42 أبو عُبيدة ابن الجَرّاح « 1 »
( 40 ق .
ه – 18 ه ) عامر بن عبد اللَّه بن الجراح بن هلال القرشي الفهري المكي ، اشتهر بكنيته والنسبة إلى جَدِّه .
شهد بدراً وما بعدها من المشاهد مع رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ، وذكره بعضهم فيمن هاجر إلى الحبشة .
آخى رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم بينه وبين سعد بن معاذ .
روى عن النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم أحاديث معدودة .
حدّث عنه : أبو أُمامة الباهلي ، والعِرباض بن سارية ، وعبد الرحمن بن غَنْم وآخرون .
وكان أحد أركان يوم السقيفة في بيعة أبي بكر ، وقال فيه أبو بكر لما احتدم الجدال بين الأنصار وجماعة من المهاجرين حول أمر الخلافة : قد رضيتُ لكم أحد الرجلين فبايعوا أيهما شئتم : عمر ، وأبا عبيدة بن الجرّاح .
أخرج الطبري بإسناده عن عمرو بن ميمون الأودي أنّ عمر بن الخطاب لما طُعن ، قيل له : يا أمير المؤمنين لو استخلفت ؟ قال : من استخلف ؟ لو كان أبو عبيدة بن الجراح حياً استخلفته فإن سألني ربّي ، قلت : سمعت نبيّك يقول : إنّه أمين هذه الأُمة ، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً استخلفته فإن سألني ربّي ، قلت : سمعت نبيّك يقول : إنّ سالماً شديد الحب لله . . ثمّ قال : فخرجوا ثمّ راحوا فقالوا : يا أمير المؤمنين لو عهدتَ عهداً فقال : قد كنت أجمعتُ بعد مقالتي لكم أن أنظر فأولَّي رجلًا أمْرَكم هو أحراكم أن يحملكم على الحق وأشار إلى عليّ ، ورهقتني غشية فرأيت رجلًا دخل جنة قد غرسها فجعل يقطف كل غضّة ويانعة فيضمّه إليه ويصيّره تحته فعلمتُ أنّ اللَّه غالب أمره ومتوفٍّ عمر ، فما أريد أن أتحملها حياً وميّتاً ، عليكم هؤلاء الرهط « 1 » يُلاحظ أنّ الخليفة يرى الحديثين في فضل الرجلين حجة لاستخلافهما ، مع أنّه ورد في الكتاب والسنّة الكثير من المناقب في عليّ – عليه السّلام التي توَهّله للاستخلاف ، فقد نطق القرآن بعصمته ، ونزلت فيه آية التطهير ، « 2 » عدّه الكتاب
نفسَ النبي الاقدس – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم – « 1 » لقد تمنّى الخليفة حياة سالم بن معقل مولى أبي حذيفة وكان من عجم الفرس ، ويراه أهلًا للاستخلاف في حين أنّ الخليفة نفسه احتجّ يوم السقيفة على الأنصار بقول النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : الأَئمّة من قريش .
فكيف يكون لمولى أبي حذيفة قسطاً من الخلافة ؟ ! « 2 » ذكر المؤرّخون أنّ أبا بكر حين جهّز أُمراء الأجناد ، بعث أبا عبيدة وغيره لفتح الشام ، ولما رأى المسلمون مطاولة الروم استمدوا أبا بكر ، فكتب إلى خالد وكان قد سيّره لغزو العراق ليُنجدَ مَن بالشام ، وأمّره على الأُمراء كلَّهم ، وحاصروا دمشق ، وتوفّي أبو بكر ، فبادر عمر بعزل خالد واستعمل على الكل أبا عبيدة .
عُدّ أبو عبيدة من المقلَّين في الفتيا من الصحابة ، ونقل عنه الشيخ الطوسي في « الخلاف » فتوى واحدة ، وهي : من طلع الفجر عليه يوم الجمعة وهو مقيم يجوز له أن يسافر قبل أن يصلَّي الجمعة .
