أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ٣٠١ – ٣٢٠
وهكذا نجح الخليفة الثاني باستبعاد سنة الرسول استبعادا تاما، ونجح بفرض ذلك على رعايا دولته، فصار إبعاد سنة الرسول من واقع الحياة العملية والاحتفاظ ب ” القرآن ” وحده هو الهدف المشترك للخليفة وولاته
(٣) كنز العمال ج ١٠ ص ٢٩١.
(٤) راجع بيان العلم ج ٢ ص ١٤٧، وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ٤ – ٥، والطبقات لابن سعد ج ٦ ص ٧، وسنن الدارمي ج ١ ص ٧٣، وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٧٣، والمستدرك على الصحيحين ج ١ ص ١١٠ ومعالم المدرستين ج ٣ ص ٤٥، وتدوين السنة ص ٤٣١.
(٥) المحدث الفاضل ص ٥٥٤ رقم ٧٤٦، والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٦٠، وتدوين السنة ص ٤٣١، وأخبار المدينة ج ٣ ص ٨.
(٦) صحيح مسلم ج ٣ ص ١٦٩٤، وموطأ مالك ج ٢ ص ٩٦٤، والرسالة للشافعي ص ٤٣٠، والطبقات الكبرى ج ٤ ف ١ ص ١٣ – ١٤.
(٧) الكامل لابن عدي ج ١ ص ١٨، والمستدرك للحاكم ج ١ ص ١١٠، والذهبي من ذيل المستدرك ومجمع الزوائد ج ١ ص ١٤٩، وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ٧.
فسنة الرسول هي التي يعترف عمر بها، وما لا يعترف به عمر لا يعترف به الخلفاء، فما أجازه عمر فهو سنة الرسول، وما لم يجزه عمر فليس من سنة الرسول في شئ.
عثمان بن عفان وسنة الرسول
قال محمود بن لبيد سمعت عثمان على المنبر يقول: ” لا يحل لأحد يروي حديثا عن رسول الله لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا عهد عمر ” (١) فما أجازه الخليفتان واعتبراه من سنة الرسول فهو منها بالفعل، وما لم يجيزاه فليس من سنة الرسول!!! وقد رأينا أن الخليفتين لم يجيزا من سنة الرسول إلا ما ندر!!
سنة الرسول في العهد الأموي
رأينا ما قاله عثمان على المنبر، ولما آلت الخلافة إلى معاوية سلك طريق أصحابه الذين مهدوا له الدرب للوصول إلى الخلافة، فكان معاوية يقول علنا: ” لا تحدثوا عن رسول الله ” (٢) قال ابن عدي: ” إن معاوية نهى أن يحدث عن رسول الله بحديث إلا حديثا ذكر على عهد عمر فأقره ” (٣)
(٣) الكامل لابن عدي ج ١ ص ٣٣، وج ١ ص ١٨، ومسند أحمد ج ٤ ص ٩٩، وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ٧.
معاوية يفصح ضمنا عن الغاية من منع رواية وكتابة سنة الرسول
التزم معاوية بالموقف الذي اتخذه الخلفاء الثلاثة من سنة الرسول، وأفصح ضمنا عن الغاية التي ابتغوها من وراء منع رواية وكتابة سنة رسول الله، والاعتماد على القرآن والقرآن وحده، فقد أصدر معاوية مرسوما عممه على كافة عماله على كافة الأقاليم الخاضعة لحكمه هذا نصه: ” أن برئت الذمة ممن روى شيئا في فضل أبي تراب وأهل بيته ” (٣) فهذه هي الحكمة التي ابتغاها الخلفاء من منعهم لرواية وكتابة سنة الرسول ومن إحراقهم للمكتوب منها!!! لأنهم إن فتحوا أبواب رواية السنة النبوية، وأعطوا المسلمين الحرية بروايتها فسيكتشف المسلمون بأن رسول الله قد عين الإمام عليا خليفة من بعده كما سمى أحد عشر خليفة يتعاقبون على الخلافة من بعد علي كلهم من ذرية النبي ومن صلب علي كما وثقنا، وسيكتشف المسلمون بأن الخلفاء قد غصبوا ما ليس لهم، وحالوا بين أهل بيت النبوة وبين حقهم الشرعي برئاسة الأمة الإسلامية، وعندما يكتشف
(٣) شرح النهج ج ٣ ص ٥٩٥ – ٥٩٦ تحقيق حسن تميم.
