الرئيسية / شخصيات اسلامية / رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ

رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ

الهاشميون في الجاهلية والإسلام .

موقف قريش من الدعوة ، وتصدي أبي طالب لها .
اتفقت قريش على معاداة النبي ( ص ) ودعوته ، وكان البطن الأموي أكثر البطون القريشية
إندفاعا بهذه المعاداة ، فزعمت أن محمدا شاعر ، وأنه مجنون وأنه كاهن ، وأنه ساحر ،
وأنه يدعي النبوة ادعاءا ، وأنه ( حاشا له ) كاذب ، وأن القرآن الذي جاء به ما هو إلا
أساطير الأولين ، وأنه ينبغي على بني هاشم – إذا ما أرادوا أن ينجوا من غضب قريش –
أن يسلموا محمدا لها .
وقد شرعت قريش بسلسلة من الإجراءات ترجمت ترجمة عملية مواقفها المعلنة ، كان أخطرها ،
محاصرة الهاشميين في شعب أبي طالب ثلاث سنين في بداية الدعوة المباركة – لغرض
إجهاضها وإخضاع النبي لها – ومقاطعتهم ، مما اضطرهم لأن يأكلوا ورق الشجر من
الجوع .
وقد اختارت كل بطن من البطون القريشية فتى ليشترك في قتل النبي ( ص ) ، فيضيع دمه بين
العشائر ، ولا يقوى الهاشميون على المطالبة بدمه .
عندما أعلنت بطون قريش الثلاثة والعشرين عن وقوفها وقفة رجل واحد ضد محمد ودينه
الجديد : جمع أبو طالب الهاشميين والمطلبيين وشكل منهم جبهة واحدة وأعلن باسمهم ،
بأنهم مع محمد ، وأعلن حماية هذين البطنين له ( 1 ) . وأعلن : أما بطون قريش فإنها إن
فكرت بقتل محمد فإن الهاشميين والمطلبيين سيقاتلون حتى الفناء التام ( 2 ) . وأبعد
من ذلك فإن أبا طالب قد قال للنبي وباسم الهاشميين والمطلبيين ، وعلى مسمع من
زعامة قريش : يا بن أخي إذا أردت أن تدعو إلى ربك فأعلمنا حتى نخرج معك بالسلاح ( 3 ) .
وزيادة في الإحتياط ، فإن أبا طالب كلف أولاده بأن يرافقوا النبي دائما ويفدوه
بأرواحهم ( 4 ) .
وباسم الهاشميين والمطلبيين ، واعتمادا على نصرتهم للنبي : خاطب أبو طالب ابن أخيه
محمدا ( ص ) أمام زعامة قريش قائلا : .
والله لن يصلوا إليك بجمعهم – حتى أوسد في التراب دفينا .
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة – وأبشر بذلك وقر منك عيونا .
ودعوتني ، فعلمت أنك ناصحي – ولقد دعوت وكنت ثم أمينا .
ولقد علمت بأن دين محمد – من خير أديان البرية دينا ( 5 ) .
لقد ملأ أبو طالب بطاح مكة بالتهديد والوعيد ، وحذر قريشا من مغبة الحرب حتى
الفناء التام : إن هي مست شعرة واحدة من جسد النبي ، وقد أشيع يوما بأن محمدا قد
قتل ، فجمع أبو طالب فتية بني هاشم وبني المطلب وأعطى لكل واحد منهم حديدة صارمة ،
وكلفه بأن يقف خلف زعيم من زعماء قريش ، وأن ينتظروا الإشارة منه ، فإذا صدرت
الإشارة يقتل كل فتى الزعيم الذي يقف خلفه ، وبينما كان أبو طالب يستعد لقتل زعماء
البطون ، جاءه الخبر بأن محمدا حي وبخير ، وأن إشاعة قتله غير صحيحة ، ولما تأكد
أبو طالب من سلامة النبي نادى زعماء قريش قائلا : أتدرون ما هممت به ؟ قالوا : لا ،
فأخبرهم الخبر ، وقال للفتية الهاشميين : أكشفوا عما في أيديكم ، ثم قال : والله لو
قتلتموه ما أبقيت منكم أحدا حتى نتفانى
نحن وأنتم ( 1 ) .
وبهذا الحزم من عميد الهاشميين أبي طالب ، قبرت فكرة قتل النبي ( ص ) في أذهان
زعماء قريش ، ففكرت في سلوك طرق أخرى لإيذاء النبي وإجهاض دعوته ، دون إراقة دماء .
ومن المهازل حقا التي تثير القرف في النفس البشرية أن بعض القوى التي سيطرت على
