نماذج بخطّ
الإمام السيد علي خامنئي دام ظله
ملحق:
كلمة الدكتور غلام علي حداد عادل
(رئيس مجلس الشورى السابق، ومستشار الإمام الخامنئي دام ظله )
القائد والكتاب علاقة وطيدة
برواية الدكتور غلام علي حداد عادل
إن إحدى الخصائص الّتي تميّز القائد في مطالعة الكتب، هي مطالعته الفعّالة، بمعنى أنّ القائد عند مطالعته لكتاب ما، يدوّن بعض الأفكار في حاشيته.
بداية أودّ القول إنّنا لم يسبق أن جلسنا مع سماحة آية الله الخامنئي وتحدّثنا بشكل مستقلّ حول مكتبته ومجال مطالعاته, لأنّ هذا الموضوع يرتبط بنحوٍ ما بحياة القائد الشخصيّة. غالباً ما تكون القضايا المهمّة والأساسيّة في البلد ـ والمرتبطة بالثقافة والسياسة والمتابعات ـ كثيرة عندما نلتقي به، بحيث لا يبدو مناسباً بعدها الأخذ من وقته للحديث عن مكتبته بشكل خاصّ. وعليه، فما أقوله مستند إلى استنتاجات جمعتها في ذهني خلال سنوات طوال، أي 30 سنة من الأنس والمعرفة به.
المجال الواسع
النقطة الأولى هي أنّ المجالات الّتي يهتمّ القائد بالمطالعة فيها ليست جدّ رسميّة ومتطابقة مع المطالعات المعهودة بين رجال الدِّين، فرجال الدِّين يهتمّون بالمطالعة في مجال خاصّ حسب ما يقتضيه جوّ الحوزة من دراسة وبحث.
وهكذا الأمر بالنسبة للمتخصّصين في المجالات الأخرى، كالمهندسين،
والأطباء، و…. في النهاية كلّ شخص يهتم بالمطالعة في مجال اختصاصه. طبعاً، من الممكن أن يكون بين هذه الفئات أشخاصٌ لا يهتمون بالمطالعة، ولكن إذا أرادوا المطالعة، تجدهم يطالعون في مجال اختصاصهم. أمّا القائد، فإنّه إلى جانب مطالعاته المطلوبة في مجال دراسته وأبحاثه الّتي تستلزمها دراسته التقليديّة للفقه والأصول والمعارف الإسلاميّة، قد وضع نصب عينيه مجالاً واسعاً للمطالعة، و ذلك منذ بداية حياته, ومجال المطالعة الواسع هذا هو الجزء الأساس من مكتبته الشخصيّة.
يشتمل مجال المطالعة هذا على الأدب أوّلاً، فهذا قسم من مطالعاته. خاصّّة الشعر، والقائد أستاذ في فهم لطائف الشعر وظرائفه, وله إلمام بفنّ نقد الشعر، فقد كان منذ الشباب يشارك في مجالس قراءة الشعر ونقده. تلك الجلسات الّتي كان يديرها أدباء وشعراء من الطراز الأوّل في خراسان، وكبار السنّ المعروفون باهتمامهم بالأدب, فقد كان (سماحة آية الله العظمى) السيّد الخامنئي مرتبطاً بهذه المحافل الأدبيّة، وبالتالي من الطبيعي أن تعثر في مكتبته على الكثير من دواوين الشعر، القديم منها والحديث.
والقائد يتابع آخر أخبار عالم الشعر الفارسي، وهو يعرف أكثريّة الشباب الّذين تظهر فيهم القريحة والنبوغ الشعري. وهو يفتح لكلّ شاعر حساباً، ويحتفظ في ذهنه بما يتّصف به هذا الشاعر من حسنات ومعايب، ثمّ يصنّفه ضمن رتبة معينة في الأدب الفارسي.
