الرئيسية / شخصيات اسلامية / رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ \ الهاشميون في الجاهلية والإسلام

رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ \ الهاشميون في الجاهلية والإسلام

في المطبات التي وقعت فيها
الأمم السابقة ، وأغناهم عن الخوض بتجارب الأمم السابقة ، مقدما لهم وعلى طبق من
فضة خلاصة تجارب الأمم السالفة .
بعد أن بنى النبي ( ص ) قاعدة الإسلام ودولته أحيط المسلمون علما بأن محمدا رسول
الله ( ص ) ، قد خلت من قبله الرسل ، وأنه سيموت لا محالة : ( إنك ميت وإنهم
ميتون ) ، والله سأل عباده المسلمين قائلا : ( أفإن مات أو قتل انقلبتم
على أعقابكم ) . فموت محمد ( ص ) حقيقة من الحقائق التي استقرت نهائيا بذهن كل فرد
من أفراد المجتمع الإسلامي ، ومن الطبيعي أن يتساءل المسلمون ، ماذا بعد موت النبي
( ص ) ؟ لمن يهرعون ؟ ومن يوجههم ، ومن يذكرهم به ؟ ومن يقودهم ؟ .
من الطبيعي أن تقفز إلى أذهان المتسائلين أجوبة كبرى تأخذ شكل أسئلة كبرى أيضا ، مثل
من هم قرابته ؟ ومن هم الأولى به ؟ وأين هي ذريته حتى تكون القاسم المشترك الذي
تطمئن وتطيب به قلوب الجميع ؟ .
ومع هذه الأجوبة الكبرى التي أخذت مجامع المؤمنين ، استذكر المسلمون الصادقون سجلا
حافلا بالأمجاد ، لقرابة النبي ( ص ) الذين حموه طوال سني قبل الهجرة وما بعدها ،
وهم أركان حرب النبي وحملة راياته ، وقتلة أعدائه في الحروب التي تلت الهجرة ، وهم
فوق ذلك مستودع علم النبوة . . .
قالت عائشة قال رسول الله ( ص ) : قال جبريل عليه السلام : قلبت مشارق الأرض و
مغاربها فلم أجد رجلا أفضل من محمد ، وقلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد
بنيا أفضل من بني هاشم ( 1 ) .
وقال النبي ( ص ) : نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد ( 2 ) .
وقال النبي ( ص ) : أنزلوا آل محمد بمنزلة الرأس من الجسد ، وبمنزلة العينين من
الرأس ، فإن الجسد لا يهتدي إلا بالرأس ، وإن الرأس لا يهتدي إلا بالعينين ( 3 ) .
تميز أهل البيت ( ع ) عن غيرهم .
لقد اختار الله البطن الهاشمي وميزه عن غيره من بطون القبائل البشرية ، وخصه
بمميزات لم يخص بها قبيلة قط ، ويكفيهم شرفا أن سيد ولد آدم وخاتم النبيين منهم ،
وباستعراضنا
للمنظومة الحقوقية الإلهية المكونة من كتاب الله وبيان النبي ( ص ) لهذا الكتاب ،
نجد بكل وضوح أن هذه المنظومة الحكيمة قد رسخت حالة التميز لآل رسول الله الذين
أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بالفضل .
ومن المسلم به ومن المجمع عليه بأن الصدقة جائزة لكل محتاج من أبناء الجنس
البشري ، فإذا احتاج أبو بكر مثلا أو عمر أو عثمان أو أي واحد من الخلفاء ومن
الصحابة الكرام ، فيمكن لأي موسر أن يتصدق عليهم ، ولا حرج على أولئك جميعا لو قبلوا
الصدقة باعتبارها طعمة إلهية للمحتاج . وعليه فبما أن الصدقة حلال لكل الناس
المحتاجين إلا أنها محرمة ، ولا تحل لنبينا محمد وآله ( ص ) ، لأنها أوساخ الناس
على حد تعبير الشارع الحكيم ، فإن البيت النبوي المطهر والقائد ، لا ينبغي له أن
يجمع بين الطهارة وما يناقضها ، فقد مر النبي ( ص ) بتمرة بالطريق فقال : لولا أن تكون
من الصدقة لأكلتها ، وأن الحسن بن علي ( ع ) – وكان طفلا لا يدرك – أخذ تمرة من الصدقة
فجعلها في فيه ، فقال رسول الله ( ص ) : كخ ، كخ إرم بها ، أما علمت أنا لا نأكل
الصدقة ؟ وفي رواية إنا لا تحل لنا الصدقة ( 1 ) .
