أوائل المقالات في المذاهب والمختارات / الصفحات: ٣٢١ – ٣٤٠
وخلاصة جميع ذلك لزوم المحال العادي وخرق النواميس الطبيعية المألوفة، والجواب في الجميع بعد ثبوت صحة النقل واحد، وهو أن الله على كل شئ قدير.
وأما لزوم المحال العقلي فله جهتان:
الأولى صيرورة الواحد كثيرا، فهذا إن أريد منه حلول روحه الشريفة في آن واحد في أجساد متعددة، فقد أجاب عنه علم الروح الجديد على ما نقله عنهم الفريد الوجدي وغيره، وملخصه أن القوالب المثالية التي تحل فيه الروح بعد الموت إنما تخلقه الروح بنفسه بما أعطاها الله (تعالى) من الخلاقية، واثبتوا إمكان خلقها قوالب متعددة في آن واحد وحلولها في جميعها أو تصرفها جميعها في آن واحد تصرفا تدبيريا.
وعلى فرض التنزل يمكن حضوره (ع) عند جميع المحتضرين بصورة مثل
ولعل السر في هذه التأويلات انه قده أراد ان يختار قولا يقبله عقل العامة وغيرهم من الذين لا يعتقدون في أمير المؤمنين هذه المقامات والله العالم.
والجهة الثانية استحالة تعلق رؤية البصر بأعيانهما وهذا سيأتي في القول: ٥١.
(٧٦) قوله في القول ٥١ (لاختلاف بين أجسامهما وأجسام الملائكة في التركيبات)
(٧٧) قوله في القول ٥٣ (وليس ينزل الملكان…)
أقول: ظاهر الروايات الواردة في تلقين الميت عموم السؤال لكل ميت، ففي رواية الشيخ والكليني والصدوق عن أبي عبد الله (ع): ما على أهل الميت منكم أن يدرؤوا عن ميتهم لقاء منكر ونكير…) والمرتكز في أذهان الشيعة من دون خلاف بحيث يعدونه من الضروريات التي يجب اعتقادها عموم سؤال الملكين في القبر، حتى أن التلقين الذي يلقنون الميت في القبر يذكرون فيه: (وسؤال منكر ونكير في القبر حق) وحمله أيضا على بعض الأموات خلاف الظاهر و الله العالم.
(٧٨) قوله في القول ٥٤ (وهذا يستمر على مذهبي في النفس -)
في العبارة إبهام من جهة ابتنائه مسألة التنعيم في القبر وتعذيبه على كون الانسان: وهو الشئ المحدث الخارج عن صفات الجواهر والأعراض) مع أنه لا يصح إلا إذا فرضناه جوهرا، ولا أقل من أن لا تكون الجوهرية مانعة من إمكان التنعيم والتعذيب ولا مصححة له فما وجه تصحيح كلامه قده؟
الوجه فيه أن الجوهر هنا ليس بالمعنى الفلسفي بل بالمعنى الكلامي و المراد به كما صرح في القول ٨٢ (الجواهر عندي هي الأجزاء التي تتألف منها الأجسام ولا يجوز على كل واحد في نفسه الانقسام).
وهذا المعنى هو المعبر عنه في الفلسفة بالعنصر أو الاسطقس ومعلوم أن هذا هو الجسم المادي المندثر في القبر كما صرح به، وأما الروح المجرد الذي أشار إليه بقوله (الخارج عن صفات الجواهر والأعراض…) الذي هو جوهر بالمعنى الفلسفي فهو باق بعد زوال الجسم، وهو المعذب والمنعم في القبر.
فتبين أن التعريف الذي ذكره للانسان هو المصحح لعذاب القبر ونعيمه، وأما لو كان الانسان موجودا ماديا لم يصح العذاب والنعيم.
ومن هنا تبين وجه جمعه قده بين قوله (القائم بنفسه) وبين قوله (الخارج عن صفات الجواهر…) مع أنه لا معنى للجوهر إلا القائم بنفسه.
وجه التوفيق ما ذكرنا من أنه قده تكلم على اصطلاح المتكلمين لا الفلاسفة.
(٧٩) قوله في القول ٥٥ (وذلك عند قيام مهدي آل محمد (ع))
أقول: كلما ذكره في هذا الفصل ينطبق على الآيات والروايات من دون
ولكن إثبات الشيخ الرجعة بالمعنى الذي ذكره لا يدل على نفي ما عداه، و هو أعرف بما يكتب، خصوصا أن إثبات إمكان أحدهما يدل على إمكان الآخر ووقوعه على وقوعه واستحالة أحدهما يدل على استحالة الآخر، فرأى الشيخ قده ذكر أحدهما مغنيا عن الآخر.
