أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ١٢١ – ١٤٠
وأخرج نصر بن مزاحم قال… فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي سفيان وهو راكب ومعاوية وأخوه أحدهما قائد وآخر سائق، فلما نظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (اللهم العن القائد والسائق والراكب) قلنا أنت سمعت رسول الله؟ قال: (نعم وإلا فصمت أذناي) (٢).
وانظر إلى رسالة محمد بن أبي بكر التي وجهها لمعاوية فقد جاء فيها: (وقد رأيتك تساميه وأنت أنت، وهو أصدق الناس نية، وأفضل الناس ذرية، وخير الناس زوجة… وأنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لرسول الله الغوائل، وتجهدان في إطفاء نور الله، تجمعان على ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال وتؤلبان عليه القبائل، وعلى ذلك مات أبوك وعليه خلقته) (٣).
مما يدل أن لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي سفيان ومعاوية كان شائعا ومعروفا بين الناس وما يدل على صحة ذلك أن معاوية الذي رد على رسالة محمد بن أبي بكر لم ينف واقعة لعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأبيه وله ولإخوته).
وأكمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رسم الصورة فكشف كل العناصر التي ستجلب أو تساهم بجلب هذا الخطر المحدق، فقال: (ليردن علي قوم أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم يوم القيامة) (٤).
(٣) مروج الذهب للمسعودي ج ٣، ص ١٤، وإمتاع الأسماع للمقريزي.
(٤) صحيح البخاري كتاب الدعوات ج ١ ص ١٤١، وصحيح مسلم كتاب الفضائل ج ١٥ ص ١٥٩ ورواه أحمد والبيهقي راجع كنز العمال ج ١٤ ص ٤١٨.
ووضح النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصورة أكثر قال قلت: ما شأنهم فيقال لي:
(إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى فلا يخلص منهم إلا مثل همل النعم) (٣).
ومعنى ذلك أنه لن يكون بإمكان المتآمرين تنفيذ مخططاتهم دون دعم ومؤازرة بعض أولئك اللصيقيين بالنبي من أصحابه.
ولغاية إكمال الحلقة، وحتى لا يضل الناس بعد هدى وتوضيحا وتبيانا لما سيكون، وكشفا لحقيقة المتآمرين الذين ينتظرون بفارغ الصبر موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يحرفوا ويأولوا الواضحات قال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم محذرا وملخصا بقوله: (أكثر ما أتخوف على أمتي من بعدي رجل يتأول القرآن ويضعه على غير موضعه، ورجل يرى أنه أحق بهذا الأمر من غيره) (٤).
لأن الله قد حسم الموقف وخصص فئة معينة لفهم القرآن فهما يقينيا وهم أهل بيت النبوة، والمتأول يقفو ما ليس له به علم، ويتولى مهمة مخصصة لغيره، ولأن هذا المتأول محكوم بهواه، واتباع آرائه الشخصية، مما يعني إهمال مضامين الشرعية الإلهية، وإحلال التأملات والآراء
(٣) صحيح البخاري ج ٤ ص ١٤٢ كتاب الدعوات باب الصراط.
(٤) رواه الطبراني راجع معالم الفتن ج ١ ص ٩١.
وليقنع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه بأن ما يقوله يقين ومن عند الله، بين لهم أن بني إسرائيل حين تركوا النصوص الشرعية وقالوا بالرأي ضلوا وأضلوا) (٢).
فالادعاء اللاحق لعمرو أو زيد في ما بعد بأنه أحق بهذا الأمر (أي قيادة الأمة وبيان القرآن) من أهل بيت النبوة، وأن مصلحة المسلمين تقتضي تقديم المفضول على الأفضل… إلخ فتلك ادعاءات فارغة وهي أخطر ما يهدد الأمة، لأن هذا الادعاء ينقض عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم، ويلغي كافة الترتيبات الإلهية المتعلقة بنظام الحكم، وكافة النصوص الشرعية التي تعالج هذه الناحية ولا سند في هذه الحالة لنقض أعظم عرى الإسلام إلا الآراء الشخصية، والتأويلات الخاطئة، والاجتهادات المبتذلة، وبهذه الحالة يضل أصحاب هذه الآراء، ويضلون الأمة معهم.
الرسول يحذر من بعض زوجاته
وليكشف الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كافة جوانب المؤامرة فقد توقف طويلا عند بعض زوجاته.
