أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ٨١ – ١٠٠
(٣) المصدر السابق.
(٤) المصدر السابق.
(٥) تذكرة الحفاظ ص ٢٣، وترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ١ ص ١٠٧ و ١٥٠، وكنز العمال ج ١ ص ٢٩٠، والمناقب للخوارزمي ص ٧، والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ١٠٩، وصحيح الترمذي ج ٥ ص ٣٠، وأسد الغابة ج ٢ ص ٢٢١ وج ٣ ص ١٣٧، والاستيعاب بهامش الإصابة ج ٣ ص ٣٥، والطبقات الكبرى ج ٣ ص ٢١.
(٦) تاريخ ابن عساكر ج ١ ص ١٢٣، ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد ج ٥ ص ٤٦.
(٧) المناقب للخوارزمي ص ٢٧.
(٨) المناقب للخوارزمي ص ٢٤٦، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٦٠، وأسد الغابة ج ١ ص ٢٠٦، والصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٢١.
(٩) صحيح البخاري باب مناقب علي كتاب بدء الخلق، وباب غزوة تبوك، وصحيح مسلم كتاب الفضائل باب علي، وصحيح الترمذي ج ٢ ص ٣٠١، وصحيح ابن ماجة ص ١٢، والخصائص =
والأعظم من ذلك أن حكمة الله قد اقتضت بأن تكون ذرية كل نبي من صلبه واقتضت حكمته أن تكون ذرية خاتم الأنبياء من صلب علي ومن أبناء فاطمة بنت رسول الله كما صرح بذلك رسول الله (٣) لقد زوج الله فاطمة لعلي، وجعل أولادهما هم أولاد الرسول وكان الرسول يتصرف على أساس أن أولاد علي هم أولاده، فكلما ولد واحد منهم كان الرسول يأتي الأسرة العظمى مبتهجا فيقول: (أروني ابني، ماذا سميتموه؟) فيقول الوالدان سميناه حربا، فقال النبي عند ولادة أولهم بل هو حسن، وعند ولادة الثاني قال بل هو حسين، وعند ولادة الثالث قال: بل هو محسن، وقد علل النبي ذلك بقوله: (إني سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر) (٤)، وكما
(٢) راجع سنن ابن ماجة ج ١ ص ٤٤، وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٣١٠، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٧، وتاريخ ابن عساكر ج ١ ص ١٢٠، والاستيعاب بهامش الإصابة ج ٣ ص ٢٩.
(٣) تاريخ بغداد ج ١ ص ٣٣١٦، والرياض النضرة للطبري ج ٢ ص ١٦٨، والصواعق المحرقة لابن حجر ص ٩٣، ومجمع الزوائد للهيثمي ج ٩ ص ١٧٢، وقال رواه الطبري وكنز العمال ج ٦ ص ١٥٢، وفيض القدير للمناوي ج ٢ ص ٢٢٣، وفضائل الخمسة ج ٢ ص ١٨٠ – ١٨١.
(٤) الأدب المفرد للبخاري ص ١٢٠، والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ١٦٥، ومسند أحمد ج ٦ ص ١٦٥ وج ٧ ص ٦٣، وابن الأثير في أسد الغابة ج ٢ ص ١٨ وج ٤ ص ٣٠٨، والاستيعاب ج ١ ص ١٣٩، وكنز العمال ج ٦ ص ٢٢١.. الخ.
(٣) صحيح البخاري كتاب بدء الخلق، وصحيح ابن ماجة ج ١ ص ٣ وص ١٨٠، والمستدرك ج ٣ ص ١٦٧.
(٤) مسند أحمد بن حنبل ج ٦ ص ٣٩٩، والإصابة لابن حجر ج ٥ ص ٢٣١، وقال أخرجه البغوي، وصحيح ابن ماجة – باب الرؤيا ص ٢٨٩، والمستدرك على الصحيحين للحاكم ج ٣ ص ١٧٦، وطبقات ابن سعد ج ٨ ص ٢٠٤، وأسد الغابة ج ٣ ص ٢٤٤ وج ٢ ص ١٠.
(٥) الأدب المفرد للبخاري باب رحمة الوالد، ومسند أحمد بن حنبل ج ٢ ص ٨٥ و ٩٣ و ١١٤ و ٥٣، وأبو داود الطيالسي في مسنده ج ٨ ص ١٦٠، وحلية الأولياء ج ٥ ص ٧٠، وخصائص النسائي ص ٧٢.. الخ.
