المنهج الجديد في تربية الطفل
10 أبريل,2023
بحوث اسلامية
224 زيارة
الفصل الثاني: الطفولة
(مفهومها، مراحلها، طبيعتها)
-
الدرس الرابع: مفهوم الطفولة في الفقه التربويّ.
-
الدرس الخامس: تقسيم مراحل الطفولة.
-
الدرس السادس: أبعاد هوية الطفل وقواه النفسية.
-
الدرس السابع: فطرة الطفل بين الخير والشرّ والحياد.
الدرس الرابع: مفهوم الطفولة في الفقه التربوي
أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرف بداية مرحلة الطفولة لغةً واصطلاحاً.
2- يُحدِّد ما هي علامات خروج الأنثى والصبيّ عن مرحلة الطفولة.
3- يُميّز بين الطفولة بالاصطلاح الشرعيّ والطفولة الوضعية.
4- يعرف آراء المدارس الفقهية الإسلامية المختلفة في تحديد مرحلة الطفولة.
تمهيد
ذكرنا في الدرس الأوّل أنّ عنوان تربية الطفل يتركَّب من مفردتين: “تربية” و”الطفل“، وقُلنا إنّ من المقدّمات المنهجية لأيّ بحث هو تعريف الكلمات المفتاحية الواردة فيه، وقد حلّلنا سابقاً مفهوم التربية، وفي هذا الدرس سنُحلّل مفهوم الطفل[1].
الطِّفل في اللغة
– قال الفراهيدي (100-175هـ): “الطِّفل: الصغير من الأولاد للناس…”[2].
– وقال ابن فارس (ت 395هـ): “(طفل) الطاء والفاء واللام أصل صحيح مطّرد ثم يُقاس عليه، والأصل المولود الصغير، يُقال هو طفل، والأنثى طفلة”[3].
– وقال ابن منظور (ت711هـ): “الطِّفْل والطِّفْلة: الصغيران. والطفل: الصغير من كلّ شيء بيِّن…”[4].
– وقال الفيروزآبادي (ت817هـ): “الطفل بالكسر: الصغير من كلّ شيء أو المولود”[5].
مفردة الطفل في القرآن الكريم
وردت مفردة الطفل 4 مرات في 4 آيات من القرآن الكريم، وهي:
– قال الله تعالى: ﴿فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا…﴾[6].
– ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا…﴾[7].
– ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء﴾[8].
– ﴿وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾[9].
وقد استعملت بعض المفردات الأخرى في القرآن الكريم للدلالة على الولد الصغير، وهي: الوليد، الصبيّ، الصغير، الغلام.
– قال الله تعالى: ﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾[10].
– ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾[11].
– ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾[12].
– ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾[13].
– ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾[14].
– ﴿وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ﴾[15].
تحديد مبتدأ الطفولة
قال فخر الدين الطريحي (ت 1085هـ): “الطفل واحد الأطفال، وهو ما بين أن يولد إلى أن يحتلم“[16].
وقال الزبيدي (ت 1205هـ): “الطفل بالكسر: الصغير من كلّ شيء أو المولود… ونقل الأزهري عن أبي الهيثم، قال: الصبيّ يُدعى طفلاً حين يسقط من بطن أمّه إلى أن يحتلم“[17].
ويُستفاد من هذين النّصين أنّ مبتدأ الطفولة خروج الطفل من بطن أمّه.
وقد يعتبر قوله تعالى في الآيتين السابقتين: ﴿نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾[18] و ﴿ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾[19] قرينة تشعر بإفادة هذا المعنى الذي ذكره بعض علماء اللغة من أنّ مبدأ الطفولة يتحقّق من حين خروج الجنين من رحم أمّه إلى نور الحياة.
وعند رصد سنّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّة أهل البيت عليهم السلام، لا نجد في الأخبار أيّ إشارة إلى تحديد نقطة بدء مرحلة الطفولة، ولعلّ ذلك لوضوح معناها في الفهم العرفيّ اللغويّ العام المفيد للظهور.
