قانون تجريم الإساءة للمرجعيات الدينية، أو سب العلماء! (القراءة – لماذا الآن – ما رأي المرجعية الدينية – ما الحل؟) (ج1)
حازم أحمد فضالة
17-تموز-2023
ادَّعى حزب التيار الصدري، في: 15-تموز-2023، بمنشور للسيد حسن العذاري، ذكر به، أنَّ بعض شخصيات حزب الدعوة الإسلامية، أساءت للسيد الشهيد محمد صادق الصدر (رض)، وأنَّ (حركة عصائب أهل الحق ساكتة عن ذلك)؛ إذ قال السيد العذاري:
(وإذا كانت الجهات المذكورة بصدد إثبات برائتها من ذلك فعليهم تشريع قانون يجرّم إتّهام السيد الشهيد ومرجعيته الناطقة والإساءة إليه… ) انتهى.
بدأ حزب التيار الصدري في:16-تموز-2023، حملة عنف بإغلاق بعض مكاتب دولة القانون في المحافظات، ونُسِبَ إليهم استهداف بعض مقرات الحشد الشعبي استهدافًا غير مسؤول اعترض عليه السيد مقتدى الصدر. بعد أن أعلن السيد العذاري، مطالبته تشريع قانون: (يجرّم إتّهام السيد الشهيد… )
غرَّدَ السيد مقتدى الصدر اليوم: 17-تموز-2023 (مستَدرِكًا) ليسمي القانون: (تجريم سب العلماء)! بعد أن قرأ ما طرحه الإطار التنسيقي والجمهور، من عنوان للقانون، وهو: (تجريم الإساءة للمرجعيات الدينية).
من أجل ذلك، نعرض قراءتنا وتحليلنا لجذور الحدث، والتداعيات والأسباب، مع الحل:
القراءة:
1- حزب التيار الصدري، يريد العودة إلى العملية السياسية، بعد استقالته من مجلس النواب في: 12-حزيران-2022؛ ليبدأ من مشاركته في انتخابات مجالس المحافظات، التي يفترض أن تبدأ في: 18-كانون الأول-2023، وهو حق مشروع بصفته حزبًا سياسيًّا لا يختلف عن أي حزب سياسي آخر، لكن! يحتاج حزب التيار الصدري، إلى رافعة للعودة، فاستغل جريمة السويد المفتعلة (حرق المصحف)، وحشد ما استطاع من سرايا السلام للتظاهر، مستفيدًا من تظاهرات الجمهور الموجودة في الميدان سلفًا.
2- فوجِئ حزب التيار الصدري، بملف قفز إلى السطح، وهو ملف (إليزابيث تسوركوف: الجاسوسة الإسرائيلية الإرهابية السحاقية)؛ التي كانت قد استغلت بعضهم عن علم أو دون علم، والتقطت معهم الصور، والتقت بهم ووثقت اللقاءات… وهذه الانتكاسة القاسية بحاجة إلى معالجة!
3- قرر حزب التيار الصدري، التظاهر قرب القصور الرئاسية في البصرة، بحجة ضرورة إخلاء القصور بإخراج الحشد الشعبي منها. هذه الحركة تعمل (ملف مشاغلة)، لإبعاد الرأي العام عن قضية تسوركوف؛ التي ورطه بها بعض عمال الإعلام في حزب التيار الصدري، الذين لا يفقهون ما يكتبون، وكنا قد حذَّرْنا التيار منهم كثيرًا.
4- لم يستطع حتى الآن، حزب التيار الصدري، أن يعرض أي دليل على مدَّعى؛ أنَّ حزب الدعوة، أساء إلى السيد الشهيد الثاني (رض).
5- وقَع الإطار التنسيقي بكمين (ردِّ الفعل)، وتحرك منفعلًا، محاولًا وضع مقترح تشريع قانون (تجريم الإساءة للمرجعيات الدينية)، لكن! بعد وقوعهم في الفخ، أعلن السيد مقتدى الصدر أنَّ اسم القانون هو: (تجريم سب العلماء)! ولم يذكر (مصطلح المرجعية) في تغريدته، في: 17-تموز-2023. ولا أحد يعلم المعايير التي يجب اعتمادها، لتوصيف هؤلاء العلماء المقصودين!
