27 زيد بن ثابت « 1 »
( 11 ق ه – 45 ه ) ابن الضحاك الأنصاري الخزرجي النجّاري ، أبو سعيد ، وقيل : أبو خارجة ، وقيل : أبو عبد الرحمن .
استصغره رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم يوم بدر فردّه ، ويقال إنّه شهد أُحداً ، وقيل لم يشهدها وإنّما كانت الخندق أوّل مشاهده .
قيل : وكان أبو بكر قد أمره أن يجمع القرآن في الصحف فكتبه فيها ، فلما اختلف الناس في القرآن زمن عثمان ، أمر زيداً أنّ يملي المصحف على قوم من قريش جمعهم إليه فكتبوه على ما هو عليه اليوم بأيدي الناس .
وجاء في حديث أنس بن مالك : إنّ زيد بن ثابت أحد الذين جمعوا القرآن
على عهد رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم من الأنصار .
وقد عارضة قوم بحديث ابن شهاب عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت أنّ أبا بكر أمره في حين مقتل القرّاء باليمامة بجمع القرآن ، قال : فجعلت أجمع القرآن من العسب والرقاع وصدور الرجال حتى وجدت آخر آية مع رجل يقال له خزيمة أو أبو خزيمة .
قالوا : فلو كان زيد قد جمع القرآن على عهد رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم لَاملاه من صدره وما احتاج إلى ما ذكر « 1 » وقيل : إنّ رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم أمره أن يتعلم كتابة يهود ، قال : فانّي لا آمنهم .
وقد استخلفه عمر بن الخطاب على المدينة ثلاث مرات ، وكان عثمان يستخلفه على المدينة إذا حجّ .
وكان على بيت المال لعثمان .
قال ابن عبد البر : كان عثمان يحب زيد بن ثابت ، وكان زيد عثمانياً ، ولم يكن فيمن شهد شيئاً من مشاهد عليّ من الأنصار ، وكان مع ذلك يفضله ويظهر حبه « 2 » .
روي انّه لما كانت سنة ( 34 ه ) كتب أصحاب رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم بعضهم إلى بعض : أن أقدموا فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد وكثر الناس على عثمان ونالوا منه أقبح ما نيل من أحد ، وأصحاب رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم يرون ويسمعون وليس فيهم أحد ينهى ولا يذب إلَّا نُفير : زيد بن ثابت وأبو أسيد الساعدي وكعب بن مالك وحسان بن ثابت « 3 »
روى يعقوب بن سفيان بسنده عن زيد بن ثابت قال : قال رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : إنّي تارك فيكم خليفتي كتاب اللَّه عزّ وجلّ وعترتي أهل بيتي وانّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض « 1 » روى زيد بن ثابت عن رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم وعن عمر وعثمان .
وهو أحد رواة حديث الغدير من الصحابة « 2 » روى عنه : ابناه خارجة وسليمان ، وأنس بن مالك ، والقاسم بن حسان العامري ، وسعيد بن المسيب ، وعبد اللَّه بن عمر ، وآخرون .
وكان فقيهاً مفتياً .
عُد من المكثرين من الصحابة فيما روي عنه من الفتيا ، ونقل عنه الشيخ الطوسي في « الخلاف » ثلاثين فتوى ، منها : إذا التقى الختانان ولم ينزل لم يجب الغسل .
أخرج البيهقي ( السنن الكبرى : 6 – 133 ) بسنده عن ثابت بن الحجاج عن زيد أنّه قال : نهى رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم عن المخابرة .
قلت : وما المخابرة ؟ قال : أن يأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع .
وأخرج في الصفحة 22 من الجزء 8 عن مكحول انّ عبادة بن الصامت رضي اللَّه عنه دعا نبطياً يمسك له دابته عند بيت المقدس ، فأبى ، فضربه فشجّه ، فاستعدى عليه عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه فقال له : ما دعاك إلى ما صنعت بهذا ؟ فقال : يا أمير المؤمنين أمرته أن يمسك دابتي فأبى وأنا رجل فيّ حدّة فضربته ، فقال : اجلس للقصاص ، فقال زيد بن ثابت : أتقيد عبدك من أخيك ؟ فترك عمر رضى اللَّه عنه القود وقضى عليه بالدية .
وكان ابن عباس يرد على زيد قوله في الفرائض ، فمن ذلك قوله : إن شاء ، أو قال : من شاء باهلته ، إنّ الذي أحصى رمل عالج عدداً أعدل من أن يجعل في مال نصفاً ونصفاً وثلثاً ، هذان النصفان قد ذهبا بالمال ، فأين موضع الثلث ؟ « 1 » » .
وقوله : ألا يتقي اللَّه زيد بن ثابت يجعل ابن الابن ابناً ، ولا يجعل أبا الأب أباً « 2 » .
اختلف في وقت وفاة زيد ، فقيل : مات – سنة خمس وأربعين ، وقيل : اثنتين ، وقيل – سنة ثلاث وأربعين ، وقيل : بل مات في – سنة احدى أو اثنتين وخمسين وقيل غير ذلك .