ومع أن معاوية سار على منهج الخلفاء الثلاثة الذين وطدوا له إلا أنه قد ركز تركيزا خاصا على ” المفصل ” أو السبب الرئيسي من المنع ” وهو الحيلولة بين المسلمين وبين معرفة فضل أبي تراب وأهل بيت النبوة.
ثم انتقل معاوية نقلة نوعية، واتبع أسلوبا جديدا لتدمير سنة الرسول وهو ما يمكن أن نطلق عليه ” حرب الفضائل ” فخلافا لسياسة دولة الخلافة القائمة على منع كتابة ورواية الرسول فقد أمر برواية فضائل ومناقب عثمان، ولما غصت البلاد بفضائل عثمان أمر برواية فضائل الصحابة، والخلفاء الأولين، وجاء في مراسيمه ما يلي وبالحرف: ” ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب وأهل بيته إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة!! ” وهكذا لم يفتح معاوية باب الرواية عن رسول الله في مجالي الفضائل والمناقب فحسب، بل فتح باب الوضع والكذب على رسول الله!!
وخصص معاوية للرواة صلات وكساء وحباء وقطائع، فانبجست الأرض عن مئات الألوف من الرواة طمعا بما يعطيه معاوية، ووضعت الملايين من المناقب والفضائل التي لا وجود لها إلا في خيالات رواة معاوية، ثم أسندت كلها لرسول الله!!!
ثم فرض معاوية على الخاصة والعامة الاعتراف بهذه المرويات وحفظها وتدريسها، واعتبارها من وثائق الدولة الرسمية. قال ابن نفطويه:
” إن أكثر هذه المرويات مفتعلة، ولا أصل لها، وكان القصد منها إرغام
والخلاصة، أن قرار الخليفة الأول والثاني بمنع كتابة سنة الرسول ومنع روايتها بقي ساري المفعول حتى زمن عمر بن عبد العزيز الأموي المتوفى سنة ١٠١ ه، فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، رفع المنع عن كتابة ورواية سنة الرسول، وكتب إلى أهل المدينة: ” أن انظروا حديث رسول الله فاكتبوا، فإني خفت دروس العلم وذهاب أهله ” وكان ابن شهاب الزهري أول من دون الحديث على رأس المائة هجرية بأمر من عمر بن عبد العزيز ثم كثر التدوين والتصنيف (٢).
قال الشيخ محمد أبو زهرة: ” كاد القرن الأول ينتهي ولم يصدر أحد من الخلفاء أمره إلى العلماء بجمع الحديث، بل تركوه موكولا إلى حفظهم، ومرور هذا الزمن الطويل كفيل بأن يهذب بكثير من حملة الأحاديث من الصحابة والتابعين (٣).
(٣) الحديث والمحدثون ص ١٢٧، وتدوين السنة الشريفة ص ٤٨٢.
الفصل السابع
منع الخلفاء لكتابة ورواية سنة الرسول ليس شاملا كل السنة!!
صحيح أن أبا بكر قد أحرق الأحاديث التي سمعها بأذنيه من رسول الله وكتبها بخط يده، وصحيح أنه قد أمر المسلمين بأن لا يحدثوا شيئا عن رسول الهل، وصحيح أيضا أن عمر بن الخطاب قد أوهم الناس بأنه يريد أن يجمع سنة الرسول وناشدهم أن يأتوه بها لهذه الغاية، وصحيح أيضا بأنه قد ناشد الناس بأن يأتوه بالكتب الموجودة لديهم، فلما تجمعت بين يديه أمر بحرقها وحرقت فعلا، وصحيح أنه قد عمم على كافة الأقاليم الخاضعة لحكمه أن من كان عنده شئ من سنة الرسول فليمحه، وصحيح أيضا أنه قد نهى عن كتابة سنة الرسول، ونهى عن روايتها وحبس بعض الرواة، وضرب بعضهم، وتوعد بعضهم كما فصلنا ذلك في الفصل السابق.
