الرئيسية / الاسلام والحياة / أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها

أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها

أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ٣٠١ – ٣٢٠

يجمعها، ثم ناشد الناس أن يأتوه بسنة رسول الله المكتوبة عندهم (١) حتى يستعين بها في مشروعه ” جمع السنة ” وناشد الناس أن يأتوه بالكتب المحفوظة لديهم حتى ينظر فهيا ويقومها فأرسلت الأكثرية الساحقة من المسلمين سنة الرسول المكتوبة، والكتب المحفوظة عندهم، ولما وضعت بين يديه لم يقرأ صفحة واحدة منها، إنما أمر بحرقها وحرقت فعلا (٢) وبعد ذلك عمم الخليفة الثاني على كافة الأمصار الخاضعة لحكمه أن من كان عنده شئ منها فليمحه (٣).وبعد أن تيقن الخليفة أنه قد أحرق سنة الرسول المكتوبة، وأن ولاة الأمصار محو ما هو مكتوب منها عندهم، ركز كافة جهوده على منع الرواية عن رسول الله، فنهى علنا عن رواية أحاديث الرسول (٤) وهدد من يروى عن رسول الله (٥) ومن تاه وروى حديثا طالبه بالبينة وإلا ضربه (٦) أو ضربه بالدرة أو حبسه (٧).

وهكذا نجح الخليفة الثاني باستبعاد سنة الرسول استبعادا تاما، ونجح بفرض ذلك على رعايا دولته، فصار إبعاد سنة الرسول من واقع الحياة العملية والاحتفاظ ب‍ ” القرآن ” وحده هو الهدف المشترك للخليفة وولاته

 

(١) تقييد العلم ص ٧٩، ودفاع عدالته ص ٢١، وتدوين السنة ص ٢٧٢، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٥ ص ١٤٠، وتدوين القرآن ص ٣٧١.(٢) المصدر السابق.

(٣) كنز العمال ج ١٠ ص ٢٩١.

(٤) راجع بيان العلم ج ٢ ص ١٤٧، وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ٤ – ٥، والطبقات لابن سعد ج ٦ ص ٧، وسنن الدارمي ج ١ ص ٧٣، وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٧٣، والمستدرك على الصحيحين ج ١ ص ١١٠ ومعالم المدرستين ج ٣ ص ٤٥، وتدوين السنة ص ٤٣١.

(٥) المحدث الفاضل ص ٥٥٤ رقم ٧٤٦، والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٦٠، وتدوين السنة ص ٤٣١، وأخبار المدينة ج ٣ ص ٨.

(٦) صحيح مسلم ج ٣ ص ١٦٩٤، وموطأ مالك ج ٢ ص ٩٦٤، والرسالة للشافعي ص ٤٣٠، والطبقات الكبرى ج ٤ ف ١ ص ١٣ – ١٤.

(٧) الكامل لابن عدي ج ١ ص ١٨، والمستدرك للحاكم ج ١ ص ١١٠، والذهبي من ذيل المستدرك ومجمع الزوائد ج ١ ص ١٤٩، وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ٧.

 

٣٠١
وأوليائه، وتبعا لتوجه الخليفة وأوليائه وولاته، قل اهتمام الأكثرية الساحقة من المسلمين بسنة الرسول، وقللوا من قيمتها، وقل الاهتمام بها، وأخذوا في تناسيها إلا في الحدود التي يراها الخليفة وولاته!!!وصارت هذه السياسة الغاشمة إزاء سنة الرسول من المبادئ الكبرى التي حرص عليها كل الخلفاء، والتزموا بها التزاما حرفيا.

فسنة الرسول هي التي يعترف عمر بها، وما لا يعترف به عمر لا يعترف به الخلفاء، فما أجازه عمر فهو سنة الرسول، وما لم يجزه عمر فليس من سنة الرسول في شئ.

 

عثمان بن عفان وسنة الرسول

قال محمود بن لبيد سمعت عثمان على المنبر يقول: ” لا يحل لأحد يروي حديثا عن رسول الله لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا عهد عمر ” (١) فما أجازه الخليفتان واعتبراه من سنة الرسول فهو منها بالفعل، وما لم يجيزاه فليس من سنة الرسول!!! وقد رأينا أن الخليفتين لم يجيزا من سنة الرسول إلا ما ندر!!

 

سنة الرسول في العهد الأموي

رأينا ما قاله عثمان على المنبر، ولما آلت الخلافة إلى معاوية سلك طريق أصحابه الذين مهدوا له الدرب للوصول إلى الخلافة، فكان معاوية يقول علنا: ” لا تحدثوا عن رسول الله ” (٢) قال ابن عدي: ” إن معاوية نهى أن يحدث عن رسول الله بحديث إلا حديثا ذكر على عهد عمر فأقره ” (٣)

 

(١) الطبقات لابن سعد ج ٢ ف ٢ ص ١٠٠، ومسند أحمد ج ١ ص ٣٦٢ – ٣٦٣، وتدوين السنة ص ٤٧٢.(٢) الفقيه والمتفقه للخطيب ج ١ ص ٧، وتدوين السنة ص ٤٧٣.

(٣) الكامل لابن عدي ج ١ ص ٣٣، وج ١ ص ١٨، ومسند أحمد ج ٤ ص ٩٩، وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ٧.

 

٣٠٢
وكان يقول على منبر دمشق: ” إياكم والحديث على رسول الله إلا حديثا كان في عهد عمر… ” (١).وكتب يزيد بن معاوية إلى أبيه أن جبير بن نضير نشر في مصر حديثا!!! فقد تركوا القرآن!! فبعث معاوية إلى جبير فجاءه فقرأ عليه كتاب يزيد، فعرف بعضه وأنكر بعضه!! فقال معاوية: لأضربنك ضربا أدعك لمن بعدك نكالا ” (٢).