روى البخاري في صحيحه (كتاب الجهاد والسير باب ما جاء في أزواج الرسول عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: (قام رسول الله
فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان مريضا في بيت عائشة، وأن المواجهة بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعمر بن الخطاب في بيت عائشة، قرب الاحتمال أن تكون عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي التي أخبرت عمر بن الخطاب عن الموعد الذي حدده النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكتابة توجيهاته النهائية وعن مضمون هذه التوجيهات، وعلى أثرها استعد عمر وحشد عددا كبيرا من أعوانه ليحولوا بين الرسول وبين كتابة توجيهاته.
ثم إن القرآن الكريم قد أشار إلى زوجتين من زوجات الرسول بقوله:
(وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه) (٣) قال عمر بن الخطاب في ما بعد إن اللتين تظاهرتا على الرسول هي حفصة ابنة عمر، وعائشة ابنة أبي بكر، هكذا أخرج البخاري في تفسير هذه الآية (٤) ثم إن الله تعالى قد طلب منهما التوبة والتوبة لا تطلب إلا ممن عصى (٥).
قالت عائشة يوما للنبي (أنت الذي تزعم أنك رسول الله) (٦) ولهما ضرب الله مثلا (امرأة نوح وامرأة لوط) (٧).
(٤) صحيح البخاري ج ٣ ص ١٣٦ – ١٣٧.
(٥) الكشاف ج ٤ ص ٥٦٦، وتفسير الرازي ج ٨ ص ٣٣٢، والدر المنثور ج ٦ ص ٢٣٩، وتفسير القرطبي ج ١٨ ص ٧٧٧ و ١٨٨، وفتح القدير ج ٥ ص ٢٥٠، وتفسير ابن كثير ج ٤ ص ٣٨٧.
(٦) آداب النكاح ج ٢ ص ٣٥ لمحمد الغزالي، وكاشفة القلوب باب ٩٤ ص ٢٣٧.
(٧) تفسير القرطبي ج ١٨ ص ٢٠٢ وفتح القدير للشوكاني ج ٥ ص ٢٥٥.
الرسول يعلن سلفا نتائج مخالفة تحذيراته وعدم حملها على محمل الجد
لقد حذر رسول الله المسلمين والأقلية المؤمنة خاصة بأنهم إن لم يحذروا المتآمرين، وإن لم يحملوا تحذيراته على محمل الجد، فإن عرى
(٣) رواه أبو داود في عون المعبود حديث رقم ٤٢٢٢ – ٤٢٤٣.
الفصل الثالث
أساليب الطامعين بملك النبوة بتدمير سنة الرسول وإبطال مفاعيلها حال حياة الرسول
كانت أساليب الطامعين بملك النبوة في تدمير سنة الرسول وإبطال مفاعيلها تماما كالأساليب التي لجأ إليها المشركون قبل هجرة النبي، مع اختلاف يسير في الأهداف.
لقد أدركت زعامة بطون قريش قبل الهجرة خطورة القرآن الكريم وتأثيره البالغ في النفس البشرية، كما أدركت خطورة الدعوة التي يدعو بها محمد الهاشمي، كما أدركت عمق التكامل والترابط بين القرآن وبين ما يقوله محمد وما يفعله لذلك فكرت بطرق وأساليب لصد الناس عن سماع القرآن، وتنفيرهم من الاجتماع بمحمد والاستماع إليه لأن الناس إن سمعوا القرآن، سيعرفون أنه معجز ومن غير المعقول أن يكون كلام بشر، وبالتالي سيؤثر بهم حتما، كذلك فإن الناس إن اجتمعوا بمحمد وسمعوا أقواله المستندة إلى القرآن فسينجذبون إليه لا محالة ومع الأيام سيقنعهم بدعوته، لذلك. نشرت زعامة بطون قريش مجموعة من الشائعات والدعايات الكاذبة، كما روجت مجموعة من التهم ضد رسول الله، وضد القرآن مثل أقوالهم (إن محمدا يفتري على الله الكذب، وأنه لا يوحى إليه، إنما يتقول
كان هدف زعامة بطون قريش عزل النبي عن الناس عزلا تاما والحيلولة بين سماع ما يقوله، والتأثير على الناس بشكل مسبق قبل أن يسمعوه، وتنفير الناس منه، ليجتثوا من نفسه الكريمة الرغبة في متابعة الدعوة!!