ولكن المؤكد أن الخليفتين لم يقصدا المنع الشامل لكتابة ورواية سنة الرسول، إنما قصدا منع كتابة ورواية سنة الرسول المتعلقة بالرئاسة العامة من بعده، والمتعلقة بمكانة أهل بيت النبوة، والمتعلقة بالمنافقين وبأعداء الله ورسوله السابقين، والمتعلقة بتحذيراته من مكر الذين سير تدون على
وبالرغم من أن عمر بن الخطاب، قد شن حملة ضاربة على سنة رسول الله المكتوبة، وغير المكتوبة إلا أنه قد أباح للمسلمين بأن يرووا عن رسول الله ما يعمل به (١) فليس لدى الخليفة عمر أو غيره ما يمنع من رواية سنة الرسول المتعلقة بالصلاة والصوم والحج وغيرها من العبادات، لأن رواية سنة الرسول المتعلقة بمثل هذه الأمور لا تؤثر على حكمه ولا على نظامه، ولا على المنافقين وأعداء الله السابقين الذي استعان بهم!!
قال الدارمي في شرح لنهي عمر للوفد الذي أرسله للكوفة بأن لا يحدثوا عن رسول الله حتى لا يصدوا الناس عن القرآن: ” معناه عندي الحديث عن أيام الرسول وليس السنن والفرائض ” (٢).
لقد كان معاوية واضحا في هذه الناحية كل الوضوح فقد حدد الغاية من منع كتابة ورواية الرسول وهي صد الناس عن الإمام علي وأهل بيت النبوة حتى لا يكتشف الناس بأن معاوية وطواقمه غاصبون ما ليس لهم، وقد عالجنا هذا الموضوع في الفصول السابقة.
أحيانا تتفق بعض نصوص سنة الرسول مع ما تهوى أنفس الخلفاء، أو مع توجهاتهم فيمسكون بسنة الرسول، ويعضوا عليها بالنواجذ ويعتبرون الرسول معصوما، ولا ينطق عن الهوى!!! فحتى لو كان النص غير صحيح، أو غير ثابت، فإنهم يتركون القرآن ويتبعون سنة الرسول، عندما أرادوا أن يحرموا أهل بيت النبوة من تركة الرسول، روى راو واحد بأن رسول الله قد قال: ” إن الأنبياء لا يورثون ” (٣) عندئذ تمسك الخليفة الأول بسنة الرسول، ومع أنه هو الذي أمر الناس بأن لا يحدثوا عن رسول الله شيئا وأن يقول لمن يسأل عن شئ بيننا وبينكم كتاب الله، إلا أن الخليفة قد استمات بالدفاع عن سنة الرسول فقالت له الزهراء: (وورث سليمان داود)، وكلاهما نبي (يرثني ويرث من آل يعقوب) وهو نبي، وقالت: (وأولوا الأرحام
ولو أدركت خالد بن الوليد لوليته فإذا قدمت على ربي… قلت سمعت عبدك ونبيك يقول: خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله على المشركين ” (٢) أنت ترى أن الخليفة عمر يلتزم بالسنة بها، فخالد بن الوليد توجهه، ومع أن هذه السنة غير صحيحة لكنه يلتزم بها، فخالد بن الوليد أسلم بعد صلح الحديبية، وكان أحد أبرز قادة جبهة الشرك ولكن كان دوره بارزا في تثبيت الخلافة، وله ميزة أخرى أنه كان من الحاقدين على علي بن أبي طالب، وأهل بيت النبوة.