وعلى كلّ حال، إذا لم يتمّ التسليم بدلالة الآيتين السابقتين ظهوراً أو إشعاراً على كون مبدأ الطفولة هو خروج الوليد من بطن أمّه، لا يكون حينها بين أيدينا أيّ نصّ قرآنيّ أو روائيّ يُفيد المطلوب، فيكون المرجع الذي يعتمد عليه في المقام هو الفهم العرفيّ، والظاهر منه أنّه المأخوذ فيه المولودية، لذا عبّروا بقولهم: “المولود الصغير“، “أن يولد“، “الصغير من الأولاد”…
إلخ من التعبيرات.
معانٍ أخرى مستفادة من أقوال علماء اللغة
يظهر من خلال أقوال علماء اللغة بالإضافة إلى ما تقدّم أمران آخران:
الأوّل: أنّ الجنين في بطن أمّه لا يُطلق عليه اسم “الطفل“. ويُقال للجنين الذي يسقط من بطن أمّه قبل تمامه: “السقط“. قال ابن سيده (ت 458هـ): “ما دام الولد في بطن أمّه فهو جنين… وإنّما سُمّي جنيناً لأنّه اجتنّ أي اكتنّ في بطن أمّه… فإذا ولدته فهو وليد ساعة تلده والأنثى وليدة”[20].
والثاني: أنّ منتهى الطفولة هو الاحتلام كما صرّح بذلك أبو الهيثم والطريحي. وقد لا يكون هذا المعنى مفاد الدلالة اللغوية الوضعية، بل حاصل الفهم الشرعيّ لمعنى الطفولة.
والخلاصة: إنّ بداية مرحلة الطفولة هي خروج الوليد من بطن أمّه، فلا تُطلق على الجنين مفردة الطفل إلا تجوّزاً، كما لا تُسمّى النطفة أو البويضة طفلاً.
آراء الحقوقيّين حول بداية الطفولة
وقع الاختلاف بين الحقوقيّين في تحديد بداية الطفولة، ويُمكن حصرها في ثلاثة آراء:
الرأي الأول: يتوافق مع ما ذكره علماء اللغة، يقول ابن عابدين (ت1252هـ): “… (وطفله) احترز به عن الجنين، فإنّه لا يُسمّى طفلاً…، إذ الطفل هو الصبيّ حين يسقط من بطن أمّه إلى أن يحتلم“[21].
وكذلك عرّف محمد نور سويد الطفولة بقوله: “المرحلة من الولادة إلى البلوغ...”[22].
الرأي الثاني: لم يُحدّد بداية الطفولة بشكل صريح وواضح، كما في الإعلان العالميّ لحقوق الطفل[23]، وكذلك اتّفاقية الطفل[24]، إذ لم يُحدّدا بداية مرحلة الطفولة بنحو واضح لا التباس فيه، حيث يوجد في ديباجة كلّ منهما العبارة التالية: “إنّ الطفل بسبب عدم نضجه
البدنيّ والعقليّ، يحتاج إلى إجراءات وقاية ورعاية خاصّة، بما في ذلك حماية قانونية مناسبة قبل الولادة وبعدها”[25]، اعتبرها البعض إشارة إلى أنّ مرحلة الطفولة تمتدّ إلى ما قبل الولادة.
وقيل: إنّ هذا السكوت أو عدم الوضوح أمر مقصود، من أجل أن تتجنّب الدول الأعضاء في الإعلان والاتفاقية نقطة خلافية بينهم، وهي مسألة الإجهاض، فمع الأخذ بعين الاعتبار كون المرحلة الجنينية وفترة الحمل ممّا يصدق عليها عنوان الطفولة فهذا سيؤدّي بشكل تلقائيّ إلى رفض مبدأ الإجهاض لأنّه اعتداء على حقّ الطفل في الحياة الذي كفلته الشرائع الوضعية، في حين أنّ اعتبار مرحلة الطفولة لا تشمل فترة الحمل سيفتح المجال أمام المجوّزين للإجهاض لاعتباره أمراً لا يُعارض مبدأ حقّ الطفل بالحياة، لأنّ الجنين ليس طفلاً[26].
