الرئيسية / من / طرائف الحكم / ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ١٤١ – ١٦٠

ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ١٤١ – ١٦٠

ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ١٤١ – ١٦٠

المســألة: ٤٠
هل رجع ابن تيمية عن رأيه وجوَّز التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

نقلوا في ترجمة ابن تيمية أنه تراجع عن رأيه عندما سجنوه في مصر وحاكموه على آرائه الشاذة، ومنها تحريم التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

قال السقاف في رسالته البشارة والإتحاف: (أما مسألة التوسل فقد اختلفت آراء دعاة السلفية فيها بشكل ملحوظ، مع أن الموجودين في الساحة منهم اليوم يقولون بأن هذه المسألة من مسائل العقائد، وليست كذلك قطعاً.

أما ابن تيمية فقد أنكر في كتابه (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة) التوسل ومرادنا التوسل بالذوات، ثم رجع عن ذلك كما نقل تلميذه ابن كثير في البداية والنهاية:١٤/٤٥، حيث قال: قال البرزالي: وفي شوال منها شكى الصوفية بالقاهرة على الشيخ تقي الدين، وكلموه في ابن عربي وغيره إلى الدولة فردوا الأمر في ذلك إلى القاضي الشافعي، فعقد له مجلس وادعى عليه ابن عطاء بأشياء فلم يثبت عليه منها شئ، لكنه قال: لايستغاث إلا بالله لايستغاث بالنبي استغاثة بمعنى العبادة، ولكن يتوسل به ويتشفع به إلى الله. فبعض الحاضرين قال ليس عليه في هذا شئ، ورأى القاضي بدر الدين بن جماعة أن هذا فيه قلة أدب). انتهى.

ويؤيد ذلك ظاهر كلام ابن تيمية في رسالته التي كتبها من سجنه، وهي في مجموعة رسائله،

١٤١

قال في ص١٦: (وكذلك مما يشرع التوسل به في الدعاء كما في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه أن النبي (ص) علم شخصاً أن يقول: اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد يا رسول الله إني أتوسل بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها. اللهم فشفعه فيَّ. فهذا التوسل به حسن، وأما دعاؤه والإستغاثة به فحرام! والفرق بين هذين متفق عليه بين المسلمين. المتوسل إنما يدعو الله ويخاطبه ويطلب منه لايدعو غيره إلا على سبيل استحضاره لا على سبيل الطلب منه. وأما الداعي والمستغيث فهو الذي يسأل المدعو ويطلب منه ويستغيثه ويتوكل عليه). انتهى.

لكن المتأمل يجد أن ابن تيمية لفَّ كلامه بلفافة، حيث جوَّز التوسل لأنه دعاء لله وليس للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبهذا كذب نفسه عندما قال إن التوسل بالميت دائماً دعاء له وهو شرك! لكنه جعل التوسل قسماً في مقابل الإستغاثة مع أنهما شئ واحد! ثم جعل الإستغاثة دعاءً النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من دون الله تعالى وعبادةً وتوكلاً عليه من دون الله تعالى!

وهذا ما لايقصده أحدٌ من المسلمين بتوسله بنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)!!

 

*  *  *

الأسئلة

١ ـ ألا ترون أن إمامكم ابن تيمية قد تراجع عن رأيه في أن التوسل بالميت شرك، وأفتى بالعمل بحديث الترمذي في التوسل حتى

١٤٢

بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: (لايستغاث إلا بالله، لايستغاث بالنبي استغاثة بمعنى العبادة، ولكن يتوسل به ويتشفع به إلى الله…. فهذا التوسل به حسن، وأما دعاؤه والإستغاثة به فحرام). فماذا بقي لكم؟!

٢- أنتم بين أمرين، إما أن تقولوا إن ابن تيمية تراجع عن رأيه في التوسل، وإما أن أنه استعمل التقية مع قضاة المذاهب الربعة! فأيهما تختارون؟!

 

*  *  *

المســألة: ٤١
ابن عبد الوهاب وحفيده.. زادا على ابن تيمية!

قال محمد بن عبد الوهاب (عقائد الاسلام ص٢٦): (فمن قصد شيئاً من قبر أو شجر أو نجم أو نبي مرسل لجلب نفع أو كشف ضر، فقد اتخذ إلهاً من دون الله، فكذب بلا إله إلا الله، يستتاب وإلا قُتل، وإن قال هذا المشرك: لم أقصد إلا التبرك وإني لأعلم أن الله هو الذي ينفع ويضر، فقل له: إن بني إسرائيل ما أرادوا إلا ما أردت، كما أخبر الله تعالى عنهم إنهم لما جاوزوا البحر، أتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، فأجابهم بقوله:إنكم قوم تجهلون). انتهى.

