بناء الدولة في عهد امير المؤمنين عليه السلام
– الحلقة التاسعة
السيد عبد الستار الجابري
المبحث الثاني: الواقع الاجتماعي بعد فتح مكة
1- مجتمع الدولة النبوية في اخريات ايام النبي (صلى الله عليه واله)
فتح النبي (صلى الله عليه واله) مكة سنة 8 للهجرة النبوية المباركة وتوالت بعدها الفتوحات، ولكون العاصمة في المدينة المنورة انتقلت العديد من الزعامات المكية التي حملت لواء الحرب ضد الاسلام والنبي (صلى الله عليه واله)
طيلة السنوات الاحدى والعشرين للبعثة النبوية واسلم القرشيون تحت سنان السيوف واسنة الرماح، وكذلك لم يكن الايمان قد استقر في قلوب العديد من الاعراب المحيطون بالمدينة، بل تشير بعض المصادر التاريخية الى ان ادعاء مسيلمة النبوة كان في اخريات ايام النبي (صلى الله عليه واله)، واما المجتمع القرشي فانه كان يعمل على السيطرة على مقاليد الحكم بعد رحيل النبي (صلى الله عليه واله)
ولذا عملوا بجد على تحييد الانصار والاتفاق على ان تكون قيادة السلطة متداولة بين بطون قريش كما عملوا على جذب قبيلة اسلم – وهم قبيلة من الاعراب كانوا يسكنون قرب المدينة – لمعادلة الكفة العسكرية داخل المدينة في حال حصول اي طارئ.
ومضافا الى التعبئة العسكرية والسياسية التي عمد اليها القرشيون، عمدوا ايضا الى ضرب المباني الاجتماعية، فمجرد ان حصل خلاف بين احد القرشيين وشخص من الانصار نادى القرشي يا لقريش ونادي الانصاري يا للانصار في تصرف يدل بوضوح على ان القيم الجاهلية لا تزال مترسخة في قلوب امثال هؤلاء، وبدلاً من التعامل بمودة تجاه اهل البيت النبي (صلى الله عليه واله)
وقرباه عمد القرشيون الى ايذاء اقارب النبي (صلى الله عليه واله) حتى شكى العباس بن عبد المطلب وسبيعة بنت ابي لهب الى رسول الله (صلى الله عليه واله) ما كانوا يتعرضون له من ايذاء، كما اوغلوا في ايذاء النبي (صلى الله عليه واله) في حديث الافك المعروف الذي وجهت فيه التهم الى السيدة مارية القبطية (رضوان الله عليها) وحصلت تجاوزات كثيرة على شخص النبي (صلى الله عليه واله) كقول احدهم اعدل يامحمد وجر الاخر النبي (صلى الله عليه واله)
من قميصه عندما اراد الصلاة على ابن ابي راس المنافقين او انكارهم على عبد الله بن عمر كتابته لحديث النبي (صلى الله عليه واله) او تركه قائماً مع نفر قليل في صلاة الجمعة عندما وصلهم صوت الطبل المنبأ بوصول القوافل واثارة بعض نسائه للمشاكل في بيته فتارة تعرض احداهن بخديجة (رضوان الله عليها) ايذاء لفاطمة (عليها السلام) او ضرب احداهن لاناء جاءت به السيد صفية بنت حيي بن اخطب (رضوان الله عليها) بطعام للنبي (صلى الله عليه واله)
فكسرت الانية فاغضبت بذلك رسول الله (صلى الله عليه واله) وقصة افشاء الحديث الذي اسره النبي (صلى الله عليه واله) لبعض ازواجه وغير ذلك كثير، مضافا الى دلالات اية النجوى من الناحية الفردية والاجتماعية ودلالات احداث معركة خيبر وقصة حاطب بن بلتعة واسباب استخلاف امير المؤمنين (عليه السلام) على المدينة في غزوة تبوك حيث اخبره النبي (صلى الله عليه واله)
بعد ان قال له انه منه بمنزلة هرون من موسى ان المدينة لا تصلح الا برسول الله (صلى الله عليه واله) او امير المؤمنين (عليه السلام)، اي ان هناك خطر كان يهدد امن العاصمة النبوية اذا لم يكن فيها النبي (صلى الله عليه واله) او امير المؤمنين وهذا الخطر داخلي وليس خارجي وهذه المفردات تعكس لنا انكفاءة اجتماعية كان يقودها مسلمة الفتح ومنافقي المدينة ظهر اثرها السلبي واضحاً عند وفاة النبي (صلى الله عليه واله) ولا تزال الامة الاسلامية الى اليوم تدفع الثمن على صعيد بناء الفرد والمجتمع فضلاً عن اللوازم الاخرى لهذا الانحراف الخطير.