الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / مناظرة الدكتور التيجاني مع بعض السلفيين

مناظرة الدكتور التيجاني مع بعض السلفيين

في مشروعية التوسّل والاستشفاع بالنبي صلى‌ الله‌عليه‌ وآله‌ وسلم

قال الدكتور التيجاني : أعلمني صديقي الأستاذ التونسي بأنّ صديقه السعودي سيأتي في الغد لإجراء محاورة علمية معي ، وقال : بأنه استدعى لذلك مجموعة من الأساتذة ليشاركوا في الحوار ليستفيد الجميع ، وقال : بأنّه هيأ الغداء ، فاليوم هو يوم عطلة الأسبوع ، وعندنا الوقت الكافي ، وكم نحن مشتاقون لمثل هذه المجالس ، ثم أضاف : ونحن نريدك منتصراً فلا تخجّلنا ، لأنّ هذا السعودي « ما كِلْنَا بقرعة » (١).
وفي الساعة الموعودة توافد على البيت الأساتذة ومعهم العالم الوهّابي ، وكان مجموعهم سبعة ، أضف إليهم صاحب البيت ، وشخصي الحقير ، فصار المجلس يضمّ تسعة أشخاص.

__________________

١ ـ جاء في الهامش : هو تعبير شائع عند العامة في تونس ومعناه يتكلم وحده ولا يترك لنا فرصة للكلام.

١٧١

الحاجة إلى التوسل بالأنبياء والأولياء

بعد أكل سريع ودردشة أثناء الأكل ، قد لا يخلو منها مجلس بدأنا الحوار ، وكان موضوعه المطروح التوسّل والوساطة بين العبد وربّه.
كنت من القائلين بالتوسّل إليه سبحانه وتعالى بأنبيائه ورسله وأوليائه الصّالحين ، وأن الإنسان قد يحجب دعاءه كثرة الذنوب والإنشغال بالدنيا فيستشفع إلى الله سبحانه بأوليائه وأحبابه.
قال : هذا شرك ، وأن الله لا يغفر أن يشرك به ..
قلت : وما دليلك على أنه شركٌ بالله؟
قال : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ) (١) ، هذه آية صريحة في تحريم الدعاء لغير الله ، فمن دعا غير الله فقد جعل له شريكاً ينفع ويضرّ ، والنّافع والضّار هو الله وحده.
إستحسن بعض الحاضرين كلامه وأراد تأييده فاستوقفه صاحب البيت قائلا : مهلا ، مهلا ، لقد دعوتكم لا للجدال ولاللمباراة ، وإنّما دعوتكم للإستماع لهذين العالمين ، فهذا التونسي عرفته من قديم ولكنّي فوجئت بأنه شيعي يتبع أهل البيت ،عليهم‌السلاموهذا صديقنا السعودي ، وكلّكم تعرفونه وتعرفون عقيدته ، فما علينا إلاّ الاستماع إليهما ، وإلى مايدليان به من حجج إلى أن يفرغا من بحثهما ويستوفيا ماعندهما ، بعد ذلك نفسح المجال للنقاش ليشارك فيه كل من أراد.

__________________

١ ـ سورة الجن ، الآية : ١٨.

١٧٢

توسل الصحابة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

شكرناه على هذا الأسلوب وهذا اللطف ، وواصلنا الحديث فقلت : أنا أوافقك على أنّ الله سبحانه هو وحده النّافع والضارّ ولا أحد غيره ، ولا يخالفك أحدٌ من المسلمين في ذلك ، إنّما اختلافنا في التوسّل ، فالذي يتوسّل برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثلا يعرف أنّ محمّداً لا ينفع ولا يضرّ ، ولكنّ دعاءه مستجاب عند الله ، فإذا سأل محمّدٌ ربّه قائلا : اللهم ارحم هذا العبد ، أو اغفر لهذا العبد ، أو اغني هذا العبد ، فإنّ الله سبحانه يستجيبُ له ، والرّوايات الصحيحة الواردة في هذا المعنى كثيرة جداً ، منها : أنّ أحد الصحابة كان أعمى فجاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلموطلب منه أن يدعو الله له ليفتح بصره ، فأمره الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يتوضّأ ويصلّي لله ركعتين ، ثم يقول : اللهم إني أتوسّل إليك بحبيبك محمّد إلاّ ما فتحت بصري ففتح الله بصرهُ (١).

