الرئيسية / بحوث اسلامية / بناء المجتمع في دولة امير المؤمنين عليه السلام

بناء المجتمع في دولة امير المؤمنين عليه السلام

بناء المجتمع في دولة امير المؤمنين عليه السلام

– الحلقة العاشرة

السيد عبد الستار الجابري

2- المجتمع بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله)
رحل رسول الله (صلى الله عليه واله) بعد ان كانت اخريات ايامه من اشدها على قلبه الشريف، لانه كان يستشرف المستقبل القريب وينظر بنور الله وعصمة النبوة وكمالاته الذاتية الى ما سيؤول اليه واقع هذه الامة وموقفها من المنظومة الالهية ومن حفظة الدين وحملة رسالة الاسلام من بعده.

المطلب الاول: تأثير القوى في القيم الاجتماعية
ان السير العام لاي مجتمع بطبيعته يتبع القوى المؤثرة فيه، وفي الاغلب تكون السلطة هو القوة الاكثر تأثيراً في المجتمع وهي حقيقة اكدها علماء المجتمع في مختلف الاعصار والامصار حتى شاعت عنهم مقولة ( الناس على دين ملوكهم)، وهذه الحقيقة تفسر لنا انتشار مذاهب واديان خاصة في مناطق معينة من الكرة الارضية فانتشار المسيحية في اوربا كان بسبب اعتناق امبراطور اوربي لها، واعتناق البريطانيين للبروتستانتية كان بسبب اعتناق ملك بريطانيا لها، وتربع فرنسا على عرش الدفاع عن الكاثوليكية كان بسبب الدفاع المستميت من ملوك فرنسا عن الكاثوليكية، واعتناق روسيا وشرق اوربا للمذهب الارثوذكسي يعود لهذا السبب ايضا.

كما ان انتشار المجوسية في بلاد فارس كان بسبب اعتناق ملوك الفرس لها، وانتشار البوذية في الصين والكوريتين واليابان يعود للسبب نفسه.

وانتشر الاسلام في جزيرة العرب ومنه الى البلاد التي احتلها العرب بعد ذلك لان الدولة النبوية قامت على اساس الاسلام وانتشر في البلدان التي فتحها العرب لانه دين الدولة التي انطلقت من المدينة المنورة في القرن الثامن الميلادي.

والكلام بعينه ياتي في الاطروحات الحديثة التي تتبنى مسألة الهيمنة على العالم على ضوء الاراء الفلسفية الحديثة مثل العقيدة الشيوعية والعقيدة الاشتراكية والعقيدة الراسمالية والعقيدة الديموقراطية، وهذه وان لم تكن عقائد بالمعنى الاصطلاحي في علم الكلام الى انها نظريات في ادارة الدولة وادارة كفة الصراع في العالم دمج فيها الفكر الديني مع الفكر الاجتماعي مع الفكر الاقتصادي والجانب الامني والصراع الحضاري ليشكل بمجموعه منطلقات للسيطرة على الكرة الارضية واستعباد شعوبها بصيغ متنوعة وان كانت تغلف غاياتها بشعارات براقة كالمساواة والحرية والديموقراطية وحقوق الانسان التي لا تعدوا في الواقع كونها يافطات اعلامية للتمهيد للغزو الفكري والهيمنة على الشعوب والغاء شخصيتها ومصادرة حرياتها والعبث بمقدراتها.

المطلب الثاني: الاتجاهات السياسية في المجتمع
ما تقدم جرى بعينه في الدولة الاسلامية بعد رحيل النبي (صلى الله عليه واله) اذ ان قرار قريش باستلاب السلطة كان يقتضي تغيير كل النظم الفكرية والاخلاقية والاجتماعية التي تتعارض مع مشروعية ادراة قريش للسلطة بعد رحيل النبي (صلى الله عليه واله)، ومر الاجراء القرشي بعدة مراحل المرحلة الاولى مرحلة ما بعد النبي (صلى الله عليه واله) الى قيام الدولة الاموية، المرحلة الثانية مرحلة الدولة الاموية، المرحلة الثالثة مرحلة الدولة العباسية، وما جاء بعد ذلك من تطورات على برنامج اقصاء اهل البيت (عليهم السلام) انما هو فرع تلك المراحل الثلاث من مراحل تغيير البنية الاجتماعية للمجتمع المسلم، والذي يعنينا في هذه المرحلة هي المرحلة الممتدة من وفاة النبي (صلى الله عليه واله) في صفر سنة 11ه وحتى بيعة امير المؤمنين (عليه السلام) في ذي الحجة سنة 34ه.

يمكن للباحث ان يقسم المجتمع بلحاظ نوازع السيطرة على الحكم بعد النبي (صلى الله عليه واله) الى عدة اقسام:

1- المجتمع الملتزم بمقتضيات بيعة الغدير وتوصيات النبي (صلى الله عليه واله) في ان يكون الخليفة من بعده امير المؤمنين (عليه السلام) وان تكون المرجعية الدينية للامة بعده (صلى الله عليه واله) للائمة المعصومين من اهل البيت (عليهم السلام).

2- المجتمع القرشي الذي يشكل بني امية فيه محور العمل السياسي، واليهم تنمى كل الاستعدادات في الانقضاض على الحكم بعد النبي (صلى الله عليه واله) وان كانت الظروف الموضوعية لا تسمح بان يتصدى بنو امية للحكم بعد النبي (صلى الله عليه واله) مباشرة لعدم مقبوليتهم من قبل الانصار وخشية الانصار منهم ان هم استلموا السلطة اذ يخشى الانصار ان يسعى القرشيون للثار لقتلاهم في بدر واحد وفي كلا الحربين كان الانصار هم عماد مقاتلة الجيش النبوي.