قيل للإمام جعفر بن محمد الصادق ( ع ) : إذا منعتم الخمس ، هل تحل لكم الصدقة ؟ قال
الإمام : لا ، والله . ما يحل لنا ما حرم الله علينا بغصب الظالمين حقنا ، وليس
منعهم إيانا ما أحل الله لنا بمحل لنا ما حرم الله علينا ( 2 ) .
آل الرسول ( ص ) وسهم ذوي القربى .
كان الرئيس عند العرب في الجاهلية يأخذ ربع الغنيمة ، ويقال للربع الذي كان يأخذه
الرئيس المرباع ( 3 ) ، ولما جاء الإسلام العظيم فرض الخمس لآل رسول الله ، وقال
سبحانه : ( واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول
ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم
بالله . . . ) ( 4 ) . إذا فسهم الرئاسة في الإسلام هو الخمس بدلا من الربع ، وزاد الله
أصحاب هذا السهم ، فسهم من هذا الخمس لله تعالى ، وسهم آخر منه لرسول الله ، وسهم
لذوي قربى رسول الله ، وثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وابن السبيل من فقراء أقرباء
الرسول ( ص ) .
روى الطبري عن مجاهد أنه قال : كان آل محمد ( ص ) لا تحل لهم الصدقة ، فجعل لهم خمس
الخمس ، وقد علم الله أن في بني هاشم الفقراء ، فجعل لهم الخمس مكان الصدقة ( 1 ) .
وسئل علي بن الحسين – عليهما السلام – عن الخمس : فقال : هو لنا ، فقيل لعلي : إن
الله يقول : ( واليتامى والمساكين وابن السبيل ) . فقال : يتامانا ومساكيننا ( 2 ) .
وقد أجمع أهل القبلة كافة على أن رسول الله ( ص ) كان يختص بسهم من الخمس ويختص
أقاربه بسهم آخر منه ، وأنه لم يعهد بتغيير ذلك حتى دعاه الله إليه ( 3 ) .
قال الزمخشري في الكشاف ، فلما ولي أبو بكر تأول الآية ، فأسقط سهم النبي ( ص ) ،
وسهم ذوي القربى بموته ، ومنع بني هاشم من الخمس ، وجعلهم كغيرهم من يتامى المسلمين
ومساكينهم وأبناء السبيل منهم ( 4 ) .
سأل نجدة بن عامر ، ابن عباس عن سهم ذوي القربى : فكتب إليه ابن عباس قائلا : إنك
سألتني عن سهم ذوي القربى الذين ذكرهم الله ، من هم ؟ وإنا كنا نرى أن قرابة رسول
الله ( ص ) هم نحن فأبى علينا قومنا . . . ( 5 ) .
لما كان يوم خيبر ، وضع رسول الله ( ص ) سهم ذوي القربى في بني هاشم بن عبد مناف وبني
عبد المطلب بن عبد مناف ، وترك بني نوفل وبني عبد شمس ، قال جبير بن مطعم : . . .
فانطلقت أنا وعثمان بن عفان حتى أتينا النبي ، فقلنا : يا رسول الله ، هؤلاء بنو
هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله به منهم ، فما بال إخواننا بني
عبد المطلب ، أعطيتهم وتركتنا ؟ قرابتنا واحدة ؟ فقال رسول الله ( ص ) : إنا وبني
عبد المطلب لا نفترق ، وفي رواية النسائي : إن بني عبد المطلب لم يفارقوني في جاهلية
ولا إسلام ، وإنما نحن وهم شئ واحد ، وشبك بين أصابعه ( 6 ) .
