الرد على الفتاوى المتطرفة / الصفحات: ٨١ – ١٠٠
وفي رحلة ابن بطوطه: ١/٢٢٠:
(قبور الخلفاء ببغداد وقبور بعض العلماء والصالحين بها…. وبقرب الرصافه قبر الإمام أبي حنيفة، وعليه قبة عظيمه وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر، وليس بمدينة بغداد اليوم زاوية يطعم الطعام فيها ماعدا هذه الزاوية. وبالقرب منها قبر الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل، ولا قبة عليه. ويذكر أنها بنيت على قبره مراراً فتهدمت بقدرة الله تعالى. وقبره عند أهل بغداد معظم، وأكثرهم على مذهبه، وبالقرب منه قبر أبي بكر الشبلي من أئمة المتصوفة) .
عاشراً: كيف تعمد ابن تيمية خلط المفاهيم لتكفير المتوسلين!
تعمد ابن تيمية الخلط بين النداء، والتوسل، والإستشفاع، والإستغاثة، والدعاء، والعبادة! فجعلها كلها عبادة للمنادى والمتوسل به والمستشفع به والمستغاث به! فعندما تقول: يارسول الله أتوسل بك، أو: أستشفع بك، أو: أغثني، فقد عبدته بزعمه!
لقد افترض مسبقاً أن المتوسل أو المستغيث بالنبي صلى الله عليه وآله (يدعوه) وجعل معنى يدعوه يطلب منه وليس من الله تعالى! فقال له: إنك اعترفت أنك دعوت الرسول أو الولي بدل الله! فأنت إذن كافر!
وهذا من أسوأ أنواع المصادرة على المطلوب، حيث قام بلف الحكم المتنازع فيه في لفافة، وجعله جزءً من مقدمة مسلَّمة عند
ومثال ذلك:
أن يتوسل شخص الى رئيس مكتب الملك، ليتوسط له عند الملك! فيقول له ابن تيمية: إنك تعديت على شرعية الملك وجعلت رئيس مكتبه هو الملك! فعملك هذا انقلاب على الملك تستحق به الإعدام!!
وقد حاول ابن تيمية أن يستدل على هذه المصادرة المفضوحة بأن المستغيث يطلب من الرسول صلى الله عليه وآله أو الولي مالا يقدر عليه إلا الله تعالى، وهذا يستلزم أنه يؤلهه! لكن هذا كذب وافتراء على المسلمين، لأن المتوسلين منهم يعرفون أن الأمر كله لله تعالى، وأنه ليس للنبي صلى الله عليه وآله ولالمخلوق مع الله ذرة شراكة، وإنما يستشفع بنبيه لكرامته على ربه! فهو يطلب من الله بواسطة نبيه، أو يطلب من نبيه أن يشفع له الى ربه!
ومن الطريف أن ابن تيمية يدعي أن (لازم المذهب ليس مذهباً) فعندما يقال له يلزم على قولك هذا أن يكون الله تعالى جسماً.. يجيب إن لازم المذهب ليس بمذهب! أي يصح له أن يلتزم بشئ ولا يلتزم بلوازمه! فلماذا لايجوز ذلك لغيره؟!
ومثال ذلك أيضاً:
أن تتعطل سيارتك في الطريق،فترى شخصاً وتناديه: يامحمد ساعدني، أغثني، أتوسل بك.. فهل يقول عاقل بأنك عبدته؟!
ونفس الكلام في من يتوسل أو يستغيث بنبيه صلى الله عليه وآله، فهو لايعبده، وإنما يطلب مساعدته بما له من مقام وكرامة عند ربه تعالى.
حادي عشر: شيطنة ابن تيمية في نقل التوسل من الفقه الى أصول العقائد!
كانت مسألة التوسل والإستشفاع والإستغاثة لمدة ثمانية قرون مسألة فقهية، وكان فقهاء المذاهب جميعاً، يبحثونها في باب الحج والزيارة، فيذكرون صورها، ويفتي مفتيهم بجواز بعض فروعها وحرمة بعضها!