لكن في الحقيقة، إنّ هذا التعمّد في عدم الوضوح بتحديد بداية مرحلة الطفولة لا يؤثّر على حرمة الإجهاض وعدم شرعيّته، وذلك لأنّ عدم شمول مرحلة الطفولة للمرحلة الجنينية لا يُلازمه عقلاً ولا عرفاً ولا شرعاً نفي الأحكام الخاصّة عن المرحلة الجنينية، فإنّ المرحلة الجنينية في النظرة الإسلامية – على تقدير عدم اشتمال مرحلة الطفولة عليها – لها عنوان مستقلّ يترتّب عليه العديد من التشريعات الفقهية والتربوية، كما سيأتي التعرّض لها في بابها. فلا ربط بين تصنيف المرحلة الجنينية كعنوان مستقلّ عن مرحلة الطفولة، وبين عدم تشريع الإجهاض مثلاً، كما أنّه لا ربط بين عدم إطلاق اسم الطفل على السقط الذي يخرج من بطن أمّه قبل تمامه – اضطراراً أو اختياراً – وبين عدم وجوب تغسيله مثلاً، فالسقط حتّى لو لم يُطلق عليه اسم الطفل يجب تغسيله، فالمرحلة الجنينية لها أحكامها الخاصّة بها، من ضمنها حرمة الإجهاض والإسقاط للجنين، لأنّ الحقّ في الحياة غير منحصر بالمولود من بطن أمّه حيّاً بل يشمل الجنين الحيّ في رحم أمّه.
الرأي الثالث: يُصرّح أصحابه بأنّ “مرحلة الطفولة تشمل مرحلة ما قبل الولادة“[27]. ففترة الحمل والمرحلة الجنينية بناءً على هذا الرأي الثالث هي جزء من مرحلة الطفولة. وفي بحث تحت عنوان: “احتياجات الطفولة في جمهورية مصر العربية” ورد أنّ الطفولة “معنى جامع تضمّ جميع الأعمار ما بين المرحلة الجنينية – مرحلة ما قبل الولادة- ومرحلة الاعتماد على النفس”[28].
وترى سمر عبد الله أنّ “هذا التحديد لبداية مرحلة الطفولة يتناسب مع اهتمام الإسلام وحثّه على العناية بالطفل قبل أن يولد”[29].
وقد تبيّن ممّا سبق، أنّه لا علاقة تلازمية بين اهتمام الإسلام بمرحلة ما قبل الولادة وبين كونها جزءاً من خصوصية مرحلة الطفولة، إذ لو اعتبرنا المرحلة الجنينية دائرة مستقلّة عن الطفولة فلا مشكلة في أن يولي المشرّع الإسلاميّ عناية خاصّة بها بذاتها بغضّ النظر عن اندراجها تحت عنوان آخر أي الطفولة.
