الرئيسية / من / طرائف الحكم / الثورة الإسلامية والغزو الثقافي

الثورة الإسلامية والغزو الثقافي

ترى ما هو تأثير الزي؟ وما هو الكلام الذي يجافي المنطق ويبعث على السخرية؟

 

لقد استبدلوا الزي الوطني ومنعوا ارتداء الحجاب. وقالوا إنّ المرأة لا تستطيع أن تتحوّل إلى عالمة مع الحجاب العباءة ولا يمكن أن يكون لها مشاركة في الفعاليات الاجتماعية! أتوجه إلى هؤلاء بسؤال: إلى أي مدى استطعن النساء أن يشاركن في الفعاليات الاجتماعية بمنع الحجاب وتحريم العباءة؟

 

هل سمح عهد رضاخان وابنه للمرأة أن تشارك في الفعاليات

 

 

الاجتماعية؟ في عهد حرم الرجل من ممارسة الفعالية الاجتماعية كما حرمت من ذلك المرأة أيضاً.

 

لقد استطاعت المرأة في إيران أن تلج ميدان العمل الاجتماعي وتحوّل البلد بإرادته القوية، حيث جرّت الرجل إلى الساحة وراءها، حينما ارتدت الحجاب ووضعت العباءة على رأسها ثم ما تأثير الزي والحجاب في عدم فعالية المرأة أو الرجل؟ المهم هو القلب الذي ينطوي عليه هذا الرجل وتلك المرأة.. والمهم هو كيف يفكراً؟ وما هو قدر إيمانهما، وما هي طبيعة الروحية التي ينطوي كل منهما عليها، وطبيعة الدافع الذي يسوقهما لممارسة الفعالية الاجتماعية والنشاط العلمي؟

 

لقد وضع رضاخان هذا الطاغية الأمي المتجبر نفسه أُلعوبة بيد الأعداء. فغيّر الزي الوطني واستبدل الكثير من الآداب والسنن السائدة بين الشعب، ومنع مزاولة الفعل الديني، وزوى بالدين جانباً.

 

مارس جميع هذه الفعال بالقوة كما تعلمون جميعاً وتحوّل إلى شخصية محبوبة لدى الغرب، لم يكن محبوباً من قبل الرأي العام في الغرب، أو أبناء الشعوب الغربية، وإنما أضحى محبوباً من قبل السلطويين والساسة الغربيين.

 

من هذا الموقع انطلق الغزو الثقافي ضدّ الإسلام والشعب الإيراني، واكتسب أشكالاً مختلفة. وقد اتخذ الغزو أبعاداً خطيرة في السنوات الأخيرة في عهد أسرة بهلوي البغيضة، وبالتحديد في الفترة بين 20ـ 30 سنة الأخيرة، مما لا يسعنا الآن توضيحه. وإنما يعنينا أن نشير إلى أن الثورة الإسلامية جاءت لتكون بمثابة ضربة محكمة في صدر العدو، اصنطرته للتراجع، ومن ثم أذنت بتوقف عجلة الغزو.

 

 

شاهدتم أوائل الثورة التحوّل المفاجئ الذي حلّ بالشعب، حيث شهدنا تغييرات أساسية في أخلاقيات الناس، حصلت في غضون مدة قصيرة من الانتصار.. تضاءل الطمع وتجلّت روح الإغضاء والعفو والتجاوز.. كما اتسعت روح التعاون.. حصلت انعطافه كبيرة صوب الدين.. ازدادت القناعة وقتل الإسراف.. أخذ شبابنا يفكرون بالفعالية والعمل.. كثير من الذين اعتادوا الحياة في المدن قفلوا عائدين إلى القرى، وكان لسان حالهم: لنذهب إلى القرى ونعمل وننتج.. قلّت الأعمال الكاذبة التي كانت تنشب كالعشب الضار في الحياة الاقتصادية للناس.

