد وَرَدَ أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) إذا كانَ مُقيماً اعتكفَ العَشْرَ الأواخر مِن شهر رمضان، وإذا سافرَ اعتكفَ مِن العامِ المُقبِل عِشْرين[1].

 

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «كان رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) إذا كانَ العشر الأواخر -يعني مِن شهر رمضان- اعتكفَ في المسجد، وضُرِبَتْ له قُبّة مِن شَعر، وشَمّرَ المَئزر، وَطوى فِراشه»[2].

 

مكان الاعتكاف

عن الإمام الصادق(عليه السلام): «لا اعتكاف إلّا في مَسجدِ جَماعةٍ قد صلّى فيه إمامٌ عَدْلٌ بِصلاة جَماعة»[3].

 

قضاء حوائج المؤمنين أفضل من الاعتكاف

عن ميمون بن مهران: كنتُ جالساً عند الحَسن بن عليّ(عليهما السلام)، فأتاهُ رَجُلٌ فقال له: يابنَ رسول الله، إنّ فلاناً له عَلَيَّ مالٌ، ويُريد أن يَحبِسَني، فقال (عليه السلام): «والله، ما عندي مالٌ فأقضي عنك»، قال: فَكَلِّمْه، قال: فَلَبِسَ(عليه السلام) نَعلَه، فقلتُ له: يابن رسول الله، أنَسيتَ اعتِكافَك؟! فقال (عليه السلام) له: «لَمْ أنْسَ، ولكنّي سَمِعتُ أبي (عليه السلام) يُحدِّث عن جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: مَن سعى في حاجةِ أخيه المُسلم، فَكأنّما

 

 


[1] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص260.

[2]  العلاّمة المجلسيّ، روضة المتّقين، ج3، ص496.

[3]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج7، ص401.

 

46


33

الموعظة السادسة: فضل الاعتكاف وثوابه

عَبَدَ اللهُ عزّ وجلّ تسعةَ آلافِ سَنة، صائماً نَهارَه، قائماً ليلَه»[1].

 

ولا يخفى أنّ قضاءَ حوائجِ المُؤمنين عبادة، بلْ مِن أهمّ العِبادات؛ لأنّ لها بُعداً عامّاً يَطال سلامةَ المجتمع، وهذا أرفعُ شأناً مِن العبادة التي لها بُعدٌ خاصٌّ وفرديٌّ فقط.

 

 


[1]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج7، ص409.

 

47


34

الموعظة السابعة: الفتح المبين والرحمة الواسعة

الموعظة السابعة: الفتح المبين والرحمة الواسعة

 

محاور الموعظة:

الفتح العظيم
تجلّي الأخلاق المحمّديّة

 

هدف الموعظة:

تقديم بعض الدروس والعِبَر الأخلاقيّة التي تُلائم ثقافة النصر في الإسلام، والتي جسّدها رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم فتح مكّة.

 

تصدير الموعظة:

﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَة لِّلۡعَٰلَمِينَ﴾[1].

 

 


[1] سورة الأنبياء، الآية 107.

 

51


35

الموعظة السابعة: الفتح المبين والرحمة الواسعة

الفتح العظيم

كان فتح مكّة بدايةَ فتحٍ عظيمٍ للمسلمين، فقد كان الناس تبعاً لقريش في جاهليّتهم، كما أنّهم تبعٌ لقريشٍ في إسلامهم، وأتت مكّة عاصمةً الشرك والوثنيّة، وكانت القبائل تنتظر ما يفعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع قومه وعشيرته، فإن نصره الله عليهم، دخلوا في دينه، وإن انتصرت قريش، يكونوا بذلك قد كفوهم أمره. من هنا، فقد كان يوم فتح مكّة من الأيّام الإلهيّة التي انهارت فيها أكبر قلاع الشرك والباطل، وتحطّمت الأصنام التي لطالما عكف عليها الناس، وصدع صوت الله أكبر وحده لا شريك له وأنّ محمداً (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله في مكّة المكرّمة، كما استسلم أهلها، وكتب الله لرسوله النصر المبين.