ولعل الله تعالى قد اختص الهاشميين بهذا السهم ليكون مورد رزق احتياطي لهم في كل
زمان ، يضمن لهم الاستقلال الاقتصادي ويفي بحاجاتهم ، ويساعدهم على القيام
بمسؤولياتهم .
وقلنا أن بعد موت النبي ( ص ) اختلت موازين القوى ، واتخذت قريش موقفا موحدا ، وصار
للهاشميين موقف آخر مختلف عنها ، فقد اعتقد الهاشميون أنهم الأولى بالرسول حيا
وميتا ، لأنهم الأقرب إليه والألصق ، والأكثر تضحية من أجله ، واعتقدت بطون قريش
( الثلاثة والعشرون ) أن قبيلة قريش كلها قرابة للنبي وليس الهاشميون وحدهم ( 1 ) . وأن
من مصلحة الإسلام أن لا يجمع الهاشميون النبوة والخلافة معا ، وحيث أن الهاشميين قد
اختصوا بالنبوة ، فينبغي أن تختص قريش بالخلافة ( 2 ) .
وأمام وحدة قريش ، فقد الهاشميون واقعيا مواقعهم ، وفرضت قريش ما كانت تراه صوابا
على الهاشميين ، فقد اشتغلت الدولة الجديدة بعد موت النبي ( ص ) بحروب الردة ، وكثرت
نفقاتها والتزاماتها العسكرية ، وازدادت حاجة الدولة الجديدة إلى الإنفاق ، فصادرت
سهم ذوي القربى ، واجتهد الخليفة الأول بأن توزيع هذا السهم على مصالح الدولة وعلى
الأمة ، أولى وأصوب من حصره بالهاشميين ، ونفذ الخلفاء والحكام الذين تلوه ما كان قد
سنه أبو بكر ، وصار عمل الخلفاء سنة ، فلم يقووا على العمل بعكس سنن الخلفاء
السابقين ، لأنها ترسخت في النفوس وفي أذهان العامة ، وصارت بمثابة العرف الذي
يتعذر تغييره بدون حرج ولا استهجان .
ويبدو أن بعض الخلفاء وبعد أن استقامت أمورهم وانقادت الدنيا لهم ، قد فكروا
بإعطاء الهاشميين جزءا من سهم ذوي القربى ، إلا أن الهاشميين رفضوا رفضا قاطعا أن
يأخذوا جزءا ، وأصروا بأنهم لن يقبلوا إلا بالحق كله ( 3 ) .
ومع الأيام صار سهم ذوي القربى حقا خالصا للخليفة ، يتصرف به على الوجه الذي
يراه . قال ابن الأثير : أعطى عثمان عبد الله بن أبي سرح خمس الغزوة الأولى ، وأعطى
مروان بن الحكم خمس الغزوة الثانية التي افتتحت فيها جميع أفريقيا ( 4 ) .
وقال ابن أبي الحديد : أعطى عبد الله بن أبي سرح جميع ما أفاء الله عليه من فتح
أفريقيا ، وهي من طرابلس الغرب إلى طنجة ، من غير أن يشركه فيه أحدا من
المسلمين ( 5 ) .
وبارى الفقهاء هذا الواقع الجديد ، وحاولوا أن يخرجوا الحكم الشرعي على ضوئه ،
تماشيا مع سياسة الحكام والخلفاء الذين عاصروهم ، ولأسباب عديدة لا مجال لذكرها ،
فقد رأى مالك بن أنس ، أن هذا السهم بأجمعه مفوضا إلى الإمام يجعله حيث شاء ، ولا
حق فيه لذي القربى ولا ليتيم ولا لمسكين ولا لابن سبيل مطلقا ( 1 ) . وأما أبو حنيفة
وأصحابه : فقد أسقطوا بعد موت النبي ( ص ) سهمه وسهم ذي قرباه ، وقسموه بين مطلق
اليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل ، لا فرق بين الهاشميين وغيرهم ، أما الشافعي :
فأبقى سهم ذوي القربى لذوي القربى ، يعرف لهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، والباقي
لليتامى والمساكين وابن السبيل إطلاقا ( 2 ) .