 

معاوية يفصح ضمنا عن الغاية من منع رواية وكتابة سنة الرسول

التزم معاوية بالموقف الذي اتخذه الخلفاء الثلاثة من سنة الرسول، وأفصح ضمنا عن الغاية التي ابتغوها من وراء منع رواية وكتابة سنة رسول الله، والاعتماد على القرآن والقرآن وحده، فقد أصدر معاوية مرسوما عممه على كافة عماله على كافة الأقاليم الخاضعة لحكمه هذا نصه: ” أن برئت الذمة ممن روى شيئا في فضل أبي تراب وأهل بيته ” (٣) فهذه هي الحكمة التي ابتغاها الخلفاء من منعهم لرواية وكتابة سنة الرسول ومن إحراقهم للمكتوب منها!!! لأنهم إن فتحوا أبواب رواية السنة النبوية، وأعطوا المسلمين الحرية بروايتها فسيكتشف المسلمون بأن رسول الله قد عين الإمام عليا خليفة من بعده كما سمى أحد عشر خليفة يتعاقبون على الخلافة من بعد علي كلهم من ذرية النبي ومن صلب علي كما وثقنا، وسيكتشف المسلمون بأن الخلفاء قد غصبوا ما ليس لهم، وحالوا بين أهل بيت النبوة وبين حقهم الشرعي برئاسة الأمة الإسلامية، وعندما يكتشف

 

(١) صحيح مسلم ج ٢ ص ٧١٨ كتاب الزكاة باب النهي عن المسألة.(٢) سير أعلام النبلاء ج ٤ ص ٧٧.

(٣) شرح النهج ج ٣ ص ٥٩٥ – ٥٩٦ تحقيق حسن تميم.

 

٣٠٣
المسلمون ذلك ففي وقت يطول أو يقصر سيعيدون الحق لأصحابه الشرعيين، وسيعاقبون الغاصبين!!هذا هو السر في منع كتابة ورواية سنة الرسول وإحراق المكتوب منها، وأما شعار حسبنا كتاب الله، أو بيننا وبينكم كتاب الله!! أو لا كتاب مع كتاب الله فليس إلا ستارا ومبررا فضفاضا ليس إلا!!!

ومع أن معاوية سار على منهج الخلفاء الثلاثة الذين وطدوا له إلا أنه قد ركز تركيزا خاصا على ” المفصل ” أو السبب الرئيسي من المنع ” وهو الحيلولة بين المسلمين وبين معرفة فضل أبي تراب وأهل بيت النبوة.

ثم انتقل معاوية نقلة نوعية، واتبع أسلوبا جديدا لتدمير سنة الرسول وهو ما يمكن أن نطلق عليه ” حرب الفضائل ” فخلافا لسياسة دولة الخلافة القائمة على منع كتابة ورواية الرسول فقد أمر برواية فضائل ومناقب عثمان، ولما غصت البلاد بفضائل عثمان أمر برواية فضائل الصحابة، والخلفاء الأولين، وجاء في مراسيمه ما يلي وبالحرف: ” ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب وأهل بيته إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة!! ” وهكذا لم يفتح معاوية باب الرواية عن رسول الله في مجالي الفضائل والمناقب فحسب، بل فتح باب الوضع والكذب على رسول الله!!

وخصص معاوية للرواة صلات وكساء وحباء وقطائع، فانبجست الأرض عن مئات الألوف من الرواة طمعا بما يعطيه معاوية، ووضعت الملايين من المناقب والفضائل التي لا وجود لها إلا في خيالات رواة معاوية، ثم أسندت كلها لرسول الله!!!

ثم فرض معاوية على الخاصة والعامة الاعتراف بهذه المرويات وحفظها وتدريسها، واعتبارها من وثائق الدولة الرسمية. قال ابن نفطويه:

” إن أكثر هذه المرويات مفتعلة، ولا أصل لها، وكان القصد منها إرغام

٣٠٤
أنوف بني هاشم ” (١)!!! وعندما سمعوا في ما بعد برواية وكتابة سنة الرسول كانت تلك المرويات الكاذبة جزءا من وثائق الدولة ومشهودا بصحتها فأخذها الرواة الجدد دون مناقشة!!ولاح لمعاوية أن هذا الكم الهائل من المرويات المختلفة في فضائل الصحابة ومناقبهم سيمنع كافة النصوص الشرعية الواردة في فضل أبي تراب وأهل بيته أو أن فضائل الإمام وأهل بيت النبوة ستضيع في هذا المحيط المترامي من المرويات الكاذبة!!

والخلاصة، أن قرار الخليفة الأول والثاني بمنع كتابة سنة الرسول ومنع روايتها بقي ساري المفعول حتى زمن عمر بن عبد العزيز الأموي المتوفى سنة ١٠١ ه‍، فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، رفع المنع عن كتابة ورواية سنة الرسول، وكتب إلى أهل المدينة: ” أن انظروا حديث رسول الله فاكتبوا، فإني خفت دروس العلم وذهاب أهله ” وكان ابن شهاب الزهري أول من دون الحديث على رأس المائة هجرية بأمر من عمر بن عبد العزيز ثم كثر التدوين والتصنيف (٢).