حتى جاء شخص حراني نصبه الحاكم المملوكي الشركسي لمدة قليلة بمنصب (شيخ الاسلام في الشام) أي قاضي القضاة، فابتدع في هذه المسألة ونقلها من فروع الفقه الى أصول الدين! من أجل أن يكفَّر مسلمي عصره والعصور المتقدمة، لأنهم يتوسلون بنبيهم الميت صلى الله عليه وآله!!
ومثل هذا كما إذا نقلنا مادة جزائية من القانون التجاري أو القانون الجنائي، وجعلناها في مواد مخالفة الدستور، ومن اختصاص أمن الدولة؟ ففي هذه الحالة سيكون الفرق على مرتكبها كبيراً، لأن التهمة الجنائية أصعب من التهمة الجزائية، وأصعب منهما تهمة الإخلال بالأمن!!
وما فعله ابن تيمية هو أنه نقل مخالفة المتوسلين من مجرد مخالفة للشرع، وجعلها إخلالاً بأصول الدين وارتكاباً للشرك! فبذلك فقط يستطيع أن يحكم عليهم بالكفر ويستحل قتلهم، ويستبيح أموالهم وأعراضهم!!!
ثاني عشر: هل كذَّب ابن تيمية نفسه وجوَّز التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله؟!
نقل أتباع ابن تيمية عنه أنه تراجع عن رأيه عندما سجنوه في مصر وحاكموه على آرائه الشاذة، ومنها تحريم التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله.
قال السقاف في رسالته: البشارة والإتحاف بما بين ابن تيمية والألباني في العقيدة من الإختلاف: (فصل: أما مسألة التوسل فقد اختلف آراء دعاة السلفية فيها بشكل ملحوظ، مع أن الموجودين في الساحة منهم اليوم يقولون بأن هذه المسألة من مسائل العقائد، وليست كذلك قطعاً.
أما ابن تيمية فقد أنكر في كتابه (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة) التوسل ومرادنا التوسل بالذوات، ثم رجع عن ذلك كما نقل تلميذه ابن كثير في البداية والنهاية: ١٤/٤٥، حيث قال: قال البرزالي: وفي شوال منها شكى الصوفية بالقاهرة على الشيخ تقي الدين، وكلموه في ابن عربي وغيره الى الدولة فردوا الأمر في ذلك الى القاضي الشافعي، فعقد له مجلس وادعى عليه ابن عطاء بأشياء فلم يثبت عليه منها شئ، لكنه قال: لايستغاث إلا بالله لا يستغاث بالنبي استغاثة بمعنى العبادة، ولكن يتوسل به ويتشفع به الى الله. فبعض الحاضرين قال ليس عليه في هذا شئ، ورأى القاضي بدر الدين بن جماعة أن هذا فيه قلة أدب) . انتهى.
ويؤيد ما ذكره السقاف ما يبدو من كلام ابن تيمية في رسالته التي كتبها من سجنه، والمنشورة في مجموعة رسائله حيث قال في ص ١٦:
ثالث عشر: ابن عبد الوهاب وحفيده والبدير.. زادوا على ابن تيمية!
جاء في (عقائد الاسلام لمحمد بن عبد الوهاب ص٢٦) :
(فمن قصد شيئاً من قبر أو شجر أو نجم أو نبي مرسل لجلب نفع أو كشف ضر، فقد اتخذ إلهاً من دون الله، فكذب بلا إله إلا الله، يستتاب وإلا قُتل، وإن قال هذا المشرك: لم أقصد إلا التبرك وإني لأعلم أن الله هو
وهذا هو الإفراط والتنطع الذي عانى منه المسلمون الكثير، وما زالوا.