توفّي في طاعون عَمَواس ، وكان طاعون عمواس بأرض الأُردن وفلسطين – سنة ثمان عشرة ، ويقال إنّ عمواس قرية بين الرملة وبيت المقدس .
43 أبو الطُّفَيْل
« 1 » ( 3 – 100 ه ، بعد المائة ) عامر بن واثلة الكناني .
أدرك من حياة رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ثماني سنين .
نزل الكوفة ، وصحِبَ الامام عليّا – عليه السّلام وكان متشيعاً فيه ويفضّله .
ثمّ أقام بمكة .
وكان فاضلًا عاقلًا ، فصيحاً شاعراً ، حاضر الجواب .
شهد المشاهد مع علي – عليه السّلام وكان من مخلصي أنصاره .
روي أنّه تقدم أمام الخيل يوم صفّين وهو يقول : طاعنوا وضاربوا ، ثمّ حمل وهو يقول :
قد صابرتْ في حربها كنانه « 1 »
واللَّه يَجزيها به جنانه
من أُفرغَ الصبرُ عليه زانه
أو غلب الجبنُ عليه شانه
أو كفَر اللَّه فقد أهانه
غداً يَعَضّ من عصى بنانه
وقدم أبو الطفيل يوماً على معاوية ، فقال له : كيف وَجْدُك على خلِيكَ أبي الحسن ؟ قال : كوجْد أُمّ موسى على موسى ، وأشكو إلى اللَّه التقصير .
وقال له معاوية : كنتَ فيمن حصر عثمان ؟ قال : لا ، ولكنّي كنت فيمن حضره ُ .
قال : فما منعك من نصره ؟ قال : وأنت فما منعك من نصره إذ تربصت به ريب المنون ، وكنت مع أهل الشام ، وكلَّهم تابع لك فيما تريد .
فقال له معاوية : أوما ترى طلبي لدمه نصرة له ؟ قال : بلى ، ولكنّك كما قال أخو جعف :
لا أُلفينك بعد الموت تندبني
وفي حياتي ما زودتني زادا
وكان أبو الطفيل قد خرج مع المختار وحارب قتلة الإمام الحسين – عليه السّلام ثمّ أفلت بعد مقتل المختار .
عُدّ من أصحاب الإمامين الحسن وعليّ بن الحسين زين العابدين « عليهما السلام » .
حدّث عن : الامام عليّ ، ومعاذ بن جبل ، وأبي بكر ، وابن مسعود ، وعمر ، وغيرهم .
حدّث عنه : حبيب بن أبي ثابت ، والزهري ، وأبو الزبير المكي ، وآخرون .
وله في « الخلاف » فتوى واحدة وهي : الجدة ترث وابنها ( ابن الميت ) حي .
توفّي – سنة مائة .
وقيل : – بعد المائة .
وهو آخر من مات ممن رأى النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم .
44 عُبادة بن الصامت
« 1 » ( 38 ق ه – 34 ه ) ابن قيس الأنصاري الخزرجي ، أبو الوليد .
شهد العقبة الأولى والثانية ، وكان أحد النقباء .
آخى رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم بينه وبين أبي مرثد الغنوي .
وشهد بدراً وسائر المشاهد مع رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم .
وكان يُعلَّم أهل الصُّفّة القرآن .
وهو ممّن جمع القرآن في زمن النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم .
استعمله رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم على بعض الصدقات ، ووجّهه عمر بن الخطاب إلى الشام ليعلَّم أهلها القرآن ويفقّههم في الدين ، فأقام بحمص ، ثم انتقل
إلى فلسطين .
وكان عُبادة يُنكر على معاوية أيام ولايته على الشام أحداثاً وأُموراً عَمِل فيها بخلاف السنّة النبوية الشريفة ، وله في ذلك معه مواقف مشهورة .