قال الشيخ محمد أبو زهرة: ” كاد القرن الأول ينتهي ولم يصدر أحد من الخلفاء أمره إلى العلماء بجمع الحديث، بل تركوه موكولا إلى حفظهم، ومرور هذا الزمن الطويل كفيل بأن يهذب بكثير من حملة الأحاديث من الصحابة والتابعين (٣).

 

 

(١) راجع شرح النهج لابن أبي الحديد، وما نقله عن المدائني في كتابه الأحداث ج ٣ ص ٥٩٥ – ٥٩٦ تحقيق حسن تميم.(٢) فتح الباري باب كتابة العلم ج ١ ص ٢١٨.

(٣) الحديث والمحدثون ص ١٢٧، وتدوين السنة الشريفة ص ٤٨٢.

 

٣٠٥

الفصل السابع
منع الخلفاء لكتابة ورواية سنة الرسول ليس شاملا كل السنة!!

صحيح أن أبا بكر قد أحرق الأحاديث التي سمعها بأذنيه من رسول الله وكتبها بخط يده، وصحيح أنه قد أمر المسلمين بأن لا يحدثوا شيئا عن رسول الهل، وصحيح أيضا أن عمر بن الخطاب قد أوهم الناس بأنه يريد أن يجمع سنة الرسول وناشدهم أن يأتوه بها لهذه الغاية، وصحيح أيضا بأنه قد ناشد الناس بأن يأتوه بالكتب الموجودة لديهم، فلما تجمعت بين يديه أمر بحرقها وحرقت فعلا، وصحيح أنه قد عمم على كافة الأقاليم الخاضعة لحكمه أن من كان عنده شئ من سنة الرسول فليمحه، وصحيح أيضا أنه قد نهى عن كتابة سنة الرسول، ونهى عن روايتها وحبس بعض الرواة، وضرب بعضهم، وتوعد بعضهم كما فصلنا ذلك في الفصل السابق.

ولكن المؤكد أن الخليفتين لم يقصدا المنع الشامل لكتابة ورواية سنة الرسول، إنما قصدا منع كتابة ورواية سنة الرسول المتعلقة بالرئاسة العامة من بعده، والمتعلقة بمكانة أهل بيت النبوة، والمتعلقة بالمنافقين وبأعداء الله ورسوله السابقين، والمتعلقة بتحذيراته من مكر الذين سير تدون على

٣٠٦
أعقابهم،… الخ فلو فتحوا باب الرواية لاكتشف المسلمون سريعا بأن كل شئ ليس في محله الشرعي، ولوقع الخلاف وانهارت دولتهم، ولتهدم كل ما بنوه ولخسروا الدنيا والآخرة، لذلك أرعبتهم سنة الرسول، وخافوا منها، لذلك صمموا أن يحرقوا المكتوب منها، وأن يمنعوا المسلمين من أن يحدثوا شيئا عن رسول الهل، حتى لا يحدثوا في الأمور التي يخشاها الخلفاء وأعوانهم.كان صعبا على الخليفتين أن يقولا: لا تحدثوا عن سنة الرسول المتعلقة بالرئاسة وبأهل البيت وبالمنافقين، أو التي تحذر من أعداء الله السابقين أو من أولئك الذين سيرتدون على أعقابهم أو… الخ لأن ذلك سيزيد طينتهم بلة وسيعمق جراحاتهم، ويعرض أمنهم للخاطر، لذلك عمدوا للتعميم والغموض ولكنهم وأولياؤهم يعرفون ما هو الخطر من سنة رسول الله المكتوبة وغير المكتوبة.

وبالرغم من أن عمر بن الخطاب، قد شن حملة ضاربة على سنة رسول الله المكتوبة، وغير المكتوبة إلا أنه قد أباح للمسلمين بأن يرووا عن رسول الله ما يعمل به (١) فليس لدى الخليفة عمر أو غيره ما يمنع من رواية سنة الرسول المتعلقة بالصلاة والصوم والحج وغيرها من العبادات، لأن رواية سنة الرسول المتعلقة بمثل هذه الأمور لا تؤثر على حكمه ولا على نظامه، ولا على المنافقين وأعداء الله السابقين الذي استعان بهم!!

قال الدارمي في شرح لنهي عمر للوفد الذي أرسله للكوفة بأن لا يحدثوا عن رسول الله حتى لا يصدوا الناس عن القرآن: ” معناه عندي الحديث عن أيام الرسول وليس السنن والفرائض ” (٢).

 

 

(١) البداية والنهاية لابن كثير ج ٨ ص ١٠٧.(٢) سنن الدارمي ج ١ ص ٧٣ ح ٢٨٦.

 

٣٠٧
وقال ابن عبد البر: ” إن عمر إنما نهى عن الحديث عما لا يفيد حكما ولا يكون سنة ” (١) جاء علقمة بكتاب من مكة أو اليمن ” صحيفة فيها أحاديث في أهل البيت ” قال فاستأذنا على عبد الله فدخلنا عليه قال فدفعنا إليه الصحية، قال فدعا الجارية ثم دعا بطست فيها ماء، فقلنا يا أبا عبد الرحمن أنظر فيها، فإن فيها أحاديثا حسانا فجعل يميثها فيها ويقول:(نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القران) ” القلوب أوعية، فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها ما سواه ” (٢).

لقد كان معاوية واضحا في هذه الناحية كل الوضوح فقد حدد الغاية من منع كتابة ورواية الرسول وهي صد الناس عن الإمام علي وأهل بيت النبوة حتى لا يكتشف الناس بأن معاوية وطواقمه غاصبون ما ليس لهم، وقد عالجنا هذا الموضوع في الفصول السابقة.