6- يتصور الإطار التنسيقي، أنَّ المرجعية الدينية في النجف الأشرف، سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله)، تدعم هذا المشروع! لكن الذي نعتقده أنَّ الإطار التنسيقي أخطأوا تقويم الموقف، وسنذكر دليلنا على ذلك، في الجزء الآخر من الدراسة.
7- إنَّ مقترح تشريع قانون جديد بعنوان (تجريم الإساءة للمرجعيات الدينية، أو سب العلماء!) ليس له داعٍ، وهو (مأزق ليبرالي) فالدستور يحظر هذا المستوى من الإساءة، وقانون العقوبات العراقي كذلك، وبإمكان مجلس القضاء الأعلى توكيد تلك المواد، وتشديد الرقابة على تطبيقها بحق مخالفيها.
ليس من مصلحة التشريعات زيادة قانون جديد؛ يمكن الاستغناء عنه بتعديلات مُيَسَّرة لبعض المواد المُقَنَّنة.
لماذا الآن؟
1- هذا المشروع، يغطي على أخطر ملف ثقافي واجتماعي وقيمي وأخلاقي؛ كتبنا عنه وحولناه إلى رأي عام تقريبًا، وهو (#النوع_الاجتماعي_للفاحشة) إذ بدأ بعض النواب توجيه الاستفسارات عنه إلى الحكومة، وبدأ بعض الوزراء إلغاء وجوده الخبيث من وزاراتهم، وبدأت دراسة لردعه بمعالجات قانونية.
2- الخطة البريطانية ما بعد التقاء مرحلة المرجعية الدينية (عصرَ الإنترنت)؛ هي تذويب مؤسسة المرجعية الدينية، إذ طرحت بريطانيا في العراق، مشاريع خبيثة مثل (شورى الفقهاء، تعدد المرجعية… ) لتفكيك مؤسسة المرجعية الدينية، وهدم الحوزة العلمية، والقضاء على عناصر قوة الشيعة في العالم.
(ج2 الأخير)
حازم أحمد فضالة
17-تموز-2023
ما رأي المرجعية الدينية نفسها؟
1- كتاب مكتب السيد السيستاني، في: 13-نيسان-2020، الموجه إلى السيد حيدر كطوف علي (قاضي محكمة جنح الحلة المحترم)؛ نَصَّ كتاب المكتب على الآتي:
(اطلعنا اليوم على الحكم الصادر من محكمتكم المحترمة، بتاريخ: 5-12-2019، على المواطن (كاظم عبيس عبد) بالحبس الشديد مدة سنتين لقيامه بنشر ما يسيء إلى سمعة ومكانة المرجع الأعلى السيد السيستاني، على صفحته الشخصية.
يهمّنا أن نحيطكم علمًا بأن سماحة السيد (دام ظله) لا يرضى أبدًا بأن يعاقَب شخص بسبب نشره ما يتضمن الإساءة إليه. وبهذا يرجى اتخاذ أقصر الإجراءات القانونية للإفراج عن المواطن المذكور وإخلاء سبيله وشكرًا.)
انتهى
من أجل ذلك، كنا قد ذكرنا في الجزء الأول من الدراسة هذه، في فقرة (القراءة-5)، أنه من الواجب الاطلاع على رأي المرجعية الدينية، قبل التورط في هذا التشريع.
2- إنَّ مشروع القانون موضع الحديث، لا يستطيع وضع ضابطة ومعيار (جامع مانع)، لتحديد (مَن المرجع، فضلًا عن العالِم)! فالحوزة العلمية مدرسة عمرها أكثر من (1000) عام، وهي تسبق الأكاديميات وبرامجها وضوابطها كلها، لذلك فإنَّ هذا القانون؛ سوف يساوي بين المرجع الحقيقي بوزن (السيدين العليين، أو السيد الشهيد الثاني، أو كل مراجعنا المعروفين)؛ يساويهم مع شخصية بوزن (سقط المتاع) تسمي نفسها مرجعًا دينيًا! -حاشا مراجعنا الكرام-.