وبذلك أفتى بكفر كل من توسل بنبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بغيره من الأنبياء (عليهم السلام) حتى لو كان ذلك في اعتقاده لا ينافي التوحيد!

١٤٣

وهذا أصل مشكلة هؤلاء أنهم يشعرون أنهم بحاجة إلى هدر دماء المسلمين وإباحة أموالهم واتخاذ أعراضهم جواري! فيسلكون طريق الإفراط والتنطع ويكفرونهم للشبه الواهية!!

وقال سليمان حفيد ابن عبد الوهاب في (تيسير العزيز الحميد) ص٢٠٩: (فحديث الأعمى شئ، ودعاء غير الله تعالى والإستغاثة به شئ آخر. فليس في حديث الأعمى شئ غير أنه طلب من النبي (ص) أن يدعو له ويشفع له، فهو توسل بدعائه وشفاعته، ولهذا قال في آخره: اللهم فشفعه فيَّ، فعلم أنه شفع له. وفي رواية أنه طلب من النبي (ص) أن يدعو له! فدل الحديث على أنه (ص) شفع له بدعائه، وأن النبي (ص) أمره هو أن يدعو الله، ويسأله قبول شفاعته. فهذا من أعظم الأدلة أن دعاء غير الله شرك لأن النبي (ص) أمره أن يسأل قبول شفاعته، فدل على أن النبي (ص) لايدعى، ولأنه (ص) لم يقدر على شفائه إلا بدعاء الله له. فأين هذا من تلك الطوام؟! والكلام إنما هو في سؤال الغائب (يقصد النبي بعد موته) أو سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله! أما أن تأتي شخصاً يخاطبك (يعني شخصاً حياً) فتسأله أن يدعو لك، فلا إنكار في ذلك على ما في حديث الأعمى. فالحديث سواء كان صحيحاً أو لا، وسواء ثبت قوله فيه يا محمد أو لا، لايدل على سؤال الغائب (الميت) ولا على سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، بوجه من وجوه الدلالات. ومن ادعى ذلك فهو مفتر على الله

١٤٤

١٤٥

الأسئلة

١ ـ بماذا تفسرون التناقض بين فتوى إمامكم ابن عبد الوهاب وحفيده سليمان، وفتوى إمامهما ابن تيمية؟ حيث تراجع ابن تيمية عن تكفير المسلمين لتوسلهم بالأموات، بينما أكد عليه الآخران؟

٢ ـ هل السبب أن حاجة ابن عبد الوهاب إلى قتل من خالفه في الجزيرة أكثر من حاجة ابن تيمية إلى قتل من خالفه من المسلمين في بلاد الشام؟!

٣ – لو أن الحكومة السعودية أطاعتكم وحكمت بكفر المسلمين لأنهم يقصدون زيارة قبر نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم) والتوسل به الى الله تعالى، والكافر يحرم دخوله الى المدينة ومكة، فكم شخص يبقى عندكم في موسم الحج؟!

 

*  *  *

١٤٦

المســألة: ٤٢
الطلب من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى

قال محمد بن عبد الوهاب:

(الشفاعة شفاعتان: منفية ومثبتة، فالمنفية: ما كانت تطلب من غير الله فيما لايقدر عليه إلا الله لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لابيع فيه ولا خلة ولاشفاعة والكافرون هم الظالمون). والمثبتة: هي التي تطلب من الله والشافع مكرم بالشفاعة والمشفوع له من رضي الله قوله وعمله بعد الإذن كما قال: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه). انتهى. (كشف الإرتياب ص ٢٠٨، عن رسالة أربع قواعد ص٢٥طبعة المنار بمصر).

وقال السيد محسن الأمين في (كشف الإرتياب عن أتباع محمد بن عبد الوهاب) ص٢٢٩: وقال ابن تيمية أيضاً في رسالة زيارة القبور (ص١٥٣ ـ ١٥٥ طبع المنار بمصر) ما حاصله:

مطلوب العبد إن كان مما لا يقدر عليه إلا الله فسائله من المخلوق مشرك، من جنس عُبَّاد الملائكة والتماثيل ومن اتخذ المسيح وأمه إلاهين، مثل أن يقول لمخلوق حي أو ميت: إغفر ذنبي أو أنصرني على عدوي أو إشف مريضي أو عافني أو عاف أهلي أو دابتي، أو يطلب منه وفاء دينه من غير جهة معينة، أو غير ذلك.

