الرحمة واسباب التكامل
السؤال / محسن عبد الله / العراق
من المعروف بان الله سبحانه وتعالى هو الاول قبل الانشاء والاحياء والاخر بعد فناء الاشياء ولاعمر لملكه الازلي لانعدام الزمان والمكان وقد خلق الخلق منذ ملايين السنين وتلت القرون قرون وخلق سبحانه ما خلق ومنها الانس وكثير منهم فاسقون وكافرون ولو اطلعنا على الامم السابقه لوجدنا من كل امه قليل من يؤمن بالله اي هناك مليارات من البشريه في كل حقبه هم من اهل النار واذا سحب الى عصرنا الحالي فقط لوجد مليارات من البشر التي تدخل النار سوى القله القليله المواليه لله ورسوله واهل بيته
ما الحكمه من هذا الخلق واذا قلنا (الا ليعبدون) فهذه الالاف من الملايين من السنين لاتعني شيء من عمر مملكته سبحانه وتعالى اذا ما عرفنا دنيانا الفانيه بازليته الباقيه. اي ان الله لايحتاج ان يخلق لزمن محدود هذا الخلق ويعذب الكثير منه ويخلق جنه ونار وخلود الجنه والنار لايقارن بخلوده سبحانه اذا هو محدود ايضا واذا قيل اراد ان يعرف وماقيمه معرفتنا به سبحانه.
الجواب
الأخ محسن المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا ينبغي على العاقل أن يضيّق رحمة الله تعالى التي وسعت كل شيء، فما علمنا نحن بالامم السابقة؟ إن علمها عند الله العليم الحكيم، فلعل الله تعالى يتدارك برحمته كثير ممن تتصور أنهم حق عليهم العذاب، حتى ورد أن ابليس اللعين يطمع في رحمة الله عزوجل حين يرى الكم الهائل من الناس الذين تشملهم مغفرته وعفوه، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن الله تعالى لا يدخل البشر النار فضلا عن أن يذرهم فيها خالدين وهم في حال الجهل أو في حال القصور والغفلة، فأكثر الناس جهال لا معرفة لهم وكثير منهم مستضعفون وقاصرون… نعم إن الكفار والمشركين والطغاة وأكابر المجرمين والمفسدين أولئك هم من يستحق الخلود في النار، وأما سائر الناس من المؤمنين أو المعتقدين ببعض الاعتقادات الصحيحة وأهل الخير والصلاح وغير المعاندين للحق فيرجى لهم الرحمة ودخول الجنة ولو بعد دخول النار مدة قد تطول أو تقصر من وقت الآخرة.
ومن جهة ثالثة: إن الدنيا مخلوقة لأجل الابتلاء والامتحان فبعض الناس يترقون في مراتب التكامل وبعضهم يهوي في دركات التسافل، وبعضهم الآخر وهم الاكثرية لا ينتفعون ولا يتضررون من ابتلاءات الدنيا إلا النزر اليسير فلا يرتقون ولا ينحطون، وهم ممن خلط عملا صالحا وآخر سيئا، وهؤلاء قد تدركهم شفاعة الشافعين، والشفاعة داخلة في رحمته عزوجل، إذ لا يسع الشفيع أن يشفع لأحد إلا من بعد إذنه تعالى…
فقيمة معرفته عزوجل لا تعود بالنفع على الله تعالى لأنه كامل على الاطلاق، وإنما تعود بالنفع على العبد الفقير إلى رحمة ربه، فالعارف بالله تعالى يحصل على رتبة من التكامل أعلى من غير العارف، مع الإشارة إلى أن المعرفة لا تحصل من أي سبيل كان، وإنما من السبيل الأقوم وهو معرفة أوليائه الذين يعرفونه وهم اهل البيت عليهم السلام الذي ورد عنهم قولهم: ((لا يعرف الله تعالى إلا بسبيل معرفتنا)) فهؤلاء هم العرفاء الحقيقيون وأما من تسمى غيرهم باسم عارف فلا يصدق عليه الوصف إن كان سالكا على غير نهجهم كأغلب المتصوفة الذين يطلق الناس عليهم عرفاء، والأصل في خلق الانسان أن الله تعالى خلقه مستعدا في ذاته لتحيصل التكامل وأذن له بالتقرب إليه تعالى، فطالما اوجد الله عزوجل في الانسان هذا الاستعداد الفطري للتكامل وجعله محبا للكمال فقد اراد به الحسنى وشاء له العروج على مدارج القرب ليكون أهلا لمخالطة الروحانيين في الملأ الأعلى، ولكن الانسان يخطيء غالبا في تشخيص ما يناسبه من الكمال، فيظن مثلا ان جمع الأموال كمال، ويظن أن الجاه والسمعة كمال، ويظن أن كثرة النسل كمال ويظن أن العلم لاجل التفاخر والاستعلاء كمال وهكذا… مع أنه غالبا يكون ملتفتا إلى أن عمر الدنيا قصير لا يفي بتمتعه بما يزعم أنه كمال له، ويغفل عن أنه مخلوق للبقاء لا للفناء، وان عدة البقاء وزاده هو عبادة الله تعالى وطاعته ومعرفته، فهذا هو الطريق الى الكمال الحقيقي، وأما ما سواه فكمال زائف.
ودمتم في رعاية الله