__________________

١ ـ روى الترمذي في السنن : ٥/٢٢٩ ح ٣٦٤٩ بالإسناد عن عثمان بن حنيف : أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ادع الله أن يعافيني ، قال : إن شئت دعوت ، وإن شئت صبرت فهو خير لك ، قال : فادعه ، قال : فأمره أن يتوضأ فيحسن وضؤه ويدعوه بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمّد نبي الرحمة ، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضي لي ، اللهم فشفعه في. قال : هذا حديث حسن صحيح.

ورواه ابن ماجة في السنن : ١/٤٤١ ح ١٣٨٥ وقال : قال أبو إسحاق : هذا حديث صحيح ، ومسند أحمد بن حنبل : ٤/١٣٨ ، السنن الكبرى ، النسائي : ٦/١٦٩ ح ١٠٤٩٤ ـ ١٠٤٩٦ ، أسد الغابة ، ابن الأثير : ٣/٣٧١ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٦/٢٤ ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ١/٣١٣ ، وقال : هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ورواه أيضاً في ص ٥١٩.

ورواه في ص ٥٢٦ وجاء في الحديث بعد الدعاء : فدعا بهذا الدعاء فقام وقد أبصر ، ورواه أيضاً ثانية

١٧٣

وكذلك ثعلبة ذلك الصحابي الفقير المعدوم الذي جاء للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطلب منه أن يسأل الله له الغنى لأنه يحبّ أن يتصدّق ، ويكون من المحسنين ، وسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربّهُ فاستجاب له ، وأغنى ثعلبة ، فأصبح من الأغنياء حتّى ضاقت بأنعامه أرجاء المدينة فلم يعد يحضر الصّلاة ، ومنع إعطاء الزكاة. والقصة معروفة ومشهورة عند النّاس كافة (١).
كذلك كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً يصف لأصحابه نعيم الجنّة ، وما أعدّه الله سبحانه لسكّانها ، فقام عكاشة فقال : يا رسول الله أدعو الله أن يجعلني منهم ، فقال رسول الله : اللهمّ اجعله منهم ، فقام آخر فقال : وأنا يا رسول الله ، فقال : لقد سبقك بها عكاشة (٢).
ففي الرّوايات الثلاثة دليل قاطع على أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل نفسه واسطة بين الله والعباد.

الاحتجاج بالآيات الشريفة على مشروعية التوسل

قاطعني الوهابيّ بقوله : أنا أستدل عليه بالقرآن الكريم ، وهو يستدل عليَّ بالأحاديث الضعيفة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

__________________

في نفس الصفحة وجاء في آخره : قال عثمان : فو الله ما تفرقنا ولا طال بنا الحديث حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضر قط ، ثم قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.

١ ـ أسباب النزول ، الواحدي : ١٧٠ ـ ١٧٢ ، تفسير القرطبي : ٨/٢٠٩ ، الدر المنثور ، السيوطي : ٢٦٠ ـ ٢٦١ ، تفسير ابن كثير : ٢/٣٨٨ ، في تفسير قوله تعالى : ( وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) سورة التوبة ، الآية : ٧٥ ، أسد الغاية ، ابن الأثير : ١/٢٣٧.

٢ ـ مسند أحمد بن حنبل : ١/٤٢٠ ، صحيح البخاري : ٧/٤٠ ، صحيح مسلم : ١/١٣٦ ، المستدرك ، الحاكم : ٣/٢٢٨.

١٧٤

قلت : القرآن الكريم يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) (١).
قال : الوسيلة هي العمل الصالح!
قلت : آيات العمل الصالح كثيرة ومحكمة ففيها يقول سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) (٢) ولكن في هذه الآية قال : ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) وفي آية أخرى قال : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ ) (٣).
وهاتان الآيتان تفيدان البحث عن وسيلة يتوسل بها إليه سبحانه ، وذلك مع التقوى والعمل الصالح ألم تر أن الله قال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ ) (٤) فقدّم الإيمان والتقوى على ابتغاء الوسيلة؟
قال : أكثر العلماء يفسّرون الوسيلة بالعمل الصالح.
قلت : دعنا من التفسير وأقوال العلماء ، ما رأيك لو أثبت لك الوساطة من القرآن نفسه؟
قال : مستحيل إلاّ أن يكون قرآن لا نعرفه!
قلت : أعرف ماذا تقصد ، سامحك الله ، ولكنّي سوف أثبت ذلك من القرآن الذي نعرفه جميعاً ، ثم قرأتُ ( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (٥) فلماذا لم يقل سيدنا يعقوب نبي

__________________

١ ـ سورة المائدة ، الآية ٣٥.