(٨٠) قوله قده (وقد جاء القرآن بصحة ذلك)
أقول: الآيات الواردة في القرآن على قسمين:
القسم الأول آيات تدل على إمكان بل وقوع إحياء الأموات قبل يوم القيامة في الأمم السابقة نشير إليها من دون تفسير منها قوله (تعالى) في سورة البقرة ٧٣ فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى… ومنها قوله (تعالى) ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم البقرة ٢٤٣ ومنها قوله (تعالى) أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مأة عام ثم بعثه، البقرة
ومن آيات الرجعة قوله (تعالى): قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل المؤمن ١٢، فإن الإماتة سلب الحياة عن الحي ولا يتصور هذا مرتين إلا مع الاعتقاد بالرجعة.
وقوله (تعالى) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ٣٨ النحل.
الآية نسبت إليهم الاعتقاد بالله (تعالى) من جهة حلفهم به وجهد أيمانهم، وعدم الاعتقاد بالبعث وهذا أعني الجمع بين الاعتقاد بالتوحيد و إنكار المعاد غير موجود في المسلمين بل غيرهم أيضا إلا أن يراد البعث في الرجعة.
(٨١) قوله في القول ٥٦ (فحسابهم جزاؤهم بالاستحقاق)
أقول: وفسر حساب المؤمنين بأنه عبارة عن موافقة العبد ما أمر به. و
(٨٢) قوله في القول ٥٨ (يقوله المسلمون…)
لقد سلك الشيخ المفيد قده في مسألة البداء مسلكا لا يوجد طريق أقوى في الحجة ولا أخصر منه، وذلك لأن النسخ أمر ثابت في الشريعة بضرورة من الدين، ودلالة الكتاب المبين، والأحاديث المتواترة عن الرسول الأمين وأهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
والبداء أمر يختص بالشيعة الإمامية، وقد عده العلماء والمتكلمين من ضروريات مذهبهم، والروايات عن الأئمة الطاهرين في لزوم الاعتقاد به، و التوبيخ في إنكاره متواترة، وقل من العلماء من لم يكتب كتابا مستقلا فيه.
ولكن بقدر اهتمام أئمة الشيعة وعلمائهم في إثباته، اهتم المخالفون بإنكاره والتشنيع على معتقديه، ولكن يتلخص جميع ما ذكروه في شبهة واحدة، وهي لزوم جهله (تعالى) أولا ثم حصول علمه بعد مدة كما نسبه الأشعري في مقالاته إلى الشيعة.
وقد أشار الشيخ المفيد قده إلى الجواب الحلي في ضمن الجواب النقضي بقوله (أقول في البداء ما يقوله المسلمون بأجمعهم في النسخ)، توضيح الجواب:
(٨٣) أما قوله (فأما إطلاق لفظ البداء… فإنما صرت إليه بالسمع…)
أقول: إن كان متعلق البداء هو الله تعالى بأن نقول بدا لله فحينئذ يكون البداء بمعنى الابداء، وإن كان متعلقه الناس بأن نقول مثلا (بدا للشيعة أن وصي الإمام الهادي هو ابنه الحسن بعد ما كانوا لا يشكون في أنه ابنه محمد) وكما في قوله (تعالى) (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) ٤٧ الزمر فالبداء بمعنى ظهور أمر خفى وأشار بقوله (وكل من فارقها في المذهب ينكره على ما وصفت من الاسم دون المعنى) إلى أن النزاع لفظي وإن منشأ إنكار البداء من المخالفين
(٨٤) قوله في القول ٥٩ (إن الأخبار جاءت مستفيضة…)
قد جمعها الشيخ المحدث النوري في كتاب فصل الخطاب، وردها العلامة البلاغي في تفسير آلاء الرحمن وسيدنا الأستاذ الخوئي (ره) في كتاب البيان بما لا مزيد عليه، وإن كان في بعض أجوبته دام ظله تكلف بل تعسف.
(٨٥) قوله (لم يرتب بما ذكرناه)
يرتب مضارع ارتاب، صار مجزوما بلم، أي لم يشك في حصول التقديم والتأخير وغير ذلك، وقد نسبه في أول الكتاب إلى جميع الإمامية حيث قال (واتفقوا على أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن، وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي (ص)…) راجع القول ١٠.
(٨٦) قوله (ومعي بذلك حديث)
يعني على نفي الزيادة والنقصان أو الأول فقط والمراد به ما رواه الكليني عن سفيان بن السمط قال سألت أبا عبد الله (ع) عن تنزيل القرآن قال: اقرؤا كما علمتم وفي رواية (اقرؤا كما تعلمتم).