المجال الثاني الّذي يطالع فيه القائد هو أدب القصص، الإيرانيّة منها والأجنبيّة, طويلة كانت أم قصيرة. لعلّه من غير المسبوق ومما قد لا تجد له نظيراً أن ترى مجتهداً ومرجعاً قد قرأ الأعمال الروائيّة الكبيرة من قبيل “الدون
الهادئ”[1] لشولوخوف، أو قرأ أعمال رومن رولان من قبيل “الروح الولهة”[2]، وأن يكون لديه تقييم دقيق لها. ولا زال حتّى الآن يقرأ الروايات الأجنبيّة. وممّا يمتاز به القائد هو أنّه يدوّن بعض الملاحظات بشكل مختصر في نهاية الكتاب. وقد رأيت الكثير من الروايات الّتي كتب رأيه في نهايتها. في هذه الملاحظات نرى تحليل القائد(دام ظله) لهذه الروايات، وما هي الظروف الّتي كتبت فيها، وما هدف الكاتب من كتابتها، وما هي الطريقة الّتي عبّر بها لبلوغ مقصوده… فيكتب القائد هذه الأمور، ثمّ يصدر حكمه، هل أنّ العمل كان جيّداً أم لا، هل كان الكاتب ناجحاً أم لا؟
أما المجال الآخر الّذي يطالع فيه فهو أعمال المفكّرين المعاصرين, على الرغم من وجود طيف واسع من الفكر. وفي الواقع تعتبر معرفته الجيّدة بالتيّار الفكري المعاصر في إيران، وخاصة تيار ما قبل الثورة، إحدى مميّزاته. وقد قرأ أعمال رموز هذه الحقبة. ولعلّ أقربها للجو الديني ما كتبه (جلال) آل أحمد[3]. لقد كان القائد على معرفة شخصيّة بـآل أحمد، وبأعماله وأفكاره، ومدركاً تماماً لمنزلته في معترك الفكر وأسلوبه في النثر الفارسي. وكذلك الأمر بالنسبة للآخرين… فالسيّد القائد مطّلع على جيل المفكّرين المعاصرين الّذين يشكّلون إجمالاً كتّاب ومفكّري عصر المشروطة. وكمثال على ذلك، يهتمّ القائد بكتاب “قصة المفكّرين الأوائل”[4] بشكل خاصّ.
المجال الآخر الّذي يطالع فيه القائد هو التاريخ, وتاريخ إيران بشكل خاصّ. ولديه اهتمام بالغ بمطالعة تاريخ وسير الشخصيّات والشعوب، وهو
يستفيد منها استفادات خاصّة وجيّدة. ولدى القائد الخامنئي معرفة ملفتة للنظر، في الرجال والشخصيّات، والأشخاص المؤثّرين في التحوّلات المعاصرة، … أحياناً عندما أزوره، ونمرّ على ذكر شخصيّةٍ ما، نرى أنّه يعرفها جيّداً، وينسب معلوماته إلى كتاب كذا وكذا، من أنّ الكتاب الفلاني بحث الموضوع بهذه الطريقة، ونسب إلى فلان الأمور الكذائيّة.
ومن بين مجالات مطالعة قائد الثورة أيضاً، التاريخ الشفهي، خاصّة الآثار المنبثقة عن الثورة الإسلاميّة, سواء تلك الّتي تتحدّث عن الثورة أم عن الدفاع المقدّس أم… غيرها ومن بين الأعمال الّتي حازت على اهتمامه في هذا المجال، يمكن الإشارة إلى “خاطرات أحمد أحمد”[5] و”خاطرات عزت شاهي” وكتاب “همپاي صاعقه”[6]، وكتاب “دسته ى يك”[7].
فضلاً عن مطالعة آخر الكتب في العلوم السياسيّة، يعتني القائد اعتناء خاصّاً بالكتب العلميّة والإسلاميّة، من مطالعات في السيرة والفلسفة، كما أنّه يقرأ المجلّات المتنوّعة، في مختلف المجالات العلميّة والثقافيّة والبحثيّة بجدّيّة واهتمام.
التسلية الفكريّة
من خصائص القائد في المطالعة، المداومة. بغضّ النظر عن المطالعة الّتي يقوم بها حول موضوعات البلد الرئيسيّة بحكم العمل، اعتاد القائد المطالعة
في الليل قبل النوم, مطالعة خفيفة غير مطالعته المكثّفة لتحضير درس بحث الخارج في الفقه، أو التحضير لإلقاء خطاب، المطالعة آخر الليل هي في الواقع عبارة عن ترويح وتسلية فكرية. طبعاً، مطالعة القائد تعتبر بالنسبة لنا مطالعة مكثّفة، وهذا ما لديّ ذكرى جميلة حوله.
