الرئيسية / الاسلام والحياة / أدب الحوار في أصول الدين

أدب الحوار في أصول الدين

ولعلّ المراد من قوله : « اللّهمّ ائتني بأحبّ الخلق . . . » هو : اللّهمّ اثتني بمن هو من أحبّ الخلق . . . !
وهكذا . . . .
وأخيراً :
لعلّ أبا بكر وعمر لم يكونا حاضرين حينذاك في المدينة المنوّرة ! !
موقف الشيعة من هجوم الخصوم :
وكُتُب الشيعة الإمامية الاثني عشرية في أُصول الدين ، وفي الإمامة منها بالخصوص ، يمكن تقسيمها إلى قسمين :
الأوّل : ما ألّفه علماء هذه الطائفة لبيان أدلّتها على ما ذهبت إليه في أُصول الدين وفي خصوص الإمامة ، وهي كتب ألّفوها لبيان عقائد الشيعة ، مع الإشارة إلى أدلّتها ، وفيها جاءت العقائد الشيعية مع المقارنة أحياناً بغيرها من عقائد الفرق ; ومن هذا القسم :
أوائل المقالات : للشيخ المفيد البغدادي .
والذخيرة في علم الكلام : للسيّد المرتضى الموسوي البغدادي .
والاقتصاد الهادي إلى الرشاد : للشيخ أبي جعفر الطوسي .
وتجريد الاعتقاد : للشيخ نصير الدين الطوسي .
وكتب العلاّمة الحلّي ، ككتاب « نهج الحقّ وكشف الصدق » الذي سنتكلّم عليه بالتفصيل .
الثاني : ما ألّفه العلماء في « ردّ » أو « نقض » ما كتبه الخصوم ضدّ المذهب الإمامي .
والظاهر أنّ كتبهم من هذا القسم أكثر عدداً منها من القسم الأوّل ، وذلك لأنّ خصومهم قد دأبوا منذ عهد بعيد على الهجوم عليهم بالسبّ والشتم ، وعلى المكابرة وإنكار الحقائق . . . .
فمن السهل أن يقول القائل منهم في حديث : « مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها هلك » ( 1 ) : « كذب موضوع » ! ( 2 ) . . . .
أو أنّ الحديث : « خُلقت أنا وعليٌّ من نور واحد » ( 3 ) : « موضوع بإجماع أهل السُنّة » ( 4 ) . .
أو أنّ الحديث : « اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى
رسولك . . . » ( 1 ) : « لم يروه أحد من أصحاب الصحاح ، ولا صحّحه أئمّة الحديث » ( 2 ) .
وكذا من السهل أن يقول القائل منهم مثلا في حديث الغدير ( 3 ) : « لم يقل أحد من أئمّة العربية بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأَولى ) ( 4 ) . .
وفي حديث الثقلين : « إنّي تارك فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيَّ الحوض » ( 5 ) : أنّه قال : « . . . كتاب اللّه وسُنّتي » ( 6 ) . . . .
وفي حديث سدّ الأبواب : « أُمرت بسدّ الأبواب إلاّ باب عليّ » ( 7 ) :
« إنّ هذه الفضيلة كانت لأبي بكر فقلبته الرافضة إلى عليّ » ! ( 1 ) . . . .
وفي حديث المنزلة : « أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى » ( 2 ) : « إنّه لا يدلّ على عموم المنزلة » ( 3 ) . . . .
إنّ كلّ واحد من هذه الأقاويل سطر واحد أو سطران ، لكن الجواب عنه يستدعي الكثير من البحث ، وربّما يشكّل كتاباً برأسه ، كما هو واضح .
فمن هنا نرى كثرة كتب الردّ والنقض في مؤلفات الإمامية ، فهم – في الأغلب – في مقام الدفاع عن مباني المذهب ، وأُسس الدين ، وربّما لا نجد كتاباً لأحدهم وضعه للهجوم على الخصوم .
* فلقد ألّف الجاحظ – المتوفّى سنة 255 – كتاب العثمانية للهجوم على الشيعة ، وقد شحنه بالكذب وإنكار الضروريات وجحد البديهيات ، وحتّى شجاعة أمير المؤمنين – عليه الصلاة والسّلام – حاول
إنكارها ( 1 ) – كما قال المسعودي – : « طلباً لإماتة الحقّ ومضادّةً لأهله ، واللّه متمّ نوره ولو كره الكافرون » ( 2 ) .
لكنّه عاد فنقض ما كتبه ، فكان أوّل من ردّ على العثمانية ( 3 ) .
ثمّ ردّ عليها جماعة من الإمامية وغيرهم بردود اشتهرت ب‍ « نقض العثمانية » ، منهم : أبو جعفر الإسكافي المعتزلي – المتوفّى سنة 240 – ، والمسعودي صاحب مروج الذهب – المتوفّى سنة 346 – ، والسيّد جمال الدين ابن طاووس الحلّي – المتوفّى سنة 673 – في بناء المقالة الفاطمية ، وهو مطبوع .
* وألّف القاضي عبد الجبّار بن أحمد المعتزلي – المتوفّى سنة 415 – كتاب المغني ، وتعرّض فيه لعقائد الإمامية بالردّ والنقد ، وخصوصاً في باب الإمامة ، إذ كان – كما جاء في خطبة كتاب الشافي – « قد بلغ النهاية في جمع الشُبه ، وأورد قوي ما اعتمده شيوخه ، مع زيادات يسيرة سبق إليها ، وتهذيب مواضع تفرّد بها » ( 4 ) .
