أقسام الأحاديث الطبّية
لابدّ أن نقول في الإجابة عن هذا السؤال : إنّ لنا أن نقسم الأحاديث الطبّية إلى
ثلاثة أقسام :
القسم الأوّل : الأحاديث التي تمثّل معجزة أئمّة الدين في علاج الأمراض ، كما
ورد في القرآن الكريم إذ نقل لنا معجزة عيسى ( عليه السلام ) . قال تعالى :
( وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ ) . ( 1 )
القسم الثاني : الأحاديث المأثورة في الوقاية من الأمراض .
القسم الثالث : الأحاديث الواردة في علاج الأمراض ، وتنقسم إلى قسمين أيضاً :
الأوّل : الاستشفاء بالقرآن والدعاء .
الثاني : الاستشفاء بواسطة الدواء .
أمّا الأحاديث التي تتناول الإعجاز في الموضوعات الطبّية فهي خارجة في
الحقيقة عن نطاق الأحاديث الطبّية المعهودة في كلامنا .
والملاحظة الجديرة بالاهتمام هنا هي أنّ عرض الأحاديث المتعلّقة بالطبّ
الوقائيّ لعامّة الناس لا يثير مشكلةً ما ؛ وذلك بالنظر إلى أنّ هذه الأحاديث تنطبق
على الموازين العلميّة غالباً ، كما أنّ العوامل الواردة فيها للوقاية لا تعني السبب
الكامل للوقاية نفسها .
كذلك يمكننا أن نعرض للناس قسماً من الأحاديث المتعلّقة بالطبّ العلاجيّ ،
التي يتمثّل فيها العلاج بواسطة الآيات القرآنيّة والأدعية ، وذلك بالنظر إلى شروط
إجابة الدعاء ، وكَونِه مجرَّباً في علاج كثير من الأمراض . ( 2 )
في ضوء ذلك نلاحظ أنّ الأحاديث الوحيدة التي لا يصحّ تبنّيها بلا تقويم تام ،
وتتعذّر نسبتها إلى أئمّة الدين كإرشادات قبل التقويم الدقيق لها هي الأحاديث التي
توصي بعلاج الأمراض عن طريق عقاقير خاصّة . ولنا أن نقوّم هذه الأحاديث عن
طريق نشير إليه فيما يأتي :
تقويم الأحاديث الطبّية عبر التحليل
إنّ التحليل أفضل طريق لتقويم الأحاديث الطبّية تقويماً دقيقاً ، والاستهداء بها
استهداءً تامّاً ، فالتحليل والمختبر في الحقيقة هما أمثل قرينة عقليّة لإثبات صحّة
الأحاديث الطبّية وسقمها ، ومن حسن الحظّ أنّ إمكانيّة الإفادة موبالنظر إلى أنّ ضعف السند في الأحاديث الطبّية لا يقوم دليلا على عدم
صدورها القطعيّ ، وبسبب وجود الوضع في هذه الأحاديث عزمنا منذ سنين على
تمويل مركز البحوث والدراسات في دار الحديث من أجل جمع الأحاديث الطبّية
وتنظيمها بنحو يسهّل على الباحثين مجال البحث في المختبرات ؛ وذلك لتصفيتها
وتنوير الناس بها ولا سيّما المراكز العلميّة للاستضاءة بالكنوز العلميّة لأهل
البيت ( عليهم السلام ) ، وها هو الهدف قد تحقّق بفضل الله تعالى ومساعدة الزملاء الذين
سأذكر أسماءَهم . ( 1 )
من هنا ، فإنّ المخاطَب الأصليّ في ” موسوعة الأحاديث الطبّية ” هو الباحث
في العلوم الطبّية ، وكما أشرتُ يمكن أن تفيد هذه الموسوعة أيضاً في الوقاية من
الأمراض ، أي الطبّ الوقائيّ ، وكذلك في خواصّ الأغذية لعامّة الناس ، بعبارة
أُخرى ، أقسام هذه الموسوعة ، ما عدا الفصول المتعلّقة بعلاج الأمراض في القسم
الثاني ، مفيدة نافعة لعامّة الناس .
التقويم العلميّ لأحاديث الإثمِد
في ختام هذا المبحث ، ولعرض عيّنة ماثلة من التقويم العلميّ للأحاديث الطبّية
ألفت نظر القرّاء الكرام إلى خلاصة لتقرير يضمّ دراسة لمشروعين قام بهما أحد
الزملاء العاملين في ” موسوعة الأحاديث الطبّية ” بشأن تقويم الأحاديث الواردة في
الفوائد الطبّية لكُحل الإثمِد . ( 1 )
المشروع الأوّل ( 2 ) : البحث في كحل الإثمد الأسود
أوصت الروايات الإسلاميّة باستعمال كحُل الإثمِد ( حجر الكُحل ) للوقاية من
تساقط الأهداب ، وذكرت له أيضاً فوائد أُخرى لصحّة الإنسان . ومع الأخذ بنظر
الاعتبار العوامل المساعدة على التساقط الملحوظ في ” التهاب الجَفن ” ( 3 ) المزمن ،
وبالنظر إلى أنّ أهمّ عامل أو سبب لهذا المرض هو بكتريا المكوَّر العنقوديّ ، عزمنا
على دراسة الأثر الذي يتركه كُحل الإثمِد على هذا المتعضي المجهري وسائر أنواع
البكتريا الموجبة والسالبة .