منتهى الطفولة في الاصطلاح الشرعيّ
إنّ منتهى الطفولة في الاصطلاح الشرعيّ يعرف من خلال المعنى المقابل له، أي البلوغ، فبالبلوغ يخرج الطفل عن حدّ الطفولة ويدخله مرحلة جديدة بكلّ ما للكلمة من معنى، مرحلة يُصبح فيها مكلَّفاً بالأوامر والنواهي الإلهية على نحو لو لم يمتثلها يستحقّ العقاب الأخروي[30]، يقول تعالى: ﴿وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾[31]، حيث استفاد الفقهاء والمفسِّرون من هذه الآية أنّ البلوغ هو منتهى الطفولة بقرينة المقابلة بين الطفولة وبلوغ الحلم. فما هو البلوغ؟ وما هي علاماته التي يعرف بها؟
وضع المشرّع الإسلاميّ عدّة معايير لتحديد مرحلة البلوغ[32]، هي:
العلامة الأولى: الإنبات، وهو علامة مشتركة بين الأنثى والذكر، والمقصود بها: نبات الشعر الخشن على العانة، ولذلك اعتبر الفقهاء أنّه لو اشتبه الطفل بالبالغ ولم يتمّ التمييز بأنّ فلاناً هل ما زال طفلاً أم تجاوز مرحلة الطفولة ودخل مرحلة البلوغ، ولم يكن هناك من علامات البلوغ غير الإنبات، أخذ بهذه العلامة كمؤشّر على البلوغ الشرعيّ. وقد قيّد الفقهاء الشعر بالخشن تحرّزاً عن الشعر الضعيف الذي قد يوجد في الطفل ويُعبّر عنه بالزغب[33]. وهو رأي الإمامية، والمالكية في المشهور، والشافعية في قول، والمشهور عند الحنابلة. في حين أنّ الحنفية والحنابلة على رواية، لا يعتبرون الإنبات علامة مستقلّة على حصول البلوغ.
العلامة الثانية: خروج السائل المنويّ، في النوم (الاحتلام) أم في اليقظة (الإنزال)، وهو علامة مشتركة بين الذكر والأنثى أيضاً. وقد حمل بعض الفقهاء والمفسِّرين معنى “الحلم” في الآية السابقة على هذه العلامة، يقول العلّامة الحلّي: “الحُلُم هو خروج المنيّ من الذكر أو قُبُل المرأة مطلقاً، سواء كان بشهوة أو بغير شهوة، وسواء كان بجماع أو غير جماع، وسواء كان في نوم أو يقظة“[34].
وهذه العلامة متسالم عليها بين الفقهاء، استناداً إلى بعض الآيات والعديد من الأخبار، قال تعالى: ﴿وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ﴾[35]. حيث حملوا المعنى المراد ببلوغ النكاح على شهوة النكاح والقدرة على الإنزال[36].
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: “رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصبيّ حتّى يحتلم…”[37].
العلامة الثالثة: مختصّة بالأنثى، وهي إتمامها 9 سنوات هـ.ق، أي ما يقارب الـ 8,8 سنوات ميلادية و٢٤ يوماً. وهو رأي مشهور فقهاء الإمامية.
الرأي الفقهيّ الثاني، وهو موضع اتّفاق فقهاء أهل السنة، يُحدّد أول سنّ البلوغ عند الفتاة بـبدء العادة الشهرية، أي المرة الأولى التي ترى فيها الفتاة دم الحيض، وليست له سن محدّدة، بل يختلف باختلاف الفتيات والمجتمعات، فقد يكون في بعض المجتمعات في سن الـ10، وفي أخرى في الـ13، لكن على أن لا يكون دون سن الـ9 وإلا لم يُعتبر حيضاً، وبالتّالي ليس علامة على البلوغ.
ومع عدم الحيض، اختلفوا في تحديد سنّ البلوغ عند الفتاة، فأبو حنيفة، والمالكية على رواية اعتبروا أنّ سنّ البلوغ هي بإتمام 17 سنة هـ.ق، أمّا المالكية في المشهور فاعتبروها بإتمام 18 سنة هـ.ق، والحنابلة والشافعية والحنفية -ما عدا القول المنقول عن أبي حنيفة – اعتبروا أنّ سنّ البلوغ في الأنثى هي إتمام 15 سنة هـ.ق[38].
العلامة الرابعة: مختصّة بالذكر، ففيما لو لم تحصل إحدى العلامات السابقة، يدخل الذكر مرحلة البلوغ بإتمام 15 سنة هـ.ق، أي ما يُقارب الـ 14,7 ميلادية. وهو رأي الإمامية، والمالكية على رواية، والشافعية، والحنابلة. أمّا أبو حنيفة، والمالكية في المشهور ذهبوا إلى أنّ بلوغ الذكر يحصل بإتمامه 18 سنة هـ.ق[39].