 

لقد ارتبط هذا التحوّل الثقافي بالسنين الأولى من عمر الثورة، بمعنى أنه اقترن مع توقف جهود العدو عن الاستمرار بغرس الثقافة والأخلاقيات الفاسدة. شهدنا في تلك المدّة نوعاً من التوجه الخاص نحو الإسلام.. صوب الثقافة والأخلاق والآداب، حتى نبضت في ضمائر شعبنا مجدداً الخُلقيات الإسلامية.علينا أن نقول أن هذا التوجّه لم يتسم بالعمق، فتعميق هذا الاتجاه لم يكن ممكناً إلاّ بالعمل المثابر خلال عدّة سنوات، وهذا ما لم يحصل مع الأسف، حيث لم تُتح الفرصة المناسبة لذلك،ثم إنَّ العدو كان قد بدأ هجومه من جديد وتدريجياً 6.

 

الذي يبعث على الأسى والأسف، إنَّ القلوب في العهد السابق لم تكن تتوجع وتعيش همّ الاستقلال والحاكمية الوطنية لهذا البلد. فالجميع يذكر بأنَّ السنوات الأخيرة من نظام الطاغوت من نظام

6- حديث القائد في لقائه مع العاملين في أجهزة الاتصال الجمعي ورؤساء مناطق التربية والتعليم، 21/5/1371.
العهد البهلوي كانت عهد نسيان الأمة.. عهد إغفال شعب إيران.. عهد إهمال عناصر الخصوصية والمقومات الوطنية لثقافتنا. كلّ شيء كان يؤخذ من الخارج في ذلك العهد، ويستعار من وراء الحدود، وقد وصل احتقار ما يتصل بدائرة الخصوصية والذاتية على الحد الذي لم تكن تجرؤ إلاّ القلة في اظهار ميلها للثقافة الذاتية الخاصة.

 

هذه هي مع الأسف خصوصية العهد البهلوي، وكنّا كلما تركنا أوائل الهد البهلوي وتقدمنا معه إلى الأمام، وجدنا حركة الابتذال والنزوع عن الخصوصية الذاتية عن الهوية والأصالة تزداد أكثر فأكثر. لكم أن تتأمّلوا على سبيل المثال السنوات الأخيرة من العهد البهلوي وما آلت إليه الفنون الوسطى في المجتمع، فموسيقى البلد مثلاً اختلطت بالموسيقى الغربية، بل ابتلعتها الأخيرة وحلّت محلّها.

 

أنظروا إلى المسألة من موقع آخر.. فنحن شعب له آدابه وعاداته الخاصة في المعاشرة والسلام، وفي طراز المعيشة والزي نحن شعب عريق جداً لنا ما يميزنا في آداب العشرة والعادات الوطنية، فلماذا إذاً حذفوا صيغة التحية السائدة بيننا، واستبدلوها بصيغة وافدة؟ ولماذا استبدلوا أطعمتنا الوطنية واستبعدوها لتحل محلّها الأطعمة الأجنبية؟ وماذا نُبذ زيُّنا الوطني ليحل الزي الأجنبي محلّه 7؟.

 

صرنا في العهد البهلوي والعهد القاجاري ضحية النهب والهجوم الشديد، فقد استفاد الآخرون من غفلتنا، ومن غفلة حكّام هذا البلد،

7- حديث السيد القائد في لقائه شعراء وأُدباء وفناني تبريز، 5/5/1372.

 

وعلى أثر “عصر النهضة” الأوروبي شاعَ بين بعض شعوب الدنيا ضرب من الحركة والنشاط فهجموا علينا بثقافة جديدة وبطاقة جديدة، وقد أفادوا من غفلتنا وانتهزوا السبات العميق الذي نفطُّ فيه، فمزقوا الأرضية التي تقوّم وجودنا، وأخفوا عناصر أصالتنا، وشوّهوا الكثير من الأمور.