ويجدر بالذكر أن خالدا قد قتل عامل رسول الله وصاحبه مالك بن
فعندما أمر رسول الله أسامة طعن عمر بهذا التأمير، ورأى أن تأمير الرسول لأسامة غير صحيح وغير مناسب، وأخذ يحرض الناس على عدم الخروج، وحتى بعد موت الرسول طلب عمر من أبي بكر أن يعزل أسامة (٢) وعندما أراد الرسول أن يكتب وصيته وتوجيهاته النهائية، حال عمر وحزبه بين الرسول وبين كتابة ما أراد وقال أمامه وهو مريض: إن الرسول يهجر وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، كما وثقنا، وكم بين الرسول أمام عمر من أحكام بالإمام علي، لقد شهد عمر نفسه تنصيب الرسول للإمام علي خليفة من بعده، وبايعه عمر وهنأه بالخلافة، وبعد موت الرسول انقلب عليه، وتنكر لكل ما قاله الرسول في الإمام علي وفاطمة والحسن والحسين وأهل بيت النبوة!!! لقد هم عمر بحرقهم وهم أحياء في اليوم الثاني لوفاة الرسول.
وأهلية أبي عبيدة وخالد للخلافة لا تكمن في ما قاله الرسول عنهما بل تكمن بمشاركتهما لعمر بالشروع بحرق بيت فاطمة بنت الرسول في
طلب خالد القسري أحد ولاة بني أمية من أحد العلماء أن يكتب له سيرة الرسول، فقال ذلك العالم: ” فإنه يمر بي الشئ من سيرة علي بن أبي طالب أفأذكره؟ فقال خالد: لا، إلا أن تراه في قعر جهنم ” (٢) إذا تحدثوا عن سيرة الرسول أو سنة الرسول، فإنهم يريدونها سيرة مزورة تخدم ملكهم ومصالحهم، وتشهد لصالحهم زورا، فإذا لم يتمكنوا من إيجاد مثل هذه السيرة أو السنة، فلا داعي لسيرة ولا لسنة تشكل خطرا على دولتهم ووجودهم، وتخدم أعداءهم الألداء آل محمد ومن والاهم!!!
أهل بيت النبوة والقلة المؤمنة قاوموا سياسة الخلفاء الرامية إلى طمس سنة الرسول
على الرغم من أن الخلفاء قد أحرقوا سنة الرسول المكتوبة عند الناس، والكتب المحفوظة لديهم ومنعوا المسلمين من أن يحدثوا عن رسول الله شيئا، واستعانوا بسلطة الدولة ونفوذها لطمس سنة رسول الله، ومنع المسلمين من كتابة ورواية هذه السنة إلا أن أئمة أهل بيت النبوة، والقلة المؤمنة التي والتهم، قد تحدوا سياسة الدولة وقرارات منع كتابة ورواية السنة، فلم يستجيبوا للخليفة الثاني عندما ناشدهم بأن يأتوه بسنة الرسول المكتوبة عندهم، بأن الخليفة يريد أن يحرق سنة الرسول المكتوبة، لأنهم يعلمون علم اليقين بأن الخليفة يريد أن يحرق سنة الرسول المكتوبة، وما قوله بأنه يريد أن يجمع السنة إلا وسيلة ليتمكن من حيازة السنة المكتوبة وحرقها.
ففي الوقت الذي كان فيه الخلفاء يأمرون المسلمين بأن لا يكتبوا سنة الرسول، ولا يرووا منها شيئا، كان أهل بيت النبوة يحثون المسلمين على التمسك بسنة نبيهم، وروايتها وحفظها وكتابتها، فكان الإمام علي يقول:
” قيدوا العلم بالكتاب، قيدوا العلم بالكتاب ” (١) وكان يقول: ” من يشتري مني
(٣) راجع سير أعلام النبلاء ج ٤ ص ٨٤، والأشباه والنظائر للسيوطي ج ١ ص ١٢ – ١٤، وتاريخ الخلفاء ص ١٤٣، والفهرست لابن النديم ص ٤٥، وتدوين السنة ص ١٤٣ – ١٤٤.
(٤) راجع نهج البلاغة طبعة صبحي الصالح ص ٤٢٧ – ٤٤٥.
وسار أئمة أهل بيت النبوة – كل في زمانه – على خط الإمام الرامي إلى فك الحصار الذي فرضه الخلفاء على كتابة ورواية سنة الرسول، فما من إمام من الأئمة إلا وكانت له كتبة، فكانوا يكتبون، ويملون على شيعتهم، ويجيبون على أسئلة السائلين، ويروون سنة الرسول عن آبائهم وأجدادهم، ويأمرون المسلمين بأن يكتبوا وينشروا سنة رسول الله.