وإن كان مما يقدر عليه العبد فيجوز طلبه منه في حال دون حال، فإن مسألة المخلوق قد تكون جائزة، وقد تكون منهياً عنها، قال الله تعالى: (فإذا فرغت فانصب وإلى

١٤٧

ربك فارغب)، وأوصى النبي (ص) ابن عباس: إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، وأوصى طائفة من أصحابه أن لا يسألوا الناس شيئاً، فكان سوط أحدهم يسقط من كفه فلا يقول لأحد ناولني إياه. وقال: فهذه المنهي عنها. والجائزة طلب دعاء المؤمن لأخيه… الخ.). انتهى. (ونحوه في فتح القدير:٢/٤٥٠)

*  *  *

١٤٨

الأسئلة

١ ـ إذا كان ميزانكم لجواز التوسل بالميت أنه لايجوز أن نطلب منه ما لايقدر عليه إلا الله تعالى، فلماذا جعلتم طلبنا الشفاعة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شركاً أكبر وكفراً، مع أنها مقدورة له (صلى الله عليه وآله وسلم) بنص القرآن والسنة؟!

٢ ـ لقد طلب نبي الله سليمان من وزرائه أن يأتوه بعرش بلقيس من اليمن: (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْل َأَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) (سورة النمل: ٣٨) وهو أمر لايقدر عليه إلا الله تعالى، فهل تحكمون بشرك نبي الله سليمان وكفره؟!

٣ ـ ما هو السر في جعلكم طلب ما لايقدر عليه إلا الله، شركاً؟ فإن قلتم إن الطالب يدعي للحي أو للميت شراكةً في قدرة الله تعالى، فهذا غير صحيح (بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ.لايَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (سورة الأنبياء:٢٦ـ٢٧) وإن قلتم إن التوسيط لله تعالىحرام وشرك، فلا فرق في التوسيط بين ما يقدر عليه المخلوق وما لايقدر، ولافرق في توسيط الحي أو الميت.

وعليه يجب أن تردوا كل أنواع التوسل والشفاعة، ولايبقى فيها حلال وحرام، كما زعمتم!

٤ ـ إن قلتم إن التوسل والإستشفاع والإستغاثة منها ما أذن به الله تعالى فهذا ليس شركاً، ومنها ما لم يأذن به فهذا شرك.

١٤٩

فجوابه: نعم، وهذا هو جوهر خلافكم مع المسلمين، فهم يقولون إن الله تعالى أكرم النبي وآله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأذن بالتوسل والإستغاثة بهم بل وأمر به، بمثل قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (سورة المائدة: ٣٥) فصار ذلك عبادةً لله وامتثالاً لأمره سبحانه، ومحالٌ أن يأمرنا بما هو شركٌ وكفرٌ، كما تزعمون!

٥ – ما معنى قول إمامكم: (مثل أن يقول لمخلوق حي أو ميت: إغفر ذنبي أو أنصرني على عدوي… أو يطلب منه وفاء دينه من غير جهة معينة، أو غير ذلك) وما هو مثال التوسل الحلال بالميت ليقضي له دينه من جهة معينة؟!

 

*  *  *

١٥٠

المســألة: ٤٣
من هم المتوسل بهم عند المسلمين؟

جوَّز الوهابيون أن يتوسل المسلم إلى الله تعالى بأي شخص حتى بالكافر، فالشرط الوحيد عندهم أن يكون حياً لاميتاً، حتى لو كان كافراً! وقد رووا أن عائشة مرضت فدعت يهودية لترقيها، وهو نوع من التوسل!

روى مالك في الموطأ:٢/٩٤٣: (عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أن أبا بكر الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي، ويهودية ترقيها! فقال أبوبكر: إرقيها بكتاب الله) انتهى، ولعله يقصد بكتاب الله التوراة، لأن اليهودية لا تقر بالقرآن!

كما أن سيرة أئمة المذاهب السنية وأتباعهم حتى الحنابلة حافلةٌ بالتوسل بمن يعتقدون صلاحه من شيوخ العلم والتصوف، وقد تقدم توسل إمامهم أحمد بقبر الشافعي، وتوسلهم بقبر أحمد!

