الرئيسية / من / طرائف الحكم / الثورة الإسلامية والغزو الثقافي

الثورة الإسلامية والغزو الثقافي

وهذه هي طبيعة الثورة، إذا قامت على بُنى سليمة ومنطقية، تأتي بركاناً مدوياً يزلزل الأركان، وتؤثر في كل ما حولها.

 

لقد نهض مصلحون إسلاميون وظهر مفكرون خلال المائة وخمسين سنة الماضية، رفعوا راية الدعوة الإسلامية ومارسوا أحياء الفكر الإسلامي، وذلك من قبيل السيد جمال الدين ومحمد إقبال وغيرهما ورغم ما قدمه هؤلاء من مكاسب جليلة، إلاّ أن مسارهم بأجمعهم اكتنفه نقص كبير تمثل باكتفائهم بممارسة الدعوة الإسلامية وإصلاح المجتمعات المسلمة، ليس بقوة الثورة وحركيتها بل بالجهد الثقافي

 

 

فقط، وبأدوات الكتابة والبيان، وذلك بدلاً من أن يتجهوا بجهودهم نحو تفجير ثورة إسلامية.

 

النهج الذي سار عليه أولئك المصلحون والمفكرون، هو نهج ممدوح وهم مأجورون عليه،ولكن لا ينتظر منه أبداً، نتائج كتلك التي أمرها نهج أولي العزم من الأنبياء، وهم صنّاع المقاطع الأصلية في التأريخ واللحظات الحاسمة فيه.

 

إنّ عمل المصلحين والمفكرين في اقتصارهم على الدعوة دون الثورة لا يوفر في حال خلوه من العيوب السياسية والنفسية، سوى أرضية لانطلاق حركة ثورية، ليس أكثر.

 

على ضوء ذلك يُلحظ أن السعي الحثيث المثابر لأولئك المصحلين والمفكرين، لم يستطيع في جهود المخلصين من هذه الجماعة، أن يوقف أبداً الحركة العكسية التي كانت تسير بالمسلمين نحو الانحطاط، كما لم تفلح في إعادة مجد المسلمين الغابر، وعظمتهم الآفلة التي كانت يتحدث عنها أولئك، ويتجرعون في سبيل استعادتها الغصص والآلام، ويذرفون من أجلها الدموع.

 

الأكثر من ذلك إن جهود أولئك المصلين والمفكرين، لم تنهض حتى بتقوية المعتقد الإسلامي على نحو واسع بين الجماهير المسلمة، بحيث تستنفذ طاقاته في خدمة المسار كما لم يستطع أولئك أن يمتدوا بجغرافية الإسلام ويوسعوها.

 

هذا ما يتفاصل بشكل كامل مع نهج نبي الإسلام ص ، كما لا يخفى على أي إنسان له أدنى إطلاع على تأريخ بعثة النبي الأعظم ص وهجرته 31.

 31-كلمة قائد الثورة في الذكرى السنوية الأولى لوفاة الإمام الخميني، 10/3/1369.

 

 

يُعد القرن الحاضر، قرن ظهور المصلحين الكبار. فكم ظهر من كبار المصحلين، والثوريين، والسياسيين منذ أواسط القرن الماضي حتى اللحظة، وكم هي الحركات الكبيرة التي فجّرها أولئك ودفعوها في العالم، أو في جزء منه! نحنُ نعرف تلك الحركات، بيد أن أياً منها لا يقاس بهذه النهضة العظيمة، وهذه الثورة المعنوية العالمية.

 

لقد جرى اسم الله، ونطقوا بـ “بسم الله” في برلمانات بلدان كان الدين فيها يعد جريمة رسمية، وهو ينظر إليه كشأن قديم لفّه غبار النسيان، وتقليد مضر ولّي زمانه، وأُلقي به بعيداً بحيث لا ينظر إليه أحد!

 

وليس هيناً ولا أنّه شيء عادي صغير أن ترتفع راية المعنى والإسلام في العالم المادي 32.

 

أضحت جميع آمال الأنبياء والأولياء قابلة للتحقق على أيديكم أنتم الشعب الإيراني فكل ما كان للأنبياء من آمال كبيرة على صعيد استقرار العدل الإلهي، وإنقاذ المستضعفين، وإزالة الظلم على المستوى العالمي، هذه جميعاً أصبحت قابلة للتحقق.

 

بديهي أن الوعد الإلهي القاضي باستقرار العدل العالمي الكامل في عهد ظهور بقية الله فقط الإمام المهدي أرواحنا له الفداء هو حق لا ريب فيه. بيد أن بمقدور شعب مؤمن مجاهد، أن يمهّد الأرضية لهذه

32-حديث قائد الثورة في مراسم بيعة أعضاء مجلس الخبراء. 21/3/1376.

 

الحكومة، كما استطاع الشعب الإيراني أن يفعل ذلك حتى الآن ويسيطر على الكثير من المشكلات 33.

 

إنّ عصرنا هو عصر الحوادث الكبيرة. فقد وقعت على المستوى العالمي، وعلى مستوى بلدنا خاصة الكثير من الوقائع العظيمة. كانت أولى الحوادث هي واقعة الثورة هذه، الظاهرة الاستثنائية الكبيرة. ثم جاءت الثانية متمثلة بتأسيس الجمهورية الإسلامية. والجمهورية الإسلامية هي نظام قائم على أساس القيم الأخلاقية والمُثل المعنوية والدينية، وذلك في وقت كانت الأجهزة الاستكبار تسعى فيه لعزل القيم المعنوية والأخلاقية وازوائها جانباً حتى تكون عرضة للنسيان التام. وفي مثل هذه الأجواء كان تأسيس نظام على أساس القيم المعنوية، هو عمل عظيم، أشبه ما يكون بالمعجزة. بل يحكي تبديل هذا الشعب من الضعف والاستسلام والخنوع، إلى شعب مقاوم شجاع مواجه؛ يحكي بحدِّ ذاته حصول تحوّل عظيم.

 

وأمامنا الكثير من الأعمال العظيمة التي وقعت على هذه الشاكلة في عصرنا وفي بلدنا 34.

 

 

شكّل انطلاق هذه الثورة طموحاً للشعوب الإسلامية جميعاً. ولا نبالغ إذا قلنا إن جميع المصلحين والمفكرين والأحرار كانوا يطمحون طوال التأريخ. بأيام مثل هذه للإسلام والمسلمين.

33-حديث قائد الثورة في مراسم بيعة حرفيي مدينة مشهد،ومؤسسة الخامس عشر من خرداد ومركز محو الأمية. 8/4/1368.

34-حديث قائد الثورة في مراسم بيعة أعضاء الحكومة، 16/3/1368

شاهد أيضاً

الجاهل القاصر والجاهل المقصر

الجاهل القاصر والجاهل المقصر الجاهل القاصر: هو الذي يعتقد جازما أن هذا الفعل الذي يفعله ...