(٦) ذخائر العقبى للطبري ص ١٣٠، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٨٩، والمستدرك على الصحيحين ج ٣ ص ١٧٠.
(٧) المستدرك على الصحيحين ج ٣ ص ١٦٧، وسنن البيهقي ج ٢ ص ١٦٣، وصحيح النسائي ج ١ ص ١٧١، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٨٢.
(٨) صحيح الترمذي ج ٢ ص ٣٠٦، وصحيح النسائي ج ١ ص ٢٠٩ و ٢٣٥، والمستدرك ج ١ ص ٢٨٧.
النبي يعلن بأن خلفائه الشرعيين كنفسه تماما
قال تعالى: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين) لقد أجمعت الأمة على أن رسول الله عندما خرج للمباهلة خرج ومعه علي والحسن والحسين وفاطمة، وأنه لم يشرك بهذه المباهلة أحدا من المسلمين سواهم (٢).
فالأبناء هم الحسن والحسين، والنساء فاطمة، والأنفس هم النبي وعلي، وفي مشهد آخر قال النبي لما انصرف من الطائف في خطبة له:
(والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة، ولتؤتن الزكاة، أو لأبعثن عليكم رجلا مني أو كنفسي فليضربن أعناق مقاتليكم وليسبين ذراريكم، ثم أخذ بيد علي وقال: هذا هو (٣).
وفي واقعة أخرى جلى رسول الله الصورة عندما بلغه أن بني المصطلق
(٣) المستدرك على الصحيحين للحاكم ج ٢ ص ١٢٠ وقال هذا حديث صحيح الإسناد، والصواعق =
وتكررت هذه الأقوال من النبي لوفد ثقيف حين جاءه (٣).
وقد أعلن النبي مرات متعددة أمام الصحابة: (بأن عليا مني، وأنا من علي، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي) (٤).
وليفهم المسلمون هذا المعنى، وقياما بواجب البيان، وإقامة للحجة على الناس: أرسل رسول الله أبا بكر – الخليفة الأول في ما بعد بسورة براءة ليبلغها إلى الناس في الحج، فنزل عليه الوحي وكلفه بأن يأخذ سورة براءة من أبي بكر، وأن يعطيها لعلي، وعلل الرسول ذلك بقوله لأبي بكر:
(لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي) (٥) وعندما سأله أبو بكر أنزل في شئ يا رسول الله؟ قال الرسول: (لا إلا أني أمرت أن أبلغه أنا أو رجل من أهل بيتي) (٦) أو قال له: (لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني)) (٧).
(٢) خصائص النسائي ص ١٩، ومجمع الزوائد ج ٧ ص ١١٠ وقال رواه الطبراني.
(٣) الاستيعاب لابن عبد البر ج ٢ ص ٤٦٤، والرياض النضرة للطبري ج ٢ ص ١٦٤.
(٤) سنن ابن ماجة ج ١ ص ٤٤ ح ١١٩، وصحيح الترمذي ج ٥ ص ٣٠٠ ح ٣٨٠٣، وخصائص النسائي ص ٢٠ وص ٣٣، وترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ ص ٣٧٨ ح ٨٧٥ و ٨٨٠، والمناقب للخوارزمي ص ٧٩، وتذكرة الخواص لابن الجوزي، وجامع الأصول لابن الأثير ج ٩ ص ٤٧١، والجامع الصغير للسيوطي ج ٢ ص ٥٦، والرياض للطبري ج ٢ ص ٢٢٩، والمشكاة للعمري ج ٣ ص ٢٤٣.
(٥) صحيح الترمذي ج ٢ ص ١٨٣، وخصائص النسائي ص ٢١، ومسند أحمد ج ٣ ص ٢٨٣.
(٦) خصائص النسائي ص ٢٠، وتفسير الطبري ج ١٠ ص ٤٦.
(٧) خصائص النسائي ص ٢٠، وذكره السيوطي في تفسير (براءة من الله…) وقال أخرجه ابن مردويه.
الرسول يخلع على من سيخلفه كل الألقاب المعروفة للرئاسة العامة
رأينا أن الرسول عندما جهر بالدعوة لأول مرة، أعلن أمام عشيرته الأقربين بأن علي بن أبي طالب (هو أخوه ووصيه والخليفة من بعده) وكلف الحاضرين (أن يسمعوا له ويطيعوا) (٥).