أحيانا تتفق بعض نصوص سنة الرسول مع ما تهوى أنفس الخلفاء، أو مع توجهاتهم فيمسكون بسنة الرسول، ويعضوا عليها بالنواجذ ويعتبرون الرسول معصوما، ولا ينطق عن الهوى!!! فحتى لو كان النص غير صحيح، أو غير ثابت، فإنهم يتركون القرآن ويتبعون سنة الرسول، عندما أرادوا أن يحرموا أهل بيت النبوة من تركة الرسول، روى راو واحد بأن رسول الله قد قال: ” إن الأنبياء لا يورثون ” (٣) عندئذ تمسك الخليفة الأول بسنة الرسول، ومع أنه هو الذي أمر الناس بأن لا يحدثوا عن رسول الله شيئا وأن يقول لمن يسأل عن شئ بيننا وبينكم كتاب الله، إلا أن الخليفة قد استمات بالدفاع عن سنة الرسول فقالت له الزهراء: (وورث سليمان داود)، وكلاهما نبي (يرثني ويرث من آل يعقوب) وهو نبي، وقالت: (وأولوا الأرحام

 

(١) جامع بيان العلم ج ٢ ص ١٢١.(٢) تقييد العلم ص ٥٤، وتدوين السنة ص ٤١٣، وعبد الله هو عبد الله بن مسعود (٣) صحيح الترمذي ج ٧ ص ١١١، ومسند أحمد ج ١ ص ١٤ ح ٦٠

 

٣٠٨
بعضهم أولى ببعض) ومع هذا فقد أبى الخليفة أن يتزحزح عما توهم بأنه سنة الرسول!! لأن هذه السنة المزعومة تتفق مع توجهات الخليفة كذلك وعندما أراد الخليفة أن يحرم أهل بيت النبوة من حقهم في الخمس احتج بأنه قد سمع الرسول يقول: ” سهم ذوي القربى للقربى حال حياتي وليس لهم بعد مماتي ” (١) ومع أن هذا الحديث غير صحيح، وأصحاب الحقوق لا يعرفونه إلا أن الخليفة قد تمسك به وأصر عليه، وبموجبه حرم أهل بيت النبوة من حقهم الثابت في الخمس فالخليفة بهذين المثالين يترك القرآن نفسه ويتمسك بسنة الرسول لأنها تتفق مع ما يريد، ومع توجهاته!!قال عمر الذي أحرق سنة الرسول المكتوبة، ومنع الرواية عن رسول الله وحبس الرواية وتوعدهم وضربهم: ” لو أدركت أبا عبيدة بن الجراح بانيا استخلفته ووليته، فإذا قدمت على ربي وسألني… قلت أي ربي سمعت عبدك ونبيك يقول لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة، ولو أدركت معاذ بن جبل استخلفته، فإذا سألني ربي… قلت سمعت عبدك ونبيك يقول: إن معاذ بن جبل يأتي بين يدي العلماء يوم القيامة!!

ولو أدركت خالد بن الوليد لوليته فإذا قدمت على ربي… قلت سمعت عبدك ونبيك يقول: خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله على المشركين ” (٢) أنت ترى أن الخليفة عمر يلتزم بالسنة بها، فخالد بن الوليد توجهه، ومع أن هذه السنة غير صحيحة لكنه يلتزم بها، فخالد بن الوليد أسلم بعد صلح الحديبية، وكان أحد أبرز قادة جبهة الشرك ولكن كان دوره بارزا في تثبيت الخلافة، وله ميزة أخرى أنه كان من الحاقدين على علي بن أبي طالب، وأهل بيت النبوة.

ويجدر بالذكر أن خالدا قد قتل عامل رسول الله وصاحبه مالك بن

 

(١) شرح النهج ج ٤ ص ٨٢، وتاريخ الإسلام ج ١ ص ٣٤٧، وكنز العمال ج ٥ ص ٣٦٧.(٢) الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ ص ٢٣ – ٢٤.

 

٣٠٩
نويرة وتزويج امرأته يوم قتل زوجها دون عدة، ويجدر بالذكر أيضا أن عمر بن الخطاب كان قد اقترح على أبي بكر أن يقيم الحد على خالد بن الوليد بقوله: ” إن خالد زنى فارجمه ” (١) إذا كانت سنة الرسول المزعومة تتفق مع توجهات الخلفاء وما تهوى أنفسهم، فهي وجبة التطبيق حتى ولو تعارضت مع القرآن الكريم أما إذا كانت سنة الرسول تتعارض مع توجهات الخلفاء وما تهوى أنفسهم، فسنة الرسول ممنوعة والقرآن وحده يكفي!!!والرسول هنا بشر يتكلم في الغضب والرضا، ولا ينبغي أن يحمل كلامه على محمل الجد!!

فعندما أمر رسول الله أسامة طعن عمر بهذا التأمير، ورأى أن تأمير الرسول لأسامة غير صحيح وغير مناسب، وأخذ يحرض الناس على عدم الخروج، وحتى بعد موت الرسول طلب عمر من أبي بكر أن يعزل أسامة (٢) وعندما أراد الرسول أن يكتب وصيته وتوجيهاته النهائية، حال عمر وحزبه بين الرسول وبين كتابة ما أراد وقال أمامه وهو مريض: إن الرسول يهجر وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، كما وثقنا، وكم بين الرسول أمام عمر من أحكام بالإمام علي، لقد شهد عمر نفسه تنصيب الرسول للإمام علي خليفة من بعده، وبايعه عمر وهنأه بالخلافة، وبعد موت الرسول انقلب عليه، وتنكر لكل ما قاله الرسول في الإمام علي وفاطمة والحسن والحسين وأهل بيت النبوة!!! لقد هم عمر بحرقهم وهم أحياء في اليوم الثاني لوفاة الرسول.