جمع الإمام الحسن ولده وولد أخيه فقال لهم: ” يا بني وبني أخي إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبارا آخرين، فتعلموا العلم، فمن لم يستطع منكم أن يرويه فليكتبه، وليضعه في بيته ” (٣).
قال الإمام الحسين في خطبة له بمنى… ” اسمعوا مقالي، واكتبوا قولي ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم… فإني أتخوف أن يدرس هذا الأمر، ويذهب الحق ” (٤).
لقد كون الأئمة – كل في زمانه – وأتباعهم جبهة معارضة واقعية لسياسة دولة الخلاف وسنة الخلافة الرامية إلى طمس سنة رسول الله، وقد أثمرت معارضتهم لأن المؤمنين الصادقين قد التزموا بخط أهل بيت النبوة، ونفذوا توجيهات الأئمة الرامية إلى كتابة ونشر سنة الرسول، وفك الحصار المفروض عليها من الدولة وكان الإمام علي يقول: ” تذاكروا هذا الحديث
(٣) طبقات ابن سعد ترجمة الإمام الحسن، وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٢٧، وسنن الدارمي ج ١ ص ١٠٧.
(٤) كتاب سليم بن قيس ص ١٦٥، وتدوين السنة ص ١٤٨.
قال الراوي: ” أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى، وقد اجتمع عليه الناس يستفتونه، فأتاه رجل، فوقف عليه ثم قال له: ” ألم تنه عن الفتيا؟ فرفع رأسه إليه فقال: أرقيب أنت علي؟ لو وضعتم الصمامة على هذه – وأشار إلى قفاه -، ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من رسول الله قبل أن تجيزوه علي لأنفذتها ” (٣).
وكان علقمة بن قيس النخعي يقول: ” أطيلوا كر الحديث لا يدرس ” (٤).
ولولا أهل بيت النبوة، والقلة المؤمنة، لتمكنت تلك السياسة الغاشمة تجاه سنة رسول الله من اجتثاث السنة من جذورها.
(٣) سنن الدارمي ج ١ ص ١١٢، وصحيح البخاري ج ١ ص ٢٧، وفتح الباري ج ١٨ ص ١٧٠، وحجية السنة ص ٤٦٣ – ٤٦٤.
(٤) مختصر تاريخ دمشق ج ١٧ ص ١٧٢، وسير أعلام النبلاء، ج ٤، ص ٥٧.
الفصل الثامن
اعتذارهم عما فعل الخلفاء بسنة الرسول!!
الحرص على القرآن
قالوا: إن السبب الذي دفع عمر بن الخطاب ليحول بين الرسول وبين كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية هو حب عمر بن الخطاب للقرآن، وثقته المطلقة بأن القرآن وحده يكفي!! من أجل ذلك كسر عمر وحزبه بخاطر الرسول وحالوا بينه وبين كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية!!
وقالوا: إن السبب الذي دفع عمر بن الخطاب ليجمع سنة الرسول المكتوبة عند المسلمين ويجمع الكتب المحفوظة لديهم ثم يأمر بحرقها ويحرقها بالفعل هو رغبة عمر الجامعة بأن لا يشغل المسلمين عن القرآن شاغل!!! لذلك أحرق سنة الرسول المكتوبة وأحرق الكتب حتى لا تشغل المسلمين عن القرآن.
وقالوا أيضا: إن أبا بكر قد أمر المسلمين بأن لا يحدثوا عن رسول الله شيئا، وأحرق الأحاديث النبوية التي سمعها شخصيا من رسول الله وكتبها بخط يده لأن أبا بكر حريص على القرآن.
وقالوا: إن عمر بن الخطاب قد نهى الناس عن رواية سنة الرسول وتهدد
ثم إن القرآن الكريم يطلب من الخلفاء ومن الناس قاطبة أن يتبعوا الرسول. قال تعالى مخاطبا نبيه: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) (٣) فهل يتحقق اتباعهم للرسول بحرق سنة الرسول ومنع روايتها!!!