فالحدّ الأقصى لبلوغ الصبي في مشهور النظرة الفقهية هو 14,7 سنة ميلادية، وفي حالات عديدة يبلغ الطفل قبل ذلك بالإنبات والاحتلام، فيكون في ما يقارب من سنّ الـ 13-14.
بناءً عليه، فإنّ منتهى مرحلة الطفولة غير محدَّد تحديداً عامّاً مشتركاً بين جميع الأطفال، بل يختلف باختلاف الجنوسة أي بين الذكر والأنثى، كما يختلف باختلاف الأطفال في الذكر، أمّا في الأنثى فلا يختلف من أنثى إلى أخرى فيما لو كان المعيار المعتمد هو بلوغ 9 سنوات.هـ.ق، ويختلف إذا كان المعيار المعتمد هو الحيض.
وقد استدلّ فقهاء الإمامية على رأيهم الفقهيّ بعدّة روايات، منها:
– ما رواه حمران، قال: سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام قُلتُ له: متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التامّة وتُقام عليه ويؤخذ بها؟ فقال عليه السلام: “إذا خرج عنه اليتم وأدرك“.
قُلتُ: فلذلك حدٌّ يُعرف به؟
فقال عليه السلام: “إذا احتلم، أو بلغ خمس عشرة سنة، أو أشعر أو أنبت قبل ذلك، أُقيمت عليه الحدود التامّة، وأخذ بها، وأخذت له”.
قُلتُ: فالجارية متى تجب عليها الحدود التامة وتؤخذ لها ويؤخذ بها؟
قال عليه السلام: “إنّ الجارية ليست مثل الغلام إنّ الجارية إذا تزوّجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم، ودفع إليها مالها، وجاز أمرها في الشراء والبيع، وأُقيمت عليها الحدود التامّة وأخذ لها بها”. قال عليه السلام: “والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك”[40].
– وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: “الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم وزوِّجت وأُقيمت عليها الحدود التامة عليها ولها”[41].
منتهى الطفولة في الاصطلاح الحقوقيّ العالميّ
جاء في المادة رقم (1) من اتفاقية حقوق الطفل: “… لأغراض هذه الاتفاقية، يعني الطفل كلّ إنسان لم يتجاوز الثامنة عشر…”[42].
وجاء في أهداف وثيقة الإطار العربيّ لحقوق الطفل[43]، ما نصّه: “تكريس مفهوم الحقوق للطفل حتّى إتمام سنّ الثامنة عشر…”[44].
يتبيّن من خلال نصّ هاتين الوثيقتين العالمية والعربية أنّ مرحلة الطفولة في الاصطلاح الحقوقيّ العالمي تنتهي عند إتمام سنّ الـ18 م، أي ما يُقارب الـ18,6 هـ.ق، أي على أبواب إتمام سنّ الـ19 هـ.ق.
بين مفهومي الطفولة الشرعيّ والوضعيّ
اتّضح ممّا سبق، وجود نظرتين مختلفتين عن منتهى الطفولة، أولاً بين الفقهاء المسلمين أنفسهم، وثانياً بين المشرّع الإسلاميّ وبين القوانين الوضعية. وما نقصده من الطفولة في هذا البحث هو المعنى المراد عند مشهور فقهاء الإمامية، وعليه: لا نقصد بالطفولة: المرحلة الممتدّة من صفر سنة حتّى 18 سنة، لكي تشمل “البالغ” حديثاً، فالفتاة ما بين سن الـ 8,8 والـ18 س.م تكون ضمن معايير التصنيف الفقهيّ بالغة، ولكنّها ضمن المعايير الحقوقية في القوانين الوضعية وعند بعض الفقهاء المسلمين طفلة، والفتى ما بين سن الـ12/15 -18 م يكون بالغاً، في حين أنّه في النظرة الثانية يكون طفلاً.