وأهلية أبي عبيدة وخالد للخلافة لا تكمن في ما قاله الرسول عنهما بل تكمن بمشاركتهما لعمر بالشروع بحرق بيت فاطمة بنت الرسول في

 

(١) كنز العمال ج ٣ ص ١٣٢.(٢) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٢٦، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٣٣٥، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٠٩ و ٢٣٦، وراجع ما كتبناه تحت عنوان ” الصد العلني عن سنة الرسول وتحريض المسلمين على عدم اتباعها “

 

٣١٠
اليوم الثاني لوفاة أبيها رسول الله!!! كما وثقنا أكثر من مرة بالفصول السابقة، وبعدائهما التام لأهل بيت النبوة، وكراهيتهم بأن تؤول الرئاسة لأهل بيت النبوة!!كان هدفهم ينصب على طمس معالم السنة، التي تكشف الحقائق الشرعية كشفا موضوعيا، ونسوق مثالا آخر على موقفهم من سيرة الرسول، فلو أباحوا للمسلمين كتابة سيرة الرسول بموضوعية وصدق وحياد لاكتشف المسلمون أن الإمام عليا كان هو فارس الإسلام في كل المواقع، وحامل راية النبي، وأنه هو الذي فتك بأعداء الله، وأن آل محمد هو أول من قاتل، وهم الذين حملوا الرسول قبل الهجرة، فلولاهم لقتلت زعامة بطون قريش رسول الله، ولما قامت للإسلام قائمة، وسيكتشف المسلمون بأن الخلفاء لم يكن لهم أي دور مميز في أية معركة من المعارك التي جرت بين الكفر والإيمان، ومع أن التاريخ قد كتب تحت إشرافهم إلا أنه لم يرو راو قط أن أحدا من الخلفاء قد قتل أو جرح أو أسر مشركا!!! ولم يرو راو قط أن بني تيم أو بني عدي أو بني أمية هم الذين حموا رسول الله قبل الهجرة، أو هم الذين حاربوا معه بعد الهجرة، بل كل الرواة متفقون بإن هذه البطون وبقية قريش ال ٢٣ هم الذين اتحدوا على مقاومة النبي وهم الذين اشتركوا بمحاصرة ومقاطعة الهاشميين في شعب أبي طالب، وهم الذين تآمروا على قتل النبي بل وشرعوا بقتله ليلة الهجرة، وهم الذين جيشوا الجيوش وحاربوا النبي بعد الهجرة، ولم يتوقفوا عن حربه إلا بعد أن هزمهم الرسول. لو عرف المسلمون ذلك، لما وجدوا مبررا واحدا لتقدم الخلفاء وتأخر أهل بيت النبوة، أو لإذلال الهاشميين، وخلع أثواب العز على بقية بطون قريش ولما وجدوا مبررا لتقديم أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم على الإمام علي!! إن سنة الرسول هي التي تكشف الأصيل من الزائف والحق من الباطل، وتحدد المواقع الشرعية للناس، هذا هو سر عدائهم لسنة الرسول، وخوفهم منها، وهذا هو الهدف من محاولتهم المستميتة لطمسها.

 

٣١١
كان سليمان بن عبد الملك وليا للعهد الأموي، حج ذات سنة ومر بالمدينة، وركب إلى مشاهد رسول الله، فأمر إبان بن عثمان أن يكتب له سيرة الرسول، فقال إبان: هي عندي قد أخذتها مصححة، فأمر بنسخها، ولما اطلع سليمان عليها، ورأى ما فيها، أمر بذلك الكتاب فحرق، وعندما رجع إلى عاصمة ملكه ذكر ذلك لأبيه فقال عبد الملك: ” وما حاجتك أن تقدم بكتاب ليس لنا فضل فيه، تعرف أهل الشام أمورا لا نريد أن يعرفوها فقال سليمان: لقد أمرت بتحريق الكتاب فصوبه عبد الملك ” (١).سليمان لا يدري أن رسول الله قد لعن جده مروان بن الحكم، ولعن أباه الحكم بن العاص ووسمهم بأنهم أعداء الله، وحذر منهم، ولا يدري بأن أجداده وأقاربه هم الذين قادوا جبهة الشرك، ولا أهل الشام، ولا حديثو العهد بالإسلام يدرون بذلك!! فما هي مصلحتهم وما هي مصلحة الخلفاء بإباحة سنة الرسول التي تكشف ذلك!! إن مصلحتهم ومصلحة ملكهم تقضي بطمس سنة الرسول، واعتبارها هي الخطر الداهم الذي يهدد ملكهم ومصالحهم!!!

طلب خالد القسري أحد ولاة بني أمية من أحد العلماء أن يكتب له سيرة الرسول، فقال ذلك العالم: ” فإنه يمر بي الشئ من سيرة علي بن أبي طالب أفأذكره؟ فقال خالد: لا، إلا أن تراه في قعر جهنم ” (٢) إذا تحدثوا عن سيرة الرسول أو سنة الرسول، فإنهم يريدونها سيرة مزورة تخدم ملكهم ومصالحهم، وتشهد لصالحهم زورا، فإذا لم يتمكنوا من إيجاد مثل هذه السيرة أو السنة، فلا داعي لسيرة ولا لسنة تشكل خطرا على دولتهم ووجودهم، وتخدم أعداءهم الألداء آل محمد ومن والاهم!!!