وتمّ في هذه الدراسة استعمال المفعول المضادّ للجراثيم لكحل الإثمِد من نوعه
الأسود كمركّب شاخص عبر طريقة الترقيق في حيّز جامد ضدّ نوعين من البكتريا
الموجبة : المكوَّرة العنقوديّة البرتقاليّة ، والمكوَّرة العنقوديّة البَشْرَويّة ، وثلاثة أنواع
من البكتريا السالبة اشريشياكلي ، انتروباكتريو كلوآسه ، وكلبسيلاپنومونيه ، مع
الأخذ بنظر الاعتبار نورفلوكساسين وتمّ تقويم الحدّ الأدنى للكثافة المؤثرة
ل ” كحل الإثمِد ” في ثلاثة ظروف مختلفة هي :
1 . مباشرة بعد حلّ الحجر في ( DMSO ) .
2 . ( 24 ) ساعة بعد الحلّ .
3 . ثلاثة أيّام بعد الحلّ .
وتكرّرت هذه الاختبارات ثلاث مرّات واستحصلت النتائج ضدّ المكوَّرة
العنقوديّة البرتقاليّة على شكل 1 MIC ، و 2 MIC ، و 3 MIC .
MIC 1 gt 128 ug / ml .
MIC 2 = 64 ug / ml .
MIC 3 = 32 ug / ml .
ولم يؤثّر هذا المركّب على سائر أنواع البكتريا المستعملة ، واختُبر على خمسة
أنواع من البكتريا ، فكان مؤثّراً وذا MIC يتراوح بين 13 / 0 إلى 1 ميكرو غرام في
الملي لتر ، وبما أنّ المركّب الّذي خضع للاختبار قد استُخدم بشكل Crude ، فإنّ
كثافة MIC = 32 ug / ml لافتة للنظر ، ومن الضروريّ مواصلة البحث والتحقيق
على هذا المركّب .
المشروع الثاني ( 1 ) : البحث في كُحل الإثمِد الأحمر
إنّ حجر كُحل الإثمِد الأحمر مركّب ذو درجة من الصفاء غير المعيَّن ، وأكّدت
الأحاديث المأثورة استعماله ، وذُكرت له فوائد جمّة لصحّة الجهاز البصريّ ،
ولا سيّما لجلاء العين ، ونموّ الأهداب ، والوقاية من تساقطها ، وزَرَق العين ،
والدُّمّاع ، ومعالجة التهابات العين .
من هنا تناول هذا البحث آثاره المضادّة للجراثيم على عدد من أنواع البكتريا
الموجبة والسالبة ، وبعضها من أسباب أمراض العين ، وتدلّ النتائج المستحصلة
على أنّ لكُحل الإثمِد الأحمر أثراً على باسيلوس سابتيليس ، لكنّه عديم الأثر
على سائر أنواع البكتريا المستعملة ، واستُخدم نورفلوكساسين بوصفه مركّباً
ايجابيّاً ضابطاً .
أجل ، أرجو أن يمهّد تصنيف هذه الموسوعة لجهود أكبر يبذلها الباحثون
المسلمون في العلوم الطبّية لعرض الكنوز العلميّة الثمينة لأهل البيت ( عليهم السلام ) .
3
مراحل البحث والتدوين
نُشير إشارة مقتضبة إلى المراحل التي طوتها ” موسوعة الأحاديث الطبّية ” في
الجمع ، والبحث ، والتدوين من أوّلها إلى آخرها وذلك لإطلاع الباحثين على الجهود
المبذولة في إعدادها .
1 . نقطة البداية
لقد بدأنا جمع الأحاديث الطبّية ، من النصوص المتعلّقة بأجهزة الجسم لتحقيق
الهدف الّذي مرّ شرحه ، وهكذا قام الأخ الفاضل أحمد سعادَت فَر بإعداد هذا
المشروع الّذي يشمل جمع الأحاديث على أساس التقسيم الطبّي للجسم ، وقد
تولّى الأخ الفاضل مرتضى خوش نصيب – أحد محقّقي دار الحديث – جمع
الأحاديث المتعلّقة بالموضوع عبر المفردات الأصلية ذات العلاقة ، وذلك بالاستعانة
ببرامج الحاسوب الآلي .
2 . التنظيم الأوّلي
لقد أنجزتُ التنظيم الأوّليّ لروايات القسم الثالث بعد أن قام الأخ سعادت فر بجمع
الأحاديث وربطها بالمشروع الأوّل ، واستنتجتُ أثناء العمل أنّ ما جُمع لا يكفي
لتحقيق الأهداف المتوخّاة ، من أجل هذا رأيتُ من الضروريّ أن تضاف إليها
الأحاديث التي تبيّن رؤى أئمّة الإسلام في علم الطبّ ، وآدابه ، والإرشادات الطبّية ،
والمرض والحكمة منه ، وواجبات المريض ، والتمريض ، وعيادة المريض ،
والخواصّ الطبّية للأطعمة والأعشاب ؛ فاخترتُ قسماً من الموارد المطلوبة من
المصادر المعدَّة في دار الحديث ، وتعهّد الأخ الفاضل محمّد تقي سبحاني نيا – أحد
محقّقي دار الحديث – بالقسم الآخر .
ومن الجدير ذكره أنّي قد تولّيتُ اختيار الأحاديث وتقويمها ، وعنونتها ،
وتنظيمها .نهما في العصر
الحالي متوفّرة أكثر من أيّ وقت آخر .
الحافز الرّئيس إلى تدوين موسوعة الأحاديث الطبّية
من المناسب أن أُشير هنا إلى أنّ هذا الهدف ، أي : تقويم الأحاديث الطبّية بواسطة
المختبر هو الدافع الرئيس إلى التخطيط من أجل تأليف ” موسوعة الأحاديث
الطبّية “