(٨٧) قوله في القول ٦٠ (في جنات الخلود…)
أقول: يتبادر إلى الذهن أن ما ذكره في هذا الفصل لا يرتبط بالوعيد أصلا، نعم ما ذكره في القول ١١ عين الوعيد، ولكن حقيقة مبني قبول الوعيد وإنكاره
(٨٨) قوله في القول ٦٢ (ليس يكفر)
أقول: هناك مسألتان لكل منهما شقين:
الأولى هل الإيمان ملازم للمعرفة، والكفر للجهل، بحيث يصح أن يقال كل عارف بالله مؤمن به وبالعكس وإن كل جاهل بالله كافر به وبالعكس أو لا؟
والثانية هل الطاعة والعمل الصالح يلازمان الإيمان وبالعكس، وهل الكفر يلازم عدم صدور الطاعة والعمل الصالح بل امتناعه أو لا؟
فالشيخ قده ذكر من المسألة الأولى أحد شقيه وهو المنافاة بين المعرفة و الكفر، وذكر من المسألة الثانية أحد شقيه وهو المنافاة بين الكفر والطاعة، و أسقط من كل منهما للطرف الآخر.
وأما مسألة اجتماع الكفر مع معرفة الله (تعالى) وعدمه، فالظاهر أن المراد به الملازمة بين المعرفة والإيمان وبين الجهل والكفر – والمشهور بين الشيعة خلافه وأن الكفر يجتمع مع العلم والمعرفة من باب العناد والجحود كما قال (تعالى) وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ١٤ النمل وأما الإيمان فلا ينفك عن المعرفة فنصف ما ذكره الشيخ وهو عدم تصور الإيمان بدون المعرفة موافق للمشهور ونصفه وهو عدم اجتماع الكفر مع العلم و المعرفة خلاف المشهور.
(٨٩) قوله في القول ٦٣ (ومعي بهذا القول أحاديث عن الصادقين (ع))
(٩٠) قوله (وهو مذهب كثير من المتكلمين في الارجاء)
أقول: ربط هذه المسألة بالارجاء من جهة أن مبنى الارجاء على أن الأصل هو العقيدة، وأن العمل إما لا دخل له أصلا كما تقوله المرجئة أو أن دخالتها فرعية في المترتبة الثانية من الإيمان كما تقوله الشيعة، وعلى التقديرين فالقول بالموافاة وهو أن من ختم له بالإيمان وكان طول عمره كافرا لا يمكن عده مؤمنا إلا على القول بأن دخالة العمل فرعية كما هو مقتضي الارجاء، وأما على القول بدخالته بالأصالة كما يقوله مخالفو الارجاء من الخوارج والمعتزلة فكيف يمكن الحكم بإيمان من ختم له بالإيمان وكان طول عمره عاصيا لله (تعالى).
وكذلك من ختم له بالكفر وكان طول عمره مطيعا ظاهرا ويعمل الأعمال الصالحة، فإن عده كافرا على القول بالارجاء – وهو قلة الاهتمام بالعمل – يمكن استنتاجه، وأما بناء على قول المخالفين للإرجاء، وهو أن العمل هو الأصل في كون الانسان مؤمنا كما يقوله الخوارج، أو في نجاة المؤمن من النار ودخوله الجنة كما تقوله المعتزلة، فلا يمكن القول بسقوط كل الأعمال التي عمله طول عمره لأجل الكفر الذي ختم به أمره.
والحاصل أن كلا شقي الموافاة يبتني على الارجاء بالمعنى المصطلح عند
(٩١) قوله في القول ٦٤ (بالإضافة)
أقول: أصل وجود الصغيرة والكبيرة مما لا خلاف فيه لقوله (تعالى) إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ٣١ النساء وقوله (تعالى) الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة ٣٢ النجم وقوله (تعالى) والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش و إذا ما غضبوا هم يغفرون ٣٧ الشورى وقوله (تعالى) حاكيا عن الكفار يوم القيامة:
ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها و وجدوا ما عملوا حاضرا ٤٨ الكهف.
مضافا إلى الأخبار المتواترة في هذا الباب ذكر طوائف منها في الوسائل في ضمن أبواب، منها باب وجوب اجتناب الكبائر، وباب صحة التوبة من الكبائر وغيرها.