 

 

(١) الموفقيات للزبير بن البكار ص ٢٢ – ٢٢٣.(٢) الأغاني ج ٢٢ ص ٢٥، وتدوين السنة الشريفة ص ٤٢١.

 

٣١٢

أهل بيت النبوة والقلة المؤمنة قاوموا سياسة الخلفاء الرامية إلى طمس سنة الرسول

على الرغم من أن الخلفاء قد أحرقوا سنة الرسول المكتوبة عند الناس، والكتب المحفوظة لديهم ومنعوا المسلمين من أن يحدثوا عن رسول الله شيئا، واستعانوا بسلطة الدولة ونفوذها لطمس سنة رسول الله، ومنع المسلمين من كتابة ورواية هذه السنة إلا أن أئمة أهل بيت النبوة، والقلة المؤمنة التي والتهم، قد تحدوا سياسة الدولة وقرارات منع كتابة ورواية السنة، فلم يستجيبوا للخليفة الثاني عندما ناشدهم بأن يأتوه بسنة الرسول المكتوبة عندهم، بأن الخليفة يريد أن يحرق سنة الرسول المكتوبة، لأنهم يعلمون علم اليقين بأن الخليفة يريد أن يحرق سنة الرسول المكتوبة، وما قوله بأنه يريد أن يجمع السنة إلا وسيلة ليتمكن من حيازة السنة المكتوبة وحرقها.

ففي الوقت الذي كان فيه الخلفاء يأمرون المسلمين بأن لا يكتبوا سنة الرسول، ولا يرووا منها شيئا، كان أهل بيت النبوة يحثون المسلمين على التمسك بسنة نبيهم، وروايتها وحفظها وكتابتها، فكان الإمام علي يقول:

” قيدوا العلم بالكتاب، قيدوا العلم بالكتاب ” (١) وكان يقول: ” من يشتري مني

 

(١) تقييد العلم ص ٨٩ – ٩٠. 

٣١٣
علما بدرهم ” (١) وكانوا يروون عن رسول الله قوله: ” أكتبوا هذا العلم فإنكم ستنتفعون به إما في دنياكم وإما في آخرتكم وأن العلم لا يضيع صاحبه ” (٢).وعندما آلت الخلافة إلى الإمام علي، كانت فرصة أمامه لإثبات فساد سياسة منع كتابة ورواية سنة الرسول، ولأن هذه السياسة قد تمكنت من نفوس العامة، واعتبروها جزءا من سنة الخلفاء، فقد تعددت أساليب الإمام بمقاومتها فكان يحث المسلمين على الرواية والكتابة في كل شئ، وفي سنة الرسول خاصة، وأحيانا كان يلجأ إلى أسلوب المناشدة، كقوله سألت الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله يقول في غدير خم: ” من كنت مولاه فهذا علي مولاه ” أن يقم فيقوم العشر والعشرون والقلة والكثرة، وبهذا الأسلوب تمكن الإمام من إعادة الاهتمام بسنة رسول الله ومن تقويض الأسس التي قامت عليها سياسة منع وكتابة ورواية سنة الرسول، كما فضح الغاية التي توخاها الخلفاء من سياسة منع كتابة ورواية سنة الرسول، وكان لخطبه ودروسه ومواعظه، أبلغ الأثر في نسف القناعات التي أوجدها الخلفاء، وإعادة الاعتبار للقناعات الشرعية التي وضعها رسول الله، وحاول الخلفاء طمسها، وكان الإمام يملي على الراغبين بالكتابة الأصول الأساسية في مختلف العلوم الشرعية والإنسانية، على سبيل المثال التعليقة النحوية التي ألقاها الإمام إلى أبي الأسود الدؤلي (٣)، ولعبت كتب الإمام وعهوده إلى ولاته، وتوجيهاته لهم دورا عظيما باستجلاء معالم الشرعية التي حاولوا طمسها منها على سبيل المثال عهده للأشتر النخعي (٤).

 

 

(١) طبقات ابن سعد ج ٦ ص ١١٦ طبعة ليدن، وتاريخ بغداد ج ٨ ص ٣٥٧، وكنز العمال ج ٥ ص ٦١، رقم ٢٩٣٨٥.(٢) كنز العمال ج ١٠، ص ٢٦٢.

(٣) راجع سير أعلام النبلاء ج ٤ ص ٨٤، والأشباه والنظائر للسيوطي ج ١ ص ١٢ – ١٤، وتاريخ الخلفاء ص ١٤٣، والفهرست لابن النديم ص ٤٥، وتدوين السنة ص ١٤٣ – ١٤٤.

(٤) راجع نهج البلاغة طبعة صبحي الصالح ص ٤٢٧ – ٤٤٥.

 

٣١٤
وكان الإمام يتطرق حتى لأدق التفاصيل الفنية للكتابة، فيقول: ” ألق دواتك، وأطل جلفة قلمك وفرج بين السطور… ” (١).وكتب إلى عماله قائلا: ” أدقوا أقلامكم وقاربوا بين سطوركم… ” (٢).

وسار أئمة أهل بيت النبوة – كل في زمانه – على خط الإمام الرامي إلى فك الحصار الذي فرضه الخلفاء على كتابة ورواية سنة الرسول، فما من إمام من الأئمة إلا وكانت له كتبة، فكانوا يكتبون، ويملون على شيعتهم، ويجيبون على أسئلة السائلين، ويروون سنة الرسول عن آبائهم وأجدادهم، ويأمرون المسلمين بأن يكتبوا وينشروا سنة رسول الله.

جمع الإمام الحسن ولده وولد أخيه فقال لهم: ” يا بني وبني أخي إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبارا آخرين، فتعلموا العلم، فمن لم يستطع منكم أن يرويه فليكتبه، وليضعه في بيته ” (٣).

