الوقت – مع انسحاب الصدر من السياسة، أعلن الإطار التنسيقي الشيعي باعتباره کتلة الأغلبية في البرلمان العراقي، عن استعداده للتعاون مع الجماعات السياسية الأخرى لانتخاب رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية، ومع ذلك لا تزال الأحزاب السنية والكردية في البرلمان العراقي مترددةً في التعاون مع الإطار التنسيقي لإنهاء المأزق السياسي المستمر منذ أشهر.
وفي هذا الصدد، يوم الاثنين الماضي، أكد قادة التيارين الكردي والسني(بارزاني وخميس الخنجر)، رغم إعلانهما معارضتهما لطلب الصدر بحل البرلمان، عدم دعمهم لتشكيل الحكومة دون موافقة التيار الصدري، لتظل احتمالات تشكيل حكومة جديدة غير واضحة.
لدراسة مستقبل التطورات السياسية في العراق، تحدث موقع “الوقت” مع السيد هادي أفقهي الخبير في شؤون غرب آسيا.
العرقلة الداخلية والخارجية مستمرة
فيما يتعلق باعتزال مقتدى الصدر عالم السياسة، يرى السيد أفقهي أنه مجاملة سياسية لا ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد. وحسب السيد أفقهي: إن اعتزال الصدر للسياسة ليس المرة الأولى، وفي السابق انسحب من الساحة السياسية عدة مرات لكنه عاد مرةً أخرى. وحتى قبل إجراء الانتخابات النيابية العام الماضي، أقسم على أن التيار الصدري لن يشارك في الانتخابات، لكنهم شاركوا وفازوا بالأغلبية. ولذلك، فإن اعتزال الصدر هو مناورة سياسية أكثر منه قرار نهائي.
كما غرد الصدر بعد إعلان الاعتزال، وتدخل في القضايا السياسية بل أدار النزاعات في المنطقة الخضراء في بغداد بين القوات الحكومية وجماعة سرايا السلام. ولو لم يأمر الصدر بوقف إطلاق النار وانسحاب قواته من المنطقة الخضراء، لما تمكن أحد من ذلك. لذلك، فإن هذا القرار غير جاد، وقد يخطئ البعض في التقدير ويسعدهم أن الصدر لن يشارك في المعادلات السياسية، لكن هذا ليس هو الحال.
هناك العديد من المعوقات الداخلية والخارجية في طريق تشكيل الحكومة العراقية. من بين العوائق الداخلية التيار الصدري نفسه، وقد لا يدخل مقتدى الصدر بنفسه الساحة السياسية لحماية صورته، لكن قواته، مثل كتلة “سائرون” وممثليها، ولا سيما “صالح محمد العراقي” الملقب بالوزير الصدري، يواصلون التدخل في الشؤون السياسية وتهديد الجماعات السياسية الأخرى.
كما أن “حكيم الزاملي” أحد الشخصيات الأمنية في التيار الصدري، يواصل عرقلة مسار المحادثات السياسية، وهؤلاء لن يسمحوا بانتخاب رئيس للوزراء ورئيس الجمهورية. كما أن هناك عقبات أخرى وهي الأحزاب الكردية والسنية التي شكَّل معها مقتدى الصدر ائتلافاً لتشكيل الحكومة، لكنهم لم ينجحوا.
لذلك، يتشاور شريكا الصدر باستمرار، ولن يسمحا للإطار التنسيقي الشيعي بسهولة بتشكيل حكومة وانتخاب رئيس للوزراء. كما أن رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، لا يريد اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة من قبل الإطار التنسيقي الشيعي، وهو يعرقل هذا المسار. كذلك، يمكن لعائلة البارزاني تشكيل تحالف مع الحلبوسي وإخراج جلسة البرلمان من الأغلبية.
هناك أيضاً العديد من العقبات الخارجية، وثمة مثلث مشؤوم يحدد الكثير من أقدار العراق، وعلى رأسه أمريكا وبريطانيا. كما ينشط الکيان الصهيوني في العراق تحت غطاء الدبلوماسيين الأمريكيين والبريطانيين، وتنشط السعودية داخل العراق بمساعدة شبكاتها الإعلامية والفضائية، وكذلك في الفضاء الإلكتروني.
هذه الدول تشكل عقبات كبيرة لاستقرار العراق، لكن يجب أن نرى أن المحكمة الاتحادية العراقية سيكون لها الكلمة الأخيرة، وهل تستطيع أن تستمر في مواقفها المعتدلة والوطنية وتوقف هذه الاضطرابات؟ حتى الآن، تمكنت هذه المؤسسة من إيقاف طلب حل البرلمان، لذلك يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه السياسة ستستمر في المستقبل أم لا.