٢ ـ سورة البقرة ، الآية : ٢٥.

٣ ـ سورة الإسراء ، الآية : ٥٧.

٤ ـ سورة المائدة ، الآية : ٢٧٨.

٥ ـ سورة يوسف ، الآية : ٩٧ و ٩٨.

١٧٥

الله عليه‌السلام لأولاده : استغفروا الله وحدكم ، ولا تجعلوني وسيطاً بينكم وبين خالقكم ، بل أقرّهم على تلك الوساطة فقال : ( سوف أستغفر لكم ربّي ) فجعل نفسه بذلك وسيلة إلى الله لأولاده؟!

أحسّ الوهّابي بحرج لدفع هذه الآيات البيّنات التي لا مجال للتشكيك فيها ، ولا لتأويلها فقال : ما لنا وليعقوب عليه‌السلام وهو من بني إسرائيل ، وقد نُسخت شريعته بشريعة الإسلام. ،
قلت : سأعطيك الدليل من شريعة الإسلام ، من شريعة نبي الإسلام محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.
قال : نستمع إليك.
فقلت : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً ) (١).
فلماذا يأمرهم الله بالمجيء إلى الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليستغفروا عنده ، ثم يستغفر لهم الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهذا دليل قاطع على أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو واسطتهم إلى الله ولا يغفر الله لهم إلاّ به. فلماذا يأمرهم الله بالمجيء إلى الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليستغفروا عنده ، ثم يستغفر لهم الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهذا دليل قاطع

اعتراف السلفي بالتوسل في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

فقال الحاضرون : هذا دليل ما بعده دليل ، وأحسّ الوهابيّ بالهزيمة فاستطرد يقول : ذاك صحيح عندما كان حيّاً ، ولكن الرّجال مات منذ أربعة عشر قرناً.

__________________

١ ـ سورة النساء ، الآية : ٦٤.

١٧٦

قلت مستغرباً : كيف تقول عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجّال مات؟! رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّ وليس بميّت.
فضحك من قولي مستهزءاً قائلا : القرآن قال له : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ)(١).
قلت : والقرآن نفسه يقول : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (٢) وقال : ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ) (٣).
قال : هذه الآيات تتكلّم عن الشهداء الذين يقتلون في سبيل الله ، ولا علاقة لها بمحمّد.
قلت : سبحان الله ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، أأنت تنزل بمرتبة النبي محمّد حبيب الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى درجة هي أقل من رتبة الشهيد ، وكأنّك تريد أن تقول بأن أحمد بن حنبل مات شهيداً ، فهو حيّ عند ربّه يرزق ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ميّتٌ كسائر الأموات؟!
قال : هذا ما يقوله القرآن الكريم.
قلت : الحمد لله أن كشف لنا عن هويّتكم ، وعرّفنا على حقيقتكم بألسنتكم ، وقد حاولتم جهودكم طمس آثار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصل الأمر بكم أن حاولتم إعفاء قبره ، كما أعفيتم البيت الذي ولد فيه.
وهنا تدخَّل صاحب البيت ليقول لي : لا نخرج عن دائرة القرآن والسنّة

__________________

١ ـ سورة الزمر ، الآية : ٣٠.

٢ ـ سورة آل عمران ، الآية : ١٦٩.

٣ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٥٤.

١٧٧

وهذا ما اتفقنا عليه.

اعتذرت وقلت : المهمّ أنّ صاحبنا اعترف بالوسيلة في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونفاها بعد وفاته.
فقال الحاضرون جميعاً : وهو كذلك ، وسألوه من جديد : أنت وافقت بأنّ الوساطة كانت جائزة في حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟
أجاب : كانت جائزة في حياته وهي غير جائزة الآن بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.
فقلت : الحمد لله ، لأول مرّة تعترف الوهابيّة بالوسيلة وهذا فتح كبير.
واسمحوا لي بأن أضيف أنّ الوسيلة جائزة حتى بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.
قال الوهّابي : والله لا يجوز ، ذلك من الشرك.
فقلت : مهلا ، ولا تتسرّع وتقسم فتندم على ذلك.
قال : هات الدليل من القرآن.
قلت : أنت تطلب المستحيل لأنّ نزول الوحي انقطع بوفاة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا بد من الإستدلال من كتب الحديث.
فقال : نحن لا نقبل الحديث إلاّ إذا كان صحيحاً ، أمّا ما يقوله الشيعة فلا نعتبره شيئاً.