3- سيساوي مشروع القانون موضع الحديث، بين أسامة بن لادن وأبي بكر البغدادي والعرعور الإرهابيين ودعاة الإرهاب… إلخ من جهة، وبين السيد الشهيد الصدر، والسيد الشهيد الحكيم، والطبأطبائي، والشيخ بهجت وأمثال هذه القامات من جهة أخرى!
4- القانون هذا يحط من شأن المرجعية الدينية في العالَم الإسلامي، فالمرجعية الدينية لا تلاحق كل من يسيء إليها بالعقوبات القانونية، بل توجه إليه دروسًا بالتربية والأخلاق والصفح والعفو… وهذه سيرة نبينا الأعظم وآل بيته الأطهار (ص)، فالإساءة بالقول، غير حمل السيوف، أو البنادق ومحاصرة بيوت المراجع، وإحراق مراقدهم!
5- هذا القانون محاولة ليبرالية ملونة -ليقع بها المشرع العراقي- لاستصغار شأن المرجعية، وإقحام العلماني والليبرالي وأهل الفاحشة؛ في وضع قوانين تحدد صفات المرجع وخلطها بمصطلح (العالِم)، وتتدخل في منهاج الحوزة العلمية، وشهادة الاجتهاد؛ وتحقيق أكبر اختراق منهجي تأسيسي في مؤسسة المرجعية الدينية، والحوزة العلمية؛ في تاريخ النجف الأشرف، فضلًا عن المأزق الذي طرأ على القانون بتغيير اسمه في تغريدة السيد مقتدى الصدر اليوم: 17-تموز-2023، من (المرجع) إلى (العلماء)!
ما الحل؟
1- يجب استشارة المرجعية الدينية في النجف الأشرف، المتمثلة بآية الله العظمى سماحة السيد السيستاني (دام ظله)؛ قبل الانزلاق بكمين تشريع هذا القانون.
2- يمكن لقادة الإطار التنسيقي، جمع المواد الدستورية، والمواد القانونية من قانون العقوبات العراقي رقم 111 سنة (1969)، والمواد المعدلة في القانون رقم (2) سنة 1995؛ التي تعالج إساءة بمثل هذا المستوى، وعرض المواد في الإعلام ومراكز الدراسات، بعد استشارة المتخصصين، وتكون هي الإجابة الشافية عمَّا أُثير بشأن الحاجة لتشريع قانون جديد، ويكشف الإطار التنسيقي للجمهور، أنَّ الدستور والقوانين النافذة تعالج مثل هذه الإساءات، ويمكن لأي مواطن إقامة الدعوى على من يسيء إلى مقام المرجعيات الدينية، على وفق القانون (المشتكي: الحق العام).
3- حكَمَ القاضي حيدر كطوف علي (قاضي محكمة جنح الحلة المحترم) على وفق المادة (372/ 1 من قانون العقوبات والمعدلة بالقانون رقم 2 سنة 1995)، على المدان (كاظم عبيس عبد) بسبب إساءته لمقام المرجعية الدينية، وهذا ما ذكرناه في النقطة الأولى من هذا الجزء من الدراسة، وإلا على وفق أي مادة قانونية رُفِعَت الشكوى بحق من أساء لمقام المرجعية الدينية، وكيف استطاع القاضي أن يحكم؛ إن لم تكن المواد القانونية تعالج الإساءة للمرجعية الدينية؟!
4- تجنبوا تخمة تشريعات القوانين، إلا للضرورة القصوى، واعتمِدوا (التعديلات)؛ بعد عرْضِها على المتخصصين، والنُّخَب، ومراكز الدراسات.