روي أنّ معاوية خالف في شيء أنكره عليه عبادة في الصرف ، فأغلظ له معاوية في القول ، فقال عبادة : لا أساكنك بأرض واحدة أبداً ، ورحل إلى المدينة ، فقال له عمر : ما أقدمك ؟ فأخبره ، فقال : ارجع إلى مكانك فقبّح اللَّه أرضاً لست فيها ولا أمثالك .
وكتب إلى معاوية : لا إمرة لك عليه .
وعن عبيدة بن رفاعة ، قال : إنّ عبادة بن الصامت مرت عليه قِطارة وهو بالشام ، تحمل الخمر فقال : ما هذه ؟ أزيت ؟ قيل : لا ، بل خمر يباع لفلان .
فأخذ شفرة من السوق فقام إليها فلم يذر فيها راوية إلَّا بقرها ، وأبو هريرة إذ ذاك بالشام ، فأرسل فلان إلى أبي هريرة فقال : ألا تمسك عنّا أخاك عبادة بن الصامت ؟ أمّا بالغدوات فيغدو إلى السوق فيفسد على أهل الذمة متاجرهم ، وأمّا بالعشيّ فيقعد بالمسجد ليس له عمل إلَّا شتم أعراضنا وعيبنا ، فأمسك عنّا أخاك . . فقال أبو هريرة : يا عبادة ما لك ولمعاوية ؟ ذره وما حُمِّل فانّ اللَّه تعالى يقول : « * ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ ) * » « 1 » قال : يا أبا هريرة ، لم تكن معنا إذ بايعنا رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم على السمع والطاعة . . وعلى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن نقول في اللَّه لا تأخذنا في اللَّه لومة لائم . . فلم يكلَّمه أبو هريرة بشيء ، فكتب فلان إلى عثمان بالمدينة : إنّ عبادة بن الصامت قد أفسد عليّ الشام وأهله ، فإمّا أن يكفّ عبادة وإمّا أن أخلَّي بينه وبين الشام ، فكتب عثمان إلى فلان أن أرحِلْه إلى داره من المدينة . . فلم يُفجأ عثمان به إلَّا وهو قاعد في جانب الدار ،
فالتفت إليه ، فقال : ما لنا ولك يا عبادة ؟ فقام عبادة . . فقال : إني سمعت رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم أبا القاسم يقول : سيلي أُموركم بعدي رجال يعرّفونكم ما تنكرون ، وينكرون عليكم ما يعرفون ، فلا طاعة لمن عصى اللَّه فلا تضلَّوا بربكم فوالذي نفس عبادة بيده إنّ فلاناً لمن أُولئك ، فوالذي نفس عبادة بيده إنّ فلاناً لمن أولئك .
فما راجعة عثمان بحرف .
وروي أنّ عبادة كان مع معاوية ، فأذّن يوماً ، فقام خطيب يمدح معاوية ، ويُثني عليه ، فقام عبادة بتراب في يده ، فحثاه في فم الخطيب ، فغضب معاوية ، فقال له عبادة : إنّك لم تكن معنا حين بايعنا رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم بالعقبة . . أن نقوم بالحق حيث كنّا ، لا نخاف في اللَّه لومة لائم ، وقال رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : « إذا رأيتم المدّاحين ، فأحثوا في أفواههم التراب » .
حدّث عن عبادة : أبو أُمامة الباهلي ، وأنس بن مالك ، وأبو مسلم الخولاني وجبير بن نفير ، وكثير بن مرّة ، وآخرون .
عُدّ من المتوسطين في الفتيا من الصحابة ، ونقل عنه الشيخ الطوسي في كتاب « الخلاف » ثلاث فتاوى ، منها : الشفق الحمرة ، فإذا غابت بأجمعها فقد دخل وقت العشاء الآخرة .
مات بفلسطين – سنة أربع وثلاثين وهو ابن اثنتين وسبعين سنة .
قيل : ودفن بالقدس ، وقبره بها إلى اليوم معروف .
شاهد أيضاً
الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ
أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...