السيد: وأعلن رسول الله بأمر من ربه بأن علي بن أبي طالب هو سيد العرب (٦)، وعندما قيل للرسول ألست سيد العرب؟ قال الرسول: (أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب) (٧).
(٣) مسند الإمام أحمد ج ١ ص ٣.
(٤) مسند الإمام أحمد ج ١ ص ١٥١، وكنز العمال ج ١ ص ٢٤٢، وقال أخرجه أبو الشيخ وابن مردويه.
(٥) وثقنا ذلك.
(٦) المستدرك على الصحيحين ج ٣ ص ١٢٤، وحلية الأولياء ج ١ ص ١٦٣، وكنز العمال ج ٦ ص ١٥٧، وقال أخرجه الحاكم والدارقطني ج ٦ ص ١٥٧، وقال أخرجه الطبراني، والرياض النضرة للطبري ج ٣ ص ١٧٧.
(٧) المستدرك على الصحيحين ج ٣ ص ١٢٤، وحلية الأولياء ج ١ ص ١٦٣ وج ٥ ص ٣٨، وكنز العمال =
وقال النبي لعلي أمام الصحابة: (أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي) (٣).
قال أحمد بن حنبل: (ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله من الفضائل ما جاء لعلي) (٤).
الأفضل: وقال النبي يوما لأصحابه: (إن هذا – يعني عليا – أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر وهذا فاروق الأمة) (٥) وقال الرسول لأصحابه يوما: (إن عليا خير البشر فمن افترى فقد كفر) (٦) وقال:
(علي خير البشر من شك فيه كفر) (٧) وقال الرسول مخاطبا فاطمة: (زوجتك خير أمتي..) (٨) وكان الصحابة الصادقون يرسلون كل ذلك إرسال المسلمات (٩).
(٣) ترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ ص ٨٨ ح ١٠٠٨ و ١٠٠٩، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٨٦، والمناقب للخوارزمي ص ٢٣٦، وينابيع المودة للقندوزي ص ١٨٢.
(٤) أخرجه الحاكم في مستدركه ولم يتعقبه الذهبي.
(٥) تاريخ دمشق لابن عساكر ترجمة الإمام علي ج ١ ص ٧٦ وص ١٢١، ومجمع الزوائد ج ٢ ص ١٠٢ وكفاية الطالب ص ١٨٧، والاستيعاب بهامش الإصابة ج ٤ ص ١٧٠، وأسد الغابة ج ٥ ص ٢٨٧، وميزان الاعتدال للذهبي ج ٢ ص ٤١٧، وخصائص النسائي ص ٣، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٢٥٦، والإصابة لابن حجر ج ٧ قسم ١ ص ١٩٧، وكنز العمال ج ٦ ص ٤٠٥ وج ٦ ص ١٥٢، وفيض القدير ج ٤ ص ٢٣٨.
(٦) تاريخ بغداد ج ٧ ص ٤٢١ وج ٣ ص ١٩.
(٧) كنوز الحقائق للمناوي ص ٩٢ وقال أخرجه أبو يعلى.
(٨) كنز العمال ج ٦ ص ٢٩٨، وقد أخرجه الخطيب في المتفق والمفترق.
(٩) راجع مجمع الزوائد ج ٩ ص ١١٦ وقال رواه الطبراني في الأوسط.
الولاية: قال الرسول أمام الصحابة لأناس اشتكوا من علي: (ما تريدون من علي ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن من بعدي) (٣).
بعث الرسول بعثين إلى اليمن… فالتقى البعثان في بني زيد من اليمن فقاتل المسلمون وانتصروا واصطفى علي لنفسه جارية، فاتفقت مجموعة من المسلمين على أن تكتب للنبي بذلك، ودفعت الكتب إلى رسول الله، ولما قرئت عليه غضب، فاعتذر حامل الكتب فقال له الرسول أمام أصحابه: (لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي) (٤).
