هوية التشيع / الصفحات: ٢١ – ٤٠
فيما مضى في فصل التمهيد انتهينا إلى أنّ التشيع في بداياته ونهاياته واحد وأنّ التطور المفترض فيه ما هو إلا تبرعم أفكار مستنبطة من الاُصول حدثت عند الممارسة. وعناوين هي ثمرة لتفاعل بين أفكار ولمقارعة حجج بعضها ببعض مما يوجد عادة في التاريخ الثقافي لكل نحلة من النحل.والآن لا بد من الرجوع إلى بداية التشيع وبذرته التاريخية واستظهار ما إذا كانت سنخيتها تتحد مع الفكر الإِسلامي أم لا. ثم ما هو حجمها أي البنية الشيعية يوم ولادتها. وما هي أرضية تكوينها. وهل هي عملية عاطفية أم عملية عقلائية إنتهى إليها معتنقوها بمعاناة وتقييم واعيين.
ولما كانت هذه الاُمور مما اختلف فيه تبعاً لاستنتاج الباحثين ومزاجهم ومسبقاتهم وما ترجح لديهم بمرجح من المرجحات فلا بد من تقديم نماذج من آراء الباحثين في هذه المواضيع تكون المادة الخام ثم يبقى على القارئ أن يستشف الحقيقة من وراء ذلك ويكوّن له رأياً يجتهد في أن يكون موضوعياً. إنّ المؤرخين والباحثين عندما يحددون فترة نشوء التشيع يتوزعون على مدى يبتدئ من أيام النبي ونهاياته بعد مقتل الحسين عليه السلام. وسأستعرض لك نماذج من آرائهم في ذلك وأترك ما أذهب إليه إلى آخر الفصل.
أ ـ رأي يرى أنهم تكونوا بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام. وممن يذهب لهذا:
أولاً:
ابن خلدون: فقد قال: إنّ الشيعة ظهرت لما توفي الرسول وكان أهل البيت يرون أنفسهم أحق بالأمر وأنّ الخلافة لرجالهم دون سواهم من قريش ولما كان جماعة من الصحابة يتشيعون لعليٍّ ويرون استحقاقه على غيره ولما عدل به إلى سواه تأففوا من ذلك(١) الخ.
ثانياً:
الدكتور أحمد أمين فقد قال: وكانت البذرة الأولى للشيعة الجماعة الذين رأوا بعد وفاة النبي أنّ أهل بيته أولى الناس أن يخلفوه (٢)».
ثالثاً:
الدكتور حسن ابراهيم فقد قال: ولا غرو فقد اختلف المسلمون أثر وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فيمن يولونه الخلافة وانتهى الأمر بتولية أبي بكر وأدّى ذلك إلى انقسام الاُمة العربية إلى فريقين جماعة وشيعية(٣).
ربعاً:
اليعقوبي قال: ويعد جماعة من المتخلفين عن بيعة أبي بكر هم النواة الاُولى للتشيع ومن أشهرهم سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود والعباس بن عبدالمطلب(٤).
وتعقيباً على ذكر المتخلفين عن بيعة الخليفة أبي بكر قال الدكتور أحمد محمود صبحي: إنّ بواعث هؤلاء مختلفة في التخلف فلا يستدل منها على أنّهم كلهم من الشيعة. وقد يكون ما قاله صحيحاً غير أنّ المتخلفين الذين ذكرهم المؤرخون أكدت كتب التراجم على أنّهم شيعة وستأتي الإِشارة لذلك في محلها من الكتاب(٥).
خامساً:
المستشرق جولد تسيهر قال: إنّ التشيع نشأ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وبالضبط بعد حادثة السقيفة(٦).
(٣) تاريخ الإِسلام: ١/٣٧١.
(٤) تاريخ اليعقوبي: ٢/١٠٤.
(٥) نظرية الإِمامة ص٣٣.
(٦) العقيدة والشريعة ص١٧٤.