 

من المعلوم أنّ هذه الحملة العسكريّة على مكّة إنّما كانت بعدما نقض المشركون بنودَ صلح الحديبية، وذلك بإغارتهم على قبيلة خزاعة حليفة المسلمين، وبالتالي فقد كان الدرس الأوّل من هذه المعركة هو بيان عاقبة نكث العهود، وأنّه وخيم للغاية، إذ نكثت قريش عهدَها، فحلّت بها الهزيمة، وخسرت كيانها الذي كانت تدافع عنه وتحميه.

 

تجلّي الأخلاق المحمّديّة

في هذا اليوم، سطّر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أروع معاني الأخلاق الكريمة والسجايا الفاضلة التي انصهرت شخصيّته الرساليّة بها، فكان فتحاً لا يشابهه أيّ فتح في أيٍّ من الحروب والمعارك.

 

من المهمّ والضروريّ في يوم فتح مكّة الوقوف على المشاهد الآتية:

 

 

52


36

الموعظة السابعة: الفتح المبين والرحمة الواسعة

1. العفو عند المقدرة: لمّا استتبّ الأمر لرسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم فتح مكّة، دخل الكعبة وطرح ما بها من أصنام وأمر بتكسيرها، ثمّ توجّه إلى المكّيّين وسألهم: «ماذا ترون أنّي فاعلٌ بكم؟»، قالوا: خيراً، أخٌ كريم، وابن أخٍ كريم، فقال (صلى الله عليه وآله): «إنّي أقول لكم ما قال أخي يوسف لإخوته، لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، اذهبوا فأنتم الطلقاء»[1].

بهذا الموقف جسّد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّ الإسلام دين عفو ورحمة، وأنّه لا يعامل قريشاً بحقدٍ وانتقام، على الرغم من معاناته معهم طيلة عشرين عاماً، ومحاصرتهم له، وخوضهم المعارك ضدّه، وقتلهم لأصحابه وأنصاره، ومحاولتهم اغتياله والقضاء على مشروعه كلّه.

2. المحافظة على الدماء والأعراض: أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهذا الفتح أن يكون نموذجاً وتجسيداً لمكارم الأخلاق في الإسلام، فقد كان باستطاعته أن يدخل مكّة بالقوّة، وقد جاءها في عشرة آلاف مقاتل، لكنّه أعلن أنّ الموقف ليس للانتقام والكراهية، بل إنّ الناس وأموالهم وأرزاقهم وممتلكاتهم في أمنٍ وأمان، فنادى فيهم مقولته المشهورة: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن»[2].

وفي روايةٍ أنّ أحد قادة جيش المسلمين أخذ ينادي حين دخول مجموعته العسكريّة مكّة من أحد مداخلها: «اليوم يوم الملحمة،

 

 


[1] العلّامة الحلّيّ، تذكرة الفقهاء، ج1، ص428.

[2]  النمازيّ، مستدرك سفينة البحار، ج8، ص109.

 

53


37

الموعظة السابعة: الفتح المبين والرحمة الواسعة

اليوم تُسبى الحُرمة»، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهذا الشعار، وقال ردّاً عليه: «اليوم يوم المرحمة»[1]، ولم يكتفِ بذلك، بل أمر بأخذ اللواء منه، ودفعه إلى شخصٍ آخر [أمير المؤمنين (عليه السلام)] تأديباً له.

3. التواضع عند النصر: فالانتصار عند غير المسلمين يكون مدعاة للتكبّر والتعالي والاستئثار وفرض القرارات الجائرة والانتقاميّة والغفلة عن الله، بينما نرى أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا أشرف على مكّة ورأى منازلها، اغرورقت عيناه بالدموع، فانحنى تواضعاً لله وشكراً، وأنّه لمّا دخل الكعبة، فإنّ أوّل ما قام به أن صلّى ركعتي شكر لله تعالى.

ومن بيان تواضع الرسول (صلى الله عليه وآله) لربّه شكراً له على آلائه وإنعامه عليه، إذ دخل مكّة وهو مطأطئ الرأس، حتّى إنَّ لحيته لمست رحلَ ناقته تواضعاً لله وخشوعاً، فلم يدخل -وهو الظافر المنتصر- دخولَ الظلمة الجبّارين سفّاكي الدماء البطَّاشين بالأبرياء والضعفاء.