 

كان فعلهم معنا يشبه حال إنسان مبتدئ حين يدخل إلى بناية فنية، إذ تراه يخرّب الأبواب والجدران، ويعبث باللوحات الفنية، وينال بأذاه التماثيل المنحوتة. ثم عمدوا بعد ذلك إلى احتلال نسق جديد، كان من وضعهم وطبقاً لإرادتهم، ولم تكن لنا يد فيه.

 

نحن نعرف أن من سنّة الغالب حين يفتح بلداً معيناً،أن يحل في ذلك البلد نظامه ونسقه المدني والحضاري بيد أنَّ المفارقة الدقيقة تكمن في أن أولئك تعاملوا معنا كمواطنين من الدرجة الثانية وبالتالي اختاروا لنا نظاماً ونسقاً مدنياً وحضارياً مغايراً وأدنى رتبة محن النظام الذي اختاروه لأنفسهم وطبقوه في بلادهم. هذا هو الذي وقع في إيران، فقد دخل الأوروبيون إلى البلد، وجاؤوا معهم بالنسق والنظم الأوروبية، مع الأخذ بنظر الاعتبار المفارقة المشار إليها آنفاً. وقد اخذ عدد من الناس وخدعوا بهم، مثل الجيل الأول للمثقفين كملكم خان وإضرابه ممّن استلهموا المعنى الثقافي واستمدوه من أولئك. اصطف هذا النفر معهم، وقلبوا نسيج البلد رأساً على عقب مستفيدين من غفلة الناس، وفساد الحكّام.. تعاملوا مع إيران وكأنها بلد خالي الوفاض من أي شيء من الفكر والحضارة ودفعوا المجتمع للتشكيك بماضيه والغفلة عن تاريخه.

 

 

لقد أقاموا نسقهم في هذا البلد، ولكن النسق الذي يتعاطى مع مجتمعنا بوصف أبنائه مواطنين من الدرجة الثانية تماماً كما يفعل السيد مع مملوكه حين يروم أن يبني له داراً على طراز داره، فهو يهمل راحة المملوك ولا يأخذ بنظر الاعتبار سوى ما يحقق له راحته.

 

لقد حلّت بالبلد خسارة نتيجة ذلك النهج، وفي العهد البهلوي خصوصاً في السنين الأربعين الأخيرة وإن لم تكن معالم هذا النهج واضحة كما كانت في العهد القاجاري، إلاّ أنها كانت أمضى وأخطر وأشد 8.

 

من أكبر الفجائع التي تحل على شعب من الشعوب، هو أن ينسى جزءاً من ثقافته وتنسلخ عن ذاكرته بمرور الزمان قطعه من حضارته بحيث لا يعد يذكر ويستحضرها أبداً… وهذا ما فعله الغربيون معنا مع الأسف. لنأخذ اللغة كمثال، تراهم استجلبوا من الخارج طريقة معينة في الأداء اللفظي وأقحموا في الكتابة طريقة أجنبية في الأفعال ولجّت لغتنا بمعانٍ غير مناسبة أصلاً، في حين أنَّ لنا لغتنا الخاصة، وإلاّ هل تعد الفارسية لغة ضئيلة مع كل ما تنطوي عليه من عراقة وسعة؟

 

إنَّ في اللغة الفارسية خصيصة قليلاً ما تكون للّغات الأخرى في العالم، وهذه الخصيصة تتمثل بالتركيب. لذلك يمكن بفضل خاصية قابلية الفارسية للتركيب، أن تولد ملايين الألفاظ والمفردات للتعبير عن المفاهيم الجديدة، شرط أن يتوافر لهذه الملهمة الذوق السليم

8- حديث السيد القائد في لقائه مع مجموعة من أُدباء الحوزة الفنية التابعة لمؤسسة الإعلام الإسلامي 12/7/1372.

 

والإطلاع الكافي على اللغة. وهذه الخصوصية للفارسية لا تتوفر حتى لبعض اللغات الممتدة عالمياً كالعربية مثلاً.