وقال الشيخ سليمان حفيد ابن عبد الوهاب في تيسير العزيزالحميد ص٢٠٩:
فحديث الأعمى شئ، ودعاء غير الله تعالى والإستغاثة به شئ آخر. فليس في حديث الأعمى شئ غير أنه طلب من النبي (ص) أن يدعو له ويشفع له، فهو توسل بدعائه وشفاعته، ولهذا قال في آخره: اللهم فشفعه فيَّ، فعلم أنه شفع له. وفي رواية أنه طلب من النبي (ص) أن يدعو له! فدل الحديث على أنه (ص) شفع له بدعائه، وأن النبي (ص) أمره هو أن يدعو الله، ويسأله قبول شفاعته. فهذا من أعظم الأدلة أن دعاء غير الله شرك لأن النبي (ص) أمره أن يسأل قبول شفاعته، فدل على أن النبي (ص) لا يدعى، ولأنه (ص) لم يقدر على شفائه إلا بدعاء الله له. فأين هذا من تلك الطوام؟! والكلام إنما هو في سؤال الغائب (يقصد النبي بعد موته) أو سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله! أما أن تأتي شخصاً يخاطبك (يعني شخصاً حياً) فتسأله أن يدعو لك، فلا إنكار في ذلك على ما في حديث الأعمى. فالحديث
ثم انظر كيف افترض أن المستشفع (يدعو) النبي صلى الله عليه وآله من دون الله تعالى، ويطلب منه نفسه ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى!! كل ذلك ليثبت أن المسلم المستغيث الى الله برسوله قد كفر واستبدل عبادة الله بعبادة الرسول! ويستحل بذلك قتله وأخذ ماله وعرضه!!
وإن سألته عن دليله على أن المتوسلين والمستشفعين يدعون الرسول صلى الله عليه وآله من دون الله.. يجيبك كما قال جده ابن عبد الوهاب: إنه مشرك يعبد غير الله، حتى لو اعتقد أن الضار النافع هو الله فقط!!
أما البدير فيقول: (والاستغاثة بالأموات، والاستعانة بهم، أو طلب المدد منهم، أو ندائهم وسؤالهم لسد الفاقة وجلب الفوائد ودفع الشدائد، شركٌ أكبر! يخرج صاحبه عن ملة الاسلام، ويجعله من عُبَّاد الأوثان) . انتهى.
وبذلك حكم على كل المسلمين بالكفر، لأنهم يقولون: يانبي الله إنا نتوسل بك الى الله، ونستشفع بك اليه، ونستغيث بجاهك عنده اليه أن يرحمنا!! وحكم كذلك بوجوب قتلهم وجعل أموالهم غنائم ونسائهم وبناتهم إماءً، له وللمطوعين الذين على شاكلته! ولاحول ولا قوة إلا بالله.
المسألة السادسة
زعمه أن الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسيلة للشرك!
قال البدير: (المخالفة الرابعة: دعاء الله عند القبر، أو اعتقاد أن الدعاء عنده مستجاب، وذلك فعل محرم، لأنه من أسباب الشرك.
ولو كان الدعاء عند القبور أو عند قبر النبي (ص) أفضل وأثوب وأحب إلى الله وأجوب، لرغَّبنا فيه رسول الهدى (ص) ، لأنه لم يترك شيئاً يقرب إلى الجنة إلا وحث أمته عليه، فلما لم يفعل ذلك علم أنه فعل غير مشروع وعمل محرم وممنوع.
وقد روى أبو يعلى والحافظ الضياء في المختارة (أن علي بن الحسين (رضي الله عنهما) رأي رجلاً يجيئ إلى الفرجة كانت عند قبر النبي (ص) فيدخل فيها فيدعو، فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته عن أبي عن جدي رسول الله (ص) : لاتتخذوا قبري عيداً، ولابيوتكم قبورًا، وصلوا عليَّ فإن تسلميكم يبلغني أين كنتم) . انتهى.
أولاً: ماهو الأصل الأولي في الأشياء عندهم؟
نلاحظ أن البدير استدل على تحريم الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وآله بأن النبي لم يأمرنا به ولم يحثنا عليه! كأنه يقول: وحيث لم يرد فيه نص فهو حرام! فهل يلتزمون في أصول فقههم بأن الأصل في الأشياء الحرمة حتى يرد فيها نص؟!
كلا! فهم يستعملون في حياتهم عشرات الوسائل والمئات مما لم يرد فيها نص، وحجتهم أنها مباحة لأنه لم يرد فيها تحريم!