كما ورد عندهم وعندنا الحث على التوسل في صلاة الإستسقاء بالأخيار والضعفاء والمرضى. كما في مجموع النووي: ٥/٦٦: و: ٥/٧٠

أما في مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فعمدة التوسل والإستشفاع روايةً وعملاً بالله تعالى وأسمائه الحسنى، وبالنبي وآله المعصومين صلوات الله عليهم. ولم أجد في سيرة أئمتنا (عليهم السلام) ولا في سلوك أصحابهم وشيعتهم ذكراً للتوسل بأحد غير المعصومين، وإن وجد فهو تبعٌ للتوسل بهم وفي موارد خاصة كصلاة الإستسقاء. كما ورد

١٥١

في بعض الأدعية تعليم التوسل بالملائكة المقربين والأنبياء السابقين (عليهم السلام) وكتب الله المنزلة وعباده الصالحين، وبالأعمال الصالحة. (مصباح المتهجد ص٣٥٨ و٣٠٢)

الأسئلة

١ ـ ما قولكم بفتاوى فقهاء المذاهب الأربعة هذه التي تنص على التوسل بالصالحين والضعفاء والمرضى والحيوانات والأعمال، وتنص على أنه توسل واستشفاع؟

٢ ـ كيف تقبلون أن يكون مذهبكم أن التوسل بالكافر طاعة وإيمان والتوسل برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كفر وإشراك بالله تعالى؟!

٣ ـ التوسل يعني أن المتوسل به يؤمل أن يكون أقرب وسيلة الى الله تعالى، فهل ترى عائشة أن المرأة اليهودية أقرب وسيلة الى الله منها؟!

 

*  *  *

١٥٢

المســألة: ٤٤
تحريم الوهابيين التسمية بعبد النبي وعبد علي وعبد الحسين

فقد خالفوا كل المسلمين وجعلوا التسمية بعبد النبي وعبد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمثالها، شركاً لأنها تعني في أذهانهم عابد النبي وعلي والحسين!

لكن كلمة عبد وردت في القرآن بمعنى عابد، كما وردت بمعنى غلام، قال الله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ). (سورة النور: ٣٢)

*  *  *

١٥٣

الأسئلة

١ ـ هل ترون أن قول المسلم لأخيه ياسيدي شركٌ بالله تعالى؟وهل تحكمون بكفره وشركه عندما يقول للملك أو لغيره يا مولاي؟ أو يقول لشيخه أنا خادم لك وعبد لك، أم تقولون هذا احترام لايقصد به العبادة؟!

٢ ـ إذا استعمل شخص لفظاً مشتركاً فقال أنا قتلت، فهل تأخذونه بأشد المعاني فيحكم قاضيكم بأنه قاتل ويقتله، أم تسألونه عن قصده من القتل وهل قتل نفساً محترمة، أو قتل وقته، أو قتل المسألة بحثاً؟!

٣ ـ ما قولكم فيما رواه إمامكم أحمد في مسنده:٥ /٤١٩: (حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن آدم ثنا حنش بن الحرث بن لقيط النخعي الأشجعي عن رياح بن الحرث قال جاء رهط إلى علي بالرحبة فقالوا: السلام عليك يا مولانا، قال كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله (ص) يوم غدير خم يقول من كنت مولاه فإن هذا مولاه. قال رياح فلما مضوا تبعتهم فسألت من هؤلاء؟ قالوا نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري.

حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو أحمد ثنا حنش عن رياح بن الحرث قال: رأيت قوماً من الأنصار قدموا على علي في الرحبة، فقال مَن القوم؟

قالوا مواليك يا أمير المؤمنين، فذكر

١٥٤

معناه). انتهى.

فهل معنى ذلك أن كل مسلم هو مولى لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، فيصح أن يقال لكل واحد منكم (عبد علي)؟!

 

*  *  *

١٥٥

الفصل الثالث
بعض الإشكالات عليهم في مسائل شفاعة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)

١٥٦

١٥٧

المســألة: ٤٥
الشفاعة يوم القيامة حقيقية وليست شكلية

يمكن تقريب الشفاعة إلى الذهن بأنها (قاعدة الإستفادة من الدرجات الاضافية) كأن يقال للطالب الذي حصل على معدل عال: يمكنك أن تستفيد من النمرات الإضافية على معدل النجاح، فتعطيها إلى أصدقائك، الأقرب فالأقرب من النجاح.

ولنفرض أن الانسان يحتاج للنجاة من النار ودخول الجنة إلى٥١ درجة (مَنْ رَجُحَتْ حسناتُه على سيئاتِه)، فالذي بلغ عمله ٤٠٠ درجة مثلاً يسمح له أن يوزع ٣٤٩ درجة على أعزائه، ولكن ضمن شروط، بأن يكونوا مثلاً من أقربائه القريبين، وأن يكون عند أحدهم ثلاثين درجة فما فوق، وذلك لتحقيق أفضل استفادة وأوسعها من الدرجات الإضافية.