قال الإمام الحسين في خطبة له بمنى… ” اسمعوا مقالي، واكتبوا قولي ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم… فإني أتخوف أن يدرس هذا الأمر، ويذهب الحق ” (٤).

لقد كون الأئمة – كل في زمانه – وأتباعهم جبهة معارضة واقعية لسياسة دولة الخلاف وسنة الخلافة الرامية إلى طمس سنة رسول الله، وقد أثمرت معارضتهم لأن المؤمنين الصادقين قد التزموا بخط أهل بيت النبوة، ونفذوا توجيهات الأئمة الرامية إلى كتابة ونشر سنة الرسول، وفك الحصار المفروض عليها من الدولة وكان الإمام علي يقول: ” تذاكروا هذا الحديث

 

(١) نهج البلاغة الحكمة رقم ٣١٥ ص ٥٣٠، وتدوين السنة ص ١٤٦.(٢) الخصال للصدوق ج ١ ص ٣١٠.

(٣) طبقات ابن سعد ترجمة الإمام الحسن، وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٢٧، وسنن الدارمي ج ١ ص ١٠٧.

(٤) كتاب سليم بن قيس ص ١٦٥، وتدوين السنة ص ١٤٨.

 

٣١٥
وتزاوروا فإنكم إن لم تفعلوا يدرس ” (١) وكان ابن عباس يقول: ” تذاكروا هذا الحديث لا ينفلت منكم، فإنه ليس مثل القرآن محفوظ، فإنكم إن لم تذاكروا هذا الحديث ينفلت منكم، ولا يقولن أحدكم حدثت أمس فلا أحدث اليوم، بل حدثت أمس، ولتحدث اليوم ولتحدث غدا ” (٢).واتخذت القلة المؤمنة موقفا مماثلا.

قال الراوي: ” أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى، وقد اجتمع عليه الناس يستفتونه، فأتاه رجل، فوقف عليه ثم قال له: ” ألم تنه عن الفتيا؟ فرفع رأسه إليه فقال: أرقيب أنت علي؟ لو وضعتم الصمامة على هذه – وأشار إلى قفاه -، ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من رسول الله قبل أن تجيزوه علي لأنفذتها ” (٣).

وكان علقمة بن قيس النخعي يقول: ” أطيلوا كر الحديث لا يدرس ” (٤).

ولولا أهل بيت النبوة، والقلة المؤمنة، لتمكنت تلك السياسة الغاشمة تجاه سنة رسول الله من اجتثاث السنة من جذورها.

 

 

(١) سنن الدارمي ج ١ ص ١٢٢، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص ٦٠ و ١٤٦، وشرف أصحاب الحديث ص ٦٩.(٢) سنن الدارمي ج ١ ص ١١٩، وشرف أصحاب الحديث ص ٩٥، وتدوين السنة ص ٥٦٥.

(٣) سنن الدارمي ج ١ ص ١١٢، وصحيح البخاري ج ١ ص ٢٧، وفتح الباري ج ١٨ ص ١٧٠، وحجية السنة ص ٤٦٣ – ٤٦٤.

(٤) مختصر تاريخ دمشق ج ١٧ ص ١٧٢، وسير أعلام النبلاء، ج ٤، ص ٥٧.

 

٣١٦

الفصل الثامن
اعتذارهم عما فعل الخلفاء بسنة الرسول!!

 

الحرص على القرآن

قالوا: إن السبب الذي دفع عمر بن الخطاب ليحول بين الرسول وبين كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية هو حب عمر بن الخطاب للقرآن، وثقته المطلقة بأن القرآن وحده يكفي!! من أجل ذلك كسر عمر وحزبه بخاطر الرسول وحالوا بينه وبين كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية!!

وقالوا: إن السبب الذي دفع عمر بن الخطاب ليجمع سنة الرسول المكتوبة عند المسلمين ويجمع الكتب المحفوظة لديهم ثم يأمر بحرقها ويحرقها بالفعل هو رغبة عمر الجامعة بأن لا يشغل المسلمين عن القرآن شاغل!!! لذلك أحرق سنة الرسول المكتوبة وأحرق الكتب حتى لا تشغل المسلمين عن القرآن.

وقالوا أيضا: إن أبا بكر قد أمر المسلمين بأن لا يحدثوا عن رسول الله شيئا، وأحرق الأحاديث النبوية التي سمعها شخصيا من رسول الله وكتبها بخط يده لأن أبا بكر حريص على القرآن.

وقالوا: إن عمر بن الخطاب قد نهى الناس عن رواية سنة الرسول وتهدد

٣١٧
من يرويها وحبس الرواة حتى لا يصد المسلمين عن القرآن بالحديث!! وحتى لا يشغلهم عن القرآن بسنة الرسول!! (١).ولكن القرآن نفسه قد طلب من الخلفاء ومن كافة المسلمين، بأن يأخذوا ما آتاهم الرسول وأن ينتهوا عما نهى. قال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (٢) فكيف يأخذون ما آتاهم الرسول، وكيف ينتهون عما نهاهم عنه، إذا حرقوا سنة رسول الله المكتوبة، ومنع رواية سنة الرسول!!

ثم إن القرآن الكريم يطلب من الخلفاء ومن الناس قاطبة أن يتبعوا الرسول. قال تعالى مخاطبا نبيه: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) (٣) فهل يتحقق اتباعهم للرسول بحرق سنة الرسول ومنع روايتها!!!

