الرئيسية / من / طرائف الحكم / الثورة الإسلامية والغزو الثقافي

الثورة الإسلامية والغزو الثقافي

لقد استصغر النظام السابق طبقة الأدباء وأهل الثقافة 9.

 

كان العلماء الروحانيون هم العنصر الأساسي في حركة الجهاد خلال الخمسة عشر عاماً التي انتهت بانتصار الثورة، كما كان لهم الدور نفسه في تأسيس النظام الإسلامي المقدّس، وحمل راية الإسلام خفاقة في العالم، وكانوا طلية المقاومة الحماسية لشعب إيران في مواجهة مختلف ضروب الهجوم المعادي. وكان العلماء قبل ذلك، وعلى مدى قرون العامل الأساسي في حفظ المعارف الإسلامية والإيمان العميق الصادق لشعب إيران بالإسلام المنقذ ولهم الدور الطليعي في نمو الفكر الديني في كل مكان.

 

لقد كان العلماء الروحانيون المجاهدون الملتزمون في قلب حركة المقاومة ضدّ النظام لأمريكا، وقد استطاعوا أن يجذبوا إلى ساحة الجهاد والمقاومة مختلف فئات الناس، حتى أعطوا حركة الجهاد طابعها الشعبي العام. وحين نعود إلى الحوادث الكبرى التي مرَّت بها إيران وشهدت حضوراً جماهيرياً مكثفاً وعاماً، نجد أن السبب وراء ذلك الحضور يتمثل بمشاركة العلماء في هذه الحوادث ووقوفهم في طليعة الصفوف.

 

أدرك الاستعمار الإنكليزي هذه الحقيقة وعلى خلفية هذا الإدراك رأي أن تدمير الكيان العلمائي هو المقدمة الضرورية التي تمهّد الطريق لاستمرار الحضور الاستعماري في إيران. وبدأ على هذا الأساس

9- من حديث القائد في لقائه مع شعراء وأدباء فناني تبريز. 5/5/1372.

 

مخططه لضرب العلماء وحذفهم من الساحة بدءاً من سنة 1313هـ.ش بواسطة عميلهم رضا خان، حيث شهدت تلك السنوات فجائع مؤلمة نزلت بساحة العلماء ونالت من مركز الحوزات العلمية وموقعها، لم يكن لها سابقة في تاريخ إيران قبل ذلك.

 

والذي يبعث على الأسف إنه لم يتم حتى الآن شرح وبيان مفصل لفجائع تلك السنوات، وما تحمل فيها العلماء وطلاب العلوم الدينية من عناء ومشاق في خط مقاومتهم لحكومة رضا خان وجبروته،ولم يُدوّن بشكل كامل بعدُ تاريخ تلك الحقبة من المواجهة والظلامة التي تحملها العلماء وطالب العلوم في أواخر سني عهد رضا خان، لتكون بين متناول الوعي الشعبي العام.

 

والمطلوب في هذا المجال، أن توثّق الأحداث من شهادات المشاركين في الحدث وتعدادهم بحمد الله لا يزال كثيراً إذ تبادر المؤسسات المسؤولية أو الأشخاص المعنيون لتسجيل تلك الشهادات وجمعها.

 

إنّ الاستقلال الذي يحظى به الروحانيون وعلماء الدين على مستوى المعتقد والسلوك وعدم نفوذ القوى الداخلية والخارجية واختراقها لصفوفهم، هي التي جعلت الحكام المتجبرين المغرورين، يعجزون دائماً في إزاحة هذه المجموعة الربانية عن طريقهم، ليخلو لهم الجو إلى سبيل الخيانة والفساد. وإذا قدَّر لجماعة من المعممين الأذلاء وعدّة من علماء البلاط أن يجلسوا على موائد الظلمة طمعاً بحطام الدنيا الزائل، ويؤيدوا أولئك الظلاّم وشباب العلوم الدينية ظلّوا يعيشون حياتهم في إطار المناعة، وفي دائرة التقوى والنزاهة،

 

 

واحتفظوا بإرادة التحدي والمواجهة الصادقة المقتدرة، فأمّنوا بذلك دوام عقيدة الناس الراسخ بعلماء الشيعة، في قلب كلّ فرد من أبناء المجتمع.

 

لهذا السبب بالذات أضحى المجتمع العلمائي عرضة لسهام الخصوم المسمومة، وغرضاً للأعداء بمختلف ألوانهم من مستعمرين وأجانب، وعُباد الأجنبي في الداخل، فأضحى العلماء العدو الأول لهؤلاء جميعاً.

 

كان امتحاناً صعباً هو ذلك الذي مرَّ به علماء الدين، حيث كانوا في العهد البهلوي، وطوال خمسين سنة من تأثير السياسات الخارجية على إيران، كانوا عرضة للعداء والدعاية المضادّة، وللخطط التي استهدفتهم في عهد رضا خان والنصف الأول من عهد محمد رضا، تلك الخطط التي كانت تكشف عن ماهية استعمارية. وقد خرج المجتمع العلمائي من ذلك الامتحان الصعب، مرفوع الرأس بحمد الله ـ.

 

وفي مدة السنين الخمسة عشرة من عمر المقاومة بين انتفاضة خرداد حتى انتصار الثورة كانت الحوزة العلمية في مدينة قم والحوزات العلمية الأخرى والعلماء المعروفون، المركز الأصيل للجهاد، وبالتالي كانوا الهدف الأساسي للحملات الوحشية المعادية. بيد أنَّ الهجوم الشرس ذاك لم يفض بإرادة الله إلى تنكب العلماء عن طيّ طريقهم الذي يبعث على الافتخار والنهوض بواجبهم الإسلامي الذي لا يقبل التخلف، بل والأكثر أضحى الفكر الإسلامي في ذلك العهد أكثر تفتحاً ونصاعة بعد أن صقلته المحنة وأضحى فقه القرآن أكثر

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...