أساليب مستقاة من مبادئهم
بعد هجرة الرسول وبعد أن هزمت زعامة بطون قريش سياسيا وعسكريا واقتصاديا وبعد أن فاجأها الرسول في عقر دارها واضطرها للاستسلام والتلفظ بالشهادتين هي ومن اتبعها، وبعد أن صاروا جزءا من المجتمع الإسلامي الجديد، وخضعت كافة أقاليم الجزيرة لدولة النبي، وبعد أن يئست من هزيمة الرسول أو القضاء عليه بوسائلها التقليدية السابقة وجدت أمامها مجموعة من الحقائق الثابتة.
١ – لقد تيقنت زعامة بطون قريش وتيقن أتباعها بأن النبي قد بنى ملكا عظيما على حد تعبير أبي سفيان قائد جبهة الشرك وأبرز أئمة الكفر السابقين.
٢ – وتيقنوا أيضا بأن الرسول ميت لا محالة، وأنه قد أعلن وبكل وسائل الاعلان بأن الإمام والخليفة من بعده هو ابن عمه وزوج ابنته ووالد سبطيه علي بن أبي طالب يليه ابناه الحسن والحسين، ويليهما تسعة من ذرية الحسين (اثنا عشر إماما).
٣ – إن زعامة بطون قريش ومن والاها، ممن استسلموا وتلفظوا.
٥ – لقد تيقنت زعامة بطون قريش ومن والاها، وتيقن المنافقون أيضا أن قسما من أبناء البطون (قسم من المهاجرين) يرفضون الترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي، ولا يقبلون بها، إلا أنهم كزعامة البطون وكالمنافقين لا يجرؤون على الجهر بهذا الرفض وعدم القبول، والأعظم أن هذا القسم يطمع بأن يخلف النبي، وأن يستولي بالقوة على ملك النبوة، ولكنه يفتقر إلى الناصر والمعين!!
٦ – ولأن زعامة بطون قريش ومن والاها، والمنافقون، وذلك القسم من المهاجرين يعيشون في مجتمع واحد، وتربطهم ببعضهم صلات متعددة فقد اتفقوا على تشكيل حزب أو جبهة (إسلامية) تعمل على إلغاء وإبطال الترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي والتي أعلنها الرسول، والحيلولة بين الهاشميين وبين أن يجمعوا مع (النبوة الملك) وأضفوا على هذا الهدف الخطير طابعا (إسلاميا) بالقول بأن جمع الهاشميين للنبوة والملك يؤدي إلى
٧ – واتفقوا على أنه لا مجال لتنفيذ هذا المخطط أثناء حياة النبي، ولا ينبغي الجهر بذلك، بل ينبغي الإعداد وانتظار موت النبي، وأكبر الظن أن زعامة بطون قريش والمنافقين هم الذين خططوا لقتل النبي أثناء عودته من غزوة تبوك ولم يكن لذلك النفر من المهاجرين علم بذلك!!
٨ – حسب تقديرات قادة هذا التحالف فإن وحدة الفئة القليلة المؤمنة قد تم اختراقها تماما، وبموت الرسول ستخرج من المواجهة، وسيعزل ولي
(٤) المصدر السابق.
كانت السنة المطهرة أعظم عائق بينهم وبين ملك النبوة
لقد وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النقاط على الحروف، ورتب عصر ما بعد النبوة من خلال سنته الطاهرة ترتيبا محكما، وكل يوم يضع بأمر ربه لمسة على هذا الترتيب، وقد رأت الأمة وسمعت كل ما قاله رسول الله، فلم يكن بإمكان الطامعين بالملك أن يتجاهلوا وجود سنة الرسول، ولا كان بإمكانهم أن ينكروها، أو أن يقفزوا من فوقها، لقد كانت سنة الرسول أعظم عائق أو حائل يحول بينهم وبين الاستيلاء على ملك النبوة بعد موت النبي!!
لقد نقشت نصوص السنة في أذهان الناس، وكان من المستحيل تجاهلها، لذلك رأت قيادة التحالف، أن السنة لا يمكن تدميرها إلا بالتشكيك بصاحبها (رسول الله) وإقناع الناس بأنه بشر، وليس كل ما يقوله صحيحا، وأن مهمته محصورة بتلقي القرآن من الله، وتبليغه للناس بدون زيادة أو نقصان وأي كلام آخر للرسول يحتمل الخطأ ويحتمل الصواب، والأكثرية هي التي تعرف أين الخطأ وأين الصواب في كلام رسول الله!! (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا).
