ما زالت تردُّدات تصريحات مسعود بارزاني، التي تحمل نزعة انفصالية متجدّدة، مشفوعة بإجراءات استفزازية أحادية في قضية النفط والغاز، تُلقي بظلالها على الوضع المتأزّم بالفعل داخل العراق. والظاهر أن تلك التصريحات تنمّ عن خيبة أمل من تفكّك «التحالف الثلاثي» نتيجة انسحاب مقتدى الصدر من العملية السياسية، ما حَرم بارزاني فرصة تشكّل حكومة مؤاتية في بغداد، كان يأمل في أن تقرّبه أكثر من تحقيق أحلامه
بغداد | اختار مسعود بارزاني لتصريحه التصعيدي قبل أيام عن أن إقليم كردستان «بُني بدماء الشهداء وسوف نحميه بالدم»، توقيتاً يضعه في سياق تصعيدي داخلي يواكب انسحاب زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، من العملية السياسية، تمهيداً لقلب الطاولة على الجميع في مرحلة لاحقة؛ وآخر خارجي يتمثّل في إقامة تحالفات إقليمية في إطارِ صراعٍ يتموضع فيه حزب بارزاني في الخندق الأميركي – الإسرائيلي – الخليجي الذي يستهدف إيران. لكن بارزاني ينطلق هذه المرّة من ضعف، لكونه يواجه معارضة قوية ليس من المركز في بغداد فحسب، وإنّما أيضاً من «شريك النصف» في الإقليم، والذي لم ينلْه شيء من أموال النفط الذي يبيعه بارزاني بشكل يخالف القوانين العراقية، وحتى قوانين كردستان، مُستغلّاً عدم قدرة بغداد على تطبيق القانون بالقّوة، ومن علاقات دولية وإقليمية تبدأ بإسرائيل ولا تنتهي بتركيا، تتيح له الالتفاف على تلك القوانين، عبر شركات يديرها مقرّبون منه.
ويقول القيادي في «الاتحاد الوطني الكردستاني»، شيرزاد صمد، في هذا الإطار، لـ«الأخبار»، إن «تصريحات بارزاني في التوقيت الحالي لا تخدم بناء العملية السياسية أو الإسراع في تشكيل الحكومة والمضيّ في حلحلة المشاكل العالقة بين الإقليم وبغداد»، مضيفاً أن «موضوع النفط والغاز أصبح معقَّداً لأن السنين طالت كثيراً بين بغداد والإقليم، وسبب المشاكل عدم وجود قانون للنفط والغاز في الحكومة الاتحادية. فجميع البنود الدستورية المكتوبة فيها فقرة أو مصطلح قانوني يفيد بأن ما لم تنصّ عليه البنود الدستورية صراحة يُنظَّم بقانون، ولكن في السنين الماضية، ولأسباب كثيرة، لم نرَ تشريعاً مثل هذا، ما سمح لإقليم كردستان بإصدار قانونه في 2007 وتصدير النفط بهذا الشكل». ومن بين أسباب التعقيدات الكثيرة التي تحيط بالملفّ النفطي العراقي، وهذا الملفّ خاصة، والتي يوردها صمد، «تفرّد بعض الكتل السياسية في بغداد بالتفاوض مع قادة الإقليم». ومن هنا، يعتقد القيادي في «الكردستاني» بأن ثمّة حاجة إلى «بدء مفاوضات جدّية مع المركز، والوصول إلى حلول ترضي الجميع ولا تتعارض مع الدستور العراقي المتوافَق عليه»، لافتاً إلى أن «لدينا الكثير من البنود الدستورية التي لم يتمّ تطبيقها، كالمادة 140 التي تباطأت جميع الحكومات السابقة في تنفيذها، وملفّات إشكالية منها تطبيع الحياة في مدينة كركوك وميزانية البيشمركة وتسليحها، تحتاج إلى مفاوضات جدّية». ويشدّد على أن «حلّ هذه المشاكل يحتاج إلى لغة الحوار وليس اللغة التشنّجية الموجودة لدى قيادات بعض القوى الكردية. فنحن قرّرنا أن نكون إقليماً فيدرالياً يشارك في العملية السياسية وأن نكوّن شراكة حقيقية مع بغداد، بحيث يكون الدستور هو القاسم المشترك بيننا وبينها».
أمّا القيادي في «الإطار التنسيقي»، جبار المعموري، فيضع، في حديث إلى «الأخبار»، كلام بارزاني «في سياق تصريحاته التي كان يستقوي بها للوصول إلى أهدافه طيلة الفترة السابقة. أمّا الآن فهو ضعيف، فبعد أن انفضّ التحالف الثُلاثي وذهب كلّ في سبيله واستقال مقتدى الصدر، عُزل بارزاني تماماً، وبات وجهاً لوجه مع المحكمة الاتحادية، لأن جميع العقود التي أبرمها سابقاً بواسطة شركاته تُعتبر باطلة وغير صحيحة، ويجب أن يعيد الأموال إلى الميزانية، وعليه أن يأتي بنصف رسوم المنافذ الحدودية إلى الميزانية. وليس له الحق في أن يطالب بميزانية ما لم يُعِد هذه الأموال». ويشدّد المعموري على أن «عقود النفط والغاز يجب أن تُبرم مع شركة النفط الوطنية، وهذا الملفّ سيادي»، لافتاً إلى أن لـ«بارزاني شركاء، وأقصد بهم الاتحاد الوطني الكردستاني، هم من أدلوا بمعلومات دقيقة عن أن مبيعات النفط والغاز تذهب إلى جيبه ولم يُعطَ منها شيء للاتحاد»، معتبراً أنه «في الأيام المقبلة، سوف تتّضح الأمور بعد تشكيل حكومة وطنية مستقلّة تقف بوجه كلّ هذه التجاوزات على القانون والدستور».