موسوعة الأحاديث الطبيّة
1 أكتوبر,2022
الاسلام والحياة, كلامكم نور
340 زيارة
3 . الدين ومهنة الطبّ
مع أنّ الطبّ الوقائيّ قد حظي – كما بيّنا – باهتمام الأحكام الدينيّة ، وأنّ أئمّة الدين
أصابوا من علم الطبّ ما أصابوا ، غير أنّ فلسفة الدين ليست الخوض في مهنة
الطبّ ، لذا جعلت الروايات الإسلاميّة علم الدين قسيماً لعلم الطبّ ( 4 ) ، كما أنّ أهل
البيت لم يخوضوا في الشؤون الطبّية كمهنة ، وأنّ فصل الفقه عن الطبّ ، وعمل
الفقهاء عن عمل الأطبّاء ( 5 ) دليل آخر أيضاً على امتياز نطاق الدين عن نطاق الطبّ .
عرفنا إذاً أنّ خوض الأئمّة في المسائل الطبّية كخوضهم في سائر العلوم إذ كان
خاصّاً مؤقّتاً لا عامّاً دائماً على نحو مراجعة الناس الأطبّاء ، وكان يمثّل نوعاً من
الكرامة والإعجاز .
ومن البديهيّ أنّ الناس لو كانوا قد اهتمّوا واستناروا بعلم أهل البيت ( عليهم السلام ) الجمّ ،
وسجّلوا آثارهم العلميّة بإتقان ؛ لإستمتعت البشريّة هذا اليوم بذخائر علميّة ثقافيّة
عظيمة في شتّى فروع العلم ، لكنّا نأسى على جهل المنزلة العلميّة لأهل البيت ( عليهم السلام ) إذ
لم تُعرَف حقّ معرفتها ، كما أنّ ما أُثر عنهم لم يسلم من مكائد الساسة المحترفين
المفترين ، حتّى نجد أنّ الظفر بتراثهم العلميّ هذا اليوم يحتاج إلى جهود بالغة .
ونظراً إلى ما قلناه نقوم فيما يأتي بتقويم الأحاديث التي وصلت إلينا عن أهل
البيت ( عليهم السلام ) في القضايا الطبّية :
تقويم الأحاديث الطبّية من منظور الشيخ الصدوق يحكم شيخ المحدّثين محمّد بن عليّ بن بابويه القمي المعروف بالصدوق ( رحمه الله ) على
الأحاديث الطبّية بنحو لا يمكن الركون إليه إلاّ في حالات خاصّة ، يقول ( رحمه الله ) :
” اعتقادنا في الأخبار الواردة في الطبّ أنّها على وجوه :
منها : ما قيل على هواء مكّة والمدينة فلا يجوز استعماله في سائر
الأهوية .
ومنها : ما أخبر به العالم ( عليه السلام ) على ما عرف من طبع السائل ولم يتعدّ
موضعه ؛ إذ كان أعرف بطبعه منه .
ومنها : ما دلّسه المخالفون في الكتب لتقبيح صورة المذهب عند
الناس .
ومنها : ما وقع فيه سهو من ناقله .
ومنها : ما حُفظ بعضه ونُسي بعضه .
وما روي في العسل أنّه شفاء من كلّ داء فهو صحيح ، ومعناه أنّه شفاء
من كلّ داء بارد .
وما روي في الاستنجاء بالماء البارد لصاحب البواسير ؛ فإنّ ذلك إذا
كان بواسيره من حرارة .
وما روي في الباذنجان من الشفاء ؛ فإنّه في وقت إدراك الرطب لمن
يأكل الرطب ، دون غيره من سائر الأوقات .
وأمّا أدوية العلل الصحيحة عن الأئمّة ( عليهم السلام ) فهي آيات القرآن وسوره ،
والأدعية على حسب ما وردت به الآثار بالأسانيد القويّة والطرق
الصحيحة ” . ( 1 )
وفي ضوء هذا التقويم يتسنّى لنا أن نضع قسماً من الأحاديث الطبّية في متناول
أشخاص معيّنين ترتبط بهم هذه الأحاديث ، ونضرب عن سائر الأحاديث صفحاً .
والأحاديث الوحيدة التي يتيسّر وضعها في متناول العامّة من الناس هي الأحاديث
الصحيحة التي تدعو الناس إلى العلاج بواسطة الدعاء والاستشفاء بالآيات القرآنيّة .
يبدو أنّ كلام الشيخ الصدوق ( رحمه الله ) وإن كان صحيحاً مبدئيّاً ، إذ إنّ الأحاديث
الطبّية فاقدة للسند عادةً ، واحتمال الدسّ فيها كبير ، لكنّ نتيجة هذا الضرب من
التقويم حرمان الناس من بعض الذخائر العلميّة لأهل البيت ( عليهم السلام ) ؛ لأنّ ضعف السند
لا يقوم دليلا على تعذّر صدور الحديث لا محالة ، كما أنّ صحّة السند ليست دليلا
على صدوره القطعيّ ، من جهة أُخرى لا يُستسهَلُ الحكم على أنّ عدداً من أنواع
العلاج الواردة في الأحاديث يخصّ أشخاصاً معيّنين دون غيرهم .
من هنا ، لا نستطيع أن نزوّد عامّة الناس بجميع الأحاديث كإرشادات طبّية
لأئمّة الدين ، كما لا نستطيع أن نضعها جانباً ونحذفها من كتب الحديث بنحو عام ،
فما عسانا أن نفعل ؟ !
2022-10-01