خاطرة حلوة
طبع كتاب تحت عنوان “مهدوي نامه”[8]، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات قُدّمت إلى أستاذنا الدكتور يحيى مهدوي. وبسبب مودّتي للدكتور مهدوي، أهديت نسخة من هذا الكتاب للقائد. وكان لي في هذا الكتاب مقالتان. إحداهما موضوعها التعريف بشخصيّة مهدوي، والأخرى علميّة حول فلسفة لايبنتز[9]. أمّا باقي المقالات فغالبيتها في مجال الفلسفة الغربيّة. وكنت قد اقترحت فيما مضى تأليف هكذا كتاب، وتابع الأٍساتذة وبعض الأصدقاء الموضوع، وبعد عدّة سنوات خرج هذا الكتاب من الطبع في ما يقرب من 500 صفحة. على كلّ حال، أعطيت القائد نسخة منه.
ثم لم تمض فترة طويلة حتّى التقيت بسماحته, ولعلّ ذلك كان بعد شهر تقريباً. فقال لي: “لقد قرأت الكتاب الّذي أعطيتني”. فبقيت متحيّراً كيف أنّ هذا الكتاب الّذي أُلّف باقتراح منّي، ويتضمّن مقالة من تأليفي، لم يسمح لي وقتي بقراءة أكثر من خمسه، أمّا القائد، فلا أعرف كيف قرأ هذا الكتاب مع كلّ ما لديه من التزامات، سيّما أنّ الكتاب ليس في إطار عمله, وهذا يدلّ على تمرّسه في المطالعة واهتمامه بالمجالات الفكريّة والثقافيّة المختلفة.
وهذا، كما قلت، غير ما ذكرت من مطالعاته الّتي يقوم بها باعتبار مسؤوليّته في النظام ومركزه كقائد ومرجع. فسماحته يطالع التقارير السياسيّة، وتقارير مقتطفات المجلّات الهامّة في العالم الّتي توضع بين يديه، أو الكتب الهامّة الّتي تدوّن في مجال القضايا السياسيّة العالميّة العامّة والثورة، والكتب الّتي تتّسم بجنبة استراتيجيّة, فهذه مجالات أخرى يطالع فيها سماحته وحسابها على حدة.
وعليه، فما يقرأه القائد متنوّع، وبالطبع كثير, وهو في نفس الوقت ينظّم هذه الأمور ضمن منظومة مدروسة، فهو لا يجلس ليطالع أيّ كتاب يحصل عليه، ويقرأ لمجرّد ملء وقت الفراغ!
من الأمور الّتي يمتاز بها القائد أيضاً بالنسبة للمطالعة، مطالعته الفعّالة. إذ أنّه يدوّن بعض الأفكار في حواشي الكتاب أثناء قراءته، وكان المرحوم الشهيد مطهري يتّبع نفس هذا الأسلوب، وحواشيه على ديوان حافظ هي إحدى نماذج هذا النوع من المطالعة.
وهكذا بعد أن يقرأ القائد كتاباً، يقوم مكتبه باستطلاع هذا الكتاب، ويدوّن ويضبط ما كتبه سماحته عليه. في إحدى المرّات ذهبت للقائه، فقلت: لقد قرأت مؤخراً كتابا اسمه “رسائل من لندن” لتقي زادة، إشراف ايرج افشار، وقد طبع منذ 15 سنة. إن هذا كتاب يستحقّ القراءة. ثم كنت قد حملت إليه كتابي، فأعطيته إياه وقلت فلتقرؤوه. فقال سماحته لي: “إذا أخذت كتابك لن أستطيع ردّه إليك، لأني سأكتب في حاشيته، وسيحتفظ المكتب به”. فقلت: “إقرأه، ولا مشكلة” وأعطيته الكتاب. وبعد مدة، لم يرجع الكتاب إليّ، لكنّه تلطّف وأرسل إليّ صور عن الصفحات الّتي كنت قد دوّنت عليها بعض الأمور. وأعتقد أنّ بعض حواشيه كانت إلى جانب حواشيَّ، وهي الآن في مكتبتي أحتفظ بها.
النسخة الثانية
كثيرٌ من الأشخاص الّذين يؤلّفون كتاباً، يرسلون نسخةً إلى سماحته. وأحياناً يكون هذا الكتاب، بحسب المعهود رسميّا، مصحوباً برسالةٍ إلى مكتب القائد يطلب فيها تسليمه إليه. كما يرسل أحياناً بعض الناشرين منشوراتهم إليه، سواءً في ذلك الناشرون الّذين يطبعون تلك الكتب على نفقة الدولة ويعتبرون جزءاً من الجهاز الثقافي العامل في البلد تحت إشراف القائد، فيرسلون هذه الكتب إلى سماحته كجزءٍ من جدول أعمالهم، أم الكتب الّتي يرسلها الناشرون لمحبّتهم للقائد، ولأنهم يريدون أن يطّلع القائد على طبيعة عملهم. ولا شكّ أنّ القائد على اطّلاع بما يعاني منه قطاع النشر من نواقص وعيوب، ولكنّه لا يتعامل مع هذا الموضوع بشكل مباشر.
