بناء المجتمع في دولة امير المؤمنين عليه السلام
– الحلقة الثالثة عشرة
السيد عبد الستار الجابري
المطلب الثاني: مشروع الاصلاح المجتمعي عند امير المؤمنين (عليه السلام)
عند مراجعة ما تقدم في ثنايا البحث نجد ان المجتمع المسلم قبل تولي امير المؤمنين (عليه السلام) منصب الخلافة في 18 ذي الحجة عام 34 للهجرة النبوية المشرفة يجد الباحث ان المجتمع الاسلامي مر بمرحلتين، المرحلة الاولى هي مرحلة بناء المجتمع المسلم على ضوء هدي القرآن الكريم، والمرحلة الثانية هي مرحلة تشويه البناء الاجتماعي التي انطلقت بعد رحلة النبي (صلى الله عليه واله) في الثامن والعشرين من صفر سنة 11هجرية.
تولى امير المؤمنين (عليه السلام) ادارة الدولة سنة 34هجرية في ظرف اجتماعي حرج، حيث ان المجتمع الذي تربع على عرش ادارته (عليه السلام) تغيرت فيه العديد من القيم والمباني الاجتماعية التي اسس لها الدين الحنيف واصبح ابناء المجتمع يعتقدون ان ما وصل اليهم هو الدين الحق،
فالمشكلة التي كانت تواجه امير المؤمنين (عليه السلام) في اعادة بناء المجتمع المسلم اعقد من اصل بناء المجتمع، حيث ان المجتمع في عهد النبي (صلى الله عليه واله) كان يرى انه لابد ان يبنى على اساس القيم الاسلامية التي يبينها له رسول الله (صلى الله عليه واله)
فما اقره رسول الله (صلى الله عليه واله) فهو مقبول وما رفضه مرفوض، ولا توجد قيم موازية لما يأتي به النبي (صلى الله عليه واله)، اما في عهد امير المؤمنين (عليه السلام) فان الامر منعكس تماماً حيث اصبح المجتمع بعد ثلاثة عقود يعتقد ان ما بين يديه قيم اسلامية، وعلى العكس من مجتمع الدولة النبوية المطهرة الذي كان ابناؤه يرون ان المرجعية المطلقة لرسول الله (صلى الله عليه واله)
لم يكن المجتمع الجديد يرى امير المؤمنين (عليه السلام) بنفس تلك العين بل ينظر اليه كحاكم له حق طاعة الحكام، فامير المؤمنين (عليه السلام) امام مجتمع سيرة من تقدم من ضمن مرجعياته الفكرية وعاد للقيادات القبلية دورها في التأثير على صعيد المواقف السياسية والاجتماعية.
ومما تقدم يمكن اجمال العناصر الرئيسية في حرف البنية الاجتماعية في:
1. الغاء مرجعية اهل البيت (عليهم السلام) بعد النبي (صلى الله عليه واله).
2. اضافة مرجعيات في عرض مرجعية الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة.
3. تعديل جملة من الاحكام بما تناغم مع رغبة السلطان او طريقته في ادارة الدولة وان كان ذلك مخالفاً للكتاب والسنة النبوية.
4. دعم المرجعيات الثقافية التي تمتد جذورها الى الفكر التوراتي لسد الفراغ الذي خلفه منع تدوين الحديث ومنع رواية السنة النبوية والاقتصار في الثقافة القرانية على التلاوة فقط.
5. اعتماد التمييز الطبقي على اسس قبلية وقومية بديلاً عن مبدأ المساواة القرآني.
وهذه الامور الخمس الاساسية التي يتفرع عليها العديد من الامور التي نمت وترعرت في وسط اجتماعي بلغ من العمر ما يقارب 25 سنة أي ان المولود في سنة 11 هجرية بلغ عمره 25 سنة وهو يتلقى من خلال القنوات المؤثرة في البنية المجتمعية معلوماته وثقافته، وكذلك الحال فيمن دخل الاسلام بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله)، وهذه الاجيال ترى ان مفاهيم الاسلام وقيمه هي التي تلقتها عن الاجيال التي عاصرتها، أي انها تعتبر ان ثقافتها ثقافة اسلامية حقة، لا ان ما بين ايديها عبارة عن خليط من الاسلام ومن اراء تستند الى اذواق شخصية واختيارات سياسة ومنهجية اقصائية لمن جعلهم الله تعالى امناء على ايصال احكام دينه الى الامة ولذا فان التعاطي مع هذا الواقع الاجتماعي يمر بظروف ومنعطفات غاية في الصعوبة.
ان من يراجع نهج البلاغة يكتشف مدى التحديات التي كان يواجهها امير المؤمنين (عليه السلام) في اصلاح الواقع الاجتماعي بعد التشوية الذي تعرض له في الفترة الممتدة بين وفاة النبي (صلى الله عليه واله) حتى تصديه للخلافة، ويمكن القول ان الاصلاح الاجتماعي مر بمرحلتين، المرحلة الاولى مرحلة بناء القاعدة المؤمنة والمرحلة الثانية مرحلة تصحيح الخلل في البنية الاجتماعية بعد توليه الخلافة.