الرئيسية / تقاريـــر / هل دخلت أوكرانيا مرحلة الإنهيار الإدراكي؟

هل دخلت أوكرانيا مرحلة الإنهيار الإدراكي؟

آراء وتحليلات

هل دخلت أوكرانيا مرحلة الإنهيار الإدراكي؟

15/08/2023

عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية

تعريف مصطلح الإنهيار الإدراكي: من الضروري توضيح المقصود بالإنهيار الإدراكي كمصطلح يتجاوز البعد الشخصي لنقارب من خلاله وضعية دولة أو جماعة، وهو دلالة على الوضعية التي وصلت اليها الدولة أو الجماعة وهي في حالة الحرب كما الوضعية الحالية في أوكرانيا.

الإنهيار كتعريف عام هو فقد مقومات الاستمرار وعدم القدرة على الثبات ما يؤدي الى الإستسلام للواقع.

في حالة أوكرانيا وحالات أخرى شبيهة فإننا نقصد بالإنهيار الإدراكي هو وصول قيادة الدولة أو الجماعة إلى إدراك استحالة الإستمرار في المواجهة ما يؤدي الى الإستسلام والدخول في مرحلة الإنهيار العسكري تمهيداً للدخول في مرحلة الهزيمة.

والأسئلة هنا: هل دخلت أوكرانيا مرحلة الإنهيار الإدراكي؟ وكم يلزم من الوقت للدخول في مرحلة الإنهيار العسكري؟ وما هي المؤشرات الرئيسية على ذلك في الأبعاد العسكرية والإقتصادية والديموغرافية، إضافة الى العديد من المؤشرات التراكمية والتي تحتاج الى الوقت حتى تصبح مؤشرات مضافة للمؤشرات الرئيسية؟

في البعد العسكري:

لا يعتبر أحدٌ سوى إعلام الغرب الجماعي أن أوكرانيا تحقق إنجازات عسكرية وتحاول تبيين ذلك من خلال القول إن أوكرانيا صمدت في وجه اقوى ثاني جيش في العالم، وأنها استطاعت استرجاع بعض الأراضي التي سيطر عليها الجيش الروسي في بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة، وأن الجيش الأوكراني استطاع الإنتقال الى الهجوم المضاد وينفّذ ضربات بالصواريخ والمسيّرات في العمق الروسي بما في ذلك العاصمة موسكو وأهداف استراتيجية أخرى كجسر القرم على سبيل المثال.

في الإجابة على هذا الطرح لا بدّ من القول إن ما يبني عليه الغرب الجماعي هو صحيح سواء بما يرتبط بالهجمات على العمق الروسي أو بما يرتبط بالهجمات المضادة، لكن السؤال المنطقي ماذا حققت هذه الهجمات على المستوى العملياتي والإستراتيجي؟

والجواب هو ما يُجمع عليه الكثير من الخبراء المحترمين الذين يحصرون تأثير الهجمات بالمسيّرات على العمق الروسي بالبعد الإعلامي وللتأثير في معنويات الشعب الروسي وهيبة روسيا أقلّه في الشكل وللإستخدام كمادة تسويقية للقول إن هناك تكافوءًا في القدرات بين روسيا وأوكرانيا.

أما بالنسبة للهجوم الأوكراني المضاد وعلى الرغم من توفير كافة مقوماته فإنه لم يتعدى كونه مجموعة كبيرة من المحاولات تبوء جميعها بالفشل ولا تحقق أي اختراق يُذكر في خط الدفاع الروسي، إضافة الى عدم قدرة الجيش الأوكراني التقدم حتى إلى المنطقة الرمادية في كثير من محاور القتال.

ومن نتائج هذا الهجوم المضاد إضافة إلى فشله أن عدد القتلى من الجيش الأوكراني خلال فترة الهجوم المضاد بلغ الـ 43 ألف قتيل وهو عدد كبير قارب ثلث القوات التي تم اعدادها لتنفيذ الهجوم، مضافاً للخسائر البشرية ما يقارب الـ 1500 آلية بين دبابة وعربة مدرعة بينها كامل دبابات ليبوبارد وأكثر من 85% من العربات المدرعة الغربية.
علمًا بأن الرقم الذي أعلنه الغرب الجماعي لعدد قتلى الجيش الأوكراني منذ بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة هو 150 ألف قتيل وهو رقم مُلطّف للعدد الفعلي والحقيقي الذي يتجاوز الـ 500 ألف قتيل بدليل تكثيف عمليات التجنيد الإجباري من قوات الإحتياط الأوكرانية.