أخبر رجل رسول الله بما كلفه به خالد بن الوليد، فخرج الرسول مغضبا وقال: (ما بال أقوام ينقصون عليا، من تنقص عليا فقد تنقصني،
(٣) راجع صحيح الترمذي ج ٢ ص ٢٩٧ ومسند أحمد بن حنبل ج ٤ ص ٤٣٧، ومسند أبي داود الطيالسي ج ٣ ص ١١١، وحلية الأولياء ج ٦ ص ٢٩٤، وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص ١٩ و ٢٣، والرياض النضرة للطبري ج ٢ ص ١٧١ وقال أخرجه الترمذي وأبو حاتم وأحمد، وكنز العمال ج ٦ ص ١٥٤ وقال أخرجه ابن أبي شيبة وفي ص ٣٩٩ قال أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير وصححه.
(٤) مسند الإمام أحمد ج ٥ ص ٣٥٦، ورواه النسائي في الخصائص مع اختلاف يسير ص ٢٤، ومجمع =
وأعطاني أنك ولي المؤمنين من بعدي) (٢).
قال الرسول في اجتماع الدار الذي أشرنا إليه: (أخي ووصيي وصاحبي ووليكم من بعدي) (٣).
احتج ابن عباس يوما بعد وفاة الرسول فقال: أف وتف وقعوا في رجل له عشر… إلى أن قال: وقال له رسول الله: (أنت ولي كل مؤمن من بعدي) (٤).
واشتكى رجل إلى رسول الله قائلا: رأيت كذا وكذا من علي فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي) (٥).
آية الولاية: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ٥٥ ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم
(٢) تاريخ بغداد ج ٤ ص ٣٣٩، وكنز العمال ج ٦ ص ٣٩٦، وقال أخرجه ابن الجوزي وفي ج ٦ ص ١٥٩ قال: أخرجه الخطيب والرافعي.
(٣) كنز العمال ج ٦ ص ٤٠١ وقال أخرجه الديلمي.
(٤) الرياض النضرة للطبري ج ٢ ص ٢٠٣، ومجمع الزوائد للهيثمي ج ٩ ص ٩٩ وقال أخرجه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط.
(٥) أسد الغابة لابن الأثير ج ٥ ص ٢٤، وفيض القدير للمناوي ص ٣٥٧ وقال أخرجه الطبراني ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٠٩ وقال رواه البخاري، والإصابة لابن حجر ج ٦ ف ١ ص ٣٢٥.
وقائع حفل تنصيب وتتويج من سيخلف الرسول بعد موته
لأن منصب من يخلف النبي هو حجر الأساس لنظام الحكم في الإسلام، ولقطع الطريق على أعداء الله السابقين الذين تستروا بالإسلام، وحتى لا تكون لهم حجة يحتجون بها أمام الله، فقد أمر الله رسوله بأن ينصب ويتوج عليا إماما من بعده وأن يكلف المسلمين بمبايعته فردا فردا تحت إشراف الرسول شخصيا، فصدع الرسول بأمر ربه فأكمل رسول الله والمسلمون شعائر فريضة الحج، ولأن الرسول قد أعلن بأن حجته تلك هي حجة الوداع، وأنه لن يراهم أبدا بعد هذا العام، فقد تعلقت به القلوب والأبصار، وأرادوا أن يتزودوا من النظر إليه، وأن يسمعوا كل كلمة يقولها.
خرج النبي من مكة متوجها إلى المدينة، وتبعته وفود الحجيج، وفي مكان يدعى غدير خم، أناخ النبي ركابه، وأمر برد الذين سبقوه بالسير، وباستعجال الذين تأخروا عنه، وأحيط المسلمون علما بأن الرسول سيصدر بيانه الأخير، وتلخيصه للموقف، من خلال خطبة سيلقيها أمام الجموع.
واحتشد المسلمون بالفعل في غدير خم وجاوز عددهم بأقل التقديرات مائة ألف مسلم ومسلمة، وبعد قليل ظهر النبي وإلى جانبه علي بن أبي طالب، الناس جلوس، والنبي وعلي في حالة وقوف، في مكان مكشوف ومرئي من كل الناس.
لقد تأكد المسلمون السامعون من أن الرسول سيموت لا محالة فتابعوا بشغف واهتمام كل كلمة كانت تخرج من فم الرسول.
ثم تابع الرسول خطبته قائلا: (وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله فيه النور والهدى فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، وعترتي أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي).
وفجأة سأل رسول الله الجموع المسلمة المحتشدة أمامه قائلا: (أيها الناس من وليكم؟) فردت الجموع بصوت واحد: (الله ورسوله) وهنا أخذ الرسول بيد علي فأقامه ثم قال: (من كان الله ورسوله وليه فهذا علي وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه).