وعلى كلّ حال، هناك مساحة للاشتراك بين البلوغ الشرعيّ وبين الطفولة الحقوقية، حيث تتراوح فترة الاشتراك في الفتاة ما بين الـ 5 إلى 9 سنوات، وذلك لأنّ منتهى الطفولة الحقوقية الوضعية هو نهاية سن الـ18 عاماً، وبدء سنّ البلوغ الشرعيّ عند الفتاة إمّا في سن الـ9 سنوات أو 13 سنة، فتكون الفتاة ما بين البلوغ الشرعيّ أي سن الـ9 أو 13 وما بين سن الـ18 بالغة في النظرة الشرعية وطفلة في النظرة الوضعية. أمّا في الصبيّ فتتراوح ما بين الـ 3 و 5 سنوات.
المقصود بالطفل في البحث
مع أنّ المعنى الاصطلاحيّ للطفولة مقتصر على الطفل بالفعل، من 0 سنة حتى 9 هـ.ق في الأنثى، ومن 0 سنة حتى 13/15 هـ.ق في الذكر، لكن لأنّ العوامل المؤثّرة في تربية الطفل في الرؤية الإسلامية تسبق وجوده الفعليّ، فنتوسّع تجوّزاً في معنى الطفل إلى الطفل المجازيّ بنحو يشمل المرحلة الصلبية والرحمية، أي النظر إلى الطفل باعتبار ما سيكون لا باعتبار ما هو كائن فعلاً.
وتخرج عن البحث مرحلة التمايز بين الطفولة الشرعية والوضعية، بمعنى أنّ الطفلة بعد بلوغ التسع سنوات ليست طفلة باصطلاحنا، وكذلك الفتى بعد دخوله في سنّ البلوغ الشرعيّ حتّى وإن كان لديه من العمر 13 سنة فهو ليس طفلاً. وبناءً عليه، لا يصحّ التعامل معهما من ناحية الفقه التربويّ على أنّهما طفلان، لخروجهما بالبلوغ عن هذا العنوان، فتترتّب على العنوان الجديد “البلوغ”، أحكام أخرى تتناسب مع تلك المرحلة العمرية.
المفاهيم الرئيسة
– الطفل في اللغة العربية هو المولود الصغير.
– تبدأ مرحلة الطفولة من حين خروج الطفل من بطن أمّه.
– تنتهي مرحلة الطفولة بالاصطلاح الشرعيّ عند دخول الذكر أو الأنثى سنّ البلوغ الشرعيّ.
– يشترك الطفل والطفلة بالخروج عن مرحلة الطفولة بإنبات الشعر الخشن على الأعضاء الجنسية، وبخروج السائل المنويّ منها بالإنزال أو الاحتلام.
– تتميّز الأنثى بأنّها تخرج عن مرحلة الطفولة قبل الطفل الذكر، وذلك بإتمامها تسع سنوات هجرية قمرية.
– يخرج الذكر عن مرحلة الطفولة ببلوغه 15 سنة هـ.ق.
– تمتدّ الطفولة من وجهة نظر القوانين الوضعية حتّى إتمام الطفل أو الطفلة 18 سنة ميلادية.
أسئلة الدرس
1- هل تشمل الطفولة مرحلة ما قبل الولادة؟ ولماذا؟
2- اذكر الآراء الثلاثة حول بداية مرحلة الطفولة.
3- اذكر ثلاثة آراء للفقهاء المسلمين حول منتهى مرحلة الطفولة عند الذكر والأنثى.
4- كيف استفاد فقهاء الإمامية من روايتي الإمام الباقر عليه السلام علامات البلوغ؟
5- ما هي الفوارق بين الطفولة بالاصطلاح الشرعيّ على مذهب الإمامية وبين الطفولة بالمعنى الوضعيّ؟
[1] يراجع حول هذا الدرس: عجمي، سامر توفيق، عقوبة الطفل في التربية الإٍسلامية، الفصل الثالث، ص59 وما بعد.
[2] الفراهيدي، كتاب العين، ج7، ص428.