أجلى مظاهر التميز لمحمد وآل محمد ( ص ) على العالمين ( لا صلاة لمن لم يصل على
محمد وآله ) :
لقد نطق القرآن الكريم ، وأجمعت الأمة الإسلامية على أن أولى مهام النبي الأكرم
محمد ( ص ) أن يبين للناس ما أنزل إليهم من ربهم ، وعندما نزل قوله تعالى : ( إن
الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا
عليه وسلموا تسليما ) ( 3 ) ، قيل لرسول الله ( ص ) : يا رسول الله ، قد علمنا
كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ قال النبي : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل
محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد
وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ( 4 ) ، وفي ذلك

يقول الشافعي : .
يا أهل بيت رسول الله حبكم – فرض من الله في القرآن أنزله .
كفاكم من عظيم الفخر أنكم – من لم يصل عليكم لا صلاة
له ( 5 ) .
لما حج الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك ، جهد ليصل إلى الحجر ، فلم يقدر لكثرة
الزحام ، فجلس ومعه أعيان الشام ، فبينما هم كذلك إذ أقبل علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب ( الإمام السجاد ) – صلوات الله وسلامه عليهم – ، فلما إنتهى إلى الحجر ،
تنحى له الناس
حتى استلمه ، فقال رجل من الشام : من هذا ؟ فقال هشام : لا أعرفه ، مخافة أن يرغب
فيه أهل الشام ، وكان الفرزدق الشاعر المعروف في حضرة الخليفة الأموي فقال : أنا
أعرفه ، فقال الشامي : من هذا يا أبا فراس ؟ فأجابه الفرزدق شعرا بقصيدة رائعة
جاء فيها :
فليس قولك من هذا بضائره * العرب تعرف من أنكرت والعجم .
من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجى ومعتصم .
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم * أو قيل من هم خير أهل الأرض قيل هم ( 1 ) .
كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سبب النبي ( ص ) ونسبه .
قال رسول الله ( ص ) : كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي فإنها موصولة
في الدنيا والآخرة ( 2 ) .
قيل لخادمة تخدم آل محمد ( ص ) : غطي شعيفاتك فإن محمدا لن يغني عنك من الله
شيئا ، فأخبرت النبي ( ص ) ، فغضب غضبا شديدا ، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ،
ثم قال : من أنا ؟ قالوا أنت رسول الله ، قال : نعم ، ولكن من أنا ؟ فقال الأنصار
: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، قال النبي : أنا سيد ولد
آدم ولا فخر ، وأول من ينفض التراب عن رأسه ولا فخر ، وأول داخلي الجنة ولا فخر ،
وفي ظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله ولا فخر ، ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لا
تنفع ؟ ! بل تنفع حتى تبلغ ( حكم وحاء ( 3 ) ، إني لأشفع حتى أن من أشفع له ليشفع
فيشفع ، حتى أن إبليس ليتطاول طمعا بالشفاعة ( 4 ) .
وقال رسول الله ( ص ) يوما لأصحابه : ما بال رجال يقولون : رحم رسول الله لا تنفع
يوم القيامة ؟ والله إن رحمي لموصلة في الدنيا والآخرة ( 5 ) .
قال رسول الله ( ص ) : وعدني ربي في أهل بيتي ، من أقر منهم بالتوحيد ولي بالبلاغ
، أن لا يعذبهم الله ( 1 ) .
وقال ( ص ) : سألت ربي أن لا يدخل أحدا من أهل بيتي النار فأعطانيها ( 2 ) .