في هذا الوضع الحرج، يجب على الجماعات السياسية وعلماء الدين التدخل وعدم السماح بتنفيذ الخطط الأمريكية بتفاهمات وطنية. أمريكا تبحث عن فراغ سياسي وقانوني في العراق، وهذه القضية هي أساس ظهور أزمات كثيرة من احتجاجات وصراعات، ومن الممكن أن تؤدي إلى انقلاب. وعلى الرغم من أن الوضع في العراق في حال جمود حاليًا، إلا أنهم سلكوا طريق حل البرلمان.
استمرار الخلافات بين السنة والأكراد يعيق حل الأزمة
حول الطبيعة المزدوجة لمواقف الأحزاب السنية والكردية، يری الخبير في شؤون العراق السيد أفقهي: أساساً هناك انقسام بين الشيعة أيضًا، أحدهما هو تيار “سائرون” المحسوب على مقتدى الصدر والذي استقال من مجلس النواب، وفي المقابل يوجد الإطار التنسيقي. وبين السنة أيضًا، هناك خلافات بين محمد الحلبوسي وخميس الخنجر. وبين الأكراد، هناك انقسام بين الأحزاب الديمقراطية والحزب الديمقراطي الكردستاني لانتخاب الرئيس.
حتى الآن، كان المنصب الرئاسي من حصة الاتحاد الوطني، لكن الآن يشعر مسعود بارزاني أنه أصبح أكثر قوةً وأن الرئيس يجب أن يكون من حزبه أيضًا، لذلك لم يتمكن الأكراد من الاتفاق على مرشح مشترك. لذلك، إلى أن تتفق هذه الأحزاب وتقسم الوزارات فيما بينها، فإن الجمود السياسي سيستمر. وبالنسبة لأي من هذه الجماعات، لا يهمّ كم من الوقت يعاني العراق من هذا الوضع غير المستقر، ولا يهمّ حتى إذا كان هذا البلد قد يتجه نحو حرب أهلية.
والولايات المتحدة تشجع انعدام الأمن هذا، والسعودية تبحث عن حكومة ضعيفة في العراق، وتعتبر حكومة قوية ومتماسكة في بغداد تهديداً لها.
الإطار التنسيقي يريد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية
يعتبر السيد أفقهي أن أهم أداة للإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة الجديدة هي القنوات القانونية، وهي الدستور واللوائح الداخلية لمجلس النواب، وكذلك قرارات المحكمة العليا العراقية. ووفقًا للسيد أفقهي، قالت مجموعات الإطار التنسيقي مرارًا وتكرارًا إنها ستتبع أي قرار تتخذه هذه المحكمة.
وكان شعار المحكمة العليا منذ البداية هو أنه إذا كان يجب تغيير الدستور وحل البرلمان وتغيير قواعد وأنظمة الانتخابات، فيجب أن يكون ذلك من خلال القنوات القانونية. وبما أن النظام السياسي في العراق برلماني، فإن كل هذه الإجراءات يجب أن تتم داخل البرلمان وتتفق الكتل السياسية عليها، ولا يمكن للمحكمة العليا التدخل في حل البرلمان، وقد أعلنت مرتين أنها لا تملك الحق في حل البرلمان. لذلك، فإن موقف الإطار التنسيقي الشيعي في هذا المجال ينسجم مع المحكمة العليا.
والقضية الأخرى هي أن الإطار التنسيقي وحده لا يمكن أن يشكل الحكومة، وشعارهم هو تشكيل حكومة وحدة وطنية يجب أن تشارك فيها جميع التيارات السياسية وتتمتع بالسلطة بما يتناسب مع نسبة المقاعد التي تشغلها في البرلمان، والدستور أيضًا كُتب على أساس مشاركة الأحزاب.
في المقابل، مقتدى الصدر الذي انجذب إلى طريق الفتنة وبدأ حرباً مسلحةً، كان شعاره تشكيل حكومة أغلبية وسياسة “لا شرقية ولا غربية”، أي قال إنه مستعد لتشكيل تحالف مع الحلبوسي ومسعود بارزاني، لكن لا يسمح للشيعة بتشكيل الحكومة. للأسف هذا مسار خطير سلكه الصدر، وهو غير راغب في المصالحة مع الشيعة ورئيس ائتلاف “دولة القانون” نوري المالكي، ولا يسمح بتشكيل حكومة وحدة وطنية.