هناك بعض الناشرين الّذين يرسلون إليّ نسختين، عندما يريدون أن يرسلوا إليّ كتاباً. وأنا أعلم أن الهدف من النسخة الثانية إيصالها إلى سماحته. يقول لي أحياناً، من أين علمت أنهم أرسلوها لي؟ فأقول: “لدي حدس قويّ يقرب من اليقين أنّهم يعرفون أنّي أزورك وهم أرسلوه من أجلكم”. في إحدى المرّات قال لي: “ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه الكتب هي ملك لك. فاعتبر إذاً أنّ هذه الكتب هي لك، ثم أعطني إيّاها هدية”. فقلت: “حسناً، إذا كنتم تحتاطون إلى هذا الحدّ”. بعدها، عندما رأيت ذلك الناشر سألته: “لماذا أرسلتم نسختين من الكتاب الفلاني؟” فقال: “لتعطوا إحداها لسماحة القائد”، فقلت: “وهذا ما قلته له، ولكنّه مع ذلك بقي في شك”. فقال الناشر: “لا, متى ما أرسلت لكم نسختين، فهذا يعني أنّ الثانية هي لسماحته”.
من ضمن هؤلاء الناشرين، دار نشر “سخن”[10] والسيّد علي أصغر علمي، الّذين يصدرون الأعمال الأدبية والتاريخيّة والفكريّة. كما أنّ هناك الكثيرين الّذين عندما يأتون لزيارتي، يطلبون منّي أن أعطي نسخةً من آخر أعمالهم للقائد. وأنا بدوري عندما أرتأي أنّ كتاباً ما يمكن أن يثير اهتمامه أو أن يكون له رأي فيه، أو يمكن أن يسعده نشره لسببٍ من الأسباب، أقوم بتسليمه إيّاه.
أمّا بالنسبة لكتبي، فعادةً ما آخذ رأيه قبل أن أطبعها. طبعاً، أنا لست بالكاتب المحترف، بحيث أنجز الكتب باستمرار، ولكنّي عرضت عليه خلال هذه السنوات، كلّ عملٍ أتممته. وكان يبدي رأيه إن كان هناك ما يقال. طبعاً، لم تكن هذه الآراء مكتوبة, بل كنت أجلس إليه، وأستمع إلى ما يقوله. وقد عرضت عليه ترجمةً للقرآن في فترة من الفترات. فذهبت إليه، وكان سماحته يحمل في يده بعض الملاحظات الّتي كان قد دوّنها حول جزءٍ من ترجمة القرآن هذه، وكان يقول في المورد تلو المورد، رأيي هنا كذا وكذا بينما أنا أقرّر ما يقوله. كنت قد بعثت إليه رسالة، أن أرجو منك أن تخصّصوا وقتاً ما، وتسمعونا رأيكم. وقد سمعت ودوّنت رأي سماحته بشكل متفرّق في ترجمة 20 جزءٍ من القرآن الكريم حتّى الآن.
على كلّ حال يمتلك القائد مكتبة كبيرة، تضمّ حوالي الثلاثين ألف مجلّد. الملفت أن أشخاصاً مثل المرحوم آية الله المرعشي النجفي كانت نيّتهم منذ البداية تأسيس مكتبة، أما مكتبة القائد فقد تكوّنت بطور طبيعي. يوجد قسم من هذه المكتبة في بيت سماحته. ويساعد أبناء القائد في إدارة هذه المكتبة بشكل جيّد.
يوجد في هذه المكتبة قسمٌ لحفظ جميع نسخ القرآن الّتي تصل إلى يد القائد من الداخل والخارج، فيضعونها هناك. وهكذا، فهناك مجموعة من المصاحف المتنوّعة، الّتي لعلّها تملأ خزانتين للكتب. والقائد يقرأ في هذه المصاحف واحداً بعد الآخر، وذلك مراعاةً لبعض الروايات الّتي تقول إنّ القرآن إذا وضع في البيت دون أن يقرأ فيه، فسيشكو إلى الله الإهمالَ يوم القيامة[11]، هذا ويعتبر التدبّر في القرآن أهم شيء عند قراءته.