توسل عمر بن الخطاب بالعباس عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قلتُ : هل تثق في صحيح البخاري ، وهو أصح الكتب عندكم بعد كتاب الله؟
قال مستغرباً : البخاري يقول بجواز الوسيلة؟!
قلتُ : نعم يقول بذلك ، ولكن مع الأسف لا تقرأون ما في صحاحكم ،

١٧٨

ورغم ذلك تعاندون تعصّباً لأرائكم فقد أخرج البخاري في صحيحه أنّ عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعبّاس بن عبد المطّلب فقال : اللهمّ إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتسقينا وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا ، قال : فيسقون»(١).

ثم قلت له : هذا عمر بن الخطّاب وهو عندكم أعظم الصّحابة ولا شك عندك في إخلاصه ، وقوة إيمانه ، وحسن عقيدته ، فإنكم تقولون : لو كان نبي بعد محمّد لكان عمر بن الخطاب (٢) ، وأنت الآن بين أمرين لا ثالث لهما ، إمّا أن تعترف بأنّ التوسل هو من صميم الدين الإسلامي ، وقول عمر بن الخطّاب : إنّا كنا نتوسل إليك بنبيّنا ، وإنا نتوسل إليك بعمّ نبيّنا ، هو إقرارٌ بالتوسّل في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعد حياة النبيّ ، وإمّا أن تقول : بأنّ عمر بن الخطاب مشرك ، لأنه جعل العبّاس بن عبد المطلب وسيلته إلى الله ، والعبّاس كما هو معلوم ليس بنبيّ ولا إمام ، وليس هو من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً.
أضف إلى ذلك أنّ البخاري وهو إمام المحدّثين عندكم الذي أخرج هذه القصة معترفاً بصحّتها ، ثم أضاف بقوله : كانوا إذا قحطوا استسقوا بالعبّاس

__________________

١ ـ صحيح البخاري : ٢/١٦ ، ٤/٢٠٩ ، السنن الكبرى ، البيهقي : ٣/٣٥٢ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ١/٧٢ ح ٨٤ ، الطبقات الكبرى ، ابن سعد ٤/٢٨ ـ ٢٩ ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر : ٢٦/٣٥٥ ، ذخائر العقبى ، الطبري : ١٩٨ ـ ١٩٩.

٢ ـ راجع : مسند أحمد بن حنبل : ٤/١٥٤ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ١٧/١٨٠ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ١٢/١٧٨ ، تذكرة الموضوعات ، الفتني ، ٩٤ ، فيض القدير ، المناوي : ٥/٤١٤ ح ٧٤٦٩ ، كشف الخفاء ، العجلوني : ٢/١٥٤ ح ٢٠٩٤.

١٧٩

فيسقون ، ويعني بذلك أن الله يستجيب لهم.

فالبخاري والمحدّثين من الصحابة الذين رووا هذا وكل أهل السنة والجماعة الذين يعتقدون صحة البخاري كلّهم عندكم مشركون؟!
قال الوهّابي : لو صحّ هذا الحديث فهو حجّة عليك.
قلت : وكيف يكون حجّةً عليَّ؟!
قال : لأن سيدنا عمر لم يتوسّل بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه ميّتٌ ، وتوسل بالعباس لأنه حيّ.
قلت : إنّ عمل وقول عمر بن الخطّاب ليس عندي بحجة ، ولا أقيم له وزناً ، وإنّما استعرضت هذه الرواية للإستدلال بها على موضوع البحث ، وهو إنكارك وإنكار كل علمائكم التوسّل ، واعتباره شركاً بالله.
وإني أتساءل لماذا لم يتوسّل عمر بن الخطاب أثناء القحط بعلي بن أبي طالب عليه‌السلام الذي هو من محمّد كمنزلة هارون من موسى ، ولم يقل أحدٌ من المسلمين بأنّ العبّاس أفضل من عليّ ، ولكن هذا موضوع آخر لا يهمّنا في هذا البحث ، ونكتفي بالقول : بأنكم الآن تعترفون بالوسيلة بالأحياء ، فهذا بالنسبة إليَّ انتصارٌ كبير أحمد الله عليه أن جعل حجتنا هي البالغة ، وجعل حجتكم هي الباطلة (١).