[3] معجم مقاييس اللغة، ج3، ص413.
[4] لسان العرب، ج8، ص174.
[5] القاموس المحيط، ج4، ص7.
[6] سورة الحج، الآية 5.
[7] سورة غافر، الآية 67.
[8] سورة النور، الآية 31.
[9] سورة النور، الآية 59.
[10] سورة الشعراء، الآية 18.
[11] سورة مريم، الآية 12.
[12] سورة مريم، الآية 29.
[13] سورة الإسراء، الآيتان 23 -24.
[14] سورة آل عمران، الآية 40.
[15] سورة يوسف، الآية 19.
[16] مجمع البحرين، ج5، ص411.
[17] تاج العروس، ج15، ص434.
[18] سورة الحج، الآية 5.
[19] سورة غافر، الآية 67.
[20] المخصص، ج1، ص30.
[21] ابن عابدين، محمد أمين، حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار في فقه الإمام أبي حنيفة النعمان، ج2، ص396. وج3، ص672.
[22] سويد، محمد نور بن عبد الحفيظ، منهج التربية النبوية للطفل، ص28.
[23] المنشور بموجب قرار الجمعية العامة 1386 د-14- المؤرخ في 20 تشرين الثاني 1959.
[24] المعتمدة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 25/44 المؤرخ في 20 تشرين الثاني/1989. منشورة ضمن كتاب: مناع، هيثم، حقوق الطفل الوثائق الإقليمية والدولية الأساسية، ص25.
[25] المعتمدة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 25/44 المؤرخ في 20 تشرين الثاني/1989. منشورة ضمن كتاب: مناع، هيثم، حقوق الطفل الوثائق الإقليمية والدولية الأساسية، ص25.
[26] يراجع: الخشن، حسين، حقوق الطفل في الإسلام، ص12.
[27] عبد الله، سمر خليل محمود، حقوق الطفل في الإسلام والاتفاقيات الدولية دراسة مقارنة، ص30.
[28] البحث من إعداد المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر، ومنظمة الأمم المتحدة للأطفال “اليونيسف”. يراجع: طعيمات، هاني سليمان، حقوق فئات ذات أوضاع
خاصة، ص10.
[29] عبد الله، سمر، حقوق الطفل، ص30.
[30] عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: “إنّ أولاد المسلمين موسومون عند الله شافع مشفع، فإذا بلغوا اثنتي عشرة سنة كتبت لهم الحسنات، فإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيئات”.
الكافي، ج6، ص3.
[31] سورة النور، الآية 59.
[32] يراجع: من كتب فقهاء الإمامية: العاملي، زين الدين بن علي، المعروف بالشهيد الثاني، مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، ج4، ص141. ويراجع من كتب أهل السنة:
الشوكاني، محمد بن علي، نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخبار، ج5، ص370 وما بعد. والجزيري، عبد الرحمن، الفقه على المذاهب الأربعة، ج2، ص411 ومابعد.
[33] الزغب: صغار الشعر، وأول ما يبدو من شعر الطفل.
[34] الحلي، الحسن بن يوسف، تذكرة الفقهاء، ج14، ص191. ويراجع: مسالك الأفهام، ج4، ص143.
[35] سورة النساء، الآية 6.
[36] الروحاني، محمد صادق، فقه الصادق، ج20، ص103.
[37] الطوسي، محمد بن الحسن، المبسوط في فقه الإمامية، ج2، ص282.
[38] الجزيري، عبد الرحمن، الفقه على المذاهب الأربعة، ج2، ص411 ومابعد.
[40] الكافي، ج7، ص197، باب حد الغلام والجارية،ح1.
[41] م.ن، ح2.
[43] معد من قبل اللجنة الفنية الاستشارية للطفولة العربية في جامعة الدول العربية، كإطار استرشادي للعمل في القضايا المتعلقة بالطفولة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
[44] يراجع: مناع، هيثم، حقوق الطفل، ص74.
2023-04-10