مقاليد الدولة الإسلامية فيما بعد : صورت أبا طالب بصورة المشرك ، ووضعته في ضحضاح من
النار – على حد تعبير الراوي الوحيد لهذا الخبر ، وهو راو مشهور بكراهيته لبني
هاشم – ، وزورت وأنكرت كفاحه المجيد ، وأنكرت جهاده وجهاد أولاده وأحفاده وفضلهم ،
وفرضت مسبتهم ولعنهم على المنابر ، ولم تقبل شهادة من يواليهم ، فعادت وليهم ووالت
عدوهم . . . الخ ( 2 ) .
بعد فشل الحصار والمقاطعة لم تتوقف قريش عن ملاحقة النبي ومراقبة تحركاته ، عندها
قررت أن محمدا ( ص ) قد تجاوز الخط المألوف ، وأنه قد بدأ مرحلة خطيرة ، فإذا نجح
بالهجرة إلى يثرب فسيستقطب حوله الأكثرية من أهلها ، ومن حولها من قبائل العرب ،
عندئذ ستصبح النبوة الهاشمية حقيقة واقعة ، ويذهب الهاشميون بفخر النبوة بين
العرب دون سائر البطون ، وعلى ضوء هذا التنظير عقدت زعامة بطون قريش الثلاثة
والعشرين اجتماعا موسعا في دار الندوة واتفق المجتمعون على أن قتل محمد هو الحل ،
وقرروا اختيار عدد من فتية بطون قريش يمثل كل فتى منهم عشيرته ، ليشتركوا جميعا
بقتله ولتكوين جبهة متراصة ضد الهاشميين ، لكن الله دفع مكرهم ورد كيدهم ، بعد أن
استخلف ابن عمه علي بن أبي طالب ( ع ) في فراشه ، فقد أشار الله تعالى
بقوله : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو
يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) ( 3 ) .
الهاشميون بعد الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة .
طوال الفترة التي قضاها النبي في مكة المكرمة بعد النبوة وقبل الهجرة إلى
المدينة المنورة ، والهاشميون بحالة تعبئة عامة من الدرجة القصوى وبحالة مواجهة
دائمة مع بطون قريش . . . وقد كان واضحا أنه ليس من الحكمة تفريغ مكة من الهاشميين ،
والأجدى والأنفع أن يبقى
يبعضهم في مكة ليراقبوا تحركات قريش ومؤامراتها ، وينقلوا أخبارها للنبي ( ص ) أو
بأول ، والعباس ابن عم النبي ( ص ) أبرز نموذج على تلك النخبة الهاشمية . . . وعندما
أجبرتهم قريش على الخروج لقتال النبي ( ص ) في بدر كانت قريش تعرف هذه الحقيقة ، حيث
أن المسلمين باتوا أقلية ، وقد توقفوا عن المواجهة العلنية مع قريش ، وساروا
ظاهريا مع التيار العام ، أنظر إلى قول زعيمها : والله لقد عرفنا يا بني هاشم – وإن
خرجتم معنا – أن هواكم مع محمد ( 1 ) .
دور الهاشميين في المواجهات العسكرية بعد الهجرة المباركة .
خلال ستة أشهر بعد الهجرة ، استطاع النبي ( ص ) أن يرتب الأوضاع الداخلية في يثرب ،
وأن يكسب بالرضا موافقة وإقرار سكان يثرب وما حولها بأنه الولي الحاكم ، والحكم
والمرجع ، ووافق المجتمع اليثربي بالإجماع على أن بطون قريش هي عدوة الجميع ،
وأنه لا يجوز الصلح المنفرد معها ، ولا يحال بين مؤمن وبين مال أو نفوس تلك
البطون ( 2 ) .
لكن سياسة بطون قريش الخرقاء ، جرتها إلى حروب دموية طاحنة إنتهت بهزيمتها
الساحقة ، واستسلامها بالكامل لرسول الله ( ص ) ( وللدين الجديد ) ، فدخلت الإسلام عندما
أحيط بها ، وأدخلت بدخولها فيه تركة صراعها الطويل مع النبي ( ص ) .
ومن أبرز المعارك الحربية التي جرت بين قريش والمسلمين : 1 – معركة بدر ، 2 – معركة
أحد ، 3 – معركة الخندق أو الأحزاب ، 4 – بالإضافة إلى معركة سياسية عظمى لا تقل
أهمية عن المعارك الحربية الكبرى أدت إلى صلح الحديبية ، 5 – معركة حنين .
تلك نماذج من معارك الكفر مع الإيمان ، وسنستعرضها بالقدر الذي يخدم غايتنا