4. الوفاء: عندما دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكّة في موكب عظيم وجليل، دخلها من ناحيةٍ يُقال لها «أذاخر»، وهي أعلى نقطة في مكّة، فضُرب له قبّة عند قبر عمّه أبي طالب ليستريح فيها، وقد أصرّوا عليه أن ينزل في بعض بيوت مكّة، فأبى[2]، وهذا الموقف منه (صلى الله عليه وآله) إنّما كان لشدّة محبّته لأبي طالب، ووفاءً لدوره في رعاية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحمايته الرسالة عند بدايات الدعوة.

 

 


[1]  الواقديّ، المغازي، ج2، ص821 – 822.

[2] المقريزيّ، إمتاع الأسماع، ج1، ص380.

 

54


38

الموعظة السابعة: الفتح المبين والرحمة الواسعة

الموعظة الثامنة: أبو طالب ناصر الرسول(صلى الله عليه وآله)

 

 

محاور الموعظة:

علاقته برسول الله (صلى الله عليه وآله)
نصرته لرسول الله (صلى الله عليه وآله)
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووفاة أبي طالب

 

هدف الموعظة:

التعريف بشخصيّة أبي طالب وأهمّ مواقفه الرساليّة، ودوره في إعلاء صوت الرسالة، ومؤازرته للنبيّ (صلى الله عليه وآله).

 

تصدير الموعظة:

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «هبط عليّ جبرائيل، فقال لي: يا محمّد، إنّ ربّك يقرئك السلام، ويقول: إنّي قد حرّمتُ النار على صُلبٍ أنزلكَ، وبطنٍ حملكَ، وحِجرٍ كَفَلَكَ… وأمّا حِجرٌ كَفَلَكَ فحِجرُ أبي طالب»[1].

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص446.

 

55


39

الموعظة الثامنة: أبو طالب ناصر الرسول(صلى الله عليه وآله)

أبو طالب: اسمه عبد مناف بن عبد المطّلب بن هاشم، ومن ألقابه: أبو طالب، سيّد البطحاء، شيخ قريش، رئيس مكّة، بيضة البلد، الشيخ، شيخ الأباطح[1].

 

كان يتمتّع بشخصيّة ومَهابة في نفوس قومه، وكان طاهراً مستقيماً، يقلّدونه في أفعاله، ولا يتقدّمونه في أمرٍ إلّا بعد أن يستشيروه، وكانت رئاسة قريش له بعد عبد المطّلب، وكان أمره نافذاً[2].

 

 

علاقته برسول الله (صلى الله عليه وآله)

كَفَل أبو طالب رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) بطلبٍ من عبد المطّلب، فكان عنده كأحد أبنائه، بل كان يتقدّمهم في الرعاية والعطف والمودّة، فكان ينام بجنبه، وإذا خرج يُخرِجه معه، وكان يخصّه بالطعام، فشبّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند أبي طالب يكلؤه ويحفظه ويحوطه من أمور الجاهليّة ومعائبها لما يريد من كرامته[3].

 

وفي روايةٍ أنّ جبرائيل نزل ليلة وفاة أبي طالب، فقال: «يا محمّد، اُخرج من مكّة، فما لك بها ناصر بعد أبي طالب!»[4].

 

نصرته لرسول الله (صلى الله عليه وآله)

تجلّت نصرته لرسول الله (صلى الله عليه وآله) من خلال المواقف الداعمة له، ولا سيّما في بدايات الدعوة والرسالة، وفي كفّ أذى قريش عنه، وأهمّ ما يمكن لفت النظر إليه:

 

 


[1]  أحمد بن عليّ الحسينيّ، عمدة الطالب في أنساب أبي طالب، ص20.

[2]  ابن دحلان، أسنى المطالب، ص6.

[3] ابن كثير، السيرة النبويّة، ج1، ص249.

[4] الشيخ الأمينيّ، الغدير، ج7، ص390.