وعلى هذا فننظر في معنى قوله (بالقياس إلى الآخر) لا إشكال أن هذا اعتراف بوجود الصغر والكبر بالقياس ولكن ما هو ملاك الصغر والكبر القياسي والإضافي، لأن هذا أيضا يحتاج إلى ملاك، فهل الملاك، كبر العمل خارجا وصغره؟ لا إشكال في أن هذا ليس صحيحا لوجود أعمال صغيرة الحجم كبيرة المعصية وبالعكس.
فكل عمل كان موجبا للبغض والسخط الشديد لله (تعالى) فهو معصية كبيرة، وكل عمل كان سببا لبغضه (تعالى) وسخطه أقل منه يكون معصية صغيرة، وقد ثبتت الشدة والضعف في المبغوضية وفي كون العمل باعثا لسخطه (تعالى) وإن كان ذاته (تعالى) لا تفاوت فيها ولا فيما يرجع إليها، فيكفي في ثبوت الصغر والكبر ما ذكرناه والظاهر أن الشيخ المفيد قده أراد أيضا بنفي الصغيرة أولا وإثباته بالإضافة ما ذكرناه.
(٩٢) قوله (أهل الإمامة والإرجاء)
أقول: اتفاق الشيعة والمرجئة يكون في دعوى تساوي الذنوب ذاتا و اختلافها بالإضافة، وأما نوع التساوي فالشيعة أبعد الفرق عن المرجئة هنا، و ذلك لأن المرجئة تدعي أن الذنوب كلها صغائر واقعا، وإنما توصف ما توصف بالكبيرة منها بالإضافة، وإلا فلا كبيرة في المعاصي عندهم، وذلك لأن
(٩٣) قوله في القول ٦٥ (إن لأخص الخصوص صورة)
المراد به الألفاظ التي لا تشمل إلا واحدا كما ذكره الشيخ قده في العدة، و أما قوله (وليس لأخص العموم ولا لأعمه صيغة) فعدم وجود صيغة لأخص العموم واضح لأن حده ما ينتهي إليه التخصيص وليس له حد معين، إلا أن يلزم الاستهجان العرفي وتخصيص الأكثر.
وأما عدم وجود صيغة لأعم العموم فهذا محل الخلاف بين الأصوليين فالشيخ المفيد والمرتضى وجماعة ذهبوا إلى ذلك واختار الشيخ في العدة و تبعه أكثر الأصوليين إلى زماننا هذا وجود صيغ للعموم هي حقيقة فيه.
وهناك نكتة تجب الإشارة إليها، وهي علة ذكر هذا البحث في علم الكلام أشار العلامة الزنجاني إليها بقوله (الكلام في…) أقول: لقد أجاد فيما أفاد إلا أن موارد الاستفادة من هذا البحث لا تنحصر في آيات الوعيد في مقابل الوعيدية، بل يبحث أيضا عن آيات تتمسك بها المرجئة على عدم أهمية العمل أو قلتها كقوله (تعالى) إن الله يغفر الذنوب جميعا وقوله (ع) حب علي حسنة لا تضر معها سيئة والرواية المتفق عليها من أن من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة وغير ذلك من العمومات التي تتمسك بها الفرق الضالة لإثبات مرامها، أو تجيب عن أدلة الإمامية بمبانيها التي اتخذتها في مسألة العموم و
(٩٤) قوله (ووافق الراجئة أهل الاعتزال)
إما تكون الجملة مستأنفة والراجئة منصوبة، وأهل الاعتزال مرفوعة، يعني إنهم أيضا ذهبوا إلى عقيدة الراجئة في العموم والخصوص. وإما أن تكون الجملة معطوفة على قوله شذ يعني إلا من شذ من الإمامية ووافق الراجئة الذين هم أهل الاعتزال ولازمه تقسيم الراجئة إلى قسمين الموافقين لأهل الاعتزال والمخالفين لهم وكيف كان فالعبارة غير واضحة المراد.
(٩٥) وقوله (وكافة متكلمي الإمامية)
الظاهر أنه قده استفاد هذا من إجماعهم على عدم قبول حمل عمومات الوعيد على العموم، وإلا فقد أشرنا إلى أنه خلاف الواقع.
فعقيدة الشيعة أن هناك ألفاظا هي حقيقة في العموم لا يحتاج حملها عليه على قرينة، بل يكفي عدم القرينة على التخصيص، نعم إذا ثبت وجود القرينة على الخصوص لا يحمل على العموم ومن موارده عمومات الوعيد.
(٩٦) قوله في القول ٦٦ (بل أقيدهما جميعا)
أقول: في العبارة إبهامات عديدة:
ألف: إن ظاهر عبارته تقابل الإيمان مع الفسق حيث قال مؤمن بما معه…
وفاسق بما معه الخ مع إنه لا يلتزم به لا هو ولا غيره إلا الخوارج القائلين بكفر مرتكب الكبيرة.