وقال ( ص ) : اللهم إنهم عترة رسولك فهب مسيئهم لمحسنهم وهبهم لي ، قال : ففعل وهو
فاعل ، قال ، قلت : ما فعل ؟ قال : فعله بكم ويفعله بمن بعدكم ( 3 ) .
وقال ( ص ) : إن الله عز وجل قد فطمها ] يعني فاطمة ( س ) [ وذريتها عن النار يوم
القيامة ( 4 ) .
وقال ( ص ) : إن الله عز وجل فطم ابنتي فاطمة وولدها ومن أحبهم من النار ،
فلذلك سميت فاطمة ( 5 ) .
الذرية المباركة .
أعطى الله النبي ( ص ) بنين فماتوا جميعا وهم أطفال ، ورزقه بنات ، فتزوجن ومتن ،
ولم يكن لهن عقب ، والبنت الوحيدة التي عاشت للنبي هي فاطمة بنت محمد ( ص ) ، أمر
الله نبيه بأن يعلنها سيدة لنساء العالمين ( 6 ) ، ويعلن بأن رضاها من رضاه ، وسخطها
من سخطه ( 7 ) ،
وتتويجها إلهيا سيدة على نساء العالمين ، يبين بأوضح بيان بأنها قد جمعت كل
ما يحتاجه الرجل من المرأة المثلى ، وأنها ظاهرة فريدة في تاريخ المرأة ، خطبها
أبو بكر الخليفة الأول ، فرفض رسول الله تزويجها له ( 1 ) ، وخطبها عمر ورفض النبي
تزويجها له أيضا ، وقال النبي أنه ينتظر أمر ربه فيها : بمعنى أن الله تعالى هو
الذي سيختار الزوج لسيدة نساء العالمين ، ومن هذه السيدة المباركة ومن زوجها العظيم
ستكون الذرية المباركة ، وقبل أن يختار الله تعالى زوج السيدة البتول فاطمة ، أمر
رسوله أن يعلن للمسلمين ، بأن الله تعالى قد جعل ذرية كل نبي من صلبه ، وجعل
ذريتي من صلب علي بن أبي طالب ( 2 ) ؟ ! ! مثلما أمره الله تعالى بأن يعلن ، بأن كل بني
أنثى ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة ، فأنا وليهم وأنا عصبتهم وأنا أبوهم ( 3 ) ،
وطالما خاطب النبي ( ص ) عليا ( ع ) قائلا : وأما أنت يا علي فأخي وأبو ولدى ( 4 ) ،
وأشار النبي لعلي بقوله : هذا أخي وابن عمي وصهري وأبو ولدى ( 5 ) .
وفي يوم مبارك جاءت البشارة إلى رسول الله ( ص ) فزفها لأصحابه ، قائلا بشارة أتتني
من ربي في أخي وابن عمي وابنتي ، بأن الله زوج عليا فاطمة ( 6 ) ، وطالما ذكر
النبي فاطمة بهذه النعمة الإلهية ، قائلا : أما ترضين أن الله اختار من أهل الأرض
رجلين ، أحدهما أبوك
والآخر بعلك ( 1 ) ؟ ، ومثل قوله : . . . لا يا فاطمة ، أما ترضين أن الله عز وجل
اطلع إلى أهل الأرض ، فاختار رجلين ، أحدهما أبوك والآخر بعلك ( 2 ) ؟ .
وليس صدفة أن تحصر ذرية النبي ( ص ) بولد فاطمة ( ع ) ، وقد أحيطت الأمة علما بذلك ،
وعلمت علم اليقين بأنه ليس للنبي ولد إلا ولد فاطمة ، وطالما ردد النبي بنشوة
عارمة وأمام جموع الصحابة : هذا ابني الحسن ، ( أو ) هذا ابني الحسين ، وطالما افتخر
بأن الله تعالى هو الذي سماهما الحسن والحسين .
الزواج المبارك .