إذا كان الإطار التنسيقي يريد فعلاً تشكيل الحكومة فعليه قبل كل شيء أن يتوصل إلى اتفاق مع مقتدى الصدر وممثليه، حتى لا تضعف قدرة الشيعة وهم الأغلبية في البرلمان. لكن من غير المعروف ما إذا كان الصدر على إدراك بهذه القضية أم لا.
رئاسة الوزراء حق لشيعة العراق، لكن مقتدى الصدر يضعف أغلبية الشيعة ويشكل تحالفاً مع البرزاني والحلبوسي، مما يضعف التحالف الشيعي أكثر من أي شيء آخر. وستصبح هذه القضية في المستقبل ذريعةً للأكراد والسنة لكسر الأغلبية الشيعية في البرلمان بسهولة، وإبعادها عن الأغلبية. لذلك، أضعف مقتدی الصدر البيت الشيعي من الداخل.
وبالتالي، فإن الطريق أمام الإطار التنسيقي صعب، ولا يمكن بالتأكيد تشكيل حكومة شيعية بحتة، وهو لا يريد ذلك أيضًا. حيث يؤكد الشيعة أن كل حزب يجب أن يأخذ نصيبه في الحكومة والسلطة السياسية بما يتناسب مع المقاعد التي يملكها في البرلمان، وهذه هي عقيدة الإطار التنسيقي.
اختيار رئيس الوزراء، التحدي الذي لم يحل
أكد الخبير في القضايا الإقليمية السيد أفقهي، أن بإمكان الأحزاب الكردية تقديم مرشحها المطلوب إلى مجلس النواب، وأخيراً على النواب أن يختاروا الخيار الأخير.
ولا يعتبر السيد أفقهي أن موضوع انتخاب رئيس الجمهورية هو العائق الأساسي أمام تشكيل الحكومة، وإنما المشكلة الأساسية هي طريقة انتخاب رئيس الوزراء، وهي حصة الشيعة الذين يجب أن يحصلوا على على الأغلبية من أجل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، لکن للأسف يعرقل مقتدى الصدر هذا المسار حتى الآن ويدعي أن الحكومة تتطلب الأغلبية، ويبحث عن انتخابات مبكرة.
ومع ذلك، فإن الانتخابات المبكرة ليست ممكنةً بسهولة ولديها العديد من المشاكل، مثل مقدار التزوير الذي تم في انتخابات العام الماضي والعديد من الشكاوى التي قدمتها التيارات السياسية، وكان واضحاً أن هذه الجولة الانتخابية كانت مزورةً بالكامل، وأثبت الشيعة في المحكمة أن الانتخابات كانت مزورةً.
لكن مقتدى الصدر يأمل في أن يكون حزبه وحلفاؤه الفائزين النهائيين إذا أجريت انتخابات مبكرة، وأن يكونوا قادرين على انتخاب رئيس الوزراء وتشكيل حكومة الأغلبية الوطنية بدلاً من التوافق الوطني.
في الانتخابات الأخيرة، فاز التيار الصدري بأغلبية البرلمان، بل وحاول الفوز بالأغلبية البرلمانية مع حلفائه، لكنهم في النهاية تمكنوا من الفوز بـ 193 مقعدًا، بينما كانت هناك حاجة إلى 221 صوتًا لتشكيل الحكومة، وقد عقدوا جلسةً ثانيةً، لكن هذه المرة حصلوا على 150 صوتًا ولم ينجحوا. ليس واضحاً ما هي حجة مقتدى الصدر الذي يصر على تشكيل حكومة أغلبية وطنية، وهذه مشكلة أساسية.
استمرار الجمود السياسي لمصلحة أمريكا والسعودية
قال السيد أفقهي في الجزء الأخير من الحوار، إنه على الأطراف العراقية أن تستند إلی العقلانية والتفاهم، وأن تراعي المصالح الوطنية ومصالح العراقيين. كما يجب على علماء قم الدخول في هذه القضية وإقامة مصالحة بين الشيعة، لإبعاد الصدر عن هذا الطريق وتحذيره من أن العراق الآن على حافة الهاوية، ويقولوا له حتی لو أجريت الانتخابات الواحدة تلو الأخرى فلن ينجح.
في الوقت الحالي، فإن احتمال استمرار الفراغ القانوني والعرقلة السياسية سيمهد الطريق لتعزيز الإرهاب وتدخل الولايات المتحدة والسعودية والإمارات. وإذا انتهت الانقسامات، سيرى العراق السلام، لكن إذا عارضت كل حركة بعضها البعض واتهمت بعضها البعض، فلن يفيد ذلك سوى الولايات المتحدة والسعوديين، الذين أنفقوا مليارات الدولارات حتى لا ينعم العراق بالاستقرار والسلام.