 

لغة بهذه السعة، استجلبوا لها من الخارج تعابير وأفعال مساعدة مثل قولهم: اذهبُ لأعمل هذا العمل! أو كحال الطبيب عندما يريد أن يسأل المريض: هل تناولت الدواء؟ تراه يقول له: هل “أخذت الدواء؟ أو أن يقول: هل “أخذ” المريض الدواء “يؤخذ أم يُتناول؟

 

أو كمثل الذي يريد الاغتسال فيقال له: أذهب “وخذ” حماماً؟ يا ترى هل “يؤخذ” الحمام أم يتم فيه الاغتسال؟ هذه الصيغ بأجمعها هي مظاهر لداء الاستلاب وفقدان الذات.. لقد حصل هذا مع اللغة، ومع الزيّ، وحصل قبل ذلك مع الآداب والعادات والتقاليد الوطنية التي تنطوي على قيمة.

 

من الآداب التي اعتاد عليها شعبنا منذ القديم، توقير الكبار وذوي الشيبة، فقد كان له هذا الأدب، وكان جزءاً من تقاليده في السابق، وهو إلى ذلك جزء من أصول الآداب الإسلامية “وقروا كباركم”.

 

 وفي البيت الإسلامي ليكون الجد أو الجدة كالشمعة التي تجذب الفراشات إلى نورها أما الآداب الغربية فلا تؤمن كثيراً بمكانة الجدّ والجدّة، والجيل الذي ينظر إلى الوراء، لا يدخل في الآدمية كما يزعمون. وإذا كان الغربيون يراعون بعض ملامح الاحترام، فهذه ممارسة ظاهرية، فهم لا يحسبون للكبار حساباً، فيما نحن على العكس منهم تماماً، إذ نحسب لهذه القضية حساباً مهماً.

 

 

لقد غرسوا في نفوسنا بالقوة ثقافة مغرضة، وحين نقول: فرضوا هذه الثقافة بالقوة، فإنّ ما نعيته بذلك غير المعنى الأولي المتبادر للقوة.

 

القوة تتجلى تارة في سلوك إنسان يحمل الرشاش ويأمرك أن تفعل شيئاً معيناً. وقد تظهر صورة أخرى، وذلك من خلال إحاطة الإنسان بجو ونسق واحد وتكرار هذا النسق، فما تمارسه وسائل الاتصال الجمعي في المجتمع هو شيء من هذا القبيل، إذ تراها تبادر لبث مفهوم أو مصطلح معين وتعمد إلى تكراره، حتى يستقر في الوعي دون شعور، ويجري على الألسن تلقائياً. وهذا في الواقع ما فعلوه معنا، خلال خمسين سنة!

 

حين نعود إلى الأول في ذلك العهد رضا خان نجده إنساناً يفتقر إلى الوعي والإدراك والمعرفة، فهو لم يكن الإنسان الذي يقدِّر الشعر أو يعرف له قيمة، أو يدرك النكات الطريفة، كما لم يكن يفهم قيمة الخط الجميل ولا أهمية الأعراف والسنن.

 

لم يكن رضا خان إلاّ جندياً بلدياً جاهلاً، لا يعرف غير العتو والشدّة، وهذه الحالة لم يكن يستخدمها ضدَّ العدو، بل كان يستثمرها ضدَّ الداخل الشعب ، وذلك على خلاف ما ينص عليه القرآن في مضمونه القائل: رحماء بينهم أشداء على الأعداء، إذ كان شديداً على شعبه، رحيماً بالأعداء رفيقاً بهم وصولاً لهم، مثلاً صديقاً لمصطفى كمال حتى اتخذه مرشداً له. لقد أهمل الشخصيات الإيرانية التي تنطوي على الوعي والشعور ولها ثقافة وعلم فكري، وزوى بها جانباً دون أن يعتني بها، في حين اعتنى بمصطفى كمال!

 

 

شاهد أيضاً

اليمن – رمز الشرف والتضامن العربي مع غزة فتحي الذاري

  ان الحشد المليوني للشعب اليمني بكافة قواه الفاعلة والاصطفاف الرشيد بقيادة السيد القائد عبدالملك ...