بحوث قرآنية في التوحيد والشرك / الصفحات: ١ – ٢٠

![[image] - مركز الأبحاث العقائدية](https://www.aqaed.com/book/images/besm.gif)
الحمد للّه ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين وآله وصحبه المنتجبين.أمّا بعد،
فهذه بحوث موجزة حول التوحيد والشرك في القرآن الكريم أقدِّمُها إلى الجيل الصاعد من أبناء أُمّتنا الاِسلامية بُغية الحفاظ على كيانهم ووحدة كلمتهم وإنقاذهم من مخالب الشرك وهدايتهم إلى حظيرة التوحيد.
فانّ الهدف الاَسمى لجميع الرسل هو مكافحة الشرك وتحطيم قلاعه، قال سبحانه: (وَلَقَدْ بَعَثْنا في كُلِّ أُمّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوت) .(١)
وقد أضحت مسألة التوحيد والشرك من المسائل الهامّة في عصرنا هذا، لا سيما وأنّها صارت ذريعة لتشتيت الصفوف وتمزيق الوحدة الاِسلامية، مع أنّ الواجب على كلّ مسلم الحفاظ على توحيد الكلمة وتعزيز أواصر الاَخوَّة.
ويأتي الكلام في الموضوع ضمن مقدمة وفصول.
ج. نزل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دار هجرته والتفت حوله القبيلتان: الاَوس والخزرج، فمرَّ شاس بن قيس ـ الذي كان يحمل في قلبه ضغناً للمسلمين ـ على نفر من أصحاب رسول اللّه ص من الاَوس والخزرج في مجلس يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من أُلفتهم وجماعتهم، وصلاح ذات بينهم على الاِسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية.
فقال: قد اجتمع ملاَ بني قيلة بهذه البلاد، لا واللّه ما لنا معهم إذا اجتمع ملوَهم بها من قرار، فأمر فتى شاباً من اليهود كان معهم، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم، ثمّ اذكر يوم بُعاث، يوم إقتتلت فيه الاَوس والخزرج، وكان الظفر فيه يومئذ للاَوس على الخزرج، وكان على الاَوس يومئذ حُضير بن سماك الاَشهلي، وعلى الخزرج عمرو بن النُّعمان البياضي، فقتلا جميعاً.
دخل الشاب اليهودي مجتمعَ القوم فأخذ يذكر مقاتلتهم ومضاربتهم في عصر الجاهلية فأحيى فيهم حميَّتها حتى استعدُّوا للنزاع والجدال، وأخذ الشاب يوَجج نار الفتنة.
انّ كلمة الرسول، كشفت القناع عن الخدعة اليهودية، وأطفأت نار الفتنة في مهدها، ودخلت في القلوب الموَمنة وصيّرتهم إخواناً متحابِّين.
هذه القصة وكم لها من نظير تعكس لنا المحاولات المستميتة التي يبذلها أعداء الاِسلام بغية الاِطاحة بوحدة المسلمين وتمزيق شملهم.
ولو كان في عصر الرسول شاس أو شاسان من اليهود، ففي الوقت الحاضر المئات بل الاَُلوف منهم جنّدوا قواهم الشيطانية، وأثاروا النعرات الطائفية بين المسلمين من خلال طرح مسائل هامشية لتكدير صفوهم.
إنّ أساليب الاَعداء في إثارة الفتن لا تعدُّ ولا تُحصى، ولهم مخططات مختلفة حسب ما تقتضيه الظروف والبيئات.
هذا ومع الاعتراف بأهميته ولكن وجدت ـ من خلال البحث في التوحيد والشرك ـ مسائل هامشية صارت ذريعة للاختلاف ووسيلة للتشتت فآثرنا في هذه الرسالة المتواضعة استنطاق القرآن الكريم في هذه المسائل والاستنارة بنور السنة النبوية التي اتفق المسلمون على كونها المصدر الثاني للعقيدة والشريعة بعد الذكر الحكيم.
وأخيراً ندعو المجتمع الاِسلامي إلى ما دعا به القرآن الكريم، وقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) .
فالمسلمون ملّة واحدة يجمعهم إله واحد، وكتاب واحد، ودين واحد، وشريعة واحدة فما يجمعهم أكثر ممّا يفرقهم.
والجميع كما يقول شاعر الاهرام:
انّا لتجمعنا العقيدة أمَّة | ويضمّنا دين الهدى أتباعا |
ويؤلف الاِسلام بين قلوبنا | مهما ذهبنا في هوى أشياعا |
جعفر السبحاني
«من شهد أن لاإله إلاّ اللّه، و استقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم، له ما للمسلم وعليه ما على المسلم».(٢)
وعلى ضوء ذلك فالذي يميز الموَمن عن الكافر هو الاعتقاد بالاَُصول الثلاثة، وأمّا ما يوجب السعادة الاَُخروية فهو في ظلّ العمل بالواجبات والانتهاء عن المحرمات.
ويشير إلى الاَمر الاَوّل ما مرّ من الروايات التي تركِّز على العقيدة ولا تذكر من العمل شيئاً. كما تشير إلى الاَمر الثاني الروايات التي تركز على العمل وراء العقيدة.
إذا عرفت ما يُخرج الاِنسان من الاِيمان ويدخله في الكفر ،يعلم منه انّه لا يصح تكفير فرقة من الفرق الاِسلامية مادامت تعترف بالاَُصول الثلاثة.وفي الوقت نفسه لا تنكر ما علم كونه من الشريعة بالضرورة كوجوب الصلاة والزكاة وأمثالهما.
هذا ما نصّ عليه جمهور المتكلمين والفقهاء.(٣)
وها نحن نذكر بعض الشواهد على هذا الموضوع.
٣ ـ لاحظ المواقف للايجي: ٣٩٢.
٥. عقد البخاري باباً باسم «المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلاّ بالشرك»، يقول النبي ص: إنّك امرء فيك جاهلية، وقول اللّه: (إِنَّ اللّهَ لا يغفرُ أَن يُشْركَ بِهِ وَيَغْفرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) .(٣) – (٤)
٦. أخرج الترمذي في سننه عن ثابت بن الضحاك، عن النبي ص قال: «ليس على العبد نذر فيما لا يملك، ولا عن الموَمن كقاتله، ومن قذف موَمناً بكفر فهو كقاتله».(٥)
٧. أخرج ابو داود عن أُسامة بن زيد قال: بعثنا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)
٣ ـ النساء/٤٨.
٤ ـ صحيح البخاري: ١/١١، باب «المعاصي من أمر الجاهلية» من كتاب الاِيمان.
٥ ـ سنن الترمذي: ٥/٢٢ برقم ٢٦٣٦، كتاب الاِيمان.