وقد نصت بعض الأحاديث عن الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) على أن شفاعة المؤمن تكون على قدر عمله، ففي مناقب آل أبي طالب: ٢/ ١٥ عن الإمام الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، قال: ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) يقوم على كُوم قد علا الخلايق فيشفع، ثم يقول: يا علي إشفع، فيشفع الرجل في القبيلة، ويشفع الرجل لأهل البيت ويشفع الرجل للرجلين على قدر عمله. فذلك المقام المحمود). انتهى. وروت في مصادر السنة شبيهاً به أيضاً.

وبما أن درجات الملائكة والأنبياء

١٥٨

والأوصياء (عليهم السلام) ودرجات المؤمنين متفاوتة وأعظمهم عملاً وأعلاهم درجةً نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) فليس غريباً أن يكون أعظمهم شفاعة عند الله تعالى.

وبما أن سيئات الناس تتفاوت دركاتها ويصل بعضها إلى تحت الصفر بألوف الدرجات مثلاً.. فالذين تشملهم الشفاعة هم الأقرب إلى النجاح والأفضل من مجموع المسيئين، وقد وردت في شروطهم عدة أحاديث، منها عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن أدناكم مني وأوجبكم عليَّ شفاعةً: أصدقكم حديثاً، وأعظمكم أمانةً، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس). (مستدرك الوسائل: ١١/١٧١).

وعلى هذا فالشفاعة مقننة بقوانين دقيقة ككل الأعمال الإلهية الدقيقة الحكيمة، وليست من نوع الوساطات والمحسوبيات الدنيوية، كما يتصوره بعض المستشرقين أو المسلمين.

قال المستشرق اليهودي جولد تسيهر في مذاهب التفسير الإسلامي ص١٩٢، مادحاً المعتزلة لقولهم بعدم شمول الشفاعة لمرتكبي الكبائر: (لايريدون التسليم بقبول الشفاعة على وجه أساسي حتى لمحمد، ذلك بأنه يتعارض مع اقتناعهم بالعدل الإلهي المطلق).

وقال بعض المتأثرين بالأفكار الوهابية: (إن الشفاعة إنما هي بالشكل فقط، وليست حالة وساطة بالمعنى الذي يفهمه الناس في علاقتهم بالعظماء حيث يلجأون إلى الأشخاص الذين تربطهم بهم علاقة مودة أو مصلحة أو موقع معين ليكونوا الواسطة في إيصال مطالبهم وقضاء حوائجهم عنده).

وقال: (إن الشفاعة هي كرامة من الله

١٥٩

لبعض عباده فيما يريد أن يظهره من فضلهم في الآخرة فيشفعهم في من يريد المغفرة له ورفع درجته عنده، لتكون المسألة في الشكل واسطة في النتائج التي يتمثل فيها العفو الإلهي الرباني، تماماً كما لو كان النبي السبب أو الولي هو الواسطة.

وقال: (وفي ضوء ذلك لامعنى للتقرب للأنبياء والأولياء ليحصل الناس على شفاعتهم، لأنهم لايملكون من أمرها شيئاً بالمعنى الذاتي المستقل، بل الله هو المالك لذلك كله على جميع المستويات، فهو الذي يأذن لهم بذلك في مواقع محددة، ليس لهم أن يتجاوزوها. الأمر الذي يفرض التقرب إلى الله في أن يجعلنا ممن يأذن لهم بالشفاعة له). (خلفيات مأساة الزهراء (عليها السلام): ١/٢٢١).

 

*  *  *

الأسئلة

١ ـ لماذا تصرفون آيات الشفاعة عن ظهورها في الشفاعة الحقيقة وتجعلونها شفاعة شكلية؟!

٢ ـ لماذا تقبلون شفاعة إبراهيم والأنبياء السابقين (عليهم السلام) التي نصت عليها التوراة والإنجيل، وتتوقفون في شفاعة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

٣ ـ ألا ترون أن تصور اليهود لربهم ووصفهم له بعدم الحكمة في أعماله، قد أثر عليكم فقستم الشفاعة التي أخبر عنها سبحانه على شفاعات الدنيا عند الحكومات والشخصيات، فنفيتموها؟!

https://t.me/+uwGXVnZtxHtlNzJk

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...