3- المجتمع الانصاري الذين لما علموا بسعي قريش لزوي الخلافة عن امير المؤمنين (عليه السلام) دفعهم الخوف على مستقبلهم وامنهم من الاجتماع للتشاور في سقيفة بني ساعدة لتحديد موقفهم مما يجري.

4- المجتمعات التي تستشعر التبعية للعاصمة حيث يستقر في العاصمة اصحاب الراي وزعماء السياسة التي تدير تلك البلاد الواسعة، وهم يرون انهم امتداد طبيعي لما يقرر في مركز القرار السياسي.

5- المجتمعات التي ترمي الى الاستقلال عن الدولة المركزية واقامة حكوماتها المستقلة والتي من ابرزها حركة مسيلمة الكذاب.

ان هذا الانقسام الواضح في بدن المجتمع المسلم شاهد على حصول تخلل في المباني الاجتماعية، اذ ان البنية الاجتماعية للمجتمع المسلم حسب الاطروحة النبوية ان المجتمع الاسلامي مجتمع واحد موحد يؤمن بالله والنبي واليوم الاخر ويقيم احكام الاسلام ويؤمن بقيمه الاخلاقية، بينما نرى ان هناك تشرذم وتمزق في هذا البدن فمن منكر للاسلام ولخاتمية الرسالة النبوية كما حصل مع مسيلمة الكذاب وسجاح واتباعهما في اليمن، ومنهم انقض على الخلافة بعد ان مهد الامر عسكريا وسياسيا وهم قريش، ومنهم من تلاعبت به قريش حتى اضحى تابعا لقيادها وهم الانصار، فكانت هذه او هزة للقيم الاجتماعية الاسلامية التي كانت تركتز على مفاهيم الاسلام النبوية.

ومن هنا نكتشف ان المجتمع الاسلامي ليس بدعاً عن بقية المجتمعات فهو مجتمع بشري تحركه مصالحه ومنافع زعاماته بغض النظر عن مدى انسجام تلك المصالح مع مبادئ الدين الذي يعتنقوه.
وان انقسام الامة من حيثية النوازع السياسية الى عدة مجتمعات دليل على ان القيم الاجتماعية التي شرع الاسلام فيها ببناء الفرد والمجتمع قد تعرضت لتشويه كبير، اذ ان القيم الدينية للمجتمع تمنع من التنازع لاجل الدنيا وتنص على ان السعي لاجل تحقيق مكاسب يجب ان يكون ضمن الاطر التي يقرها الدين الاسلامي وان لا تكون الدوافع الذاتية هي المحرك الاساس نحو تحقيق المنافع مهما كانت عظيمة او ضئيلة.

اما الذي حصل فان الرغبة في الملك والسيطرة دفع مسيلمة وسجاح الى ادعاء النبوة والتحق بهم عدد غير قليل من الاتباع، لتحقيق منافعهم الخاصة وهكذا حصل اول شرخ في المنظومة الاجتماعية، اذ التحول من دين الى دين اخر يفتقر للمقومات الموضوعية للدين تدل بما لا يقبل الشك على ان المجموعة القائدة لذلك التحرك تهدف الى تحقيق غايات شخصية وانها تحركت لكسب الاتباع لتكوين نواة اجتماعية لحركة سياسية تهدف الى تمزيق كيان الدولة القائم، واقامة دولة اخرى لها وضعها الخاص وقيادتها الخاصة وتعاليمها التي تخصها،

وقد نقل التاريخ سعي مسيلمة لكسب الاتباع من خلال الغاء احكام الاسلام تدريجياً للعودة الى مجتمع ما قبل الاسلام وانحرافاته الاخلاقية والفكرية، فما قام به مسيلمة من افعال وما اصدره من احكام كانت الغاية منه اخراج المجتمع من دائرة تاثير احكام الاسلام وقيمه الاخلاقية ومنظومته العقائدية وايجاد مجتمع بديل ينسجم مع طبيعة التحرك الجديد والدولة المزمع قيامها وتشريع احكام وقوانين تتناسب مع مقتضيات المرحلة السياسية التي يرسم اليها مسيلمة، اذ ليس من المنطقي ان يدعو مسيلمة الى دولة مستقلة مع التزامه بجميع قيم الاسلام، لان هذه الدعوة تكون فاقدة لمبررات وجودها فبالتالي ان تغيير القيم الاجتماعية ضرورة وجودية لقيام مثل دولة مسيلمة او قيام اي كيان اخر لا يمكن ان ينسجم انسجاما تاما مع اطروحة الاسلام الفكرية والحضارية.

وفي قبال دعوة مسيلمة الانفصالية كانت هناك دعوة اخرى تهدف الى احكام السيطرة على الدولة مع اقصاء اهل البيت (عليهم السلام) عن سدة الحكم وكانت تلك دعوة قريش التي بدأت اولى بذراتها بعد صلح الحديبية وانتقال عمرو بن العاص وخالد بن الوليد الى المدينة المنورة، ثم تسارعت في نسج الخيوط بعد فتح مكة حتى بلغت ذروتها عند وفاة النبي (صلى الله عليه واله) حيث انقض القرشيون على الحكم في المدينة المنورة، معلنين بذلك انتهاء حقبة ادارة بني هاشم للدولة وتدوير السلطة بين بطون قريش.

شاهد أيضاً

السيد رئيسي افتتح معرض القدرات التصديرية: قوة الإنتاج لا تقلّ عن القوة العسكرية

لفت رئیس الجمهوریة الإسلامية في إيران السید إبراهیم رئیسي إلى أنّ الحظر شكل من أشكال ...