فكتب السيّد المرتضى – المتوفّى سنة 436 – في الردّ عليه كتاب
الشافي في الإمامة ، ثمّ لخّصه تلميذه الشيخ أبو جعفر الطوسي – المتوفّى سنة 460 – واشتهر كتابه ب‍ : تلخيص الشافي .
* ثمّ كتب شهاب الدين الشافعي الحنفي الرازي – من بني مشّاط – كتاباً سمّاه بعض فضائح الروافض ، هاجم فيه الشيعة وتحامل عليهم .
فردّ عليه معاصره الشيخ نصير الدين عبد الجليل بن أبي الحسين القزويني ( 1 ) بكتاب بعض مثالب النواصب في نقض بعض فضائح الروافض ، وهو مطبوع .
* ثمّ ظهر أحمد بن عبد الحليم الحرّاني ، ابن تيميّة ، فألّف كتاب منهاج السُنّة ، زعم أنّه ردٌّ على كتاب منهاج الكرامة للعلاّمة الحلّي ، لكنّه – من أوّله إلى آخره – مجموعة سباب وافتراءات وما هو – في مجمله – إلاّ بغض لأمير المؤمنين وأهل البيت الطاهرين عليهم الصلاة والسلام .
فكتب بعض معاصريه ردّاً عليه ، هو كتاب الإنصاف والانتصاف لأهل الحقّ من أهل الإسراف ، تمّ تأليفه سنة 757 .
وكتب في الردّ عليه أيضاً : السيّد مهدي القزويني – المتوفّى سنة 1348 – كتاب منهاج الشريعة .
ولهذا العبد العاجز – صاحب المقدّمة – كتاب دراسات في منهاج السُنّة ، وهو كتاب جليل مطبوع منتشر في البلاد .
كما جاء الردّ على منهاج السُنّة في شرح منهاج الكرامة لهذا العبد ، والجزء الأوّل منه مطبوع الآن .
* وألّف يوسف الأعور الواسطي الشافعي كتاب الرسالة المعارضة في الردّ على الرافضة .
فردّ عليه : الشيخ عزّ الدين الحسن بن شمس الدين المهلّبي الحلّي ، في سنة 840 بكتاب الأنوار البدرية في كشف شبه القدرية ، قال : « التزمت فيه على أنّ لا استدلّ من المنقول عن الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلاّ بما ثبت من طريق الخصم ، ولا أفعل كما فعل الناصب في كتابه » ( 1 ) .
كما ردّ عليه أيضاً : الشيخ نجم الدين خضر بن محمّد الحبلرودي الرازي بكتاب التوضيح الأنور في دفع شبه الأعور ، وذلك في سنة 839 في مدينة الحلّة بالعراق .
* وألّف ابن حجر الهيتمي المكّي – المتوفّى سنة 974 – كتاب الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البدع والزندقة ، قال في خطبته : « فإنّي سئلت قديماً في تأليف كتاب يبيّن حقّية خلافة الصدّيق وإمارة ابن الخطّاب ، فأجبت إلى ذلك مسارعة في خدمة هذا الجناب ، فجاء بحمد اللّه أُنموذجاً لطيفاً ، ومنهاجاً شريفاً ، ومسلكاً منيفاً .
ثمّ سئلت في إقرائه في رمضان سنة 950 بالمسجد الحرام ، لكثرة الشيعة والرافضة ونحوهما الآن بمكّة المشرّفة أشرف بلاد الإسلام ، فأجبت إلى ذلك ، رجاء لهداية بعض من زلّ به قدمه عن أوضح المسالك . . . » ( 1 ) .
فردّ عليه القاضي نور اللّه التستري – الشهيد في الديار الهندية سنة 1019 – بكتاب الصوارم المهرقة في الردّ على الصواعق المحرقة ، وقد طبع غير مرّة .
* وكتب من يدعى محمّد نصر اللّه الكابلي – وهو نكرة لم يعرف ، ولعلّه اسم مستعار – كتاب الصواقع الموبقة .
* ثمّ جاء المولوي عبد العزيز الدهلوي – المتوفّى سنة 1239 – فأخذ مطالبه وانتحلها في كتابه تحفه اثنا عشرية بالفارسية . . وهو كتاب في التهجّم على الشيعة الاثني عشرية ، في الأُصول والفقهيات وغير ذلك . . . .
* ثمّ إنّ النعمان الآلوسي البغدادي نشره بالعربية ملخّصاً باسم مختصر التحفة الاثنا عشرية ، فزاد عليه في الهوامش بعض أتباع بني أُميّة وأعداء الدين الحنيف ما سوّلت له نفسه الخبيثة من الأكاذيب والأراجيف ، وطبعته الأيدي الأثيمة من أذناب الكفر العالمي
مرّات عديدة .
فكُتبت على التحفة الردود الكثيرة من قبل كبار علماء الشيعة في البلاد الهندية ، في الأبواب المختلفة ، وفنّدوا مزاعمه ، وكشفوا أباطيله ، وزيّفوا تمويهاته ، جملةً وتفصيلا ، وقد تناول السيّد مير حامد حسين النيسابوري اللكهنوي – المتوفّى سنة 1306 – باب الإمامة منه بالردّ والنقد ، في كتابه العظيم عبقات الأنوار في إثبات إمامة الأئمّة الأطهار .
كما كُتبت على مختصر التحفة ردود أُخرى كذلك .
ومن شاء التفصيل عنه وعن سائر الردود على كتاب التحفة فليرجع إلى كتابنا دراسات في كتاب العبقات ( 1 ) .

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...