ومرة أخرى سأل الرسول المسلمين: (ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقال المسلمون: بلى! وسألهم الرسول ثانية: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ فقال المسلمون بلى، فرفع الرسول يد علي بن أبي طالب وقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه).
ثم قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: أيها الناس إني وليكم، قال الناس نعم، فرفع الرسول يد علي بن أبي طالب وقال: (هذا وليي ويؤدي عني، وأنا موال من والاه، ومعاد من عاداه).
ثم أكد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الحقيقة التي اتفق عليها الجميع فقال: (إن الله.
١ – بعد انتهاء الرسول من إلقاء بيانه المبارك، عمم علي بن أبي طالب بما يعتم به الملائكة، كناية عن التتويج.
٢ – فهم المسلمون المجتمعون مغزى رسول الله، وتلخيصه الدقيق والموفق للموقف فأيقنوا بأن رسول الله قد نصب علي بن أبي طالب وليا للأمة وإماما لها من بعده، ولم يترك رسول الله الأمر عند هذا الحد، بل أمر الإمام عليا أن يجلس في مكان خصصه له، وطلب من المهاجرين والأنصار ومن كافة المجتمعين أن يذهبوا إلى الإمام فيبايعوه، ويقدموا له التهاني بهذا المنصب، وأخذ المسلمون يتدافعون لمبايعة الإمام الجديد وتقديم التهاني له، وكان من جملة الذين بايعوا وقدموا التهاني عمر بن الخطاب، فبايعه وهنأه قائلا: (بخ بخ يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم ومسلمة) (١) أو قال: (هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة) (٢) ومن الطبيعي أن أبا بكر وعثمان وكبار
بعد ذلك عاد رسول الله ومعه حجاج المدينة وما حولها إلى المدينة، أما بقية وفود الحجيج فقد التحقت بأماكن سكناها، والجميع على بينة من الأمر.
النجاح النبوي الساحق بإبراز من سيخلفه
في الوقت نفسه الذي كان فيه رسول الله يركز على حقيقة وطبيعة المكانة الخاصة المميزة التي اختارها الله لأهل بيته، كان النبي يسلط أضواء ربانية
قال السيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم…) أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري، هبط جبريل بهذه الآية لما نصب رسول الله عليا يوم غدير خم، ونادى له بالولاية. وقال: وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر مثل ذلك عن أبي هريرة، قال الخطيب البغدادي في ج ٨ ص ٢٩٠ نزلت هذه الآية في غدير خم بعد المناداة بعلي وليا، راجع تاريخ دمشق لابن عساكر، ترجمة الإمام علي ج ٢ ص ٧٥، وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ١ ص ٥٧، والدر المنثور للسيوطي ج ٢ ص ٢٥٩، والاتقان للسيوطي ج ١ ص ٣١، والمناقب للخوارزمي ج ١ ص ٤٧، وينابيع المودة للقندوزي ص ١١٥، وفرائد السمطين للحمويني ج ١ ص ٧٢ و ٧٤ وتاريخ اليعقوبي ج ١ ص ٣٥، وكتاب الولاية لأبي جرير الطبري، وما نزل من القرآن في علي لأبي نعيم الاصفهاني، وكتاب الولاية لأبي سعيد السجستاني، وتاريخ ابن كثير ج ٥ ص ٢١٠ وروح المعاني للآلوسي ج ٦ ص ٥٥، والبداية والنهاية لابن كثير ج ٥ ص ٢١٠، وأهل بيت النبوة مجمعون على صحة ذلك كله.
كان هذا يحدث في الوقت الذي كان فيه الرسول يوطد للإمام علي ويقدمه للأمة على أساس أنه الإمام الشرعي الذي سيلي رئاسة وقيادة الأمة بعد موت النبي، ويوطد للإمامين الحسن والحسين على أنهما إمامان شرعيان من بعد أبيهما.
في حفل تنصيب وتتويج الإمام علي الذي تم في غدير خم نجح الرسول الأعظم نجاحا ساحقا بالربط الوثيق بين خطي الرئاسة والمرجعية، فقد أهل بيت النبوة كأحد ثقلي الإسلام، الذي لا تستقيم أمور الدنيا والدين إلا بهما. فأكد الرسول بكل وسائل التأكيد بأن الهدى من بعد وفاته لا يدرك إلا بالتمسك بالثقلين معا، وأنه لا يمكن تجنب الضلالة من بعده إلا بالتمسك بالثقلين معا (٧)، وبعد أن نجح الرسول الأعظم بغرس هذه
(٣) المصدر نفسه.