في البعد الاقتصادي:

من المعلوم أن حوالي 90% من مناطق الثقل الاقتصادي الأوكراني والتي تحتوي على أكبر احتياطات العالم من التيتانيوم وخام الحديد، وحقول الليثيوم، فضلًا عن الرواسب الضخمة من الفحم، والتي تبلغ قيمتها مجتمعة عشرات التريليونات من الدولارات باتت تحت سيطرة الجيش الروسي والتي تم قبولها لاحقًا ضمن الإتحاد الروسي بعد الإستفتاءات الشعبية.

وللعلم فإن حرمان أوكرانيا من مواردها الخاصة كان سببًا في تقويض اقتصاد البلاد استراتيجيًا، وإرغام كييف على استيراد الفحم للإبقاء على إمدادات الكهرباء في المدن والبلدات التي لا تزال تحت سيطرتها.

وهذا ما يجعل تلك الثروات في أيدي الروس، إلى جانب كميات كبيرة من موارد الطاقة القيمة الأخرى والرواسب المعدنية التي تستخدم في كل شيء، من أجزاء الطائرات إلى الهواتف الذكية.

وعليه فإن كييف سوف تفقد القدرة على الوصول إلى نحو ثلثي احتياطها من الثروات الجوفية.

وستخسر أوكرانيا أيضاً كميات لا تحصى من الاحتياطيات الأخرى، بما في ذلك مخزونات الغاز الطبيعي والنفط والمعادن النادرة الضرورية لبعض المكونات في صناعة التكنولوجيا العالية التقنية وهو ما قد يدفع أوروبا الغربية للبحث عن بدائل للواردات من روسيا والصين.

عدا ذلك فإن سيطرة روسيا على بحر آزوف وأكثر من 50% من شواطيء أوكرانيا على البحر الأسود وخروج روسيا أخيراً من اتفاقية الحبوب كل ذلك ستشكل عوامل أساسية في وصول الاقتصاد الأوكراني إلى مرحلة الإنهيار مع وجود سبب رئيسي هام مضاف وهو فقدان اليد العاملة المنتجة إما بسبب التجنيد المكثف أو بسبب هجرة الشباب.

في البعد الديموغرافي:

منذ أيام أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الجمعة، إقالة جميع المسؤولين عن مراكز التجنيد العسكرية الإقليمية، وسط انتشار الفساد، مؤكدًا وجود 112 دعوى جنائية ضد مسؤولين في مكاتب التسجيل والتجنيد العسكرية.

وأضاف: “إحدى القضايا الرئيسية التي تمت مناقشتها، هي نتائج التفتيش على مكاتب التسجيل والتجنيد العسكرية، وفي الإجمالي، هناك 112 دعوى جنائية ضد مسؤولين في مكاتب التسجيل والتجنيد العسكرية”.

ومن بين تلك القضايا، أشار زيلينسكي إلى “الإثراء غير المشروع، وإضفاء الشرعية على الأموال التي تم الحصول عليها بشكل غير قانوني، والمزايا غير القانونية، والنقل غير القانوني للأشخاص المسؤولين عن الخدمة العسكرية عبر الحدود”.

ما صدر عن زيلنسكي يؤشر الى مشكلة كبيرة ترتبط بقدرة كييف على الحفاظ على المستوى الطبيعي للتجنيد والذي انخفضت فيه القدرة اكثر من 60 % وكمثال
فإن المدعوين الى الخدمة سنة 2024 سيبلغ مليون مجند يتواجد منهم في البلاد حوالي 400 الف سيكون اكثر من نصفهم في حالة تخفي وفرار وهو ما يحصل الآن.

المؤشر الخطير أيضًا بالنسبة لأوكرانيا هو بلوغ عدد المهاجرين خارج أوكرانيا حوالي 15 مليون مهاجر واغلبهم من أعمار الشباب القادر على الإنتاج والقتال وهو عدد يوازي ثلث عدد سكان أوكرانيا.

انطلاقاً من نتائج الأبعاد الثلاثة، من الطبيعي أن تدخل أوكرانيا خلال سنة من الآن كحد أقصى بدايات مرحلة الإنهيار كمقدمة لدخول القيادة الأوكرانية مرحلة ادراك هذا الإنهيار وعدم القدرة على تجاوزه أو إخفائه أو المكابرة والتنكر له كحقيقة وهو ما سيكون بمثابة الدخول إلى بوابة الإنهيار العسكري وهو بوجود الدعم الغربي غير المسبوق قد يؤخر عملية الإستسلام إلى سنتين أو ثلاثة كحد أقصى، علمًا أن الإنهيار بات أمرًا واقعًا وحدها الأيام ستظهره وتُعلن عنه.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...