ولكن هناك نكتتان تنحل بهما جميع الإبهامات:
أحدهما أن يكون قصده من هذين التقييدين الإشارة إلى دخل المعاصي في الإيمان كما يظهر من الآيات والروايات وهذا وإن كان أقرب إلى مراده من جهة، ولكن يرد عليه أنه إما أن يريد عدم الإيمان في الفاسق أو يريد ضعفه وقلته، فالأول مخالف لقول الشيعة وأكثر المسلمين ويوافق الخوارج و المعتزلة والثاني يقتضي صحة الإطلاق بدون التقييد، فإن من عنده الإيمان ولو ضعيفا يصح إطلاق المؤمن عليه من دون تقييد.
الثاني أن يكون بحثه في التسمية والاطلاق اللفظي كما يشير إليه عنوان البحث (بالأسماء والأحكام) وقوله (لا أطلق… في تسميتهم… وامتنع من الوصف لهم بهما من الإطلاق وأطلق لهم اسم الاسلام…) فالفاسق وإن كان مؤمنا واقعا فإطلاق كلمة المؤمن عليه بلا قيد لا يجوز عند الشيخ وكذا إطلاق الفاسق، وحينئذ ينحل جميع الاشكالات ولا يرد عليه قده شئ.
(٩٧) قوله في القول ٦٧ (بما قدمت ذكره)
(٩٨) قوله (وإن ترك فعل أمثال الخ)
يعني تركه من دون ندم على ما سبق مع العزم على ترك المعاودة في المستقبل أو بالعكس بأن كان الندم موجودا بدون العزم، أو انتفيا معا بأن تركه لعدم خطور المعصية بباله أو لعدم اشتهائه لها أو لعدم قدرته عليها أو لتضرره بها، أو فعلها فتركها للضرر الدنيوي لا لله (تعالى).
(٩٩) قوله في القول ٧٠ (سئل الناس الصلة)
أقول: لا إشكال في أن من كان عليه شئ من حقوق الناس ولم يتمكن من إيصالها إلى أصحابها أصلا بوجه من الوجوه يكتفي بالاستغفار لنفسه و لصاحب الحق، ويسأل الله (تعالى) أن يرضى عنه، ولكن البحث في أن من يمكنه رد حقوق الناس عن طريق السؤال هل يعد هذا متمكنا حتى يجب عليه السؤال والخروج عن حقوق الناس بهذا الطريق، أو أنه يعد عاجزا يكتفي بالاستغفار كما مر؟
مقتضى التحقيق الفرق بين موارد السؤال: إذ لا إشكال في أن السؤال من الأصدقاء والأقارب إذا كان على نحو لا يستلزم وهنا للمؤمن وذلة يجب للخروج عن دين من يطلب طلبا حثيثا، وأما السؤال عن العامة أو الأقارب على طريق التكدي ونحوه مما يستلزم الوهن الشديد، خصوصا إذا كان صاحب الدين لا يطالب بالشدة فلا يلزم، بل ربما يحرم، ولعل المصنف قده نظر في حكمه هذا
(١٠٠) قوله في القول ٧٠ (وعوض المظلومين عنهم)
أقول: المشهور على ألسنة العوام أن حق الناس لا سبيل إلى التخلص منه إلا عن طريق أصحابها وأن الله (تعالى) لا يتدخل فيها سواء كان من عليه الحق عاجزا عن الاستحلال عن ذي الحق أو لا؟
ولكن مقتضى كونه (تعالى) مالكا لرقاب العبيد وأن العبد وما في يده و ما في ذمته لمولاه عدم لزوم محذور من تحليله ابتداء فضلا عن ترضيته لذي الحق واستحلاله عنه بما شاء وكيف شاء.
وقد وردت نصوص عن الأئمة المعصومين عليهم السلام تدل على ترضيته تعالى لذي الحق؟ منها ما ورد في دعاء يوم الاثنين من الصحيفة السجادية (… وأسألك في مظالم عبادك عندي فأيما عبد من عبيدك أو أمة من إمائك كانت له قبلي مظلمة ظلمتها إياه في نفسه أو في عرضه أو في ماله أو في أهله أو ولده أو غيبة اغتبته بها أو تحامل عليه… فقصرت يدي عن ردها إليه والتحلل منه فأسألك يا من يملك الحاجات… أن تصلي على محمد وآل محمد وأن ترضيه عني بما شئت…