محمد ( ص ) سيد ولد آدم بلا خلاف ، وخيرة الله من خلقه بلا خلاف ، وفاطمة سيدة نساء
العالمين بلا خلاف ، وقد أمر الله نبيه بأن يعلن بأن عليا سيد العرب ( 3 ) وسيد
المسلمين وامام المتقين ( 4 ) ، وبعد أن أعلن النبي ذلك أمر الله نبيه بأن يعلن زواج
السيدين فاطمة وعلي ، وأحيط المسلمون علما بأن الذرية الناتجة من هذين الزوجين
المباركين هي ذرية النبي ، وهم بنوه ، وهم تاج أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس
وطهرهم تطهيرا ، فكان أهل بيت النبوة هم خيرة الخيرة ، لأنهم اختيارات إلهية متلاحقة ،
وقد أنعم الله على الزوجين السعيدين بإمامين عظيمين : هما الحسن والحسين ( ع ) ،
واعتبرهما النبي ولديه حقا ، فأذن في أذنيهما ( 5 ) ، وعق عنهما ( 6 ) ، وعوذهما بما
عوذ إبراهيم الخليل ولديه ( 7 )
واعتبرهما عضوين من أعضائه ( 1 ) ، وريحانتيه من هذه الأمة ( 2 ) ، وأعلن بأنهما سيدا شباب
أهل الجنة ( 3 ) ، وأنهما سبطا الأمة ( 4 ) ، وأعلن النبي بكل فخر أنه وولديه الحسن والحسين
: خير الناس جدا وجدة وأبا وأما ( 5 ) ، وإكمالا وإحكاما لحلقته الشرعية انزل
الله تعالى آية
محكمة ، تضمنت بيان ذرية النبي ، واستقطب الله سبحانه وتعالى الناس لها ، وكان من
المتفق عليه حسب التوجيهات الإلهية ، أن يلتقي الطرفان المتباهلان ، ومع كل طرف
أولاده ونساؤه ، ثم يبتهلوا فيجعلوا لعنة الله على الكاذبين . وفي اليوم المخصص
للمباهلة ، حضر النبي نفسه آخذا بيد علي والحسن والحسين ، وكانت فاطمة تمشي خلفهم ،
فسأل وفد النصارى عن أولئك الذين أحضرهم النبي ( ص ) معه للمباهلة ، فقيل له : علي
بن أبي طالب ابن عمه ، وزوج ابنته ووالد سبطيه ، الحسن والحسين ابنا بنته ، أما
المرأة التي كانت تمشي خلفهم فهي فاطمة ابنته . فوقعت الهيبة في قلوب وفد النصارى ،
وامتنعوا عن مباهلة النبي ( 1 ) .
هذه واقعة أجمعت الأمة الإسلامية على صحة وقوعها ، فهل اختار النبي الأربعة من تلقاء
نفسه ، أم أن الله تعالى هو الذي أمره باختيارهم ؟ . . . ظروف المباهلة ، وسياق الآية ،
تدل دلالة قاطعة ، وبديهي أن تحدي المباهلة أمر إلهي ، أنظر لقوله تعالى : ( فقل
تعالوا . . . ) ، ومن
البديهي أن نفهم أن اختيار طرف المباهلة المذكور هو اختيار إلهي ، ومن قبيل تماسك
الأحكام الإلهية وتصديق بعضها ، ثم إن ضرب يوم للمباهلة ، واستقطاب ذلك الحشد الكبير
من الناس ، ما هو إلا – في أهم جوانبه – من قبيل إقامة الحجة على السامعين
والمشاهدين ومن بلغ .

شاهد أيضاً

الابحاث العرفانية –  السيّد محمّد الحُسين‌ الحسينيّ الطهرانيّ

الابحاث العرفانية –  السيّد محمّد الحُسين‌ الحسينيّ الطهرانيّ کتاب الشمس الساطعة منهج‌ المرحوم‌ القاضي‌ قدّس‌ ...