فكرة عن جمع القرآن
أروى الحسن : انّ عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب اللَّه ، فقيل : كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة ، فقال : إنّا لله ، وأمر بالقرآن فجُمع ، فكان أوّل من جمعه في المصحف .
ب روى ابن شهاب أنّ أنس بن مالك حدّثه انّ حذيفة قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام . . فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة . . فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها . . فأمر زيد بن ثابت وعبد اللَّه بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام فنسخوها في المصاحف .
روى مصعب بن سعد ، قال : قام عثمان يخطب الناس ، فقال : أيُّها الناس عهدكم بنبيّكم منذ ثلاث عشرة سنة وأنتم تمترون في القرآن ، تقولون قراءة أُبيّ وقراءة عبد اللَّه . . قال عثمان : فليمل سعيد ، وليكتب زيد .
روى أبو المليح قال : قال عثمان بن عفان حين أراد أن يكتب المصاحف : تملي هذيل وتكتب ثقيف .
ج روى عطاء : أنّ عثمان لما نسخ القرآن من المصاحف أرسل إلى أُبي بن كعب فكان يملي على زيد بن ثابت ، وزيد يكتب ، ومعه سعيد بن العاص يعربه .
د أخرج ابن اشنه عن الليث بن سعد قال : أوّل من جمع القرآن أبو بكر ،
وكتبه زيد ، وكان الناس يأتون زيد بن ثابت فكان لا يكتب إلَّا بشهادة عدلين . .
انّ أحاديث جمع القرآن متناقضة في أنفسها ، فقد روي أنّ الجمع كان في زمن أبي بكر حين مقتل القرّاء باليمامة ، وروي أنّه كان في زمن عمر ، ثمّ اختلفت الروايات فيمن عيّن عثمان للكتابة ، فقيل إنّه عيّن زيداً وابن الزبير وسعيداً ، وعبد الرحمن بن الحرب ، وقيل : عيّن زيداً للكتابة وسعيداً للاملاء ، وقيل : عيّن ثقيفاً للكتابة وهذيلًا ، وجاء في رواية أُخرى : أنّ المملي أُبي بن كعب ، وأنّ سعيداً كان يعرب ما كتبه زيد .
تعارض روايات الجمع :
انّ هذه الروايات معارضة بما دلّ على أنّ القرآن كان قد جمع وكتب على عهد رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم .
روى قتادة ، قال : سألت أنس بن مالك : من جمع القرآن على عهد النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ؟ قال : أربعة كلَّهم من الأنصار أُبي ابن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد .
وذكر الشعبي هؤلاء الأَربعة فيمن جمع القرآن من الأنصار وزاد : أبو الدرداء وسعد بن عبيد .
ولعل قائلًا يقول : إنّ المراد من الجمع في هذه الروايات هو الجمع في الصدور لا التدوين ، وهذا القول دعوى لا شاهد عليها ، أضف إلى ذلك أنّ حفّاظ القرآن على عهد رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم كانوا أكثر من أن تُحصى أسماؤهم فكيف يمكن حصرهم في أربعة أو ستة ؟ وصفوة القول : إنّه مع هذه الروايات كيف يمكن تصديق أنّ أبا بكر كان أوّل من جمع القرآن بعد خلافته ؟ وإذا سلمنا بذلك فلما ذا أمر زيداً وعمر بجمعة من اللخاف والعسب وصدور الرجال ، ولم
يأخذه من عبد اللَّه ومعاذ وأُبيّ وقد أُمروا بأخذ القرآن منهم ( كما في رواية مسروق « 1 » ) .
ثمّ إنّ لفظ الكتاب أُطلق على القرآن في كثير من آياته الكريمة وفي قول النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللَّه وعترتي » وفي هذا دلالة على أنّه كان مكتوباً مجموعاً .
لَانّه لا يصح اطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور .
بل لا على ما كُتب في اللخاف والعسب والأكتاف إلَّا على نحو المجاز والعناية ، والمجاز لا يُحمل اللفظ عليه من غير قرينة ، فانّ لفظ الكتاب ظاهر فيما كان له وجود واحد جمعي ، ولا يُطلق على المكتوب إذا كان مجزّأً فضلًا عمّا إذ لم يُكتب ، وكان محفوظاً في الصدور .
مخالفة أحاديث الجمع للِاجماع :
إنّ هذه الروايات مخالفة لما أجمع عليه المسلمون قاطبة من أنّ القرآن لا طريق لإثباته إلَّا التواتر ، فهذه الروايات تقول : إنّ اثبات آيات القرآن حين الجمع منحصر بشهادة شاهدين ، ولست أدري كيف يجتمع القول بصحّة هذه الروايات التي تدل على ثبوت القرآن بالبيّنة مع القول بأنّ القرآن لا يثبت إلَّا بالتواتر ؟ !