 

56


40

الموعظة السابعة: الفتح المبين والرحمة الواسعة

1. تعزيزه وإكرامه أمامهم: كان يُقدِّمه في الحديث على ساداتهم، ولا يرضى منهم مقاطعته، ويصدّقه ويكذّبهم، حتّى أنّ أبا لهب حاول أن يعترض النبيّ(صلى الله عليه وآله) يوماً بالكلام، فقال له أبو طالب: «اسكت يا أعور، ما أنت وهذا!»، ثمّ قال: «لا يقومنّ أحد»، فجلسوا، ثمّ قال للنبيّ(صلى الله عليه وآله): «قم يا سيّدي، فتكلّم بما تحبّ، وبلّغ رسالة ربّك، فإنّك الصادق المصدّق»[1].

 

2. دعوة أقربائه لنصرته: كان أبو طالب يحثّ أبناءه طالباً وعقيلاً وجعفراً وعليّاً على الإيمان برسول الله (صلى الله عليه وآله) والتصديق به، وشدّ أزره، فكان يقول لعليّ(عليه السلام): «وازِر ابنَ عمّك وانصره»[2].

 

3. وقوفه في وجه قريش: عندما عزمت قريش على مواجهة النبيّ(صلى الله عليه وآله)، كان أبو طالب بالمرصاد، يواجههم ولا يستجيب لمطالبهم، وتحدّى في ذلك وجهاء القوم وساداتهم، كما أنّه كان يدعوهم إلى الإيمان برسول الله (صلى الله عليه وآله). ومن مواقفه مدحه للنجاشيّ بشعر، ممّا جعله يزيد في إكرام مهاجري الرسالة إلى الحبشة، ويُكثِر من إعظامهم[3].

 

4. رفضه العروض كافّة لإبعاده عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): حاولت قريش إقصاء أبي طالب وإبعاده عن النبيّ (صلى الله عليه وآله)، عبر عرضها عليه المال وخيرة أبنائها وسلطانها على أن يسلّمهم محمّداً (صلى الله عليه وآله)، فواجههم وأحبط كيدهم وأبطل مخطّطاتهم.

 


[1] ابن كثير، البداية والنهاية، ج3، ص319.

[2]  ابن كثير، السيرة النبويّة، ج1، ص431.

[3]  راجع: العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج35، ص122.

 

57


41

الموعظة الثامنة: أبو طالب ناصر الرسول(صلى الله عليه وآله)

رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووفاة أبي طالب

لمّا قُبِض أبو طالب -رحمه الله-، آتى أميرُ المؤمنين (عليه السلام) رسولَ الله (صلى الله عليه وآله)، فآذنه بموته، فتوجّع لذلك النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وقال: «امضِ يا عليّ، فتولَّ غسله وتكفينه وتحنيطه، فإذا رفعته على سريره، فأعلمني»[1].

 

ففعل ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلمّا رفعه على السرير، اعترضه النبيّ(صلى الله عليه وآله)، فرقّ له، وقال: «وصلتك رحم، وجُزيتَ خيراً، فلقد ربّيتَ وكفَلتَ صغيراً، وآزرتَ ونصرتَ كبيراً»، ثمّ أقبل على الناس، فقال: «أما والله، لأشفعنّ لعمّي شفاعةً يعجب منها أهل الثقلين»[2].

 

 


[1]  الشيخ المفيد، إيمان أبي طالب، ص26.

[2]  المصدر نفسه.

 

58


42

الموعظة الثامنة: أبو طالب ناصر الرسول(صلى الله عليه وآله)

الموعظة التاسعة: السيّدة خديجة، النموذج والقدوة

 

 

محاور الموعظة

إسلامها وإيمانها
منزلتها ومقامها
جهادها وبذلها مالها في الدعوة
مقامها في الآخرة

 

هدف الموعظة

التعريف بالجوانب المُشرِقة للسيّدة خديجة (عليها السلام) وعلوّ شأنها، ومساهماتها في نجاح الدعوة.

 

تصدير الموعظة

﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلسَّٰ


43

شاهد أيضاً

الولايات المتحدة تعتزم إرسال جنرالات لوضع خطط للعملية المقترحة في رفح

تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية إرسال جنرالات لوضع خطط للعملية المقترحة في مدينة رفح جنوبي قطاع ...