ثم يناقضون أنفسهم فيستدلون على ما يريدون تحريمه بأنه لانص فيه، مثل إهداء الزهور للمريض، ووضع الرياحين على القبر، وقراءة الفاتحة عنده، والإحتفال بالمولد النبوي الشريف، وعشرات الأمور التي يحرمونها تحكماً بغير دليل إلا قولهم لم يأمر بها النبي صلى الله عليه وآله أو لم يفعلها!
وعندما تقول لهم حددوا موقفكم، فإن كان الأصل فيما لانص فيه الحرمة، فالتزموا به في كل أموركم وحرموا كل شئ لم يرد فيه نص. وإن كان الأصل الحلية والإباحة، فلماذا تحرمون ما أحل الله بحجة عدم النص؟! وكم سألناهم فتهربوا من الجواب لأنهم يريدون الإستدلال بالشئ ونقيضه! فمرة يجعلون الأصل في الأشياء الإباحة والحلية ويحللون، ومرات ومرات يجعلون الأصل فيها الحرمة ويحرمون!
وقد رد علماء الأصول من كل المذاهب مقولة أن الأصل في كل
قال سيد سابق في فقه السنة ج٣ ص٢٨٨:
(أما ما سكت الشارع عنه ولم يرد نص بتحريمه فهو حلال، تبعاً للقاعدة المتفق عليها وهي أن الأصل في الأشياء الإباحة، وهذه القاعدة أصل من أصول الاسلام. وقد جاءت النصوص الكثيرة تقررها، فمن ذلك قول الله سبحانه (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) سورة البقرة:٢٩، وروى الدارقطني عن أبي ثعلبة أن رسول الله (ص) قال: إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدَّ حدوداً فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمةً لكم غيرَ نسيان، فلا تبحثوا عنها) …الخ.
وفي كشاف القناع للبهوتي: ١-١٩٠:
(إذ الأصل في الأشياء الإباحة إلا لدليل) . وفي مجموع النووي:١-٢١٠: (ومذهبنا
والبحث الذي ابتدعه ابن تيمية ليس في أصل الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وآله بل في اتجاه الزائر في حال زيارته للنبي صلى الله عليه وآله وهل يتجه الى قبر النبي أو الى القبلة؟ ثم في اتجاه الداعي في حال دعائه الله تعالى بعد زيارة النبي صلى الله عليه وآله، وهل يبقى متجهاً الى القبر، أو يجب أن يتجه الى القبلة؟!
وقد حرم ابن تيمية الإتجاه في حال الدعاء الى القبر، وليس أصل الدعاء عند القبر الشريف، كما فعل هذا الشيخ المفرط!
قال الألباني في كتابه في أحكام الجنائز ص ١٩٥:
(قلت: فإذا كان الدعاء من أعظم العبادة فكيف يتوجه به إلى غير الجهة التي أمر باستقبالها في الصلاة، ولذلك كان من المقرر عند العلماء المحققين أنه لايستقبل بالدعاء إلا ما يستقبل بالصلاة. قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في اقتضاء الصراط المستقيم ١٧٥: (وهذا أصل مستمر أنه لايستحب للداعي أن يستقبل إلا ما يستحب أن يصلي إليه، ألا ترى أن الرجل لما نهي عن الصلاة إلى جهة المشرق وغيرها، فإنه ينهى أن يتحرى استقبالها وقت الدعاء. ومن الناس من يتحرى وقت دعائه استقبال الجهة التي يكون فيها الرجل الصالح، سواء كانت في المشرق أو غيره، وهذا ضلال بين وشر واضح….
وتابع الألباني عن إمامه ابن تيمية:
وذكر قبل ذلك بسطور عن الإمام أحمد وأصحاب مالك أن المشروع استقبال القبلة بالدعاء حتى عند قبر النبي (ص) بعد السلام عليه. وهو مذهب الشافعية أيضاً…. فقال شيخ الاسلام في القاعدة الجليلة، في التوسل والوسيلة ص ١٢٥: (ومذهب الأئمة الأربعة مالك
وحيث أجمعت المذاهب وفق مذهب أهل البيت الطاهرين عليهم السلام على مشروعية الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وآله فقد تحقق إجماع المسلمين، ولم يبق أي قيمة لقول البدير ومن يحرمه، ويعتبره من أسباب الشرك؟!