ثم إن القرآن الكريم قد بين بأن مهمة الرسول أن يبين للناس ما نزل إليهم من ربهم قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) (٤) وقال أيضا: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه ولا هدى ورحمة لقوم يؤمنون) (٥).

فهل يدلنا الخلفاء وأولياءهم كيف يفهمون القرآن دون بيان النبي لهذا القرآن!!! إن القرآن قد أجمل أحكامه، وأوحي للنبي تفصيلات هذه الأحكام من صلاة وزكاة وحج نظام حكم وجهاد ومعاملات،… الخ فهل ذكر القرآن عدد ركعات كل صلاة مع أن الصلاة عماد الدين، فإذا أحرقوا

 

(١) في الفصل السابق وثقنا كل كلمة ذكرناها في هذه الصفحة.(٢) سورة الحشر، الآية ٧.

(٣) سورة آل عمران، الآية ٣١.

(٤) سورة النحل، الآية ٤٤.

(٥) سورة النحل، الآية ٦٤.

 

٣١٨
المكتوب من السنة وحرموا رواية السنة فكيف يفهمون بيان القرآن!!ثم إن القرآن الكريم قد أعلن بكل وضوح بأن الرسول لا ينطق عن الهوى، بل يتبع ما يوحى إليه من ربه في كل ما يصدر عنه من أقوال وأفعال وتقريرات، وتوثيقا من الله تعالى لسنة نبيه وتصديقا لها تولى الله تعالى بنفسه ومن خلال القرآن الذي يتذرعون به نشر هذا الإعلان النبوي بقوله تعالى:

(قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي) (١) وأعلن الله باسم رسوله قائلا: (إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين) (٢).

 

التثبت من سنة الرسول

واعتذروا عن إحراق الخلفاء للمكتوب من سنة الرسول، ومن منعهم للمسلمين من أن يحدثوا شيئا عن رسول الله بأن الخلفاء كان هدفهم التثبت من سنة الرسول، والحقيقة أن هذا العذر قد اختلقه أولياء الخلفاء للاعتذار عنهم ولتبرير أفعالهم، مع أن الخلفاء أنفسهم لم يعتذروا بهذا العذر.

إن نصوص المراسيم التي أصدرها الخلفاء تتعارض تماما مع هذا العذر فعندما يقول الخليفة بمرسومه: ” فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا ” فهذا القول من الوضوح بحيث أنه لا يحتمل أي تأويل آخر.

لقد أوهم الخليفة عمر المسلمين بأنه يريد أن يجمع سنة الرسول، وناشد الناس أن يأتوه بما هو مكتوب عندهم من سنة الرسول، كما ناشدهم بأن يأتوه بالكتب المحفوظة لديهم لينظر بها، فهل فتح الخليفة أي كتاب من هذه الكتب أو نظر بأي صحيفة من تلك الصحف، أو قرأ أي حرف من الحروف المكتوبة بها حتى يثبت، لم يرو راو قط أن الخليفة قد فعل ذلك إنما المشهور عند كافة المسلمين بأن الخليفة قد أمر بتحريفها وحرقها فعلا

 

(١) سورة الأعراف، الآية ٢٠٣.(٢) سورة الأحقاف، الآية ٩.

 

٣١٩
دون أن ينظر إليها!! فهل هذا هو التثبت الذي تقصدونه!!! 

اعتذارهم بأن الرسول هو الذي أمر بعدم تدوين وعدم رواية سنته المباركة

عندما انهار عذرهم القائل بأن الخلفاء قد أحرقوا سنة الرسول المكتوبة ومنعوا رواية السنة حبا بالقرآن الكريم، وإيمانا منهم بأنه يكفي ” حسبنا كتاب الله “!!!

بحثوا عن عذر جديد فقالوا: إن الخلفاء قد أحرقوا سنة رسول الله المكتوبة ومنعوا رواية السنة حبا بالتثبت!! ولكن مراسيم الخلفاء وأساليبهم كشفت زيف هذا الاعتذار.

لذلك اخترعوا عذرا ثالثا جديدة مفاده أن الخلفاء قد أحرقوا المكتوب من سنة الرسول، ومنعوا الرواية لأن رسول الله هو الذي أمر بعدم تدوين وعدم رواية سنة المباركة!!! ودعما لهذا العذر وضعوا سلسلة من الأحاديث المكذوبة منها ” لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ” (١) وأنهم استأذنوا النبي في أن يكتبوا عنه فلم يأذن لهم (٢) وأن الرسول قد نهى أن يكتب شيئا من حديثه (٣) بل والأعظم من ذلك بأنهم قالوا: ” إنهم قد حرقوا ما كتبوه من سنة الرسول أمامه ” (٤).

وبموجب هذه الأحاديث فإن الخلفاء عندما حرقوا سنة الرسول المكتوبة، ومنعوا الرواية عن رسول الله فقد كانوا ينفذون أمرا قد أصدره

 

(١) صحيح مسلم ج ٤ ص ٩٧، وسنن الدارمي ج ١ ص ١١٩ والمقدمة باب ٤٢، ومسند أحمد ج ٣ ص ١٢ و ٣٩ و ٥٦.(٢) سنن الدارمي المقدمة باب ٤٢.

(٣) مسند أحمد ج ٣ ص ١٢ – ١٣.

(٤) مسند أحمد ج ٥ ص ١٨٢، وسنن أبي داود ج ٣ ص ٣١٩.

 

شاهد أيضاً

اليوم النوعي للمقاومة الإسلامية.. إما يذعن العدو الآن أو الآتي اعظم

عبد الحسين شبيب حتى تاريخه؛ يمكن القول إن الرابع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 ...