المبدأ العام الذي اتفقوا عليه وعبروا منه لتدمير سنة الرسول
بما أن محمدا قد بنى ملكا عظيما، فمن مصلحة زعامة بطون قريش ومن والاها أن يعترفوا بنبوة محمد، وأن يسلموا ليدعوا في ما بعد أنهم.
مثال على ذلك في غياب سنة الرسول، وفي أعمال (حسبنا كتاب الله) (ولا كتاب مع كتاب الله) يمكن لقادة التحالف أن يتلوا قول الله تعالى:
(وأمرهم شورى بينهم) فيفسرون هذا النص ويبينونه على أن السلطة أو الخلافة من بعد النبي شورى!!! فما تراه الأكثرية الساحقة من المسلمين (بطون قريش ومن والاها والمنافقون والمرتزقة من الأعراب وذلك النفر من المهاجرين) حقا فهو حق!! وما تراه باطلا فهو باطل، وما تختاره للخلافة بعد وفاة النبي فهو خليفة!! ولا قيمة لاعتراض الأقلية المؤمنة، فهم قلة.
أما الوجه الثالث من هذا المبدأ الذي اعتمدته زعامة بطون قريش والمنافقون والمرتزقة من الأعراب وذلك النفر من المهاجرين فهو تغطية المعصية والتمرد على الشرعية الإلهية بشعار من الشعارات الدينية بظاهرها!!
على سبيل المثال: فعندما أمرهم الرسول بقتل أحد المنافقين لم ينفذوا أمر الرسول بحجة أن:
١ – ذلك المنافق يصلي، فتنفيذ أمر الرسول طاعة، وعدم تنفيذه معصية وخروج من الشرعية ومظلة أو غطاء المعصية قولهم (إنه يصلي) (١)!!
٢ – الرسول موجود أمامهم فقال لبعض الصحابة: (أريد أن أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا) فتصدت له الأكثرية بزعامة ذلك النفر من المهاجرين وقالوا له: (لا حاجة لنا بكتابك حسبنا كتاب الله!!) (٢) إنهم يعصون الرسول علنا، ويمتنعون عن تنفيذ أوامره، ويحرضون الآخرين على عدم تنفيذها ولكن تحت شعار (حسبنا كتاب الله!!!).
نماذج من أساليب قادة التحالف في التعامل مع الرسول وسنته
١ – تحريض المسلمين على عدم كتابة سنة الرسول والتشكيك بصواب وصحة ما يصدر عن الرسول من أقوال!!!
قال عبد الله بن عمرو بن العاص (كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله أريد حفظه، فنهتني قريش عن الكتابة، وقالوا: تكتب كل شئ تسمعه من رسول الله، ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضى، فأمسكت عن الكتابة. فذكرت ذلك لرسول الله، فأومأ إلى فمه وقال: أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق) (٢).
فكرر القول بأن هذه الرواية الصحيحة تكشف لنا بوضوح أسباب إنكارهم بأن الرسول قد أمر بكتابة وتدوين سنته، وأسباب منعهم في ما بعد لكتابة ورواية أحاديث الرسول، ومن هم الذين كانوا يقفون وراء ذلك!
فالسنة النبوية كشفت أعداء الله ورسوله، ووصفتهم وصفا دقيقا لا يخفى على عاقل، ورتبت نظام الحكم لعصر ما بعد النبوة ترتيبا محكما وبينت من هم الأئمة الذين سيقودون الأمة بعد وفاة النبي، هذه الأمور التي بينتها السنة لم تعجب زعامة البطون ولا قادة التحالف الذين كانوا يخططون بالظلام للاستيلاء على ملك النبوة، لذلك كانوا يشككون بكل ما يصدر عن الرسول
من ذلك أنهم أشاعوا بين المسلمين بأن الرسول الأعظم كان يفقد السيطرة على أعصابه، فيغضب، فيلعن ويسب الناس ويشتمهم ويؤذيهم أثناء غضبه بدون سبب!!!!
روى البخاري، ما يلي وبالحرف: (إن رسول الله كان يغضب، فيلعن، ويسب، ويؤذي من لا يستحقها، فدعا الله أن تكون لمن بدرت منه زكاة وطهورا) (١).