ب ـ:
الرأي الذي يذهب إلى أنّ التشيع نشأ أيام عثمان ومن الذاهبين لذلك: جماعة من المؤرخين والباحثين منهم: ابن حزم وجماعة آخرون ذكرهم بالتفصيل يحيى هاشم فرغل في كتابه(١) وقد استند إلى مبررات شرحها.
ج ـ:
الرأي الذي يذهب إلى تكوّن الشيعة أيام خلافة الإِمام عليٍّ عليه السلام، ومن الذاهبين إلى هذا الرأي النوبختي في كتابه فرق الشيعة(٢). وابن النديم في الفهرست حيث حدده بفترة واقعة البصرة وما سبقها من مقدمات كان لها الأثر المباشر في تبلور فرقة الشيعة وتكوينها(٣).
د ـ:
الرأي الذي يذهب إلى أنّ ظهور التشيع كان بعد واقعة الطف على اختلاف في الكيفية بين الذاهبين لهذا الرأي حيث يرى بعضهم أنّ بوادر التشيع التي سبقت واقعة الطف لم تصل إلى حد تكوين مذهب متميز له طابعه وخواصه وإنما حدث ذلك بعد واقعة الطف بينما يذهب(٤) آخرون إلى إنّ وجود المذهب قبل واقعة الطف كان لا يعدو النزعة الروحية ولكن بعد واقعة الطف أخذ طابعاً سياسياً وعمق جذوره في النفوس وتحددت أبعاده إلى كثير من المضامين، وكثير من المستشرقين يذهبون لهذا الرأي وأغلب المحدثين من الكتاب. يقول الدكتور كامل مصطفى إنّ استقلال الإصطلاح الدال على التشيع إِنما كان بعد مقتل الحسين عليه السلام حيث أصبح التشيع كياناً مميزاً له طابعه الخاص.
في حيث يذهب الدكتور عبدالعزيز الدوري إلى أنّ التشيع تميز سياسياً ابتداءً من مقتل أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام ويتضمن ذلك فترة قتل الحسين عليه السلام حيث يعتبرها امتداداً للفترة السابقة(٥).
وإلى هذا الرأي يذهب بروكلمان في تاريخ الشعوب الإِسلامية حيث
(٣) الفهرست لابن النديم ص١٧٥.
(٤) الصلة بين التصوف والتشيع ص٢٣.
(٥) مقدمة في تاريخ صدر الإِسلام ص٧٢.
وقد شايع بروكلمان في هذا الرأي جماعة آخرون ذكرهم يحيى فرغل مفصلاً في كتابه(٢) إنّ هذه الآراء الأربعة في نشأة التشيع لا تصمد أمام المناقشة ولا أريد أن أتعجل الرد عليها فسأذكر الرأي الخامس ومنه يتضح تماماً أنّ هذه الآراء تستند إلى أحداث أو مض فيها التشيع نتيجة احتكاكة بمؤثر من المؤثرات في تلك الفترة التي أرخت بها تلك الآراء ظهور التشيع فظنوه ولد آنذاك بينما هو موجود بكيانه الكامل منذ الصدر الأول. وقد آن الأوان لأعرض لك رأي جمهور الشيعة وخاصة المحققين منهم:
هـ ـ:
رأي الشيعة وغيرهم من المحقيين من المذاهب الاُخرى. حيث ذهب هؤلاء إلى أنّ التشيع ولد أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وأنّ النبي نفسه هو الذي غرسه في النفوس عن طريق الأحاديث التي وردت على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وكشفت عما لعليٍّ عليه السلام من مكانة في مواقع متعددة رواها إضافة إلى الشيعة ثقاة أهل السنة ومنها: ما رواه السيوطي عن ابن عساكر عند تفسير الآيتين السادسة والسابعة من سورة النبي بسنده عن جابر بن عبدالله قال كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فأقبل عليّ عليه السلام