المنصبة على إبراز دور الهاشميين في صراع الكفر مع الإيمان بعد الهجرة . ففي معركة
بدر خرج عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وابنه الوليد للمبارزة ، ونادى مناديهم ! يا محمد
أخرج لنا الأكفاء من قومنا ، فصاح النبي ( ص ) : يا بني هاشم قوموا فقاتلوا بحقكم
الذي بعث الله به نبيكم ، إذ جاءوا بباطلهم ليطفئوا نور الله ( 3 ) .
وقبل أن يرتد للنبي ( ص ) طرفه خرج العمالقة الهاشميون إلى ميدان المبارزة – حمزة
عمه ، وابن عمه علي بن أبي طالب ، وقريبه عبيد الله بن الحارث – فقد قتل الهاشميون
الثلاثة الأمويين الثلاثة ، وقطعت ساق عبيد الله بن الحارث .
وكان حمزة بن عبد المطلب عم النبي أسد الله وأسد رسوله لا يخفى على أحد ، لأن
سطوته معروفة ، لكن الرجل الذي قاتل بقدرة وكفاءة تفوق الوصف والتصور ، هو علي بن
أبي طالب ( ع ) ابن عم النبي ( ص ) ، وحامل راية المهاجرين ( 1 ) .
لقد لفت فنه في القتال أنظار أهل الأرض وأهل السماء ، فنادى ملك من السماء : ( لا
سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ) ( 2 ) .
فصارت بطولة الإمام علي فيما بعد مسبة له ، ووسيلة للتحريض عليه ، ومبررا لإبعاده
عن حقه في الإمامة ، فبعد عشرين سنة من وقعة بدر ، يقول أحد الصحابة لسعيد بن العاص :
اني لأراك معرضا عني ، تظن أني قتلت أباك ، والله ما قتلت أباك ( 3 ) . يريد هذا
الصحابي أن يذكر سعيدا أن الذي قتل أباه في بدر هو علي بن أبي طالب ( ع ) ! ! .
وقال أحد الصحابة فيما بعد : ان الأمر كان لعلي بن أبي طالب ، فزحزحوه عنه لحداثة
سنه ، والدماء التي عليه ( 4 ) .
شجاعة علي بن أبي طالب ( ع ) الفريدة في الحروب .
قتلى الأمويين : أحد عشر قتيلا ، قتل أكثرهم علي بن أبي طالب . وكذلك قتل ( ع ) من بني
تيم بن مرة ، ومن بني مخزوم ، ومن بني أسد .
ومن الأمثلة على كراهية قريش لبني هاشم ، أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة . كان من أصحاب
النبي ( ص ) ، وأبوه وأخوه وعمومته كانوا أركان جيش الشرك الذي قاتل المسلمين في بدر ،
وقد شاهد أبو حذيفة أباه وعمه وسادات بني أمية يتجرعون كؤوس الموت أمام عينيه . . .
، لقد عبر أبو حذيفة عن حقيقة هذه المشاعر بحركة عفوية ولا شعورية ، لقد طلب النبي
( ص ) من أصحابه أن لا يتعرضوا لأحد من بني هاشم ، لأنهم أكرهوا على الخروج مع
المشركين ، فقال أبو حذيفة : نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس عم
النبي ! ! – لما أبلى بلاء حسنا في بدر – والله لئن لقيته لألحمنه السيف ( 5 ) .
ومثل حذيفة حذيفات كثيرون ، والفرق بين أبي حذيفة وغيره ، أن أبا حذيفة صادق وعفوي ،
ولا يجيد المراوغة والمكر ، ولا يخفى ما تهتف به مشاعره ، وأما غيره فيتمتع
بالقدرة على ضبط الأعصاب والمناورة ، وإخفاء مشاعره رغبة أو رهبة ، أضف إلى ذلك أن
فكرة
الثأر ضاربة الجذور في النفس العربية ، ولا ترتاح نفوس ذوي القتلى إلا إذا قتلوا
القاتل ، أو أبعدوه تماما عن المسرح والأعين ، وكيف يمكن قتل النبي ( ص ) أو حمزة أو
علي ( ع ) أو الهاشميين ؟ ! ، ولنفترض أن القاتل قد مات ، فإن ذريته مطلوبة لذرية
المقتول حتى يؤخذ حقه .

شاهد أيضاً

اليمن – رمز الشرف والتضامن العربي مع غزة فتحي الذاري

  ان الحشد المليوني للشعب اليمني بكافة قواه الفاعلة والاصطفاف الرشيد بقيادة السيد القائد عبدالملك ...