فالشخص العادي الذي لا تتوفر فيه مؤهلات النبوة، يترفع عن سب ولعن وإيذاء الناس بلا سبب، فكيف بسيد الخلق، وصاحب الخلق العظيم!! وقد اخترعوا هذه الأكذوبة على رسول الله ليستروا أعداء الله ورسوله الذين لعنهم الله على لسان رسوله، ليكون لعن رسول الله ميسما يميزهم عن غيرهم حتى يحذر المسلمون منهم ومن مكرهم القذر وكيدهم وحقدهم على رسول الله وآله وعلى دين الإسلام!!
وإمعانا بالتشكيك يقول الرسول وشخصه فقد ادعى قادة التحالف أن رسول الله كان يخيل إليه أنه يفعل الشئ، مع أنه لم يفعله.
روى البخاري ومسلم في صحيحهما ما يلي وبالحرف: (إن بعض
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما: (أن النبي قد سمع رجلا يقرأ القرآن في المسجد، فقال الرسول رحمه الله أذكرني كذا وكذا آية أسقطتها من سورة كذا) (٢).
فأنت ترى أنه لولا هذا القارئ المجهول لما تذكر النبي بزعمهم كذا وكذا آية أسقطها من سورة كذا!! وهذا تشكيك بذاكرة الرسول وأهليته حتى بالأمور المتعلقة بالقرآن الكريم فكيف بالأمور السياسية!!!
٣ – التشويش والمزايدة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
وأبرز الأمثلة على ذلك صلح الحديبية، فصلح الحديبية من أعظم الانجازات الإسلامية على الإطلاق، بل هو الثمرة المباركة لكافة المعارك التي خاضها رسول الله والمؤمنون مع أعداء الله وقد وصف الله تعالى في كتابه العزيز هذا الصلح (بالفتح المبين والنصر العزيز) لقد حسم هذا الصلح الموقف نهائيا لصالح الإسلام دون إراقة قطرة دم واحدة، ولو تغاضينا عن هذه النتائج الباهرة، – وهذا ليس ممكنا – فإن رسول الله قد خرج من المدينة إلى مكة بأمر من ربه، واستقر في منطقة الحديبية بأمر من ربه،
وبالرغم من كل ذلك فإن عمر بن الخطاب اعتبر هذا الصلح الذي رضي به الله ورسوله (دنية) في الدين وأخذ يرد على الرسول أمام الحاضرين، والرسول يقول له: (يا عمر إني رضيت وتأبى) (٤)!! وحاول عمر بن الخطاب أن يقنع الحاضرين بأن الصلح الذي ارتضاه الله ورسوله (دنية) في (الدين) ليفرضوا على الرسول إلغاء الصلح والرجوع عنه!! وهذا معنى قول عمر: (لو وجدت أعوانا لما أعطيت الدنية في ديني) أي أنه يريد أعوانا يقفون معه ضد النبي نفسه!! وحاول عمر أن يحرض الناس ضد الصلح وأن يحرضهم بعدم الاستجابة للرسول، وهذا معنى قول عمر:
(فعملت لذلك أعمالا) واضطر النبي أن يكشف بعض جوانب شخصية عمر، وأن يظهره على حقيقته، فأقبل الرسول على عمر وقال: (أنسيتم يوم
(٣) المصدر السابق.
(٤) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٧٠٦، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٧ ص ٣٢٠.
قال أبو سعيد الخدري: (جلست مع عمر بن الخطاب يومئذ فذكر القضية أي صلح الحديبية فقال لقد دخلني يومئذ من الشك وراجعت النبي مراجعة ما راجعته مثلها قط، ولقد عتقت في ما دخلني يومئذ رقابا وصمت دهرا، وإني لأذكر ما صنعت خاليا فيكون أكبر همي) (٧).
والمثير حقا أن أولياءه قد سجلوه شاهدا على وثيقة صلح الحديبية (٨) لقد برع القوم بإعطاء دور البطولة لعمر في كل موقف حتى وإن خالف الرسول أو اختلف معه!! فمخالفة عمر لرسول الله تكون دائما لحكمة رآها عمر وكانت خافية على رسول الله!!
(٣) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٠٠.
(٤) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٠٠.
(٥) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٠٠.
(٦) صحيح البخاري ج ٦ ص ١٢٢ باب الشروط.
(٧) المغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٠٧.
(٨) شرح النهج ج ٣ ص ٧٩٠.