القلب الّذي يسع الجميع
أحياناً يقوم بعض الأشخاص ممّن يعملون في مجال علم النفس وعلم السلوك بالتعرّف على شخصيّة الفرد إلى حدٍّ ما، ويحاولون عكس صورة عنها، وذلك من خلال بعض التصرّفات والعلائم السلوكيّة. وأنا إذا أردت أن أعكس صورة عن شخصيّة سماحة القائد من خلال مكتبته ومجال مطالعاته، فلا بد لي أن أقول:
إنّه رجل عالم و أديب، وشخصيّة قديرة في العالمين النظري والعملي، قد واءم بين العلم والعمل. الصورة الّتي في ذهني عن سماحته هي أنّه إنسان متحضّر مثقّف، وملتزم, فهو صاحب معتقدات يلتزم بها، ومجاهد في سبيل ما يؤمن به. لا يقف على الحياد في عالم صراع القيم مع الرذائل، واتجاهه واضح وشفّاف تماماً. قلّ ما تجد مثيلاً له في سعة الأفق، إذ إنّ سماحته صاحب رأي ونقد فيما يتعلّق بالشخصيّات والتيّارات المختلفة. أمّا الشيء الملحوظ عند سماحة السيّد القائد الخامنئي هو قوّة الإيمان والغيرة، وأمّا الشّيء الّذي يفتقده
القائد، فهو التعصّب وضيق الأفق. فهذان أمران خطيران للغاية، وينمّان عن الجهل.
ويعلم القائد الكثير حول إيران والعالم، ولديه اطّلاع على الشخصيّات وأفكارها، وسعة اطلاعه هذه، هي الّتي ترفده بنوع من الإنصاف والاعتدال قلّ نظيرهما. لدى القائد معرفة إجمالية بالأهميّة الّتي يحوزها كلّ مفكّر وتيّار، والمخزون الفكري والعلمي لدى الشخصيّات المختلفة. لذا ترى أن لكل واحد من هذه الشخصيّات والتيّارات نوع ارتباط وعلاقة به. تراه أحياناً يسرد لك بدقّة سيرة جدّ إحدى الشخصيّات المعروفة والحيّ الآن، وكيف أنّه بارع في الفنّ الفلاني. وعندما يتحدّث إلى نفس الشخصيّة يذكر له أنّي سمعت عن جدّك المحترم كذا أو رأيته، وأنه كان في النجف كذا، أو في مشهد… وهذا ما يخلق له منزلة في قلب كلّ شخص… بدءاً بالمفكّر والشاعر الحديث، أو الشاعر التقليدي إلى العالم الباحث بالخلايا الجذعيّة و… غيرهم، لا أحد منهم غريب لديه. لكلٍّ منهم في شخصيّة القائد ما يعجبه.
طُبع في إحدى المرّات كتابٌ لـ”مجتبى مينوي”[12] تحت عنوان “مينوي وگستر? ادب فارسي”، وهو عبارة عن مقالاتٍ له جمعتها أخته ماه منير مينوي. كنت قد قرأت هذا الكتاب منذ عدّة سنوات، وجلبت منه نسخةً للقائد. وبما أنّي لا أعرف رأيه بـ مينوي وهل يعرفه أم لا، قلت له على مهل: “سيّدنا لا بأس بأن تلقوا نظرة على هذا الكتاب”, ولكن تبيّن لي أنّه يعرف مينوي معرفة تامّة، وله رأي إيجابيّ بعلمه وشخصيّته، وكان قد التقى به أيضاً. على أيّ حال، أخذ الكتاب مسروراً، وتحدّث قليلاً حول مينوي. مينوي من وفيّات عام 1356.
أستبعد أن يكون الآن في الحوزة ما يتجاوز عدد الأصابع ممّن يعرفون مينوي ولديهم فكرة واضحة عنه، ممّن هم من جيل القائد.
وهكذا، فالقائد يتمتّع بذهن غنيّ وأفق واسع حول المسائل والقضايا ببركة مطالعاته الدائمة الواسعة، وحضوره في المحافل الأدبيّة، والحماسة والحيوية الّتي رافقت كلّ نشاطاته وتحرّكاته الاجتماعية والسياسية, وهذا شيءٌ ثمين جدّاً لمن يريد قيادة بلد كبير، ذي تاريخٍ عريق، وله سابقة قديمة كإيران، ومع شعبٍ كهذا، مع ما يمتلكه من قابليّات، وحماسيّ، وصاحب ذوق، وغنيّ بالقوميّات المتعدّدة.
