صاحبة السيادة
العصر-جاء اقتحام الصدريين للخضراء والبرلمان: في اوج حرب تركية على العراق، وبعد (10) ساعات فقط من جلسة مجلس الامن التي رفع فيها العالم كله صوته منددا بتركيا، إلا الصدريين رفعوا صوتهم (ايران بره بره).. رغم ان السيد الصدر أكد قبل شهر ان “إيران لم تتدخل في الازمة السياسية الحالية”. ورغم ان القوى المتهمة بموالاة إيران هي أقل من يمتلك مقاعد بالبرلمان، وكأن البرلمان بكل من فيه وكر “عملاء ايران”، واسقاطه نصر عليها..! فما السر وراء ذلك..؟
السر في كل ذلك هو ان التيار يدرك تماما ان العراق أسير قوى دولية وأقليمية، جميعها مناهضة للشيعة، ومن المحال ان تسمح بإقامة حكم شيعي قوي في العراق، مخافة ان يصبح إمتدادا للنفوذ الايراني في المنطقة، بما يهدد امن إسرائيل ومصالح الغرب الاقتصادية..
لذلك دأب التيار منذ ما قبل الانتخابات الأخيرة، في كل لقاء يجمع احد مسؤوليه في الحكومة او البرلمان مع جهة غربية على التاكيد بأن سعيه للوصول للحكم يهدف الى ثلاثة امور: ((إنهاء التبعية والتدخل الايراني،، ونزع سلاح الفصائل المسلحة،، وحل الحشد الشعبي)).. وتلك هي روح المشروع الامريكي، الغربي، الخليجي في العراق ضمن استراتيجية مواجهة إيران.. وهي الورقة التي لعب بها التيار لكسب رضا المحور الامريكي الدولي المعادي لايران، بتقديم نفسه “فارس الأحلام” الذي سيحقق امانيهم بمجرد وصوله للحكم.
بعد الانتخابات، أقدم التيار على خطوة عملية بالتحالف مع الكرد والسنة (بارزاني، والحلبوسي)، وكلاهما يلتقي مع المشروع الدولي، ويرى ان في تفكيك نفوذ الشيعة (الاغلبية السكانية القوية) تعزيز لنفوذهما وهيمنتهما على القرار العراقي، وعزل لايران عن مناطق محور المقاومة.. لكن بقية القوى الشيعية نجحت في تشكيل (إطار) متماسك ووضع العقدة بالمنشار، واستثمار تطورات الصرع الدولي الخطير إثر حرب اوكرانيا في إعادة خلط الاوراق، فلم يعد خيار اسقاطها وتصفية فصائلها ونزع سلاحها بحكومة وبرلمان ورئاسة بأيدي أقطاب التحالف الثلاثي متاحا إطلاقا.. فأما توافق واما حرب أهلية!!
من الواضح جدا ان التيار لم يستوعب المتغيرات العالمية الجديدة، وما تمخضت عن ازمات اقتصادية خطيرة،، وأخفق في تغيير تكتيكاته لادارة الأزمة، فواظب على تهديد خصومه (الشيعة الموالون لايران) بالاجتثاث والتصفيات وثورة الشارع التي لا تبق ولا تذر.. وهي رسائل سلبية جدا، تعني للاطار وجمهوره (معركة وجود)، وتعني للغرب (حرب أهلية) ستمتد حرائقها حتما الى منابع نفط الخليج، وتغوص المنطقة بمستنقع يمني ثاني تحصد ثماره إيران قبل غيرها، إن استثنينا روسيا والصين من الحسابات. وهو ما لاطاقة للمنطقة والعالم بتحمله.. ويبدو ان التيار لم يدرك بعد أيضا أن المحور الدولي المعادي لايران هو نفسه تحول الى سياسة (الاحتواء الناعم) بعيدا عن رهانات الصدام المباشر.
كما أن التيار لم يؤمن بعد، أن أمريكا والغرب من المستحيل ان يثقوا برجل مثل السيد مقتدى الصدر، يشرع “قانون تجريم التطبيع”، ويناهض “المثلية الجنسية”، ويمتلك قوة شعبية “عقائدية”، ومليشيات مسلحة لها تاريخ بمقاومة قواتها، ويتمتع بمزاجية سياسية متقلبة، مهما أظهر من عداء لايران.
هناك رأي يقول: ان الصدريين ربما أدركوا مؤخرا أن ورقة “ايران” احترقت منذ ان تحرك المجتمع الدولي على الكرد والسنة لسحبهم من التحالف الثلاثي، لكن اصرار التيار على الهتاف (ايران بره بره) تحت قبة البرلمان بعد اقتحامه كان رسالة حصرية للبارزاني والحلبوسي لاتخاذ مواقف متشددة تفسد جهود الاطار في المضي بتشكيل الحكومة، وتأكيد بان التيار سيتكفل بحراك الشارع نحو حل البرلمان والانتخابات المبكرة وبقاء حكومة الكاظمي..
ويبدو ان هذا قريب مما أكدناه مرارا في منشورات سابقة لتفاصيل المخطط الصدري، خاصة وان بارزاني الذي أصبح مرجعا سياسيا وصيا على السنة، بعث برسائل تهديد بالمقاطعة إن لم يتم التصويت على مرشحه لرئاسة الجمهورية.. كما ان من مصلحة تركيا استغلال أدواتها (الحلبوسي والخنجر) في تعطيل تشكيل الحكومة، لمنع العراق من المضي بالتصدي لعدوانها وإنهاء احتلالها لأراضيه..