(٤) المصدر نفسه.
(٥) المصدر نفسه.
(٦) المصدر نفسه.
(٧) في كتابنا (الهاشميون في الشريعة والتاريخ) تناولنا الصيغ العشر لحديث الثقلين ووثقنا كل صيغة =
اعترافات الأعداء والأصدقاء بتنصيب الإمام علي وتتويجه إماما للمسلمين من بعد النبي
شهادة عمر بن الخطاب واعترافاته:
مع أن عمر بن الخطاب، هو الذي قاد الانقلاب على الشرعية الإلهية، ونفذ نسف كافة الترتيبات الإلهية المتعلقة بالقيادة والتي أعلنها الرسول وبينها بيانا كاملا، وعلى الرغم من أنه قد نصب أبا بكر خليفة ثم وصل إلى سدة الخلافة بعهد من الخليفة الأول إلا أنه قد صدرت منه مجموعة من الاعترافات تفيد بأن آل محمد أولى بميراثه وسلطانه، وأن.
أنت تلاحظ أن حجة عمر هي حجة أهل البيت وقد وظفها عمر لصالحه.
٢ – وعمر يجلس على كرسي الخلافة المغتصبة قال يوما لابن عباس: (… أما والله يا بني عبد المطلب لقد كان علي بن أبي طالب أولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر…) (٢).
٣ – ثم أعلن عمر بن الخطاب الحقيقة تامة يوم صرح قائلا: (بأن الأمر كان لعلي بن أبي طالب، فزحزحوه عنه لحداثة سنة والدماء التي عليه) (٣).
فهذا إقرار بأن عمر بن الخطاب يعلم علم اليقين بأن الأمر لعلي بن أبي طالب، وكيف ينسى ذلك وهو أول من بايع الإمام وهنأه في غدير خم!!
قال الحسن بن علي يوما لعمر بن الخطاب: (إنزل عن منبر أبي)، فقال عمر: (هذا منبر أبيك) (٤).
(٣) راجع شرح النهج ج ٢ ص ١٨، والطبقات لابن سعد ج ٣ ص ١٣٠، وكتابنا المواجهة ص ٢٧٣.
(٤) ترجمة علي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٤ ص ٣٢١.
شهادة واعتراف معاوية بن أبي سفيان:
مع أن معاوية وأباه هما اللذان قادا جبهة الشرك ضد رسول الله، وقاوماه بكل أساليب المقاومة، وحارباه بكل فنون الحرب، ولم يستسلما حتى أحيط بهما فاضطرا اضطرارا للتلفظ بالشهادتين، وأخفيا حقدهم الدفين على محمد وآل محمد لأنهم قتلة الأحبة على حد تعبير هند أم معاوية، وقتلة شيوخ الوادي على حد تعبير أبي سفيان.
إلا أن معاوية أجاب محمد بن أبي بكر على رسالته قائلا:
(… ذكرت حق ابن أبي طالب، وقديم سوابقه وقرابته من نبي الله ونصرته له، ومواساته إياه في كل خوف وهول، واحتجاجك علي بفضل غيرك لا بفضلك، فاحمد إلها صرف الفضل عنك وجعله لغيرك.
وقد كنا وأبوك معنا في حياة من نبينا نرى حق ابن أبي طالب لازما لنا، وفضله مبرزا علينا، فلما اختار الله لنبيه ما عنده وأتم له ما وعده…
فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه وخالفه. على ذلك اتفقا واتسقا، ثم دعواه إلى أنفسهم، فأبطأ عنهما، وتلكأ عليهما، فهما به الهموم، وأرادا به العظيم فبايع وسلم لهما لا يشركانه في أمرهما، ولا يطلعانه على سرهما، حتى قبضا وانقضى أمرهما…) (١).
وقد أشار الطبري إلى الرسالتين المتبادلتين بين محمد ومعاوية إلا أنه لم يفصل قائلا: (كرهت ذكرها لما فيه مما لا يحتمل سماعه العامة) (٢).
وامتنع ابن الأثير عن ذكرها لنفس الحجة (لما فيه مما لا يحتمل سماعه العامة) (٣).
(٣) تاريخ ابن الأثير – ط أوروبا ج ٣ ص ١٠٨.