في قصيدة أنشدتها له، قلت:
لو أنّ شخصاً سألني عن علامة لك لقلت بيته في بستان قلب عامر، يسع الجميع[13].
إذا أردنا أن نختار من بين الشخصيّات الثقافيّة والسياسيّة البارزة في تاريخ إيران، شخصيّة تشبه شخصية القائد، وهذا بالطبع ما يتطلّب إحاطة نسبية بتاريخ وثقافة إيران، ومعرفة صحيحة بالشخصيّات، فلعلّه يمكننا اختيار الخواجة رشيد الدين فضل الله الهمداني، وهذا بالطبع من بعض الجهات فقط لا جميعها, فهو لم يكن رئيساً للجمهوريّة، بل كان وزيراً، ولكن حين نقرأ في سيرته نرى أنّه في نفس الوقت الّذي كانت أمور البلد الهامّة موكلة إليه، كان وحيد عصره في الفضل والعلم. الخواجة نصير الدِّين الطوسيّ كذلك، هو من هذا النوع من الشخصيّات، حيث يعتبر في تاريخنا من بين رجالات السياسة
الّذين كانوا من أهل الثقافة، المشرفين على علوم عصرهم. طبعاً، يجب أن لا ننسى أنّ كلّ تشبيه يقرّب من جهة و يبعّد من الأخرى.
هذا بالنسبة لحياته الشخصيّة. أمّا من الناحية الرسميّة فهو يوصي المسؤولين دائماً بتقديم المكان والإمكانات المناسبة للمكتبات، كما يوصي المؤسّسات الثقافيّة باستمرار، أن يعملوا أكثر وبشكل أفضل، فيؤلّفوا الكتب ويقدّموها للنّاس، وذلك بما يتناسب مع طبيعة مهمّتهم. كما أنّ القائد يوصي الشعب بشراء الكتب أكثر، وقراءتها, الكتب الجيّدة والمفيدة طبعاً.
عندما أزوره مثلاً وأقول له: “أريد أن أبشّركم، هناك ناشر لديه برنامج عمل لتاريخ إيران، يريد أن ينشر مئتي كتاب، وقد صدر عنه حتّى الآن عشرون مجلّداً منها. ها هي..” فهذا يبعث السرور العارم فيه، فسماحة القائد السيّد الخامنئي يريد لإيران الإسلاميّة، أن يكون شعبها من العلماء ومن محبّي العلم، من القرّاء ومن أهل الفكر والثقافة. هذه هي أمنيته لهذا البلد ولهذا الشعب.
[1] اسمها بالروسية والإنكليزية: Tikhiy Don (THXHN OH, literally “The quiet Don”).
[2] اسمها بالفرنسية والإنكليزية: L’Ame enchanté (The Enchanted Soul).
[3] جلال آل أحمد.
[4] ماجراي روشنفكران اوليه.
[5] خاطرات = مذكرات.
[6] تلفظ هكذا: ham paye saa’eghe، وتعني رديف أو مع الصاعقة أو Along with the thunde rbold، كتاب يتحدّث عن مجريات مرحلة من معارك الحرب المفروضة (إيران ـ العراق) ـ عمليات “فتح المبين” و”بيت المقدس”.
[7] اسم الكتاب: Dasteye yek، “المجموعة الأولى” كتاب مذكّرات يتحدّث حول معارك جادة الفاو ـ أم القصر، من معارك الحرب المفروضة.
[8] الرسالة المهدويّة، نسبة إلى اسم الأستاذ الّذي قدّم الكتاب له.
[9] غوتفريد فيلهيلم من لايبنتز.
[10] تلفظ: Sokhan، وتعني بالفارسية، الكلام، ويظهر الانصراف منها إلى الكلام الأدبي خاصّة.
[11] عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “ثلاثة يشكون إلى الله عزَّ وجلَّ: مسجد خراب لا يصلي فيه أهله، وعالم بين جهال، ومصحف مغلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه”. وسائل الشيعة، ج4، ص855، ب20، ح2، والكافي، ج2، ص613، ح3.
[12] مجتبى مينوي (1977 ـ 1904)، أديب ومؤرّخ وكاتب إيرانيّ مشهور.
[13] كركسي از من نشاني از تو جويد كويمش خانه اي در كوچه باغ دل، پذيراي همه.