إنّ هذه الأحاديث التي مرت والتي أخرجها كل من ابن عساكر وابن عدي وابن مردويه يعقب عليها أحمد محمود صبحي في كتابه نظرية الإِمامة فيقول: ولا تفيد الأحاديث الواردة على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في حق عليٍّ عليه السلام أنّ لعليٍّ شيعة في زمان النبي فقد تنبأ النبي بظهور بعض الفرق كإشارته إلى الخوارج والمارقين كما ينسب إليه أنّه قال لعليٍّ إنّك تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. ولا يدل ذلك على وجود جماعة مستقلة لها عقائد متمايزة أو تصورات خاصة(٣) وأنا اُلفت نظر الدكتور أحمد محمود إلى انّ الشيعة لا يستدلون على ظهور التشيع أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بما ورد على لسانه من أحاديث، فالمسألة كما يسميها الأصوليون على نحو القضية الحقيقية لا الخارجية،أي لا يلزم وجودهم بالفعل كما استظره الدكتور وإنّما هي صفات ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلّم للشيعة متى وجدوا وأينما وجدوا، أما الإِستدلال على ظهور الشيعة أيام النبي فمن روايات وقرائن كثيرة يوردونها في هذا المقام، أورد قسماً منها الدكتور عبدالعزيز الدوري واستعرض مصادرها(٤) مع ملاحظة أنّه قيد
(٣) نظرية الإِمامية ص٣١.
(٤) مقدمة في تاريخ صدر الإِسلام ص٧٢.
ولهذا ذهب الباحثون إلى تخطئة من يؤرخ للتشيع وظهوره بعصور متأخرة مع أنّ الأدلة التاريخية متوفرة على وجودهم أيام الرّسول صلوات الله عليه وآله: يقول محمد بن عبدالله عنان في كتابه تاريخ الجمعيات السرية عند تعليقه على الحادثة التي روتها كتب السيرة(٣) حين جمع النبي عشيرته عند نزول قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) ٢١٤/الشعراء، ودعاهم إلى اتباعه فلم يجبه الا عليّ بن أبي طالب فأخذ النبي برقبته وقال: هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا الخ. علق محمد عبدالله بقوله: من الخطأ أن يقال: إنّ الشيعة إنما ظهروا لأول مرة عند انشقاق الخوارج بل كان بدء الشيعة وظهورهم في عصر الرسول حين اُمر بإنذار عشيرته بهذه الآية.
(٣) حياة محمد لهيكل ط مصر الطبعة المؤرخة ١٣٥٤ ص١٠٤.
الفصل الثاني
الأدلة على تكوّن الشيع أيّام النبي
١ ـ النصوص التاريخية على وصف جماعة بالتشيع أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وقد مرت الإِشارة لذلك، ولهذا يقول الحسن بن موسى النوبختي عند تحديده للشيعة:فالشيعة فرقة عليٍّ بن أبي طالب المسمون بشعية عليٍّ في زمن النبي ـ ثم عدد جماعة منهم وقال: ـ وهم أول سمي باسم التشيع لأنّ اسم التشيع كان قديماً لشيعة إبراهيم(١).
٢ ـ ما عليه جمهور البحاثين والمؤرخين الذين ذهبوا إلى أنّ التشيع ظهر يوم السقيفة فإنّ ذلك ينهص دليلاً على وجوده أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لأنّه من غير المعقول أن يتبلور التشيع باُسبوع واحد ـ أي المدة بين وجود الرسول ووفاته بحيث يتخذ جماعة من الناس مواقف معينة ويتضح لهم اتجاه له ميزاته وخواصه فإنّ مثل هذه الآراء تحتاج في تكوينها وتبلورها إلى وقت ليس بالقليل وكل من له إلمام بحوادث السقيفة وموقف الممتنعين عن بيعة أبي بكر وحجاجهم في ذلك الموضوع يجزم بأنّ تلك المواقف لم تتكوّن بوقت قصير وبسرعة كهذه السرعة وذلك لوجود اتجاهات متبلورة وتأصل في طرح نظريات معينة.
