القرآن في الاسلام – الأستاذ العلامة السيد الطباطبائي
18 سبتمبر,2023
القرآن الكريم
189 زيارة
المعنى الحقيقي للتأويل في عرف القرآن :
ملخص ما نستفيده من الآيات الوارد فيها لفظ التأويل – وقد سبق ذكر بعضها – أنه
ليس من قبيل المعنى الذي هو مدلول اللفظ . فان من الواضح أن ما نقل في سورة يوسف من
رؤياه وتأويله لا يدل اللفظ الذي يشرح الرؤيا على تأويله دلالة لفظية ، ولو كانت تلك
الدلالة من قبيل خلاف الظاهر . وهكذا في قصة موسى والخضر عليهما السلام ، فان ألفاظ
القصة لا تدل على التأويل الذي ذكره الخضر لموسى . كما أنه في آية ( وأوفوا الكيل إذا
كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ) لا تدل هاتين الجملتين دلالة لفظية على وضع اقتصادي
خاص هو التأويل للأمر الوارد فيها . وفي آية ( فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله
والرسول ) لا تدل الآية دلالة لفظية على تأويله الذي هو الوحدة الاسلامية . . . وهكذا
دواليك في الآيات الأخرى لو أمعنا النظر فيها .
بل في الرؤيا تأويله حقيقة خارجية رآها الراؤون في صورة خاصة ، وفي قصة موسى والخضر
تأويل الخضر حقيقة تنبع منها اعماله التي عملها ، والأمر في آية الكيل والوزن تأويله
مصلحة عامة تنبع منه ، وآية رد النزاع إلى الله والرسول أيضا شبيهة بما ذكرناه .
فتأويل كل شئ حقيقة ينبع ذلك الشئ منها وذلك الشئ
بدوره يحقق التأويل ، كما أن صاحب التأويل بقاؤه بالتأويل وظهوره في صاحبه .
وهذا المعنى جار في القرآن الكريم ، لأن هذا الكتاب المقدس يستمد من منابع حقائق
ومعنويات قطعت أغلال المادية والجسمانية ، وهي أعلى مرتبة من الحس والمحسوس وأوسع من
قوالب الألفاظ والعبارات التي هي نتيجة حياتنا المادية .
ان هذه الحقائق والمعنويات لا يمكن التعبير عنها بألفاظ محدودة ، وانما هي إلفات
للبشرية من عالم الغيب إلى ضرورة استعدادهم للوصول إلى السعادة بواسطة الالتزام
بظواهر العقائد الحقة والأعمال الصالحة ، ولا طريق للوصول إلى تلك السعادة الا بهذه
الظواهر ، وعندما ينتقل الانسان إلى العالم الآخر تتجلى له الحقائق المكشوفة ، وهذا
ما يدل عليه آيتا سورتي الأعراف ويونس المذكورتان .
والى هنا يشير أيضا قوله تعالى : ( حم * والكتاب المبين * انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم
تعقلون * وانه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ) ( 1 ) .
انطباق الآية على التأويل بالمعنى الذي ذكرناه واضح لا غبار عليه ، وخاصة لأنه قال
لعلكم تعقلون ولم يقل لعلكم تعقلونه ، لأن علم التأويل خاص بالله تعالى كما جاء
في آية
المحكم والمتشابه وما يعلم تأويله الا الله ، ولهذا عندما تريد الآية أن تذكر
المنحرفين الذين يتبعون المتشابهات ، فتصفهم بأنهم يبتغون الفتنة والتأويل ولم تصفهم
بأنهم يجدون التأويل .
فإذا التأويل هو حقيقة أو حقائق مضبوطة في أم الكتاب ولا يعلمها الا الله تعالى
وهي مما اختص بعالم الغيب .
2023-09-18