مصباح 43
فالآن وجب عليّ بحكم الأخوّة الإيمانية أن نشير إجمالاً إلى مرامهم. فاعلم، أن الذات الإلهية لما كانت تامّة فوق التمام،
بسيطة فوق البساطة، [34] فهي كلّ الأشياء بوجه بسيط إجمالي، منزّه عن قاطبة الكثرات
الخارجية والخيالية والوهمية العقلية؛ فهي كلّ الأشياء وليس بشىء منها. وهذه قاعده ثابتة في
مسفورات أصحاب الحكمة المتعالية؛ مبرهنة الفلفسة الإلهية؛ مكشوفة ذوقاً عند أصحاب
القلوب وأرباب المعرفة؛ مسددة بالآيات القرآنية؛ مؤيدة بالأحاديث المروية. فالعرفاء الكمّل لما
شهدوا ذلك ذوقاً ووجدوا شهوداً، وضعوا لما شهدوا اصطلاحات وصنعوا لما وجدوا عبارات،
لجلب قلوب المتعلّمين إلى عالم الذكر الحكيم، وتنبيه الغافلين وتيقيظ الراقدين، لكمال رأفتهم
بهم ورحمتهم عليهم؛ وإلاّ فالمشاهدات العرفانيه والذوقيات الوجدانيّه غير ممكن الإظهار
بالحقيقة؛ والإصطلاحات والألفاظ والعبارات للمتعلّمين طريق الصواب، وللكاملين حجاب في
حجاب .
وأوصيك، أيها الأخ الأعزّ، أن لا تسوء الظنّ بهؤلاء العرفاء والحكماء الذين
كثير منهم من خلّص شيعة علي بن أبي طالب وأولاده المعصومين، عليهم السلام، وسلاّك
طريقتهم والمتمسّكين بولايتهم. وإياك أن تقول عليهم قولاً منكراً، أو تسمع إلى ما قيل في
حقهم، فتقع فيما تقع. ولا يمكن الإطلاع على حقيقة مقاصدهم بمجرّد مطالعة كتبهم من غير
الرجوع إلى أهل اصطلاحهم؛ فإن لكلّ قوم لساناً ولكل طريقة تبياناً. ولولا مخافة التطويل
والخروج عن المنظور الأصيل، لذكرت من أقوالهم ما يحصل لك اليقين على ما ادعيناه
والإطمئنان بما تلوناه؛ لكنّ الإطالة خروج عن طور الرسالة. فلنعد إلى المقصود الذي كنا فيه .