٣ ـ إنّ من غير المعقول أن ترد على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أحاديث في تفضيل
أ ـ الموقف الأول:
عندما نزل قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) ٢١٤/ من سورة الشعراء قال المؤرخون: إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم دعا علياً عليه السلام وأمره أن يصنع طعاماً ويدعو آل عبدالمطلب وعددهم يومئذ أربعون رجلاً وبعد أن أكلوا وشربوا من لبن اُعدَّ لهم قام النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وقال: يا بني عبدالمطلب إنّي والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به إنّي قد جئتكم بخير الدينا والآخرة وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم فأحجم القوم عنها جميعاً ـ يقول عليّ ـ وقلت وإنّي لأحدثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي ثم قال: إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع(١).
ب ـ الموقف الثاني:
يقول أبو رافع القبطي مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: دخلت على النبي وهو يوحى إليه فرأيت حية فنمت بينها وبين النبي لئلا يصل إليه أذى منها حتى انتهى عنه الوحي فأمرني بقتلها وسمعته يقول: الحمدلله الذي أكمل عليٍّ منته وهنيئاً عليٍّ بتفضيل الله إياه.. بعد أن قرأ قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاه ويؤتون الزكاة وهم راكعون) ٥٥/المائدة. وقد أجمع أعلام أهل السنة والشيعة على نزول هذه الآية في عليّ عليه السلام ومنهم السيوطي في الدر المثور عند تفسير الآية المذكورة وكذلك الرازي في مفاتيح الغيب والبيضاوي في
ج ـ الموقف الثالث:
موقف النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يوم غدير خم وذلك عند نزول الآية: (يا أيها الرسول بلغ ما اُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) ٦٩/المائدة. وعندها أوقف النبي صلى الله عليه وآله وسلّم الركب وصنعوا له منبراً من أحداج الإِبل خطب عليه خطبته المعروفة ثم أخذ بيد عليٍّ وقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، فكررها ثلاثاً ثم قال: «من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه أللهم والِ من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله» فلقيه الخليفة الثاني فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
وقد ذكر الرازي في سبب نزول الآية عشرة وجوه ومنها أنّها نزلت في عليٍّ عليه السلام ثم عقب بعد ذلك بقوله: وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن عليٍّ ـ يريد الباقر ـ (١) إنّ حديث الغدير أخرجه جماعة من حفاظ أهل السنة وقد رواه ابن حجر في صواعقه عن ثلاثين صحابياً ونص على أنّ طرقه صحيحة وبعضها حسن(٢).
وأورده ابن حمزة الحنفي مخرجاً له عن أبي الطفيل عامر بن واثلة بهذه
الفصل الثالث
روّاد التشيّع الأوائل
جندب بن جنادة، أبو ذرّ الغفاري وعمار بن ياسر، سلمان الفارسي، المقداد بن عمر بن ثعلبة الكندي، حذيفة بن اليمان صاحب سر النبي، خزيمة ابن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين، الخباب بن الأرت الخزاعي أحد المعذبين في الله، سعد بن مالك أبو سعيد الخدري، أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري، قيس ابن سعد بن عبادة الأنصاري، أنس بن الحرث بن منبه أحد شهداء كربلاء، أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد الذي