ثم إن القرآن الكريم قد بين بأن مهمة الرسول أن يبين للناس ما نزل إليهم من ربهم قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) (٤) وقال أيضا: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه ولا هدى ورحمة لقوم يؤمنون) (٥).
فهل يدلنا الخلفاء وأولياءهم كيف يفهمون القرآن دون بيان النبي لهذا القرآن!!! إن القرآن قد أجمل أحكامه، وأوحي للنبي تفصيلات هذه الأحكام من صلاة وزكاة وحج نظام حكم وجهاد ومعاملات،… الخ فهل ذكر القرآن عدد ركعات كل صلاة مع أن الصلاة عماد الدين، فإذا أحرقوا
(٣) سورة آل عمران، الآية ٣١.
(٤) سورة النحل، الآية ٤٤.
(٥) سورة النحل، الآية ٦٤.
(قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي) (١) وأعلن الله باسم رسوله قائلا: (إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين) (٢).
التثبت من سنة الرسول
واعتذروا عن إحراق الخلفاء للمكتوب من سنة الرسول، ومن منعهم للمسلمين من أن يحدثوا شيئا عن رسول الله بأن الخلفاء كان هدفهم التثبت من سنة الرسول، والحقيقة أن هذا العذر قد اختلقه أولياء الخلفاء للاعتذار عنهم ولتبرير أفعالهم، مع أن الخلفاء أنفسهم لم يعتذروا بهذا العذر.
إن نصوص المراسيم التي أصدرها الخلفاء تتعارض تماما مع هذا العذر فعندما يقول الخليفة بمرسومه: ” فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا ” فهذا القول من الوضوح بحيث أنه لا يحتمل أي تأويل آخر.
لقد أوهم الخليفة عمر المسلمين بأنه يريد أن يجمع سنة الرسول، وناشد الناس أن يأتوه بما هو مكتوب عندهم من سنة الرسول، كما ناشدهم بأن يأتوه بالكتب المحفوظة لديهم لينظر بها، فهل فتح الخليفة أي كتاب من هذه الكتب أو نظر بأي صحيفة من تلك الصحف، أو قرأ أي حرف من الحروف المكتوبة بها حتى يثبت، لم يرو راو قط أن الخليفة قد فعل ذلك إنما المشهور عند كافة المسلمين بأن الخليفة قد أمر بتحريفها وحرقها فعلا
اعتذارهم بأن الرسول هو الذي أمر بعدم تدوين وعدم رواية سنته المباركة
عندما انهار عذرهم القائل بأن الخلفاء قد أحرقوا سنة الرسول المكتوبة ومنعوا رواية السنة حبا بالقرآن الكريم، وإيمانا منهم بأنه يكفي ” حسبنا كتاب الله “!!!
بحثوا عن عذر جديد فقالوا: إن الخلفاء قد أحرقوا سنة رسول الله المكتوبة ومنعوا رواية السنة حبا بالتثبت!! ولكن مراسيم الخلفاء وأساليبهم كشفت زيف هذا الاعتذار.
لذلك اخترعوا عذرا ثالثا جديدة مفاده أن الخلفاء قد أحرقوا المكتوب من سنة الرسول، ومنعوا الرواية لأن رسول الله هو الذي أمر بعدم تدوين وعدم رواية سنة المباركة!!! ودعما لهذا العذر وضعوا سلسلة من الأحاديث المكذوبة منها ” لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ” (١) وأنهم استأذنوا النبي في أن يكتبوا عنه فلم يأذن لهم (٢) وأن الرسول قد نهى أن يكتب شيئا من حديثه (٣) بل والأعظم من ذلك بأنهم قالوا: ” إنهم قد حرقوا ما كتبوه من سنة الرسول أمامه ” (٤).
وبموجب هذه الأحاديث فإن الخلفاء عندما حرقوا سنة الرسول المكتوبة، ومنعوا الرواية عن رسول الله فقد كانوا ينفذون أمرا قد أصدره
(٣) مسند أحمد ج ٣ ص ١٢ – ١٣.
(٤) مسند أحمد ج ٥ ص ١٨٢، وسنن أبي داود ج ٣ ص ٣١٩.