أما استقبال القبر الشريف عند الزيارة فهو طبيعي عند كل البشر، وأما في حالة الدعاء بعد الزيارة، فيستحب في مذهب اهل البيت عليهم السلام أن يستقبل القبلة ولو جعل القبر خلف كتفيه، ففي الكافي ج٤ ص٥٥١، في حديث صحيح عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (وإن كانت لك حاجة فاجعل قبر النبي صلى الله عليه وآله خلف كتفيك واستقبل القبلة وارفع يديك، واسأل حاجتك، فإنها أحرى أن تقضى إن شاء الله) . انتهى.
لكن ذلك لايعني أن نضلل أو نكفر المسلم إذا دعا الله وهو متجه
بينما قال الحصني الدمشقي في دفع الشبه عن الرسول صلى الله عليه وآله ص٢٠١:
(وأما الدعاء عند القبر فقد ذكره خلق، ومنهم الإمام مالك، وقد نص على أنه يقف عند القبر، ويقف كما يقف الحاج عند البيت للوداع ويدعو، وفيه المبالغة في طول الوقوف والدعاء، وقد ذكره ابن المواز في الموازية فأفاد ذلك. إن إتيان قبر النبي صلى الله عليه وسلم والوقوف عنده والدعاء عنده من الأمور المعلومة عند مالك، وأن عمل الناس على ذلك قبله وفي زمنه، ولو كان الأمر على خلاف ذلك لأنكره، فضلاً عن أن يفتي به أو يقره عليه. وقال مالك في رواية ابن وهب: إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا يقف ووجهه إلى القبر، لا إلى القبلة، ويدعو ويسلم، ولا يمس القبر بيده) . انتهى. وقد ذكر ذلك عن فقهاء حنابلة، وآخرين أيضاً، فراجع.
ثالثاً: رد ما نسبه البدير الى الإمام زين العابدين عليه السلام
نلاحظ أن البدير وأئمته إنما يذكرون أهل البيت النبوي عليهم السلام عندما يجدون حديثاً موضوعاً منسوباً الى أهل البيت عليهم السلام يوافق أهواءهم!
والحديث الذي ذكره عن الإمام زين العابدين عليه السلام، من هذا النوع، وهو لايتم حتى على موازينهم لا سنداً، ولا دلالة!
أما سنداً، فقد رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده: ج١ ص٣٦١، قال: (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا جعفر بن إبراهيم من ولد ذي الجناحين قال: حدثنا علي بن عمر، عن
وأما دلالةً، فإن الحديث ليس فيه نهي عن الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وآله لأن النهي فيه عن الدخول من الفرجة الى القبر، والكلام المروي فيه عن النبي صلى الله عليه وآله ليس فيه ذكرٌ للدعاء عند قبره!!
والأغرب من هذا أن ابن تيمية استدل بحديث الإمام زين العابدين عليه السلام على أن قصد قبر النبي صلى الله عليه وآله للسلام حرام، والدعاء عنده حرام! وهو من نوع كلام الجرائد، لايستعمله طالب في الإستدلال الفقهي!
قال في الإقتضاء ص١٥٥- ١٥٦، على مانقله عنه الألباني في أحكام الجنائز ص٢٢٠: (فهذا أفضل التابعين من أهل بيته علي بن الحسين رضي الله عنهم نهى ذلك الرجل أن يتحرى الدعاء عند
والعجيب هنا أنه يمدح أهل البيت النبوي لتخيله أن روايتهم وافقت هواه!
رابعاً: فضيحتهم في تحريم الإعتقاد بأن الدعاء عند النبي صلى الله عليه وآله مستجاب!
لم يكتف البدير بتحريم الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وآله، حتى جعل اعتقاد المسلم بأن الدعاء عند قبر نبيه معصية تؤدي الى الشرك! قال: ” المخالفة الرابعة: دعاء الله عند القبر، أو اعتقاد أن الدعاء عنده مستجاب، وذلك فعل محرم، لأنه من أسباب الشرك “.!!