استضافه النبي صلى الله عليه وآله وسلّم عند دخوله للمدينة، جابر بن عبدالله الأنصاري أحد أصحاب بيعة العقبة، هاشم بن أبي وقاص المرقال فاتح جلولاء، محمد بن الخليفة أبي بكر تلميذ عليٍّ وربيبه، مالك بن الحرث الأشتر النخعي، مالك بن نويرة ردف الملوك الذي قتله خالد بن الوليد، البراء ابن عازب الأنصاري، اُبيّ بن كعب سيد القراء، عبادة بن الصامت الأنصاري، عبدالله بن مسعود صاحب وضوء النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ومن سادات القراء، أبو الأسود الدؤلي، ظالم بن عمير واضع اُسس النحو بأمر الإِمام عليٍّ، خالد بن سعيد بن أبي عامر بن اُمية بن عبد شمس خامس من أسلم، اُسيد بن ثعلبة الأنصاري من أهل بدر، الأسود بن عيسى بن وهب من أهل بدر، بشير ابن مسعود الأنصاري من أهل بدر ومن القتلى بواقعة الحرة بالمدينة، ثابت أبو فضالة الأنصاري من أهل بدر، الحارث بن النعمان بن اُمية الأنصاري من أهل بدر، رافع بن خديج الأنصاري ممن شهد اُحداً ولم يبلغ وأجازه النبي صلى الله عليه وآله وسلم،
تعقيب على الرواد من الشيعة
هذه الاُمور التي ذكرت أنّي سأعرض لها تعقيباً على نوعية الرواد الأوائل هي:
أولاً:
إنّ هؤلاء الشيعة الذين مر ذكرهم مع أنّهم كانوا من الذاهبين إلى أولوية الإِمام عليٍّ عليه السلام بالخلافة لأنّه الإِمام المفترض الطاعة المنصوص عليه ومع اعتقادهم بأنّ من تقدم عليه أخذ ماليس له ومع امتناع كثير منهم من البيعة للخليفة الأول واعتصامهم ببيت الإِمام عليٍّ عليه السلام مع كل ذلك لم يعرف عن أحد منهم أنّه شتم فرداً من الصحابة أو تناوله بطريقة غير مستساغة بل كانوا أكبر من ذلك وأصلب عوداً من خصومهم ـ مما يدل على أنّ بعض من عرف بظاهرة شتم الصحابة إنّما صدر منه ذلك كعملية رد فعل لأفعال متعددة وسنمر على ذلك قريباً ـ إنّهم مع اختلافهم مع الحكم لم يلجأوا إلى شتم أو بذاء لأنّهم يعرفون أنّ الحقوق لا يوصل إليها بالشتم وليس الشتم من شيم الأبطال، والذي يريد أن يسجل ظلامة أو يشير إلى حق سليب فإن طرق ذلك ليس منها الشتم في شيءٍ،
ب ـ ابن خلدون يقول:
كان جماعة من الصحابة يتشيعون لعليٍّ ويرون استحقاقه على غيره ولما عدل به إلى سواه تأففوا من ذلك وأسفوا له إلا أنّ القوم لرسوخ قدمهم في الدين وحرصهم على الإِلفة لم يزيدوا في ذلك على النجوى بالتأفف والأسف(١).
ج ـ ابن حجر في الإِستيعاب:
يقول في ترجمة أبي الطفيل: عامر بن واثلة بن كنانة الليثي أبو الطفيل أدرك من حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ثمان سنين وكان مولده عام اُحد ومات سنة مائة ويقال: إنّه آخر من مات ممن رأى النبي، وقد روى نحو أربعة أحاديث وكان محباً لعليٍّ وكان من أصحابه في مشاهده وكان ثقة مأموناً يعترف بفضل الشيخين إلا أنه يقدم علياً إنتهى باختصار(٢).
وبعد هذه المقتطفات أود أن ألف النظر أنّي خلال مراجعاتي كتب التاريخ لم أر في الفترة التي تمتد من بعد وفاة النبي حتى نهاية خلافة الخلفاء من عمد إلى الشتم من أصحاب الإِمام، وإنّما هناك من قيّم الخلفاء وقيّم الإِمام وحتى في أشد جمحات عاطفة الولاء لم نجد من يشتم أحداً ممن تقدم الإِمام بالخلافة يقول أبو الأسود الدؤلي:
يقول الأرذلون بنو قشير * طوال الدهر ما تنسى عليا
اُحبّهمُ لحبِّ الله حتى * أجيء إذا بعثت على هويا
بنو عم النبي وأقربوه * أحبّ الناس كلهم إلينا
فإن يك حبهم رشداً اُصبه * ولست بمخطئ إن كان غياً (٣)
(٣) الكامل للبمرد هامش رغبة الأمل ج٧.