بحوث قرآنية في التوحيد والشرك / الصفحات: ٢١ – ٤٠
وعلى ضوء هذه الاَحاديث المتضافرة والكلمات المضيئة عن الرسولص وعلمائنا السابقين المقتفين أثره يعلم انّ تكفير مسلم ليس بالاَمر الهيّـن بل هو من الموبقات، قال سبحانه: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظيمٌ)(٣)
لم يزل المسلمون منذ قرون غرضاً لاَهداف المستعمرين
٣ ـ آل عمران/١٠٥.
وليس هذا بعزيز في القرآن ترى أنّه سبحانه ينسب فعلاً لنفسه وفي الوقت نفسه ينسبه لشخص آخر، ولا تناقض، لاختلاف النسبتين في الاستقلال والتبعية، قال سبحانه: (اللّهُ يَتَّوَفى الاََنْفُسَ حينَ مَوتِها)(١) و قال: (حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) .(٢)
فالتوفّي على وجه الاستقلال هو فعله سبحانه، وأمّا التوفّي بحوله وقدرته وإرادته وأمره فهو فعل الرسل.
وبعبارة أُخرى: هناك فعل واحد وهو التوفّي، يُنسب إلى اللّه بنحو وإلى رسله بنحو آخر، دون أيّ تناف وتنافر بين هذين النسبتين.
ونظيره قوله سبحانه: (وَاللّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُون)(٣) وفي الوقت
٣ ـ النساء/٨١.
ويدل على ذلك طائفة من الآيات نذكر بعضها:
١. انّ الموحد يرى انّالعزة بيد اللّه سبحانه ومنطقه، قوله سبحانه: (فلِلّه الْعِزَّةُ جَميعاً) .(٢)
ولكن المشرك في عصر الرسالة كان يرى انّ العزة بيد الاَصنام والاَوثان كما يحكي عن عقيدته قوله سبحانه: (وَاتَّخَذُوا مِنْدُونِ اللّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً) .(٣)
٢. انّ الموحد يرى انّ النصر بيد اللّه تبارك و تعالى و يردّد على لسانه، قوله سبحانه: (وَمَا النَّصْرُ إِلاّمِنْ عِنْدِ اللّهِ الْعَزيزِ الحَكيم) .(٤)
ولكن المشرك في عصر الرسالة كان يعتقد بأنّالنصر بيد
٣ ـ مريم/٨١.
٤ ـ آل عمران/١٢٦.
ولكن المشرك كان يستمطر بالانواء بل يستمطر بالاَصنام.
يقول ابن هشام في سيرته: كان عمرو بن لُحَيّ أوّل من أدخل الوثنية إلى مكة وضواحيها، فقد رأى في مآب من أرض البلقاء من بقاع الشام أُناساً يعبدون الاَوثان وعندما سألهم عمّا يفعلون قائلاً: ما هذه الاَصنام التي أراكم تعبدونها؟
قالوا: هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتُمطرنا، ونستنصرها فتنصرنا، فقال لهم: أفلا تعطونني منها صنماً فأسير به إلى أرض العرب فيعبدوه؟
وهكذا استحسن طريقتهم واصطحب معه إلى مكة صنماً كبيراً يقال له «هبل» ووضعه على سطح الكعبة المشرّفة ودعا الناس
٣ ـ البقرة/١٥٥.
ى وقوله سبحانه: (قُلْ للّهِ الشَفاعةُ جَميعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالاََرْض) .(٣) ةىوقال سبحانه: (وَلا يَمْلِكُ الَّذينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَة) .(٤)
وأمّا المشرك فكان يعتقد بأنّ الشفاعة بيد الآلهة والاَرباب المزيفة، والشاهد عليه انّ الآيات الماضية نزلت رداً على عقيدة المشركين حيث كانوا يعتقدون بأنّهم مالكون مقام الشفاعة بتفويض من اللّه سبحانه ولاَجل ذلك يوَكد على نفي تلك العقيدة في آيات أُخرى، ويقول: (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمن عَهْداً)(٥) ضى وقال: (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ)(٦) وقال: (وَلا يَملِكُ الَّذينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاّ مَنْ شَهِدَ بِالحَقّ) .(٧)
٣ ـ الزمر/٤٤.
٤ ـ الزخرف/٨٦.
٥ ـ مريم/٨٧.
٦ ـ سبأ/٢٣.
٧ ـ الزخرف/٨٦.