ولو كان القائل غير مسلم، لقلنا إنه يستعمل أسلوباً خبيثاً لتنقيص مقام النبي صلى الله عليه وآله وتشكيك المسلمين فيه، وإبعادهم عن زيارته
ولعلك لو قلت لأحدهم: إن لي حاجة الى الله، وأنا ذاهب الى بغداد لزيارة قبر ابن حنبل، أو الى الشام لزيارة قبر أحمد عبد الحليم بن الحاجة تيمية، لأدعو الله عند قبره، فما تقول؟ لقال لك: أحسنت وخيراً تفعل، أرجو أن يقضي الله حاجتك، لأن الدعاء عند قبره مستجاب!
نقول ذلك، لأنهم قالوا مثل هذا الكلام في إمامهم أحمد بن حنبل، وأئمتهم المجسمة مثل ابن لال الفارسي، أي الأخرس!
قال إمامهم الذهبي في سير أعلام النبلاء ج١٧ص٧٥:
(ابن لال. الشيخ الإمام الفقيه المحدث، أبو بكر أحمد بن علي بن أحمد، له: السنن ومعجم الصحابة، ما رأيت أحسن منه. والدعاء عند قبره مستجاب) !!
وقال الذهبي في سيره أيضاً ج ١٦ص٥١٩:
عن الحافظ شيرويه الديلمي: (كان ركناً من أركان الحديث ثقة…. ويستجاب الدعاء عند قبره) !
وقال في تذكرة الحفاظ ج٣ ص٩٨٥:
عن صالح بن محمد السمسار: (الحافظ الكثير الصدق المعمر أبو الفضل التميمي الهمذاني السمسار، حدث عن أبيه وعلى بن الحسن بن سعد، وله مصنفات غزيرة، توفي في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاث مائة. والدعاء عند قبره مستجاب) !!
وقد تقدمت نصوص عديدة لايمكنهم ردها في زيارتهم لقبر إمامهم ابن حنبل وغلوهم فيه، ودعائهم عنده، وتوسلهم به!!
فقليلاً من الإنصاف يا قومنا! فقد جعلتم زيارة قبور أئمتكم، والدعاء عندها، والإعتقاد باستجابة عندها، إيماناً وتسليماً!
وجعلتم زيارة قبر سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله والدعاء عنده والإعتقاد باستجابته.. معصيةً وشركاً؟!! روحي فداك يا رسول الله، كم ظلمك الجهال المتعصبون! (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً)!
خامساً: مخالفتهم لأمر القرآن بالصلاة والدعاء عند مقام ابراهيم عليه السلام
فقد خالف هؤلاء المتطرفون في فتواهم بتحريم الصلاة عند القبور قوله تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ
سادساً: تناقض أتباع ابن تيمية في حكم الصلاة عند القبر!
إذا كانت الصلاة على القبر أو عند القبر جريمة، فهل الصلاة على قبر ابن باز حلال؟! فقد كتب أحد السلفيين واسمه بندر الشعلان في شبكة الساحة العربية السلفية، بتاريخ ١٨-٠٥-١٩٩٩، سائلاً مستغرباً، قال:
(كنت في زيارة لمقبرة العدل يوم أمس الإثنين فرأيت مطوعاً يصلي على قبر سماحة الشيخ ابن باز رحمة الله عليه!
في البداية استغربت من الوضع، ولما اقتربت منه وجدته يصلي عليه صلاة الميت بعد أ كثر من ثلاثة أيام من دفنه، وأنا أعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة عند القبور.. فما هي
ثم كتب له ابن الوادي يفرق بين الصلاة على القبر والصلاة عند القبر. فأجابه أحدهم: (استغرابي هو ما عسى أن يكون الفرق بين صلاة الجنائز وسائر الصلوات، حتى حكمنا على مفردة بالشرك، وعلى المفردة الأخرى بالنزاهة من درن الشرك؟!!) .
وجرى بينهم نقاش طويل واختلاف، ولم يستطيعوا إقناع المتسائلين منهم بالفرق الذي يجعل صلاةً عند القبر إيماناً، وصلاة أخرى شركاً، مع أن نية المصلي فيهما عبادة الله تعالى، وليس عبادة صاحب القبر؟!!
وقام المشايخ كالعادة بتوبيخ السائل وشتمه! راجع نص الموضوع في الموقع.