والذي ينبغي أن نتعرف به مع الأسف إن النجاح كان حليفهم إلى درجة كبيرة 13.
أشيدت الجامعة على أساس سيّء. طبيعي كان لنا من رصيد الإيمان الإسلامي والوجدان الوطني بين الشعب، ما يكفي لكي يبقى عدد من الأساتذة الجامعيين وطلاب الجامعة، أصحّاء معافين، وهذا ما كان.
13- حديث السيد في لقائه مع مجموعة من الحوزويين والجامعيين. 28/9/1369.
لذلك لا يمكن أبداً أن نضع جميع خريجي الجامعة في دائرة الناس البعيدين عن الدين وأهداف الدين ومصالح البلد. أما أولئك الذين أرادوا لهم أن يصلوا من بين الوسط الجامعي، على مواقع السلطة، فقد احتضنوهم بسهولة. وعليه يمكن القول إن رجال السياسة الذين انتخبوا من الصف الجامعي وهم مجموعة اضطلعت بالمواقع والأعمال المؤثرة في جميع أرجاء البلد كانوا جيلاً بعيداً عن الدين بشكل تام.
فالجيل الذي رُبّى في عهد رضا خان، وفي أوائل عصر نفوذ العلم الجديد والثقافة الأوروبية إلى إيران، هو جيل يفتقر إلى العقيدة والإيمان في الغالب. ولكن المسار تغيّر بعد ذلك إذ تعرّف عدد كبير إلى الدين والمسائل الدينية، ثم استيقظت العواطف وتفتحت في القلوب وانبثق فكر جديد.. ظهر إلى الوجود المثقفون المتدينون.. وترسخت مواقع العلماء النافذين في المحيط الجامعي من أمثال الشهيد مفتح، الشهيد مطهري. الشهيد بهشتي والشخصيات البارزة الأخرى، وأضحت مؤثرة في ذلك الوسط.
ومن التحولات التي طرأت. إن البعض الشخصيات الجامعية انفتحت على دنيا الإسلام وتعرفت على مسائل الدين، وجاءت النتيجة على خلاف ما أراد أولئك المؤسسون الأوائل لمشروع الجامعة في إيران ـ.
أما حجر الأساس. فقد كان وضع على الصورة التي ذكرناها 14.
14- حديث السيد في لقائه مع مجموعة من الحوزويين والجامعيين. 28/9/1369.
كانت الجامعة في السابق، هي المحيط الذي يشهد غياب الثقافة الإسلامية بالكامل، أو على الأقل كان رديفاً لأسوأ الأماكن التي تفتقر إلى الثقافة الإسلامية، وتسجّل غيابها الكامل فيها. وفي الواقع كان النظام السابق والأجهزة الثقافية التابعة له، تقتفي نهجاً معيناً أريد للجامعات أن تنهض به. ولم تكن الأهداف السياسية بعيدة عن ذلك، بل كانت تكمن خلف المشهد 15.
لم يكن الهدف الأول لتأسيس الجامعات، هو تعليم الشباب، بل كان الهدف هو بناء الشباب وإعدادهم بالشكل الذي يدفع الجهاز أسرع ما يمكن للارتباط بالأقطاب الاستعمارية والاستكبارية العالمية. بمعنى أن الإعداد كان يتم بما يؤدي إلى ترسيخ حالة العبودية والتبعية؛ فالشخص العزيز المرموق في معيارهم هو الذي يتفوق على غيره بالعبودية والاستسلام!
لم يكن الهدف إذاً، هو الفكر الحر المستقل، كما لم يكن إيجاد الإنسان الفاعل البنّاء. ومردّ ذلك أنّ أساس عمل الحكومات كان الارتباط بالخارج والتبعية له.. من الذي جاء بالنظام البهلوي إلى السلطة؟ من الذي أتى برضا خان إلى واجهة السلطة؟ وحين وصل هؤلاء إلى السلطة الشاه الأب والشاه الابن وأتباعهما كان همّهم أن يتحركوا بالطريقة التي تحقق منافع الأسياد الذين جاؤوا
15- حديث القائد في لقائه بأعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية. 20/9/1370.
بهم إلى السلطة ومنحوهم هذه المواقع، فقد كانوا يعرفون إن قطع العلاقات مع أولئك الأسياد يعني افتقادهم لفرصة بقائهم في مواقعهم.
أنظروا الآن على ما يجري في منطقة الخليج الفارسي! فالأنظمة الحاكمة في تلك الدول تحس أن حياتها وموتها، وقارورة عمرها، بيد أمريكا. السعودية تعيش هذا الإحساس بشكل معين، والكويت تعيشه بشكل آخر، وبقية الدول تعيشه بشكل ثالث، ولكن المهم أن هذا الإحساس هو عنصر مشترك فيما بينهم. نظام بهلوي كان مثل هؤلاء تماماً؛ يعيش هاجسهم.
كان الاتجاه الذي تقوم عليه الحكومة وتتحرك وهو اتجاه التبعية والارتباط بالخارج وإظهار الطاعة والتسليم الذليل.
وقد أرادوا للطالب الجامعي أن يكون على هذا المنوال، وإذا كانوا يحرصون على الأستاذ الجامعي، فقد كانوا يريدونه أستاذاً من هذا النوع، إلاّ أن يزوي بنفسه في زاية مهملة، ويعتزلهم بحيث لا يقترب من دائرتهم، كي يعش حياة حيوانية 16!
من الأمور الواضحة أنَّ الجامعة في طرازاها الحالي، ولدت وهي مفصولة عن الدين، بمعنى أنهم أرسوا قواعد البناء الجامعي على نحو ينتهي بولادة مؤسسة بعيدة عن الدين. وهذا الكلام لا شأن له بما قد يقال من أنَّ فلان شخص، من مؤسسي الجامعة كان متديناً أم غير
16- حديث السيد القائد في لقائه مع مجموعة من الحوزويين والجامعيين، 28/9/1369.
متدين، لأنَّ الأصل الذي أشيدت الجامعة على أساسه هو أن تكون مؤسسة بعيدة عن الدين, بل ومناهضة له، تماماً كما حصل مع تيار المثقفين في بلادنا، إذ وُلد المسار الذي يحتضن النخبة المثقفة في طليعتها الأولى، على أساس غير ديني.
وإنما الذي حصل هو أنَّ الدين اخترق مجالس الجامعة ونفذ إلى محيط المثقفين، كما نفذ إلى بقية المجالات والبيئات الإنسانية. فمن خصائص الدين إنه لا ينتظر إذن أحد حتى ينفذ في مجال معين، ولم يقتصر نفوذ الدين إلى الجامعة والمثقفين وحدهما، بل نفذ إلى جميع الأمكنة.
ولكن ذلك لا يغيّر من القضية شيئاً، إذ ظلّ الأصل الذي أنشئت الجامعة على أساسه، إنها ولدت بعيدة عن الدين منفصلة عنه، بل مناهضة له. وهذا البناء يجب أن يتغيّر، وعلينا أن لا نسمح للأوضاع السابقة أن تكرّر مرة أخرى.
طبيعي أن العدو لن يجلس ساكتاً عاطلاً عن العمل 17.